Profile Image

شيماء المياحي

مقتطفاتٌ من دُعاءِ مكارم الأخلاق (2)

بقلم: شيماء المياحي تحدّثنا في الحلقةِ الأولى عن الفقرة الأولى من دعاء مكارم الأخلاق، وهي: الإيمان وكيفية بلوغ أعلى درجاته، وهنا سوف نتناول الفقرة الثانية من الدُعاء: "وَاجْعَلْ يَقِينِي أَفْضَلَ اليَقِينِ" قبل أن نتعرف على سُبلِ الوصول لأفضلِ اليقين، لابُدّ أنْ نتعرف على معناه. *اليقين لغةً: هو زوال الشك. اصطلاحًا: ما يقابل الجهل المركب والشك، وهو الجزم بعلمٍ وطمأنينة واستقرار نفس، مطابقًا للواقع غير زائل بشبهة وإنْ كانت قوية. ولا بُدّ أنْ يكون اليقين بكلِّ ما جاء في الكتاب العزيز والسنة النبوية عن الله (تعالى) يقينًا يدفع الإنسان إلى العبودية لله (تعالى) وبإخلاص النية، كما جاء في كتابه العزيز: "وَالَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَاَ أُنزِلَ مِن قَبلِكَ وَبِالأَخِرَةِ هُم يُوقِنُونَ"[البقرة:٤]. ولصاحب اليقين علامات: ١ - التوكُّل والثقة بالله (تعالى): فلا يتوكل الموقن إِلا على الله (تعالى) ولا يثق إِلا به، ولا يعتمد على الأسباب، ويراها مسخّرة منه وبمشيئته وأمره (تعالى)، ولا حول ولا قوة لأحدٍ إلّا به ومنه(تعالى). وأنْ يعلم أنَّ كل ما يطرأ عليه من وجود وعدم، وخير وشر، وصحة ومرض، وغنى وفقر، من الله (تعالى)، وما قُدّر له سيُساق اليه، ويرى كلَّ ذلك بعينٍ واحدةٍ. ٢ - الخشوع: أنْ يكون دائم الخشوع لله (تعالى) في كلِّ أحواله في العبادة وغيرها، وأنْ يعيش بين الخوف من عظيم سُلطانه، والرجاء لواسع رحمته ومغفرته. فاليقينُ يجعل المؤمن دائمَ الخوف والوجل من عظمةِ الخالق من جهة، ويبعثُ روح الطمأنينة والسكينة في قلبه من جهةٍ أُخرى؛ لعلمه ويقينه بأنَّ الله (تعالى) غفورٌ رحيم وشديد العقاب. ٣ - استجابة الدعوات: يكونُ صاحب اليقين مستجابَ الدعوات إنْ اقتضت ذلك الحكمة الإلهية؛ وذلك لأنّه يدعو وهو متيقن بالإجابة، وقد ورد عن الإمام الكاظم (عليه السلام) أنّه قال: قال قومٌ للإمام الصادق (عليه السلام): "ندعوا ولا يُستجاب لنا؟ قال: لأنكم تدعون من لا تعرفونه"(١) بل ويكون صاحب كرامات أيضًا في بعض مراتبه، فكُلّما زاد يقينُ الإنسان زاد تجردًا، فحين ذُكِر النبي عيسى (عليه السلام) عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنّه يمشي على الماء، قال:(صلى الله عليه وآله): "لو زاد يقينًا لمشى في الهواء"، وعنه (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "إنّ الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله"(٢) ولليقين مراتب: ١ - علم اليقين: وهو العلم الجازم بوجود الخالق وبكلِّ ما جاء عنه بالأدلةِ اليقينية التي لا تقبل الشك ومثاله: العلم بوجود النار من خلال رؤية الدُخان. ٢ - عين اليقين: وهو المشاهدة للحقائق الإلهية بعين البصيرة، وهي أقوى من مشاهدة عين البصر ويحصل من خلال تزكية النفس وتنقيتها من كلِّ درن، ومثال ذلك أن يرى عين النار. ٣ - حقّ اليقين: وهو الشعور بالحقيقة وكأنّه فيها، ومثاله: اليقين بوجود النار بالدخول فيها من غير احتراق، وهذا إنّما يكون لمن أدرك الكمال العرفاني. والحصول على هذه المرتبة يتوقف على مجاهدة النفس مجاهدةً شاقّة لترويضها بالحدّ من اتباع الشهوات، والوصول إلى النقاء الروحي. وقد سمعت أحدهم يقول عندما فقد ولده الشاب في حادثٍ مروُّع: (الآن شعرتُ بلوعةِ قلبِ الإمام الحسين (عليه السلام) على فقد ولدِه علي الأكبر)، واقعًا الذي يستمعُ المصيبة ليس كمن يستشعرها . ولمتعلق اليقين أنواع نذكر بعضها: ١ - اليقين بوجود الله (تعالى): وهو اليقين بوجود خالقٍ واحدٍ لا شريك له، يتصفُ بجميع صفات الكمال والجلال، ويحصل من خلال النظر والتأمُّل في الأدلة العقلية التي لا تقبل الشك -كما مر- وتأتي الأدلة النقلية مؤيده لها . ٢ - اليقين بعدل الله(تعالى): وهو من أبرز صفات الله(تعالى) الكمالية، والذي جُعل أصلًا من أصول الدين. واليقين بأنّ الله(تعالى) عادلٌ وليس بظالمٍ يترتب عليه الطمأنينة والتسليم والرضا بقضاء الله(تعالى) وقدره، وكذلك الاعتقاد والتصديق بالثواب والعقاب الذي أوعد الله(تعالى) عباده به، الذي يظهر أثره على جوارح الإنسان. ٣ - اليقين بأولياء الله(تعالى): وهو التسليم وعدم الاعتراض على كلِّ ما ورد عنهم؛ وذلك لأنهم مُنصَّبُون من قِبل الله (تعالى), واليقين بهم نابعٌ من اليقين بعدله (تعالى)، ومن أروع صور اليقين بالأولياء التي نقلها التاريخ هي قصة هارون المكي، وكيف أنّه امتثل لطلب الإمام الصادق (عليه السلام) برحابةِ صدرٍ ودون أيّ اعتراض أو تردد، وقام وجلس في التنور وهو مسجور. فهذه الطاعة التامة نابعةٌ من قوة يقينه بالإمامة. نعم، هذه المرتبةُ صعبةٌ جدًا لعوام الناس، ولكنّها ليست مستحيلةً. ويمكن التدرج بمراتب اليقين شيئًا فشيئًا من خلال الالتزام بالدين ومفرداته، والإلحاح على الله (تعالى) بالدُعاء، ومطالعة قصص الصالحين، وكيف كانوا على مرتبةٍ عاليةٍ من اليقين. وبذلك يصل الإنسان ولو لنسبةٍ معينة من اليقين الذي يكون درعًا واقيًا له عن الاعتراض لكلِّ ما ورد ورودًا قطعيًا وغير قابل للنقاش عن الأئمة(عليهم السلام)، ومن يمثلهم في زمنِ غيبةِ قائمهم (عجل الله تعالى فرجه الشريف). _______________ (١) بحار الانوار (٢) كنز العمال

