Profile Image

علوية ام مهدي

أمي تحبها باقة ورد

تجول الصديقان في أسواق المدينة في اليوم الأخير في الجامعة قبل عطلة رأس السنة الميلادية وقبل نزولهما إلى محل سكناهما، وكانا يتجاذبان أطراف الحديث وهما يتجوﻻن في الأسواق... (أحمد) مبهور بما يرى في محلات الملابس والهدايا، فقال لصديقه (أمجد): ما رأيك أن نشتري شجرة الميلاد؟ لدي مبلغ جيد متبقي من مصروفي، نتقاسم ثمنها، نحتفل هنا مع بقية الأخوة قبل نزولنا لبيوتنا؟ اكتفى (أمجد) بابتسامة... فقال أحمد: احتفال رأس السنة ﻻ يفوت، سوف ننشغل هناك بأعمال البيت فلا تفسد المقترح بنظراتك اللوامة، هيا يا بخيل شارك بالشجرة، فرفع (أمجد) حاجبيه معبراً عن صدمته بكلام صديقه، وقال: انا بخيل! وكانا قرب مقهى، فأمسك بيد صديقه ودخلا وجلسا يكملان الكلام. فقال أمجد: أنت احكم بنفسك، لن استخدم مصطلحاً علمياً أو أتفلسف عليك، ولكن قل لي: ماذا رأيت في الأسواق التي مررنا بأغلبها مع أصدقائنا منذ أسبوع، ولكن الآن ماذا ترى؟! ألم نتجول من أرقى المناطق إلى المناطق الشعبية؟! هل وجدتها تخلو من ملابس البابا نؤيل وأشجار الميلاد والزينة؟! هز أحمد كتفيه وقال: ﻻ، وحتى بعض الجزرات الوسطية فيها هذه البضاعة، وما أثار عجبي زهدها ورداءت نوعيتها! فعدل (أمجد) من جلسته قائلاً: وماذا تفهم من ذلك؟ أحمد: ﻻ أدري! أمجد: وعدتك لن أتفلسف عليك، ولكن هذه الظاهرة مرفوضة من الناس لتغليب الجانب الشخصي والمصلحة الخاصة وإهمال مصلحة المجتمع كمجتمع بشري ومطاوعة للنفس في تقليد آخرين في كل شيء بدون فحص ونظر وهو أمر مرفوض عقلاً وأخلاقياً بغض النظر عن الدين والشرع بالعكس فديننا يحث على تقليد ما ينفع مثل اكتساب العلوم. أحمد: والناس المحتفلون؟ وما الذي يفعله المحتفلون؟! أمجد: عزيزي ما يجري في صلب دراستنا، ألا ترى تزايد أعداد الناس الذين يقيمون احتفالات رأس السنة الميلادية وبملاحظة بسيطة نرى أنه أصبح سلوك اجتماعي تمارسه شريحة من الناس في المجتمع المسلم وبصورة مخجلة ﻻ تعكس إسلامه وما له من التأثير السلبي على المجتمع، بحيث يصبح عيد رأس السنة هو العيد الذي ننتظره بدل أعيادنا، وأنت تعلم ما لهذا من تأثيرات على العقيدة والنفس، خاصة أن هناك شريحة تعتبره من مظاهر التطور... فأي مشكلة جرّها لنا هذا اﻻحتفال؟ فهز أحمد رأسه رافضاً: انتظر، انتظر... من قال إنها أصبحت ظاهرة أو مشكلة؟! ها أنت منعتني من عمل الاحتفال، وهناك أناس كثيرون ﻻ يحتفلون به، فلا تقس أولئك بهؤﻻء... فتبسم أمجد وقال: ليست المسألة عددية... ألا تتذكر عندما شرحها أستاذ كامل حينما قال: إن الباحثين يعرّفون الظاهرة بأنها فعل اجتماعي يمارسه جموع من البشر يتعرضون له أو يعانون منه أو من نتائجه. ويا صديقي حينما "تكون الظاهرة ذات بعد سلبي فهي مشكلة اجتماعية" وضع أحمد يده على رأسه وقال: نعم هذه المحاضرة كنت مريضاً ولم أفهم منها شيئاً، فقلت لما نرجع تشرحها لي في الطريق... أكمل يا صديقي! قال أمجد: الحمد لله لقد أخفتني عليك كثيراً ،خصوصاً وأن والدتك أوصتني عليك أنك آخر العنقود! قالها وأردف مكملاً كلامه ولم يدع لصديقه مجالاً ليرد: نعم، فهي مشكلة اجتماعية تطال الكل أم ﻻ؟! أنت أجبني... ألا تجد أنها أصبحت مشكلة في مجتمعنا المسلم... لقد انقسمت العائلة الواحدة (لا أقول بسبب هذه الظاهرة فقط، ولكنها مجموعة ظواهر تعمل على هدم المجتمع ونحن غافلون) لذا ترى البعض ابتعد عن أهله وأرحامه بحجة أنهم ﻻ يشاطرونه رأيه... أحمد: ها أنت رجعت للحديث عن الدين! أمجد: مطلقاً أنا أتكلم من منطلق العقل والأخلاق، فهما يرشدان الإنسان إلى ما فيه صلاحه الحقيقي، هل تعتقد أن ما يفعله البعض لا يؤثر فينا؟ أحمد: ولكننا سوف نجتمع ونمرح ونروّح عن أنفسنا ولا نثير مشاكل! أمجد: ليس المقصود من قولي: أصبحت مشكلة، أننا سوف نثير مشاكل ولكن "لها آثار سلبية من شأنها أن تؤثر بالآخرين، والسبب هو وجود خلل في بعض مجالات الحياة أو كلها" ونحن كشباب مالم ندرك الآثار السلبية التي تخلّفها مثل هكذا تجمعات، فإننا لن نستطيع تحديد أنها حقاً مشكلة لسبب بسيط: أن الإسلام لم يحرم التجمّع بصورة مطلقة، بالعكس فهو يحث على التجمع والتآلف والمحبة، بدليل العبادات الجماعية، سواء الواجبات كالحج، أو المستحبات كالزيارة والجماعة والمشاركة في قراءة الأدعية وغيرها. هنا يكون الاقتباس والتقليد الواعي، فيمكننا عمل جلسة سمر يتخلله قراءة أدعية وأعمال مستحبة أكثر من أن تحصى، فأكون احتفلت بقدوم سنة ميلادية وودعت سنة مضت، وأنا في رحاب رحمة الله تحف بي الملائكة ويحفظني الرحمن، وجميعنا يدرك هذا الكلام -إلا أن هوى النفس وشهوتها تصور للإنسان أن راحته وفرحته تكون في الصخب والتحلل من الآداب والأخلاق- فيمكنني بهذه الصورة أن أقول: إننا قلّدنا، ولكنه تقليد واعٍ وبتدبر في حياتنا... وﻻحظ أمجد تأثّر صديقه بكلامه فأردف قائلاً: ألا ترى يا صديقي أننا ننزع فطرتنا شيئاً فشيئاً، تلك التي فطرنا الله عليها ولن نستطيع أنا وأنت فقط أن نغير شيئاً ما لم يدرك الجميع فداحة هذا الأمر. علينا العمل على هذه المسألة بعد عودتنا للقسم الداخلي، والله يعيننا بقدر نيتنا للتغيير نحو الأفضل والسير على طريق واضح المعالم. فقال أحمد وهو يستشعر كلام صديقه: صدقت، وأنا آسف على كلمتي التي قلتها... فقاطعه أمجد مازحاً وضاحكاً: لا أتذكر أي كلمة وهل تتجرأ! الآن ماذا قررت أن تفعل بمصروفك؟ قال أحمد: سأشتري لأمي باقة ورد، أتذكر أبي عندما كان يجلب لها هدية تقول له: لا تكلّفْ حالك، باقة ورد تكفيني، فأمي تحب هديتها أن تكون باقة ورد، حقاً علينا النظر والاقتباس والأخذ من الآخرين ولكن بما يناسبنا، كلامك يا صديقي وضّح لي الأمر بصورة جلية. على العموم أنت عبقري لأنك صديقي وليس العكس، هيا ادفع حساب الشاي... أمجد يقوم قبل صديقه: أنسيت أنني بخيل؟! أنت ادفع مما تبقى من مصروفك... (يتضاحكان...) خرج أحمد وهو يقول: أنت صديق بحق، الشكر لله على ما أعطاني، العيد سيكون روحانياً هذا العام، مع باقة الورد، أمي ستفرح بها وبابنها الحبيب، وأنت ماذا ستفعل؟ أمجد: أمي تحب أن تقرأ زيارة المعصوم معي، سوف نجلس سوية مع العائلة ونزور في البيت، الوقت ﻻ يسع للسفر للأماكن المقدسة... قال أحمد مازحاً: ألم أقل لك إنك بخيل... وافترقا ليركبا السيارة وهما يضحكان علوية أم مهدي

اخرى
منذ 6 سنوات
2397

تفكير بالهواء الطلق

بقلم : علوية أم مهدي أتحدث عن زوجة ﻻ تتحمل وجود أم زوجها وأخته معها في البيت! كنتُ أسيرُ في أرجاء العيادة الاستشارية منتظرة ابتداء الدوام الرسمي، جذبني حديثها؛ إذ كانت كلماتها ذات وقع في أذني، أحسست أنّها مخنوقة من حالها؛ لقد طرقت سمعي شكواها... اقتربتُ منها وسألتُها إن كان بإمكاني الجلوس قربها، بعد إلقاء السلام، كانت إجابتها بوجهٍ شاحبٍ أنهكه التفكير: -نعم تفضلي كما ترين المكان يكاد يكون فارغًا، الظاهر أنه لا زال الناس يهابون الوصول إلى الطبيب النفسي! أجبتها بابتسامة خفيفة: ﻻ تنسي أنّنا حديثو عهدٍ باﻻنفتاح فما يزال أمامنا وقت حتى نستوعب حصول التطور وحاجتنا الفعلية له. بادرتني هي بالسؤال: كم هو رقمك؟ اجبتها بارتباك خوفًا من أن تسيء فهمي: مشكلتي لم تتطور لهذا الحد، إنني أحاول دفعها بقدر الإمكان بالأدعية وخطوات التنمية البشرية وتطوير الذات، ولكن مع ذلك أخذتُ رقم الطبيب احتياطًا لأيّ طارئ. قلت كلامي ولزمت الصمت، فردت بين اﻻستنكار والتوجّس: كيف استطعتِ دفع المشاكل؟! إنّها عندما تهجم ﻻ تترك مجالًا للدفاع، لابد من هجوم حتى يخسر أحد الأطراف. فوجدت في كلامها أنّها تريد الكلام؛ لإخراج ما في داخلها ،فقلت لها: - تعلمين، أن نكون نساءً فهذا قدرنا؛ الله ميّزنا عن الرجل، وكلٌّ منّا يملك عقلًا وفطرةً، علينا أن نستعملها دومًا في إرشاد أنفسنا لما فيه خيرها وصلاحها، ولكن استعمال هذا العقل دون مراعاة العقل وشروط التفكير يجعل الحياة صعبة، إنّ الله تعالى خلق المرأة وهي كتلة من المشاعر والعاطفة وفي ذات الوقت جعل لهذه المشاعر ضوابط تضبطها حتى ﻻ تخرجنا عن جادة الحق؛ حدود شرعية نلتزم بها، ألم تسمعي قصة العقيلة زينب بنت علي(عليهما السلام)، كيف أنّها رأت الأبناء صرعى مرملين على أرض كربلاء، وعلى الرغم من ذلك كان التزامها الديني يحتم عليها الصبر والتصبّر؛ لإدامة النصر، وهزم الأعداء، وما نالت (سلام الله عليها) تلك المنزلة الرفيعة إلا بسبب ذلك الوعي والإدراك لوظيفتها في هذه الحياة وتنوع أدوارها. فقالت وهي شاردة النظرات: كلامك صحيح، ولكنها زينب (سلام الله عليها) مَن يصل إلى صبرها؟! وجدت الوقت مناسبًا للتعمق فقلت : مَنْ قال ذلك؟! لنا أمثلة أخرى وهي عديدة وأكثر من أن تُحصى ، خذي مثلًا زوجة وهب، زوجة حديثة عهد بالزواج ومع ذلك أظهرت مع والدته شجاعة وصبرًا، فما يزال التأريخ يشيد بهما... ولم تمهلني أكمل فضربت على فخذيها، أرعبني الصوت، فقالت -وأنا مذهولة-: هذه أمه إنسانة راقية لوﻻ ذلك لم تكن أمًّا لزوجته بعد استشهاد وهب، بالله عليكِ مَن في زمننا الحالي ستتصرف مثل أم وهب؟! قلت لها وقد أدركت أنّ مشكلتها مع أم زوجها: - بغض النظر كيف كانت أم وهب، يا أختي، الحياة الزوجية تبدأ بزوجين يجمع بينهما عقد شرعي فلسفته زرع المودة والمحبة إن كانا مدركين لألفاظه التي يجريانها على لسانهما. فقاطعتني قائلة: كيف؟ لم أفهم؟ حاولت استجماع الأفكار حتى ﻻ أفقد ما رتبته في ذهني، وقلت لها: - لن أدخلَ في تفاصيل عقد الزواج وأهمية إجرائه شرعًا، ولكن ومن تجربةٍ شخصيةٍ، ومن تجارب الكثيرين ممّن أجروا العقد وهم مدركون لأهميته النفسية بالإضافة إلى وجوبه الشرعي بين المرأة والرجل، فمن قَبلتْ برجلٍ زوجًا وارتضته شريكًا لحياتها ﻻ بد أن تعلم وتُدرك أنّ له عائلة تمامًا مثل عائلتها فله إخوة وأب... وسرحت المرأة بفكرها، وقالت: له أم وأخت أذاقاني المرّ ... فأدركتُ أنها تريد البوح، فقلت: - نعم، يصادفُ أن يكون للزوج أم وأخت يلوذان تحت جناحه، هل تعلمين استحضار هكذا تفاصيل عند الخطبة والقبول يهوّن كثير من المشاكل والحصول على طمأنينة داخلية، فلا أظنّ إن من سعادتي أن زوجي يجافي والدته أو والده أو أن يعنّف أخته لأجلي! ليس ذلك بسعادة، هل تعلمين هناك قول للإمام زين العابدين (عليه السلام) يعالج مشاكل كثيرة خاصة في بيوتنا، حيث يقول: (.... وما عليكَ أن تجعل المسلمين منك بمنزلة أهل بيتك، فتجعل كبيرهم بمنزلة والدك، وصغيرهم بمنزلة ولدك، وتجعل تربك بمنزلة أخيك فأيّ هؤﻻء تحب أن تظلم؟ وأيّ من هؤﻻء تحب أن تدعو عليه؟ وأيّ من هؤﻻء تحب أن تهتك ستره... فإنك إن فعلت ذلك سهّل الله عليك عيشك، وكثر أصدقاؤك، وقل اعداؤك، وفرحت بما يكون من برهم، ولم تأسف على ما يكون من جفائهم......)( 1 ) فقالت: سلام الله على موﻻنا السجاد لقد أدخل كلامه برودة إلى قلبي، ولو لم أفهمه كله، عذراً منك ما معنى الحديث وخاصة كلمة (تربك)؟ قلت متبسمة: تربك، أي: بنفس عمرك، يعني علينا أن نعامل الناس بأخلاق وإنسانية، وأهل الزوج من الناس، فأبوه بمثابة والدي، وأمه بمنزلة أمي الحبيبة، وإخوته كذلك؛ لأنّها طريقة تجعل الإنسان يشعر بسلام داخلي، فمعيشته تكفل بها الله وبتسهيلها؛ ممّا يجلب الأصدقاء، ويقلل الأعداء، ولو قارنا الأمر بأمور التنمية البشرية، وتطوير الذات لوجدنا أنّ هذه الأمور تساعد على زيادة الطاقة الإيجابية ممّا ينعكس على الصحة البدنية، وهناك مقولة للإمام الصادق (عليه السلام) (من أكرمك فأكرمه، ومن استخفك فأكرم نفسك عنه)(2 ) رأيتها انفرجت سرائرها، فنظرت إلى ساعتي، وفي هذه الأثناء خرج الطبيب المختصّ من غرفته وحاولتُ جاهدةً أن ﻻ يراني، فناداني وهو يقول: - د. أمل، انتظرتُك طويلًا، يبدو أنّكِ وجدتِ قريبةً لكِ، وانشغلتِ بالحديث معها ونسيتِ العمل؟! فاستأذنتُ منها قائلة: لقد حان وقت دخولي، أشكرُ لكِ سعة صدرك، لكثرة كلامي وأردفتُ قائلةً: دائماً ما يقول لي زوجي أنتِ تتكلمين كثيرًا، أرجو ألّا أكون صدعت رأسكِ، هكذا هي الحياة تحتاج منا صبرًا وقوة، دائما تذكري جبل الصبر. فقامت مع قيامي من مقعدي وأمسكت بيدي قائلة: - كلامُكِ أراحني كثيرًا، أظنّ أنني لن أدخل للطبيب. فقلت لها مدّعيةً عدم ملاحظتي تسجيلها اسمها لدى قاطع التذاكر: كنتُ أتصور أنك مرافقة مع مريض، أسعدني الحديث معك. فردت عليّ بسرور: لم أنتبه أنك طبيبة، عذرا منكِ، وشكرا لك على الكلام المريح ______________________ 1) بحار اﻻنوار 2 )الدرة الباهرة

اخرى
منذ 5 سنوات
1367

ماذا لو أحببته كما يحبك؟

بقلم: علوية أم مهدي جلست (نهاد) حزينة شاردة الذهن في حصة اللغة العربية، انتبهت لها زميلتها (هدى)؛ فنقرت الرحلة بخفة؛ قبل أن تلحظ المدرسة زميلتها شاردة الذهن وأخيراً دق الجرس معلنا نهاية الدوام. حملت الطالبات كتبهن مغادرات قاعة الدرس، تنهدت (نهاد) قائلة: الحمد لله خلصنا من اليوم الدراسي. فعدلت (هدى) حجابها وهي ترتدي عباءتها قائلةً: إن درس اللغة العربية لذيذ يعلمنا حب لغتنا، فتبسمت (نهاد) وقالت بتهكم: وهل تذوقتِ طعمه؟! فضحتك (هدى) وقالت وهي مغادرة الصف: نعم إن للغة عندي مكانة عالية ﻻ تعلو عليها الأشياء. فضربتها (نهاد) مازحة وقالت: إن طرازك قديم بالٍ. ولوحت لها بيدها قائلة: إلى اللقاء... فأمسكتها (هدى) من ذراعها بلطف وقالت: هل فكّرت بما قلته لكِ بالأمس؟ (نهاد) غير مهتمة: وإن كنت ﻻ أرتدي الحجاب، ماذا سوف يحصل؟! انظري حولك؛ إنك الوحيدة العجوز في صفِّنا، ومن كانت تؤيدك تزوجت أسوأ شاب في المدينة العام الماضي، فماذا بعد؟ هل تريدين أن أصير تعيسة أخرى على يديك؟! فهزتها (هدى) بقوة: انتبهي لما تقولين! وهل الحجاب هو من زوّجها لذلك التعس؟ أم استعجال أبويها وخوفهم المفرط بحيث قبلوا بأول واحد طرق بابها دون سؤال عنه وعن أحواله؟ انتبهت (نهاد) لما قالته واعتذرت قائلة آسفة (هدى) ولكن ما جرى (لميادة) كان مؤلمًا. - عزيزتي إننا نطمح إلى تحقيق السعادة لأنفسنا؛ ولكن بشرط استعمال العقل الذي وهبنا الله إياه، فلماذا نعلق أخطاءنا بقطعة قماش جعلها الله لنا حرزًا من الشيطان وجنوده؛ لكي نتحرك بحرية ﻻ ترصدنا عيونُ شرهٍ ﻻ تعرف عن الإنسانية شيئًا، وﻻ تعلم من المرأة غير جسدها الذي تدعو إلى تعريته؛ لتستمتع به وتشبع غرائزها... بربِّك أنت، قولي لي: عندما تحجّبت ميادة كما تزعمين بسببي، هل أطاعت الله بحجابها؟! أم أنها أطاعت نفسها؟ وما هو موجود بالسوق من موديلات فاضحة، هل تسمينها حجابًا؟ يا ليتها لم ترتدِ الحجاب الفاضح، وإني أتأسف ممن ترتدي الحجاب مغطية شعرها لكن تبرز مفاتنها وتقول: أنا محجبة! -لقد كانت بارعة الجمال، وكانت تقول أن الحجاب حسب طريقة هدى يجعلني أبدو عجوزة! - حبيبتي (نهاد)، هل تعلمين أن هذه مجرد أوهام، نفسُها توحي إليها بها، هي أخذت الأمر بعناد ولم تترك لي مجالًا لإفهامها المغزى من الحجاب، وكيف يكون ولماذا أصلاً نحن نتحجب؟ فهل هو سجن أم حرية؟ أصغت نهاد بكل جوارحها لزميلتها (هدى) التي ﻻحظت انشدادها للموضوع فقالت لها: يبدو أنك تريدين البقاء في المدرسة، وسارت أمامها تبعتها (نهاد) قائلة: أكملي يا أستاذة محاضرتك! فالطريق طويل. أردفت (هدى): حبيبتي، إنني الآن في غاية الحرية والراحة؛ فلا مترصد لي بعين سوء يستطيع أن ينال مني، لأني شيء غامض بالنسبة له؛ ﻻ يبدو مني غير وجهي وكفي؛ وهذا طريق سأسلكه نحو السعادة، ألا تُريدين السير فيه؟ (نهاد): ما هو الطريق الى السعادة؟(1) (هدى): الجواب بسيط، أن نستعمل أجسادنا فيما خلقنا له، وننشغل بما نحن غداً مسؤولون عنه. (نهاد) وقفت متسمرة في مكانها: كيف؟! لم أفهم كلامك؟ أوَ لسنا خلقنا لنحيا على هذه الأرض؟! (هدى): هناك آية عظيمة في القرآن الكريم يقول فيها تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)) سورة الذاريات يعني أن الغاية طاعة الله وعبادته. (نهاد) أوَ لسنا نعبده؟! -أليس من العبادة طاعته بجميع أوامره التي وضعها لحفظنا وسعادتنا؟ (هدى) نعم ولكننا نرتدي الحجاب؟! -هل ترتدينه وفق ما خُطّط وصُمّم لنا من موديل وأزياء؟ (نهاد) لكل زمان أزيائه. (هدى): نعم لم يتدخل الشرع في أزياء كل زمن؛ ولكن هناك ضوابط للّباس الساتر، علينا تصميم أزيائنا وفقه ﻻ العكس. تحيرت (نهاد) في الرد، وقرب الطريق من نهايته، فقالت لها: اختصري لي الجواب؟ وقولي كيف يمكن الوصول إلى ذلك؟ فقالت (هدى) وهي مبتسمة: يكون عن "طريق حب الله" (2)؛ فهو سوف يقودك إلى كل خير؛ فإذا أحببتيه فإنك سوف تحبين كل ما يقول، أنت مثلاً تحبين مطربة معينة ﻻ أريد أن أذكر اسمها؛ تحبين تقليد طريقة كلامها، ومشيتها، وتسريحتها، حتى الألوان التي تحبها تعرفينها، واسم آخر أغانيها، اليس كذلك؟ أجابت (نهاد): بالطبع أنا مغرمة بها. - افعلي ذلك مع الله جل جلاله (ولو كان القياس مع الفارق) حاولي أن تحبيه وتحفظي بعض أسمائه وبعض أقواله وأنتظر منك الرد. في (أمان الله وحفظه)، ملاحظة لقد ودعتك عنده سبحانه. وكلنا هكذا... إنه يحبنا وﻻ يتركنا مهما تركناه، بعكس هذه المطربة التي لو أعلنت لها أنك ﻻ تحبينها سوف تبادلك نفس المشاعر وأكثر. _________________________ (1) كتاب القلب السليم ج1 ص16 تأليف عبدالحسين دستغيب ترجمة حسين الكوراني (2) المصدر نفسه

اخرى
منذ 5 سنوات
2641