تشغيل الوضع الليلي
كوخٌ داخل روح
منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 569
بقلم: منتظر ستار
استرسل الظلام الدامس على جميع المدن والقرى والشوارع داخل تلك الروح، لأن كل ما يمدّها من نور قطعها صاحبها بأفعاله، بقي تائهاً متخبط الخطوات، يسير في دهاليز حالكة الظلام، لا يعلم من أين المخرج من تلك الطرق المظلمة، لا يحمل ما يساعده لينير به دربه، وإذا بعواصف الفتن... -الغيبة، التفرقة، والطائفية الشديدة... تقلع كل ظاهر! امطار نكران الإحسان، المحرمات- سوداء قد هطلت عليه تحمل حجر عقوق الوالدين الثقيل والحار!
بقي هذا الشخص حائراً لا يعرف أين يذهب داخل تلك الروح، طابق داخلها ظاهرها، لأن ما بطن سبب ما ظهر للناس، هكذا بقي هذا الإنسان يلوح بالنظر لا يرى سوى برق رؤية الحرام، لا يسمع سوى صوت الحرام الذي سمعه، كان كل ما اكتسب من حرام يرى من نفسه عقاب صوتٍ لما سمع وصورة الرعد لما رأى من حرام واستمر الحال هكذا...
وإذا به يرى بين جبال الظلام كوخاً فيه نور صنعه من عمل صالح في يوم من الأيام لله تعالى، غير أنّ تلك القصور التي بناها لغير الله تعالى قد اسودت وأصبحت جبل ظلام وحطام، وإذا بهذا الإنسان دخل ذلك الكوخ الذي فيه سراج مساعدة الناس ينير دربه، تناول السراج وخرج من عوالم ذلك الظلام، وأدرك حقيقة يجهلها أغلب من تعلم لغير الله مقصد.
(ما قل لله ينفع وما كثر لغيره لا ينفع)…
هذا في عالم المعنى، أما لو خرجنا من جوف الروح وأزقتها إلى عالم المادة فالكوخ الذي نلتجأ إليه عندما تحيط بنا مصائب ودواهي الدنيا سيختلف...
لا بد أن يكون لنا مكان نلتجأ إليه عندما تنقطع بنا السبل.
الإنسان إذا لم يهتد للمكان الذي ينقذه مما هو فيه فقد هوى، ها هنا تكون كياسة وفطنة الشخص في بناء هذا الكوخ الذي سيكون ملجأ إليه للقائه مع ربه عندما تكشر الدنيا عن أنيابها..
والأكواخ أنواع حسب الشخص وبنائه وما يحوي بخزينة نفسه من قربه للرحمن، ربما يكون الكوخ شخصاً قريباً لله تعالى ويعمل لله تعالى، وتلجأ إليه ليهديك لأفضل ما دعا الله تعالى إليه.
أو يكون هذا الكوخ كتاباً يحوي ما يرفد ذلك الشخص بالأمور المساعدة وإخراجه إلى ما فيه خير الدنيا والآخرة بسبب ما يحتويه ذلك الكتاب من نصوص ربانية (وأفضل ما أراه من الكتب التي تحوي كلام الرحمن هو القرآن).
أو كتاباً يرشده لما أراده الباري (عز وجل)...
أو مكاناً مقدساً يلتجئ إليه الإنسان فتسهل أموره كرامة لصاحب هذا المكان...
وفي الختام لا بد على الأنام أن يعلموا أين ذلك الكوخ الذي يكون فيه علاج مشاكلهم الدنيوية والأخروية...
وأفضل الأكواخ ما كان قريباً لله (عز وجل).