اخرى
منذ 3 سنوات
265

ارتقِ بنقدهم

بقلم: شيماء المياحي داومْ على الأولى (العمل). وانتفعْ من الثانية (الاقتراح). وفعّلْ الثالثة لصالحك (الانتقاد). ولا تسمح لها بأنْ تكونَ عائقًا في طريقِك، فهي من الابتلاءات التي لا يُمكِنُ الفِرار منها؛ لأنَّ الإنسانَ يعيشُ وسطَ مُجتمعٍ مُختلفِ الأهواء والآراء والأفكار، فمن الطبيعي أنْ يواجهَ النقدَ لكلِّ عملٍ يقومُ به. حتى الأنبياء وأصحاب العصمة لم يسلموا من النقد، ولكن لم يُثنِهم ذلك عن عزمِهم وأداءِ رسالاتِهم، بلْ زادَهم إصرارًا وقوةً. يُمكنُ للإنسانِ أنْ يُفعّلَ حتى النقد الهدّام لصالحِه، بأنْ يَعُدَّ نفسَه مُقصرًا فعلًا، ويبذل جهدًا أكبر في إتقانِ العمل الذي يُمارسه، ويسعى للتقدمِ أكثر وأكثر، بل وقد يكونُ النقدُ سببًا في سعيه للوصولِ لإخلاصِ النيّة في العملِ لا سيّما إذا اِتُهِم بعدمِها.

الخواطر
منذ 3 سنوات
327

العاداتُ آلهةٌ تُعبْد

بقلم: شيماء المياحي أيُّها القارئُ الكَرِيم، أنا وأنتَ/تِ، لو سُئلنا هذا السُؤال: هل لكم إلهٌ تَعبُدونهُ غير الله(تعالى)؟ بالتأكيد سنُجيب: كلا. ولكن الأحرى بنَا أن نتريثَ قليلًا قبل الإجابةِ، ونسأل أنفُسَنا ماهي حقيقةُ العبادة؟ حتى تتجلى لنَا الحقيقةُ، ونُدرك إنْ كانت لنا آلهةٌ نعبُدها غير الله (تعالى)أو لا؟ العبادةُ لغةً: هي الطاعة مع الخضوع. اصطلاحًا: هي الطاعة والخضوع، مع الاعتقاد بأنَّ المخضوع له إلهٌ يستحقُّ العبادة. ولا خلاف بين المعنين من حيث الطاعة والامتثال لفعلٍ معين. وفي الحديث عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: "ليس العبادة هي السجود ولا الركوع، إنما هي طاعة الرجال، فمنْ أطاع المخلوقَ في معصيةِ الخالق فقد عبده"(١) وعن الإمام الباقر(عليه السلام) أنّه قال: "من أصغى إلى ناطقٍ فقد عبده، فإنْ كان الناطقُ يؤدي عن الله (عز وجل) فقد عبدالله، وإنْ كان الناطقُ يؤدي عن الشيطان فقد عبد الشيطان"(٢) إذن- بحسب ما جاء في دُرَرِ أهلِ العصمة- أنّ من أطاعَ شيئًا ولهثَ خلفه بلا تفكّرٍ وتأمّلٍ في سبب طاعته وانقيادهِ خلفه؛ فقد عبَدَه. ومع هذا فما أكثر الآلهة التي تُعبدُ في هذا الزمان! فهناك من فقدَ إرادتَه في إدارةِ نفسِه بحيث لا يُمكنُه التخلّي عن بعضِ ما اعتاد عليه من الأمور التي هي واقعًا أمورٌ كماليِّة وترفيِّهية، وليست أساسيةً في استمرارِ الحياة، بل وجعلَ منها أساسًا لا يُمكِنه العيشَ من دونها، كما يحصل عنده الخضوع التام عند التعاملِ معها والإنصات لها، حتى أنّه لا يشعرُ بما يدورُ حوله، وقد تحصلُ له اضطراباتٌ نفسيّة وسلوكيّة إذا مُنِعَ منها قهرًا، فهل توجد عبادةٌ أكبر من هذا الانقياد والخضوع الذي يسلُب الإنسان بعض أو كُل حواسه؟! ليقول بعدئذٍ: لا أعبد سوى الله(تعالى)! فينبغي لأيِّ عاقلٍ-فضلًا عن المؤمن- أنْ يلتفتَ إلى سلوكياتِه التي أصبحتْ عادةً لا يُمكِنُه التخلي عنها، ويتأمّل في الدوافع التي تدفعه لفعلها، والثمرة التي يُجنيها من الالتزام بها، ويُطالع ما ورد عن أهلِ بيت العصمة فيما قالوا عن العادات، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "للعادةِ على كلِّ إنسانٍ سلطان"(٣)، وعنه(عليه السلام): "العادةُ عدوّ مُتمَلك"(٤)، وعنه(عليه السلام): "تخيّر لنفسِك من كلِّ خُلُقٍ أحسنه؛ فإنّ الخيرَ عادةٌ، وتجنبْ من كلِّ خُلُقٍ أسوأه، وجاهدْ نفسَك فإنَّ الشرَ لحاجة"(٥) *كيفية التخلص من العادات السيئة: ١ - معرفةُ أضرارِ هذه العادات من خلالِ مطالعةِ الكتب والمواقع الثقافية التي تتناول ما يخص هذا الأمر. ٢ - السعي الجادّ لتقويةِ الإرادة للسيطرةِ على التحكّمِ بالنفس وأهوائها. ٣ - إيجاد البديل، فليسَ من السهلِ تركُ عملٍ ما، فلا بُدَّ من مزاولةِ عملٍ غيره أفضل منه. ٤ - التَّدرُّج في تركِ العادة، فصعبٌ جدًا تركُ أيّ عملٍ دفعةً واحدة، وقد تكون النتيجةُ عكسيةً؛ فالإنسان بطبعه حريصٌ على ما مُنع. وأخيرًا أقولُ لمن وقع أسيرًا وعبدًا بين يدي جماداتٍ ليست لها القدرة على شيء إلّا بإرادةِ وتوجيه غيرها؛ ابذلْ جهدك في استعادة حُريتك التي سُلِبتْ منك، ولا تكُن عبدًا إلّا لمن خلقك ورزقك وبيده حياتك ومماتك. --------------------------------- (١) ميزان الحكمة: ج٣ / ص١٨٠١ (٢) نفس المصدر (٣) غرر الحكم (٤) غرر الحكم (٥) غرر الحكم

