تشغيل الوضع الليلي

ضياءٌ وإحياء من كلام ربِّ السماء (٢)

منذ 5 سنوات عدد المشاهدات : 3551

بقلم: علوية الحسيني
عـــنفٌ أبوي
حينما يؤكد الإسلام على أهمية احترام الوالدين، وقيام الأبناء بواجباتهما تجاه والديهما، فهذا لا يعني أنّ الإسلام قد فرض على الأبناء فقط التزامات وهي احترام حقوق الوالدين ولم يجعل لهم كأبناء حقوق، بـل فرض على الوالدين التزامات كذلك هي حقوق الأبناء عليهما.
فلكلٍّ منها حقوق، وعليه التزامات، وهذا ما تكفلت الشريعة الإسلامية ببيانه، وسيتم تسليط الضوء على النقاط التالية؛ لتحيي فينا روح العلم، وتقتل أدغال الجهل.
■الــنقطة الأولى: التأكيد القرآني على احترام الوالدَين
قال تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيما} (1)، وفي الآية اطلاقٌ على احترام الوالدين والإحسان إليهما، ثم تركيز على الإحسان لهما في مرحلة تقدّمهما في السن.
وصيغتا (لا تقل)، (لا تنهرهما)، تفيدان النهي والزجر والردع، وصيغتها تدل على الحرمة، من خلال التبادر الذهني؛ لعدم وجود قرينة تصرف دلالة الحكم عن الحرمة إلى دلالته على الكراهة، ولهذا كان ذنب عقوق الوالدين من كبائر الذنوب.
بل نجد أنّ إبداء الإحسان والمعروف لهما يتوجب حتى وإن كانا مشركين، قال تعالى: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مـَعْرُوفا} (2)، فالمصاحبة بالمعروف لا تؤيد أمرهما بالشرك لولدهما؛ بقرينة لفظة (فلا تطعهما)، والآية جليّة واضحة في عدم طاعة الوالدين فيما لو أمرا ولدهما بالشرك بالله تعالى.
وهذه الآية أيضًا تفيد وجوب احترام الوالدين؛ فصيغة (صاحبهما) ظاهرة في الوجوب، ولا قرينة صارفة عن الوجوب إلى الاستحباب؛ للتبادر أيضًا.
■الــنقطة الثانية: الـحقوق والالتزامات
لو تأملنا في رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) لوجدناها تؤيد ما دلّت عليه الآيات الكريمة أعلاه بوجوب احترام الوالدين، فأفردت حقوق الوالدين، وفي قبالها حقوق الأبناء، وبما أنّ الكلام اليوم هو إضاءة على حق الأب والتزاماته، فالكلام سيكون عنه حصرًا دون الأم.
فأما حـقُّ الأب:
"وَأمَّا حَقُّ أَبيكَ فَتَعْلَمَ أنَّهُ أَصْلُكَ، وَأنَّكَ فَرْعُـهُ، وَأَنَّكَ لَوْلاهُ لَمْ تَكُنْ. فَمَهْما رَأيْتَ فِي نفْسِكَ مِمَّا يُعْجِبُكَ فَاعْلَمْ أَنَّ أَبَاكَ أَصْلُ النِّعْمَةِ عَلَيْكَ فِيهِ وَاحْمَـدِ اللَّهَ وَاشْكُرْهُ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ وَلا قُوَّةَ إلاّ باللهِ" (3)
وأمّا حـقُّ الولد:
وَأمَّا حَقُّ وَلَدِكَ فَتَعْلَمَ أنَّهُ مِنْكَ, وَمُضَافٌ إلَيكَ فِي عَاجِلِ الدُنْيَا بخَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَأَنَّكَ مَسْئولٌ عَمّـا ولِّيتَهُ مِنْ حُسْنِ الأَدَب وَالدّلالَةِ عَلَى رَبـهِ وَالْمَعُونةِ لَهُ عَلَى طَاعَتِهِ فِيكَ وَفِي نفْسِهِ، فَمُثابٌ عَلَى ذلِكَ وَمُعَاقَبٌ، فاعْمَلْ فِي أَمْرِهِ عَمَلَ الْمُتَزَيِّنِ بحُسْنِ أَثرِهِ عَلَيْهِ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا، الْمُعْذِرِ إلَى رَبهِ فِيمَا بَيْنَكَ وبَيْنَهُ بحُسْنِ الْقِيَامِ عَلَيْهِ وَالأَخذُ لَهُ مِنْهُ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ" (4)
فعليهما (الأب والابن) استخدام لغة الرقة والشفقة، والابتعاد عن العنف القولي والفعلي؛ لأنّ الكلمة الودودة تُقوِّي التواصل، وتُقرِّب النفوس، عملاً بقوله تعالى: {ولو كنتَ فظّاً غليظَ القلبِ لانفضّوا من حولِك} (5)، فلابد من بناء حالة ليست أبوية وحسب، بل حالة الصداقة بينهما.
■النـقطة الثالثة: علاج العنف الأبوي
إذا كان الأب فظًا، متعسفًا، والابن ودودًا، مضطهدًا، يحار تعاملاً مع أبيه، فما الحل؟
لا توجد مشكلة إلاّ وورد فيها حكم وحل، ويكفي مثلاً:
١- التأمل في القصص القرآنية التي لم تذكر عبثاً، بل كلٌ منّا يستطيع أن يستشف منها عبرة. كقصة نبي الله إبراهيم (عليه السلام) مع عمه آزر الذي تولّى تربيته وأصبح بمثابة أبيه، حيث كان آزر يعامل إبراهيم (عليه السلام) بغلظة؛ فقط لأنّ ابراهيم كان مؤمنًا.
ولا يبعد أن يكون ذلك التعامل أمام الناس. قال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا* إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا* يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا* يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا* يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيا} (6)
فما أوضح عبارات الاحترام والأدب التي كان يكلّم بها ابراهيم أباه –عمه-، ورغم ذلك أجابه آزر بغلظةٍ وتهديد قائلاً: { قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَاهْجُرْنِي مَلِيا}(7)، حيث طلب من ابراهيم (عليه السلام) أن يهجره ويغرب عن وجهه، وإن لم يذهب عنه يرجمه بالأحجار، فقط لأنّ ابراهيم (عليه السلام) يدعوه لعبادة الله الواحد الأحد.
وهــنا نعرف موقفه (عليه السلام) وكيف ردّ على غلظة أبيه، حيث قال: {قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ۖ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيا* وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىٰ أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّا} (8)، فما كان ردّه إلاّ السلام على أبيه –عمه-، والاستغفار له، وترك محاججة آزر. وكفى بإبراهيم النبي (عليه السلام) أُسوة حسنة، على صعيد مقابلة الاحسان بالإساءة.
٢-التأمل في زبور آل محمد (عليهم السلام) وهي الصحيفة السجادية، حيث ورد فيها دعاء خاص للوالدين يتضمن كيفية مغفرة اساءة وتقصير الوالدين، يقول مؤلفه الامام زين العابدين (عليه السلام): "اللَّهُمَّ وَ مَا تَعَدَّيَا عَلَيَّ فِيهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ أَسْرَفَا عَلَيَّ فِيهِ مِنْ فِعْلٍ، أَوْ ضَيَّعَاهُ لِي مِنْ حَقٍّز، أَوْ قَصَّرَا بِي عَنْهُ مِنْ وَاجِبٍ، فَقَدْ وَهَبْتُهُ لَهُمَا، وَ جُدْتُ بِهِ عَلَيْهِمَا وَ رَغِبْتُ إِلَيْكَ فِي وَضْعِ تَبِعَتِهِ عَنْهُمَا. فَإِنِّي لَا أَتَّهِمُهُمَا عَلَى نَفْسِي، وَ لَا أَسْتَبْطِئُهُمَا فِي بِرِّي، وَ لَا أَكْرَهُ مَا تَوَلَّيَاهُ مِنْ أَمْرِي يَا رَبِّ. فَهُمَا أَوْجَبُ حَقّاً عَلَيَّ، وَأَقْدَمُ إِحْسَاناً إِلَيَّ، وَ أَعْظَمُ مِنَّةً لَدَيَّ مِنْ أَنْ أُقَاصَّهُمَا بِعَدْلٍ، أَوْ أُجَازِيَهُمَا عَلَى مِثْل"(9)
فليكن همّ الأبناء هو إرضاء الوالدين وليس مساومتهما بعطاء وأخذ -عطاء الاحترام وأخذ الاحترام.
ولو فرضنا أنّ الآباء يتعاملون بقسوة مع أولادهم فهذا لا يعني عدم انشغالهما بالتربية، وتفكيرهما بأبنائهما إلى حين اشتداد العود، فلا مسوّغ لإنكار فضلهما بمجرد أي اساءة تبدر منهما طروًا، يقول الإمام زين العابدين (عليه السلام) معلّمًا لنا:
"أَيْنَ إِذاً- يَا إِلَهِي- طُولُ شُغْلِهِمَا بِتَرْبِيَتِي! وَ أَيْنَ شِدَّةُ تَعَبِهِمَا فِي حِرَاسَتِي! وَ أَيْنَ إِقْتَارُهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا لِلتَّوْسِعَةِ عَلَيَّ! هَيْهَاتَ مَا يَسْتَوْفِيَانِ مِنِّي حَقَّهُمَا، وَ لَا أُدْرِكُ مَا يَجِبُ عَلَيَّ لَهُمَا، وَلَا أَنَا بِقَاضٍ وَظِيفَةَ خِدْمَتِهِمَا. فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ أَعِنِّي يَا خَيْرَ مَنِ اسْتُعِينَ بِهِ، وَوَفِّقْنِي يَا أَهْدَى مَنْ رُغِبَ إِلَيْهِ، وَ لَا تَجْعَلْنِي فِي أَهْلِ الْعُقُوقِ لِلْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ يَوْمَ تُجْزى‏ كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُون" (10).
__________________
(1) الإسراء: 23.
(2) لقمان: 15.
(3) بحار الأنوار: للعلامة المجلسي, ج71, ص15.
(4) المصدر نفسه.
(5) آل عمران: 159.
(6) مريم: 41-45
(7) مريم: 46.
(8) مريم: 47-48.
(9) الصحيفة السجادية، ص 81.
(10) المصدر نفسه، ص82.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكما من أهل البر بوالديهم، بحق محمد وآل محمد.

اخترنا لكم

نبراس العفة

بقلم: زينب إسماعيل عبد الله نجمةٌ جلت بنورها ظلماتِ الطغيان، ولم تهوَ من سماء كربلاء بالرغم من أُفولِ أقمارِها، وبقيتْ ساطعةً ولمعان صبرِها وثباتها يزيدها بريقًا على مرِّ السنين، تلك أميرةُ النساء زينب الحوراء (عليها السلام). عباءةٌ أنا كانت ترتديني سيدتي زينب بنت أمير المؤمنين (عليهما السلام)، لامستُ روحها قبل جسدها الشريف، ولم أُفارقها، فقد شهدتُ معها واقعةَ الطف الأليمة، وكنتُ متميزةً عن سائر زميلاتي؛ لأنّي خدر زينب وسترها الذي حاول الطغاة في الطف والكوفة والشام هتكه .. فتعرّضت للجرِّ والشدِّ والحرقِ والتمزيقِ ولكن أكُفُ زينب (عليها السلام) التي زادتني شرفًا وسموًا تمسّكت بي وجعلتني أصمد أمام كلِّ الأحداث التي جرت عليّ، كان رأسها الشامخ الأبيّ يزيدني شموخًا، فكُلّما تمسّكتْ بي زاد صمودي وتمسكي بها ليس لأجلي ولكن لعِفّةِ هذه السيدة الجليلة، فعندما كانت تذرفُ دموعَها كأنّها لؤلؤ يتناثرُ على جانبي كنت أرتشفُ تلك الدموع الزينبية لأطفئ بها ناري والنيران التي أحرقتني عند حرق الخيام... آه ..آه.. يا مولاتي إنّي أنظرُ إليها يوم العاشر من المُحرم وهي مذهولة تخمد نيران أذيالي بكفيها الكريمتين، فكنتُ أشُم رائحة الخيام وقد امتزجت مع رائحة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، تلك الرائحة التي شمها الحسنان وعلي (عليهم السلام) ذاك كان عطرها (عليها السلام). انتقلتُ معها من بلد إلى بلد وقد مزَّقتني السياط واحمرَّ لوني واهترأ نسيجي من حرارة الشمس، كانت وظائفي متعددة فتارة آوي تحت ظلّي رقية وزين العابدين (عليهما السلام)، وتارة أحمي وجه مولاتي (عليها السلام) من الناظرين وأمتص الدماء الزكية الي تسيل من متونها أثر الضرب بالسياط، وتارة أُضمد جراحي، فكُلّما وهنتُ أستمدُ قوتي من مولاتي (عليها السلام) فقد شاركتُها حزنها على أبي الشهداء الحسين (عليهما السلام) وأخيه العباس (عليه السلام) الذي كان يحملُ أذيالي بكفيه الكريمتين كي لا ألمسُ الأرض، وكانت أهمُّ مهمة لدي هي ستر مولاتي (عليها السلام) من عيون الناظرين وقد أعانتني رؤوس أهل بيتها على ذلك فكُلّما قدّموا الرؤوس تتمعن الناس بالنظر إليها وتترك النظر إلى بنات الرسالة فقد كانت تلك الرؤوس تحمي زينب من الناظرين حتى بعد قطعها وحملها على الرماح. أما آخر مهمة لي فهي غطاء نعشها بعد أنْ وافاها الأجل، وعلى الرغم من تمزّقي وتغيُّر لوني كنتُ مُميزة عن أقراني لأنّي كنتُ أُمثِّلُ سترها (عليها السلام) وعفتها... فعذرًا سيدتي إذْ لم أكُ درعًا حصينًا واقياً لجسدك من سياط بني أمية، ولكن بكِ استطعتُ أنْ أتركَ بصمتي التي يُطرِّزها التاريخ لنصرةِ الإمام الحُسين وأهل بيته (عليهم السلام)، وأصبحتُ رمزًا للحجاب والعفة، بل ونبراسًا لهما على مدى العصور ....

اخرى
منذ 4 سنوات
606

دور علماء الحوزة العلمية في الحفاظ على اللغة العربية من التتريك المجدد الكبير نموذجًا (الحلقة الأولى)

بقلم: دينا فؤاد المقدمة الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين أبي القاسم محمد وآله الغر الميامين. أما بعد ... تعتبر اللغة العربية ظاهرة مجتمعية إنسانية، وقد بحث الكثير من الكتّاب والباحثين عن تاريخها وكل ما يتعلق في وصفها وتفسيرها من المناهج والنظريات اللغوية والتربوية، وقد حاول البعض كشف السر في اتقانها واعجازها، ولكن كل ما تم كتابته لا يكشف السر الحقيقي لهذا الاعجاز والاتقان. ولقد تعرضت اللغة العربية وما زالت تتعرض لحد الآن إلى أشرس هجوم موجه نحوها سواء أكان من أعدائها أو من نفس أبنائها بعدم مبالاتهم بقواعدها وأساسياتها، ولو فرضنا أن هناك لغة قد تعرضت لما تعرضت له هذه اللغة العظيمة لضاعت واندثرت منذ زمن طويل، ولكن شاء الله أن يحافظ على هذه اللغة ويجعلها خالدة وصامدة في وجه كل من يهاجمها. ومحور بحثنا يدور حول الهجمة التي تعرضت لها لغتنا الأصيلة في ظل الحقبة المظلمة للحكم العثماني ومحاولة الحفاظ عليها بعد أن حاول البعض تبديلها باللغة التركية، فشهد التاريخ آنذاك نهضة علمية وفكرية وقفت ضد هذه الهجمة وردّها، لتكون درساً قاسياً بوجه كل من يحاول العبث بلغتنا الأم، لغة القرآن الكريم. ومن أبرز المحافظين على لغتنا العربية السيد المجدد الكبير محمد حسن الشيرازي، لقد ضم التاريخ في صفحاته الخالدة شخصية عظيمة، وهي شخصية المجدد الكبير الذي عد بحق نموذجاً رائعاً، حيث كان لدوره على مسرح الأحداث السياسية والفكرية والاجتماعية صدى كبير، ولهذا كان البحث بعنوان: دور الحوزة العلمية في الحفاظ على اللغة العربية من التتريك السيد المجدد الكبير نموذجاً. وقد يثار تساؤل حول السبب في جعل المجدد الكبير (الشيرازي) نموذجاً في الحفاظ على اللغة العربية وبالتالي الحفاظ على الهوية العربية مع انه لم يكن حياً آنذاك في وقت سياسية التتريك؟ والجواب: أولاً: وإن كانت سياسة التتريك كمصطلح رسمي ـــ وهو مصطلح يطلق على عملية تحويل اشخاص ومناطق جغرافية من ثقافتها الاصلية الى التركية بطريقة قسرية اي بالإكراه أو الاجبار والقهر غالبا ـــ للسياسة العثمانية تجاه العرب، ولكن المتأمل في الفترة التي حكم فيها العثمانيون والتي سبقت ظهور هذا المصطلح يجد الممارسات العثمانية في التتريك ولو لم تكن على مستوى الإكراه ولكن كان معمولا بها. وقد يرد اعتراض من قبل بعض الباحثين بعدم قبول مثل هذا القول ويدعي أن العثمانيين يحبون العربية، نقول: هذا صحيح ولكن حصوله كان بعد سيطرة جمعية الاتحاد والترقي. ثانياً: من المعروف أن الذي يبتكر طريقة في الحفاظ على الهوية العربية أو اللغة العربية، ويسير عليها تلامذته من بعده ويطبقونها يعتبر هو صاحب الفضل والدور الريادي له، فهو صاحب النظرية والابداع حتى وإن لم يعلم بحصول هذه السياسة فيما بعد. ثالثاً: بل ربما الارهاصات التي سبقت مرحلة سياسة التتريك وقراءة الواقع قراءة واعية فسوف تكون سببا للتفكير الجاد في وضع خطط في مواجهة المستقبل المحتمل. التمهيد مفهوم دور علماء الحوزة العلمية في اللغة والاصطلاح الدور لغة: (دور (أسم): الجمع: أدوار. الدور الاجتماعي: السلوك المتوقع من الفرد في الجماعة، أو النمط الثقافي المحدد لسلوك الفرد الذي يشغل مكانة معينة). (١) والدور اصطلاحاً: (هو مجموعة من الأنشطة المرتبطة والأطر السلوكية التي تحقق ما هو متوقع في مواقف معينة). (٢) الحوزة في اللغة: (حوزة: اسم، والجمع: حوزات، حوزة الرجل: ما في ملكه، حوزة الإسلام: حدوده ونواهيهه، حوزة الشيخ: مجلسه الذي يلقي على مريديه فيه العلم). (٣) وأما الحوزة إصطلاحاً فلا يمكن تحديد المعنى الدقيق لهذه المفردة إلا بعد إضافتها، فإذا أضيفت لها العلمية للتعبير عن معناها الاصطلاحي، فهي المكان الذي يحاز فيه العلم. (٤) والحوزة العلمية في الاصطلاح: (هي كيان علمي وبشري يؤهل للاجتهاد في علوم الشريعة الإسلامية، ويتحمل مسؤولية تبليغ الأمة وقيادتها). (٥) وعرفت أيضاً: (مركز التعليم الديني الذي يتبع في طريقه تعليمه النهج الذي تربى عليه الفقهاء السابقون منذ عصور الإسلام الزاهرة وحتى العصر الحاضر). (٦) اللغة: (اللغة: اللسنُ .. وأصلها لغوة على وزن فُعلة من لغا إذا تكلم، ولغوت إذا تكلمت، والجمع لغات ولغون، والنسبة: لغوي) (٧) واللغة اصطلاحاً: (هي أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم). (٨) وأما اللغة العربية: (فيضاف لها أنها لسان الإسلام ووحيه المعجز والتي ضمن لها القرآن الخلود الذي أراده الله لهذا القرآن والحفظ الذي ضمنه الله تعالى لهذا الذكر الحكيم). (٩) التتريك لغة: (ترك ـــ تتريكا، تركه: جعله يتخلق بأخلاق الأتراك ويأخذ عاداتهم ويتكلم بلغتهم). (١٠) والتتريك اصطلاحاً: (هو مفهوم يطلق على عملية تحويل أشخاص ومناطق جغرافية من ثقافاتها الأصلية إلى التركية بطريقة قسرية أي بالإكراه أو الاجبار والقهر غالباً). (١١) المبحث الأول: الحوزة العلمية والحكم العثماني لمحة عن تاريخ الحوزة العلمية تعتبر الحوزة العلمية هي مؤسسة عظيمة أسسها الشيخ الطوسي في النجف، وقد هاجر إليها أثر حوادث العنف التي حدثت في بغداد عام 448هـ، فوجد فيها حركة علمية فسعى إلى إنماء هذه الحركة (١٢)، فاختار النجف لتأسيس (ترسانتها) الحوزة العلمية (١٣)، فكانت هذه الهجرة التي تولتها العناية الإلهية هي البداية لتأسيس أكبر وأهم وأقوى الحوزات الدينية على الاطلاق. وقد ظهرت الحوزة العلمية للشيعة وانبثقت أهميتها بالمرجعية الدينية العليا، والذي يتولى زعامتها هو من شاء الله لأن يكون نائباً عامًا عن الإمام المنتظر الغائب (عجل الله فرجه الشريف)، بمعنى أنها: (الصلة الشرعية القائمة على الاجتهاد في غياب الإمام المعصوم) (١٤). ويتمتع المرجع الديني بشخصية قوية تبرز مكانته الاجتماعية في عموم المجتمع، والتي تقوم من خلال اهتمامه بالإحاطة بمصالح الأمة وحمايتها، الأمر الذي يعكس ابعاد التفكير وسعة الصدر وحدة العقل لهذه الشخصية. أهمية الحوزة العلمية للأمة مما لا شك فيه أن هناك أهمية بالغة للحوزة العلمية تظهر آثارها على أوساط الأمة الإسلامية بصورة عامة والأمة الشيعية بصورة خاصة، وذلك من خلال الوجود العميق للحوزة الحاصل بتأثر الأمة، وهذا الوجود أوجده الامتداد المرتبط من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) الباب الأول لمدينة العلم وينبوع الحكمة وصولاً إلى الإمام الثاني عشر الحجة بن الحسن (عليه السلام). وقد جاءت النصوص الشريفة من أهل البيت (عليهم السلام) بالرجوع إلى أهل العلم من علماء الأمة في معرفة أحكام الله ونواهيه وحدوده، والاقتداء بهم، فقد ورد عن الإمام علي (عليه السلام): "ذلك بأن مجاري الأمور والأحكام على ايدي العلماء بالله، الأمناء على حلاله وحرامه" (١٥)، ومنها أيضاً قول الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف): "وأما الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فأنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله". (١٦) كل هذه التوصيات من قبل الأئمة الأطهار وغيرها أدت إلى انصياع الشيعة الامامية للحوزة العلمية وعلمائها، والذين هم بدورهم قد ساهموا في نشر وحفظ علوم أهل البيت (عليهم السلام)، وأيضاً كان لهم الدور الكبير في حماية القواعد الإسلامية ومواجهة الانحرافات المختلفة والتي تصب في غاية واحدة وهي تشويه قيم ومبادئ الدين الإسلامي والقضاء عليه. قوة المرجعية لا شك في ان المرجعية تمتلك قوة كبيرة وعظيمة والتي كان لها الأثر الواضح في بسط هيبتها على ساحة المذهب الإمامي، ومرجع هذا يعود لهيبتها القدسية في نفوس الموالين لآل البيت (عليهم السلام)؛ باعتبارها امتداد لمقام المعصوم (عليه السلام)، فالمرجع الأعلى يمثل دور النائب العام للإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)، ومما ساعد على اكتساب القدسية وجود عاملين مهمين، وهما: الإحاطة بمعارف أهل البيت (عليهم السلام)، والتقوى. (١٧) ولأجل ذلك كانت الكلمة الأولى والأخيرة وما زالت هي للمرجعية العليا، وبذلك أصبحت هي المالكة لزمام قيادة أبناء المذهب الإمامي، وقد حافظت على هذا المنصب الكبير بدون أي منازعة تذكر، لأن امتلاكها هذه السلطة العظيمة لم يكن بخلافة ولا انتخاب أو اخضاع أبنائها بالقوة العسكرية، ولم يكن من خلال كسب الأصوات بالإغراءات المالية، وهذا ما أدى إلى زيادة الحقد والكراهية من قبل المعادين لمذهب الإمامية للمرجعية، فعمدوا إلى إثارة الفتن والشبهات، وحياكة المكائد والمؤامرات من أجل اسقاط الهيبة القدسية لتلك المؤسسة العظيمة، ولكنها بائت جميعها بالفشل بفضل العناية الإلهية. وبذلك أصبحت المرجعية تحتل القوة الاجتماعية والسياسية الكبيرة في المجتمع العراقي، والتي بدورها قلبت الموازين في وسط الساحة، وغيرت مجرى الأحداث فيها، وعلى هذا الأساس تم التحول الملحوظ في تاريخ العراق في السنوات التي أعقبت تأسيس هذه المؤسسة العظيمة. (١٨) ________________________ 1 ـ العطية، مروان، معجم المعاني الجامع، مادة دور. 2 ـ لورنس برفين، علم نفس الشخصية، ص58. 3 ـ العطية، مصدر سابق، مادة حوزة. 4 ـ ينظر، علاء الدين محمد تقي سعيد الحكيم، حركة التجديد في الحوزة العلمية في العراق إبان الحكم العثماني المباشر (1831م ـ 1918م)، رسالة دكتوراه، جامعة الكوفة، كلية الآداب، ص6. 5 ـ البهادلي، علي أحمد، الحوزة العلمية في النجف معالمها وحركتها الإصلاحية، ص94. 6 ـ محمد عبد الهادي الحكيم، حوزة النجف الأشرف، ص20. 7 ـ ابن منظور، لسان العرب، م5، مادة لغة. 8 ـ إبراهيم مصطفى وأحمد حسن الزيات، المعجم الوسيط، ج2، ص831. 9 ـ محمد عمارة، مخاطر العولمة على الهوية الثقافية، ص10. 10 ـ ن.م، مادة ترك. 11 ـ ويكيبيديا، الموسوعة الحرة، HTTPS//AR.M.WIKIPEDIA.ORG. 12 ـ ينظر، حسن الحكيم، الشيخ الطوسي (رسالة ماجستير)، جامعة بغداد، كلية الآداب، 1975م، ص58. 13 ـ ينظر، سامي البدري، النجف المعاصرة وحجر الزاوية في المستقبل المشرق الموعود، نشرة فجر عاشوراء، ص3. 14 ـ النجف الأشرف إسهامات في الحضارة الإنسانية، وقائع الندوة العلمية التي عقدها مركز كربلاء للبحوث والدراسات، ص536. 15 ـ العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج97، ص80. 16 ـ ينظر، الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج18، كتاب القضاء، ص101، ح9. 17 ـ ينظر، الخباز، منير، معالم المرجعية الرشيدة، ص7. 18 ـ ينظر، صلاح عبد الرزاق، الحوزة العلمية في النجف الأشرف ودورها الجهادي، ص23.

اخرى
منذ 5 سنوات
1643

كيف تتعامل مع الشخصية السلبية؟

بقلم: نورا كاصد العبودي للإنسان مجموعة مشاعر تتولد لديه عندما يمر بمواقف في حياته قد تكون سعيدة أو حزينة مما له الأثر الكبير في حياته، فقد تولد عنده مشاعر الحب والعطف والتسامح وصفات كالوفاء والصدق والإخلاص في العمل والمثابرة إلخ... أو قد تسبب عنده الكره والبغض والحقد وتكسبه صفات كالكذب والخيانة واللامبالاة والإهمال، وعندها سيكون الشخص سلبيًا؛ هي نتاج طبيعي لما قد تعرض له الشخص من أحداث أو مواقف أثرت به، حيث يتغلغل إلى حياته انعدام الثقة والكآبة والعزلة والشعور بالعذاب والقلق والشك، ويتوقع حصول الأشياء السيئة دائمًا، وبذلك تتحقق فعلًا، فالسلبية هي مزيج من المشاعر السامة التي تؤثر بشكل كبير على صحته، وعلى محيطه حيث أن هؤلاء الأشخاص قد يمكن مواجهتهم والتعامل معهم في كثير من الأحيان، ويصعب كثيرًا تجنبهم، وهذا لا يعني أنه إن تم التعامل مع هؤلاء الأشخاص سوف تضطر إلى الشعور بالإحباط واليأس والقلق، ولكن إذا كان الشخص من الإيجابيين لن يسمح لهم بالتأثير على حياته الشخصية، لأن الإنسان الناجح والقوي هو الذي يمتلك القدرة على تجاوز المواقف والأحداث السيئة أو الشعور بالحزن أو الألم فكل تلك العادات والمظاهر السلبية إن لم يقم الإنسان بتجاوزها بالتأكيد فإنها ستؤثر عليه وتنعكس على حياته وصفاته بالسلب. للسلبيين أوجه كثيرة ولكل منهم طريقته في إحباطك وحرفك عن مسارك الصحيح في تحقيق أهدافك، وبناء مستقبلك وتوثيق أحلامك... بل حتى في تعاملك مع الأشخاص من جهة والقضايا التي تخصك من جهة أخرى. إن مرافقة الشخص السلبي يؤثر في تحقيق ما تصبو إليه، لذلك علينا أخذ الحذر وعدم التأثر فيه؛ لأن للسلبية قيودًا وأفكارًا مدمرة، بمجرد الخضوع لقيودها يقع الشخص ضحية للعزلة والانهيار في براثين السلبية، إذ يقف الشخص بمكانه دون تحقيق أي نجاح أو يحدث الأسوأ، قد يتراجع إلى الخلف ومكسبه الوحيد الفشل الذريع لأن هذا ما يتوقعه وبالتالي يحصل عليه. للتعامل مع الشخصية السلبية نتبع الآتي: -الإنسان السوي يستطيع أن يتعامل مع المشاكل التي تواجهه بالرضا والتسليم لقضاء الله (عز وجل)، وبذلك يكون محصنًا لمواجهات أصعب الأفكار والأشخاص ومن الصعب أن يتأثر بالشخص السلبي. -الاطلاع الكثير والتعرف على معظم الثقافات وقراءة الكتب في مختلف المجالات تكسبه الثقافة العالية التي من خلالها يستطيع مجاراة الشخص السلبي وعدم التأثر بكلامه ومن الممكن أن تؤثر إيجابيته بالشخص السلبي. -بث روح التفاؤل والبهجة وتوقع كل ما هو خير خاصة إن كان بجانبك شخص سلبي فهذا الأسلوب من شأنه قتل روح السلبية داخل المقابل. على الجميع أن يبدأ التأمل والتركيز على الأهداف التي يرغب بالعمل عليها، وهذا يقع ضمن مجال الإرادة الشخصية وقوتها لدينا، وما نملكه من قوة في التفكير الإيجابي والتصور العقلي والذهني، حيث يجب أن نتصور بأننا حصلنا في السابق على ما نرغب به أو رغبنا فيه، أو حتى أنه فرض علينا لظرف ما، ومن المهم أن نكون منفتحين على رغباتنا، ولندع شموع حياتنا تتقد بكل بهجة حتى النهاية... واستخراج الطاقة الكامنة لتحقيق أهدافنا فإن ذلك يعني أن كل العوائق التي تقف أمام تحقق رغباتنا ستتلاشى وتنتهي بنا فيها السلبية والأشخاص السلبيين.

اخرى
منذ 4 سنوات
1417

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
76200

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
56128

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
43336

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
42952

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
39675

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
33434