تشغيل الوضع الليلي

ابني يريد الزواج بغير محجبة!

منذ 5 سنوات عدد المشاهدات : 7526

بقلم: نجلاء المياحي
من أسئلتكم
السؤال: ابني أصبح شاباً ويريد الاقتران بفتاة ليست محجبة، وصارح شقيقته بالأمر، لأنه يخشى ردة فعلنا _ أنا وأبيه_ لو اطلعنا على قراره، وشقيقته طلبت منه أن يشترط على الفتاة ارتداء الحجاب، فقال: إنها لا تقبل بذلك، كما أن أهلها لا يحبون الحجاب.
وقال أيضاً: إن الأمر ليس مهمًا فهناك من لا ترتدي الحجاب وهي عفيفة، وهناك من ترتدي الحجاب وليست عفيفة، فلمَ أشترطُ عليها الحجاب وأنا أعلم مدى عفتها...
ساعدوني لإقناع ابني الضال هذا...
الجواب:
أول كلامنا سيكون معك عزيزتي الأم…
عليك أن تعلمي أن الشاب الواقف أمامك لم يعد الطفل الذي ولدتيه قبل عشرين عاماً، حاولي أن تتقبلي الأمر رغم صعوبته عليكِ.
كلنا نشعر أن أبناءنا مهما كبروا، فبدون إشرافنا لن يُلحقوا بأنفسهم إلا الضرر، وشفقتنا عليهم وهم صغار لا تتغير مهما تقدموا في العمر، الأمر الذي يكون في بعض الأحيان سبباً في تعاستهم في الحياة دون أن يكون قصدنا ذلك.
إن الابن بعد البلوغ يشعر أنه أصبح كبيراً بما يكفي ليعرف الخطأ والصواب في كل ما يعترضه أو يقدم عليه، ولهذا يكون دائم العناد مع والديه، فكلما منعاه من شيء أصرّ على القيام به، وكل ذلك ليثبت لهم أنه كبير.
وهذا واضح من خلال كلامك عنه أنه خائف من إخباركما بنيّته، وهذا الخوف مبشّر جيد ، إذ يُشير إلى أنه يحترمكما ويريد رضاكما مع إرضاء نفسه وإثبات وجوده لكما.
فهو من جانب يريد أن يرضيكما، ومن جانب يريد أن يكون كبيراً يتخذ القرارات التي تخصه بنفسه، لشعوره بأنه يجب أن يستقل عنكما.
قد يكون السبب في ذلك أنكما لم تعاملاه بشكل جيد في فترة المراهقة، ولم تشعراه أنه مستقل وهو لكم وزير تستشيرانه وتعتمدان عليه، كما ذكر رسول الله (صلى الله عليه واله): (دع ابنك يلعب سبع سنين، ويؤدب سبع سنين، والزمه نفسك سبع سنين فإن أفلح وإلا فلا خير فيه) (١).
فجعله يلجأ للتمرد والثورة عليكما لإثبات الذات ولو بتدمير نفسه وحياته.
إذن الآن عليكما أن تتعاملا معه بحذر شديد، ولا تجرحاه وتتصرفا معه كطفل بأسلوب: لا يعني لا!
أنتِ -بالخصوص- عليكِ أن تكوني له صديقة محبة ومرشدة، اكسبي ثقته عبر عدم الاعتراض على كل ما يفعل، دعيه يخترْ وحده، وإن سقط أمسكي يده وساعديه على النهوض.
إن ترك أبناءنا يدبرون شؤونهم بحرية تجعل ثقتهم بأنفسهم أكثر وإطاعتهم لنا أعمق، فلا بأس بأن نتقبل قراراتهم -التي نعلم بأنها خرقاء وستضرهم- إن لم يقنعوا بما نريد.
نعود لسؤالك عن موضوع الزواج:
أولاً: بادئ ذي بدء عليك بالإطراء على خطوته وقراره كثيراً، وأشعريه إنكِ فرحة بأنه صار رجلاً يريد أن يتزوج وأن يستقل في حياته، وإنكِ عشت لتريه عريساً و...
هذا سيسعده بشكل لا يمكن أن تتصوريه، سيشعر أنه حصل على بغيته، وهي لفت نظركِ إليه وكسب تقديركِ واحترامكِ له، و كما يقال: أرضي غروره الرجولي قبل أن تأمريه.
ثانياً: وهو الأهم: أن عليك الدعاء لولدكِ بالصلاح والهداية والتوفيق فلا معين ولا هادي سواه تعالى، الشارع الحنيف أكّد كثيراً على أهمية الدعاء للأبناء من قبل آبائهم ومدى تأثير الدعاء في اصلاحهم.
روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (ثلاث دعوات لا تُرد: دعوة الوالد، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر).
فلا تقصري بالدعاء له في صلاتك وبعدها، ادعي له ما استطعتِ ليصلحه الله تعالى لكما والله تعالى لا يرد عباده الصالحين.
ثم اكتبي له رسالة أو كلميه بصورة مباشرة إن كان ممن يمكنه الإصغاء لكِ فالكلام أفضل، وقولي له:
ابني الحبيب يا مهجة قلبي وثمرة فؤادي، لا زلت أذكر كل اللحظات التي قضيناها معاً منذ حملت بك وحين كنت صغيراً وحتى كبرت وصرت رجلاً.
حمداً لله أن عشت لأرى ابني العزيز اصبح شاباً وسيماً يملئ السمع والبصر، يمكنني أن افارقه باطمئنان لأنه صار يعتمد على نفسه ويمكنه أن يتخذ القرارات التي تكون في مصلحته.
بعد أن رأيت هذا اليوم سيمكنني أن أرقد بقبري بسلام لو وافاني الموت الذي لا بد منه...
هذه العبارة ستهز كيانه ومشاعره، أولادناً لا يتحملون فكرة أننا راحلون عنهم أبداً، لذا يلجؤون إلى نسيان الأمر، ذكريه به ليلين قلبه لكِ ويسمعكِ أكثر.
أكملي معه التالي:
جُل ما أريد أن تعلمه أنك ابني وروحي، سواء كنت كبيراً أو صغيراً مخطئاً أو مصيباً وأنا معك دوماً.
ابني العزيز، الآن وقد أصبحت شاباً راشداً، اعلم أن ولايتنا عليك صارت محدودة ويمكنك أن تفعل ما تشاء شرط أن لا يكون فعلك مؤذياً لنا حتى لو كان يخصك، فأعظم الناس حقاً عليك والداك، قال (صلوات الله عليه وآله) في جوابه لأحدى المسلمات: يا رسول الله من أعظم الناس حقاً على الرجل فقال (والداه)(٢).
وجاء في حديث قدسي (إني أنا الله لا إله إلّا أنا من رضي عنه والداه فأنا منه راض، ومن سخط عليه والداه فأنا عليه ساخط) (٣).
أبعدك الله من عقوق الوالدين كل البعد وأرضانا عنك ما حيينا وأدعو الله أن لا أراك نادما أبداً.
الآن أريد منك أن تتأمل كلامي وخذ بمشورتي، فما ندم من استشار.
لقد أبلغتني شقيقتك بكلامك، وإن كنتُ أتمنى لو صارحتني أنا بالموضوع بنفسك وناقشتني فيه، لكن لا بأس، فشقيقتك لا تقل محبتها لك عني إن شاء الله تعالى.
كلامك وَرَدَ فيه الكثير مما ينبغي أن نناقشه معاً.
وارتأيت أن أجعل النقاش على نقاط لنفصل كل مسألة على حدة ونفهم وجهات نظر بعضنا بشكل أدق.

