تشغيل الوضع الليلي

عـزاءُ السماوات

منذ 5 سنوات عدد المشاهدات : 2158

بقلم: أريج الانتظار
"وَجَلَّتْ وَعَظُمَتْ مُصِيبَتُكَ فِي السَّماواتِ، عَلَىٰ جَمِيعِ أَهْلِ السَّماواتِ" ١
اختلَّ نظامُ الكون و دارت المجرات بعنف، اهتزت طبقات الكوكب وعصفت الرياح، قد كُسفت الشمس وخُسف القمر، وانشقَّت السماء وبكت دماً عبيطاً، واختفت النجوم بين الغيوم.
حدثٌ رهيب وقع وزلزلَ كل شيء "وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا"*، قد قُتل القران وفُصلَّت آياته على الثرى ولم يبق أحد من أصحاب الكساء.
قد قُتل الحسين بن علي (عليه السلام) وبقي صريعًا على رمضاء كربلاء، تصهر جسده ألسنة الصحراء الحارقة، قضى عطشانًا بقرب الفرات مذبوحًا من القفا غريبًا وحيدًا، كان للأرض موقفًا مختلفًا جدًا، كانت مشتاقة له لدرجة أنها تريد أن تضمّه إلى صدرها لتصبح بذلك طاهرة وتبني له من ترابها ضريحًا، وطابت بذلك وتحقق مرادها حين قال من خلف والده فيها إمام: "طبتم وطابت الارض التي فيها دفنتم"، وناحت عليه بصراخ وعويل وبكاء، ولم يبق مؤمن ولا جن ولا شجر ولا جماد ولا حيوان ولا وحوش في الفلوات ولا كائن في المحيطات وبواطن الارض ولا ذرة في الهواء أو في التراب إلّا وبكت وناحت على مصاب أبي عبد الله (عليه السلام)، ليس هذا فقط، فقد ناحت عليه قبلهم سيوف أعدائه وجياد الخيالّة التي رضَّت صدره الشريف، لم تبق صخرة ولا حجر إلّا وسالت من تحتها الدماء، قد لا نتصور الفاجعة بكاملها بيومها وبأدق تفاصيلها كيف وقعت، لأننا سمعناها من المنابر وتصورناها ببصيرتنا لا ببصرنا، قد رُسمت في أذهاننا منذ عالم الذر، وجنّت عقول البشر عند سماعها، وشابت رؤوسهم، ولهذا ترى الجزع والحزن الشديد بفطرتنا في عاشوراء، ليس لنا سبيل سوى أن نعبّر عن ذلك بشتى أنواع الحزن والعزاء.
مِنّا مَن يلطم صدره ودموعه رسمت أنهارًا على خديه، ومِنّا مَن يمشي على الجمر ويقطع مسافات ليصل كربلاء في طريق العشق يواسي السبايا، ومِنّا صاحب موكب بناه بما عنده لخدمة زوار الحسين (عليه السلام)، ومِنّا من جعل صوته خدمةً للقضية الحسينية فأخذ يصدح به على المنابر...