اخترنا لكم
زينبيات خجولة
بقلم: زهراء المتغوي عبرتُ الزوايا إلى نهر عينيكِ يا ساحل الدفءِ ما كنت أعرف أن الزوايا تبلور حبي إليكِ اشتياقا وتغسل مني رذاذ الأسى والعذاب *** عبرت الزوايا لأسألها عن تباريح وجد وآهات شوق وروح تحلق في خافقيّ وتهويمة مثل سرب الحمام المهاجر عن أفق غيم من العطر لكنّني قد أضعت الجواب *** وأبحرت كالملح ذاب انتشاءً وما زال يحكمه الصخر والبحر والظلم والاكتئاب *** وأبحرت والموج عات غزير و قرصنة العمر تسرق حتى ملامح وجهي و نبرة صوتي و ذكرى الطفولة من حدقات عيوني و من وجه أمي و تسرق حتى غرور الشباب *** لماذا أتيتك ِ؟ قبّلت قبركِ فاحت روائح مسك و طيب خفيٍّ و نور تسلل بين ضلوعي أحسست روحي ترفرف بل تتعملق تكبر تكبر تكبر ثم تحلق فوق السحاب *** لماذا أتيتكِ؟ يا زينب الطهر سرتُ و أمتعتي بعض حبر يصارع في داخلي أحرفا و شيء من الشعر كان يحاول فيّ التمرد يكسر روح الرتابة يحمل في وجعي عالما لا يفسّر غير الضباب **** و رغم العناد و رغم سني الجفاف رأيتك في ليلة الجدب نافورة و أنا كنت و الماء يغمر أجزاء روحي و قد كنت أسعى برغم الشوائب رغم الهزيع الأخير من الليل في داخلي كنت أسعى إليك ليخفت في حاضري الاغتراب *** و رجع الصدى يا حبيبة حيدر كان يرتل اسمك مولودة في نقاء القوارير يمرح في لحظات التدفق تنضح عيناك طهرا صفاء يموسق حتى الطبيعة عزفا بهيّا و قد كان يجفل في داخلي الاقتراب *** و فاطمةٌ تستحث الدقائق تستبطن الفرح المتنفس من بوح عينيك كانت تلمُّ الندى في اختيال و تبسم في روعة العشق حبا تعانق تلك الرضاب *** و تلك شموس التجلي تحيط بنوركِ سحر النبوة يسطع يرقب أنوار وجهك يخجل حتى جمال الورود إذا قبّل المرتضى وجنتيكِ و أعطاك من روحه الصدق و الارتقاء و قلبا رويّا عطوف الحنايا و إن كان في رونق الصبر لا يمتطيه الأسى أو يهاب ***** و حولك نجمان شعّا برفق ليحتضنا في لحاظ التفتح روح الشذا من لقائك في لحظة الزهو هذا الحسين تغرد في مقلتيه السنون و في حسن السبط ألف نشيدٍ يسبح لله شكرا و لله لله كيف النجوم تصلي و تهوي لشكر قدومك نحو التراب ؟! **** أحبك حبا نديّا يعزز ما انساب من راحتيك و يكتبني في عيونك شعرا تفاعل بالوجد من ناظريكِ و يُسكر ذرات عشقي الجميل و ينثرها في مجال الندى و ارتعاش السراب **** أحب التكهن في قدس فحواك في وهدة الصمت في لعلعات الأسى كنت أرقب نورا يقولبني في الطهارة من أفق دنياك كانت يمينك تنضح رفقا و تأخذني من جحيم التحدر نحو الهضاب **** أحبك زينب أذكر إشعاع روحك عند الصلاة و كانت صلاة الإله تكبّر حين ترى مقلتيك و يبهرها البدر كيف تفتّق نورا برغم الحياء و رغم العفاف و رغم الحجاب! **** أحبك زينب لكنني لست أنسى بكاءكِ في حشرجات الطفوف و كنت أراقب فيك الدموع على صهوة الصمت تطفو و تدنو تودّع دفء الأخوة صبرا و كانت شموس الرحيل تسافر صوب الجنان و تلقي مفاتيحها في يديكِ و تستدرج القدر المستميت و قد كنتِ تدرين كم يستحيل الإياب! *** فوا حرّ قلباه كيف تسيرين وسط الزحام إلى التلّ؟! سوط الفجيعة عارٍ و ما ثمّ قلب تلوذ إليه الضلوع و تستصرخين العروبة و الدين في القوم لكنّ حيث الهباء يعجّ الخطاب *** تلوذين بالصبر مثل العواصف عند ارتحال الأحبة ويح الفراق يكاد يقطّع وجه النياط يزعزع حلم الفراشات يصحو مع الروع و البرد صوت اليتامى يسافر في الليل بين الفراسخ مثل الخناجر أو كارتعاد النواقيس بالخوف و الارتياب *** فوا حرّ قلباه تلك الهموم و أنت كما الطود يكسر رجع الأسى في ارتياع الأرامل في هذيان الشموع و كانت عيونك ترقب أوجاع ليلى و تغمر رملة بالدفء و هي تهدهد مرثيّة للرباب ***** و ينبجس الغيظ حين المدائن تكشف ما اكتنّ من قسمات الصغار و غمغمة في عيون سكينة تلك البدور التي يتصفح منها الزمان الخؤون يلولبها في ارتطام المجرات بين العذاب و بين العذاب ***** تعرّين وجه يزيد القبيح على غبش الظلم في مجلس المتخمين و تكسينه من حلقات الشنار سوادا تقولين: واسع لسعيك و انصب لجهدك إن صليل الدماء حياة و إن صهيل الجراح خلود و قنديلُ زيت و إن الشهادة كانت تعنونُ اسم الحسين انتصارا و من صبحها الدموي توضأ فجر و أقسم بالنصر من عالم الذر حتى الحساب...
اخرىسجـــدةُ العشــــق
بقلم: منتهى طالب الموسوي لطالما رأيتُ أمّي تسجد خاشعةً متمتمةً بحروفٍ عشقتها؛ لأنها تداعب أوتار قلبي الذي فُطر على حُبِّ الحسين (عليه السلام) .. الحروف تخرجُ من قلبها حاملةً صدق مشاعرها وتوسلها لله (تعالى) أنْ تكون ممن يشفع له الحسين ويثبت له قدم صدقٍ مع الحسين (عليه السلام) وأصحابه الذين بذلوا مُهجهم دونه (عليه السلام). فأسأل نفسي: ماذا تعني أمّي بقدم صدقٍ؟ أهي الوقوف مع الحسين؟ أم هي الشفاعة؟ أم هي أنْ تكون من خدمة الحسين؟ أم ماذا؟ ارتديتُ إحرامي وتعثرت بخجلي وجلستُ بقربها وهي تقرأ الزيارة منتظرةً سجدة العشق تلك لأسجد معها علّني أجدُ إجابةً لسؤالي .. فترنمت حروف الزيارة من قلبها العاشق الذي روّاني عشق الحسين، وانحدرت دموعها متلألئةً على وجنتيها الذابلتين من تعب السنين .. ووصلت إلى ذلك السجود وتجمّعت أحاسيسها وتنهّدت وقالت: اللهم لك الحمد حمد الشاكرين لك على مصابهم ....الحمد لله على عظيم رزيتي ... فقلت في نفسي حمدًا على عظمِ الرزية! أوليس نحنُ من شيعتهم وحزننا لحزنهم وفرحنا لفرحهم كما علّمتني أمّي وأتمّت بأنفاسها الوالهة: اللهم ارزقني شفاعة الحسين يوم الورود، وثبِّت لي قدم صدقٍ عندك مع الحسين وأصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين (عليه السلام). فتنهدتُ وقلت: يا رب ثبِّت لي قدم صدقٍ عندك مع الحسين وعرفني ذلك القدم … وما إن انتهت أمّي سألتها عن ذلك القدم