تشغيل الوضع الليلي

مجاب الدعوة يقهر الظالمين

منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 1817

بقلم: حنان الزيرجاوي وإشراق الخاقاني
السيد إبراهيم المجاب (عليه السلام).
ليلٌ أرخى سدوله، عواصف رعدية تنبئ بهطول مطر جديد، القمر اكتمل ليُحلِق على صدر السماء، والأنجم حوله كأنهن نثار! أرى من بعيد نجمًا متألقًا، من جهة الشمال الغربي للقمر، يعيدني لشخصٍ رأيته مرات ومرات... جذبني علو مكانته، وأثار فضولي ارتفاع شأنه على غرار أقرانه... ترى من يكون؟!
الروح تتوق لمعرفة الحقيقة، لتجوز عبر الزمان والمكان، لا تعرف العتمة من وضح النهار.
كم هو وافر الحظ الذي شملته رحمة الله لتجعله يرقد في جوار المعصوم، فالبعض يخلد بإشارة من سيد الشهداء وتكون تلك الإشارة وسامًا حسينيًا خالدًا .
كيف بالذي تضمه تربة واحدة مع سيد الشهداء؟
فهو محل للبركات وسبيل للنجاة، فالشمس إذا طلعت أفلت النجوم، ترتقي لتزين الأرض بمصابيح الأنجم الزاهرة في صفحة الثريا حائمة حول القمر الدري لتملئ القلوب نورًا.
هكذا هم اعلام البيت العلوي والفاطمي.
مظلومٌ، كآبائه! فلم تنقل الأخبار لنا إلاّ النزر القليل عنه (رضوان الله عليه)، في حين تغص الكتب بأخبار الفاسقين في عصره!
بدأنا نتداول أطراف الحديث؛ نبحث لاستقصاء الحقيقة؛ لمَ كل هذه العظمة؟ هناك سر علينا معرفته!
ما أن ينتهي الزائرون من التشرف بزيارة المرقد الشريف للإمام الحسين (عليه السلام) وولده علي الأكبر والشهداء والأصحاب يتجهون نحو الرواق الغربي حيث مرقد السيد إبراهيم المجاب (عليه السلام).
نسبه:
هو السيد إبراهيم المجاب بن محمد العابد بن موسى بن جعفر (عليهما السلام).
والده:
كان أبوه من خيرة الخلق ومن أفاضل أولاد الإمام الكاظم (عليه السلام) بعد أخيه الإمام علي بن موسى الرضا (عليهما السلام)، كان يلقب بالعابد لكثرة عبادته، وصومه وصلاته وورعه. ولكن حاله حال آبائه وأجداده نُكّل به وشرد وشتّت عائلته بسبب الظلم والجور ودفن في شيراز.
والدته:
أم ولد (١).
زواجه:
يقال: إنه تزوج من قبيلة بني أسد الساكنين محاذاة الفرات، وارتباطه بهذا الزواج يجعل منه محميًا للتنقل معهم في حلهم وترحالهم.
ذكر المؤرخون بأنه سيد ضرير، كان يقطن في الكوفة يطلق عليه: (الضرير الكوفي)
قلت كما قالوا: الله يجعل سره في أضعف خلقه.
لم نجد له أثرًا في الكوفة!
لم تخُر القوى لنواصل البحث...
قال آخر: إنه في سنة من سني عمره رحل لكربلاء بعد انتهاء حكم المتوكل سنه ٢٤٧ھ، وآثر الاستيطان فيها، سكن في الحائر الحسيني مع عائلته... أول علوي يستوطن كربلاء بعد واقعة الطف! سكن إلى جوار جده الحسين (صلوات الله عليه)، عمَّر حرم الإمام الحسين (عليه أفضل الصلاة والسلام)، كانت مقاليد الحرم تحت يديه...
قيل: إنه (رضوان الله تعالى عليه) سلم على أبيه الحسين (عليه السلام) فرُدَّ عليه السلام فلُقّب (بالمجاب) فأي منقبة تلك!
دفن في جوار جده الحسين (عليه السلام) وأي فضل هذا ومما زاد على الفضل بروز قبره على سائر القبور الأشراف والوزراء التي دفنت هناك...
نعم، إنه سيد إبراهيم بن محمد العابد بن الامام الكاظم (عليهم السلام) المعروف (بإبراهيم المُجاب) المدفون في الرواق الشمالي الغربي لضريح أبي عبدالله الحسين (عليه السلام).
ألقابه:
-المجاب:
حظي بجواب المعصوم -وهذه كرامة عظيمة- لخصوصية أراد الله أن يحبوه بها، فعندما دخل مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) وألقى السلام فقال: السلام عليك يا أبي، جاءه الرد: وعليك السلام يا ولدي. (٢)
ويقال: إن سبب تسميته بالمجاب لشدة ورعه وتقواه، وقد يكون بسبب أن الدعاء عند قبره مستجاب سواء بدعائه أو عن طريق أجداده المعصومين (سلام الله عليهم).
-صاحب الصندوق:
لُقب به وذلك لعدة أسباب منها:
إنه لا يوجد قبر عليه صندوق من غير أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) إلا هو، رغم وجود آلاف القبور في المرقد الشريف، إذ إن قبره الوحيد من بين قبور السادة والعلماء والأفاضل من غير أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) كان عليه صندوق بارز ومن ثم شباك ظاهر. (٣) ففاز ببروز قبره فوق نسبه الشريف.
كما قد يكون قد وضع على قبره صندوق ليميزه عن قبر عمه إبراهيم بن موسى بن جعفر (عليه السلام) المدفون خلف ظهر الإمام الحسين (عليه السلام) بستة أذرع وليس على قبره صندوق، أو قد يكون المقصود هو وضع صندوق لوقفيات المرقد الشريف.
-الضرير:
لأنه فاقد للبصر
- الكوفي:
لأنه يسكن الكوفة قبل مجيئه إلى كربلاء.
جانبٌ من أحداث حياته:
-انتقل إلى كربلاء في سنة ٢٤٧هـ بعد هلاك المتوكل الذي هدم قبر الإمام الحسين (عليه السلام)، وكان برفقته نفر من بني هاشم وبرفقة الاشناني الذي شهد هدم القبر الشريف.
-قام بخطوة استشهادية عندما استغل فرصة تراخي السلطة في تلك الفترة بعد موت المتوكل وسكن كربلاء. إذ إنه لم يستطع أحد قبله بالاستيطان في منطقة الحائر، بسبب تتبعهم من قبل السلطات الظالمة وأنزال أقصى العقوبات، فكان له الشرف بعمارة القبر الشريف.
- يعتبر شرف تنصير كربلاء وجعلها مدينة استيطانية كان من نصيب السيد إبراهيم المجاب (عليه السلام) عندما سكن هو وأولاده وذريته بها...
أثبت السيد إبراهيم المجاب أن منهج أئمتنا (عليهم السلام) في حث شيعتهم على الاندماج داخل محيطهم ومجتمعاتهم وفي توطيد علاقاتهم الاجتماعية هو المنهج الصحيح، وأن لا يكونوا أفرادًا منفرين للمذهب وإنما يكونوا زينًا للمذهب وليس شيناً، وأن المعطى الثقافي هو الأولى في حركة التشيع، فهو الذي يجعل من التمدد دون إثارة الطرف الآخر ودون استدراجهم لردود الفعل، وأن كان ثمة ظلم قد يقع فليقع لأننا نمتلك الحجة عليهم وهي ليست بيد خصمنا من خلال عدم تمكينهم من رقابنا. لذلك ذهب إلى كربلاء واندمج في المجتمع وأصبح شعاعًا يجذب الناس للاستيطان في تلك البقعة المطهرة لترتقي وتشمخ المنارات الذهبية لكل من هب ودب رغم أنوف أعداء أهل البيت (عليهم السلام).
____________________
١- كتاب الارشاد للمفيد
٢-كتاب غاية الاختصار
٣-كتاب الاعيان

اخترنا لكم

حوارٌ مُبين في زيارة الأمين (١٢)

بقلم: علوية الحسيني ودعاء الربيعي "مشغولةً عن الدنيا بحمدكَ وثنائكَ" محورُ هذه الحلقةِ الأخيرة هو (الانشغالُ عن الدنيا بذكرِ اللهِ (تعالى) والثناء عليه)، وسوف نعلمُ كيفية الانشغال عن الدنيا بحمدِ وذكر الله (تعالى)، وكيفَ لنا أنْ نصلَ إلى هذهِ المرتبةِ العظيمة. فذكرُ الباري من شيَمِ المُتقين كما قال مولانا علي (عليه السلام): "ذكرُ اللهِ شيمةُ المُتقين". وقال أيضًا: "ذكرُ اللهِ سجيةُ كلِّ مُحسنٍ وشيمة كلِّ مؤمنٍ", وقال: "ذكرُ اللهِ مسرةُ كلِّ مُتقٍ ولذّة كلِّ موقنٍ" ويتم بيان ذلك من خلال عدة أسئلة: السؤال الأول: ما هي كيفيةُ الانشغالِ عن الدنيا؟ وكيف نُحقق ذلك؟ ولماذا قال الإمام زين العابدين (عليه السلام): "مشغولةً بالحمدِ والثناء" ولم يقُلْ مثلاً "مشغولةً بالاستغفار، أو التكبير"؟ ج/ قبلَ بيانِ كيفيةِ الانشغالِ بذكرِ وحمدِ الله (تعالى) وترك الدنيا، هناك التفاتةٌ مهمةٌ لابُدَّ من بيانها، وهي أنّ الذكرَ والحمدَ لله (تعالى) يكونُ في دارِ الدنيا فكيف تكونُ مذمومةً وهي طريقُ مؤدٍ للخيرات؟ إذًا كيف نتركها؟ الجواب: أجبنا عن ذلك في إحدى الحلقات السابقة، الثامنة تحديدًا (مشتاقةً إلى فرحة لقائك)، فكانَ حُبُّ الدنيا والتعلّقُ بها سببًا لحجبِ المؤمنين عن رؤية ربّهم قلبيًا وأما الدنيا في هذا المقطع (مشغولةً عن الدنيا بحمدِك وثنائك) فالدنيا تارةً تكونُ دارَ اصطفاء، وأخرى دارَ خزي؛ كما أخبرنا اللهُ (تعالى) في كتابه الكريم، بقوله: {وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِين}(1), وقال (تعالى) في قباله: {لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيم}(2) فيتضح لنا أنّ الدنيا متعددةُ الأدوارِ حسب سالكيها، فقد رويَ عن الإمامِ علي (عليه السلام) أنّه قالَ لشخصٍ يذمُّ الدنيا: "أيُّها الذامُّ للدنيا، المغترُّ بغرورها، المخدوعُ بأباطيلها، أتغترُّ بالدنيا ثم تذمّها؟ - إلى أنْ قال - إنّ الدنيا دارُ صدقٍ لمن صدّقها، ودارُ عافيةٍ لمن فهم عنها، ودارُ غنى لمن تزوّد منها، ودارُ موعظةٍ لمن اتّعظ بها، مسجدُ أحبّاء الله، ومُصلّى ملائكةِ الله، ومَهبطُ وحي الله ومتجر أولياء الله...."(3) فاتضح أنّ الدنيا على أربعةِ أقسامٍ تندرجُ تحت إطارِ دنيا الاصطفاء المُشار إليها، فمن يتخذها لغير هذه الأغراض الأربعة يكن محتجبًا عن لقاء الله (تعالى)، منشغلًا بها، أما من اتخذها ممرًا فقد لاقاه (جلّ جلاله)، وأنشغل عنها. إلى هنا يبقى السؤالُ قائمًا: كيف ننشغلُ عن الدنيا بحمدِ وذكرِ الله (تعالى)؟ الجواب: بما أنّ الدنيا هي دارُ علمٍ وعملٍ، فينبغي اغتنام الأوقاتِ فيما يعودُ نفعًا على النفس، وإلاّ سوّفت وألهت بطول الأمل، كما يقولُ الشاعر: يا منْ بدنياهُ اشتغل قد غرّه طولُ الأمل الموت يأتي بغتةً والقبر صندوق العمل وأيُّ عملٍ أزكى من ذكر الله (تعالى)، ومن مصاديق الذكر أداءُ الواجباتِ والمستحبات؛ لأنّها تُهيمنُ على القلب فتجعله مطمئنًا مُستنيرًا بنورِ المعرفة، ولا يتعدّى الحدود التي رسمها له الله الواحد الأحد، فلا يرتكبُ صاحبه الذنب، وإن ارتكب أسرع وتوضأ بماءِ التوبة، وصلّى على سجادةِ العفو؛ يقول (تعالى): {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب}(4)، ويقول (سبحانه): {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون}(5)، فذكر الله (تعالى) أكبر وأوسع من أنْ يشملَ الصلاة فقط. إن الانشغالُ عن الدنيا بذكرِ وحمدِ الله (تعالى) لا يعني انطواء العبدِ وعزلتِه عن الناسِ وتفرغه للتعبد، بل يعني اتخاذ دارِ الدنيا لحمدِ وثناءِ الله (تعالى)، وفي الوقتِ نفسه ممارسة نشاطات الحياة فيها، والدعاءُ بأنْ يوفقَ لذلك مبتعدًا عن الغفلات، يقول الإمام زين العابدين (عليه السلام) في دعائه مكارم الأخلاق: "اللّهم نبّهني لذكرِكَ في أوقات الغفلة، واستعملني لطاعتك في أيام المهلة"(6)، والحمدُ والثناءُ من الذكر، فيشمله طلب الدعاء. ويعضدُ ذلك ما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "إنّ الدنيا لم تُخلقْ لكم دارَ مقامٍ، بل خُلِقت لكم مجازًا لتزودوا منها الأعمال إلى دار القرار"(7) أما سببُ تخصيصِ الإمام زين العابدين (عليه السلام) في دعائه أثناء زيارته لجدّه الإمام علي (عليه السلام) بالحمدِ والثناءِ دون سائر الأذكار؛ فلعلّه إشارة منه (عليه السلام) إلى أنّه وبعدَ معرفةِ الله (تعالى) يأتي لزومُ شكره، والثناء على عطاياه؛ وهذا ما تُشيرُ إليه القاعدة العقلية (لزوم شكرِ المنعم)، التي هي إحدى القواعد التي توجبُ على العبدِ معرفةَ ربّه. روي في فضل الحمد "عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ قَالَ قُلْتُ لأبِي عَبْدِ الله (عَلَيهِ السَّلام): أَيُّ الأعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى الله (عَزَّ وَجَلَّ)؟ فَقَالَ أَنْ تَحْمَدَه"(8). وفي الثناءِ الذي هو: التمجيدُ لله (تعالى)، ومدحه، روي "عن الإمام الصادق (عليه السلام): إنّ العبدَ لتكونَ له الحاجة إلى الله فيبدأ بالثناءِ على الله والصلاة على محمدٍ وآله حتى ينسى حاجته، فيقضيها من غير أنْ يسأله إياها"(9). أما عن كيفية الثناء فقد روي عن أبي عَبْدِ الله (عَلَيهِ السَّلام): "إِذَا طَلَبَ أَحَدُكُمُ الْحَاجَةَ فَلْيُثْنِ عَلَى رَبِّهِ وَلْيَمْدَحْهُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا طَلَبَ الْحَاجَةَ مِنَ السُّلْطَانِ هَيَّأَ لَهُ مِنَ الْكَلامِ أَحْسَنَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَإِذَا طَلَبْتُمُ الْحَاجَةَ فَمَجِّددُوا الله الْعَزِيزَ الْجَبَّارَ وَامْدَحُوهُ وَأَثْنُوا عَلَيْهِ تَقُولُ: يَا أَجْوَدَ مَنْ أَعْطَى، وَيَا خَيْرَ مَنْ سُئِلَ، يَا أَرْحَمَ مَنِ اسْتُرْحِمَ، يَا أَحَدُ يَا صَمَدُ، يَا مَنْ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ، يَا مَنْ لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً، يَا مَنْ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، وَيَقْضِي مَا أَحَبَّ، يَا مَنْ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ، يَا مَنْ هُوَ بِالْمَنْظَرِ الأعْلَى، يَا مَنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ، يَا سَمِيعُ يَا بَصِيرُ. وَأَكْثِرْ مِنْ أَسْمَاءِ الله (عَزَّ وَجَلَّ؛ فَإِنَّ أَسْمَاءَ الله كَثِيرَةٌ، وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و وَآلِه وجميعُ ذلك إقرارٌ بوجودِ الله (تعالى)، والمعرفة به. السؤال الثاني: ماهي الآثار الدنيوية والأخروية المترتبة على الانشغال عن الدنيا بذكر الله وحمده وثنائه؟ ج/ الآثارُ عديدةٌ، منها: 1/ الاطمئنان القلبي. 2/ تخفيف الحساب. 3/ بلوغ المنازل الشريفة في الدارين. 4/ ديمومة حياطة الله (تعالى) له. 5/ زيادة الأرزاق. 6/ إحياء القلوب. 7/ كثرة البركة. 8/ النجاة من الهلكة. 9/ الابتعاد عن الشيطان. 10/ الدنو من ملائكة الرحمن. السؤال الثالث: كيف جسّد الإمام السجاد (عليه السلام) وهو سيّدُ الساجدين وزين العابدين مفهوم الانشغال عن الدنيا بذكر الله (تعالى)؟ ج/ لقد جسّد الإمام زين العابدين (عليه السلام) صاحبُ هذه الزيارة الانشغال بحمدِ الله (تعالى) والثناءِ عليه تاركًا الدنيا وزخرفها عن طريقِ المنظومة العبادية التي أسسها (عليه السلام) من صلاةٍ ودعاءٍ عالي المضامين، عميق المقاصد، وكان هذا سلاحُه في مواجهةِ الدنيا وأهل الدنيا، فجمعَ بين محاربة الدنيا وتهذيب المتعلقين بها، وبين الانشغال بحمد الله (تعالى) وثنائه. لكن هذا لا يعني أنّه ترك وظيفته الدعوية، وظيفة الأنبياء (عليهم السلام)؛ إذ هو إمامُ ذلك الزمان بعد أبيه الحسين (عليه السلام)، بل كانتْ أدعيتُه فيها نوعٌ من الدعوةِ إلى الله (تعالى)، ذات صبغة تعليمية، مكتسية بعباراتٍ تكشفُ الحكّام الظالمين، ومتلألئة بأنوارٍ معرفيةٍ عقائديةٍ وفقهيةٍ وأخلاقية، فكتب صحيفته السجادية التي تُسمّى (زبور آل محمد)؛ لعظمتها، فهذا هو الحمد والثناء الذي جسّده (عليه السلام). ومن المؤسفِ أنّ البعض يعتقدُ في إمامه السجاد (عليه السلام) أنّه اتخذ من البكاء وردًا له، واعتزلَ شؤونَ الأمةِ الإسلامية آنذاك، وقد غابت عنهم أمورٌ عديدةٌ غير دور السلاح الدعائي، منها: أنّه (عليه السلام) كان يشتري عبيدًا ويعلّمهم ثم يعتقهم؛ لينشروا ما تعلّموه بين الأوساط، فكان هذا من قبيل الانشغال بنشر حمد الله (تعالى) الواحد الأحد والثناء عليه. وكذا خطبته البليغة التي تشهدُ بموقفها المسيرةُ الحسينية، حيثُ كانت من قبيل نشر حمد وثناء الله تعالت أسماؤه. السؤال الرابع: هناك بالتأكيد فارقٌ كبيرٌ بين من ينشغلُ عن الدنيا وبين من ينشغلُ بالدنيا، ولنا في سيرِ الماضين دروسٌ وعِبرٌ فهلّا بيّنتم هذا الأمر؟ ج/ إنّ الفرقَ بين الجملتين هو حرفُ جر، فمفادُ الأولى صرفُ الإنسانِ عن الدنيا، والثانية تغمسه في الدنيا. وشتّانَ ما بين الحالين. لنأخذ مثالًا الشخص المَزُوْرَ، النور في الديجور، أمير المؤمنين، علياً (عليه السلام) فقد كان كثيرًا ما يدعو إلى الزهدِ في الدنيا –الزهد أنْ لا يملكك شيءٌ-, ولهذا كانت بطولاتُه وشجاعتُه مسجلةً أسمى الدرجات، وفاقَ من زاحمه المنصب القيادي آنذاك، وكان لا يهابُ الموت ومفارقة الدنيا، حتى أصبح الموت له ولذريته عادة، والكرامة له ولهم الشهادة. والمواقف التاريخية خيرُ شاهدٍ على ذلك؛ وما نومه في فراش النبيّ (صلى الله عليه وآله) إلا تجلٍ للانشغال بحمدِ الله (تعالى) وثنائه، وترك التعلق بالدنيا، مع الاستعداد للموت. وما مشاركته في الحروب مع ابن عمه (صلى الله عليه وآله) إلاّ تجلٍ آخر أيضًا. وعلى هذا فليقس كلّ من لا يعرف شيئًا عن آل محمد (عليهم وعلى سيدهم السلام)، فتوارثهم ذلك كان من المصطفى الأحمد، محمد (صلى الله عليه وآله) ومن هنا توارثت العترة المحمدية خصلة الانشغال عن الدنيا بحمد وثناء الواحد الأحد، مع مراعاة وظائفهم المنوطة بهم.هي الخلاصة لأهمِّ الدروسِ والعبر المُستسقاة من هذه الزيارة العظيمة التي شملت وتضمنت مفاهيم غاية في الأهمية تساهم وبشكلٍ فعّال في صلاحِ الفردِ والمجتمع ككل؟ ج/ الخلاصة: أنّ الدعاء الوارد في زيارةِ أمينِ الله (عليه السلام) يُحاكي جوارح وجوانح العبد؛ فتارةً يُحاكي الجوارح كالفقرات التالية: مولعةً بذكرك، مفارقةً لأخلاق أعدائك، مشغولةً عن الدنيا بحمدِك وثنائك، ذاكرةً لسوابغ آلائك، مستنةً بسننِ أوليائك. وأخرى يُحاكي الجوانح كالفقرات التالية: مطمئنةً بقدرك، راضيةً بقضائك، صابرةً على نزول بلائك، مشتاقةً إلى فرحة لقائك، متزودةً التقوى ليوم جزائك، شاكرةً لفواضل نعمائك، محبةً لصفوة أوليائك. وكما تعوّدنا قراءةَ الأدعيةِ الشاملةِ من أهلِ البيت (عليهم السلام) عمومًا، ومن صاحب الزبور المحمدي، الإمام زين العابدين (عليه السلام) خصوصًا، فهذا الدعاءُ أحدُ أدعيته، الذي يُعدُّ أحدَ اللوائحِ المعرفية التي لا تخلو منها حياةُ أيّ عبد، ومن ثم فلا استغناء عن مفردات هذا الدعاء. ونرجو أن نكون قد أعطينا الفقرات شيئاً من حقِّها بالتوضيح -وإنْ كان قاصرًا.- _________________ (1) البقرة: 130. (2) البقرة: 114. (3) نهج البلاغة: ح131. (4) الرعد: 28. (5) العنكبوت: 45. (6) مفاتيح الجنان: للشيخ عباس القمي, ص (7) نهج البلاغة, خ132. (8) الكافي: للشيخ الكليني, ج2, باب التحميد والتمجيد, ح2. (9) بحار الأنوار: للعلامة المجلسي, ج39, ص312. (10) مصدر سابق, ج2, باب الثناء قبل الدعاء, ح6. وَالحَمْدُ للهِ الَّذِي تَحَبَّبَ إِلَيَّ وَهُوَ غَنِيُّ عَنِّي، وَالحَمْدُ للهِ الَّذِي يَحْلُمُ عَنِّي حَتَّى كَأَنِّي لا ذَنْبَ لِي، فَرَبِّي أَحْمَدُ شَيْءٍ عِنْدِي وَأَحَقُّ بِحَمْدِي.

البيان والبلاغة في كلمات أهل البيت عليهم السلام
منذ 3 سنوات
349

رسالة غديرية (تجنبِ الطاغوتَ الذي في داخلِك لتنجو)

بقلم: فاطمة الركابي قال (تعالى): {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[البقرة:256]. إنَّ أساس تعامل النظام الديني مع الإنسان هو وفقَ مبدأ أن لا يُجبر على أيِّ اختيار، ويبقى مسؤولًا وحرًا في اتخاذِ أيِّ قرار، فإنْ كان من أهلِ الرشد باتباع ما تُمليه عليه فطرته فهو سيسلمُ وينجو، أما إن اختار الغيّ فسيهلك. وحبلُ الثبات للبقاء في منطقةِ الأمان والاستقامة بالكفر والبراءة من الطاغوت، والإيمان والدخول في ولاية الله (تعالى) هو "التمسك بالعروة الوثقى" التي لا يُمكنُ أنْ تنقسمَ أو تزول؛ لأنّها مُرتبطةٌ بربِّ السماء، ونور رسالته، كما ورد عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "... معاشر الناس! من أحبَّ أنْ يتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصامَ لها فليتمسكْ بولاية علي بن أبي طالب، فولايتُه ولايتي، وطاعتُه طاعتي. معاشرَ الناس! من أحبَّ أنْ يعرفَ الحُجةَ بعدي فليعرفْ عليَّ بن أبي طالب. معاشر الناس! من سرَّه ليقتديَ بي، فعليه أنْ يتوالى ولاية علي بن أبي طالب والأئمة من ذريتي، فإنّهم خُزّانُ علمي"(1). وبعد رحيل النبي (صلى الله عليه وآله) للرفيق الأعلى، كان يستوجبُ وجود من يخلُفه في الأرض، إذ فُطِرَتِ البشريةُ منذ أول خلقتها على أنَّها تحتاجُ لقائد، والله (تعالى) لم يُخلها يومًا من القيادةِ الحقّة، المعصومة، التي يمثلها الإنسانَ الكامل؛ لتهديها وتأخذ بأيدي من ينقاد إليها لصراطه المستقيم. وفي قوله (تعالى): {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى الله لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فَبَشِّرْ عِبَادِ}[الزمر:١٧]، إشارةً لفعلين بهما يبلغُ العبدُ الخيارَ الصحيح هما (التجنب) و(الإنابة). إذ يُمكنُ أنْ نفهمَ من (التجنب) هو الابتعاد عن الشيء، وركنُه جانبًا، وقوله (أَن يَعْبُدُوهَا) - كما يبدو- أنَّ مفهوم (العبادة) هُنا عامٌ، أي يشملُ خدمةَ الطواغيتِ، دعمهم، تأييدهم، العمل معهم، الإصغاء والسكوت على فسادهم (كما ورد من أصغى إلى ناطقٍ فقد عبده)، فهذا اقترابٌ وليس ابتعادًا (اجتناب)، فهو سيكون ممن يحملُ روحيةَ الطغاة، وجزءًا من مشروعهم الظلامي المفسد، وتحقيقُ الاجتناب يكونُ عبر الفعل الثاني. إذ التجنب -كما تُبيّن الآية- يتطلبُ (الإنابة)، أي الرجوع لله (تعالى) في كُلِّ قولٍ وسلوكٍ، فالدخولُ بولايةِ الله (تعالى) والتقرُّبُ من أهلِ الحقِّ، وخدمةُ المشروع الإلهي، وفضحُ حقيقةِ منهجِ الطاغوت، وتبيين مساوئه، كُلُّها تُحقِّقُ مفهومَ التجنبِ في النفس، وتُحقِّقُ العبودية لله (تعالى)، وتقتلُ بذورَ الطغيان فيها. لذا في الآيةِ التي تليها نقرأ قوله (تعالى): {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ الله وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}[الزمر:18]، فأهلُ التعقلِ المهديون لن تنطلي عليهم أفكارَ وأساليبَ الطواغيت، بل هم من أهل الوعي وحُسنِ الاستماعِ والتمييز. فالخطورةُ بدءًا ليست في القياداتِ الظالمة، والطغاة، بل في أفرادِ المجتمعات المُلتفّة حولَ هؤلاءِ الطغاة، فهم قد خرجوا من قانونِ العبودية لله (تعالى)، وممن فقدوا رشدهم، وآثَروا مصالحهم الشخصية الدنيوية وزينة الحياة الدنيا ففرحوا بأضوائها، وعَموا عن رؤيةِ حقيقةِ خلوِّها من الأنوار التي لا يُمكِنُ تحصيلُها إلا باتباع أهلِ النور الإلهي، والمنهج للشريعة الإلهية التي أرسلت إليهم. فمن لم يُصغِ، أو أصغى لتبليغ النبي (صلى الله عليه وآله) ولم يَستقِمْ على عهده في تولّي من ولَاهم عليه من بعدِه على امتدادِ تلك الأزمنة إلى خاتمِ الأئمة (عجل الله (تعالى) فرجه)، هو ممن لم يجتنبْ ذلك الطاغوت الذي في داخلِه، فطغى واستكبر عن طاعة أمرِ ربِّه ورسوله، فصعبٌ عليه الانقياد لولاةِ أمره، وقد اشترك في صناعةِ طاغوتِ زمانه، ولأنه ممن لم يتمسكْ بالعروةِ الوثقى سيكونُ بذلك مصيرُه الهلاكَ في الحياة الأخرى. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (١) غاية المرام: ٢٤٤.

اخرى
منذ 3 سنوات
196

نور وألم... يحُمل على رمح أم قلم

بقلم: حنان الزيرجاوي/ نورا العبودي نقاوة قلب مع شفاه ذابلات، نور ساطع يملأ ذلك الوجه الصغير، ليس إنسانًا، فإنه ملك من السماء ينتظر قدرًا. أي قدر في كربلاء؟! عنق رقيق يذبحه ذلك الرمح، من شدة ألمه أخرج يديه ليعانق أباه، كأنه يرفرف من حرارة الشوق ليس من حرارة الألم، ملأ من دمه كفيه ليرفعه نحو السماء فلم تسقط منه قطرة لأنه طفل السماء. ما بال قلمي يذرف حبره كلما كتبت عن الرضيع! أيريد لبس شعار الجزع والمصاب، أم يريد الاتشاح بالسواد لأجل ما طُمس من أعلام الهداية، وأُسِّس من أركان الغواية. تعجبت! تساءلتُ؟ ووصلت لنتيجة مرّة وأنا أتأمل بمصير ذلك الطير المذبوح: على أي شيء رفع رأس الرضيع؟ أعلى رمحٍ أم قلم؟ كلمات لا أود أن ألصقها على جدران النسيان، بل أدونها عبر التاريخ، عندما كنت أكتب أحدى قصصي التي تتناول جانب معركة الطف وشخوصها كنت أتوقف عند كل شخصية ألقي التحية عليها، أتحدث عنها بما يسعفني به خاطري، توقف قلمي فجأة عن الكتابة، صار يرمقني بنظرات حزن وبكاء! أجل يذرف دموعًا من حبر، حبره يسيل على أوراقي البيضاء، يتلفها بل يلتهمها كأن الحبر به جمر يحرقها، جففت المتبقي من أوراقي، أعدت ترتيب مكتبي، ملأته حبرًا مرة أخرى، أردت متابعة الكتابة عن تلك الشخصية، عن رضيع الحسين تحديدًا، أمسكت بقلمي قلت له: قلمي العزيز كيف سأكتب ما يجول بخاطري وذهني، أنت تخذلني، أعتذر منك يا رفيق دربي لكن هذه المرة الأخيرة أن أدلقت ما بك من حبر على ورقي الثمين، سأستبدلك بقلمٍ آخر، لأني أود أن أكمل ما بدأته من حديث عن البلية التي سلبت نفوس خير الآل، مصيبة أبي عبد الله (عليه السلام). أمسكت به جيدًا، قربته من أوراقي، كتبت، وجدت القلم يكتب غير ما أملي عليه، كتب لي: حتى لو جمعت أقلام العالم لم يسعفك أحدها بالكتابة، سيصل عند رضيع الحسين وسيزفر حبره خارجًا وسيموت! قلت له: لماذا؟ قال: آه كم أشعر بحزن كبير، كم أشعر بالآلام والجروح، إنها تسكنني منذ زمن بعيد، كلما أردت أن أتحدى حزني فشلت، ترعرع الحزن داخلي، كلما حاولت أن أكمل الكتابة وأبوح، وأن لا أذرف حبري وجعًا، فإن الجروح تزداد، كل رؤوس آل البيت رفعت فوق الرماح إلا رأس الرضيع رفع على رمح من قلم!

اخرى
منذ 4 سنوات
1264

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
69399

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
50327

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41062

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
34877

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32053

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
31607