بقلم: شيماء المياحي روي عن الإمام الحسين (عليه السلام) أنّه قال: "الاستدراجُ من اللهِ (سبحانه) لعبدِه أنْ يُسبِغَ عليه النعم، ويسلبُه الشكر"(١) ينعمُ الإنسانُ في حياتِه بكثيرٍ من النعمِ، منها: حاصلةٌ يعلمُ بها، وأُخرى ينتظرُها، والكثيرُ الكثيرُ منها: هو فيها ولا يشعرُ بذلك، ويبقى يتضرّعُ إلى الله (تعالى) ويسألُه المزيدَ من النعم، طمعًا في رحمة الباري (جلّ وعلا) الذي قال في كتابه العزيز: "ادعُونِي أستَجِب لَكُم"[غافر:٦٠]. ومن العبوديةِ أنْ يطلبَ العبدُ النعمَ من خالقه والمنعم عليه، ويدعوه ويناجيه للحصول عليها.. كما توجدُ أمورٌ تُساعدُ على الحصول عليها ودوامها على العبد إذا ما سعى لها والتزم بها، وهي واضحةٌ وجليّةٌ نوردُها باختصار: ١ - العلمُ بأنَّ هذه النعم من اللهِ (تعالى)، وكُلُّ ما سواه سببٌ للحصول عليها. ٢ - شكرُه (تعالى) باستخدامِ هذه النعم في طاعته واجتناب معصيته. ٣ - إظهارُ النعمةِ مع التواضعِ لمن حُرِمَ منها، فإنَّ اللهَ (تعالى) يُحِبُّ أنْ يرى أثرَ نعمته على عبده. والعكسُ بالعكسِ تمامًا؛ فإنّ خلافَ ذلك كفيلٌ بزوالِ النعم، والحرمان من الحصولِ عليها، وهذا ما ذكرته الروايات الشريفة، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "ما أنعم اللهُ على عبدٍ نعمةً فظلمَ فيها؛ إلا كان حقيقًا أنْ يُزيلَها عنه"(٢) ولكن أحيانًا يحصل ما هو خلافُ ذلك؛ أي إنَّ العبدَ يعصي ويتمادى في المعصية، واللهُ (تعالى) يُنعِمُ عليه ويُجزِلُ له بالعطاء؟! وكثيرًا ما يردُ هذا التساؤل على أذهانِ البعض، عندَما يُشاهدون أهلَ الفسقِ والمعاصي يتنعّمون بما حُرِمَ منه أهلُ طاعةِ الله (تعالى)، فيتخذُ البعضُ من ذلك ذريعةً للابتعادِ عن الطاعةِ، والانجرارِ وراءَ المعصية. والصحيح أنه لا ينبغي للعبدِ المؤمنِ أنْ يُقارنَ نفسَه بأهلِ المعاصي والفجور، مُتجاهلًا مكانته ومنزلته عندَ اللهِ (تعالى)، وأنّه (تعالى) كرّمه على خلقه؛ بما أنعمَ عليه من نعمةِ الإيمانِ وغيرها وما كلّفَه به. والبلاءُ سُنّةٌ من سُننِ الحياة، وله أسبابٌ مُتعددةٌ، يختلفُ سببه عند كُلِّ مبتلى، بحسب مكانته وقربه لله(تعالى)، فقد يكونُ تحذيرًا له من الغفلةِ إذا ما وقع فيها، أو تنبيهًا من معصيةٍ سقط في شباكها، وعلى العكس من البلاء هنا فإنَّ توالي النعم ودوامها عليه رغم غفلته ومعصيته ما هو إلا استدراجٌ له من الله (تعالى)؛ لذا لا ينبغي للمؤمن أنْ يغترّ بها، فقد وردَ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "يا بن آدمَ، إذا رأيتَ ربَّك (سبحانه) يُتابعُ عليكَ النعمَ وأنتَ تعصيه فاحذره"(٣)، وقال (تعالى): "وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَستَدرِجُهُم مَّن حَيثُ لَا يَعلَمُونَ"[الاعراف:١٨٢] فيفتحُ لهم أبوابَ الرزقِ والعافيةِ ورفاهيةِ العيش إلى أنْ يأخذَهم بغتةً وهم لا يشعرون، وهذا ما جاء في