كان يا ما كان في سالف العصر والأوان كان هُناك صديقان متلازمان يعيشان مع بعضهما، الأول يُدعى (إنسان) والثاني يُدعى (ضمير) يعيشون في أرض واسعة خضراء جميلة زاهية كان يُحبهم كُل من كان على هذه الأرض وكان هُناك شخص ثالث يُدعى (خبيث)! وكان يكرهُ أن يرى الأصدقاء (إنسان و ضمير) متفاهمين. كان ماكراً... ففكّر في حيلة يجعل الأصدقاء بها يتخاصمان، فهو لا يحب أن تكون هذه الأرض خضراء مزدهرة، وإن بقي (أنسان و ضمير) متفاهمين فلن يقدر على خرابها، وجد (خبيث) حيلة ليكلم (إنسان) ويقنعه بأن (ضمير) يقول للجميع: إنه يسيطر عليه، وأنه تحت حُكمه، وإن (إنسان) ضعيف، وليس له رأي! وظل (خبيث) يوسوس لـ (إنسان) ويقول لهُ: أنت لا تستطيع أن تفعل ما يحلو لك! فإن (ضمير) قيّدك! وأنت ضعيف، وحتى الحيوانات تسخُر منك، لأنهم أحرار وأنت تحت إمرة (ضمير)! غضب (إنسان) من هذا الكلام، وقال لـ (خبيث): إني حُر، وسوف ترى... أول شيء فعله وهو في حالة غضبه أن ضرب صديقه (ضمير) وقال له: منذ اليوم نحن متخاصمان وأنت لست صديقي! حزن (ضمير) مما قاله صديقه (إنسان) وظل كئيباً... وسمع سكان أهل الأرض الخضراء من حيوانات وأشجار وطيور وأزهار، واجتمعوا وقالوا: يجب أن نفعل شيئاً بهذا الخصوص، لأن في خصام (إنسان وضمير) هلاك هذه الأرض... فقرروا الذهاب إلى (شجرة اليقطين)... كانت تلك الشجرة كبيرة بالعمر وحكيمة، وتعرف الكثير عن الصديقين... ذهب الجميع للعجوزة (يقطينة) وقصو لها ما جرى عليهم، فبقيت الشجرة (يقطينة) تفكر: يجب أن نخاصم (إنسان) ولا نشاركه أفرحنا ولا أحزاننا ولا ننصحه! فقال الجميع (ليقطينة): لكن هكذا سوف يجعل (إنسان) يخسر كلَّ شيء، ولن يجد أحداً يسانده؟! فقالت: هذا ما أريده، عندما يخسر (إنسان) كُل شيء، فأول من سوف يبحث عنه هو صديقه (ضمير)، وإذا رجع (إنسان) وتصالح مع صديقه، فسوف نكون نحن بأمان! نحن سُنراقب (إنسان) عن كثب. كان كلام العجوزة (يقطينة) صحيحاً... فلم يستفد (إنسان) من مصاحبة (خبيث) إلّا المعاناة والخراب، كانوا كلهم يترقبون ما سوف يفعله (إنسان) بعد مصاحبة (خبيث)... خسر (إنسان) كل شيء، حتى صحبته، وبقى وحيداً، وفكر لمن يذهب يا تُرى، ومن سوف يساعدُه؟! فقرر أن يذهب ويستشير العجوز (يقطينة)... وذهب (إنسان)... فقالت له (يقطينة): أتريد أن تعود كما كنت، مليئاً بالنشاط والحيوية؟ وأن يحبك الجميع كما في السابق؟! فقال: نعم. فقالت (يقطينة): أول شيئاً تفعله هو أن تتصالح مع صديقك (ضمير)! ففكر (إنسان) في كلام (يقطينة)، وتذكر كيف كانت حياته جميلة بمصاحبة ذاك الصديق، وكيف كان ينصحه، وليس كمثل (خبيث) يعلمه أشياءً قد دمرت حياته... وعاد (إنسان وضمير)، أصدقاءً كما في السابق، ويعود هذا كلهُ إلى العجوز (يقطينة) وحكمتها... فهل إنساننا اليوم صادق ضميرنا أم ماذا؟
اخرىفي جلسةٍ نسائية بحتة لِنساءَ العائلة... يدور نقاشها حول الأزواج والأولاد وما يجري في المجتمع من أمور حياتية وسياسية ودينية إلى آخره، مللتُ الجلوس والنقاش بذات الموضوعات، كُنت أنظر إلى ساعتي بين الحين والآخر، لعل هذا النقاش ينتهي أو يُغير على الأقل، دون جدوى... بقيت أنظر إلى الساعة وكان في الجلسة سيدة كبيرة في السن، تعرفون كيف هو تفكير النسوة الكبيرات في العائلة... لم تستطيع أن تسكُت فسألتني: لماذا تتطلعين في الساعة بين لحظة وأخرى؟ فقررتّ أن أغير الأجواء وأن أداعبها بالكلمات المبهمة فقلت لها: أني أنتظر أن أرى حبيبي ولكن مجالستكن تبعدني عنه! وما أرى إلّا أن العمة كبيرة السن جلست جلسةً مخيفة وقالت: ماذا تقولين؟ كيف أن يكون لكِ حبيب هل أنتِ عزباء؟ ما هذا الكلام؟ تشوقت إلى معرفةِ رأيهن فقُلتْ: وماذا في هذا؟ إنيّ أقابله كُلْ يوم هناْ في البيتْ وبالأخص في مكتب أبي، وما الضير في ذلك؟ أنا لا أفعل شيئاً خاطئاً، أبي يعلم! فاشتاطت غضباً ونظرت إليّ نظرةٍ حادة... فسألتني إحدى الشابات بصوتٍ خافت: يا شيطانة، ما الذي تقولينهُ؟! قُلت: أنا صادقة، أنا أقابل حبيبي كُلَ يوم وأنتنّ تشغلنني عن مقابلتهِ. هو جميل أطالعه بعيني فأقرأ ما في سطوره لا يُخفي عني شيئاً، يروي لي القصصَّ الجميلة يسحرني بما يروي لي، أداعبه بأصابعي فيكثر من حكاياه أتأمل ببساطة كلماته فيُنير عقلي أنا أقول وأقول في حبيبي... وهن ينظرن إلي بنظرات الغضب فصرخت العمة بي بكل غضب وقالت: ما عرفناكِ هكذا، أنت التي نقول عنها أميرة هذا البيت، كيف تقولين هذا الكلام من دون حياء؟! بكُل هدوء وابتسامة قلت: أنا صادقة ما المزعج بكلامي! فأجابت ألا تعرفين؟ فضحكت من صميم قلبي: لا يا عمتي يجب أن يكون لكُل واحدة منكن حبيب مثلي. وقبل أن تنفعل أكثر شرحت لها من يكون حبيبي! هو كتاب أقرأه في كل يوم أوليس عندما تنظرين إلى الكتاب يروي لكِ ما بداخله من مضمون؟! أوليس عندما تحركين أوراقه تقرئين أكثر وتعرفين أكثر؟! أنا كُلَ يوم في مثل هذا الوقت أذهب إلى مكتب أبي أقرأ الكتب. هدأت العمة وتبسمت... وضحك الجميع وقلن: غششتنا بكلمات مبهمة {خير حبيب في هذا الزمان كتاب} رحاب سالم ورور البهادلي
اخرىفي ورشة رسم أقيمت من قبل منظمتنا، بعد تحرير مناطق في الموصل، أردنا من خلالها أن نُخرج هذا الكبت الذي حصل مع النساء اللواتي تم أسرهن من قبل داعش الإرهابي، كنت انظر الى رسمهن واحدةً تلو الأخرى.. أدهشتني رسمتها ومضمون الرسم.. ناديت: من صاحبة هذه الرسمة؟ فأجابت: أنا. قلت: ما أسمك؟ قالت: زينب. قلت: كيف عبّرتِ عن هذه الرسمة؟ قالت: مما جرى عليّ، ألم تطلبي منا أن نرسم ما جرى علينا؟ قلت: نعم، ولكن رسمُكِ لا يقول ذلك! (زينب) ابتسمتُ لها... -(أستاذة التنمية) قالت: اشرحي لي هذه الرسمة... فأجابت: يطول الحديث. قالت: سأسمع بصمت. ابتدأت كلامي: آه آه، فهمّتْ أن تكلمني، فأمسكتُ فاهها وقلت: لا تقاطعيني.. آه آه، قالت أمي عند الولادة من شدة ألم المخاض. ابتسمت وأنصتت: (أستاذة التنمية) في يوم ولادتي كان الأهل مجموعين ينتظرون المولود الجديد، كان هُناك احتفال وزينة، ليس لأني ولدت فقط، ولكن صادف يوم ولادتي ذكرى ميلاد السيدة زينب عليها السلام والشيعة تحتفل بولادتها في كل عام، ولدتُ أنا أيضاً، فرح الجميع بقدومي، وبورك لأبي وأمي بقدومي. قال جدي وقد كان مُؤَذّنًا وخادم في أحدى الحسينيات: أسميتها زينب يا بُني، تيمُناً بهذا اليوم المبارك. قال أبي: هي زينب كما أسميتها أنت.. فردد الجميع: زينب، زينب، اسمٌ جميل. بدأت أكبر، وأخذ جدي على عاتقه تربيتي وتعليمي تعاليم محمد وآل محمد. وكان دائماً يذكّرني لما أسماني زينب ويقول: أنتِ عفيفة كـ زينب "عليها السلام" كَبرْت بكبريائها وعفافها، أحببت دراستي، وأظهرت مهارتي بالرسم، وأخذتُ على عاتقي إيصال القضية الحسينية الزينبية.. وفي يوم لا يحمد عُقباه. دخل داعش الإرهابي إلى مدينتي تلعفر في الموصل، وبدأوا بالنهب، والسلب، والقتل، وأخذ النساء سبايا كما فعل أسلافهم مع الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته.. قاموا بقُتلِ أهلي جميعهم ابتدأوا بجدي، وأبي، واخي، وبعدهم أمي، لم أكن موجودةً، عُدتُ الآن من المعهد.. كُنت أدرُس العلوم الإسلامية، لم أر حتى جُثث أهلي أخذتُ سبيةً من قبل داعش! قاومتهم، ولعنتهم، ولكن دون جدوى، انا امرأة وسط وحوش لا تعرف الرحمة. كان أحدهم يُريد أن يأخذني له، ولكن الله أرحم بعباده، أتاه آخر وقال: اتركها هيَ تكملة للعدد! استغربتُ، ماذا يقصد؟! بعدها علمت أني تكملة لعدد السبايا الأيزيديات اللواتي سيتم بيعهن إلى ملاعين مثلهم في بلاد الشام كما أسماها. لم تكن لدي حيلة سوى الدعاء كما علمني جدي في المحن والشدائد، وعزة النفس التي أمتلكها من اسمي،... أُخذنا الى مكان يضعون بهِ العبيد، والجواري، على حد تعبيرهم.. واحدةً تلوذ بالأخرى وأطفال تبكي، إنّ التاريخ يُعيد نفسهَ؛ وأنا أنُادي: يا كاشف الكرب عن وجهِ أخيهِ الحُسين، اكشف الكرب عني، هذا ما علّمتني أمي منذ الصغر، قُلت للبقية: يجب أن نكون أقوى من ذلك، لا تيأسوا من رحمة الله. قلنَ: نحن بيد من لا يرحم. قلت: الله أرحم الراحمين.. بقيت على هذه الحال أدعو ربي، وأنا على يقين أن الله لن يتخلى عني وعن هؤلاء النسوة... أحسست بالتعب وأسلمتُ عيني للنوم وغفوت قليلًا، فـرأيت امرأة ذات هيبة وقد تقدمت نحوي، قالت زينب: قُلت نعم مولاتي. وكأني اعرف أنها سيدتي زينب "عليها السلام" قالت: تهيئي، لن أتركك،ِ وكأني نهضت كي أذهب معها، فاستيقظتُ على صوت النساء يتصارخن، والأطفال مرعوبين، وصوت إطلاق النيران يتزايد، قلت: أبشرْنَ إن شاء الله الفرج آتٍ! وإذا بالباب تُكسر ودخل الأبطال، قالوا: لا تخفْن، نحنُ أبطال لواء علي الأكبر جئنا لإنقاذكن. قُلت: بشرتني مولاتي... وكما ترينَ أنا هنا اليوم بفضلهم، فآليت على نفسي أن لا أرسم إلا السيدة زينب، بعنفوان وشموخ، ولا أرسم حزنها على أخيها، وهذه الرسمة هي إحساسي وسط أولئك الأنجاس. لم أشعر بالخوف، قُلت في نفسي: يكفي أنني سميتُها.. هذا سيرعبهم، أكملتُ قصتي. وأنا لا أرى سوى الدموع والفرح في آن واحد؛ على وجهها (على وجه أستاذة التنمية) قالت.. علمتِني أن لا أُهزم! قُلتُ: بل زينب من علمتنا. رحاب سالم البهادلي
اخرىبقلم: رحاب سالم البهادلي أنا فتاة في العشرين من عَمُري... كُنت أدرس بجدٍ واجتهاد، فأنا الفتاة الوحيدة للعائلة، ولدتُ بعد معاناة، كان أبي يراني زهرة البيت، يعمل بجد كي يوفر لي ما أحتاج... أتعرفن عندما يعود أبي من العمل، يناديني: يا طفلتي؟ فتأتي أمي وتقول هي أصبحت شابة لمَ تناديها يا طفلتي؟ أجاب أبي بحسرة: هي طفلتي مهما كبُرت، سوف أراها طفلتي الحبيبة، وأناديها كما أحب... أحبني أبي، وأراد بَحُبهِ أن أصلَ إلى أعلى المراتب، كُنت مجدةً بدراستي، وأحاول أن أُكمل تعلُّميِ، حتى أعينُ أبي في المستقبل، هذا أيضاً ما أرادهُ ولكن… عندما دخل أصدقاء السوء إلى حياتي، لا يقع اللوم عليهم فقط، ولكن ألوم نفسي، على أنني خُنت ثقةَ أبي وأمي بي: بدأتُ التخطيط لقتل أبي، بخطوات أتبعتها من خلال صديقاتي، بدأ الأمر بتغير مظهري، كانوا يسموها الموضة، بدأت بالتغيير شيئاً فشيئاً، وبدأ المشوار، طلبتُ من أبي أن يشتري لي هاتفًا جديدًا كما هُنّ صديقاتي، يحتوي على كُل برامج التواصل الاجتماعي؛ لا يستطيع أبي أن يرفض طلبًا لي، خوفاً من أن يكسر خاطر طفلته… أقنعَتهُ بأني أُريد أن أعتمد الهاتف للدارسة من خلال الأنترنت، أدخلتني صديقتي بمجموعة أسموها شباب وبنات؛ رَفَضتُ في البداية، فقالت: صديقتي، وما المانع نحن في الجامعة شباب وبنات؟ ما المشكلة إذا كُنا في مجموعة عبر برامج التواصل الاجتماعي! أقنعتني، دَخَلت، وكان مجرد كلام عابر لهذا وذاك... شيئاً فشيئًا بدأ التفاعل، تكلمت مَعَهُم، بادلتهم الآراء، تفاعلت أكثر وأكثر، دخل شاب من ضمن المجموعة، وتكلم معي، خاص أنا وهو فقط، بحجة أني أختلف عن الآخرين، وآرائي جميلة، فتطور الموضوع شيئاً فشيئًا، بادر بكلام الأعجاب والحب، أحببتكِ كلمة تكررت على لسان هذا الشاب، ومن دون وعي أو تفكير انَجَرَفتُ في هذه العلاقة الخاطئة، انَجَرَفتُ في أمورًا خاطئة، لم أفكر بديني، وعقيدتي، وأهلي، وأبي الذي أعطاني كُلَ شيء... هُنا قَررتُ أن أقتل أبي! خَرَجتُ من ثوبي وتربيتي، استغلني بكلام الحب والانفتاح، طَلبَ مني صورةً خاصةً لي، بحجة أنهُ سيكون زوجي المستقبلي... استسلمت لهذا الموقف، بعثت له بصورةً ظنَنَتهُ صادقاً بقوله لي بأنه سوف يأتي لخطبتي؛ شيئاً فشيئًا اتضحت الأمور، وبدأ بالتهرب مني، وعندما واجهته وقُلت له: إني سوف أُخبر الأصدقاء، ظهر على حقيقته، وبات يُهددني بالصور التي يمتلكها! لم أكن أعرف أنهُ سَيُنفذ تهديده، نشر الصور عبر مواقع التواصل الاجتماعي... هُنا قَتَلت أبي! قَتَلت أبي بأخطائي، قَتَلت الثقة التي أعطاها لي، انَجَرَفتُ دون إن أدري... أروي لَكُنَ حكايتي، ليس دفاعًا عن نفسي، ولكن أُريدُكُنَ أن تَكُنّ حَذِرات، ولا تَسَتَهينّ بحُب الأب، والأم، لكن أعرفن أني قد أخطأت بهذا التصرف، واجَعلْنَ مني عبرةً لمن تعتبر، اعرفن أني عندما خُنت الثقة التي أعطاني إياها أبي: ق َرَرتُ أن أقَتَل أبي...
اخرىبقلم: رحاب سالم البهادلي إلى نساء العالم بالعموم وشيعة آل أبي طالب بالخصوص. الرسالة الأولى: إلى نساء العالم أنا فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) رسول الإسلام والمسلمين، خَرجتُ مِن دونِ خمار فَلم أفتح بابي رعايتاً للستر والحجاب، وهي رسالةً واضحة للنساء، أني وأن كسروا ضلعي، لن أتنازل عن عفتي، وإن أسقطوا جنيني لن أتنازل عن حجابي، لم أفتح باب بدون خمار. والخمار في اللغة هو الحجاب الذي يغطي من الرأس وينزل إلى تمام البدن: الجميع يعرف ما جرى على سيدة نساء العالم! ويجب أن نفهم رسالتها جيداً. أما الرسالة الثانية: فهي موجهةً إلى الشيعة خصوصاً يا شيعة آل أبي طالب، اليوم أنا، وبعدي زوجي وابن عمي علي، وبعدهُ أولادي، وبعدها أنتم، فاصبروا وتصابروا، وها أنا مثال لكم وكأنما تُخبرنا بفتن هذا الزمان وتريدُ برِسالتِها أن تقول: ألعفة والستر هم أساس الحياة، هي كابن عمها قال سألوني قبل أن تفقدوني، هي قالت اقرؤوا رسالتي جيداً فَفيها مَفاهيمً كَثيرةً وعبر. ما جرى عليها من ظلم ومن ترهيب هي وأهل بيتها لم يَمنعهم مِن عفِتهم، فَيا أهل العالم اتَعظوا: هذا جزءٌ بسيط مِن رَسائل الزهراء (عليها السلام) لنا فعوا وافهموا. واللبيب تكفيه الإشارة
اخرىبقلم: رحاب سالم البهادلي أحمد وإبراهيم تشاجرا أثناء لعبة كرة القدم، وصاح إبراهيم بصوت مرتفع، قد خُنتَ العهد يا أحمد، سمع الجد كلامهما، وسألهم ماذا حصل؟ إبراهيم: قد خان العهدَ أحمدُ يا جدي. وقف الجد وقال: كيف ذلك؟! قال إبراهيم: إن أحمد لعب مع وليد بدل أن يلعب معي، ونحن تعاهدنا على أن نلعب سَوِيّةً ابتسم الجد وقال: اجلسوا يا أولاد وسأحكي لكم حكاية... يُحكى أنّ "قطاً أبيضًا" جميلًا، ليس له أصحاب، كان يتجول في الشارع، فوجد "قطًا أسودًا"، أراد "القط الأبيض"، أن يصاحب "القط الأسود"، فوافق "القط الأسود"، ولكن بشرط! فسأله "القط الأبيض"، عن هذا الشرط! فقال "القط الأسود": شرطي أن كل واحد منا يجد طعامًا يتقاسمه مع الآخر. قَبِل "القط الأبيض" هذا الشرط وأخذ القطان على نفسيهما عهدًا أمام القرد، وترافق القطان وصار القط الأبيض يأتي بالطعام "للقط الأسود"، و"الأسود" كذلك، وهكذا بقيا مدةً من الزمن. وفي أحدِ الأيام خرج "القط الأسود" فوجد سمكة كبيرة وقرر أن يأكلها وحده وقال في نفسه: ولمَ أتقاسمها مع صاحبي "الأبيض"؟ أنا من وجدها، ولمَ لا وصاحبي لا يعرف! في تلك الأثناء مرّ القرد قريبًا من "القط الأسود" ورأى السمكة، فذهب القرد إلى "القط الأبيض" وقال له: إنّ صاحبك وجد سمكة كبيرة، اذهب كي تساعده بحملها معه، ذهب "القط الأبيض" إلى صاحبه، وعندما وصل وجد صديقه "الأسود" قد أكل السمكة كلها، فحزن "الأبيض" مما فعله صاحبهَ "الأسود" وقد خالف العهد الذي بينهم فقال: "القط الأبيض" لما أكلت عليَ حصتي؟ فأجاب "الأسود" لأني جَائِعٌ جداً "الأبيض" سأسامحك هذه المرة على أن لا تفعلها مرة أخرى. فقال الجد: فهمتم يا أولاد معنى القصة؟ ليست خيانة للعهد أن يلعب مع غيرك، بل للعهد معنى أكبر من هذا كله، وأهمه عهد الصداقة وأن تسامح صديقك إن تمكنت…
اخرىوالسائل يسأل: مالكم تبكون؟ (القبور) أصبحنا أيتاماً ولنْ نراها بعد اليوم، فهي كانت أنَسنا، نُصبح ونمسي بلقائها ولنْ نراها بعد اليوم. (السائل): لا تخافوا هي ستكون رفيقتكم هُنا، وستلازمكم، لمَ أنتم منزعجون؟ ليس لبكائكم معنى! أوهل يبكي أحدٌ على إنس رفيقه، أولا تحبونها؟ (القبور): نعم أحببنا رفقتها لنا، فهي كانت تؤنس وحدتنا، وتشكو لنا الحال، والآن بعد فقدها من لنا؟ من سيواسينا؟ من سيمرّ علينا؟ وقد ماتت خَليَلَتُنا؟ (السائل): عجيبٌ أمركم، أليس في موتها رفقةٌ لكم!؟ (القبور): يا هذا، يا من تسأل، أوَ لا تعلم أننا مجرد قبور خاوية، صُنعنا من صخور كي نكون قبوراً وهمية، تأنس بنا هي بعد فقد أولادها؟ أوَ لا تعلم أن لها أربعة أقمار، قد قتلوا وسلبوا مع سيدهم، ولم تستطع هي أن تكون قربهم؟ فصنعت منا قبوراً! أعتدنا أن نرى بكاءها كُل يوم، وكانت قد أسمتنا بأسماء أولادها، فأنا اسمي حُسين، وذاك عباس، وهنا جعفر، والآخران عبد اللّٰه، وعثمان... نحن قبور وهمية، جعلتنا سكناً لروحها الهائمة بعد فقد أولادها، كيف لا نبكي على فقدها؟ ونحن شهدنا على كل كلمةً قالتها لهم قربنا... رأينا دموعها تنهمر على خديها، وهي تنادي (حُسين، حُسين، حُسين) كانت تقولها مراراً وتكراراً، وبعدها تذكرُ أقمارها وأولهم (العباس) وتقول فدتكَ أمك يامن فديت أخاك (الحُسين) وتقول: (عباس) أعرف أنك لم تخالف عهدي عن نصرة أخيك... عباس هل رأيت زينب، وهي أسيرة يا نور عيني؟ حُسي، يا حبيبي يا سيدي، هل أنت راضٍ عني وعنهم؟ ربيتهم للدفاع عنك، ولو كان لي ألفٌ من الأولاد، لربيتهم لخدمتكَ، ولقاتلوا دونك، وكانت تتوجه نحو قبر (رسول الله صلى الله عليه وآله) وتقول: هل أنتِ راضية عني يا مولاتي يا زهراء؟ أو تسأل يا سائل عمّ أبكانا؟! ونحن شهدنا ورأينا دموعها وحزنها؟ نعرف أننا مجرد صخور، شكلنا على هيأة قبور، ولكن، من روح وفائها قد سكنتنا أرواح تبكي لفقدها، وهي كانت ناعية على (الحُسين) وما جرى في (كربلاء) فلا تلمنا يا عاذل... بفقدها فقدنا ناعي الحُسين عليه السلام... (السائل) آهٍ يا أم البنين، لك العزاء يا أبا الفضل العباس... رحاب سالم ورور
اخرىبقلم: رحاب سالم البهادلي أنا رحال أجوب العالم، وأبحث عن أشياء جميلة، أبحث في التاريخ والتراث وكل ما هو غريب وعجيب، أخذت أجوب الأرض من شرقها وغربها، طالعت الكتب وقرأت الآلاف منها، ذهبت إلى المغرب والمشرق، أبحث عن تاريخ العالم وأسأل عن سادتها وشخصياتها، سلاطين وملوك ورؤساء، أبحث في تاريخهم وأسأل عن أعمالهم، حاولت أن أتوقف عند أحدهم ممن قرأت عنهم وطالعت حياتهم، لم يشدني كل ما مرَ عليَ من شخصيات، وبقيت أبحث؛ وفي يوم قررت أن أعود إلى بلدي لأنني لم أ جد ضالتي، لم أجد ما أبحث عنه، في هذا الوقت كنت في بلد عربي، جمعت أغراضي وقررت الرحيل، ركبت مع سائق التكسي كي يوصلني، فتح سائق التكسي جهاز التسجيل سمعت كلمات جميلة، كأنها تراتيل أشعر بأنني لا أريد الوصول، أريد أن أستمع لهذه الكلمات الجميلة، أنا أعرف اللغة العربية، وأعرف أن القرآن الكريم كتاب المسلمين، وكلامه جميل أيضاً لكن ما أسمعه ليس قرآنًا إذاً ما هذا الدعاء! سألت السائق لمن هذه الكلمات؟ قال: إنهُ دعاء كميل. قُلت: من كميل هذا حتى يقول مثل هذا الكلام الجميل!؟ قال: ليس كميل من قال هذا الكلام، إنما مولاي علي بن أبي طالب عليه السلام، هو من علم كميل وأعطاه هذا الدعاء. قلت: ومن هو علي؟ قال: الا تعرف سيدي عليًا؟ قلت: اين هو؟ أ موجود هنا؟ قال: عجيب! قالوا لي انك رجل رحال، أخذت العالم شرقاً وغرباً، وتعرف التاريخ وتعرف ديننا ونبينا مُحَمَّدًا عليه افضل الصلاة والسلام. قلت: بلى لكني لم اتعرف على علي. قال: كيف لك أن تعرف الإسلام ولا تعرف عليًا؟! قلت: من عرفنيِ إسلامكم لم يعرفني عليًا! من عليٌّ؟ فقد تشوقت لمعرفته!؟ قال: قربنا أن نصل، والحديث عن سيدي علي يطول. قلت: عُد من حيث أتينا، أريد أن أعرف من هو علي وما هذه التراتيل الجميلة أريد أن أعرف عنه كل شيء من يوم ولد؟ ابتسم السائق ابتسامةً كبيرة ... قلت: أأخطأت التعبير؟ أنا أُتقن العربية، وأعرف إني لم أُخطأ التعبير، لم تبتسم؟ قال: إن اليوم ذكرى ولادته. قلت: من؟ قال: مولاي علي بن ابي طالب عليه السلام. قلت: شوقتني أكثر أن أعرف هذه الشخصية، انقضى من عمري الكثير، ولم اتلهف لمعرفة أحد كما أنا متلهف الآن كي أعرف عليًا الذي ولد اليوم... وصلنا إلى الفندق الذي أقلني منه سائق التكسي، أعدت حقائبي إلى غرفتي، ورجعت إلى السائق، قلت: هيا خذني إلى علي. قال: سآخذك إلى مكان ولادة علي لكن بشرط، ما أقوله لك لا تخبر به أحداً الا بعد أن ترحل من هنا، ولا تقل لأحد أنك تبحث بتاريخ علي… قلت: ولمَ كل هذا؟ قال: ستعرف شيئاً فشيئا، هل ستصدق ما أخبرك به؟ قلت: إذا كان هناك دلائل على ما تقول سأصدق طبعاً. قال: إذن فلنبدأ من مكان الولادة، وإذا به يأخذني إلى بيت ﷲ وهو الكعبة عند المسلمين، وقفنا عن بعد وقال: أتعرف أين نحن؟ قلت: بلى هذا بيت اللّٰه، وهنا الكعبة وأنا زرت هذا المكان من قبل فهو مكان تاريخي. قال: وهل رأيت الشق الذي على جدار الكعبة؟ قلت وما دخل الشق و الكعبة بولادة علي؟ قال: هنا ولد سيدي علي، وليد الكعبة، سأختصر أيها الرحالة، فالكلام عن مولاي يطول، عندما أكملت السيدة فاطمة تبنة أسدَ الشهر التاسع من حملها، جاءت قرب البيت العتيق تناجي ربها، جاءها المخاض وإذا بالجدار تفتح، ودخلت مولاتي فاطمة وأُغلق الجدار، أرادوا أن يفسروا ما حصل لكن دون جدوى، كثُر الحديث عما حصل في البيت العتيق، ودخول السيدة فاطمة وبعد ثلاثة أيام خرجت تلك السيدة الجليلة، وهي تحمل وليدها بين يديها، وهي تقول: إن ﷲ تعالى أطعمني من ثمار الجنة خلال هذه الأيام الثلاث، وبعد ولادتي جاءني نداء يقول: سمهِ عليًا، عليٌّ أُشتُقَ منَْ العلي... كان السائق يحكي لي ما حصل وأنا أستمع وأبكي وأتلهف لمعرفته أكثر وأكثر، أخذني إلى شخص آخر روى لي كل ما حدث في حياة علي عليه السلام... قادتني معرفة هذه الشخصية العظيمة إلى حقائق كثيرة، وأنا الذي كنت أتصور أني أعرف الكثير عن التاريخ والحُكام... أدركت أن من لم يعرف علي بن أبي طالب لم يعرف نفسه؛ وهنا عرفت أني وجدت ضالتي التي أبحث عنها، وأيقنت أن علي بن أبي طالب هو السلطان الحاكم على القلوب، وعرفت أني لو أفنيت عمري بالتعرف عليه لم أندم، بل ندمت كوني تعرفت عليه متأخراً.
اخرىبقلم: رحاب سالم البهادلي زينب: اسم يتألف من أربعة حروف، له أكثر من معنى... سؤال من قبل الأستاذ: من يا تُرى تحمل هذا الاسم؟ ... سَألنا من منكن أسمها زينب؟ الكثير قلن: نعم أسمي زينب. - لّكنّ هل تعرفن معنى هذا الاسم؟ - قلت: نعم، اسم علم مؤنث، (زينب) وهو مركب من زين ألاب، كما احتمله الفيروز أباد، وهو نوع من الشجر جميل الرائحة وجميل المظهر، قال ابن الأعرابي: الزينب شجر حسن المنظر طيب الرائحة. - وهل تعرفين من هي زينب؟ - أتسأل عن مولاتي زينب بنت علي بن أبي طالب (عليه السلام)؟ -أتعرفينها حقاً؟ - من لا تعرفها لا تعرف نفسها من تكون، لا تعرف معنى أن تكون أنثى لا تعرف معنى المرأة المسلمة، لا تعرف كيف تكون أختاً وبنتاً صالحة في المجتمع، أن أكون سُميتُ زينب، يعني أن أقهر بعفتي فسادهم، أنا أميرة بعباءتي، وأرفع بعفافي رأس أبي وأخوتي... أنا زينب بديني ومذهبي، أن أعرف من هي زينب وأتخذها قدوتي أواسيها باستشهاد أخوتي نعم، يا أستاذي: ليس المعنى الحقيقي لمعرفتها أن أعرف هي بنت من، أخت من، ربيبة من، بل معنى أني أعرفها هو أن أدين بدينها، وارتدي عفتها، وأستلهم من فكرها، وأستمد قوتي منها... زينب معناها أن لا أصمت ضد الظلم، وأن أُظهر الحق بالحق، وأن أتحمل وأصبر في حين الصبر، وأثور وأنتصر في وقت النصر. الأستاذ: من أنت؟ - أنا علوية يتيمة، استشهد أخوتي في المعارك التي جرت بين داعش الإرهابي وبين أبطال الحشد المقدس… أستمد قوتي من عمتي زينب. الأستاذ : نِعمَ الاسم، ونعمة المسماة. أحسنت يا أبنتي... فلتكن زينب قدوتكن في الحياة.
اخرىبقلم: رحاب سالم البهادلي كنت أمشي وصديقي في بغداد، فوصلنا جسر الرصافة وأخذت أنظر اليه مطولاً، فسألني: ما بك أيها الطبيب، لماذا وقفت هنا، دعنا نكمل طريقنا؟! فقلت: آه آه، أتعرف إمام الشيعة موسى بن جعفر؟ فأجاب نعم، لكن سمعت أنهُ قد مات. -(الطبيب) نعم قد قُتلَ مسموماً، دعني أخبرك ما حدث... في مثل هذا اليوم قبل سنين مضت وقفتُ على جسر الرصافة بغداد كما نقف اليوم، في يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر رجب، رأيت الناس تهرع والمنادي ينادي هذا أمام الرافضة. كانت هناك جنازة يحملها أربعة من جلاوزة بني العباس، بدأت الناس تتجمع وتقترب من الجنازة وهم يبكون، وُضعت الجنازة وسط الجسر، ثم نادى المنادي من البلاط العباسي: "هذا إمام الرافضة، وقد مات حتف أنفه، فليأت كل من يريد النظر اليه..." فكان الناس يتفرّسون في وجه الإمام استجابة لنداء البلاط وتأكيداً لمدّعاه بأن الإمام لم يمت مقتولاً، وكان من بين هؤلاء الناس؛ جمعٌ من فقهاء بغداد ووجهائها ليؤكدوا لهم بأن الإمام توفي بشكل طبيعي من دون تقصير من السلطات الحاكمة، وكنت أنا من بين هؤلاء... فنظروا ولم يجدوا أثراً لجراح أو خدش، وأشهدهم السندي بن شاهك، قاتل الإمام وصاحب السجن المعروف بظلمهِ للشيعة وإمامهم على أنه مات حتف أنفه، فشهدوا على ذلك. علماً أن هذا التضليل لم يُجدِ نفعًا. وبعد أن اقتربتُ أنا من جنازة الإمام الكاظم، بعد أن كثر التشكيك بين الناس، ونظرت في راحة كف الإمام فقلت للناس: إن هذا الرجل قُتل بالسمّ، فقولوا لعشيرته أن يطالبوا بدمه... قلت ما قلت بصوت خافت خوفًا من السلطات الظالمة... هنا انفجرت قنبلة مدوية بوجه هارون العباسي واتباعه، فتدارك الأمر وألقى بمسؤولية الجريمة على السندي بن شاهك، ثم أخذ يلعن الأخير ليبين للرأي العام براءته من الجريمة، فاستدعى سليمان بن أبي جعفر، وهو أحد أبرز السفاحين في حكومة هارون، وأمره بأن يكرم جنازة الإمام لامتصاص نقمة الجماهير، فأخذ الأخير بإظهار الحزن فنزل من قصره ورمى عمامته وشقّ جيبه وأمر غلمانه وشرطته بإبعاد السجانين من حول الجنازة، وأمر المنادي بأن ينادي: "من أراد أن ينظر إلى الطيب ابن الطيب، والطاهر ابن الطاهر، فليحضر جنازة موسى بن جعفر" مرت ثلاثة أيام وجنازة الإمام الكاظم (عليه السلام) على جسر بغداد، بهدف كسب تأييد الناس وعلمائهم ووجهائهم لما جرى للإمام، فقد وضع محضراً بالقرب من الجنازة يوقع فيه من يرى الجنازة على أن الإمام لم يقتل مسمومًا على يد هارون الرشيد. وهذه تمثل سابقة خطيرة في حينها لم تعهدها الأمة منذ واقعة كربلاء وما جرى على الإمام الحسين (عليه السلام) هذا الإمعان في الاضطهاد ومحاولة حجب شخصية أئمة الشيعة من حساب أفراد الأمة، لم يكن إلا عندما يتعاظم خطرهم على السلطة، ففي عهد الإمام الكاظم كان الشيعة قد أوجدوا "دولة داخل دولة" ونجحوا في اختراق البلاط العباسي، وكان العديد من أعوان هارون ينتمون على التيار الشيعي، ويؤدون أدواراً هامة ومصيرية ضمن توجيهات الإمام (عليه السلام) وكان ذلك يتم ضمن تنظيم دقيق وسرية تامة، ولعل الاسم البارز في التاريخ من هؤلاء؛ (علي بن يقطين) أحد أبرز الوزراء في بلاط هارون العباسي... فقال: أراك تعرف الكثير عن الشيعة وإمامهم! (الطبيب) نعم وكل ما عرفته عن الشيعة وما جرى عليهم من صديق مقرب شيعي فأنا صاحب رأي محايد، لكن لا أقبل الظلم، ونحن جميعاً نعرف أن الشيعة وأئمتهم تعرضوا للظلم لكنهم حاولوا دخول الدولة العباسية، وهذا ما استشعره الأخير وحاول الكشف عن خيوط هذا التنظيم وامساك أحدهم بالدليل القاطع. فلم يُفلح أبداً، لذا توسّل بالجواسيس