لذلك أتساءل كيف يكون عزاء السماء وسكانها؟!
كيف استقبلت دمه الزاكي ودم رضيعه الذي أرسله ليخبرها بمقتله؟!
رماه وقال (عليه السلام): "هوّن ما نزل بي أنه بعين الله"
إنهم يحيون عاشوراء فقد بكاه جميع الأنبياء والمرسلين، منهم آدم ونوح وإبراهيم وإسماعيل وموسى وسليمان وعيسى(عليهم السلام) قبل يوم عاشوراء ٢، وأقاموا عليه العزاء لأنه وارث النبوة، وجميع الملائكة شاركتهم.
لكن بأيّ صورة وبأيّ هيئة وهم من رأوا الفاجعة وحضروها؟
تُرى، أيقيمون المأتم هناك عند سدرة المنتهى؟
من هو ناعيهم وكيف هو موكبهم؟
كيف ينعون الحسين (عليه السلام) وأهل بيته الأطهار في العاشر من المحرم وقد عظمت لديهم المصيبة؟!
هل أن جبرئيل (عليه السلام) هو ناعي المأتم؟!
أم أن منصور هو صاحب الموكب؟!
فقد استأذن أن ينزل الى كربلاء ليلبّي نداء (ألا هل من ناصر ينصرنا) هو وجيشه من الملائكة فنزلوا ولم يدركوا الحسين (عليه السلام)، فماذا يكون قد فعل عندما رأى فعل ذي الجوشن بسبط الرسول (صلى الله عليه وآله)؟
هل يركض مع المعزين بركضة طويريج بين الحرمين؟!
فقد بقي هو وجيشه عند قبره شعث غبر يبكون على مصابه ٣.
كيف يا ترى حور العين أقمن مجالس العزاء ليواسين سيدة النساء (عليها السلام) صاحبة العزاء؟!
ماذا يقدّم الولدان المخلدون ثواباً في نهاية المجلس؟!
أين رفعوا الرايات السوداء؟
أعلقّها رضوان (عليه السلام) على أبواب الجنة؟
هل استمر نهر الكوثر يجري بعد سقوط قمر بني هاشم (عليه السلام) بجانب العلقمي؟
وأتساءل: كيف تقدّم جهنم عزاءها؟!
هل شاركتهم؟
هل أشعل مالك (عليه السلام) المشاعل كما يعزي أهل النجف أمير المؤمنين (عليه السلام) بمشاعل النار؟!
أم أُطفئَت نيرانها حزناً على الخيام التي أُحرقت باللهيب؟
لا يخطر على مخيلتي المحدودة طريقة عزائهم، لكن جزماً إنهم يبكون معنا كل محرم وينشرون السواد، ويغيرون الراية الحمراء إلى السوداء إيذاناً للحداد، ويمشون معنا كل صفر نحو الوادي المقدس وينادون معنا كلما سمعونا ننادي: يا حسين.
_______________
*سورة الزلزلة
١- مفاتيح الجنان ـ زيارة عاشوراء.
٢- بحار الانوار.
٣- امالي الصدوق.

اخترنا لكم

ليالي العطاء

بقلم: صفاء الندى إنَّ لكلِّ شيءٍ حقيقة، فالإنسانُ قوامه بروحه، والعبادةُ مخها الدعاء، والشجرةُ أصلُها بجذورها، فكذلك شهر رمضان عِماده وحقيقته ليلة القدر. نعم، هي ثلاثُ ليالٍ جعلها الله (عزَّ وجل) فرصًا إضافية ثمينة لعباده؛ لكي يتلقفوا فيها نفحات رحمته وعفوه وكرمه وجزيل هباته المعنوية والمادية. وإنّ الحديث عن واحدةٍ منها يشمل أخواتها وإنْ كان بينهن مفاضلة فهي غير جوهرية، فبعضُ الروايات تجمع الليالي الثلاث وتُعطي كلَّ ليلةٍ وظيفة محددة في منظومة عملٍ واحدة. فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "التقدير في ليلة تسعة عشر، والإبرام في ليلة إحدى وعشرون، والإمضاء في ليلة ثلاث وعشرون". ولفهم الرواية أكثر نستتبعها برواية أخرى وهي الواردة عن هشام بن الحكم أنَّ الإمام الصادق (عليه السلام) قال: "إنَّ الله إذا أراد شيئًا قدّره وإذا قدّره قضاه وإذا قضاه أمضاه". ولنقرب المعنى نوضح مراحل التقدير الإلهي مع مثالٍ من حياتنا اليومية: المرحلة الأولى: التقدير، بمعنى وضع المخطط (لبناء المنزل) المرحلة الثانية: القضاء، بمعنى إعداد الأسباب ( شراء المواد) المرحلة الثالثة: وهو الإمضاء (إتمام المنزل).'١ كم هو مهمٌ المنزل الذي سنسكن فيه سنوات معدودة؟ ولكن منزلنا في الآخرة أهم؛ لأننا سنكون مخلدين فيه إلى ما لا نهاية. فلننظر كيف نحيي ليلتنا المصيرية هذه التي جعلها الله (عزَّ وجل) في الثلث الأخير من الشهر كمادة امتحانٍ نهائي استمر لأسابيع يُختم بنتيجةٍ معينة، تتبع جهد الطالب نفسه ومدى رغبته بالتفوق أو النجاح المستحق أو مكتفيا باكتساب درجات متدنية وليس مهتمًا لبلوغ الدرجات العالية التي بها رضا الأستاذ وينال التكريم بسببها من الجميع. ولا يعتمد إحياء ليلة القدر على كثرةِ الأعمال التي تؤدى، وعدد ساعات القيام، فمن الحسن إشغال ليالي شهر رمضان بالعبادة والذكر المتواصل والتضرع وبالخصوص ليالي القدر، ولكن الأحسن ويجب التمعن جيدًا ومراجعة استحضار القلب في كلِّ حينٍ وآن أيضًا في هذه الليالي وغيرها. ويمكننا القول: إنَّ من يُحدد ليلة القدر هو العبد نفسه ومقدار خشوعه وعمله وإخلاصه وتفكره في هذه الليلة العظيمة، فالتفكر ومذاكرة العلم أيضًا من أفضل العبادات في ليلةِ القدر كما تذكر بعض الروايات. فإن وفقني الله (تعالى) في ليلة التاسعة عشر وكنتُ أكثر قربًا وإخلاصًا إليه، وواصلتُ أعمالي وفق ما يرضيه كانت ليلة قدْري هي، وإن وُفِّق آخرٌ لإحياء ليلة الحادية والعشرين على أتمِّ مقاييسِ العبودية الحقّة فهي ليلة قدره، وإن أحيى ثالثٌ ليلة الثالثة والعشرين مُستحضرًا قلبه وروحه فيها كانت هي ليلة قدْره. فلكلِّ منّا ليلة قدر خاصةٍ به، وهذا الأمرُ يُستشف من رواية زرارة حيثُ أنّه سأل الإمام الصادق (عليه السلام) عن ليلة القدر، فقال (عليه السلام): "هي إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين، قال زرارة: أليس إنَّما هي ليلة؟ قال الإمام (عليه السلام): "وما عليك أنْ تفعل خيرًا في ليلتين" . أو في روايةٍ أخرى "أيسر ليلتين عملت بها"٢ لننثر بذورنا الطيبة في هذه الليالي المباركة، ولنحرص أنْ تكون خاليةً من كلِّ رياءٍ وسمعةٍ؛ لنجني ثمارَ أعمالنا الصالحة، وتكون مقبولة عند الله (تعالى) فيجازينا بالمدة القصيرة الفانية الثواب الجزيل الباقي. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ١-محاضرة للسيد منير الخباز ٢-بحار الانوار ج٩٤ ص٤

اخرى
منذ 5 سنوات
813

آلــيّات دفاع الزهراء (عليها السلام) وأثرها فــي مناهضة الظلم والظالمين عـبر العصور/ ج٢

الــمبحث الثاني: آليّـات مناهضة الظلم لمّا توفّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) واستولى أبو بكر على الحكم ومضت عشرة أيام واستقام له الأمر; بعث إلى فدك من يُخرج وكيل فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله). وروي أنّ الزهراء أرسلت إلى أبي بكر : أنت ورثت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أم أهله ؟ قال : بل أهله ، قالت : فما بال سهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : إنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : « إنّ الله أطعم نبيّه طعمة » ثم قبضه وجعله للذي يقوم بعده فولّيت أنا بعده أن أردّه إلى المسلمين . وروي عن عائشة أنّ فاطمة (عليها السلام) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهي حينئذ تطلب ما كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : لا نورّث، ما تركناه صدقة ، إنما يأكل آل محمّد من هذا المال., وإني ـ والله ـ لا أغيّر شيئاً من صدقات رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولأعملن فيها بما عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) , فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً(20). كيف ناهضت السيّدة الزهراء(عليها السلام) هذا الظلم؟ سأتطرق في هذا المبحث عن الآليّات التي استخدمتها السيّدة الزهراء (عليها السلام) كمحاولة لدرء الظلم الذي تعرّضت له, مِن غدرِ معاشرةٍ, وغصبِ حقٍّ, وخيانةِ أمانةٍ, مِن قِبَل الصحب الذين أوصاهم النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قبل رحيله. ومِن تلك الآليّات: خُطبها, ما نُسب إليها من شهر , وصيّتها ضمن المطالب التالية: الــمطلب الأوّل: خُطَـبة الزهراء عليها السلام في مناهضة الظُلم أولاً: آلية مُناهضة غصب أرض فدك حينما قرّرت السلطة أن تمنع فاطمة (عليها السلام) فدكاً وبلغها ذلك قرّرت الاعلان عن مظلوميتها بالذهاب إلى المسجد وإلقاء خطاب مهم في الناس، وسرى الخبر في المدينة أنّ بضعة النبيّ (صلى الله عليه وآله) وريحانته تريد أن تخطب في الناس في مسجد أبيها (صلى الله عليه وآله) وهزّ الخبر أرجاء المدينة واحتشد الناس في المسجد ليسمعوا هذا الخطاب المهم . روى عبدالله بن الحسن عن آبائه (عليهم السلام) صورةً من هذا الخطاب قائلاً : إنّه لمّا أجمع أبو بكر وعمر على منع فاطمة (عليها السلام) فدكاً وبلغها ذلك ، لاثَتْ خِمارَها على رأسها ، واشتملت بِجلبابها ، وأقبلتْ في لمّة من حَفَدَتِها ونساء قومها ، تَطَأ ذُيولَها ، ما تَخْرِمُ مشيَتُها مشْيَةَ رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى دخلت على أبي بكر وهو في حَشْد من المهاجرين والأنصار وغيرهم ، فَنبِطَتْ دونها مُلاءة ، فجلستْ ثمّ أَنّــَتْ أنَّةً أجهش القوم لها بالبكاء ، فارتجَّ المجلِسُ ، ثمّ أمْهَلَتْ هُنَيْئَةً حتّى إذا سكن نَشيج القوم وَهَدَأَتْ فَوْرَتُهُم; افتتحت الكلام بحمد الله والثّناء عليه والصلاة على رسوله (صلى الله عليه وآله) فعاد القوم في بكائهم، فلمّا أمسكوا عادت في كلامها ، فقالت (عليها السلام) : " ... يا بن أبي قحافة أفي كتاب الله ترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فريا! أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم؟ إذ يقول: (وورث سليمان داود)(21) وقال فيما اقتَصَّ مِن خَبَرِ يَحيى بنِ زَكَرِيّا إذ قال: ( فَهَبْ لي مِن لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُني وَيَرِثُ مِن آلِ يَعْقوبَ )(22) وقال : ( وأُولو الأرحامِ بَعْضُهُم أولى بِبَعْض في كتابِ اللهِ )(23) وقال : ( يُوصيكُمُ اللهُ في أوْلادِكُم لِلذّكَرِ مثلُ حظِّ الاُنثَيَين )(24) وقال : ( إن ترَكَ خَيْراً الوَصِيَّةُ للوالِدَيْنِ والأقرَبينَ بالمَعروفِ حَقّاً على المتّقين )(25)... " (26). ففي هذا المقطع يتضح للقارئ انّ الآلية التي استخدمتها في مواجهة الظالم ومحاولة درء ظلمه هـي الصدح بالحق بوجه السلطان الجائر, وقد عضّدت كلامها بأدلّةٍ من القرآن الكريم الذي هو الطريق المشترك بينها وبين الظالمين حسب الفرض. ثـم نجدُ انّ ابا بكرٍ قد ردّ على خطابها هذا بآيةٍ ليست مورد استدلال, وحاول الاستغفال ليتدارك الموقف, واحتجّ بقول نسبه إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) - نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث ذهباً ولا فضةً ولا ديناراً ولا عقاراً وإنما نورث الكتاب والحكمة والعلم والنبوّة...- لكنّها (عليها السلام) دحضت قوله بقولها: "...سبحان الله ما كان أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن كتاب الله صادِفا(معرضا), ولا لأحكامه مخالِفاً! بل كان يتّبع أثره، ويقفو سُوَرَه، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالا عليه بالزُور، وهذا بَعدَ وَفاته شبيه بما بُغي له من الغوائل (المهالك) في حَياتِهِ، هذا كتاب الله حَكَماً عَدْلا، وناطِقاً فَصْلا يقول: (يرثني ويرث من آل يعقوب)(27). ويقول: (وورثَ سُلَيْمانُ داود)(28). وبيّن عزّ وجلّ فيما وزّع من الأقساط، وشرع من الفرائض والميراث، وأباح من حظّ الذُكران والإناث ما أزاح به علّة المبطلين، وأزال التظنّي والشبهات في الغابرين، كلاّ بل سوّلتْ لكم اَنْفُسُكُم أمراً فصَبْرٌ جميل والله المستعان على ما تصفون»(29). ثانياً: آليّة مناهضة غصب الخلافة حينما زارت نسوة المهاجرين والأنصار السيّدة في دارها أخذن يسألنها عن حالها بعد رحيل نبيّ الرحمة , أجابتهن بزهدها بالدنيا , وغرابة نقض قومها لعهدهم الذي عاهدوا عليه النبيّ (صلى الله عليه وآله), حيث أخذت تتساءل السيّدة وتجيب نفسها على سبب غصب الخلافة مِن بعلها خير الخلق بعد رسول الله (صلوات الله عليهما) بقولها: " ... ويحهم أنى زحزحوها - أي الخلافة - عن رواسي الرسالة ؟ ! وقواعد النبوة ومهبط الروح الأمين الطبن بأمور الدنيا والدين ، ألا ذلك الخسران المبين وما الذي نقموا على أبي الحسن؟ نقموا والله نكير سيفه ، وشدة وطأته ونكال ومقته وتنمره في ذات الله ، والله أو تكافئوا على زمام نبذه إليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لاعتقله وسار بهم سيرا سجحا لا يكلم فشاشه ولا يتتعتع راكبه ، لأوردهم منهلا رويا فضفاضا ، تطفح ضفتاه ، ولا يترنم جانباه, ولأصدرهم بطانة ونصح لهم سرا وإعلانا ، غير محل منهم بطائل إلا بغمر الناهل ، وردعة سورة الساغب ، وبأي عروة تمسكوا لبئس المولى ولبئس العشير ، بئس للظالمين بدلا ، استبدلوا والله الذنابا بالقوادم ، والعجز بالكاهل ، فرغما لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ، ويحهم , أفمن يهدي إلى الحق ، أحق أن يتبع ، أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون "(30). وها هي تستخدم احدى الآليات بصدحها بالحق دون مخافة رغم ظلم وجور الحاكم آنذاك. الــمطلب الثاني: ما نُسب من شِعر إلى الزهراء عليها السلام في مناهضة الظُلم لقد كانت (عليها السلام) تندب أباها المصطفى (صلّى الله عليه وآله وساّم) بنوعٍ مِن الشكوى والظلم مما جرى عليها مِن ظالميها بمقطوعاتٍ شعريّة رويت عنها, فكانت تلك المقطوعات نوعًا مِن آليات مناهضة الظلم والظالمين, بعد انقلاب القوم عليها, وإلى القارئ بعض مِن تلك المقطوعات: قد كان بعدك انباءٌ وهنبثةٌ (31) قد كان بعدك انباءٌ وهنبثةٌ *** لو كنتَ شاهداً لم تكثر الخطبُ إنّا فقدناكَ فقدَ الأرضِ وابلها *** واختلّ قومكَ فاشهدهم ولا تغِبُ أبدت رجالٌ لنا فحوى صدورهم *** لمّا قضيتَ وحالت دونكَ التُربُ تجهّمنا رجالٌ واستخفوا بنا *** إذ غبتَ عنّا فنحنُ اليوم نُغتصبُ الــمطلب الثالث: وصيّة الزهراء عليها السلام في مناهضة الظُلم لقد أوصت السيّدة الزهراء (عليها السلام) أمير المؤمنين (عليه السلام) بأن يخفي قبرها (عليها السلام) ، حيث روي عن الإمام الحسين (عليه السلام) قال: ( لما مرضت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصّت إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن يكتم أمرها ويخفي خبرها, ولا يؤذن أحداً بمرضها, ففعل ذلك وكان يمرضها بنفسه وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس رضي الله عنها على الاستسرار بذلك كما وصّت به، فلما حضرتها الوفاة, وصّت أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يتولّى أمرها, ويدفنها ليلاً ويعفي قبرها, فتولى ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) ودفنها وعفى موضع قبرها... )(32). وهذا مثيل ما ورد في كتب اهل السنّة , حيث جاء في صحيح البخاري: حدثنا : ‏ ‏يحيى بن بكير ‏ ، حدثنا : ‏ ‏الليث ‏ ‏، عن ‏ ‏عقيل ‏ ‏، عن ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏، عن ‏ ‏عروة ‏ ‏، عن ‏ ‏عائشة ‏: ‏أن ‏ ‏فاطمة ‏ ‏(ع[عليها السلام]) ‏ ‏بنت النبي ‏ (ص[صلى الله عليه وآله وسلم]) ‏ ‏أرسلت إلى ‏ ‏أبي بكر ‏ ‏تسأله ميراثها من رسول الله ‏ (ص[صلى الله عليه وآله وسلم]) ‏ ‏مما ‏ ‏أفاء ‏ ‏الله عليه ‏ ‏بالمدينة ‏ ‏وفدك ‏ ‏وما بقي من خمس ‏ ‏خيبر ‏، ‏فقال أبو بكر ‏: ‏أن رسول الله ‏ (ص[صلى الله عليه وآله وسلم]) ‏، ‏قال : ‏ ‏لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل ‏ ‏محمد ‏ (ص[صلى الله عليه وآله وسلم]) ‏ ‏في هذا المال وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله ‏ (ص[صلى الله عليه وآله وسلم]) ‏ ‏، عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله ‏ (ص[صلى الله عليه وآله وسلم]) ‏ ‏ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله ‏ (ص[صلى الله عليه وآله وسلم]) ‏ ‏فأبى ‏ ‏أبو بكر ‏: ‏أن يدفع إلى ‏ ‏فاطمة ‏ ‏منها شيئا فوجدت ‏ ‏فاطمة ‏ ‏على ‏ ‏أبي بكر ‏ ‏في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت ، وعاشت بعد النبي ‏ (ص[صلى الله عليه وآله وسلم]) ‏ ‏ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها ‏ ‏علي ‏ ‏ليلا ولم يؤذن بها ‏ ‏أبا بكر ‏ ‏وصلى عليها ....)(33). فهو إن دلّ على شيءٍ فإنّه يدلّ على مدى مظلوميتها (عليها السلام), حيث انّها بوصيتها هذه ناهضت الظلم وفضحته حتى بعد مماتها, إذ بقيَ سؤال – لماذا لم يشارك خليفة الامة آنذاك (وهو أبو بكر) في تشييع بنت رسول الله ودفنها, بـل لا يعلم بمكان قبرها؟! سلامُ الله عليها خيرَ ما اختارت مِن آليّة لمناهضة الظلم. ___________________________ (20) شرح نهج البلاغة: ابن ابي الحديد المعتزلي, ج16,ص217. (21) النمل: 16. (22) مريم: 5-6. (23) الأنفال: 75. (24) النساء: 11. (25) البقرة: 180. (26) أعلام الهداية: تصحيح ابن عاشور,ص141. (27) مريم: 6. (28) النمل: 16. (29) المصدر السابق, ص145. (30) بلاغات النساء : لأبي الفضل أحمد بن طيفور, ص 12 ، 19 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 4 ص 78 - 79 - وص 93 - 94. (31) تذكرة الخواص، سبط ابن الجوزي: 285. (32) أمالي المفيد، ص 281، ح 7. (33) صحيح البخاري - كتاب المغازي - باب غزوة خيبر,ج5, ص82-82, ح 3998. وحسبنا الله وكفا، سمع الله لمن شكى، والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على محمدٍ وآله الطاهرين. علوية الحسيني

اخرى
منذ 6 سنوات
4408

نجوم عاشورائية (8)

بقلم: يا مهدي ادركني أما من ناصرٍ ينصرنا؟ أما من معينٍ يعيننا؟ كلمة قالها الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) قبل 1400 سنة، وإلى الآن نجد صداها يرن في قلوب محبيه، تلك الكلمة التي تسيل الدموع بحرقة عند سماعها، وكيف لا وهي تنقلنا إلى ظهيرة ذلك اليوم المشؤوم الذي وقف فيه سبط الرسول (صلى الله عليهما وآلهما) غريبًا عطشانًا مكثورًا لا ناصر له ولا معين. فهل خسرنا الفوز العظيم بتلبية النداء له (صلوات الله وسلامه عليه)؟ وهل النصرة تتحقق بحمل السيف فقط؟ وهل كلمة الإمام (سلام الله عليه) كانت على نحو القضية الحقيقية أو الخارجية؟ وهناك أسئلة كثيرة أخرى ترد حول هذه الكلمة التي خرجت من تلك الحنجرة الطاهرة، وأوقعت الحسرة والندامة في قلوب محبيه. لنأخذ الأسطر بحثًا عن إجابات تلك التساؤلات. الناصر: اسم فاعل مشتق من الفعل (نَصَرَ) وجمعها أنصار، ويقال: نصر مظلومًا أي أعانه وأيده، قال تعالى في كتابه الكريم (وما لهم من ناصرين) (1) يتبين أن من يطلب الناصر هو شخص وقع عليه الظلم ويطلب النصرة ممن يستطيع أن يمد يد العون له، ومن يلبِّ هذا النداء يكن ناصرًا له، فإن كان على حق فإنه يفوز الفوز العظيم حتى وإن قُتل، فإن الفوز هو من عند الله تعالى، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): ما من مؤمن يعين مؤمنا مظلوما إلا كان أفضل من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام، وما من مؤمن ينصر أخاه وهو يقدر على نصرته إلا نصره الله في الدنيا والآخرة، وما من مؤمن يخذل أخاه وهو يقدر على نصرته إلا خذله في الدنيا والآخرة.(2) فكيف إذا كان المظلوم هو سيد شباب أهل الجنة! ومعه فنقول: إن نداء الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) لم يكن بنحو القضية الخارجية وإنما بنحو القضية الحقيقية. وبعبارة أخرى: اعتقد أن خطاب الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) لم يكن خاصًا بمن طرق سمع أذنه تلك الكلمة في تلك الواقعة خارجًا، وإنما المراد منه هو كل من وصله ذلك النداء سواء كان في زمن النداء أم لم يكن، ففي قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أقيموا الصلاة) أمر إلهي بإقامة الصلاة، وهو ليس مختصًا فقط بمن كان في زمن نزول تلك الآية الشريفة، وإنما هو أمر تكليفي لكل من آمن بالله تعالى الى يوم الدين. والإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) عندما نادى بهذا النداء، كان يريد أن ينصره كل من سمع به حتى وإن مرت الدهور عليه، فكل من وقع صدى هذه الكلمة في نفسه، يجب أن تهزه من أعماقه ليفر من بحر الذنوب إلى نبع التوبة ليغتسل ويتطهر بدماء الحسين (عليه السلام). فهناك من يقول ويعترض من شدة لوعته وحبه لإمامه، لماذا لم أُخلق في ذلك الزمن فأنصره ببدني ودمي؟ أيها المحب، إن واحدة من صفات الله تعالى أنه مريد، ومن معاني الإرادة هو (العلم بما فيه الفعل من مصلحة)، ولتوضيح وبيان ذلك نقول: غن الله جل وعلا لديه العلم المطلق والإرادة، وحيث إنه علم أن من المصلحة لك أيها المحب أن لا تكون في ذلك الزمن بل من المصلحة أن تكون في هذه الحقبة الزمنية وفي هذه البقعة المعينة التي منها تستطيع أن تلبي نداء الإمام (صلوات الله وسلامه عليه) فليهدأ قلبك فإن فرصة الفوز لا زالت متاحة، ولكن لا تغفل عنها. إن نصرة الإمام (سلام الله عليه) لها مصاديق عديدة فهي لا تنحصر بالسيف فقط، ولا بزمن دون آخر، ولا بالرجال دون النساء، فإن مولاتنا زينب (صلوات الله وسلامه عليها) نصرت أخاها الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) رغم كونها امرأة (حيث لا جهاد على المرأة) ولكنها نصرته بلسانها ومنطقها ومواقفها، لم تمل عن الحق ولم تترك ثغرة مظلمة حتى أضاءتها وسلطت نور الحقيقة عليها. إن ثورة الإمام الحسين في الحقيقة هي ثورة مستمرة لا تنتهي ولا تنقطع باستشهاده (سلام الله عليه) وذلك لأن لها أهدافًا لم تتحقق بعد، فإن شعار الإمام (عليه السلام) كان هو الإصلاح في أمة جده (صلى الله عليه وآله) وذلك لما انتاب تلك الأمة التعيسة من ذل أصابها نتيجة خذلانها لأئمة الحق والهدى، لذا فإنه (صلوات الله وسلامه عليه) أراد أن يوقظ تلك الأمة من غفلتها، ولكن هذا الإصلاح لم يتحقق بعد، لا لكون الإمام (صلوات الله وسلامه عليه) غير قادر على ذلك، أو ليس أهلًا لذلك، حاشا وكلا، بل إن العجز في المتلقي لا في المقتضي، لذا فإن ثورة الإصلاح هي ثورة حسينية الابتداء مهدوية التحقق. فكل من يتوق إلى تلبية نداء الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) نقول له: إن الوقت لم يفت بعد، فلك أن تلبي النداء لولده المهدي (عجل الله تعالى فرجه)، وذلك من خلال التمهيد لظهوره المبارك، فاسع إلى إزالة الشوك والعقبات عن ذلك الطريق من خلال التزامك بتعاليم الدين وإقامة حدود الله، بفعل الواجب وترك المحرم ونهي النفس عن الهوى. قوِّ ذلك القلب النابض بحبهم (صلوات الله وسلامه عليهم)، ولتكن مستعدًا للظهور، وهيأ البلاط لمن سيأتي بعدك، مسلّمًا له راية الإصلاح. إن للنصرة أوجهًا عديدة، قد تكون بكلمة أو موقف حق تتمسك به، لكي لا يختلط الحق بالباطل، أو باختيار زوجة صالحة لتكون أمًا ممهدة بتربيتها لأنصار يحملون راية الإصلاح تحت راية إمامهم. فالسلام على من لم يكن له ناصرٌ... لَبَّيْكَ دَاعِيَ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَمْ يُجِبْكَ بَدَنِي عِنْدَ اسْتِغَاثَتِكَ وَ لِسَانِي عِنْدَ اسْتِنْصَارِكَ فَقَدْ أَجَابَكَ قَلْبِي وَ سَمْعِي وَ بَصَرِي‏(3). ______________ (1) سورة آل عمران: آية (22). (2) البحار، ج75،20،17. (3) زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) المخصوصة بالنصف من رجب

المناسبات الدينية
منذ 5 سنوات
2406

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
81309

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
60582

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 7 سنوات
50640

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 7 سنوات
45741

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 6 سنوات
45626

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 7 سنوات
34820