اخرى
منذ 3 سنوات
246

جمالُ اللوحةِ بتعددِ ألوانِها

بقلم: شيماء المياحي تعدّدُ الألوانِ يُضفيِّ جمالًا ورونقًا على اللوحةِ الفنيةِ، إضافةً إلى مساهمته في وضوحِ معناها، بخلافِ ما لو كانت بلونٍ واحد؛ فإنّها تكونُ باهتةَ المنظر -والمعنى أحيانًا- وقليلًا ما تجذبُ الناظرين. وهكذا هو التعايش الاجتماعي لو كان الجميعُ بفكرٍ واحد، ورأيٍ واحد، وذَوقٍ واحد لكانتِ الحياةُ باهتةً وجامدةً. فلو كان الجميعُ بفكرٍ واحد؛ لكُنّا اليومَ نستضيئُ بالمصباحِ الزّيتي الذي كان يُستعملُ قبل مئات السنين، ونَستُرُ أجسادنا بأوراقِ النباتات، ونأوي أنُفسنا في الكهوف. نعم، فلا غرابةَ في ذلك، إنْ لم يكن الاختلافُ في الأفكار موجودًا لم يتقدمْ الإنسان وتتطور الوسائل الخدمية في الحياة. ولو لا الاختلافُ أيضًا لما تنوّعتِ العلومُ والثقافات، ولما أُلِّفتِ الكتبُ بمختلفِ الأفكار والآراء والأذواق.. ولما شُيّدتِ المصانعُ، وأُنتِجتِ البضائعُ بمختلفِ الألوانِ والأنواع.. ولكُنّا اليومَ نلبسُ ونأُكلُ لونًا واحدًا ونوعًا واحدًا! يا تُرى هل تُطاقُ الحياة بهذه الكيفية؟! من هُنا يُمكنُنا القول: إنّ الاختلافَ أشبهُ بـ(ملحِ الحياة) إذنْ لماذا يشعرُ الإنسانُ بالضّجرِ إذا ما واجه من يُخالفه في الرأي والفكر؟! يا تُرى ما هو السبب؟ هل للأنانيةِ دخلٌ في ذلك؟ أم قلّة الوعي؟ الجوابُ متروكٌ لكم.

اخرى
منذ 3 سنوات
227

ولادتُه أثبتتْ إمامةَ أبيه

بقلم: شيماء المياحي السلامُ عليك يا مولاي يا محمد بن علي الجواد ورحمةُ الله وبركاته. السلامُ عليك يامَن بولادتِك أثبتَّ إمامةَ أبيك .. الإمامُ الجوادُ (عليه السلام) أولُ إمامٍ أثبتَ بولادته إمامة أبيه خلافًا لما هو متعارفٌ في حياةِ جميع الأئمةِ (عليهم السلام)، حيث إنّ الإمامَ السابق يُثبتُ إمامةَ الإمامِ اللاحق؛ ليكونَ حُجةً على المسلمين، ومرجعًا لهم في مختلفِ شؤونِ حياتِهم. ولكنَّ الحال يختلفُ مع ولادةِ الإمامِ الجواد (عليه السلام)، فقد حدثت في ظروفٍ عصيبةٍ للشيعة، ففي ذلك الحين كان أبوه الإمامُ الرضا(عليه السلام) قد واجه بعض الشبهات العقدية في إثباتِ إمامتهِ، ولم تكنْ تلك الشبهات موجودةً في عصرِ الأئمةِ السابقين، حيثُ ظهرت بعد استشهادِ الإمام الكاظم (عليه السلام) فرقةُ الواقفية، وهي الفرقةُ التي أنكرت إمامةَ الإمامِ الرضا(عليه السلام) لدوافعَ دنيوية، واتخذت من تأخرِ الإنجابِ عند الإمام الرضا(عليه السلام) حجةً لها؛ لِما نصت عليه الروايات المنقولة عن النبي (صلى الله عليه وآله) من أنَّ: الأئمةَ اثنا عشرَ إمامًا من وُلْدِ الإمامِ الحسين(عليه السلام)، وقد بلغ الإمام الرضا (عليه السلام) الأربعَ وأربعين عامًا وليس له عقب, وعملت هذه الفرقة على إشاعة هذه الفكرة بين الناس؛ لتثير لشكوك حول إمامة الإمام الرضا (عليه السلام) ولتزلزل اعتقادهم بها. وقد كتب أحد رؤساء الواقفية حسين بن قياما الواسطي رسالةً إلى الإمام الرضا(عليه السلام) يتّهمه فيها بالعقم: "كيف تكون إمامًا وليس لك ولد؟"(١) فكتب الإمام (عليه السلام) في جوابه: "واللهِ لا تمضي الأيامُ والليالي حتى يرزقني اللهُ ولدًا ذكرًا، يُفرّقُ به بين الحقِّ والباطل"(٢). وكان القياما يُكرّرُ ذلك دائمًا وفي مناسباتٍ مختلفة، إلى أنْ قطعت ولادةُ الإمام الجواد (عليه السلام) دابرَ الفتنةِ، وقويَ موقفُ التشيّعِ، وأثبت الإمام الرضا(عليه السلام) إمامته للفرقة الواقفية، حينها قال(عليه السلام):( هذا المولود الذي لم يولد مولودٌ أعظمَ بركةً على شيعتِنا منه"(٣). وتمثلت تلك البركة –فيما تمثلت به- في إثبات إمامة الإمام الرضا (عليه السلام) لمن أنكرها وهم الفرقة الواقفية، وفي جمع الشيعة على إمامته (عليه السلام) بعد أنْ كادت تتفرق. ----------------------------------- (1) عيون اخبار الرضا: ج١ / ص٢٢٦ (2) الكافي: ج١ / ص٣٢٠ (3) الكافي: ج١/ ٣٢١

اخرى
منذ 3 سنوات
323

موعظةٌ من الطبيعةِ

بقلم: شيماء المياحي حتى الطبيعة شمّرتْ عن سواعِدِها لأداءِ فريضةِ الوعظِ والإرشادِ -لمن أرادَ أنْ يتعظ- من خلالِ لهيبِ الحرارةِ التي ارتفعتْ درجاتُها إلى نصفِ درجةِ الغليان في بعض المدن، وكأنّ لسانَ حالِها يقولُ: - يا أُيُّها العبدُ الضعيف!، هذا شيءٌ يسيرٌ من عظمةِ وقدرةِ الباري (جلَّ وعلا) وفي يومٍ لم يُعدُّ للحسابِ، وفي يومٍ فيه خياراتٌ لك للتخفيفِ عن نفسِك من لهيبِ حرارةِ الجو، فكيف بكَ أيُّها العبدُ الضعيف؛ إذا وقفتَ للحسابِ بين يديّ جبارِ السمواتِ والأرض؟! وكيف بكَ إذا لم يكنْ لك خيارٌ غيرَ حُكمِ الباري(جل وعلا)؟! وكيف بكَ إذا سُجّرتْ نيرانُ جهنم، وسمعتَ لها تغيُّظًا وزفيرًا -نستجير بالله منها-؟! فهلّا اتعظتَ قبلَ حلولِ يومٍ لا ينفعُ فيه الندم..

اخرى
منذ 3 سنوات
180

التّوازُن بين الواقعِ والمواقعِ

بقلم: شيماء المياحي بعد الغزو التّقنيّ-إن صحَّ التعبير- لمواقع التواصل الذي اجتاح حياة الأفراد في المجتمع، والذي تغلّغل في كُلِّ جزيئاتها؛ بَرَزْت لدى الكثير منهم الشخصية الإلكترونية، وهي: شخصيّة وهميّة تميلُ كثيرًا للوجود الإلكتروني؛ لأنّه يتلاءم مع تصنعها للمثاليّة، خلافًا لواقعها تمامًا.. فصاحبُ الشخصية الإلكترونية يتحدّثُ عن براءةِ الطفولة، ويُناغي صورَ أطفاله على مواقعِ التواصل، وكأنّه الأب/الأم الرؤوف بهم، وصاحب القلب العطوف عليهم، وربما هو في الواقع فرعونُ زمانه معهم. وعندما يتحدّثُ عن بِرّ الوالدين؛ يغبطه كثيرٌ من الآباء والأمّهات في العالم الافتراضي ظنًا منهم أنَّ تغريداته تُمثّل سلوكه مع والديه في الواقع. وإذا ترنّم بعذوُبة الكلام والرقّة والرومانسية التي تستحقها الزوجة ازدحمت على شاشته الافتراضية إشعارات برامج التواصل من قِبل الساذجات من رائدات العالم الافتراضي؛ توهمًا منهُنَّ بأنّه فارسُ الأحلام الذي تتمنّاه كل فتاة، وزوجتهُ المظلومة المُضطهدة تُشاهدُ بصمتٍّ وتتألمُ لما يتداوله زوجها على المواقع خلافًا لسلوكه الواقعي المعاش معها! هكذا شخصية -غالبًا ما- تُفضل الحياة الافتراضية على الحياة الواقعية، والتعامل المباشر مع الآخرين؛ وذلك لأنّها تُخفي ملامحها وسلوكها الواقعي، وتظهره بصورةٍ جميلةٍ جذّابة.. وهذا أحدُ أنواع النفاق الذي وصفه أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: "ما أقبح بالإنسان أن يكون ذا وجهين"(١)، وقال أيضًا: "نفاقُ المرءِ من ذُلٍّ يجده في نفسه"(٢) فينبغي الاعتدالُ والتوازُن في التعاملِ بين الواقعِ والمواقع الإلكترونية، كما ينبغي الاعتدال في النشر أيضًا؛ فلا إفراطَ ولا تفريطَ ببثِّ كُلِّ ما يتعلقُ بحياةِ الإنسان الخاصة وكذا العامة؛ حتى لا يكون الإنسان كتابًا مفتوحًا يتصفّحه الجميع.. وأخيرًا ينبغي أن يُعْلمْ بأن العالم الافتراضي ليس مسرحًا لعرض المميزات الشخصيّة من سلوكياتٍ ومشاعر-صدقًا أو كذبًا- وغيرها مما يتعاملُ به المرء مع أفرادِ عائلته ومجتمعه، بل هو وسيلةُ تواصلٍ بما يتناسبُ مع المنطق والدين. ....................... ١ و٢ غرر الحكم

اخرى
منذ 3 سنوات
190

بهجةُ تنصيبِ الأمير كبهجةِ ظهورِ الحُجّة

بقلم: شيماء المياحي في يومِ تنصيبِ الأميرِ، سرورٌ يلجُ أعماقَ الفؤاد، ويُزيحُ همومَ الحياة، وكأنّه يومُ ظهورِ الحُجّة المهدي (عجّل الله (تعالى) فرجه). للمؤمنِ الموالي غصةٌ ولوعةٌ في كُلِّ يومٍ لفراقِ إمامه وولي أمره، وتشتدُّ اللوعةُ وألمُ الفراقِ في عيدي الفطر والأضحى؛ وذلك لاحتياج الإنسانِ لولي أمره في هكذا مناسبات، وهي حاجةٌ فطرية، فحتى الطفل إذا كان يتيمًا يشتدُّ ألمَهُ لفقدِ ولي أمره في الأعيادِ.. ولكن الأمر مختلفٌ في عيد الغدير الأغر؛ فللمؤمنِ فيه بهجةٌ تلجُ قلبه، وسرورٌ يمحو أحزانه، ويُخففُ من وطأةِ مِحَنِ وابتلاءات الحياة، فحتى العلماء- كما يُذكرُ عنهم- كانَ لهم استعدادٌ مُميزٌ لهذا اليومِ العظيمِ في بثِّ الفرحِ والسرورِ، بارتداءِ الملابس الجديدة، وإطعامِ الطعامِ والحلوى، على حُبِّ أمير المؤمنين (عليه السلام)، والاجتماع بالمؤمنين، وتبادل التهاني بينهم؛ وذلك لأنَّ لهذا اليوم شأنًا عظيمًا عند الله (تعالى) وعند المؤمن. فهو بالنسبة له يومَ إنقاذٍ ونجاةٍ من الضياع والتيّه الذي كادَ أنْ يحصلَ بعد فقدِ النبي (صلى الله عليه وآله) لولا هذا التنصيب وهذه الحادثة العظيمة، التي هي بمنزلة الجذور للقضية المهدوية التي تترقبُها البشريةُ عمومًا والأتباعُ على وجه الخصوص، على أملِ أنْ تحيا الحياةَ السعيدة، تحت لواءِ الإمامِ الهادي المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه الشريف)؛ ولكان حالَ المؤمنِ كحالِ غيرهِ الذين يتخبطون في دينهم، تخبطَ الأعمى في دُجى الليل.

اخرى
منذ 3 سنوات
254

من أقوالِ سيّدِ الشُّهداءِ

بقلم: شيماء المياحي قال الإمامُ الحسين (عليه السلام) يومًا لابن عباس: "لا تتكلمنّ فيما لا يعنيك، فإنّي أخافُ عليكَ الوزر، ولا تتكلمنّ فيما يعنيكَ حتى ترى للكلامِ موضعًا"(١) هذه واحدةٌ من رواياتِ أهلِ بيتِ العصمةِ (عليهم السلام)؛ التي جاءتْ في بيانِ آدابِ قيادةِ وتوجيهِ هذهِ الحاسّة المُهمة من حواسِ الإنسان، والتي بها يُكرَمُ المرءُ أو يُهان. ولأهميةِ كرامةِ الإنسان -ولا سيّما المؤمن- عندَ اللهِ (تعالى) فقد أعطى الشرعُ المُقدسُ أهميةً بالغةً في الحفاظِ عليها، وأكّدَ الكتابُ العزيزُ والسُنّةُ النبوية، على سُبُلٍ وآدابٍ؛ لصُونِها من الذُلِّ والهوان، ومنها: التحلّي بآدابِ الكلامِ؛ لحفظِ كرامةِ النفس، وإبعادِها عن الوقوعِ فيما يُسيءُ لها، ويُقلِّلُ من شأنِها في المُجتمع، فكم من أهان نفسه بنفسه بسبب خوضه في كُلِّ صغيرةٍ وكبيرة. وقد ذكرَتْ هذه الروايةُ الشريفةُ قواعدَ وآدابَ للكلام، إذا ما طُبِّقَت فإنه يحفظُ بها الإنسانُ كرامتَه في الدُنيا، ويُنجي نفسَه من غضبِ اللهِ (تعالى) في الآخرة، وفي قولِه (تعالى): "مَا يَلفِظُ مِن قَولٍ إلَّا لَدَيهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ"[ ق:١٨]، وعن أميرِ المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "كم من إنسانٍ أهلكَه لسانُه"(٢) وقد أصبحَ الكلامُ أوسعَ بكثيرٍ مما هو عليه سابقًا بفضل التطور التكنلوجي، وبطرقٍ متعددة أيضًا، المسموعة والمقروءة والمرئية، فقد كان الإنسانُ فيما سبقَ يتفوّهُ بكلمةٍ لا يسمعه إلّا من كان بقربه، أما اليوم ما إنْ يكتبَ كلمةً واحدةً على أحدِ برامج التواصل، حتى تصل إلى عددٍ كبيرٍ من روّاد عالمِ الإنترنت في بضعة ثواني في بعض وسائل التواصل الاجتماعي. وبهذا تكونُ النتيجة مضاعفةً إنْ خيرًا فخير وإن شرًا فشر. بل وربما يموتُ الإنسانُ وتبقى الكلمة التي ألقاها تتداول بين الناس، ونتائجها تصله إلى قبره؛ ولهذا ينبغي على المؤمن أنْ يكونَ على حذرٍ شديد- لاسيَما في العالمِ الإلكتروني- عند النطقِ أو الكتابةِ لأيّ كلمة. وقد لا يتكلمُ بل يكونُ مؤيدًا لكلامِ غيره من خلال (الإعجاب) وغيره، أو قد يشتركُ فيما يُؤيدُ ويُسندُ جهاتٍ وصفحاتٍ تعملُ على إشاعةِ الباطل ومحاربة الحق، وبتصاعد عدّاد المشاركات والمتابعات؛ يُساهِمُ في رسمِ صورةٍ حسنةٍ عنها لبعض السُذَّج من روّاد هذا العالم؛ فالكثيرُ اليومَ يُقيّمُ العملَ بكثرةِ متابعيه ومعجبيه، حتى وإنْ كان باطلًا. وقد يرتدي الباطل قناعَ الحقِّ ليصل إلى أهدافه الخبيثة، "كلمةُ حقٍّ يُرادُ بها باطل"، فيُساندها البعضُ من حيثُ لا يعلم، وهذا هو الكلامُ الصامت، فإنّ لكُلِّ ذلك تبعاتٍ ستُلحقُ بالإنسانِ إلى ما بعدَ الموت؛ ولهذا أكّد الإمامُ الحُسينُ (عليه السلام) في وصيته لابن عباس بأنْ لا يتكلمَ حتى فيما يعنيه إنْ لم يجدْ للكلامِ موضعًا. وقد يُستفزُّ المؤمنُ من قِبل أحدِ المغرضين، في إهانة دينه أو مذهبه أو مرجعيته، باعتبارها من القضايا والأمور التي يهتمُّ بها المؤمنُ وتُثيرُ غضبه، فهُنا لابُدَّ أنْ يتريثَ قليلًا، ويبحث عن موضعٍ للكلام، وإلّا فالصمتُ خيرٌ منه. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (١) بحار الانوار: ج٧٥ (٢) ميزان الحكمة: ج٤

اخرى
منذ 3 سنوات
218

من أقوالِ سيدِ الشُهداءِ "عليه السلام" (2)

بقلم: شيماء المياحي عن الفضلِ بن أبي قرة، عن أبي عبدِ الله (عليه السلام) قال: "كتب رجلٌ إلى الحسين (عليه السلام): عِظني، بحرفين، فكتبَ إليه: "من حاولَ أمرًا بمعصيةِ الله كانَ أفوت لما يرجو وأسرع لمجيئ ما يحذر"(١) عندما يحتاجُ الإنسانُ أمرًا ما، يكونُ أمامَه طريقان للحصولِ على حاجته- سواءَ كانت جسديّةً، نفسيّةً، عاطفيّةً، .... وغيرها مما يحتاجُه الإنسان- أحدُهما اتباع الدستور الإلهي، والآخر اتباع ما تهواهُ النفسُ ويُحرّضُ عليه الشيطانُ وجنودُه. والإنسانُ مُخيّرٌ في اتباعِ أيّ الطريقين- على أنْ يتحمّلَ تبعاتِ اختياره – ولكن كيف يُمكِنُ للإنسانِ أنْ يُخالفَ هواه، ونفسه الأمّارة التي ترفُضُ الالتزامَ والانقيادَ لقانونٍ ما، وتهوى التخبُط وانتقاءِ ما يحلو لها، كما جاء في الكتاب العزيز: "إِنَّ النَّفسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِي"[يوسف:٥٣]؟ والجوابُ في الآيةِ الكريمة: "قَد أفلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَد خَابَ مَن دَسَّاهَا" [الشمس:٩-١٠] فينبغي للإنسانِ- ولا سيّما المؤمن- الاجتهاد في تزكيةِ نفسِه وترويضِها على طاعةِ اللهِ (تعالى) واجتنابِ معصيته؛ وذلك من خلالِ السعي لطلبِ المعرفة، فالنفسُ بطبيعتِها تنفرُ مما يؤذيها، ويؤدّي بها إلى الهلاك ولو مستقبلًا -فضلًا عن الحال- فلو اكتسب الإنسانُ ولو شيئًا قليلًا من المعرفةِ بالعقيدةِ الحقّة بأصولِ الدين، وأنَّ القانونَ الإلهي فرعٌ من عدلِ الله (تعالى) وعلمه وحكمته، وأنَّ التكاليفَ الشرعيّةَ جاءت بحسبِ ضابطةٍ وملاكٍ خاص، وهي المصالحُ والمفاسدُ الواقعيةُ للإنسان، فما فيه مصلحةٌ ضروريةٌ يأمرُنا بفعله على نحو الوجوب، وإنْ كانت أقلَ نفعًا فعلى نحو الاستحباب، وما فيه مفسدةٌ كبيرةٌ ينهانا عنه على نحو الحرمة، وإنْ كانت المفسدةُ أقلَّ ينهانا عنه بنحو الكراهة.. ولو اعتقد الإنسانُ بذلك اعتقادًا وثيقًا؛ لكان رادعًا له من المعصية، وحافزًا للطاعة؛ ولذلك عندما طَلبَ أحدُهم من سيّدِ الشُهداء (عليه السلام) الموعظةَ، أجابه بموعظةٍ بيّنَ له فيها آثار طلبِ الحوائجِ بمعصيةِ اللهِ (تعالى) في الحياة الدنيا؛ لأنَّ الإنسانَ ينفرُ مما فيه ضررٌ عليه؛ ومن ثم لتكون رادعًا له في كُلِّ جوانبِ الحياة، فضلًا عن آثارها وتبعاتها في الآخرة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الكافي: ج٢

اخرى
منذ 3 سنوات
212

من أقوالِ سيدِ الشُّهداءِ "عليه السلام" (3)

بقلم: شيماء المياحي قال الإمامُ الحُسينُ (عليه السلام): "القنوعُ راحةُ الأبدان"(١) الإنسانُ بطبيعته يبحثُ عن الراحة، راحة البدنِ والقلبِ (الاطمئنان)، ويسعى للحصول عليها ببذلِ الجُهدِ والمالِ والوقتِ (العمر)، وقد يحصلُ عليها وينعمُ بها وقد لا يحصل؛ لعله لافتقاره إلى معرفةِ المُقدماتِ المؤديةِ لها، فقد يطلبُ الإنسانُ الراحةَ بالسعي لتوفيرِ ما يُضاعفُ تعلُّقُه بالدُنيا، وقد وردَ في الحديث عن صادق العترة (عليه السلام): "من تعلّقَ قلبُه بالدنيا تعلّقَ قلبُه بثلاثِ خصال: همٍ لا يفنى، وأملٍ لا يُدركُ، ورجاءٍ لا يُنال"(٢)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من غلبتِ الدنيا عليه عمى عمّا بين يديه"(٣) فالتعلُّقُ بالدنيا لهُ ما لهُ من المتاعبِ ومنها: إنّه سببُ الهم الغم، وطولُ الأمل، ويُعمي الإنسان عن النعمِ التي أنعم اللهُ (تعالى) بها عليه؛ ولذلك يبحثُ المُتعلِّقُ بالدنيا عن الراحةِ ولا يجدها، ومن هُنا فقد أرشد أئمةُ الحقِّ (عليهم السلام) إلى طُرُقِ اكتسابِ الراحةِ، وأهمها القناعة.. والقناعةُ: هي الاكتفاءُ بقدرِ الحاجةِ والضرورةِ من أمورِ الدنيا، ولا يُنافي ذلك السعيُ إلى طلبِ حوائجِ الدنيا فيما يُعينُ الإنسانَ على آخرته. وقد وردَ عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يُقنِعْه اليسير، لم ينفعْه الكثير"(٤) ومن نتائج القناعة: ١- العِز: فالقناعةُ تورثُ عِزّةَ النفس، فلا يطمعُ القنوع بما يملكُه الآخرون، فضلًا عن الرضا بما يملكُه، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "ثمرةُ القناعةِ العِز"(٥)، وعنه (عليه السلام) أيضًا: "ثمرةُ القناعةِ الإجمالُ في المُكتسبِ، والعزوفُ عن الطلب"(٦) ٢- صلاحُ النفس: فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "كيف يستطيعُ صلاحَ نفسِه من لا يقنعُ بالقليل؟!"(٧)؛ وذلك لأنَّ صلاحَ النفسِ إنّما يكونُ بتزكيتِها عن الطمعِ والجشعِ، وترويضها على الاستقامةِ وإنْ كان بمنعِها عمّا ترغبُ وتشتهي، وذلك من خلالِ التحلّي بالقناعة. ٣- يُسرُ الحسابِ في الآخرة: وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "اقنعْ بما أوتيتَه يخفُّ عليك الحساب"(٨) وعن الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): "من رضيَ من اللهِ باليسير من المَعاشِ رضيَ اللهُ منه باليسيرِ من العمل"(٩) ٤- العفاف: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من قنعتْ نفسَه أعانتَه على النزاهةِ والعفافِ"(١٠) فضلًا عن الاستقرار النفسي، الذي يرتبطُ به الاستقرارُ الصحي عند الإنسان والواقعُ خيرُ شاهدٍ على ذلك، علاوة على كثرةِ ما نسمعُ من أهلِ الاختصاص بأنّ نسبةً كبيرةً من الأمراضِ الجسدية؛ سببُها عدمُ الاستقرار النفسي، ورُبّما هذا ما يعنيه الإمامُ الحسينُ (عليه السلام) بقوله: "القنوعُ راحةُ الأبدان" ومما يؤدي للقناعة الإيمانُ بالله (تعالى) والاعتقادُ بصفاته، وأنَّه عادلٌ حكيمٌ، لا يُعطي ولا يمنعُ إلّا عن حكمةٍ وعدالةٍ، ومن أجلِ ما تتوقّفُ عليه مصالحُ الخلق، سواء في الدنيا أو الآخرة، فإذا ترسّختْ هذه العقيدةُ في قلبِ الإنسانِ وبأدلِّتها اليقينية؛ سوفَ تحصلُ له القناعةُ التامّةُ بكُلِّ ما يُعطى وما يُمنعُ من قِبل الله(تعالى). ولكنّ هناك قسمًا مذمومًا من أقسامِ القناعة، وهي القناعةُ في الأمور المعنوية، فلا ينبغي للإنسانِ أنْ يقنعَ باليسيرِ في هذا الجانب، كالعلمِ، والإيمانِ، والتقوى، والتحلّي بالأخلاق الحميدة؛ لأنَّ الإسلامَ دعا المسلمَ إلى التزوّدِ والتنافسِ فيها، قال (تعالى): "وَفِي ذَلِكَ فَليَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ"[المطففين:٢٦]، وقال (تعالى): "وَتَزَوَّدُوا فَإنَّ خَيرَ الزَّادِ التَّقوَى"[البقرة:١٩٧] إذن، الأمورُ المعنويةُ ولا سيما العبادة لا مجالَ للقناعةِ فيها؛ فقد قال (تعالى): "وَاعبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأتِيَكَ اليَقِينُ"[الحجز:٩٩] ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (١) ميزان الحكمة: ج٣ (٢)و(٣) نفس المصدر: ج٢ (٤) بحار الانوار: ج٧٥ (٥) غرر الحكم (٦) غرر الحكم (٧) - (١٠)ميزان الحكمة: ج٣

اخرى
منذ 3 سنوات
499

من أقوالِ سيّدِ الشُهداءِ (عليه السلام) (4)

بقلم: شيماء المياحي رويَ عن الإمامِ الحسين (عليه السلام) أنّه قال: "من قبلَ عطاءك فقد أعانَك على الكرم"(١) الكرمُ من الصفاتِ النبيلةِ، والأخلاقِ العربيةِ الأصيلةِ التي كانتْ تُعرَفُ بها القبائلُ العربيةُ، قبل الرسالةِ المُحمديةِ، وبعدها أقرّهُ الكتابُ العزيزُ، وحثتْ عليه الرواياتُ الشريفة، حيثُ قالَ الله (تعالى): "وَمَا تُنفِقُونَ مِن خَيرٍ يُوفَ إلَيكُم وَانتُم لَا تُظلَمُونَ"[البقرة:٢٧٢] وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "جودوا بما يفنى تعتاضوا عنه بما يبقى"(٢) ولأهميةِ الجودِ والكرمِ في حياةِ الإنسانِ الاجتماعية، ولما له من فضائلَ تبعثُ روحَ المودةِ والتآلفِ والتكافلِ الاجتماعي بين الناس؛ أكّدتْ عليه رواياتُ أهلِ بيتِ العصمة (عليهم السلام)؛ فمدحتْ حتى من يُعينُ على السخاءِ والكرمِ بقبولِ العطاء، فقد وردَ عن الرسولِ الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "من الجفاءِ أنْ يُدعى الرجلُ إلى طعامٍ فلا يُجيبُ، أو يُجيبُ فلا يأكل"(٣). فقبولُ العطاءِ له أثرٌ إيجابيٌ في نفسِ المُعطي، وحافزٌ للاستمرارِ على السخاء والبذل. ولكن! لابُدّ للإنسان- ولاسيما المؤمن- من الموازنةِ في كُلِّ سلوكياته "لا إفراطَ ولا تفريط"؛ فلا ينبغي له أنْ يأخُذَ هذه الروايات حُجّةً في اتكالهِ على أهلِ السّخاء والجود، في قضاءِ احتياجاتِه وتلبيةِ مطالبِه؛ لما لذلك من تبعاتٍ ونتائجَ لا تُحمَدُ عُقباها، نوردُ بعضًا منها: ١ - العادة: الإنسانُ بطبيعتِه يعتادُ على كُلِّ فعلٍ يقومُ به باستمرار، وبمرورِ الزمنِ يُصبِحُ عندَه طبعٌ وعادةٌ يصعبُ عليه الخلاص منها، وقد وردَ عن أميرِ المؤمنين (عليه السلام): "العادةُ طبعٌ ثانٍ"(٤)، وما أقبحَ بالمؤمنِ أنْ يعتادَ على هكذا سجيةٍ وطبع! ٢ - اضمحلالُ عزّةِ النفس: إنَّ أكثرَ ما يؤدي إلى تلاشي واضمحلال عزّةِ نفسِ المؤمن؛ هو الاتكالُ على الناس واستغلالُ كرمِهم وسخائهم في قضاء حوائجه. ٣ - فقدانُ الإرادةِ والحُرية: الإنسانُ إذا اعتادَ على تقبُّلِ العطاءِ من أيّ شخصٍ أو جهةٍ؛ سوف يضعفُ وتصعبُ عليه المقاومةُ أمام المُغريات؛ وبهذا يفقدُ إرادتَه وحُريتَه، ويُصبِحُ حاجةً تُشترى وتُباع من قِبلِ المُغرضين وعديمي الضمائر، والواقعُ يشهدُ على ذلك، فكم وكم من البُسطاءِ والمعوزين أصبحوا وسيلةً لـ(تكثيرِ السواد) في كثيرٍ من المحافلِ والتجمُّعاتِ، حتى أنّ البعضَ منهم يؤيدُ ويُعطي صوتَه لمن لا يعلمُ عنه شيئًا، مُتبعين معهم مقولة "أطعِمِ الفمَ تستحي العين"؛ ولذلك يحتاجُ الإنسانُ لوعيٍّ وبصيرةٍ في تقبُّلِ العطاء؛ حتى يحفظَ حُريتَه ولا يبتاعها بثمنٍ بخسٍ لمن لا يستحقُّها. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (١) ميزان الحكمة: ج٣ (٢)غرر الحكم (٣) الوسائل: ج١٢ (٤) غرر الحكم

اخرى
منذ 3 سنوات
248