وكنت متيقنةً أنها سوف تأتيني الإجابة؛ لأني أعلم أنَّ الحسين عليه السلام سوف يجيبني على لسان أمّي … قالت: يا بنيتي، قدم الصدق هو ثبات المؤمن على صدق النصرة للإمام الحسين (عليه السلام) بالقول والفعل من خلال أعماله وسيره حسب نهجه (عليه السلام)، وشريعة جده المصطفى (صلى الله عليه وآله) بالورع ومحاسن الأخلاق، وأنْ لا تؤثر به شبهات أعداء الدين والمذهب، بل يجب أنْ تكون عقيدته ثابتةً ومنها يتبلور عمله، وأن لا يُحزن قلبه وقلب ولده الحجة (عليهما السلام) باجتراح المعاصي، وبثباته هذا إنْ شاء الله تعالى ينال الشفاعة. فالمؤمن عندما يدعو بأنْ يجعل الله تعالى له قدم صدق مع الحسين عليه السلام، هو يطلب العون من الله (تعالى) أنْ لا يخذل الحسين عليه السلام مثلما خذله الكثير عند قيامه لنصرة الحق حين خرج للإصلاح في أمة جده (صلى الله عليه وآله) ولم يثبت معه إلا أصحابه وأهل بيته (عليهم السلام)، الذين خلدهم الله تعالى معه ووصفهم الإمام المعصوم بأنَّهم أصحاب الأقدام الثابتة على الصدق والإخلاص بقوله: "اللهم ثبِّت لي قدم صدق…". فهم لم تؤثر بهم الشبهات ولم تغير عقيدتهم انحرافات الأعداء. وهم الأبرار الأخيار. وجاء وصفهم على لسان الحسين (عليه السلام): " فإنّي لا أعلم أصحابًا أوفى ولا خيرًا من أصحابي، ولا أهلَ بيتٍ أبر ولا أوصل من أهل بيتي" فقلت: يا أمّي ذاك زمانٌ بعيدٌ وله أهله. فأجابت: لا يا بنيتي، إنَّ الحسين عليه السلام قالها بصوتِ الحق ووضع بهذا القول أساسًا ثابتًا لنصرة الدين الحق في أيِّ زمانٍ ومكانٍ، قالها ليزيد (عليه اللعنة) عندما أرسل له جلاوزته فردَّ عليهم الحسين (عليه السلام): "مثلي لا يبايع مثله"، وهذه رسالةٌ موجهةٌ إلى كلِّ مؤمنٍ غيورٍ أنْ لا يركن إلى الظلم والفساد. ونداؤه في يوم عاشوراء الذي ظلَّ مدويًا يستنهض الأجيال لنصرةِ الدين الذي ضحى بنفسه وعياله من أجله. فكم من طائعٍ لهوى نفسه انحرف عن نهج الحسين عليه السلام وزلّت قدمه واتبع هواه وسار في طريق الفاسدين والعياذ بالله. والآن أ علمتِ ما هو قدم الصدق؟ هو الثبات على ذلك النهج القويم الذي حفظه الإمام الحسين (عليه السلام) بدمه الطاهر، لكي نحظى بالشفاعة .. فما كان مني إلا أنْ سجدت لربي شكرًا؛ لأن الحسين (عليه السلام) في قلبي، وذلك من فيض رحمة ربّي، ومن حُسن تربية أمّي #_اغرسي_عشق الحسين_بقلوب أولادك #_وثبِّت لي _قدم صدق
القصصالله عز وجل هو السعادة الحقيقية