والعيون، وأيضاً بشراء الذمم؛ تماماً كما فعل معاوية وابنه يزيد لمواجهة التيار الشيعي في عهد الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) وحتى هاتين المحاولتين لم تفلحا بالمرّة في تطويق انتشار التشيع وامتداد ولاية الإمام الكاظم بين الأمة، فكانت تجبى إليه الحقوق الشرعية من أقصى خراسان ومن الأمصار الأُخرى دون أن يتمكن هارون وأعوانه من فعل شيء. يا صديقي، المشكلة الكبرى أمام هارون العباسي، كما هي مشكلة أي حاكم مستبد؛ هي الشريحة المثقفة في المجتمع، التي كانت آنذاك متمثلة بالفقهاء والعلماء والشعراء وأيضاً المتكلّمين (الفلاسفة)، فكان لهؤلاء تأثير كبير على الرأي العام، الأمر الذي استدعى هارون لاستمالتهم والإغداق عليهم، وعلى وجه التحديد الشعراء. وكما تعلم يا صديقي أنا طبيب وأعرف الكثير من الشخصيات، عدد كبير من بينهم كان في البلاط، وكيف أنّ آلاف الدنانير والدراهم كانت تنثر للمتزلفين والمداحين، وإذا كان لهؤلاء تأثير على العواطف فإن للعلماء والفقهاء تأثيراً على القلوب والعقول، كما تأثرتُ أنا بشخصية الإمام الحسين (عليه السلام) وبعده الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) نعم فتأثر قلبي بمحبة هذا الإمام المظلوم، لست أنا أول نصراني أتأثر، كان قبلي ذلك القس المسيحي، ولا يُنسى وهب منا نحن المسيح، لكنه التحق بالحسين (عليه السلام). يا صديقي، إنهم ليسوا للشيعة فقط، إنما هم لكل البشرية... يا صديقي إن ذكرى استشهاد موسى تُؤلم قلبي...
اخرىبقلم: رحاب سالم ورور البهادلي ابتدأتُ النهار أسمع صوت قطرات المطر النازلة من أوراق الأشجار، بعد أن هدأت الأجواء وسكنت السماء من بكائها، فكانت قطرات الماء تنزل من أوراق الأشجار بهدوء، بعد ميل تلك الأوراق من أغصانها، فآلت الشمس على نفسها أن تبزغ كي تدفئ بنورها أهل الأرض وأن تحتضنهم بحرارتها... بزغت الشمس وهدأت السماء وأخذت الطيور والعصافير تعزف أنغامها وتحلق في أجواء جميلة وصافية، ونهار سعيد... وأنا كالعادة أقف في المطبخ أحضر كوب القهوة كي أفتتح به صباحي الجميل، وبعد أن أكملت إعداد القهوة جلست في حديقة المنزل، أنظر إلى الأجواء الجميلة وأمسك قهوتي بيدي واليد الأُخرى تحتضن قلمي وخاطري يرسم لوحة تحاكي قصصًا، منها من الواقع ومنها الذي يحكيه خيالي، أكملت قهوتي ولا زال فكري شاردًا بأفكاره وخيالي يحاكي أبطاله وقلمي يرسم لوحة، فذهب فكري إلى بطلٍ شجاع وشهم يجسد اسمه وحياته لوحة عشق وتفاني تحاكي التاريخ، وأصبح مضرب الأمثال بالنبل والشجاعة والمروءة... لم يقبل عقلي هذه المرة أن يطلق العنان للأفكار، أو بأن يكتب عن أبطال من نسج الخيال، ونحن نشهد شهراً قد ولد به أبطال لم يُشهد مثلُهم في التأريخ هم و آباؤهم. حاولت أن أكتُب عن هذا المقدام الذي يجسد في واقعنا نهضة، يرسم بما فَعَل وَفُعِلَ بهِ لوحة عشق وإيمان، مع سيدهِ وأخيه كي يُحكى عن قصته إلى العالم، ويروي التاريخ أمجاد حياته، احتار قلمي عن هذا البطل كيف يكتب وكيف يعبر؟ احتار قلمي وفكري، وبادراني بالسؤال: أيها الكاتب، احترنا في هذا البطل؟ هل تريد أن نكتب عن شجاعته كفارس؟ أو عن طاعته لسيده وأخيه؟ أو عن أخوتهِ وغيرته؟ أو عن كفالته وهو الكافل؟ أيها الكاتب، أنا قلم أخط ما يبادرني بهِ فكرك، لكن فكرك حيرني ولم أعرف ما أخط! قُل لي أيها الكاتب من هذا البطل؟ ودعني أكتب عنه كلمةً يُعرف بِها دون أن أُطيل على قارئي؟! (الكاتب): أنا احترت أيضاً أيها القلم ولم استطع التفكير، خيالي وكلماتي عجزت أمامه، ألا تُساعدني فأكتب أيها القلم والقارئ سيفهم معنى كلامي حتى وإن كان قليلً.. اكتُب (عباس راعي الجود جاد بنفسه).
اخرى