Profile Image

تقوى القلوب

جهاد النفس وأثره على العقل

رويَ عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "إنما بُعِثت لأتمم مكارم الأخلاق" وقد تناول بعض العلماء شرح هذا الحديث في كتبهم الأخلاقية لما له من دلالة واضحة على ذلك ولكن لو بحثنا في الكنوز المحمدية لوجدنا جوهرة صادقية تشكل صورة جديدة لفهم هذا الحديث، حيث تأخذنا إلى أفق واسع وعالم رحب والحديث هو ما يُعرف بحديث جنود العقل والجهل، والحديث طويل ولكننا سنقف عند بعض محطاته لنستنير بنوره، على أننا نأخذ على قدرنا، فأسرار كلماتهم صلوات الله عليهم لا يمكن أن تُسبَر أغوارها. عن سماعة بن مهران، قال: "كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) وعنده جماعة من مواليه فجرى ذكر العقل والجهل، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) اعرفوا العقل وجنده والجهل وجنده تهتدوا... وهنا سنشير إلى عدة إشارات: الأولى: تعبير الإمام بالجند يذكرنا بساحة حرب وهي موطن جهاد الجنود. الثانية: إن العقل ليس بمفرده، بل له جنود يقوى بوجودهم. الثالثة: الهداية مسبوقة بالمعرفة، ولكن المعرفة لم تقتصر على جنود العقل وإنما جنود الجهل وذلك لمعرفة ما يجب إتباعه وما يجب اجتنابه. ثم يستمر الإمام في حديثه إلى أن يقول (صلوات الله عليه)... ثم جعل للعقل خمسة وسبعين جنداً فلما رأى الجهل ما أكرم به العقل وما أعطاه أضمر له العداوة، فقال الجهل: يا رب، هذا خلق مثلي خلقته وكرمته وقويته، وأنا ضده لا قوة لي به فأعطني من الجند ما أعطيته، فقال: نعم، إلى أن قال (عليه السلام): فكان مما أعطى العقل من الخمسة وسبعين الجند: الخير وهو وزير العقل وجعل ضده الشر وهو وزير الجهل، والإيمان وضده الكفر........ فللعقل خمسة وسبعون من الجند، وللجهل كذلك، وفي ساحة الحرب -والتي موقعها هنا نفس الإنسان- كلما قويت جهة فستضعف الجهة المضادة لها، وحتماً سيكون النصر حليفاً للأقوى. ولكن المُلفِت للنظر أن قوة العقل هي نفسها مكارم الأخلاق، فقد ورد في هذا الحديث "والرضا وضده السخط، والشكر وضده الكفران، والطمع وضده اليأس، والتوكل وضده الحرص..." فهذه الأخلاق الكريمة هي ليست فقط للمعايشة السلمية أو المعاشرة الطيبة وإنما هي لاكتمال أثمن ما وهبنا الله تعالى وهو العقل بل إن اكتمال إنسانية الإنسان هي في اكتمال القوة العاقلة وهيمنتها على مملكة النفس وبلا عقل سينحدر الإنسان إلى دركات البهيمية "إن هُم إلّا كَالأنعامِ بَل هُم أضلُّ سبيلاً" [آية 44 سورة الفرقان] وفي نهاية الحديث ورد: "لا تجتمع هذه الخصال كلها من أجناد العقل، إلا في نبيّ أو وصيّ نبيّ أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان وأمّا سائِر ذلك من موالينا فإنّ أحَدهم لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه الجنود حتى يستكمل وينقى من جنود الجهل فعند ذلك يكون في الدرجة العليا مع الأنبياء والأوصياء..." ويبين لنا الإمام (عليه السلام) بأن هذه الجنود مجتمعة في نبيّ أو وصيّ نبيّ أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان. ولكنه (صلوات الله عليه) يفتح لنا باب الأمل في قوله (لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه الجنود حتى يستكمل وينقى) أي إن بإمكاننا أن نسعى للتحلي بهذه الجنود وهذا يحصل بالجهاد الأكبر وهو جهاد النفس. إذن فعلى الموالي أن يستمر في الجهاد وفي تقوية جنود العقل حتى يتحقق له النصر بدحر جنود الجهل وطردهم من النفس، لترتفع راية الإيمان في مملكة نفسه فتصبح مملكة رحمانية ترتقي إلى مقام الأنبياء والأوصياء في الدنيا والآخرة . تقوى القلوب

اخرى
منذ 5 سنوات
3511

سيرٌ إلى كربلاء أم عروج إلى رب السماء

مع اقتراب يوم العشرين من صفر، يتجدد لعشاق الإمام الحسين (عليه السلام) موعد مع معشوقهم للسعي إليه سيراً على الأقدام، ومع مجيئهم تفتتح مدينة العجائب الحسينية أبوابها لاستقبالهم، فنرى فيها الأعاجيب. أربعينية الإمام الحسين (عليه السلام) هذه الشعيرة المقدسة والتي هي واحدة من علامات المؤمن كما ورد في الحديث عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) قال: "علامات المؤمن خمس صلاة إحدى وخمسين وزيارة الأربعين والتختم باليمين وتعفير الجبين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم" من يتأمل يجد فيها شبهاً كبيراً مع السعي إلى قرب الله تعالى، ويمكن إجراء المقارنة التالية: 1- السير الأول مادي ( وهو السير بالجسد) والثاني معنوي (وهو السير بالروح). 2- أن على القاصد لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) ان يخرج من بيته ومنزله لَيحث الخطى على طريق كربلاء الحسين، فكذا قاصد القرب من الله تعالى عليه أن يخرج من بيت نفسه ويحث الخطى عن طريق جهاد النفس وترك تلبية أهوائها ورغباتها و السعي لطلب مرضاة الله تعالى وقربه. 3- لابد للسائر أن يتغذى ليتقوّى جسده على السير للوصول إلى الغاية المنشودة، وهكذا هي الروح لا يمكنها المسير من دون غذاء أو زاد "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى". 4- السائر في طريق الحسين (عليه السلام) لا نراه يحمل الزاد، بل لعله يخجل من هذا العمل؛ لأنه في طريق الكرم والضيافة الحسينية، وهكذا يُفترض بنا كعباد لرب الجود والكرم أن لانحمل همّا لرزق غد لأن رب العباد قد تكفل به. 5- ولا نرى السائر للحسين (عليه السلام) يتخذ من الحسينيات الموجودة على جانبي الطريق منزلا ومقرا للمكوث فيها الى ما بعد الزيارة الأربعينية فليست هي غايته بالأصل بل هي بالنسبة له مجرد محطات استراحة لتعينه على الاستمرار في السير والوصول إلى غايته، إذاً لماذا نرى الكثير من الناس قد اكتفى بهذه الدنيا منزلا وقرارا وماهي إلا مزرعة للآخرة ومحطة للتزود منها إلى دار القرار. 6- أما قلوب عشاق الحسين (سلام الله عليه) فكل قلب يحمل ما وسعه أن يحمل من العشق الحسيني، فترى منهم من يُحدث نفسه طول الطريق بأنه سيكتفي بإلقاء السلام على الحبيب بمجرد رؤية القباب الذهبية لكعبة الإباء فمولاه لا يحده ضريح ولا يهم إن وصل للضريح أو لا، ومنهم من يحمل حباً في قلبه لمولاه يجعله لا يرضى بدون الاقتراب من ابواب الحضرة القدسية فيكتفي بالمكوث بالقرب من الضريح، ولكن البعض يرى من الغبن أن لا يدخل الصحن الحسيني فهو قد تحمّل أعباء السير ومشاقّه لليالي وأيام وفي النهاية يُلقي السلام من بعيد! ومنهم من أخذ العشق من قلبه مأخذ فهام حباً بمولاه ولا يقَر له قرار دون الوصول للضريح وشمّه وتقبيله حتى لو كلفه الامر أن تزهق روحه. إذن علينا أن نطمح أن نبلغ أعلى مراتب القرب لله تعالى ونسعى لذلك بجهدنا فهذا ما حثّنا عليه أئمتنا (صلوات الله عليهم أجمعين) ونجده في مضامين أدعيتهم، ومنها ما ورد في دعاء كميل: "واجعلني من أحسن عبيدك نصيباً عندك وأقربهم منزلةً منك وأخصهم زلفةً لديك فإنّه لا يُنال ذلك إلا بفضلك" تقوى القلوب

اخرى
منذ 5 سنوات
2529