دعتني صديقتي إلى مأدبة غداء، اعتذرت منها لانشغالي بأمور أخرى، فترجتني أن احضر إذ إنّ صدیقة قدیمة لها تقطن في محافظة أخرى سوف تکون موجودة وتريد أن تعرفني بها، وعندما رأيت إلحاحها، قلت: حسناً سوف آتي متأخرة، ابتسمت وقالت: لا بأس أهلاً بك في أي ساعة جئتِ. عندما وصلت كانوا قد أنهوا غداءهم وجلسوا في الصالة لاحتساء الشاي، دخلت إليهم وعرفتني بصدیقتها التي کانت قادمة مع ابنتها المراهقة والتي تدعی (أسوا) جلسنا نتحدث وجلست ابنة صدیقتي (نبأ) مع (أسوا)، لمحت على محیى نبأ أنها لم تکن راضیة عن (أسوا) ولکنها بدت متحملة الوضع وبدا الضجر على سیماء (أسوا) ودار بنا الحدیث وتشعب نحن الأمهات عن لطف الله عز وجل في لحظات حياتنا، فقلت: إن الله عز وجل يرأف بنا في ساعات الشدة، ویلطف بنا في کل لحظة فأیدت صديقتي وصدیقتها کلامي بقول: نعم والله. رأيت امتعاضاً على وجه (أسوا) فقلت لنفسي: لربما هو أمر بينها وبين (نبأ)، وتسلل بنا الحدیث عن فراق الله عز وجل وکم هو مؤلم فراقه. فانبرت (أسوا) مستهزئة: کم هو مؤلم فراقه! بدا على وجه أمها التوتر والغضب وبدأت توبخها. فالتمست من الأم أن ترأف بها وتدعها تتكلم. فقالت الأم: سوف تبدأ بالهذيان. قلت لها: إذا سمحتِ أودّ أن اسمع منها ما تقول. فأطرقت الأم وهي خجلة: حسناً، نظرتُ إليها، وقلت: یا صاحبة الاسم الجميل، ماذا في جعبتك من أفكار؟ قالت: إذا تکلمت سوف تغضب أمي! نظرتُ إلى الأم وقلت: هل تسمحین أن أتكلم مع ابنتك على انفراد؟ نظرتْ إلى صديقتي فطمأنتها أن تتحدث معي. خلوت مع (أسوا) وقلت: تحدثي وقولي ما عندك. قالت: أنا عندما أقول شيء ما تغضب أمي. قلت لها: ماذا تقولين مثلاً وتغضب امك؟ تلکأت لثوان وقالت: أنا لا أعتقد أن هناك إلهاً! نظرت إليها بتأمل وقلت: هذا کلام کبیر. قلت: وماذا بعد؟ قالت: کنت قبلها أتساءل: هل هناك خالق لله؟ فکانت تغضب أمي، وتجیب الخالق هو الله ولا خالق غیره. قلت: وبعد ماذا أيضاً؟ قالت: کنت أتساءل: هل هناك إله أقوى من الله؟ فکانت أمي تثور غضباً، وأخيراً أنا متأكدة أنه لا یوجد إله، إذ لو كان موجوداً لرأیته… قلت: حسناً هذه أسئلة کثیرة، هل هناك غیرها من الأسئلة تراودك؟ قالت: نعم، توجد غیرها، ولکن هذه أهمها. قلت: حسناً... تطلعت إليّ مستغربة وقالت: ألن تنعتيني بالكافرة الملحدة كما تدعوني أمي کلما تحدثت معها بهذه المواضیع؟ وتنهاني أن أتكلم أمام أي أحد من الناس؟! قلت: کلا یا فتاتي یبدو علیك الذکاء والفطنة، ولا تحبين أن تقبلي أمراً إلّا وأنتِ تعرفين ماهیته وتسبرین غوره. ابتسمت وقالت: نعم، أنا هکذا. قلت لها: حسناً، فلنأخذ الأمور ببساطة ولنقل أن الله عز وجل خلقه إله آخر، وقلنا بعده هناك إله آخر خلقه. أخيراً یجب أن نخلص من هذا التسلسل وننتهی إلى إله خلق الجمیع، حسناً فلنعبد هذا الإله الذي هو خالق کل شيء وإذا قلنا: هناك إله أقوى، أيضاً سوف نذهب إلى التسلسل والدور حتی نصل بالنهاية إلى إله أقوى من جمیع الآلهة الأخرى ویجب أن يكون کاملاً لیس به أي نقص أو عيب، وإلّا لن نرضی أن یکون إلهنا الذي نعبده ضعیفاً أو مخلوقاً أو محتاجاً إلى أي أحد. فکّري بکلامي قلیلاً ودعي عقلك ینفض الغبار عنه وبعدها نعود إلى بقیة أسئلتك. بعد لحظات رفعت رأسها، وقالت: وإذا لم أكن أعتقد بوجود إله أبدا؟ قلت: حسناً یا فتاتي، إذا لم یکن لهذا الکون والوجود إله، فمن أوجده إذاً؟ قالت: هو أوجد نفسه. ابتسمت وقلت: هذا القميص الذي ترتدینه، أيمكن أن تقولي إنه هو أوجد نفسه دون أن یکون هناك قماش ودون أن یکون هناك خیاط یخیطه؟ ونقول هو أوجد نفسه من العدم. تلکأت وقالت: المسألة تفرق قلت: بماذا تفرق؟ لم تجب. قلت: کون کامل متکامل بدون إله، وقمیص صغير له صانع! أليس هذا منافیاً للعقل؟ لم تجبني وسألتني: لماذا تعصب أمي عندما أسألها؟ قلت: أمك تحبك وتخاف علیك من الانحراف الذهني، ولکن الله عز وجل وهو اللطيف الخبير عندما یری حیرتك وألمك لا يريد لكِ الخذلان ووضعني في طریقك حتی تسمعي مني الشيء القلیل عن الحقيقة وسوف یضع في طريقك أناساً آخرين عندما تريدين الوصول إلى الحقيقة والوصول إلى السعادة، أتعلمين يا بُنيتي أن معرفة الله سبحانه وتعالى هي السعادة الحقيقیة... أتمنى أن أراكِ أكثر وأن نتحدث عن وجود الله سبحانه وتعالى أكثر. قالت: أتمنى ذلك. نعم إن الحديث عن الله عز وجل حديث شیق ولطیف ویستحق منا أن نقضي ساعات نتكلم به، أومأت برأسها: نعم. ابتسمت لها وقلت: هل أخبرك بحدیث قدسي؟ ابتسمت ترید أن تسمع. قلت: (لو علم المدبرون عني کیف اشتياقي إلى توبتهم لماتوا شوقاً الي ولقطعت اوصالهم) إن الله سبحانه وتعالى هو نفسه یخبرنا کم یحب المدبرین عنه، فکیف إذا أقبل قلبك إليه؟ قلت لها: إنه یحبك یا فتاة ویحب کل ما وجد ویحبك أنتِ بالذات لأنه أوجدك إنسانة عاقلة ولك کامل الاختیار في الحياة، ولم یخلقك جماداً أو أي شيء آخر. قلت: هذا کله من حبه لكِ. أطرقت برأسها وقالت: لم اسمع هذا الكلام من قبل. قلت: بنیتی، ابحثي عن الله سبحانه وتعالى في وجودك في قلبك إنه موجود معك ولکنك اغمضتِ عینیك ولم تریه، افتحي عینيكِ وافتحي قلبكِ وسترین النور والسعادة یقبلان إليك. ____________________ 1_ بداية المعرفة: الاستاذ العلامة الشیخ حسن مکی العاملي بيان التسلسل وبطلانه ص 58 . 2_ السیر إلى الله: میرزا جواد التبريزي، ط1 ، بیروت لبنان دار البلاغة ص 199_200. انعام علي محمد جواد
اخرىالتعليقات
يتصدر الان
لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع
يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىبين طيبة القلب وحماقة السلوك...
خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىالطلاق ليس نهاية المطاف
رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىلا تقاس العقول بالأعمار!
(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىالمرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)
بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىأساليب في التربية
عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى