تشغيل الوضع الليلي
شبهاتٌ حول مذهب التشيع/ في التوحيد (10)
منذ 5 سنوات عدد المشاهدات : 1998
بقلم: علوية الحسيني
إله الشيعة لا تمكن رؤيته فهو عدم
تمهيد:
أخذ المجسمة بالتشنيع على مذهب الشيعة الامامية؛ ظنًا منهم أنّ القول بجسمية الله تعالى ولوازمها هي العقيدة الحقة، وبعيدًا عن الانحياز إلى مذهبٍ دون آخر سوف نبيّن عقيدة كلا المذهبين، واللوازم المترتبة عليها عقلًا ونقلًا، وعندئذٍ يتضح لأولي الألباب المذهب الحق.
يذكر أنّ الشيعة الامامية قالوا بتنزيه الله تعالى عن كل الصفات السلبية، وأوجبوا سلبها عن الله تعالى؛ بتأويلها، فمنعوا عن الله تعالى الرؤية والمكان والشريك والجسم، بخلاف بعض المذاهب الأخرى التي أجازت تلك اللوازم عليه سبحانه (جلّ جلاله).
وهنا مطالب:
المطلب الأول: عقيدة الشيعة في رؤية الله تعالى.
تعتقد الشيعة الامامية تبعًا لأهل البيت (عليهم السلام) أنّ رؤية الله تعالى ضرورية لترسيخ الإيمان (1)، فالعبادة بدون رؤية ليست عبادة حقيقية، لكن هذه الرؤية ليست الرؤية البصرية التي اعتقد بها بعض من خالفنا في العقيدة، بل هي الرؤية القلبية، استنادًا إلى أدلة عقلية ونقلية نزّهت الله تعالى عن الرؤية البصرية في الدنيا والآخرة.
وليس كلّ ما لا يمكن رؤيته بالبصر فهو عدم؛ وكفى بالروح مثالًا، فلا عاقل يقول بعدمها رغم عدم إمكان رؤيتها.
وما امتازت به الشيعة الامامية عن سائر المذاهب هو التأويل، وهذا ما تصدح به كتبنا، فمتى ما صادفنا نص ظاهره يثبت الرؤية البصرية وجب تأويله؛ تنزيهًا لله سبحانه وتعالى علوًا كبيرًا عن ذلك الظاهر.
وعليه، لو تعارض ظهور الآيات مع الدليل العقلي القائل بتنزيه الله تعالى عن الرؤية، فيؤخذ بالدليل العقلي؛ لأنّه بمثابة القرينة المتصلة في علم التفسير، والقرينة تقدّم على ذي القرينة، فيقدّم الدليل العقلي على ذلك الظهور، ويُؤول الظهور بما ينفي عن الله تعالى أي نقص محتمل، كالجسمية التي هي لازم من لوازم الرؤية البصرية.
ولتتضح الصورة نقول:
أولًا: وجه امتناع رؤية الله تعالى عقلًا:
1/لو أمكن رؤيته تعالى لهيمنت عليه أبصارنا وأحاطت به فيكون الرائي (نحن المخلوقات) أقوى وأكمل من المرئي (الله سبحانه) وهذا باطل عقلاً؛ إذ جميعنا يشهد على نفسه بالافتقار إليه تعالى فكيف تنقلب الموازين هنا بجعل الله تعالى محدودًا تحده أبصار مخلوقاته!
2/لو كان الله تعالى مرئيًا لكان في جهة، والتالي باطل فالمقدم مثله في البطلان.
*بيان بطلان المقدم: (لو كان تعالى مرئيًا)
إنّ الرؤية إمّا أن يكون المرئي فيها مقابلاً للرائي مباشرةً، كنظرنا إلى بعضنا.
وإما أن يكون المرئي بحكم المقابل للرائي، أي بالواسطة، كنظرنا إلى المرآة التي تعكس صورتنا، فالصورة في المرآة بحكم الشيء المقابل نظرًا.
والرؤية بكلا صورتيها محالة على الله تعالى.
*بيان بطلان التالي: (لكان في جهة).
الجهة هي مقصد المتحرك، ومتعلق الإشارة الحسية، فهي حيزٌ للشيء، وكلّ متحيّز محدود، والحد من صفات المخلوق لا الخالق، فامتنع كونه تعالى في جهة.
ثانيًا: وجه امتناع رؤية الله تعالى نقلًا:
1/قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير} (2)، أخبرنا سبحانه أنّه لامثيل له حتى نجري قانون الرؤية عليه -وسائر ما ينطبق على المخلوقات-، فالعين لا تدرك الاّ الأجسام أو صور الأجسام، والله تعالى ليـــس بجسمٍ ولا صورة جسمٍ حتى تحيط أعيننا به.
2/قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي} (3)، فحرف (لن) يفيد التأبيد لغةً، فجاء نفي الله تعالى لرؤيته مؤبدًا -دنيا وآخرة، للنبي ولغيره-.
ثالثًا: عبارات توحي بإمكان الرؤية البصرية.
في تراث الشيعة الامامية هناك مقاطع من أدعية محمد وآل محمد (عليهم السلام)، أو من مناجاتهم، توحي للقارئ بإمكان رؤية الله تعالى بصريًّا، من قبيل: ما جاء في مناجاة الراغبين: "والزلفى لــديك، والتمتع بالنــظر إليك"، وما جاء في مناجاة المُحبّين: "واجتبيته لـمشاهدتك"، وما جاء في مناجاة المُتوسلين: "وأقررتَ أعينهم بالـنظر إليك يوم لقائك"، وما جاء في مناجاة المُفتقرين: "وشوقي لا يبله إلاّ النظر في وجـهك"، وما جاء في مناجاة الذّاكرين: "ولا تسكن النفوس إلاّ عند رؤيـاك"، وما جاء في مناجاة الزّاهدين: "وأقرر أعيننا يوم لقائك برؤيتك"، وغيرها كثير...
وكل ما في هذه العبارات ينصرف إلى الرؤية الفؤاديّة، وليس الرؤية بالبصر وبالعين الباصرة؛ تأويلًا. فالإنسان المؤمن إذا وصل إلى أعلى مراتب الإيمان بحيث حصل له القطع واليقين والعلم المتين بــوجود الخالق العظيم من خلال الآثار والحقائق والآيات الدالة عليه سوف يرى الله تعالى -بقلبه المُـذعن، الـخالي عن الماديات، الصـافي من الشكوك والأوهام والترهات- رؤية نورانيّة معنوية.
المطلب الثاني: عقيدة المجسِّمة في رؤية الله تعالى تعتقد المجسمة والمشبهة والكرامية بإمكان، بل بوجوب رؤية الله تعالى رؤية بصرية؛ لجمودهم على ظاهر النصوص القرآنية، والابتعاد عن نهج سادة التوحيد محمد وآل محمد (عليهم السلام)، وهذا ما أدى بهم إلى الاعتقاد بكونه تعالى جسمًا، وكلّ جسمٍ مرئي، إذًا ممكن رؤية الإله عندهم.
ولتتضح الصورة نقول:
أولًا: امكان رؤية الله تعالى عقلًا
ذكروا أدلة على ذلك من قبيل:
1/إنّ الوجود مشترك معنوي بين الواجب والممكن، فإذا كان المنشأ هو الوجود، لا فرق حينئذ في جواز الرؤية بين تعلقها بالممكن أو الواجب، فيلزم من ذلك إمكان رؤية الباري عز وجل" (4) وهذا ما استدل به الأشاعرة.
ويرد: بأنّ أبا الحسن الأشعري يقول بالاشترك اللفظي (5) وإنّه يقول بعدم زيادة الوجود عن الماهية وأنّ الوجود هو نفس الماهية (6).
ثمّ أنّ الوجود وإن كان مشتركًا معنويًا إلاّ أنّ حقيقته ذات مراتب طولية مشككة، وما به الاشتراك عين ما به الامتياز؛ فلابدّ من خصائص تميّز وجود الواجب عن وجود الممكن.
2/ دليل الوجود: "أنّ كل موجود فلابد وأنْ تكون رؤيته ممكنة، وأنّ ما لا يمكن رؤيته فلا يمكن أنْ يكون موجودًا.
قال الإيجي في المواقف: وهو طريقة الشيخ [أبي الحسن الأشعري إمام الأشاعرة]، والقاضي [أبي بكر الباقلاني وأكثر أئمتنا]" (7).
ثانيًا: امكان رؤية الله تعالى نقلًا
ننقل بعض كلماتهم وما رووه في هذا المجال:
1/ يقول عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتابه السنة: حدثني أبي، حدثنا أبو المغيرة الخولاني، حدثنا الأوزاعي، حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، قال : إن الله (عز وجل) إذا أراد أن يخوف عباده أبدى عن بعضه إلى الأرض فعند ذلك تزلزل وإذا أراد أن تدمدم على قوم تجلى لها" (8).
وأخرج الخبر بنفس هذا المضمون الطبراني في كتاب السنة حسب نقل ابن تيمية عنه في فتاواه الكبرى، يقول ابن تيمية: "لا يقال في صفات الله لفظ البعض، فهذا اللفظ قد نطق به أئمة الصحابة والتابعين وتابعيهم ذاكرين وآثرين، قال أبو القاسم الطبراني في كتاب السنة: حدثنا حفص بن عمرو، حدثنا عمرو بن عثمان الكلابي، حدثنا موسى بن أعين، عن الأوزاعي" (9) إلى آخر الخبر.
2/ التجلي الخنصري!
ويستمر تشويه التوحيـد من قبل عقيدة بني التجسيم، إنّ إلــههم تجّلى للجبل بمقدار الخنصـر!
أخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل في السنة حيث قال: حدثني خلاد ابن اسلم، حدثنا النضر بن شميل أنبأنا حماد يعني ابن سلمة، حدثنا ثابت، عن يروي بن مالك، عن رسول الله (صلى الله عليه (وآله) وسلم): انه قرأ هذه الآية ( فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا ) قال: تجلى بسط كفه ووضع إبهامه على خنـصره" (10).
3/ ويستمر التشويه العقدي، حتى يصل الأمر إلى أن تحد رؤية الإله بالزمان، وبالتفاوت بين جنسٍ وآخر، فيراه المؤمنون أكثر من المؤمنات!
لعمري لم أعلم أنّ قاعدة للذكر مثل حظ الانثيين جارية حتى في رؤية إلههم!
أخرج الدار قطني، عن أنس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم): "إذا كان يوم القيامة رأى المؤمنون ربهم (عز وجل) فأحدثهم عهدًا بالنظر إليه في كل جمعة، ويراه المؤمنات يوم الفطر ويوم النحر" (11).
ثالثًا: ما يشكل على عقيدة المجسمة
1/ عقلًا:
أ- إذا كان لله تعالى أبعاض لكان مركبًا!
فررتم من نسب الجوارح له بكلفتكم -بقولكم بلا كيف-، والآن حصحص الحق فأزلّ الله تعالى ألسنتكم بنطق شيخ التجسيم ابن تيمية حينما قال: إنّ الإله يتجلّى بعضه!
تكاد السماوات تقع على الأرض من عقيدتكم يا قوم، فكيف بتلفظّكم ودفاعكم عن هذا الكفر الصريح؟!
وطالما كان الإله مركبًا إذًا هو محتاج، والاحتياج نقصٌ، والنقص من صفات الممكن دون الواجب. وبذا صيرتموه جــوهرًا، والجوهر حادثٌ؛ بدلالة عدم خلّوه من الحوادث، فكل ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث.
ب- إنّ القول بالرؤية البصرية لله تعالى هي إحاطة منّا به سبحانه، فيحيط المحاط بالمحيط، وهذا باطل عقلًا.
2/ نقلاً:
أ- قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير} (12)
فالنفي الوارد في الآية واضح؛ معللاً سبحانه بالسبب من عدم رؤيته تعالى بأنّه هو الذي يدرك الأبصار ويحيط بهم حيث هو خبير بشؤون أصحاب الأبصار، وليس العكس.
