بقلم: منتظر ستار بين دارجٍ ومألوف، متعارف موصوف كنت تائهًا بين حقيقةٍ علمية وحقيقةٍ معنوية، العلميةُ بالتجربةِ ثابتة، والمعنوية بمكنوناتها تثبت، لكن ما حصل بين طيات أفكاري كان ضربًا من المحال، حيث ما أرآه ألسن نيران العطش لا تطفئها إلا أكف الماء، إذًا بعرضي لسيناريو مشاهد الطف الحزينة في أفق التأمل أنّ ما أرآه هي الحاجة تذهب وتشتاق للقاء المحتاج، وهذا غير مألوف ومتعارف في عالم الحقيقة واليقين! العطشان نعلمه يبحث عن ماء، لكن لا نجد ماء يبحث عن عطشان! شمس تضيء طريق السائرين، لا أن سائرين يضيئون طريقاً للشمس! هذا ما رأته عينا مخيلتي عندما تأملتُ في واقعة كربلاء، رأيت أن جميع الموجودات تريد أن تخدم الموجودين في تلك البقعة الطاهرة من آل عبد المطلب (عليهم السلام). وجهتُّ عدسة كامرة مخيلتي نحو نهر العلقمي العجيب، ما أرآه لسان حال الماء يطلب عناق شفتي المولى أبي الفضل العباس (عليه السلام)، لكن تلك الشفاه تريد معانقة ذلك القلب اللهيب الذي أضماه شدة العطش، شدة فراق أبي الفضل، رفع الماء ورمى به، تحطمت آمال ذلك الماء... إلا جزءً قليلاً من ذلك الماء قد تشرّف بأن يكون درعه... سهمٌ داخل عين... وظهر قد تقنفذ بالسهام، يمين قطعها الشر والنفاق، يسار قطعها الظلم والشقاق، كانت تلك العيّنة القليلة شرفًا للماء الموجود بأن يحضنها ذلك الجسد ويحافظ على سلامتها، لكن ما هي إلا تعلق آمال ذبحها سهم حرملة اللعين وأراقها على أرض الطفوف، كما ذبح آمال أبي عبد الله (عليه السلام) معها.
اخرىبقلم: منتظر ستار استرسل الظلام الدامس على جميع المدن والقرى والشوارع داخل تلك الروح، لأن كل ما يمدّها من نور قطعها صاحبها بأفعاله، بقي تائهاً متخبط الخطوات، يسير في دهاليز حالكة الظلام، لا يعلم من أين المخرج من تلك الطرق المظلمة، لا يحمل ما يساعده لينير به دربه، وإذا بعواصف الفتن... -الغيبة، التفرقة، والطائفية الشديدة... تقلع كل ظاهر! امطار نكران الإحسان، المحرمات- سوداء قد هطلت عليه تحمل حجر عقوق الوالدين الثقيل والحار! بقي هذا الشخص حائراً لا يعرف أين يذهب داخل تلك الروح، طابق داخلها ظاهرها، لأن ما بطن سبب ما ظهر للناس، هكذا بقي هذا الإنسان يلوح بالنظر لا يرى سوى برق رؤية الحرام، لا يسمع سوى صوت الحرام الذي سمعه، كان كل ما اكتسب من حرام يرى من نفسه عقاب صوتٍ لما سمع وصورة الرعد لما رأى من حرام واستمر الحال هكذا... وإذا به يرى بين جبال الظلام كوخاً فيه نور صنعه من عمل صالح في يوم من الأيام لله تعالى، غير أنّ تلك القصور التي بناها لغير الله تعالى قد اسودت وأصبحت جبل ظلام وحطام، وإذا بهذا الإنسان دخل ذلك الكوخ الذي فيه سراج مساعدة الناس ينير دربه، تناول السراج وخرج من عوالم ذلك الظلام، وأدرك حقيقة يجهلها أغلب من تعلم لغير الله مقصد. (ما قل لله ينفع وما كثر لغيره لا ينفع)… هذا في عالم المعنى، أما لو خرجنا من جوف الروح وأزقتها إلى عالم المادة فالكوخ الذي نلتجأ إليه عندما تحيط بنا مصائب ودواهي الدنيا سيختلف... لا بد أن يكون لنا مكان نلتجأ إليه عندما تنقطع بنا السبل. الإنسان إذا لم يهتد للمكان الذي ينقذه مما هو فيه فقد هوى، ها هنا تكون كياسة وفطنة الشخص في بناء هذا الكوخ الذي سيكون ملجأ إليه للقائه مع ربه عندما تكشر الدنيا عن أنيابها.. والأكواخ أنواع حسب الشخص وبنائه وما يحوي بخزينة نفسه من قربه للرحمن، ربما يكون الكوخ شخصاً قريباً لله تعالى ويعمل لله تعالى، وتلجأ إليه ليهديك لأفضل ما دعا الله تعالى إليه. أو يكون هذا الكوخ كتاباً يحوي ما يرفد ذلك الشخص بالأمور المساعدة وإخراجه إلى ما فيه خير الدنيا والآخرة بسبب ما يحتويه ذلك الكتاب من نصوص ربانية (وأفضل ما أراه من الكتب التي تحوي كلام الرحمن هو القرآن). أو كتاباً يرشده لما أراده الباري (عز وجل)... أو مكاناً مقدساً يلتجئ إليه الإنسان فتسهل أموره كرامة لصاحب هذا المكان... وفي الختام لا بد على الأنام أن يعلموا أين ذلك الكوخ الذي يكون فيه علاج مشاكلهم الدنيوية والأخروية... وأفضل الأكواخ ما كان قريباً لله (عز وجل).
اخرىبقلم: منتظر ستار أحببتُ أنْ تكونَ لوحتي مغايرةً لما هو شائعٌ، فقررتُ أنْ أطيرَ أنا والمتلقي بطائرةِ مُخيّلتي النفاثة؛ لنُحلِّقَ فوقَ بحرِ الأمنيات، بعيدًا عن ضجيجِ الحياة؛ لننظرَ لِما تؤولُ إليهِ الأمور من بعيدٍ؛ لأنّه كُلّما ابتعد الناظر عن الشيء الكبير اتضحتْ له الرؤية.. أخذتُ ذهنيةَ المتلقي في نزهةٍ على جزرِ اليقين، وفوق شاطئ الإيمان بالغيبيات وينابيع مياهِ الرحمةِ وأشجارها، وجمال تلك الرقعة بطبيعة المغفرة. ونحنُ في جوِّ التأمّلِ داخلَ الطائرةِ أنا والمُتلقي، كان في صندوق طائرة الأفكار منظارٌ، أخذته ونظرتُ نحوَ الحياةِ، رأيتُ شيئًا ضبابيًا، دققتُ النظر فاتضح لي أنّ هناكَ ولادتين لابنِ آدم: الولادة الأولى يعرفها الجميع وتنتهي بالممات، أما الولادة الثانية فقد أثارت استغرابي، ولادة شهادتُها عند الممات، حملت المولود أمّه وهي الدنيا الفانية سنواتٍ أو أشهراً أو أياماً، وكما أنّ كلّ جنينٍ تختلفُ مدةُ حمله عن غيره، فإنَّ كلَّ مولودٍ يختلفُ طلق ولادته وتقلصاتها عن غيره، وهي سكرات الموت، والمولِّدُ عزرائيل (عليه السلام) وأعوانه.. يُغسَّلُ كطفلٍ من أوساخِ الدنيا، ويُلفُّ بقماشٍ أبيض أيضًا، ويُطيبُ ولكن بالكافور، وعوضًا عن الأذان والإقامة في أذنه يُصلّى عليه بلا سجود، يليه بعد مراحل التلقين، يوضعُ في مهده الخشبي ويُنقلُ نحو موضعِ نومه إلى أن يشاء الله (تعالى).. معروفٌ أنَّ الطفلَ هو من يبكي عند الولادة، لكن مولودنا هذا أهله هم من يبكون عليه، ولكن العجيب والغريب أنّ أمُّه (الدنيا) ليس كعادةِ الأمّهات؛ فلم تَحْنُ عليه عندما كان جنينًا، ولا تحنو عليه بعد أن صار وليدًا، بل لطالما آذته وهو في بطنِها، كما كانت قاسيةً معه، وما إنْ ولدتْهُ حتى ماتت بالنسبة له.. عندما يولدُ الطفلُ يُدرَّبُ بعد فترةٍ على النطقِ بأسهلِ الكلمات، وهكذا هذا المولود يُسأل بكلماتٍ .. من ربك ..؟ من نبيك ..؟ من إمامك ..؟ نعلمُ أنّ بعد كُلِّ شهادةِ ولادةٍ شهادةَ وفاةِ، لكنَّ الغريب أنَّ هذا المولود ليس له وفاةٌ، بل بعثةٌ، لكنها ليست بعثةً لإكمال الدراسة في مكان أرقى كما اعتدنا في الحياة الدنيا، بل سيُبعَثُ لعالمٍ أرقى من حيث القوانين، ولكنه إما عالم نعيمٍ لما تجسّمت فيه أعماله الصالحة، أو عالم جحيمٍ لما تجسّمت فيه أعماله الطالحة... ونحنُ في الجوِّ أُطلِقَ صوتُ الإنذارِ؛ لنفادِ وقودِ التدبُّر بسبب طولِ السفر، فقرّرنا أنْ نهبطَ لنتزوّدَ من محطةِ الاستغفارِ بسبب كثرةِ مطباتِ الذنوب التي نَسَفَتِ الطاقةَ .. وهكذا انتهت رحلةُ هذه الحياة بهذه الولادة.
اخرى