أولاً: سأتطرق لمسألة مهمة طرحتها في كلامك، ألا وهي: (هناك الكثير من غير المحجبات وهن عفيفات والكثير من المحجبات غير عفيفات فلو تزوجت من سافرة لا يعني أنها ليست عفيفة).
دعني أخبرك أن كلامك أثار استغرابي كثيراً، كيف يمكن أن تفكر بهذه الطريقة وأنتَ ما عليه من عقل وفهم؟
من قال: إن المحجبة ترتدي الحجاب لتبدو عفيفة؟! أو من قال: من خلعت حجاب رأسها ليست عفيفة؟
وهل إن من كانت عفيفة يسقط عنها وجوب الحجاب؟!
وهل إن الحجاب شُرّع فقط للتمييز بين العفيفة وغير العفيفة؟
من يمكنه أن يحيط علماً بأحكام الله تعالى سواه؟
لا أظنك انجرفت مع تيار اللذين لا عقل لهم بتفسير أحكام الله تعالى وإعطاء علل لها وتصنيف عللهم أنها العلة الحقيقية متناسين أنهم لن يحيطوا بربهم وبعلمه وهو محيط بهم؟
هم مخلوقون له وهو الذي يعلمهم من علمه ما شاء ويخفي عنهم ما شاء، (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً.)
ثم هل تظن أنه يمكننا الحكم على الناس وتصنيفهم: هذا عفيف وهذا غيره؟
مسألة الحجاب يا عزيزي أعلى من هذه الجزئيات البائسة.
المحجبة تبرهن على التزامها بدينها وخضوعها لله تعالى، وأنها جاريته لا تتبع سواه ولا يخدعها بريق السراب يحسبه الضمآن ماء.
ومن لا تتحجب تبرهن على تمردها على الله تعالى وجرأتها عليه وعدم رجاحة عقلها وانخداعها بتقليد الفنانين والغانيات اللعوب اللاتي كانت أرخص بضاعة يقدمْنها للبيع هي اجسادهن، فأغلبهن جاهلات خُدعْن، وعلينا أن نشفق عليهن وندعو لهن بالصلاح.
فلا مجال لقياسك هذا بهذا إطلاقاً، فكما توجد عدة مرتديات الحجاب غير عفيفات توجد مثلهن وأكثر ممن لم ترتدِ الحجاب ولا تملك من الحياء حتى رسمه، وأنت أعرف الناس بهذا فلا تخادع نفسك بهذا الكلام.

ثانياً: عليّ أن أبارك لك خطوتك بطلب الزواج، فهو أمر محبّب في الشريعة وإكمال نصف دين المرء، قال رسول الله (صلى الله عليه واله): (ما بُني بناءٌ في الاسلام أحب إلى الله من التزويج) بارك الله بك لسعيك لما يحب ويرضى.
واعلم إن لك الحق بالزواج مستقلاً عن رأي والديك، فأنت بالغ وراشد ولو كنت غير ذلك لما أجاز لك الشرع بهذا الأمر.
وإنّ حدّ طاعتك لنا كأبوين بما يحسن العشرة وبما لا يكون خلاف أمرنا النابع من شفقتنا عليك، واعلم أنك إن لم تقنع أباك بمن تريد الزواج منها، فإنك ستؤذيه، بما أن من اخترتها ليست كفوءة لك، وأن رفضه نابع من شفقته عليك فستكون آثما عند الله تعالى، أوَ تظن أن زواجاً قام على إثم وعصيان يباركه الله ويجعل بينكما مودة ورحمة لتستمرا مع بعضكما مدى الحياة؟
كلا لن يكون ذلك قال تعالى (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
ثالثًا: صعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنبر يوماً وقال: ( أيها الناس إياكم وخضراء الدمن
قيل وما خضراء الدمن؟ قال (صلى الله عليه وآله): المرأة الحسناء في منبت السوء) .
هل فطنت لما يريد النبي الأكرم ولي أمر كل مؤمن أن يبين لك؟
إن الزواج مهما كان عظيماً في الشريعة فلابد أن نراعي فيه مَن نتزوج.
تزوجْ، لكن اختر بعناية، فليست كل من خلقها الله تعالى أنثى صالحة لتكون زوجة.
الزواج ليس شراكة مالية تنتهي بأجل محدد، أو عقد ايجار ينتهي بحلول سنة، الزواج شراكة جسدية وروحية بين إنسانين مختلفين تماماً قررا الاتحاد، فانظر مع من تريد أن تتحد معها ما بقي من حياتك.
إن كلمات العقد الشرعي قد اعتبرها الله تعالى الميثاق الغليظ قال تعالى (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا)، لأنك بهذه الكلمات ستعيش معها مدى الحياة وتنجب منها الأبناء ويستمر وجودك.
فكن دقيقاً لمن تعطي الميثاق الذي ستقف عليه طويلاً بين يديه تعالى.
رابعاً: اعلم بني أننا الآن نعيش في القرن الحادي والعشرين، لا تظن أن بإمكانك كأسلافك أن ترغم زوجتك على العيش كما تريده وترتضيه.
فالناس أدركوا جيداً أن الله أعطى حرية الاختيار للإنسان ذكراً كان أو أنثى وليس لأحد سلطان على أحد.
فزوجتك ستتصرف وتفعل وتتقيد بما تريده وتقتنع به هي، لا بما تريد أنت أن ترغمها عليه، قد تقول إني سأقنعها، حسناً، وماذا إن لم تقتنع؟
هل فكرت بهذا الأمر؟
أنا أيقنت أنك محب لها بعد قبولك الاقتران بها مع ما هي عليه من مخالفة قطعية للشريعة، ويقينك برفض أبويك لهذا الزواج، فأنت لأجل الوصال صرت مستعداً للتخلي عن كل شيء حتى رضا الله تعالى ووالديك، وأن تقع بالعصيان والذنب وتخاطر بمصير أبنائك وسمعتك بين الناس... مع أنك جعلت لقاء كل هذا ثمناً بخساً جداً، كان عليك أن تطلب عرش سليمان النبي لقاء كل هذه البضاعة التي بعتها.
لكن ماذا عنها؟
فكّرْ معي، ما الذي تخلّت عنه لأجلك؟ لم تستطع أن تضحي برأي والديها وتتحجب محبة فيك واحتراماً لك، هل ستظن أن بإمكانك إقناعها بعد الزواج؟
من لا يعطيك درهمًا هل سيهديك سيارته؟
أعد هذا السؤال على نفسك مراراً: ماذا لو رفضت الحجاب ولم تقتنع برأيك كيف ستتصرف؟
تخيل الموقف وأكتب حلك لها.
هل ستضربها وترغمها بالتهديد على الحجاب؟
هل تظن أن الضرب يرغم الإنسان على الطاعة كما يرغم الحيوان على الرضوخ؟
هل نسيت أن الإنسان حريص على ما مُنع، وأنه لو أراد شيئًا فلا يمكنك أن تفعل شيء سوى التفرج؟ وقوة الضرب لن تذيب قناعات الشخص وصلابة إرادته.
هل تبادر للطلاق؟ هل الطلاق أمر هين يمكنك أن تجريه وقت تشاء أينما تشاء؟
وإن كان بينكما أولاد وانفصلتما، هل ستترك أبناءك يدفعون ثمن اختيارك الخاطئ بالزواج من أمهم ثم الاختيار الخاطئ بإنهاء هذا الزواج؟
حسناً، لم يبق إلّا أن تصبر مدى حياتك على العيش مع امرأة تشعر بالعار منها اجتماعياً، لأن الناس لن تحترمك وأنت لا يمكنك حتى أن تختار لك زوجة تشاطرك طريقة حياتك.
