تشغيل الوضع الليلي

الإعجاز العلمي في القرآن الكريم

منذ 5 سنوات عدد المشاهدات : 2094

بقلم: محمد حسن آل حيدر
كثر في الآونة الاخيرة استدلال بعض الأخوة المؤمنين بالعلم الحديث واكتشافاته على صحة ديننا الحنيف وصدق كتابنا العظيم (القرآن) لأنه أشار إلى هذه الحقائق العلمية قبل اكتشافها بقرون وذلك دليل واضح على أنه ليس كتابًا بشريًا بل أنه صادر عن عليم خبير يفوق بقدرته وعلمه جميع البشر ويشكل – بذلك – وجه إعجاز لهم أن يأتوا بمثله.
وكثر من جانب اخر اعتراض كثير من الناس والتيارات على هذا الاستدلال ومحاولة ابطاله بطرح اشكالين اثنين :
1- إن القران كتاب هداية ورسالة دين، لا كتاب علم واكتشافات لكي يذكر ما ليس يدخل في اختصاصه.
وقد رد عليهم بعض الأخوة بآية "وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ" قائلًا: إن فيها دلالة واضحة على شمول القران الكريم لجميع العلوم والفنون وأنه يتكلم في كل شيء.
فردوه بأن "كل شيء" هنا لا يقصد بها الكلية المطلقة لجميع الاشياء بل يقصد بها كل ما من شأنه أن يدخل في باب الهداية والدين من الاشياء ، فكما أننا نقول: إن هذا البيت أُثث بكل شيء ولا نعني انه اثث بجميع ما في الوجود من اشياء، بل نعني انه اثث بجميع ما يحتاجه البيت من اشياء ، فكذلك الحال هنا .
2- إن القران لو كان قد تكلم عن هذه الحقائق فعلا فلماذا نرى المتمسكين بهذا الرأي لا يخبروننا بما سيكتشفه العلم قبل أن يكتشفه؟ (اي يخبروننا بما اخبرهم به القران من اكتشافات مستقبلية) ويكتفون بأن يخرجوا لنا نصوصا من القران تخبر بالاكتشاف بعد أن يكتشفه المختصون واقعًا (أي يخبرون بالحقيقة بعد اكتشافها)، لماذا لم يدلّهم القران على الحقيقة إلّا بعد أن توصلوا لها واقعًا بالعلم الحديث؟
ولأجل الإجابة على هذين الإشكالين نقول:
إن القران الكريم لما كان كتاب هداية ورسالة دين من الله تعالى كان يجب أن يحمل معه ما يدعو سامعه إلى التصديق به والتصديق بصدوره عن الله تعالى ، فكان ذلك الداعي هو الجانب الإعجازي فيه (فالبشر حين يعجزون عن الاتيان بشيء يدركون انه صادر عن قوة اكبر منهم ويكون ذلك مؤيدا لتصديقهم بصدوره عن ربهم فيصدقونه) وكان الجانب الاعجازي في القران الكريم حين زمن نزوله هو الاعجاز البلاغي الذي فيه .
ثم ان القران لما كان خاتما للرسالات السماوية وكان الدين الذي يحمله هو خاتم الاديان الذي يجب ان يستمر الى آخر الدنيا استوجب ان يكون فيه داع للتصديق به مستمر معه على طول زمن بقائه لضمان استمرار فاعليته في الهداية وحجيته على البشر ، فلزم ان يكون ذلك الداعي متجددا في جميع الازمان وفاعلا في جميع الظروف ، فكان ((الاعجاز العلمي))، فهو يحوي إخبارات بحقائق علمية متنوعة سيكتشفها البشر فيما بعد في أزمان مختلفة ليكون اكتشافهم ذلك - بتوافقه مع الاخبار- كاشفا عن صدق المخبر وأعجازه وبالتالي داعيًا إلى التصديق به.
ثم إن كون القران الكريم كتاب هداية ورسالة دين لا ينافي أبدًا بل ويستلزم في بعض الأحيان الإخبار بالعلوم المختلفة لما فيها من دخالة في الهداية بما تحويه من دلائل على وجود الخالق تعالى (مثلا)، أو بصحة احتمال تحقق معاجز الأنبياء السابقين (عليه السلام) التي اخبر عنها هو، أو بما في ذلك من اعجاز (كما تقدم) ... الخ.
وبهذا تتبين صحة هذا الاستدلال وبطلان ما ورد عليه من اشكالات.

اخترنا لكم

طريقُ النجاة

بقلم: تركية الزيادي مولاي يا أبا عبد الله، جراحُك ما زالت تنزفُ رغمَ السنين والأيام.. والسيفُ ذاته مازال مُسلَّطًا على رقابِ المُصلحين.. لكنَّ صوتَك مازالَ يصمُّ آذانَ الطغاةِ، ويُقلِقُ مضاجعهم.. فمُجرّدُ ذكرِ اسمِك بركانٌ يثورُ، يُدمِّرُ، يُحطِّمُ الغرور، وينسجُ الأملَ بأحرفٍ من نور للمصلح المهدي، سراجٌ يُضيء، منارٌ للعقول، وطريقُ هدى ونورٍ في دياجي الدهور.. وحبك يروي عطشَ الأرواحِ، ونهجُك القويمُ ينصعُ بياضًا، يجذبُ القلوبَ لحُبِّ المعبود..

اخرى
منذ 4 سنوات
386

تصرفي كامرأة!

بعد يوم متعب من الركض خلف الصغار وترتيب المنزل وقضاء ساعات في إعداد الطعام ودراسة الأولاد، سوف تشعرين بانهيار عصبي وضجر وتعب نفسي وجسدي... كامرأة يمكنني الشعور بك تماماً، وهنا تتأملي بالحصول على نوع من الهدوء والارتياح بقدوم شريك روحك ليرفع عنك ولو قليلاً من بعض المسؤوليات وتقضيا وقتاً جميلاً بالحديث عن كل شيء! وأنت ترسمين ابتسامة على وجهك محاولة النهوض لتهتمي بنفسك قليلاً بعد اهتمامك بكل شؤون العائلة، فإن لنفسك عليك حقاً. ولكن الذي قد يحصل هو أنه ما إن يقدم زوجك إلى البيت إلّا وتتحطم كل آمالك الوردية بصراخه في وجهك... ما هذا العشاء؟ لماذا البيت هكذا؟ لماذا الأولاد لم يناموا إلى الآن؟ انتن النساء لا هم ولا غم لكنّ سوى الجلوس على التلفاز؟ لم تكلفي نفسك حتى بإعداد كوب شاي لي! وقبل أن تستوعبي جملته السابقة يكيل لك عشرة أمرّ منها... قد وقد... يتمزق قلبك وأنت تنصتين لكل هذا التجريح والتنكيل... وبعدها كأي إنسان طبيعي ستغضبين لكبريائك وكرامتك، وستحاولين الدفاع عن نفسك، لكن... اسمحي لي أن استوقفك هنا أخية... اعلمي أن لا أحد يناقش مسألة أن زوجك مخطئ تماماً –لو كان كما وصفنا- وليس من حقه لا شرعاً ولا عرفاً ولا قانوناً أن يقول لك حرفاً واحداً مما قال، فإن وجوب معاشرتك بالمعروف أمر مفروغ منه بالاتفاق، ولا أحد يُنكر أن ما يصدر منه قد يكون ردة فعل لما حصل معه من إحباط –ربما- اليوم في عمله، فصبّ جام غضبه عليك، لا أريد تبرير فعله، ولكن هذا واقع... لست هنا في صدد الكلام عن الزوج أو كيفية إصلاح نفسه، أنا هنا اتحدث عنك أنتِ… أنتِ… فقط. قد تكون المثاليات أمراً سامياً تصبوا له كل نفس... إنّ فكرة أن تكون الزوجة مدللة زوجها لا تسمع منه إلا آيات الحب، لهي غاية كل امرأة... كل إنسان لديه آمال في الحياة وطموحات يصبو إليها ويحاول تحقيقها، وبالطبع لا أحد يتحمل رؤية أحلام صباه تتحطم... ربما يكون القلب وما به من عواطف واحاسيس أصعب ما يمكن السيطرة عليه، لكنه ممكن... إن عقل الإنسان حيّر العلماء في عدد خلاياه ووظائفه وآلية عمله ولكنهم يقفون عاجزين في معرفة كيفية سيطرته على الإنسان روحياً وجسدياً. لكنا كمؤمنين بالله تعالى لا نقف موقف العاجز أمام عظمة العقل البشري لأننا نعلم أنه المخلوق الأسمى لله تعالى فبه يثيب وبه يعاقب وبه يرفع الإنسان لأعلى مراتب الكمال. وهنا أنتِ عليك أن تلجئي لعقلك فقط... إن قلبك هنا مع ما به من إحساس بالغضب والألم لن يقودك إلا لمزيد من العناء. كامرأة عليك أن تكوني عاقلة وتتصرفي بحكمة... فكّري قليلاً قبل أن تستجيبي لغضبك وألمك الذي لن تلامي عليه أبداً: هل من مصلحتك وأنت امرأة أن تقللي من كرامتك بالصراخ والشجار مع الرجل؟ هل يليق بك كمؤمنة أن يسمع القاصي والداني صراخك وكلامك الذي قد يكون بعضه غير لائق؟ هل الأولاد بعد رؤيتهم لأمهم وهي تستسلم لغضبها وتنهار قبال كلام لأحدهم سيكونون في المستقبل شباباً رائعين يعلو صوت عقلهم على كل صوت؟ هل شجارك مع زوجك سيردعه عن تكرار فعلته مرة أخرى؟ وسيخشاك ولن يعود لتصرفه مرة أخرى لأنك أخفتيه كثيراً! كل هذا لن يحدث أبداً بصراخك وشجارك وكيلك كل كلمة بعشر منها... ستكونين قد حطّمتِ كرامتك كامرأة وهذا جرح لا يندمل، وأغضبتِ ربك الذي أمرك أن لا تنزلي لمستوى لا يليق بك كمؤمنة تاركة سمعتك الطيبة تنالها ألسنة الناس بما يشاؤون! والأولاد... زرعتِ فيهم كل القيم السيئة أولها الخضوع لشهوات النفس التي من أبشعها الغضب والتصرف أمام أي مشكلة تصادفهم دون أدنى تفكير! والأمر لن يقف عندهم في حد رد الكلام بالكلام والصراخ بالصراخ، بل ستتطور الأمور لأسوء من هذا بكثير! وزوجك –أولاً- سيكون شغله الشاغل متى يعود للبيت كي يشاجرك لأنك ببساطة علّمتيه بنقطة ضعفك! ولن يخشاك إطلاقاً، ولن تخيفيه بصراخك أو بتحطيمك لبعض الأواني في المطبخ! على العكس تماماً لربما بعد رؤيته لك وأنتِ تفقدين صوابك وتجردتِ عن انوثتك وأصبحتِ رجلاً ينقصه بضع (سنتي مترات) في طول القامة وشارباً... إلى التجرء عليك بمزيد من التنكيل والتجريح ولربما وصل الأمر إلى الضرب! ومرة بعد مرة سيعتاد الأمر ولربما راق له ذلك وستكونين أنت قد أنهيتِ حياتك كلياً! فكّري بكل هذا، ثم ابقي صامتةً بكبرياء واسأليه بعد أن ينهي كل كلامه الذي لا قيمة له: هل تعشيت؟ أتريد أن تشرب الشاي؟ المعلم مدح ابننا اليوم لأجل حفظه لدرسه، اتى أحدهم سائلاً عنك فأخبرناه أنك في العمل... ووو اسحبيه إلى ما تريدينه أنتِ... قد يصرخ في وجهك: لا أريد أن آكل من هذا الجحيم! امسكي نفسك وانهضي عنه قليلاً. الرجل ليس روبوتاً خالٍ الاحساس والعقل، فحين يراك بعد كل سوء هذا تتحملينه وتسكتين، سيشعر بالندم... ومع تكبر وغرور سيحاول أن يثيرك لا لشيء، فقط ليرفع عن نفسه الندم لشعوره أنه ظالم، ورفع هذا الشعور لا يكون إلا إذا ثبتِّ أنك مستحقة لكل ما قال وفعل! سيسألك: لما لم تتكلمي بشيء، هل أنتِ تحتقرينني؟ أو لا ترين كلامي أهلاً للرد؟! إياكِ أن تشعريه أن كلامه هراء لا يستحق حتى أن تعلقي عليه! جاوبيه بهدوء: هل تظن أن لا كرامة لي؟ أو أني لا أشعر بالألم وأنت تنهال عليّ بكل هذا التجريح وأنا كنت انتظر قدومك بشوق؟ لكن هل ترى لائقاً أن تعلو أصواتنا أمام الأولاد والجيران؟ وما المستحق لشجارنا هذا أساساً؟ إن أردت العشاء سآتيك به، وإن أردت الشاي فإن إعداده لا يستغرق دقائق، والأطفال سينامون لأنهم ينتظرونك أساساً. واسكتي هنا... سيعتذر منك كثيراً... لوميه على فعلته... لكن لا تبالغي بالملامة... فمهما كان انظري في عينيه... وفكري أن هذا الرجل أحببتِهِ ولو ليوماً في حياتك، امحي سوء هذه بحسن تلك. واعلمي أن أجر صبر المرأة على أذى زوجها لا يعدله ملؤ الأرض ذهباً. عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): مَن صَبَرَت عَلى سوءِ خُلُقِ زَوجِها أعطاها مِثلَ ثَوابِ آسِيَةَ بِنتِ مُزاحِمٍ. (مكارم الأخلاق ص 245). لا داعي أن أعرّفك بآسيا بنت مزاحم فهي وفاطمة الزهراء وخديجة ابنة خويلد ومريم ابنة عمران المصطفيات وسيدات نساء العالمين، وزيادة على ما في صبرك من إصلاح تدريجي في حياتك وخلق زوجك وارتياحك النفسي أنكِ أنتِ الطرف الأعقل والأصلح، فإن لك أجراً عظيماً مثل أجر السيدة آسيا دون أن تقاتلي في جبهات أو تصلي وتصومي دهراً. نجلاء المياحي

اخرى
منذ 5 سنوات
2788

سلسلة فيءٌ من أروقة القرآن الكريم (12) الآية الثانية عشر: (أنواع الجنة في القرآن الكريم)/ الحلقة الأولى.

بقلم: يا مهدي ادركني قوله تعالى: (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [سورة آل عمران: آية 33]. كلنا نتوق أن نكون من أهل الجنة، والقرآن الكريم غذى هذه الرغبة فينا بآيات كثيرة ذكرت الجنة ونعيمها والدعوة إلى المسابقة إليها، هذه الجنة التي نرغب فيها عند مطالعة آيات القرآن الكريم نجد أنها ليست جنة واحدة وإنما هي على أنواع متعددة، فما هي أنواع الجنة في القرآن الكريم؟ معنى الجنّة في اللغة: أصلها جنن، وهي من الستر فقد تأتي بصيغة اسم مفعول (مستور) أو بصيغة اسم الفاعل (ساتر). وهي البستان الكثيف الأشجار الذي استتر بأشجاره فلا تُرى أرضه. وفي رواية عن النبي (صلى الله عليه وآله) أجاب بها عن سؤال يزيد بن سلام، حيث قال له: فلِم سُمّيت الجنّة جنّة؟ فقال (صلى الله عليه وآله): "لِأَنَّها جُنَينَةٌ خِيَرَةٌ نَقِيَّةٌ، وعِندَ اللَّهِ - تَعالى ذِكرُهُ - مَرضِيَّةٌ" (1). وصرّح العلّامة المجلسي في بيان عبارة «لأنّها جُنَينة» قائلًا: أي مستورة عن الخلق، ولا يُستَر إلّا ما كان خيرة (2). ومن هذا يمكن أن نخلص إلى نقطتين أساسيتين منهما يمكن لنا أن نبدأ بحثنا: الأولى: إنّ لفظ الجنة لغة هو لفظ يطلق على كل بستان مستور فهو لا يختص بالجنة بعالم الآخرة، وإنما يمكن تطبيقه على عالم الدنيا أيضًا. الثانية: عادة إذا كان الشيء مهمًا فإنه يُخفى عن الأعين ويستر ولا يتاح النظر إليه إلا بشروط خاصة. ومن هاتين المقدمتين سنبحر في لجج القرآن الكريم باحثين عن أنواع الجنة وتقسيماتها: النوع الأول: جنة الدنيا: بعد أن تبين أن الجنة هي الأرض التي تستتر بأوراق أشجارها المتشابكة أصبح من الممكن أن يكون لها تحقق ووجود في عالم الدنيا، وقد تعددت الآيات التي ذكرت لنا جنة الدنيا ومنها: أولًا: جنة نبينا آدم (صلوات الله وسلامه عليه). فقد قال (عز من قائل): (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) [سورة البقرة: آية 35] وهناك العديد من الأدلة العقلية والنقلية التي تؤكد على أنّ الجنة التي دخلها نبينا آدم وزوجه (صلوات الله وسلامه عليهما) كانت من جنان الأرض لا الخلد، وعلى سبيل العجالة سنذكر البعض اليسير منها: الأدلة العقلية: الأول: إنّ الجنة التي وعد الله تعالى بها عباده المتقين هي جزاء لمن يعمل صالحًا في هذه الدنيا، ومن الواضح جدًا أن آدم (عليه السلام) دخلها بعد خلقه بفترة وجيزة، فهي لم تكن من باب الجزاء. الثاني: إنّ الجنة التي وعد الله تعالى المتقين لن يخرجوا منها فهم خالدون فيها فقد قال تعالى: (وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ) [سورة الحجر: آية 48]. الثالث: إنّ الجنة لا عمل فيها ولا تكليف، وإنّ سبب خروج نبينا آدم (عليه السلام) من الجنة المذكورة هو لاقترابه من الشجرة وأكله من ثمارها، والأمر باجتنابها هذا خلاف قوانين جنة الآخرة. إشارة: قد يشكل البعض على مخالفة النبي آدم (عليه السلام) لأمر الله تعالى وتناقضه مع كونه (سلام الله عليه) معصومًا. وقد أجاب العلماء فقالوا: إنّ نهي الله تعالى هنا لم يكن على نحو النهي التكليفي وإنما بنحو النهي الإرشادي وهذا ما أشار إليه صاحب تفسير النور بقوله (لم يكن نهي النبي آدم (عليه السلام) نهيًا تكليفيًا يعاقب على ارتكابه، بل نهيًا إرشاديًا) (3). وعليه يكون استغفار النبي آدم (عليه السلام) لا من باب ارتكابه لمعصية أو ذنب وإنما من باب ترك الأولى، وبهذا تتبين منزلة الأنبياء العظيمة. الأدلة النقلية: وهي الأدلة المتمثلة بالآيات الكريمة والروايات الشريفة وسنكتفي بذكر واحدة لكل منهما: الأولى: قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [سورة البقرة: آية 30] إن الآية تذكر إخبار الله تعالى الملائكة بأنه جاعل في الأرض خليفة ولم يقل في جنان الخلد. الثانية: جاء في الرواية عن الحسين بن ميسر: سَأَلتُ أبا عَبدِالله (عليه السلام) عَن جَنَّةِ آدَمَ (عليه السلام)؟ فَقالَ: جَنَّةٌ مِن جِنانِ الدُّنيا، تَطلع فيهَا الشَّمسُ وَالقَمَرُ، ولَو كانَت مِن جِنانِ الآخِرَةِ ما خَرَجَ مِنها أبَدًا (4). ثانيًا: بعض الآيات المتفرقات التي جاء بها لفظ الجنة وبالرجوع إلى التفاسير نجد أنً المراد منها هي جنان الدنيا لا جنان الخلد ومنها: قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [سورة الأنعام: 141]. قوله تعالى: (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[سورة الرعد: آية 4]. قوله تعالى: (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ) [سورة ق: آية 9]. قوله تعالى: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً) [سورة الكهف: آية 32]. وهنا إشارة: إن جنة الأرض هي ليست للمؤمنين فقط وإنما هي لعباد الله تعالى من المؤمنين والجاحدين على حدٍ سواء، فإن الله تعالى يمد كلًا من المؤمنين والكافرين وعطاؤه غير محدود. _______________________ 1- علل الشرائع: ص 472 ح 33. 2- بحار الأنوار: ج 9 ص 307. 3- تفسير النور، ج1، ص97. 4- الكافي: ج 3 ص 247 ح 2.

اخرى
منذ 4 سنوات
903

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
75822

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
55887

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
43188

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
42159

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
39311

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
33371