تشغيل الوضع الليلي
سيرٌ إلى كربلاء أم عروج إلى رب السماء
منذ 6 سنوات عدد المشاهدات : 2726
مع اقتراب يوم العشرين من صفر، يتجدد لعشاق الإمام الحسين (عليه السلام) موعد مع معشوقهم للسعي إليه سيراً على الأقدام، ومع مجيئهم تفتتح مدينة العجائب الحسينية أبوابها لاستقبالهم، فنرى فيها الأعاجيب.
أربعينية الإمام الحسين (عليه السلام) هذه الشعيرة المقدسة والتي هي واحدة من علامات المؤمن كما ورد في الحديث عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) قال: "علامات المؤمن خمس صلاة إحدى وخمسين وزيارة الأربعين والتختم باليمين وتعفير الجبين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم"
من يتأمل يجد فيها شبهاً كبيراً مع السعي إلى قرب الله تعالى، ويمكن إجراء المقارنة التالية:
1- السير الأول مادي ( وهو السير بالجسد) والثاني معنوي (وهو السير بالروح).
2- أن على القاصد لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) ان يخرج من بيته ومنزله لَيحث الخطى على طريق كربلاء الحسين، فكذا قاصد القرب من الله تعالى عليه أن يخرج من بيت نفسه ويحث الخطى عن طريق جهاد النفس وترك تلبية أهوائها ورغباتها و السعي لطلب مرضاة الله تعالى وقربه.
3- لابد للسائر أن يتغذى ليتقوّى جسده على السير للوصول إلى الغاية المنشودة، وهكذا هي الروح لا يمكنها المسير من دون غذاء أو زاد "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى".
4- السائر في طريق الحسين (عليه السلام) لا نراه يحمل الزاد، بل لعله يخجل من هذا العمل؛ لأنه في طريق الكرم والضيافة الحسينية، وهكذا يُفترض بنا كعباد لرب الجود والكرم أن لانحمل همّا لرزق غد لأن رب العباد قد تكفل به.
5- ولا نرى السائر للحسين (عليه السلام) يتخذ من الحسينيات الموجودة على جانبي الطريق منزلا ومقرا للمكوث فيها الى ما بعد الزيارة الأربعينية فليست هي غايته بالأصل بل هي بالنسبة له مجرد محطات استراحة لتعينه على الاستمرار في السير والوصول إلى غايته، إذاً لماذا نرى الكثير من الناس قد اكتفى بهذه الدنيا منزلا وقرارا وماهي إلا مزرعة للآخرة ومحطة للتزود منها إلى دار القرار.
6- أما قلوب عشاق الحسين (سلام الله عليه) فكل قلب يحمل ما وسعه أن يحمل من العشق الحسيني، فترى منهم من يُحدث نفسه طول الطريق بأنه سيكتفي بإلقاء السلام على الحبيب بمجرد رؤية القباب الذهبية لكعبة الإباء فمولاه لا يحده ضريح ولا يهم إن وصل للضريح أو لا، ومنهم من يحمل حباً في قلبه لمولاه يجعله لا يرضى بدون الاقتراب من ابواب الحضرة القدسية فيكتفي بالمكوث بالقرب من الضريح، ولكن البعض يرى من الغبن أن لا يدخل الصحن الحسيني فهو قد تحمّل أعباء السير ومشاقّه لليالي وأيام وفي النهاية يُلقي السلام من بعيد!
ومنهم من أخذ العشق من قلبه مأخذ فهام حباً بمولاه ولا يقَر له قرار دون الوصول للضريح وشمّه وتقبيله حتى لو كلفه الامر أن تزهق روحه.
إذن علينا أن نطمح أن نبلغ أعلى مراتب القرب لله تعالى ونسعى لذلك بجهدنا فهذا ما حثّنا عليه أئمتنا (صلوات الله عليهم أجمعين) ونجده في مضامين أدعيتهم، ومنها ما ورد في دعاء كميل:
"واجعلني من أحسن عبيدك نصيباً عندك وأقربهم منزلةً منك وأخصهم زلفةً لديك فإنّه لا يُنال ذلك إلا بفضلك"
تقوى القلوب
اخترنا لكم
أقلامُنا تبكي دمًا وقلوبُنا تفطرّت حزنًا
بقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية منذُ أنْ هلَّ هلالُ الحزنِ ونشرتْ بضعةُ المختار (عليها السلام) قميصَ ولدِها الحسين (عليه السلام) مُلطخًا بدمائه الزكية، وقلوبُنا تئنُّ حزنًا، تكادُ تخرجُ من بينِ الأضلاعِ جزعًا من هولِ المصيبة.. إلهي أيُّ مخلوقاتٍ تلك التي تجرّأت على ارتكابِ مثل هذهِ الفاجعةِ الأليمة، فقد تجرّدوا من الإنسانيةِ بكُلِّ صورِها.. أقلامُنا ارتدتِ السواد وأعلنتِ الحداد حزنًا على السبطِ الشهيد، وأحبارُنا جفّتْ ولم يعُدْ بيدِنا سوى أقلامٍ تبكي دمًا وقلوبٍ حرّى وعقولٍ حيرى.. قبل أيامٍ من رؤيةِ الهلالِ كان قلمي واقفًا مستعدًا للكتابة، وفكري مزدحمًا بالأفكار، وما إنْ رأى قميصَ الذبيح منشورًا في السماء، وسمع صراخَ العيالِ وأنّاتِ أمِّ المصائبِ في جوفِ الليلِ بعد تهدئةِ الأطفالِ، حتى نادى قلمي وفكري وكُلُّ كياني: الآنَ انكسرَ ظهري، وتساقطت دموعُ عيني وتحوّلتِ الأفكارُ وترجمت إلى سلوكٍ عملي، وخاطبني قلمي بحِدّةٍ وحُرقةٍ ودموع: لن أسمحَ لكِ بالكتابةِ إنْ لم تحققي الهدفَ من ثورةِ الإمامِ الحسين (عليه السلام)، سأترككِ هذه الأيام تبكين وتبكين لترتقي سُلّمَ الكمال وترجعَ روحكِ صافيةً مستعدةً لتلقّي الفيوضات.. فخاطبتُ النفسَ مُنكسرةً: يا نفسي ابكي اليومَ بكاءِ الثكالى، يا عين لا تجمدي أو تملّي، اذرفي الدموعَ واغسلي القلبَ؛ ليعودَ صافيًا من جديد؛ فإنّها السرَّ يكمن في الدموع، واصرخي بأعلى صوتكِ واندبي حسينًا، ومع كُلِّ دمعةٍ تأمّلي جيدًا؛ فالفكرُ رقى، والقلبُ نقى بأقدسِ دمعة.. أحبوا الله وهيموا بعشقِه كما هامَ إمامُكم بحبِّه ولسانُ حاله يقولُ للعلي الأعلى مُخاطبًا: فلو قطعتني بالحبِ إربًا... لما مال الفؤادُ إلى سواكا كان يُقدِّمُ ويُقدِّمُ حتى وصل الأمرُ إلى روحه، قدّمها لمالكِها دون ترددٍ ولسانُ حاله يُعلنُ صرختَه الخالدة: إنْ كان دينُ مُحمدٍ لن يستقِم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني.. الحسينُ (عليه السلام) أحبَّ اللهَ حبًا جعله لا يرى ولا يفعل ولا يُقدِمُ على أمرٍ إلا للهِ وفي سبيل الله، نذر الروحَ والأهلَ والأصحابَ والأوطانَ لله (تعالى) وقدّمها فداءً لرضاه، إلهي رضا برضاك لا معبود سواك ... والسؤالُ الأهمُّ الذي لابُدَّ أنْ نطرحه بألمٍ على أنفسنا: هل نُحِبُّ اللهَ (تعالى) فعلًا؟ وهل نعرفه حقَّ معرفته كحُبِّ الحسين (عليه السلام) له ومعرفته به؟ لأنّه السؤالَ الذي علينا جميعًا أن نجيبَ عنه، والذي إنْ عملنا على تحقيقِه ستأتي الأمورُ الأخرى تباعًا، فلنكن مؤمنين صدقًا، ولا نكون مجرد مسلمين قولًا، ولنروِ النفس بحُبِّ الله (تعالى) ولنعرف من نعبد، حينئذٍ نتحلى بالشجاعة والتضحية والوفاء والغيرة والصبر وحسن الظن والبلاغة وإطاعة الإمام (عليه السلام)، وغيرها من الدروس والعبر التي يمكننا التحلّي بها، والتي كان الحسين (عليه السلام) وإخوته وأهل بيته وأصحابه يتحلّون بها، ولنقترب من اللهِ (تعالى) ولنعرفه أكثر ولنلمس حبه وسنحلق حينئذٍ في بحبوحةِ العشق الإلهي وسنكون كعابس وبرير وحبيب وزهير... ولا ننس أنَّ هناك إمامًا ينادي إلى الآن: ألا من ناصرٍ ينصرنا؟ فلنكن نحن الناصرين، ولنُسارع بالالتحاقِ بالركب الحسيني، فوحيدُنا إلى الآن غريبٌ ينعى جدَّه وحيدًا لا ناصر له ولا معين، فلننعَ الحسين (عليه السلام) مع إمامنا بإحيائنا مبادئ الإمام (عليه السلام). فهو الذي قال: لم أخرجْ أشرًا ولا بطرًا، إنّما خرجتُ لطلبِ الإصلاحِ في أمةِ جدي، لآمرَ بالمعروفِ وأنهى عن المنكر.
اخرىوما أدراك ما ليلة القدر؟!
بقلم: أمل نصير "وما أدراك ما ليلة القدر؟" هكذا بدأ رب العزة والجلال تعريف هذه الليلة العظيمة لرسوله الكريم (صلى الله عليه وآله): "ما أدراك ما ليلة القدر؟" قدرُ الشيء، والقدر يكون دائمًا مضافًا إلى شيءٍ، إلا أنَّ الله (عزّ وجل) دعاها بليلةِ القدر، أي إنَّها ليلةُ القدر كله، ما تركت من القدر شيئاً! إنّها ليلةُ التقاء أهل السماء بأهل الارض ليلةٌ ذكر صفاتها رسولنا العظيم (صلى الله عليه وآله)، أنَّها ليلةُ السلام، لا حارة ولا باردة، نهارها تشرقُ الشمس بيضاء. فيالها من ليلةٍ تنزلُ الملآئكة المُكرمين على صاحب الليلة، فتعبير الله العظيم بقول (تنزل) يعني أنَّ الفعل مستمر ولا يقتصر على زمنِ الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، بل تستمرُ في زمنِ كلِّ إمامٍ معصومٍ بتوثيق العهد السماوي مع الإمام (عليه السلام). "من كلِّ أمرٍ"، وهذه الكلمة لم تترك من الفضل شيئاً، فتقديرُ السنة الكاملة يثبت في هذه الليلة العظيمة ويختم عليه الإمام (سلام الله عليه)، من الآجال، والأرزاق، صكوك الحجاج، وحتى الأجنة في أرحام أمهاتهم يُكتب لهم ما يكون لهم من قابل، وهذا بعضُ شأنِ هذه الليلة؛ لأننا مهما اجتهدنا لا نصل إلى حقيقةِ هذه الليلة العظيمة. أنت حين تكون لديك مساحة صغيرة وتريد أنْ تبني عليها بنيانًا كبيرًا، فإنّك تستغل عمق هذه المساحة وترفعُ البناء حتى يصل إلى السحاب، كذلك الأمر في هذه الليلة، فإنّها تختزلُ أعمال عمر الإنسان، فإنْ كان أسرف فيما مضى فبإمكانه التدارك وتجديد العهد، واستغلال هذه الليلة، وأول شيء وأهم شيء يقوم به العبد في هذه الليلة المباركة هو التوبة إلى الله (سبحانه)، وهو أن يتوجه إلى ربِّه بقلبٍ حزينٍ، ويطلب منه غفران الذنوب وقبول أعماله ثم يتطهر بغُسل الليلة العظيمة بعد أنْ تطهر بغسلِ القلبِ من الذنوب بالتوبة ثم يأتي بأعمالِ هذه الليلة بقلبٍ صافٍ مٌقبلٍ، وأنْ يجعل وردًا من توجههِ إلى صاحب الليلة وأنْ يحاول أنْ يستحضر وجوده المبارك، وأن يكون على يقينٍ أنَّ أعماله سوف تُعرض على حضرته (سلام الله عليه). إنّها ليلةٌ مباركةٌ فيها يُفرقُ كلَّ أمرٍ حكيم فيا صاحب الليلة العظيمة يا مولاي يا صاحب الزمان يا إمام الزمان يا قائم آل محمد صلى عليك مليك السماء بقدرِ عظمتك وبقدرِ فضلك يا ليلة القدر يا حقيقة ليلة القدر يا سرَ ليلة القدر يا مَظهَر ليلة القدر مولاي خذ بيدي أيّها الإمام الهادي، خذ بيدي إلى صراط ربك، إنَّ ربك على صراطٍ مستقيم، يا ابن الأئمة الطاهرين، يا سر الزهراء البتول، يا سيف حيدرة فحل الفحول، سلام الله عليك يا حجة الله في أرضه.
اخرىعيــد الغديـــر.. أعظـــم الأعيــــاد..
مما لا شك فيه أن الملاك في جعل يومٍ من الأيام عيداً إسلامياً هي الأدلّة الشرعية: القرآن الكريم أو السنّة المطهرة. وعليه فلا يمكن إطلاق لفظ العيد شرعاً على يومٍ ما مهما كانت عظمته أو بلغت أهميته في الإسلام ما لم يُطلق عليه الشرع ذلك. وعلى الرغم من الأهمية البالغة لبعض الأيام في الدين الإسلامي كيوم المبعث النبوي الشريف، أو يوم دحو الأرض أو يوم عرفة أو أيام ميلاد المعصومين (عليهم السلام) وعلى رأسهم سيد الكائنات (صلى الله عليه وآله)، إلا أنها لم يرد في حق أيٍّ منها إطلاق لفظ العيد عليها. على حين أطلقت بعض الروايات لفظ العيد على يوم الغدير، بل وصرّحت بأنه أفضلها وأعظمها. وأول من اتخذ يوم الغدير عيداً هو الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) حيث روي عنه أنه قال: "يوم غدير خم أفضل أعياد امتي ، وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره بنصب أخي علي بن أبي طالب علما لامتي يهتدون به من بعدي وهو اليوم الذي أكمل الله تعالى فيه الدين وأتم على امتي فيه النعمة ورضي لهم الإسلام دينا ، ثم قال عليه وآله السلام : معاشر الناس! ان علي بن أبي طالب مني وأنا من علي ، خلق علي من طينتي وهو إمام الخلق بعدي ، يبين لهم ما اختلفوا فيه من سنتي ، وهو أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين ويعسوب الدين وخير الوصيين ، وزوج سيدة نساء العالمين ، وأبو الأئمة المهديين"(1) كما عظّم أهل البيت (عليهم السلام) عيد الغدير أيضاً ونشروا بين الناس فضائله وأهم ما يستحب فيه من أعمال، فقد روي عن الحسن بن راشد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: " قلت: جعلت فداك للمسلمين عيد غير العيدين؟ قال: نعم يا حسن وأعظمهما وأشرفهما، قال: قلت له: فأي يوم هو؟ قال: هو يوم نصب أمير المؤمنين عليه السلام علما للناس، قلت: جعلت فداك وأي يوم هو؟ قال: إن الايام تدور وهو يوم ثمانية عشر من ذي الحجة، قلت: جعلت فداك، وما ينبغي لنا أن نصنع فيه ؟ قال : تصومه يا حسن ، وتكثر الصلاة على محمد وآله ، وتبرء إلى الله ممن ظلمهم، فإن الانبياء كانت تأمر الاوصياء اليوم الذي كان يقام فيه الوصي أن يُتخذ عيدا ، قال : قلت : فما لمن صامه ؟ قال : صيام ستين شهرا "(2) كما روي عن أبي الحسن الليثي عن الإمام الصادق(عليه السلام): أنّه قال لمن حضره من مواليه وشيعته: أتعرفون يوماً شيّد اللَّه به الإسلام، وأظهر به منار الدين، وجعله عيداً لنا ولموالينا وشيعتنا؟ فقالوا: اللَّه ورسوله وابن رسوله أعلم، أيوم الفطر هو يا سيّدنا؟ قال: لا. قالوا: أفيَوم الأضحى هو؟ قال: لا، وهذان يومان جليلان شريفان، ويوم منار الدين أشرف منهما؛ وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة، وإنّ رسول اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) لمّا انصرف من حجّة الوداع وصار بغدير خمّ أمر اللَّه (عزّ وجلّ) جبرئيل(عليه السلام) أن يهبط على النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وقت قيام الظهر من ذلك اليوم، وأمره أن يقوم بولاية أمير المؤمنين(عليه السلام) ، وأن ينصبه علماً للناس بعده، وأن يستخلفه في اُمّته"(3) وقد يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم تساؤلٌ عن السبب في كون يوم الغدير أعظم الأعياد في الإسلام؟ وفي مقام الإجابة نقول: إنّ عيد الغدير جاء للمسلمين بخير الدنيا والآخرة وهذا ما لا يتوفر في سائر الأعياد، وللمزيد من التوضيح نورد الأسباب الآتية: أولاً: إكمال الدين وإتمام النعمة فقد أنزل الله (تعالى) فيه: "اليَوْمَ أكمَلتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَأتمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتـي وَرَضيتُ لَكُمُ الإسْلامَ ديناً"(4)، كما روي عن رسولُ الله (صلى الله عليه وآله):"وهو اليومُ الذي أكملَ اللهُ فيه الدينَ وأتمَّ علَى أمّتِي فيه النعمةَ ورَضِي لهُم الإسلامَ ديناً"(5). مما يعني أن الدين الإسلامي لم يكن ليصبح كاملاً وأن النعمة لم يكن الله (تعالى) ليتمها على المسلمين لولم يتم تعيين خليفةً للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وعليه فإن عيد الغدير ليس يوماً خاصاً بأمير المؤمنين (عليه السلام) وحده، بل هو يوم الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، لا بل هو يوم الله (تبارك وتعالى)، لأنّ مراد الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) في طول إرادته (تعالى). ثانياً: يأس الكفار من الدين الإسلامي قال (تعالى):" الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ"(6) لقد كان الكفار يتصورون أن الدين الإسلامي مهما قويَ فإنه ما إن يموت الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) حتى يضمحل وينتهي، وأن الأوضاع ستعود كما كانت في عهد الجاهلية، ولكن عندما نصّب الرسول الأكرم أخاه (عليهما وآلهما السلام)، ورأوه بأعينهم وهو يؤكد التنصيب بأخذ البيعة له من المسلمين، فإن سيلاً من اليأس قد غشيهم؛ وذلك لأنهم يعلمون علم اليقين أن أمير المؤمنين (عليه السلام) هو الرجل الفريد في علمه وتقواه وقوته وعدالته، وبذلك فقدوا الأمل في إمكان عودة الأمور إلى صالحهم وأدركوا أن دين الإسلام باق راسخ. ثالثاً: عيد الغدير هو السبيل للعيش الرغيد فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"وَلَو أنّ الأمَّة منذ قَبَضَ اللهُ نَبِيَّه اتّبعُوني وأطاعُوني لأكَلُوا مِنْ فَوْقِهِم ومِن تحتِ أرجُلِهِم رَغَداً"(7). والرغد في اللغة: من العيش الكثير الواسع الذي لا يُتعب فيه و في التنزيل العزيز :"فكلوا منها حيث شئتم رغداً"، و يقال: هو في رغد من العيش رزق واسع و عيشة رغد واسعة طيبة(8) وعليه فلو أن ما جاء في عيد الغدير تحقق على الأرض وتقلد الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) مقاليد الحكم كما نصت السماء على ذلك لعاش المسلمون في نعيم ورفاه، ولساد السلام والأمان، ولما عشنا اليوم مأساة إراقة الدماء والحروب، ولما تألمنا لمعاناة الفقر والمنازعات والأمراض والكروب. رابعاً: هبة الله (تعالى) لأمير المؤمنين(عليه السلام) المواهب نقرأ في زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) في عيد الغدير المروية عن الإمام الهادي (سلام الله عليه) والزاخرة بالكثير من المضامين العالية والمفاهيم الراقية، ومنها ما يخاطب به الإمام الهادي (عليه السلام) جدّه الأمير (عليه السلام) قائلاً: "لقَد رَفَعَ اللهُ في الأولى مَنزِلَتَك، وَأعلى في الآخِرَةِ دَرَجَتَك، وَبَصَّرَكَ ما عَمِيَ عَلى مَنْ خالَفَك، وَحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَواهِبِ الله لَك"(9). وفيها إشارة إلى أن أعداءه الذين حالوا دون تطبيق القرار الإلهي في عيد الغدير بتنصيب الإمام علي (عليه السلام) إنما حالوا بينه وبين مواهب الله (تعالى) إليه (عليه السلام). ولو تأملنا في معنى تلك المواهب التي حيل بينها وبين الإمام (عليه السلام)، فإنها لا يمكن أن تكون علمه، ولا عصمته، ولا مقامه ولا إمامته، ولا درجاته عند الله (جل وعلا)؛ لأن كل ذلك لم يُسلب عن الإمام (سلام الله عليه) عندما حالوا بينه وبين الخلافة الظاهرية، إذن يتحصّل أن تكون المواهب تلك أمراً آخر، ولعلها تطبيق ما وهبه الله (تعالى) له في إدارة شؤون الأمّة. وأيُّ نعمةٍ عظيمةٍ وموهبةٍ جسيمة قد خسرتها الأمة الإسلامية بذلك، حيث حُرِّفت الكثير من الأحكام الدينية، وأبيدت وتباد ظلماً وجوراً الكثير الكثير من الأنفس الطاهرة الزكية، بل وأصبحت بعض دور الفتوى أبواقاً لأعداء الإسلام والمسلمين، يكفَّرون منهم الملايين تلو الملايين، ويُصدرون ظلماً وعدواناً فتاوى بقتل الأبرياء المؤمنين. علاوةً على انتشار الفقر والظلم والأسقام التي غدت تفتك بالفقراء والمساكين، بسبب الاستئثار بالسلطة من قبل الظالمين والفاسدين والمفسدين. خامساً: الاحتفال بعيد الغدير شكراً على الولاية من المعلوم أن المسلمين إنما يحتفلون بالأعياد ويفرحون بها لتوفيق الله (تعالى) إياهم لأدائهم طاعةً من الطاعات ولقيامهم بفريضة من الفرائض. وعيد الغدير هو عيدٌ يبتهج به المؤمنون فرحاً لمبايعتهم لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) ولأدائهم فريضة الولاية، وبما أن فريضة الولاية هي من أهم وأعظم الفرائض التي فرضها الله (تعالى) على المسلمين، فقد روي عن فضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام قال: "بني الاسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ولم ينادَ بشيء كما نودي بالولاية، فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه يعني الولاية"(10)؛ لذا كان عيد الغدير هو أهمها وأعظمها. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بشارة المصطفى ج5 ص5 (2) وسائل الشيعة ج1 ص441 (3) موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ج3 ص309 (4) المائدة 3 (5) بشارة المصطفى ج5 ص5 (6) المائدة 3 (7) بحار الأنوار ج26 ص65 (8) المعجم الوسيط ج1 ص741 (9) مفاتيح الجنان زيارات الأمير المخصوصة / الزيارة الثانية (10) الكافي ج2 ص28 رضا الله غايتي
اخرىالتعليقات
يتصدر الان
لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع
يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىبين طيبة القلب وحماقة السلوك...
خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىالطلاق ليس نهاية المطاف
رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىلا تقاس العقول بالأعمار!
(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىالمرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)
بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىأساليب في التربية
عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى