تشغيل الوضع الليلي
نجوم عاشورائية (7)
منذ 5 سنوات عدد المشاهدات : 3196
بقلم: يا مهدي ادركني
دور الأم في عاشوراء
مما لا شك فيه أن للأم دورًا مهمًا في المجتمع وفي حياة الفرد، وإن لهذا الدور التأثير الأكبر في بناء شخصية الفرد سواء بالنحو الإيجابي أم السلبي، وهذا لا ينفي دور الأب مطلقًا، ولكن الوقت الأكبر الذي يقضيه الولد يكون مع أمه أكثر بكثير مما يقضيه مع أبيه.
وعلى هذا الأساس تترتب سلسة من الأمور المهمة التي يجب أن يراعيها كلٌّ من الوالدين لإنتاج شخصيات لها تأثير إيجابي في المجتمع، ومنها:
الأول: الاختيار المناسب
أي اختيار الزوجة الصالحة والزوج الصالح، وهو من أهم الأمور التي يبتني عليها الزواج الناجح، وقد وضع لنا التراث الإسلامي من خلال الأحاديث الشريفة أسسًا للاختيار الذي يكون بداية مثمرة للزواج، روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: "إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَ دِينَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ" (1)
فالقاعدة التي وضعها لنا الرسول (صلى الله عليه واله) هي الأخلاق والدين، وهذه القاعدة ليست مختصة بالرجل دون المرأة، فعلى المرأة أيضًا أن تبحث عن الرجل ذي الأخلاق والدين فهو الذي سيكون أبُا لأولادها وسيستقون أخلاقهم ودينهم منه.
الثانية: العوامل الوراثية
نجد في التاريخ أن الرجل فيما إذا أقدم على الزواج فإنه يختار زوجة من قبيلة اتسم رجالها بصفة القوة والشجاعة إذا أراد أن يكون ولده ذا قوة وبأس، وخير مثال على ذلك عندما أقدم أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) على الزواج بعد استشهاد الصديقة الطاهرة (صلوات الله وسلامه عليها)، حيث ذهب الى أخيه عقيل وطلب منه أن يختار له امرأة من قبيلة معروفة بالقوة والشجاعة لتلد منه أبطالًا يدخرهم لنصرة الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء، فوقع الاختيار على أم البنين (سلام الله عليها).
الثالثة: الوقت المناسب للزواج والمواقعة:
فقد وضعت لنا السنة الشريفة آدابًا خاصة بالزواج، فهناك أزمنة يكره أن يتم عقد القران فيها وفي المقابل هناك أيام يستحسن ويستحب إيقاع العقد فيها، وكذلك بالنسبة للمقاربة بين الزوج والزوجة فهناك آداب خاصة لها.
الرابعة: فترة الحمل.
إن لهذه الفترة تأثيرًا كبيرًا على سلوك الطفل، فهو يتأثر بكلام الأم والبيئة التي تعيش فيها بل وحتى الأفكار التي تعتريها إن كانت إيجابية او سلبية، إذ إنها تحفز بعض الخلايا لإفراز هرمونات معينة ولتلك الهرمونات التأثير الواضح في نمو الطفل، يقول الباحث دانيال جولمان، في كتاب الذكاء الاجتماعي: (مُحال من الناحية البيولوجية على أي جنين من أن يعمل بمعزل عن بيئته، فالجنين يتأثر بعمقٍ بتفاعلاتنا الاجتماعي).
وحتى نوع الغذاء الذي تتناوله الأم له تأثير على جنينها، ومما لا شك فيه أن لكون الأم على وضوء مستمر وقراءة القرآن وسماعها لمجالس ذكر الله تعالى وأهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) أثرًا كبيرًا على سلوك الطفل، فلقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الطفل في شهره السادس يسمع ويتحرك وفقًا لصوت أمه وما تستمع إليه.
الخامسة: فترة الحضانة والرضاع:
وهي من الفترات المهمة جدًا في حياة الطفل، وهناك روايات عديدة عن أهمية الرضاع وكراهة استرضاع الحمقاء لأن الولد يشب أي ينبت لحمه ويشتد عوده على هذا الحليب، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): أنظروا من يرضع أولادكم فإن الولد يشب عليه.(2)
وفي حديث آخر عنه (عليه السلام): لا تسترضعوا الحمقاء فإن اللبن يغلب الطباع، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تسترضعوا الحمقاء فإن اللبن يشب عليه(3).
وعنه أيضًا (عليه السلام) كان يقول: تخيروا للرضاع كما تخيرون للنكاح، فإن الرضاع يغير الطباع. (4)
ويستحسن أن تكون الأم على طهارة أثناء الرضاع وخلال حملها لولدها، فإن هناك آثارًا معنوية في سلوك الطفل.
السادسة: التربية
وهي من الأمور الجلية التي لها التأثير الكبير في حياة الأولاد، وقد اهتمت السيرة النبوية بهذا الجانب كثيرًا، وهناك العديد من الكتب التي بينت الأساليب الصحيحة في التربية، ونحن لسنا في صدد الخوض فيها حيث إن الكلام طويل والمقام لا يسع لذلك، ولكن ننقل أمرًا مهمًا وهو في مجال بحثنا وهو تربية الأولاد على حب أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) فقد روي عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم، وحب أهل بيته، وقراءة القرآن) (5).
وقد اختزل النبي الأعظم (صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله) في هذا الحديث أهمية التربية على حب أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) وأهمية التربية العقائدية.
السابعة: المجتمع إن للمجتمع دورًا مهمًا في التأثير على شخصية الولد، فعلى الوالدين أن يكونوا واعين في اختيار البيئة المناسبة لأولادهم والتي تبدأ من المدرسة واختيار الصديق المناسب والعلاقات الاجتماعية الأخرى الخاصة بالوالدين، تلك العلاقات التي قد تكون سببًا في انحراف الولد أو ثباته على الطريق الصحيح.
وبعد أن بيّنا بعض النقاط المهمة نقول:
إن الأم إذا استطاعت أن تلتزم بهذه النقاط الأساسية ستكون قد هيأت الظروف المناسبة لتنمو تلك النبتة وتثمر، ويجب أن لا تتغافل عن العوامل المساعدة من الدعاء والتوسل بأهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) فإن الدعاء للولد من الأمور المهمة التي تغير مسار حياته، لذا نجد أن الإمام السجاد (عليه السلام) وضع في الصحيفة السجادية دعاءً خاصًا بذلك تحت عنوان (الدعاء للأولاد) وهو دعاء رقم (25).
إن توفر كل هذه الأمور أنتج أبطالًا لا يهابون الموت في يوم عاشوراء، ولم يتمسكوا بالدنيا بل لبوا نداء إمامهم، وهذا يكشف عن وجود أمهات كانت لديهم عقيدة راسخة استطعْن أن يزرعنها في قلوب صغارهن منذ نعومة أظفارهم، لتكون ذات جذور قوية لا يمكن قلعها، فقدمن أولادهن نصرة للإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه)، وفي الحقيقة إن هذا السلوك يكشف عن الإيمان القلبي وعن حب هؤلاء الأمهات لأولادهم، فإن الأم وجدانًا تدفع ولدها الى ما هو فيه نفع له حتى وإن كان على حساب راحتها، فإذا كانت الأم ذات عقيدة صحيحة تستطيع أن تميز الحق؛ لذا فإنهنّ علمن بأن الاستشهاد بين يدي إمام زمانهم هو الفوز العظيم لهم، لذا نجد تلك النساء يتسابقن في تقديم أولادهن ليصرعوا بين يدي إمامهم، ومن هؤلاء النساء:
زوجة جنادة الأنصاري، تلك المرأة التي قدمت ولدها (عمرو) بعد استشهاد والده في الحملة الأولى، فرده الإمام الحسين (عليه السلام) حفاظًا على مشاعر أمه، ولكنها قصرت حمائله وأرسلته مرةً أخرى ليستشهد بين يدي إمامه عن عقيدة راسخة.
أم وهب بن عبد الله الكلبي، وهو شاب كان نصرانيًا واعتنق الإسلام عندما التقى بالإمام الحسين (عليه السلام) أثناء مسيره الى كربلاء وكان حديث عهد بالزواج فطلبت منه أن يقاتل دون ابن فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها) فقاتل حتى قتل هو وزوجته.
رملة تلك المرأة الجليلة زوجة الإمام الحسن (صلوات الله وسلامه عليه) التي قدمت ولدها القاسم، ذلك الولد الذي كان يرى أن الموت من أجل عمه أحلى من العسل، وذلك لأنه على اعتقاد تام بأن الحياة بعده ستكون حياة الأخسرين، فقاتل قتالًا شديدًا حتى قتل سلام الله عليه.
ليلى وهي امرأة عظيمة القدر زوجة الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) تلك المرأة التي ربت ولدها عليًا الأكبر (عليهما السلام) وهو أشبه الناس خَلقًا وخُلقًا برسول الله (صلى الله عليه واله) ليكون الدرع الواقي لأبيه الحسين (عليه السلام) وأول شهداء بني هاشم.
فمن تلك النساء تتوجه رسالة الى كل امرأة محبة لأهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) لتسير على نهجهنّ لتكون أمًا مهدوية تهيأ أولادها لنصرة إمام زمانهم، فتقوي أواصر الحب بين صغارها وبين إمامهم من خلال المعرفة العامة، فإن الحب يتولد بعد أن يتعرف الولد على شخص إمامه وكيف أن لتلك الشخصية أثرًا في حياتهم رغم غيبته، وكيف يطلع على أعمالهم وأن أي عمل حسن يدخل السرور على قلبه، هذا بالإضافة الى أهمية تبيين الطاعة المطلقة للإمام (سلام الله عليه) والتسليم له وذلك لأنه ممن اختاره الله تعالى ليكون قائدًا معصومًا لا يخطأ في قراراته فلا مجال للتردد في تنفيذ أوامره.
وبهذا تستطيع الأم المهدوية أن تمهد لظهور الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) من خلال تهيئة جيش مهدوي ذي عقيدة راسخة.
_______________
(1) وسائل الشيعة، ج20، ص76.
(2) الكافي6: 44،10
(3) الكافي6: 43،9
(4) قرب الإسناد: 45
(5) كتاب التربية مفهومها وخطواتها العملية، ج1، ص74.
اخترنا لكم
يتيمةٌ قبلَ اليتامى
بقلم: نورا كاصد العبودي يتسابقُ العالمُ لبذلِ الغالي والنفيس في سبيلِ إعلاءِ كلمةِ الحق، لكن لا يعلمون أنَّ هذا الحق ثمنُه غالٍ جدًا، والقائدُ الحقيقي هو من يُضحي بنفسه وإخوته وبنيه، وأما الكلام وحده فقط فلا يُظهر حقًا، ولا يبني صرحًا، ولا يُعلي اسمًا، ولا يُثبِتُ وتدًا للإسلام في أرضه. بين الرماحِ العالية، والرمال الحارقة، والسيوف، والسهام ذات الشُعَبِ المثلثة، وحرقِ الخيام، وسبي العيال، وعطشِ الأطفال، وهناك قضية لا تختلفُ عن قضايا الطفِّ بل منها وإليها، تُثير انتباهي دائمًا... وردةٌ ذبُلَتْ قبلَ أوانِها، بسببِ حقدِ آلِ أُميّة على آلِ طالب، تلك الطفلةُ اليتيمةُ التي استُشهِدَ والدُها عطشانًا مرميًا به من سطحِ الإمارةِ، وحيدًا غريبًا. فثار وجْدُ الحُسين (عليه السلام) واستعرتِ النارُ في قلبه، فابنُ عمِّهِ قضى نحبَه مغدورًا، وربما كان ألمُ الحسين (عليه السلام) عندما وصله خبرُ مقتلِ مسلمٍ بن عقيل أضعافَ ألمِه يومَ الطف؛ لتصوّرِه لمنظرِ ابنِ عمِّه ومقتلِه والعذاب الذي عاناه. كان لذلك الشهيدِ طفلةٌ كانت تجلسُ دومًا عندَ بابِ المخيم، لا تُشاركُ الأطفالَ الحديثَ أو اللعب، كان عمُّها الحسينُ (عليه السلام) يراها تجلسُ دائمًا وحيدةً، وكأنّها غريبة، فكان يُدنيها إليه دائمًا، ويُناديها كُلّما اشتاقتْ روحُه لمعرفةِ خبرٍ عن ابنِ عمه.. وفي يومٍ من أيامِ الطفِّ اقتربَ من تلكَ الطفلةِ حياها وحضنَها بحنان، كما يحضنُ غصنُ الوردِ أوراقَه، يحنُّ ويئنُّ لحالةِ اليأسِ من عودةِ أبيها، سألها: بُنيّة، إلى متى جلوسكِ عند بابِ المُخيم؟ شاركي الأطفالَ في اللعبِ والحديث. أجابت: يا مولاي، أنا أنتظرُ أبي؛ فعندما أرسلتَه يا سيّدي لأهل الكوفة أخبرني وهو يودعني بأنّه سيعود. فعند عودتِه من سفرِه سيراني بانتظاره، وسأروي له حالي بعده، وما فعله آلُ أمية بحُرَمِ رسول الله (صلى الله عليه و آله )، فهم شهروا سيوفَهم بوجوهِ آل بيت الرسول (عليهم السلام). سيّدي ألم يأتِك خبرٌ عن والدي؟ أجاب (عليه السلام): بُنيتي، عندما يصلُني خبرٌ عن أخي سأُخبِرُكِ بالحال.. لم يستطعِ الإمامُ (عليه السلام) إخبارَها أنَّ والدَها قضى شهيدًا، وتوجه إلى خيمةِ أختِه سيّدةِ المخدرات زينب (عليها السلام) وأخبرَها بنبأ استشهادِ ابن عمِّها، بكت (عليها السلام) لمُصيبتها به، فعلِمت نساءُ الحسين (عليه السلام) بالخبر.. ونادى الحسين (عليه السلام) حميدةَ يتيمةَ مسلم بن عقيل، وقفتْ أمامَه فما كانَ من العمِّ العطوف والإمام الرؤوف، إلا أنْ يمسحَ على رأسِها، فعلِمتِ السيدةُ الصغيرة بأنَّ والدَها قد اِستُشهِدَ وحيدًا، غريبًا، مغدورًا، رفعتِ الطفلةُ رأسَها وقالت: إنْ كان أبي قُتِلَ فهو ونحنُ فداك يا مولاي. وأطلقت صيحتها: وا أبتاه وا مسلماه. نستلهمُ معاني التضحية الفذة والقيادة الناجحة من سيّدةِ الطفِّ الصغيرة، تكتمُ آلامها وتداوي جراحها، وتشهق صرخاتها المدوية المنادية باليتم، وتستجمعُ قواها وتُفدي عمَّها بأبيها. هذه الطفلةُ عاشتِ الطف، بما حَدَثَ قبله وما بعده، وأظهرتْ قدرتَها الفائقة على الصبرِ مادام فيه انتصارٌ للدين وموالاةٌ لإمامِ زمانها، على أنَّ الفرقَ كبيرٌ جدًا، بين يتيمٍ منتصرٍ ويتيمٍ منكسر؛ فأيتامُ الطُغاة والفاسقين مصيرُهم للاندثار والزوال، أما أطفالُ معسكرِ الحقِّ الحسيني، فكانوا مصدرَ إشعاعٍ وإلهامٍ، وكانوا قدوةً للطفولة الشامخة.. فحميدةُ عنوانٌ للتضحيةِ ومدرسةٌ للوفاءِ والإباء؛ كيف لا، وهي غصنٌ نديٌ من بيتٍ زُقَّ العلمَ زقًا، وارتوتِ الصبر، وتعلّمته من عمتِها وجدتِها سيدةِ النساء فاطمة الزهراء (عليهما السلام).
اخرىحدود سلطة الأخ
يا ترى ماهي حدود السلطة لدى الأخ؟ ومتى يتدخل الآباء في سلطة الأبناء؟ تتعدد الأكلات والاطعمة وتتنوع مكوناتها، إلا أن طعمها لا يستساغ إذ ما كانت دون ذلك الملح الذي يعطي للطعام قيمته الغذائية والذوقية. وكذا الحال نفسه في الاسرة التي تخلو من الأخ، فإنها تعتبر ناقصة من دونه، فهو ملح العائلة الذي يضيف لها ذلك الجو الرائع المليء بالصخب والضحك والأجواء المرحة، وأحياناً يكون وجوده على العكس من ذلك، فيعمل على رفع الضغط من شدة ملوحته وسيطرته على الجو العام في الاسرة! الأخ بوصفهِ الرجل الثاني في العائلة، وكالعادة يتخذ طريقة اغلبية الرجال فإنه يميل إلى اثبات ذاته ورجولته على من هو أضعف منه، وطبعاً هنا اقصد الاخت أو الاخ الاصغر منه سناً، يميل بشكل تلقائي وبشدة إلى فرض إرادته على اختهِ فيتحكم بها او يسيطر عليها بأوامره التي دائماً تكون غير منطقية. فالسيطرة هي سيطرة الشَّخصُ على غيره أو التحكّم والتسلّط والتمكّن. فيُراد من تحكمه وسيطرته أن تمتثل أخته لأوامره حتى يثبت ذاته ورجولته، وتُثار هنا المشكلة، فيُجابه الأخ بالرفض من قِبل أخُته، وتصل بهم الامور الى نمو الحقد والكُره والضغينة، ويصبح الأمر اسوء إذا ما كان الأخ في سن المراهقة، فيجتمع ضدان لا يتناسبان اطلاقاً، سواء كان هذا التناسب فسيولوجياً سايكلوجياً او عُرفياً طبيعياً. فتعصف تلك العاصفة الهوجاء في الأسرة ويقع تأثيرها الاكبر على تلك الشمعة الرقيقة ذات الضوء المشع والهادئة فتهب عليها تلك العاصفة فتطفئ نورها وتنكسر فتبقى خائفة من جنس آدم حتى مماتها وتكُن له الحقد.. يصبح الأمر سيئاً إذا ما كان الأب متوفياً، فهنا تكون الاخت ضحية اخيها بشكل اكبر مما لوكان موجوداً! لذلك فوجود الاب نعمة لعائلته، فيمنع من هذا التسلط اللامنطقي والمنافي للعادات، لأن المعروف في مجتمعنا أن صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في الأسرة هو الأب، لكن من يمثل الأب إذا غاب؟! حيث يبقى القرار في يد الابن الذي يعتبر هو الرجل ، وأحيانا وفي ظل وجود الأب وقيامه بإدارة البيت والأولاد، يتخذ الأخ الأكبر لنفسه هامشاً ما يضيق ويتسع في السلطة، ويحاول فرض قراراته، واستخدام اسلوب السيطرة. إن من الأسباب التي تؤدي الى تسلط الأخ على اختهِ هي: 1/ من المعروف لدينا إن مجتمعاتنا الشرقية تعطي الذكر شأنا أعلى وتفضله على الأنثى، ومعظم العوائل تغرس هذه النظرة منذ الطفولة، مما يجعل الولد ينظر الى أخته بنفس المعيار على أنها مخلوق أدنى منه، نفس الشي لدى البنت تعتقد إنها أدنى من أخيها وانه أفضل منها . 2/ بعض الاباء يربي أبناءه على امتيازات اكبر من اخواتهم، حتى اذا بلغوا مرحلة المراهقة، وهي مرحلة حرجة يسعى فيها المراهق إلى إثبات نفسه وسلطته كرجل، فيكون أول ما يمارسه هو فرض سلطته على اخواته، ووقتها من الصعب التعامل معه، لأنه ستكون نتائج سلبية لكل الأطراف. 3/تزداد الأزمة في تدليل الوالدين لابنهما وتماديه في السلطة، وعدم ردع التصرفات الخاطئة الصادرة منه، تجعله متمرداً، بعض الاحيان يكون الوالدان هما من يفسحان له المجال في التسلط والتحكم وعدم محاسبته على اخطائهِ لأنه ذكر وهو يختلف عن الانثى. فيستهتر ويتسلط وبالتالي تحدث نتائج كارثية في العائلة. 4/عدم تقديم الحب وعدم تعزيز الثقة بالنفس لدى الولد منذ أول سنين عمره، فيبرز في شخصيته حب التسلط واثبات ذاته. 5/ عدم تحسيسه بأهميته وأهمية وجوده على مدى سنين فتتكون عنده عقدة الشعور بالنقص وانعدام رجولته فيسيطر على من هو أضعف منه وهي أخته. 6/ طبيعة الأخ، فقد يولد حاملاً معه تلك الصفة أو الفطرة في التسلط والقيادة والريادة فيتحكم على اخته. متى يتدخل الآباء في سلطة الأبناء؟ 1/ إنّ المطلوب من الوالدين ـ بما في ذلك الأم ـ أن يمارسا دورهما بشكل فاعل ومسؤول للحدّ من المشاكل الناجمة عن تدخّل الإخوة في الأخوات أو العكس بطريقة غير صحيحة. 2/إذا كان الآب يتخذ من معيار المساواة بين الأبناء والبنات منهجاً وطريقة في التربية، فحينها لن يكون هناك ما يدفع الأخ أن يتولى زمام الأمور. والمهم وحتى لا نكون عنصريين ونعطي للمقال موضوعيته وصدقه: أن يرى الأخ أخته لا تحترم العائلة وغير أهل للثقة والتعامل الحسن فيتحكم بها، وأحياناً يسجنها للحد من تصرفاتها، وهذا شيء لا يتكرر كثيراً في العوائل، فدائماً البنت هي الكائن المغلوب على أمره. وفي مثل هذه الحالة لا يلزم أن يكون التصرف بهذا المعنى القاسي، وإنما باستخدام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيجب عليك توضيح ما لا يرضي الله تعالى، أو ما يؤدي إلى ضعف في الدين أو خلل في السلوك. لكنّ الإنسان إذا ما أراد أن يمارس هذا الدور فينبغي أن يتمتع بقدر كبير من الحلم والأناة، مع الحزم والعزم، خاصة وأن هذه بنت يجب أن يكون لها من الاحترام والتقدير والحقوق، ولذلك عندما تتحدث معها تتحدث معها بنوع من الرفق والأدب، والحنان والتواضع؛ لأنه الكلمة الطيبة بها تأثيرها الساحر. بصورة عامة، إن السيطرة على الأخت شيء خاطئ، ولا يوجد له مبرر، فهي أختك وصديقتك وصندوق أسرارك، فلماذا كل هذا التزمير والتطبيل على أختك؟! تُريد أن تثبت رجولتك؟ هناك طُرق كثيرة لذلك، بأفعالك ليس بكلماتك، والرجولة تثبتها على من هو بمستواك العضلي، أو من هو أقوى منك فلا تتجبر على التي تعتبرك كهف حنانها وملجأ أمانها، وللأسف كثير منهم يستعين بالقرآن ويقول: إن الله تعالى أعطانا هذه السمة: الرجال قوامون على النساء، والعصمة لنا.. نعم هذا صحيح، خصّكم الله بكتابه، وعصمتك وقيمومتك على زوجتك لا على أختك! ومن الناحية الدينية والشرعية فأنت لا يحق لك التسلط عليها، لأنك لست ولي أمرها، فألاب هو ولي أمرها، ويسيطر عليها، وإذا ما توفى الأب، فالجد من جهة الأب هو ولي أمرها، وإذا لم يكونا على قيد الحياة فهي ولية أمرها، ولا يحق لأحد أن يتسلط عليها ويتجبر. هذا هو واقع الكثير من العوائل، ونرى هذه العائلة تصبح وتمسي على مشاكل ومشادّات كلامية يتعدى بها الأخ بضرب اخته، فتتمزق وحدة العائلة ولا تصبح ملجأً وبيت الأمان الذي دائماً ما ننادي به ونقصده ،إذا ما ضاقت بنا الحياة. لذلك نصيحة للآباء: أن لا يتخلى أحد الوالدين عن مسؤوليته ودوره، ولا يجب أن يتمادى الابن في سلطته ولا يتجاوز حده في ذلك، وإذا تجاوزها يجب ايقافه عند حده، واعطاء البنت حقها بحيث لا تكون ناقمة على الأسرة ككل لعدم تقديرهم لمشاعرها. ونصيحتي لك أخيتي، أنه يجب أن تلتزمي بكلام أخيك إن كان صحيحاً وعلى حق ، فهو ناصح لك، وسند لك ، فيجب احترامه من باب الأدب، خاصة مع فقدان الأب. يمكن أن يكون تصرفه من باب الشعور بالمسؤولية والأمانة والصداقة معكِ، وحمايتك من منزلقات هذا العصر، الذي أفسد الكثير من البنات، وذهب بهن نحو العبثية والعدميّة أو نحو الانحراف السلوكي الخطير، وهن لا يشعرن أنّهن يتجهن نحو الهاوية، فحسنُ الظن بأخيك يجعل علاقتكم علاقة مودة واحترام. حنان الزيرجاوي أم سيد محمد حسين
اخرىالتعليقات
يتصدر الان
لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع
يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىبين طيبة القلب وحماقة السلوك...
خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىالطلاق ليس نهاية المطاف
رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىلا تقاس العقول بالأعمار!
(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىالمرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)
بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىأساليب في التربية
عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى