تشغيل الوضع الليلي

عندما يعزف الشيطان

منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 1718

بقلم: كوناي البياتي
الشيطان يقيم مسرحية... يوزع بطاقات مزيفة، ويقدم نصه الإغوائي على خشبة معتمة من الوهم...
نعم... سيوهمهم أن المسرحية سماوية، وأنه يبث رضا الله تعالى، تم يتناول فكرته الصريحة والتي هي: غرس أفكار في أذهان الحاضرين بأن الله (عز وجل) عدو لهم!
خطته الأساسية هي سلب عقول الجمهور، بقطرة من شراب حب الدنيا... وينقسم الجمهور بين واقف ينوي المغادرة وبين جالس متردد، وبين مسترخ متمدد. وتتمحور شخصيات المسرحية بين:
١- شاب ثمل يحمل كأسًا
٢- وشاب آخر طويل القامة بحيث لا يرى أمامه...
٣- وبين طفل ملائكي كرسالة محمد...
٤- وامرأة محجبة ...
٥- وشاب قلبه يريد السماء ...
٦- وهنالك ستار خلفه رجل يقرأ كتابًا لم يعرف الجمهور كنهه... يعتقد الجمهور أنه يتلو آيات الله (عز وجل)...
فيبدأ الصراع بين الشخصيات...
الشاب الثمل يخاطب الجمهور فيقول: عيشوا ترنحوا اشربوا، فإنه ليس بإثم، بل هو جالب سعادة وممحاة للهَمّ...
فيقطعه الطفل ببكائه.. الشاب الثمل يغضب! فيسكب الكأس على رأس الطفل! فيندهش الجمهور! لأن داخل الكأس لم يكن خمرًا... المرأة تحاول إبعاد الطفل لكي لا يتأذى... فيضرب الثمل المرأة على رأسها ضربة تفقدها وعيها، فتخلع حجابها بنفسها، وهنا يتدخل الشاب لينقذ المرأة... فيبدأ صياح المرأة باتهام الشاب بنزع حجابها... فيستغرب الجمهور لماذا لم يتحرك الرجل الدي خلف الستار، هل قراءة القرآن أولى من تبيان الحقيقة؟
ثم يحضر الأوركسترا التي هي مجموعة من الأبالسة العازفين على أوتار الوسوسة مع آلات النفخ الشيطاني وآلات نقر الأفكار... يبدأ الشيطان بعزف سمفونيته العالمية (الإلحاد)... ويطلق سمفونيته الحديثة ... سيصفق الجميع ... ويبدؤون بتعداد مصائبهم وشكواهم، ويعدّون الله –حاشاه جل وعلا- مقصرًا معهم، ثم يبدأ مهمته، ليسلب عقولهم في لحنه الهادئ ... سيوهمهم بأن العطاء مستمر من قبله... سيوسوس لهم أن الضمير حاله كحال العضو (الزائد) لا حاجة لوجوده ولا مضرة لعدمه...
ثم...
يختم مسرحيته بتعريف نفسه... ويردد : أنا الذي قلت: لا، فأصبحت خالدًا! وماذا عنكم أهل التوحيد والعبادة؟ وأما عني فأصبحت وأمسيت متواجدًا... ثم يضج المسرح بالتصفيق... لإعلان نهاية المسرحية! التي تفنن بإخراجها الشيطان...
ثم يقف الشيطان على خشبة المسرح... ليشكر الجمهور لتقبّلهم سمفونيته الملحدة... وهنا يخرج الطفل عن النص ببكائه العفيف... ليتلو الآية (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) فيسقط إبليس... وتسقط صفقته الدنيئة... ليعلن عن عظمة الله، وعفة يوسف فيتحول من مسرحية الشيطان إلى مسرح إلهي وجمهور مدين لله…

اخترنا لكم

شذرات رمضانية

للذين يحملون جبال الأحزان على أكتافهم، وهموم المشكلات على أعتاقهم، ولا ينامون ليلهم؛ لانشغالهم بالتفكير والحيرة في أمرهم... اعلموا أنْه مادام هناك ربٌ يُدبِّر أموركم فلا تبالوا فمهما كانت المشكلة التي تواجهونها... ستُحل أو الحزن الذي تمرون به... سينتهي لتعلموا أنّها لحظاتٌ زائلة.. ولن تبقى طول الحياة فلا تبالوا...

اخرى
منذ 3 سنوات
259

أجنحة الملائكة في النص القرآني والروائي

تتعدد الآراء والنظريات حول بعض المفاهيم والألفاظ التي وردت في القرآن الكريم من باب التدقيق والتدبر في كتاب الله الكريم للخروج بحكم أو مفهوم أو حقيقة أو ظاهرة تهم المجتمع. وفي بعض الأحيان تتعدد الآراء وتنحصر ضمن دائرة ضيقة لا تخرج عن الاستدلالات العقلية والفلسفية ومحاولة التوفيق بينها وبين الاستدلالات النقلية من الآيات والروايات للخروج بنتيجة توافقية تلم بجوانب الموضوع. وترد هذه الحالة كثيراً عند التعرض للمسائل الغيبية التي وردت في القرآن حيث لا يمكن التوسع في البحوث التي تخص العوالم الغيبية أو أن نحصرها ونقيّدها ضمن أُطر ومفاهيم محدودة في عالمنا الشهودي، إلاّ ما تم ذكره لنا بشكل صريح في القرآن والسنة النبوية المطهرة وتراث أهل البيت الطاهرين (عليهم السلام)، ويبقى دورنا محصوراً في البحث عن تفسير وتأويل هذه المسائل ومحاولة التوفيق بين الآراء والاتجاهات المفسّرة لها والخروج بمحصّلة منطقية مناسبة، تلملم ما ورد في جميع الاتجاهات. ومن هذه المسائل موضوع (أجنحة الملائكة) الذي ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(١) وفي تفسير هذه الآية استغرق أغلب المفسرين في كيفية جعل الله تعالى الملائكة رسلاً وربطها بالآيات الأخرى التي تتحدث عن الملائكة لإعطاء صورة واضحة عن الملائكة وحقيقة خلقها وتعدد أدوارها. أما مسألة (أجنحة الملائكة) فبعضٌ قد توسـّع فيها قليلاً والبعض الآخر مرَّ عليها مرور الكرام دون الولوج إلى المسائل المعقدة المتفرّعة من الاختلاف الحاصل في تفسير أصل حقيقة الملائكة التي تمثل مورد اختلاف بين المسلمين، وبالتالي يلقي هذا الخلاف بظلاله على مسألة أجنحة الملائكة بشكل عام فانقسمت الآراء إلى اتجاهين: الاتجاه الأول: يرى بأن الملائكة أجسام لطيفة نورانية قابلة على التمثّل والتشكّل في صور وأشكال مختلفة، ولا يمنع ذلك من وجود الأجنحة للطيران والتحليق في آفاق السموات والأرض، وما اشتراك الملائكة مع الطيور في الأجنحة إلاّ في وظيفتها فقط وهي الحركة والانتقال من مكان إلى آخر. الاتجاه الثاني: يرى بأن الملائكة موجودات عاقلة مجرّدة لا مادة لها وهي بذلك لا تحتاج إلى أجنحة كما للموجودات الجسمانية وأما الأجنحة فهي تعبر عن الاختلاف في الرتب والمقامات والقوى. الجَناح في اللغة : اليد والجمع أجنحة وأجنُح.(٢) وجناح الطائر : ما يخفق به في الطيران والجمع أجنحة وأجنح.(٣) وسُميّ جانبا الشيء جناحاه فقيل : جناحا السفينة، وجناحا العسكر جانباه ، وجناحا الإنسان لجانبيه قال عزوجل : ( وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ....).(٤)(٥) كما أجمع أغلب المفسرين من جميع المذاهب الإسلامية على أن المقصود بقوله تعالى (أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) أي أصحاب أجنحة، ومعنى مثنى وثلاث ورباع أي اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة.(٦) أي إنها ألفاظ دالة على تكرار عدد الأجنحة، والأجنحة هنا تُفَسَّر حسب رؤية كل اتجاه كما أسلفنا. ثم إنّ الاتجاه الأول القائل بأن الملائكة لها أجنحة تستعملها في الطيران والحركة والتنقل قد انقسموا بدورهم إلى فئتين: فئة تذهب إلى أنَّ لأجنحة الملائكة ريشاً وزغباً اعتمادا على بعض الروايات. وفئة ترى أن أجنحة الملائكة ليست من سنخ أجنحة الطيور من الريش والزغب وإنما تشترك معها في الوظيفة فقط وهي الانتقال والحركة. وقد استظهروا على ريش وزغب أجنحة الملائكة من بعض الروايات التي تصرح بذلك، ومنها ما جاء عن الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: يا حسين - وضرب بيده إلى مساور(٧) في البيت - مساور طال ما اتكت عليها الملائكة وربما التقطنا من زغبها.(٨) وعن أبي حمزة الثمالي قال: دخلت على علي بن الحسين (عليهما السلام) فاحتبست في الدار ساعة، ثم دخلت البيت وهو يلتقط شيئاً وأدخل يده من وراء الستر، فناوله من كان في البيت، فقلت: جعلت فداك هذا الذي أراك تلتقطه أي شيء هو؟ فقال: فضلة من زغب الملائكة نجمعه إذا خلونا، نجعله سيحاً لأولادنا، فقلت: جعلت فداك وإنهم ليأتونكم؟ فقال: يا أبا حمزة إنهم ليزاحمونا على تكأتنا.(٩) وعن عمار الساباطى قال : أصبت شيئاً على وسايد كانت في منزل أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له بعض أصحابنا: ما هذا جعلت فداك، وكان يشبه شيئاً يكون في الحشيش كثيراً كأنه خرزة. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): هذا مما يسقط من أجنحة الملائكة. ثم قال: يا عمار، إنَّ الملائكة لتأتينا وإنها لتمر بأجنحتها على رؤوس صبياننا، يا عمار، إنَّ الملائكة لتزاحمنا على نمارقنا.(١٠) وعن الحرث النضري قال رأيت على بعض صبيانهم تعويذًا، فقلت: جعلني الله فداك، أما يكره تعويذ القرآن يعلّق على الصبى؟ فقال: إن ذا ليس بذا، إنّما ذا من ريش الملائكة تطأ فرشنا وتمسح رؤوس صبياننا.(١١) وإن كان مضمون هذه الروايات في ريش وزغب أجنحة الملائكة تشكل نسبة قليلة جدا قياساً بالقول الذي يتبناه أغلب المفسرين والمتكلمين والفلاسفة، حيث قالوا: إنها ليست من سنخ أجنحة الطيور من ريش وزغب، ولكنها تعتبر كأدوات تُمكّن الملائكة من الانتقال والحركة (فقد استخدمت هذه الكلمة كناية عن وسيلة الحركة ذاتها وعامل القدرة والاستطاعة، فمثلًا يقال: إنّ فلاناً احترقت أجنحته، كناية عن فقدانه قدرة الحركة أو الإمكانية) (١٢) كما ذكر السيد الطباطبائي بأن (وجود الملك مجهز بما يفعل به نظير ما يفعله الطائر بجناحه فينتقل به من السماء إلى الأرض بأمر الله و يعرج به منها إليها، ومن أي موضع إلى أي موضع، و قد سماه القرآن جناحا و لا يستوجب ذلك إلا ترتب الغاية المطلوبة من الجناح عليه و أما كونه من سنخ جناح غالب الطير ذا ريش و زغب فلا يستوجبه مجرد إطلاق اللفظ كما لم يستوجبه في نظائره كألفاظ العرش والكرسي واللوح والقلم وغيرها).(١٣) أما الاتجاه الثاني القائل بتجرد الملائكة عن المادة، فله ما يؤيد نظريته، ومنها: أن الملائكة تتميز بخلوها من القوى الشهوية والغضبية الموجودة في الموجودة الجسمانية، وكذلك فإن الملائكة موجودات لا تقبل الإشارة الحسية، بمعنى أنه من غير الممكن أن نشير إلى الملائكة لا بالذات ولا بالعرض، وبما إن الإشارة الحسية بالذات في مورد الجسد والإشارة بالعرض في مورد الجسمانيات كالقوة الهاضمة والباصرة ممكنة لأنها من خواص الجسم، وكل موجود غير قابل للإشارة الحسية فهو موجود غير مادي، وبالتالي فلا داعي لوجود الاجنحة التي تستعمل للحركة في هذه المخلوقات، وقالوا: بأن عدد الاجنحة كاشف عن مقدار نفوذ الملائكة وسرعتها في أداء الأوامر الالهية، كما أن الاختلاف الحاصل في أعداد تلك الأجنحة دال على الفرق في مراتبها أو اختلاف عوالمها، ونحن هنا لسنا بصدد البحث في حقيقة الموجودات الجسمانية والمجردة، لأنه مورد خلاف بين المسلمين وإنما أشرنا إليه بحسب ما نحتاجه من فهم في مسألة أجنحة الملائكة. وبلحاظ ما تقدم من الاختلاف في حقيقة الملائكة وتبعاتها على مسألة الأجنحة، وتمسك كل فريق بآرائه ونظرياته، فإننا نستطيع الجمع بين القولين من خلال الجمع بين صفات الملائكة جميعاً. ومن خلال استقراء آيات القرآن الكريم نرى بأن للملائكة أصنافاً كثيرة ومراتب عديدة ووظائف مختلفة، مما يستوجب كلا الحقيقتين: الجسمانية والمجرد،ة وهو رأي العلماء والفلاسفة المحدثين كالسيد الخميني... وهذا الجمع بين الاتجاهين لا يمنعنا من القول: إن هناك أنواعاً من الملائكة جسمانية وأخرى مجردة، حسب الوظيفة المناطة بها في عالمها ،وبالتالي فإن أجنحتها حسب نظرية الموجودات الجسمانية تستخدم للانتقال والحركة، ولا يمنع ذلك أيضاً من أن يكون للأجنحة ريش وزغب او لا يكون لها ذلك، وأما حسب نظرية الموجودات المجردة فإنها بالنظر لفقدان الملائكة للقوى الغضبية والشهوية وإنها مخلوقات لا تقبل الإشارة الحسية، فبالتالي تكون الأجنحة فيها كناية عن تعدد المقامات والقوى. استطراد: وانطلاقًا من فكرة أجنحة الملائكة يمكننا تثبيت عدة مفاهيم وفوائد تربوية يمكننا ان نستخلصها من القران الكريم والسُنّة النبوية المطهّرة وتراث مدرسة أهل البيت (عليهم جميعاً سلام الله) نمر عليها سريعاً منها: ١_فضيلة طلب العلم فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (.... إنَّ الملائكة يضع أجنحتها لطالب العلم رضا به....)(١٤) وأجنحة الملائكة التي تحمل طالب العلم هنا كناية عن عظم مقامه ورفعه إلى مستويات عالية تعظيماً له. ٢_ التواضع وهو فائدة تربوية نستخلصها من مفهوم الجناح في النص القرآني، فقد نسب الله سبحانه الجناح إلى الإنسان، وأمره بخفضه، ويريد به التواضع، بقوله تعالى:﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾(١٥) وكما يقال: إنّ للإنسان جناحين، جناح العلم، وجناح العمل، فيكون التواضع متعلقاً بجانبي العلم والعمل. وقد أولى القرآن الكريم لهذا الموضوع حظوة عظيمة حتى تنوع في مصاديقه، مما يدل على عموميته. -فما هو التواضع؟ -وماهي مصاديقه؟ -وما نتائجه؟ هذا ما سنعرفه ضمن عدة نقاط: النقطة الاولى: تعريف التواضع -التواضع لغةً: "هو التذلّل"(١٦). -واصطلاحًا: "انكسار للنفس يمنعها من أن يرى [صاحبها] لِذَاتها جميلاً على الغير، وتلزمه أفعال وأقوال موجبة لاستعظام الغير وإكرامه"(١٧). أو "هو احترام الناس حسب أقدارهم، وعدم الترفع عليهم"(١٨). النقطة الثانية: مصاديق التواضع للتواضع مصاديق كثيرة، منها ما أشار الله سبحانه إليها صراحةً، واخرى ضمناً، وكذلك الروايات، ومن تلك المصاديق: ١-التواضع في المشي، بدليل قوله تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا﴾(١٩). ٢-التواضع في الكلام، بدليل ظاهر قوله تعالى: {وَاغْضُضْ مِن صَوْتِك}(٢٠). ٣-التواضع في تعليم العلم وتعلمه، بدليل ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): "تواضعوا لمن طل بتم منه العلم، ولا تكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقكم"(٢١). النقطة الثالثة: نتائج التواضع. لو أن كلاً منّا خفض جناحه في الموارد التي أمره الله تعالى ونبيه وأهل بيته (عليهم السلام) لساد العيش الرغيد، وضُمنت الحقوق، وأُديت الالتزامات، فبين يدي القراء نضع آثار هذا الخلق العظيم: ١-انتشار المحبة بين الناس. ٢-انتشار المهابة والاحترام. ٣-التسابق إلى فضائل الأخلاق. ٤-تطبيق معالم الشريعة قولاً وفعلا. ٥-القضاء على الغرور واندكاك الأنا. ___ الهوامش (١)سورة فاطر:١. (٢) القاموس المحيط ،ص ٢٠٦. (٣)المحكم والمحيط الأعظم ،ص٤٤١. (٤)سورة طه:٢٢. (٥)مفردات غريب القرآن ص ٢٠٦. (٦) التبيان في تفسير القرآن، ج٨، ص ٣٩٧. (٧)المساور جمع المسور متكأ من جلد. (٨)الكافي ج١ ص٣٩٣ ح٢باب أن الائمة تدخل الملائكة بيوتهم وتطأ بسطهم وتأتيهم بالاخبار عليهم السلام. (٩)المصدر السابق ح٣. (١٠)بصائر الدرجات ص١١٥ ح٥. (١١)المصدر السابق ، ص١١٦، ح١٠. (١٢)تفسير الأمثل، ١٤،ص١١. (١٣)تفسير الميزان ، ج١٧، ص٢. (١٤)الكافي ، ج١ ، ص٣٤ ، ح١ ، باب ثواب العالم والمتعلم. (١٥)سورة الشعراء/٢١٥. (١٦)العين، ج ٣، ص ١٩٦١. (١٧) جامع السعادات، ج١، ص٣٤١. (١٨)أخلاق أهل البيت، ص٣٦. (١٩)سورة الفرقان: ٦٣. (٢٠)سورة لقمان: ١٩. (٢١)الكافي، ج١، ص٣٦. بقلم عبير المنظور علوية الحسيني

اخرى
منذ 5 سنوات
11400

حكاية يوسفنا

بقلم: شفاء طارق الشمري سألت الأحجار هناك: ما حال بقيع الأحزان؟ قالت: من شدة ألمه بكينا، ومن غزارة دموعه ذبُلنا... ومن حرقة حرارة آلام قلبه الشجي خجلت شمسنا...ومن ظلام عتمة أحزانه أشعلنا شموع الانتظار... ومن طول الغياب تعبنا... ومن كلام العتاب عليه تألمنا... ومن جروح قلبه صرنا له ضمادًا… تراه يجمع التراب ويقبّله، فهو يعلم مكانها، لكنه لا يُظهرُه... لديه صخرة نحت عليها كلمات من دموعه التي امتزجت مع دمائها... خطت بأحرف ولائه وحبه لها، إنه عاشق هذا الزمان الذي فقد معشوقته... تراه يجلس عند قبرها الذي أخفي عن الأعين لكنه لم يخف على القلوب... وردة حمراء، جمعت كل آلامها ودمها الزكي، رغم أنها وردة حزينة ومليئة بالدماء، لكن أشواك كلماتها ما زالت تخز أعداءها، قد ارتسمت كلماتها بألوان العفة والحياء، كيف لا وهي الزهراء! إلى الآن صاحب الحب يحتفظ بوردة الأحزان التي امتلأت بعبق الحب الفاطمي ورائحة قبرها الشريف، أظنها وردة من دموع علي (عليه السلام) الحمراء، التي وضعها على قبرها قبل مئات السنين، لكن يوسفنا ما زال يحتفظ بها، فهو يشم فيها عبقاً من قصة حب علي والزهراء… إلى الآن يوسفنا حينما يقول: السلام عليك يا فاطمة الزهراء، تجري على خديه أنهر من الدموع... يوسفنا في هذه الحكاية عند كل باب يعتصر قلبه المفجوع؛ فهو يرى ذلك المنظر الذي قام به أولئك الأعداء... إن كان يعقوب ابيضت عيناه من غياب يوسفه، فهنا يوسف الزهراء احمرت عيناه بألم الجراح، حكايته مع الزهراء طويلة لا تصفها أقلام الدموع ولا حبر العيون... فهو يقف كجده أمير المؤمنين حين يقول: مالي وقفت على القبور مسلمًا***قبر الحبيب فلم يرد جوابي ختام حكاية يوسف الزهراء... إننا لا نسمع من هذا العاشق سوى الآهات... العاشق الذي، أخرته الدهور، وها هو بانتظار الظهور. يا مولاي اطفئ نار قلب الزهراء بمجيئك... فحتى يوسف يعقوب لم يغب كهذا الغياب... أقدم علينا يا بن مكسورة الظلع... وأظهر قبرها وضع اسمها فوق أعلى القمم. حتى يعرفوا قبرها، فقد التهب القلب بنار غيابك، يا يوسف الزهراء.

اخرى
منذ 4 سنوات
436

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
69417

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
50361

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41068

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
34909

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32055

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
31651