زوجتك التي لا تتحجب بالتأكيد ستكون مضطراً للخروج معها إلى أماكن والسفر معها والتجوال، فهي ليست قطعة أثاث في منزلك يمكنك ان تخبئها، هل ستتحمل نظرات اصدقائك لساقيها وجسدها الذي تكسيه ألوان الثياب لا الثياب؟
ولو تجرأ أحد على التحرش بها بحجة -المجاملة- هل ستتحمل الأمر وتعتبر قوله لها: لم أر أروع منكِ وأكثر رشاقة وأجمل شعر... مجاملات لا تخفي وراءها الانتقاص منك لأنك لا تستحق الاحترام لمسايرتك امرأة ليست من شأنك؟!
ناهيك عن عذابك النفسي وتوقك لزوجة تكون كما تحب تفتخر بها أمام الناس، تخرج معها لكل مكان دون أن تُحرج من ملابسها وتقليدها الأعمى لملابس المغنيات والفنانات الرخيصات.
زوجة يؤلمك غيابها ويسرك حضورها، تتوق لوجودها دوماً، حتى حين نموت لا تشعر معها بأنك اصبحت وحيداً بعد عائلتك، تبقى بجانبك دوماً تعمل المستحيل لأجلك .
ابني، الزوجة أمك حين تحتاج الحنان، وأختك حين تحتاج اللطف والثقة، وعشيرتك حين تشعر بالغربة، وأبوك حين تحتاج الأمان.
أن لذة العيش مع امرأة يمكنك أن تسعد معها لا تعادلها لذة العيون الخضراء والجفون الناعسة لمن اردت زوجة لك رغم كل مساوئها الأخرى.
المشاكل بينكما نتيجة اختلاف الراي ستكون أساس حياتكما بدل المحبة والمودة.
دعني أروي لك قصة صديقين درسا في أوروبا وأحبا فتاتين أجنبيتين، أحدهما استطاع الاقتران بمحبوبته، والآخر رضخ لرفض والده وتزوج من أخرى تشاطره الرأي والمسلك.
وتمر السنوات والابن يشعر بمقت لأبيه الذي منعه من حب حياته كما يتخيل، حتى صادف أن التقى بصديق الطفولة فسأله عن أحواله غابطًا إياه لاقترانه بمن يحب، في حين تزوج -هو- ممن ليست الحب الأول وأنجب منها، فقال له صديقه: أنت مسكين حقاً هل تظني سُعدت معها بأكثر من شهر… تسأل عن احوالي أي أحوال؟ عن بيتي الذي لا أرى فيه أحدا أغلب الوقت واعود لأُكلم جدرانه؟
عن زوجتي التي ترتدي أي معروض على الشاشات مهما كان فاحشاً ومتعرياً ونكثت اتفاقي معها أن تحتشم بعد الزواج بحجة مواكبة العصر؟ تنتظر ماذا ترتدي جنيفر لوبيز أو كيم ..... وكل سيداتها الرخيصات لتقلدهن بطريقة نسخ لصق؟
عن أبنائي الذين لا أدري من أين أبدأ لك بالشكوى منهم؟
لأني لم أَجِد لهم أماً تربيهم على أن رضى الله من رضى الوالدين؟ عن ابنتي التي انتهجت منهج أمها وأسوء.
دهش الصديق كثيراً وفكر ملياً بكلام صديقه ثم ودّعه راكضاً لأبيه ليقبل قدميه لمنعه إياه أن يخطأ كما أخطأ صديقة، فيعيش تعيساً مدى الحياة.
لكن أنّى، والموت قد خُط على بني آدم مخط القلادة على جيد الفتاة...
فأبوه متوفى وترك له سلاماً بيد إخوته طالباً منه ان يسامحه على منعه من الزواج بالأجنبية لأنه لم يستطع أن يرى ولده يرمي بنفسه من الجبل لأنه ظن أن يمكنه التحليق.
خامساً: أبناؤك عزيزي هل فكرت بهم؟ كيف ستتمكن من أن تجعلهم متمسكين بدينهم وأنت جلبت لهم أماً لا تعترف بدينها؟ كيف ستتمكن من أن تمنع ابنتك من انتهاج سيرة أمها وخالاتها وأن تعيش كما عشت أنت في عائلة محافظة ومتزنة؟
فكّر بكل هذا قبل أن تقدم على ما تريده، يا بني، واعلم أن حزنك على فراقها أيامًا خير لك من العيش بالندم طوال العمر.
وقلبك الذي خفق لها سيخفق لغيرها وأفضل منها، فالإنسان رُزِق النسيان كي يستمر في الحياة، ولولا النسيان لرأيت الناس يفترشون المقابر مع أحبائهم.
وإن كنت تتـأمل إصلاحها فتمهل في الأمر حتى تقنعها، واختبر مدى حبها لك بتنازلها عن هذا الأمر البسيط، فإن الحياة الزوجية دون بعض التنازلات من الطرفين تصبح جحيماً لا يطاق، وحتى لو كانت عائلتها غير صالحة سأحاول أن أقنع والدك بالأمر وأنت تعلم مدى حبه لك وتوقه لزواجك، فدعنا نحاول أنا وأنت إصلاحها إن كنت مصرّاً على إمكانية إصلاحها وعسى أن يهدينا ربنا لأهدى من هذا رشدًا.
ومن ترك شيئًا لله تعالى عوضه خيراً منه.
_________________
1.الكافي في الحديث 1 من الباب 82 .
2. مستدرك الوسائل , ج 14 , ص237.
3. جامع السعادات ج2 ص202.
4. مكارم الاخلاق، ص 203.

اخترنا لكم

حوارٌ مبين في زيارة الأمين (٤)

بقلم: علوية الحسيني/ ودعاء الربيعي "مُحبّةً لصفوة أوليائكَ" ورد عن مولانا الباقر (عليه السلام) أنه قال: إذا أردت أن تعلم أنّ فيك خيرًا، فانظر الى قلبك، فإن كان يحب أهل طاعة الله ويبغض أهل معصيته، ففيك خير والله يحبك، وإن كان يبغض اهل طاعة الله ويحب اهل معصيته فليس فيك خير والله يبغضك، والمرء مع من أحب. وفي حديث عن الامام الصادق (عليه السلام) أنه قال (وهل الدين الا الحب). توضيح: إنّهُ ليــس بمقدور كلّ أحدٍ أن يُحبَّ العبادة ويُحبَّ المعبود مالم يجتز بعض المراحل حتى تتعلق روحه في نور الملكوت، فالله سبحانه أمــلُ المشتاقين، والشـوق هو الذي يجذب الإنسان نــحو الله سبحانه وليس إلى الجنة، فهو أمل المشتاقين، والأمل غير الرجاء. الأمل هو الذي يجعل من الإنسان -الذي لا يتحمل- إنسانًا صبورًا، هادئاً، يأمل الإنسان شيئاً، وآخر يتمناه وهو دائمًا يسعى لأن يحقق ما يتمناه. فالذي لا يشتاق إلى الله لا يصلح أو لا يصح أن نصفه بالشوق؛ فالشوق الصادق وهو الذي لا يرى فيه الإنسان غـير الله سبحانه. في البداية يكون الشوق، ثم يكون العشق. والمشتاق هو الذي لا يملك الشوق بل يطلبه، أمّـا العاشق فهو الذي يملك العشق. هذا هو الفارق بين الشوق والعشق، إذ يقال للعطشان الذي يسعى للوصول إلى عين الماء: أنّه مشتاق للماء، وعندما يصل إلى الماء ويأخذ منه ويحتفظ به يقال له: عاشق الماء، فالشوق قبل الوصول والعشق بعد الوصول. وهذا مثيل حبّ العابد لمعبوده. ويكأنّ الإمام السجاد (عليه السلام) يريد أن يربط الفقرة السابقة من الزيارة (مولـعةً بذكرك) بهذه الفقرة (محبةً لصفوة أوليائك)؛ إذ إنّه (عليه السلام) راعى التدرّج في المحبة، فأوّل درجةٍ كانت لله تعالى ولذكره، وقد عرفنا ذلك في الحلقة السابقة، وثاني درجة هي لصفوة أولياء الله تعالى. إشارة: ما لمراد بصفوة الأولياء في هذه الزيارة المباركة حيث سأل الإمام السجاد الله تعالى ليكون محبًّا لهم؟ ج/ صفوة أولياء الله تعالى هم محمد وآل محمد (صلوات الله وسلامه عليهم). والدليل على ذلك هو أنّ الاصطفاء: "...أخذ صفوة الشيء وتخليصه مما يكدره فهو قريب من معنى الاختيار، وينطبق من مقامات الولاية على مقام الإسلام، وهو جري العبد في مجرى التسليم المحض لأمر ربه فيما يرتضيه له" (1). مع ملاحظة يبقى مقام الأفضلية للنبي محمدٍ (صلى الله عليه وآله) على سائر المصطفين الذين أشار إليهم القرآن الكريم في هذه الآية {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ وغيرها؛ بلحاظ اختلاف درجات الاصطفاء. وقد أشار العلاّمة الطباطبائي (قدس سره) إلى اختلاف درجات الاصطفاء بقوله: "من الدليل على ما ذكرناه من اختلاف الاصطفاء قوله تعالى: ﴿وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين﴾ (آل عمران: 42)، حيث فرق بين الاصطفاءين فالاصطفاء غير الاصطفاء. وقد ذكر سبحانه في هؤلاء المصطفين آدم ونوحًا، فأما آدم فقد اصطُفى على العالمين بأنه أول خليفة من هذا النوع الإنساني جعله الله في الأرض، قال تعالى: ﴿وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة﴾ (البقرة: 30)، وأول من فتح به باب التوبة... فأمّا آل إبراهيم فظاهر لفظه أنهم الطيبون من ذريته كإسحاق وإسرائيل والأنبياء من بني إسرائيل وإسماعيل والطاهرون من ذريته، وسيدهم محمد (صلى الله عليه وآله)" (2). وبدليلٍ آخر: وهو كلام أهل البيت (عليهم السلام)؛ فكما أنّ القرآن الكريم -الثقل لأكبر- يفسّر بعضه بعضًا، كذا كلامهم (عليهم السلام) -الثقل الأصغر-؛ حيث قالت السيّدة الزهراء (عليها السلام) في خطبتها الفدكية: "وأشـهد أنّ أبي محمدًا عبده ورسوله... اصطفاه قبل أن ابتعثه"، فكان دليلاً على ثبوت الصفوة للنبي محمد (صلى الله عليه وآله)، ثم أنّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) يقول في خطبته حين ظهوره: "أنا مصطفى من ابراهيم وصفوة من محمد [عليهم السلام]"، وهذا دليل على تسرية وصف الصفوة من أنبياء الله تعالى ابراهيم ومحمد (عليهما السلام وعلى آلهما) إلى الإمام الخاتم المهدي (عجّل الله فرجه الشريف)، وبالملازمة يكون الأئمة ما بين النبي محمد والإمام المهدي (عليهما السلام) هم صفوة الله تعالى. ولكن هل تكفي محبة الصفوة (عليهم السلام) لدخول الجنة؟ ج/ قال تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُم} (3). وفي حديث روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "وهل الدِّين إلاّ الحب". فكما أن الحب الإلهي غير كافٍ لنيل رضا الله تعالى، كذا حب أوليائه، فلابد من الإيمان. والإيمان هو اقرارٌ باللسان وعملٌ بالأركان، وبالتالي فإنّ من يحبّ الله تعالى قد أقرن معه إيمانًا، وهذا هو الفلاح بعينه؛ بدلالة قوله تعالى {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُون} (4) وسياق الآيات فيما بعدها أعطى سمات المؤمنين، فمن شاء فليراجع. إذًا فالمحبة والإيمان ركنان لا ينفصلان أبدًا، وعليهما الحث مستجمعًا. وعلى هذا كثيرًا ما كان يؤكد الإمام الصادق (عليه السلام)؛ فروي أنّه غالبًا ما يستشهد بقول الشاعر: تعصي الإله وأنت تظهر حبّه.. هذا محالٌ في الفعال بديعُ لو كان حبّك صادقــاً لأطعته.. إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيعُ. أي انّ الطاعة شعبة من شعب الإيمان، ويتفرع عن المحبة الإيمان بكافة شعبه. ولهذا ضلت الكثير من المذاهب بل والفرق التي لم تنتهج منهج صادق أهل البيت (عليه وعليهم السلام)؛ وخير مثالٍ على انحراف من قال بكفاية الحب الإلهي هم الصوفية، تلك الضالة المضلة التي تسوّف لأتباعها منذ ابتداعها وحتى يومها هذا. نعم، إنّ الأحاديث الواردة في فضل حب الصفوة (عليهم السلام) كثيرة وعظيمة؛ منها: ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "ألا ومن أحب آل محمد أمن من الحساب والميزان والصراط" (5). الرواية مطلقة لم تقرن شيئًا مع المحبة. بل وهناك روايات جعلت حب الصفوة استكمالًا للدّين، أي إنّ الدّين بلا محبتهم دينٌ ناقص؛ حيث روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "حبّ أهل بيتي وذريتي استكمال الدين" (6). كيف لا وحبّهم وحب سيّدهم (صلوات الله وسلامه عليهم) هو طريق لحبّ الله تعالى؛ قال تعالى: كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُم} (7)، فاتباع النبي وآله (صلوات الله وسلامه عليهم) طريقٌ لمحبة الله تعالى، ونتيجةٌ لحبّه تعالى لهم. ولو تأملنا في سياق هذه الآية لوجدنا أنّها دليلٌ خاص قيّد الروايات المطلقة في حبّ الصفوة، فالآية جاءت مقيّدة بالإتباع، وهو عينه الإيمان الذي هو اقرار باللسان وعملٌ بالأركان. فكل قيد يذكره الله تعالى في كتابه فهو قاصدٌ من ورائه افهام مخاطبيه، وهو مريدٌ له؛ لتنزهه عن اللغو، فكل ما يقوله يريده، إذًا هو سبحانه يريد منّا ثنائية الولاء بالمحبة والإيمان. لكن هناك الكثير من المغالطات التي وقع فيها البعض، ومنها التسويف بالمعاصي، وتراكم الذنوب دون توبة، اتكاءً على مبرر أنّ حبّ محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم جميعًا) كافٍ لهم، وأنّهم ستنالهم الشفاعة يوم القيامة! غاب عنهم أنّ الشفاعة بإذن الله تعالى، وإن لم يشأ لعبدٍ من عباده دخول الجنة لشاء مهما كان مقام الشفيع؛ فإرادته هي الحاكمة؛ بدليل قوله تعالى: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِه} (8). ومن المغالطات أنّ هناك من يدّعون أنّهم مرحومون مهما فعلوا؛ لأنهم فقط يحبون الصفوة (صلوات الله وسلامه عليهم)! وقد غاب عنهم أنّ هذا المنطق مذموم، كما أخبرنا القرآن الكريم حكايةً عن اليهود والنصارى؛ بقوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاء} (9)، فلا إرادة مع إرادته تعالى. بل والتاريخ يشهد بانحراف الغلاة الذين من اتكائهم على حبهم لأهل البيت (عليهم السلام) نسبوا الألوهية لهم، وقد برئ منهم أمير المؤمنين (عليه السلام) في زمنه آنذاك. ومن تلك المغالطات أيضًا الاكتفاء بمحبة الصفوة (صلوات الله وسلامه عليهم) اعتمادًا منهم على وصية رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) بالمودة بقربته؛ قال تعالى حكايةً: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} (10). غاب عنهم أنّ المودة لابد أن تقرن بالطاعة، فمودة آل محمد (عليهم السلام) لا تكفي من دون طاعة أوامرهم، وطاعتهم هي طاعة الرسول (صلى الله عليه وآله)، وطاعة الرسول (صلى الله عليه وآله) هي طاعة الله تعالى؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (11). بل وقد صرّح الصفوة (صلوات الله وسلامه عليهم) بالبراءة ممن أحبهم دون طاعة الله تعالى؛ حيث روي عن جابر بن يزيد الجعفي قال: "خدمت سيدنا الإمام أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام ثمانية عشر سنة فلما أردت الخروج ودعته وقلت له: أفدني. فقال: بعد ثمانية عشر سنة يا جابر! قلت: نعم إنكم بحر لا ينزف ولا يبلغ قعره. قال: يا جابر بلّغ شيعتي عني السلام وأعلمهم أنه لا قرابة بيننا وبين الله (عز وجل) ولا يتقرب إليه إلا بالطاعة له، يا جابر من أطاع الله وأحبنا فهو ولينا ومن عصى الله لم ينفعه حبنا..." (12). والخلاصة: أنّ منهج صادق العترة (عليه السلام) هو قولٌ كان دائمًا يردده، ناصحًا به أتباعه: "يا معشر الشيعة إنكم قد نُسبتم إلينا، كونوا لنا زينًا، ولا تكونوا علينا شينًا"، فالكمال هو اقران المحبة مع الإيمان، عندئذٍ يسمى المرء شيعيًّا، ولهذا ابتدأ خطابه بالنداء لمعشر الشيعة، ولم يقل: يا معشر المحبين؛ فالشيعة يعني الإتباع، والإتباع لازمه العمل، وهو الإيمان بشرطه وشروطه. وهنا سؤال: كيف تتجلى مظاهر الذوبان في حب الله وحب اولياء الله عند الفرد المؤمن وكيف ينعكس ذلك على سلوكه الديني والاجتماعي الاخلاقي؟ ج/ تتجلى بالاتباع، وذلك يحصل: بخلوص الإيمان. معرفة الله تعالى واوليائه. دوام الذكر. التوبة. طاعة أهل الطاعة. مكارم الأخلاق. محاسن الأعمال. اخلاص المحبة. ______________ (1) الميزان في تفسير القرآن: للسيد الطباطبائي. (2) المصدر نفسه. (3) آل عمران: ٣١. (4) المؤمنون: ١. (5) فضائل الشيعة: للشيخ الصدوق، ١/٤٧. (6) أمالي الصدوق: للشيخ الصدوق، ١/١٦١. (7) آل عمران: ٣١. (8) البقرة: ٢٥٥. (9) المائدة: ١٨. (10) الشورى: ٢٣. (11) النساء: ٥٩. (١٢) الأمالي: للشيخ الطوسي، ص ٢٩٦. والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

البيان والبلاغة في كلمات أهل البيت عليهم السلام
منذ 4 سنوات
1525

ما هو معنى أن الله تعالى موجود في كل مكان؟

من أسئلتكم بقلم: حنان الزيرجاوي إذا كان الله في كلّ مكان كما قال الإمام عليّ (عليه السلام)، فهذا يعني أنّه في دورات المياه، والعياذ بالله! الجواب: ينبغي الالتفات إلى أن للسؤال فنه وقواعده، ومهما بدا مقبولاً فإنه قد يكون مبنيًا على مغالطة لا يلتفت لها صاحبه، والسؤال الخاطئ لا يمكن أن يجاب عنه بإجابة صحيحة مباشرة، بل لابد من توضيح المقدمات اللازمة حتى يمكن الوصول إلى إجابة ترفع الإشكال، وفي نفس الوقت توضح المغالطة في السؤال، ومن هذه المقدمات هي:- 1/هناك أمور كثيرة يؤمن بها الإنسان ولا يراها بأم عينه، وإنما يستدل عليها بفكره ومنطقه عن طريق رؤية آثارها، مثل الجاذبية التي لا نراها ولكننا نعرف وجودها الأكيد عن طريق جذبها للأشياء، وكذلك وجود الكهرباء التي لا نراه بالعين لكننا نؤمن بوجودها ونرى آثارها في المصباح المنير وفي الآلة التي تعمل بالكهرباء. 2/ هناك أشياء لا نراها ولا نلمسها فنظن أنها غير موجودة، ثم يأتي العلم فيكشف لنا عن وجودها، وهذا معناه أن عدم معرفتنا لها لا يلغي وجودها. فقطرة الماء الصافية إذا نظرنا إليها لا نرى فيها شيئا، لكننا إذا نظرنا إليها بواسطة المجهر (الميكروسكوب) فأننا نرى بحرا تسبح فيه عشرات الأجسام الحية والحيوانات الصغيرة. 3/ لا يخفى أنّ الموجود إمّا مادّي، وإمّا غير مادّي. والموجود المادّي، هو: الموجود الذي له مادّة وجسم - أي له أبعاد ثلاثة: طول وعرض وعمق - والجسم يستدعي كونه في مكان خاص وجهة خاصّة، ولا يمكن للجسم أن يكون في مكانين أو جهتين أو أكثر، وإلاّ لصار جسمين أو أكثر لا جسم واحد. والموجود غير المادّي، هو: الموجود الذي ليس له مادّة وجسم، بل هو مجرّد مفارق للمادة، فهو ليس له مكان خاص ولا جهة خاصّة، إذ لا يخضع لقانون المادّة، ومنها: المكان. بعد هذه المقدّمة، نقول: إنّ وجود الله تعالى وجود غير مادّي، فهو موجود في كلّ مكان، وفي كلّ جهة، لا بمعنى التحّيز والمحدودية، بل بمعنى الإحاطة القيومية والإشراقية، ولا يكون إلى مكان أقرب من مكان، بل نسبة جميع الأمكنة إليه سبحانه وتعالى على السواء؛ قال تعالى: (( وَللّه المَشرق وَالمَغرب فأَينَمَا توَلّوا فثَمَّ وَجه اللّه إنَّ اللّهَ وَاسعٌ عَليمٌ ))، (١). أي: إنّ الله تعالى يملك ما بين المشرق والمغرب، فله تعالى السلطة والقدرة على ما بينهما، فأينما توجّهوا وجوهكم، فثَمَّ وجه الله، أي لا يخلو منه تعالى مكان ولا جهة، وقد وَسِعَ كلّ شيء قياماً وإشراقاً وعلماً وقدرة ورحمة وتوسعة على عباده، وعليم بمصالح الكلّ، وما يصدر عن الكلّ في كلّ مكان وجهة، ولا يخفى عليه خافية. وقال تعالى: (وَنَحنُ أَقرَبُ إِلَيهِ مِن حَبلِ الوَرِيدِ)،(٢) وجاء في (الاحتجاج) للشيخ الطبرسي، في ذيل هذه الآية: ((فقال ابن أبي العوجاء: ذكرت الله فأحلت على الغائب. فقال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): (ويلك! كيف يكون غائباً من هو مع خلقه شاهد، وإليهم أقرب من حبل الوريد، يسمع كلامهم ويرى أشخاصهم، ويعلم أسرارهم؟!). فقال ابن أبي العوجا: فهو في كلّ مكان، أليس إذا كان في السماء كيف يكون في الأرض، وإذا كان في الأرض كيف يكون في السماء؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): (إنّما وصفت المخلوق الذي إذا انتقل من مكان اشتغل به مكان، وخلا منه مكان، فلا يدري في المكان الذي صار إليه ما حدث في المكان الذي كان فيه، فأمّا الله العظيم الشأن، الملك الديّان، فلا يخلو منه مكان ولا يشتغل به مكان، ولا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان) (٣). إن الإيمان بوجود الله وبقدرته هو رأس الإيمان، والأصل الذي يتفرع عنه كل إيمان آخر. والإيمان بالله هو إيمان بوجود لا يحدّه شيء وليس كمثله شيء. ونحن نستدل عليه من آياته في الكون والطبيعة والإنسان: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) (٤). إذن مسألة الإيمان بوجود الشيء هي مسألة متكاملة، هي إيمان بما ترى، وإيمان بما لا ترى ولكن ترى آثاره، وإيمان بما تستدل عليه، كما أنه إيمان بعالمين: عالم الغيب وعالم الشهادة. ومع الإيمان يأتي التصديق، والتصديق نوعان: تصديق بالأصل، وتصديق بالكيفية، وعدم علمك بالكيفية لا يلغي تصديقك بالأصل. وبعد هذا البيان يتّضح الجواب عن سؤالكم، فالموجودية ليست موجودية مادّية، بل هي موجودية غير مادّية، فهو تعالى مطّلع عليها، ولا يخفى عليه منها شيء، وله السلطة والقدرة عليها، وإلاّ يلزم جهله بها. _____________________ ١-سورة البقرة الآية:١١٥ ٢-سورة ق الآية :١٦ ٣-الاحتجاج: ج2 ص75 ٤-سورة فصلت :الآية ٥٣.

اخرى
منذ 5 سنوات
6821

عرّفني حجّتك

بقلم: زهراء حسام عند كل مناسبة دينيّة الأجدر بنا وبها هو الاستفهام من ضمائرنا، هل نحن في عامّة الأيّام والشهور كنّا في حالة ترجمة لمشروع صاحب هذه المناسبة؟ وكم سيتأكّد السؤال ويصعُب وقعُه عند طرحه في المناسبات الخاصّة بالإمام الثاني عشر، ومَكمن الصعوبة عندما يكون السؤال متعلّقاً بالشريحة التي ينتظرها الإمام للقيام بالأمر المُرتقب، وهم الشباب، وهل أن قاعدتهم بالمستوى الذي يُناسب أمر القيام؟ لو ذهبنا بعيدًا عن المشكلات الأخلاقية والاجتماعية التي تُمنى بها هذه الشريحة، وهي مشكلات معلومة الحلول (وإن تأخروا وتثاقلوا في تطبيقها) الى مشكلات تتعلّق بأصول الدين، تتمثل بالفكر والعقيدة. ما نلاحظه في بعض الطبقات الشبابية الساعية الى التطوير الفكري والثقافي بأن هناك طموحاً لديهم نحو التجديد والحداثة، تجديد يصل في أحيان كثيرة الى مستوى خروج مفهومٍ ما مِن المفاهيم الدينية عن معناه! فيصير غيره لا هو! ما عادوا يريدون ديناً يحظر الاختلاط بين الجنسين، ولا يعطي أهمية للحجاب، يريدون غناءً محللاً وعباداتٍ مألوفة للذوق مما يشتهون. لا مقدّس وإن ارتبط بالله، لا عقيدة غير مستوعَبة لعقولهم وإن نزل بها كتاب مبين، لا يريدون ثابتاً، بل.. لا يريدون حقيقة! يريدون ما يريدون هم فقط.. هكذا، بمعية البعض ممن افترش لهم مائدة الإرادات هذه لينتقوا منها ما لذ وطاب! مثلاً.. وبحكم التواجد في الجامعة أعرف بعض الطّالبات ممن هنّ بعيدات عن الدين وأجوائه ورجالاته، قد استغرقن في المسلسلات والغناء، شُغلهن مراقبة الوقت للتسمّر أمام التلفاز ومشاهدة كل ما لا ينفع.. فجأة تتحول الى مدوّنة تكتب ضد ثوابت وكُبريات الدين، فجأة نسمعها وعند زيارة مرقد سيد الشهداء تقول لزميلاتها: لماذا تُمسكن بالشباك، هذه خرافة! سبحان الله! أ في هذه الحالة من حالات كثيرة مشابهة أأتي وأقول أن المشكلة سببها "رجال الدّين" أو "المؤسسة الدينية" أو "الخطاب الديني" وهي وأمثالها مكانها قصيّ عن الدين برُمّته ولا تلتزم بأصغر مسألة فيه لتأتي وتفنّد وتُخرّف قضيّة عقائدية.. لماذا؟ لأنها قرأت وبحثت؟! كلا ومن أين؟ لأنها جلست في مجلس أحد علماء الدين في الحوزة ولم يقنعها فتبرأت من الدين، أو أنه استخدم أسلوباً جافاً معها فانتبذت الى غير هذه الملة؟ [وهل أن فضاضة الأسلوب مبرر لعقلها ولضميرها خروجها من الدين]؟ هي لم تستمع للمحاضرات فنفرت من رتابتها واستهلاك مواعظها، ولستُ في مقام الدفاع وأعترف أن هناك ركاكة فظيعة لدى بعضهم لا تُشجّع على الاستماع لمقولاتهم فضلاً عن الامتثال لها. هي لم تقرأ أصغر كتاب عقائدي فما الذي حدى بها الى ترك تراثنا الكبير واللجوء الى .....! لا هذا ولا ذاك.. تلك وأمثالها إنما وجدوا رأياً شاذاً لبعض المؤلفين "الكبار" ممن زجّوا بأنفسهم في ميدان الاختصاص وهم غرباء عنه، مؤلفين يرسمون الدين باللون "الوردي" هم بارعون جداً في ميادينهم، لا أدري لماذا يحشرون أنفسهم في غيرها، بل لماذا نأخذ منهم علم الكلام وأساسيّات ديننا؟! لماذا أأخذ منهم "شريعتي" وهناك منابع أصيلة لها؟! وقرأوا رأيًا آخر لشيخ فيسبوكي يخيط العقيدة والفقه بالفصال والموديل الذي يريده المعجبون والمعلّقون! ثم.. رويدًا رويدًا يترك الشاب ثوابته ويرد عليها، ولا تقنعه بديهياتها ثم ينبذ كل شيء ويصير ملحدًا، فينتج عندنا شابٌّ لا يعرف دينًا ولا ربّاً، بل لا يعرف نفسه. لماذا، لماذا لا يجتهد هؤلاء لردّهم لأصولهم؟ لعلوم دينهم التي تديّنا بها وسرنا عليها منذ زمن الأئمة والغيبتين وعلى امتداد الخط العلمائي؟ نعم، فالدين لا يختص بحقبة زمنية ولا بمرجع معيّن حتى نُفرغ عليه غضبنا إذا ما كرهنا زماننا أو اختلفنا مع مرجعيّته! هناك أمر تعوّدناه في الشريعة، نعم في الشريعة ذاتها لا عند المتشرعة فقط حتى نشكك فيه، وهو خفاء بعض أو كثير من علل أوامرها ونواهيها، بل حتى إذا ما لاحظنا سيرة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فهم كثيراً ما اتخذوا مواقف لم يعللوها بعلل، وما صار لهم حواريّون من أصحابهم إلا لشدّة التسليم في تلك المواقف والانقياد دون تمرّد وسؤال.. فهل هناك قاعدة شبابية بهذا المستوى ينهض بها الإمام عند قيامه بالأمر العظيم؟! في هذا المقطع من دعاء زمن الغيبة تشخيص للمشكلة مع سلسلة حلولها: "أَللّهمَّ عرِّفْنِي نَفْسَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ رَسُولَكَ، أَللّهمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ، أَللّهمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي".

العقائد
منذ 5 سنوات
3948

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
71250

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
52329

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41925

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
37328

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
34053

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32535