ب- قوله تعالى: {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذَٰلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِم} (13)، وقال تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا ۗ لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرا} (14).
فلو كانت رؤية الله تعالى مشروعة لما سلّط عليهم العذاب، وذمَّ فعلهم.
_________________________
(1) من كلام لأمير المؤمنين (عليه السلام) حينما سأله ذعلب اليماني فقال: هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين؟ فقال (عليه السلام): أ فأعبد ما لا أرى؟ فقال: وكيف تراه؟ فقال: لا تدركه العيون بمشاهدة العيان، ولكن تدركه القــلوب بــحقائق الايمان.
(2) الشورى: 11.
(3) الأعراف: 134.
(4) شرح المواقف: للايجي، ج8، ص 139.
(5) شرح المقاصد: للتفتازاني ج، 1 ص 307.
(6) المواقف 48
(7) المصدر نفسه، 302.
(8) كتاب السنة: لأحمد بن حنبل، ج2، ص 470، ح1069.
(9) الفتاوى الكبرى: لابن تيمية، ج5، ص 87.
(10) كتاب السنة: لأحمد بن حنبل، ج2، ص 525، ح 1205.
(11) الدر المنثور: للسيوطي، ج6، ص293.
(12) الأنعام: 103.
(13) النساء: 153.
(14) الفرقان: 21.
وَسُبْحانَكَ اللّهُمَّ طَوَتِ الْأَبْصارُ في صُنْعِكَ مَديدَتَها، وَثَنَتِ الْأَلْبابُ عَنْ كُنْهِكَ أَعِنَّتَها، فَأَنْتَ الْمُدْرِكُ غَيْرُ الْمُدْرَكِ، وَالْمُحيطُ غَيْرُ الْمُحاط.
اخترنا لكم
معراج الروح
بقلم: أم باقر الربيعي تراتيل عشق تردد في ساحة الحق، وترانيم متيم شغف بمن أُحِب، محبوب لا يعادله أي محبوب، محبوب هو للقلب والروح أقرب، لقاء يمتزج بدموع الشوق، وما أجمله من لقاء! هو راحة بل بلسم للجراح وسرور وانشراح، بل هو الغذاء والدواء... يا سفينة الروح المتعبة حطي في شاطئ الأمان، وتمسكي بحبال الوصل دون انقطاع، وتجردي عن التكبر والعجب والرياء؛ لتنالي شرف ذلك اللقاء، وجودي بنية الإخلاص فإنّ من تقرب إليه شبرًا تقرب إليه ذراعاً، ومن تقرب إليه ذراعاً تقرب اليه باعاً، يا لَلطف الله تعالى وكرمه وجوده، فالروح تأنس بمثل ذاك اللقاء... يا روحًا اتصلت بالسماء، ففرت إلى الله تعالى؛ لتمتزج بعبير له من العطر ما لا يُباع، شذى عطره ملك كل الارجاء، ركوع وسجود وانقطاع، "ربي لا تُحرق وجهي بالنار بعد سجودي لك وتعفيري بغير مَنٍّ مني عليك بل لك الحمد والمَنّ والتفضل" (1). يا وصلة النور، أفيضي على الروح بالطهر والنقاء؛ ليتجدد العهد باللقاء، لقاء الأنس، طريق العشاق، هي الصلاة، عمود ديني، إن قُبلت قُبل ما سواها، هي الرادعة عن الأهواء "إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ" (2). هي صعود وارتقاء، فما أروع ذاك اللقاء. الصلاة هي وثيقة عقد بين العبد ومولاه، فلا يختلف اثنان من المسلمين في وجوبها، فهي من ضرورات الدين وأساسه المتين وعماده القويم، فكما تحتاج الخيمة إلى وتد قوي يثبّت وسطها فكذلك الدين، وهي معراج المؤمن نحو الملكوت العلوي؛ حيث الارتباط بمالك الأرضين والسماوات، ارتباط ينقطع عن الماديات ويتعلق بالجمال والجلال الإلهي، ذلك التعلق والانقطاع المعنوي الشفاف بنورانيته ليُلامس شغاف قلب المحب فتسيل أودية معرفة