الكتاب العزيز: "فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّروُا بِهِ فَتَحنَا عَلَيهِم أَبوَابَ كُلِّ شَئٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُتُوا أَخَذنَهُم بَغتَةً فَإذَا هُم مُّبلِسُونَ"[الانعام:٤٤] ومما ينبغي الالتفات إليه: أنّ ما تقدّم ليس مُبرِّرًا للمؤمن بأنْ يحكمَ على الآخرين بالاستدراج إذا ما توالت النعم عليهم، وهم في معصية، فقد يعصي العبدُ ربَّه في العَلَنِ ويتوبُ في الخفاء. مثلما ليس للعبدِ أنْ يُزكّيَ نفسه، فينبغي أن يكونَ في حالةٍ بين الخوفِ من توالي النعم وهو على المعصية، والرجاء للُطفِ الباري ومغفرتِه، مع السعي الحثيثِ إلى طلبِ التوبةِ والإنابةِ للهِ (تعالى)؛ حتى يُؤمّنَ نفسَه من سخطِ اللهِ (تعالى). .............................. (١) تحف العقول (٢) غرر الحكم (٣) نهج البلاغة
اخرىبقلم: شيماء المياحي روي عن الإمام الحسين (عليه السلام) أنه قال: "ما أخذَ اللهُ طاقةَ أحدٍ إلّا وضعَ عندَه طاعته، ولا أخذَ قدرتَه إلّا وضعَ عنه كلفته)(١) اتبعَ أهلُ بيتِ العصمة (عليهم السلام) أفضلَ وأنجعَ السّبُل؛ لترسيخ الرسالة الإسلامية في أذهانِ أتباعهم ومواليهم، فأخذوا على عاتقهم بيان مِلاك واعتباريةِ التكاليفِ الشرعية التي فرضها الله (تعالى) على عباده، بخلافِ غيرهم، ممن أرادوا ترسيخ عقائدهم -وتتبعها أحكامهم- المُزيفة؛ بالجبّر والقوّة وسفك الدِّماء؛ لعدم وجود ما يثبت الباطل إلّا بالباطل، سواء كان يرتدي لباسَ الحقِّ أو كان واضحَ البطلان، ففعلوا ما فعلوا بمن تخلّفَ عن حكمهم ومنهجهم المنحرف. أما الإمامُ الحسينُ (عليه السلام) وأهلُ بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد حدّثوا أصحابَهم بمِلاكِ توجيه التكاليف الشرعية الموجه للمكلف، ليتيسّرَ للمكلف تقبُّلها والخضوع لها؛ فالإنسانُ بطبعه يتقبَّلُ ما يتناسبُ مع فطرتِه، وقابليتِه الجسدية والعقلية والمادية، وغيرها مما يحتاجه في الامتثالِ للأوامرِ الإلهية، فقد بيّنَ الإمامُ الحسينُ (عليه السلام) أنَّ اللهَ (تعالى) كلّف عباده بحسب قابلياتهم، فلم يُكلّفِ الطفلَ أو الصبيّ إلّا بعد أن يبلغَ العمرَ الذي يفقه فيه التكاليف الشرعية، وصانع الشيء أعلم به، مع وجود العقل والصحة -على تفصيلٍ في الرسائل العملية- والمالُ في بعض التكاليف، مع وصولِ التكليف للمكلّف وعلمه به، فليس من العدل - عقلًا وشرعًا- عقابَ الجاهلِ بالحكم -على تفصيل-* وقد جاء في الكتاب العزيز في قوله (تعالى): "وَمَا كُنَّا مُعَذَّبِينَ حَتَّى نَبعَثَ رَسُولَا"[الاسراء: ١٥]. كُلُّ ذلك يرتبطُ بوجوبِ التكاليفِ، وإلّا فيسقطُ وجوبها عن الإنسان، وهذا ما جاء في كتاب الله العزيز: "لَا يُكَلّفُ اللهُ نَفساً إِلَّا وُسعَهَا"[البقرة:٢٨٦] وفي الجانبِ التكويني أيضًا لم يُكلّفِ الله (تعالى) الإنسانَ بما لا يقدر عليه في حفظ النفس والصحة لنفسه أو لمن هو تحتَ ولايتِه ورعايته، فلم يُكلَّفِ الأبوين بحفظِ سلامةِ أولادهما من المرض والموت؛ إلّا بما هو مُمكنٌ ومُتيسّرٌ لهم، ولم يُعاقبِ الأُمَّ على الإضرارِ بالجنين في بطنِها؛ إلَّا إذا كانَ بفعلِها وعن قصدٍ منها، وأما ما يُبتلى به الإنسانُ من فقدِ الأحبة، ومرضهم؛ فيُجازيه الله (تعالى) عليه بالجزاء العظيم؛ إذا ما صبر واحتسب صبرَه عند الله (تعالى). وفي الجانب التربوي أيضًا، لم يُعاقبِ الإنسانَ بما هو فوق مقدوره، فالإنسانُ مُكلّفٌ بتربية من هم تحت ولايته، بحسب قواعد التربية التي وردتنا من الكتاب العزيز وأئمةِ الحقِّ (عليهم السلام)، والأعرافِ المطابقةِ لمبادئ الدين الحنيف، مع السعي الجادِّ لتوفيرِ المقدمات الصحيحة لها، ولكن قد لا تُجدي نفعًا -لأسبابٍ غيبية- فلا يُحاسَبُ الإنسانُ ولا يُعاقَبُ على سوء خُلق ولده في هذه الحالة، فحتى أولاد الأنبياء منهم من كان على غير هُدًى، مع الالتفات إلى أنَّ هذا ليس مُبرّرًا للتهاونِ بالتربية، بل على الوالدين والمُربين أن يسعوا لها ويطلبوا العونَ من الله (تعالى) بنيةٍ صادقةٍ فهو خيرُ مُعين، روي عن الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): "إنّما قدَّرَ اللهُ عونَ العبادِ على قدرِ نيّاتهم، فمن صحَّتْ نيَّته تمَّ عونُ اللهِ له، ومن قصُرتْ نيَّته قصُرَ عنه العونُ بقدرِ الذي قصَّر"(٢) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (١) تحف العقول: ص١٧٥ * لمعرفة أقسام الجهل يمكن الرجوع إلى كتاب المنطق وأخذ أحكامها من الرسائل العملية. (٢) أمالي الشيخ المفيد: ص٥٦ و٦٦
اخرىبقلم: شيماء المياحي روي عن الإمام الحسين (عليه السلام) أنّه قال: "أيّما اثنِين جَرَى بِينهُمَا كلَامٌ فطلبَ أحدُهُمَا رضَى الآخر كان سابقهُ إلى الجنةِ"(١) الإنسانُ كائنٌ اجتماعي بطبعه؛ فلا غنى له عن التواصلِ مع أبناءِ مُجتمعه؛ فيحتاجُ إلى سُبُلٍ ووسائلَ للتواصل مع الآخرين، وأبرزُ تلك السُبُل الكلامُ؛ فهو لغةُ التواصُل بين بني البشر.. فالكلامُ له أهميةٌ بالغةٌ جدًّا، وخطرٌ بالغٌ جدًّا أيضًا. بالكلامِ توصّلنا إلى معرفةِ الدينِ ومعرفة الخالق (تعالى)، وقد سُمّيَ علم العقائد بـ(علم الكلام). بالكلام يُعبَدُ اللهُ (تعالى) ويُعصى. الكلمةُ كاشفةٌ عن حجمِ معرفةِ الإنسان، فقد وردَ عن أميرِ المؤمنين (عليه السلام): "تكَلَّمُوا تُعرَفُوا، فَإِنَّ الَمرءَ مَخبُوءٌ تَحتَ لِسَانِه"(٢)، وعن رسولِ الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "وهل يُكبُّ النَّاسُ في النارِ إلّا حصَائد ألسنتهم"(٣) ولذلك أولى كُلٌّ من القرآنِ الكريم، والسُنّةِ النبوية، وتُتمِّمُها أحاديثُ المعصومين (صلواتُ الله عليه أجمعين) أهميةً بالغةً في إيرادِ آدابِ الكلام؛ حفاظًا على استمرارِ الصِلةِ الطيبة بين أفراد المُجتمعِ من جِهةٍ، وعلى مصيرِ الإنسانِ الآخروي من جهةٍ أخرى؛ للارتباطِ الوثيق بين الكلامِ وهاتين الجهتين، فقد وردَ عن رسولِ الله (صلى الله عليه وآله): "لا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتى يستقيمَ قلبُه، ولا يستقيمُ قلبُه حتى يستقيمَ لسانُه"(٤) ومن تلك الآدابِ ما وردَ عن الإمامِ الحُسين (عليه السلام) من عدمِ الاستبداد بالرأي عندَ الكلامِ مع الآخرين، وتقديمِ رضا الطرفِ الآخر على رضا النفسِ والانتصار لها، وعدم إفحام الغير وتعجيزه عن الرد، وذكرَ أنّ من يتصفُ بهذه الصفةِ يكونُ سابقًا للطرفِ الآخر إلى الجنة؛ لأنَّ ذلك من الجدالِ الممقوتِ الذي يورثُ الضغينةَ بين أفرادِ المُجتمع، وقد يتعاملُ به البعضُ حتى مع أفرادِ أُسرتِه، فيُحاولُ الزوجُ أنْ يفرضَ رأيَهُ في الكلامِ والنقاشِ مع الزوجةِ والأولاد، مُتخذًا من قواميته عليهم ذريعةً في ذلك، وعادةً ما ينشأ ذلك عن عدّةِ أمور: ١ - الجهلُ والحماقةُ: من الجهلِ والحماقةِ أنْ يعتقدَ الإنسانُ بأنّ الصوابَ معه دائمًا وأبدًا، فكُلُّ إنسانٍ مهما بلغَ من المعرفةِ والحكمة لا يصلُ إلى المعرفةِ المُطلقة في كُلِّ الأمور، ويبقى لكُلِّ امرئٍ قدرُه المحدودُ في كُلِّ شيءٍ، فقد وردَ عن أميرِ المؤمنين (عليه السلام): "كفى بالمرءِ جهلًا أنْ يجهلَ قدره"(٥) وقيل للنبي عيسى (عليه السلام) في حديثٍ عن أبي عبد الله (عليه السلام): "يا روحَ اللهِ وما الأحمق؟ قال: المُعجَبُ برأيه ونفسِه الذي يرى الفضلَ كُلَّه له، لا عليه ويوجبُ الحقَّ كُلَّه لنفسِه، ولا يوجِبُ عليها حقًا، فذلك الأحمق الذي لا حيلةَ في مداواته"(٦) ٢ - الرغبةُ في السيطرةِ على الآخرين والتحكُّم في قُدُراتِهم: وهو مرضٌ نفسي خطيرٌ عادةً ما ينشأ من أسباب، منها: البيئةُ التي يعيشُ فيها، ومراحلُ حياتِه من الطفولةِ إلى المُراهقةِ والشباب، فكُلُّ مرحلةٍ لها تأثيرها البالغ على تكوينِ سلوكِ الإنسان، ويشتدُّ هذا السلوكُ مع غفلةِ الإنسانِ عن نفسِه وعيوبِها، وعدم السعي لإصلاحها، وغيرها الكثير من الأسبابِ التي تجعلُ الإنسانَ يفرضُ رأيَه في كُلِّ حوارٍ ونقاشٍ، مُتجاهلًا ما وردَ عن أهلِ بيتِ العصمة (عليهم السلام) من آدابِ الكلام، ومداراة الناس فقد وردَ عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "أمرني ربّي بمُداراةِ الناسِ كما أمرني بأداءِ الفرائض"(٧) أما إذا كان الكلامُ يتعلّقُ بإثباتِ العقيدةِ الحقّة، وكان الغرضُ منه الإرشادَ والهداية ولم يكنِ الطرفُ الآخر مُعاندًا؛ فلابُدَّ من الجدالِ معه بالتي هي أحسن، فلا ينبغي إرضاءُ الطرفِ الآخرِ على حسابِ العقيدة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (١) المحجة البيضاء: ج٤/ ص٢٢٨ (٢) عيون الحكم والمواعظ لعلي بن محمد الليثي الواسطي: ص٥٥٠ (٣) بحار الانوار: ج٧٢/ ص٢٦٠ (٤) بحار الانوار: ج٦٨/ ص٢٨٧ (٥) غرر الحكم : ص٢٣٣ (٦) بحار الانوار: ج١٤/ ص٣٢٤ (٧) الكافي: ج٢/ ص١١٧
اخرى