المعبود من جوانبه، وهي فرض فرضها المحبوب بخمس أوقات متفرقات قال تعالى: "إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا" (3)؛ ليتيه المحب في شواطئ العشق ويغترف من مائه ما يروي ظمأ العاشق، فبيّنها الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) بكيفيتها وكيف يكون العبد الفاني بين يدي المعبود الباقي، فيقف بتذلل وخشوع وخضوع، ويصلي صلاة مودع وكأن الموت يرفرف بجناحيه على رأسه، صلاة خاشعة في ساحة القدس الأوحد، يطأطئ الرأس في ركوعه وسجوده إعظامًا لخالقه ومنعمه ومالك وجوده... إياك أعبد ولا أعبد سواك... فأقبل عبدك العاصي، يا قابل السحرة اقبلني... ولا تحرمني ألطافك وفيوضاتك... ولنتعلم من أهل البيت (عليهم السلام) كيف نحسن ذلك اللقاء، فهم المصداق الحقيقي للانغماس والذوبان في المعشوق، يُقال إنّ أمير المؤمنين عليًا (عليه السلام) أُصيب بسهم في إحدى المعارك، فاختاروا وقت الصلاة لإخراجه؛ حيث الانقطاع التام للإمام (عليه السلام) عن العالم السفلي والتعلق بعالم اللاهوت والملكوت، ولنا في أهل بيت العصمة والطهارة أسوة حسنة، فالصلاة هي سر سعادة المرء؛ حيث استشعار الأمان والاطمئنان والراحة النفسية، وكأن يدًا خفية تُمد إلى ذلك القلب بنعم لا متناهية، فتزيل همومه وتمسح على أوجاعه وتنتشله من العالم الدنيوي، شرط الإخلاص من العبد لمولاه وسيده، لأنّ الإخلاص شرط قبول العمل. _________________ 1- مقتطف من دعاء ابي حمزة الثمالي. 2- سورة العنكبوت : آية 45. 3- سورة النساء : آية 103.
اخرىعدم أظهار الحب والعطف على الأولاد
من أهم مقومات الشخصية الناجحة هي أن يتمتع الشخص بحب الآخرين، ولا يمكن ذلك إلّا إذا كان محباً لنفسه وذاته، ونقصد بالحب هو الحب الذي لا يجعل الإنسان معتداً بذاته، ومغروراً بنفسه. ومن هنا، فمن مقومات نجاح شخصية الوالدين هي أن يتمتعا بحب نفسيهما ليستطيعا أن يحبا أبناءهما والآخرين، فلا يمكن للإنسان أن يكون محباً للآخرين إذا كان كارهاً وناقماً على نفسه، فأول موارد الحبّ والعطف أن يتمتع الشخص بالرضا عن نفسه ليحُبها ويقدرها وبالتالي يستطيع أن يحب نفسه ويغمر عائلته بالحب والعطف... ومن الموارد التي أكد عليها الشارع المقدس والأحاديث المتواترة هي أن يغمر الأبوان أبناءهم بالحب والعطف والرحمة، فأسلوب العطف والرحمة يؤدي إلى تقوية العلاقة بين الآباء والأبناء مما يجعل الأهل مؤثرين في أبنائهم، وهذا يحمل الأبناء على الطاعة والاحترام، عكس استخدام القسوة والشدة، فإنها تحمل الأبناء وتدفعهم إلى التمّرد والعصيان وعدم الطاعة، وقد روي عن الرسول العظيم محمد (صلى الله عليه واله): أحبوا الصبيان وارحموهم. وروي أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) قبّل الحسن والحسين (عليهما السلام) فقال الأقرع بن حابس: أن لي عشرة من الأولاد ما قبّلتُ واحداً منهم، فقال: ما عليّ إن نزع الله الرحمة منك! ومن مظاهر الحب والعطف التي ذكرها الحديث وأكدها علماء النفس التربوي هي (تقبيل الأطفال والتصابي لهم واحترامهم وإظهار الرأفة بهم والتعامل معهم بإحسان واحتضانهم وتقدير آرائهم وأفكارهم مهما كانت بسيطة والاستماع إليهم وتوفير المتعة والسرور والسعادة إليهم وغيرها من الاهتمامات المعنوية والمادية).. كل تلك التصرفات تُثبت للأبناء معنى الحب والعطف، مما تؤدي إلى تعزيز العلاقة الإيجابية مع الأهل بشكل يساهم في تقوية الأواصر الأسرية. وهذا يؤدي إلى انسجام وتفاعل وتأثر بين الأبناء وذويهم. وقد أكد الرسول العظيم (صلى الله عليه واله وسلم ) على تقبيل الأبناء حيث قال: (قبّلوا أولادكم، فأن لكم بكل قُبلة درجة في الجنة ما بين كل درجتين خمسمائة عام) قد يغفل بعض الآباء عن فعل هكذا أشياء بسيطة في أدائها وكبيرة في تأثيرها ومضمونها على الأبناء، فهي لا تكلف جهداً أو مالاً، ومع هذا فإن الأهل يغفلون أو لا يبالون بفعلها، ولعل الواحد منهم يمضي عليه العام والعامان بل تمضي عليه سنوات وهو لم يقبل ابنه أو يضمه إلى صدره، ويا لها من خسارة لهؤلاء الآباء والأمهات! لقد أثبت العلم الحديث أن تقبيل الأطفال واحتضانهم سبب لزيادة الجسم من إفراز هرموني الاندورفينات والسيروتونين لكلا الطرفين، مما يؤدي إلى زيادة الشعور بالسعادة والراحة النفسية، فإذا كان التقبيل والاحتضان والكلام الجميل الإيجابي وكل موارد العطف تزيد من صحة الجسد فلماذا نغفل عنها يا ترى؟ أليس الأجدر بنا أن نعطيها اهتماماً وأولوية لما تحمله لنا فوائد عديدة أكثر من اهتمامانا بالأدوية الكيميائية! صحيح أن حب الآباء والأمهات لأبنائهما هو حبٌ فطري ولا يحتاج التوصية، ولذلك لم يذكر الله تعالى آية واحدة توصي الآباء بأبنائهم بل ذكر آيات توصي الأبناء بآبائهم، ولكن هذه الفطرة السّوية التي أودعها الله تعالى في قلوب الأهل تتأثر بالظروف والبيئة التي يعيشها الأهل، وتتأثر بفعل الذنوب والمعاصي، فلا يستطيع بعدها الإنسان أن يميّز بين الصواب والخطأ لشدة ظلمة القلب وتراكم السيئات والمعاصي. يُضاف إلى ذلك أسلوب التربية التي نشأ عليها هؤلاء الآباء والأمهات في أيام طفولتهم وشبابهم، الذي قد يؤدي إلى تغيير نسبي لهذه الفطرة السليمة أو تغيير في الرؤيا التربوية التي اتخذوها كأسلوب حياتي في أسرهم. إنها دعوة للآباء والأمهات أن يرجعوا إلى فطرتهم السليمة، وذلك بالالتزام بأوامر الله تعالى وتوجيهات الرسول الكريم وأهل بيته الأطهار، فهي المنار الذي يستنار به العباد في الحياة الدنيا، وبه نصل إلى مرضاة الله تعالى، وهذا هو الهدف الأسمى الذي يجب أن يجعله كل الأهل نصب أعينهم من أجل الفوز بنعيم الأخرة والعيش بسعادة في هذه الدنيا الفانية، والله الموفق والمستعان .... قاسم المشرفاوي
اخرىالتعليقات
يتصدر الان
لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع
يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىبين طيبة القلب وحماقة السلوك...
خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىلا تقاس العقول بالأعمار!
(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىالطلاق ليس نهاية المطاف
رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىالمرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)
بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىأساليب في التربية
عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى