تشغيل الوضع الليلي

الصوم بين العادة والعبادة

منذ 6 سنوات عدد المشاهدات : 3580

يشكل الجانب المادي النسبة الأكبر من حياة الانسان، فتجده يشغل جُلّ فكره ويستغرق أغلب وقته ويستهلك أكثر جهده وطاقته. فإذا ما خُلّيَ الإنسان وطبعه فإنه غالباً ما ينغمس في المادة، مبتعدا كل البعد عن الجانب الروحي.
ولئلّا يصير الإنسان إلى هذا المصير فقد شرَّع الله (تعالى) جملة من التشريعات التي تنأى به عن الماديات وقيودها وتدنيه من الجانب الروحي والمثل والقيم .. ومن أهم تلك التشريعات تشريع الصوم الذي شرعه الله (تعالى) في أيام معدودات لا تتجاوز الشهر في عددها، إلا أن لها من الأهمية ما لها في فوائدها، والأجر العظيم والثواب الجسيم للعامل فيها، فالصوم بمنزلة دورة تدريبية تربوية تنتشل الإنسان من كل معصية ورذيلة، وترتقي به نحو الكمال والسعادة والفضيلة.
وعلى الرغم من ذلك يكاد ينعدم ذلك الأثر العظيم للصوم تقريباً لدى الكثير من المسلمين، فالبعض منهم يصومون ولكن لا يرتقون، يصومون ولكن لا يتقون، يصومون ولكن لا عن المعصية هم يقلعون ولا عن الذنب هم يبتعدون... فما السبب يا ترى؟
لعل السبب يكمن في هجران صوم العبادة (الصوم كما أراده الله (تعالى)) والاتجاه نحو صوم العادة ( الصوم كما أراده الناس) .
ففي الوقت الذي أطلقت فيه الشريعة على شهر رمضان اسم شهر الله (تعالى) لما يتوجب فيه من إدبار للماديات والشهوات وإقبال على الله (تعالى) والجانب الروحي والطاعات ، قد اتجه البعض من المسلمين إلى نقيض ذلك فجعلوه شهراً للاهتمام المبالغ فيه بالمادة والشهوات، فما أن يقبل علينا هذا الشهر الفضيل حتى تجد الأسواق الغذائية وقد اكتظت بالمتبضّعين، والأطعمة اللذيذة قد تزاحم عليها المبتاعون ، والحلوى الفاخرة قد أزداد لها الطالبون ..
نعم ، من الجيد توفير ما يحتاجه المنزل من المواد الغذائية وغيرها لهذا الشهر الكريم ليتفرغ المسلمون فيه للعبادة والطاعة ، ولكن في الحدود المعقولة وفي المستويات المقبولة ، لا بشكل مبالغ فيه جداً ــ بحيث ينتزع من الشهر غاياته ويجرد الصوم من أهدافه ــ وكأنهم مقبلون على شهر مجاعة!
وإلى جانب ذلك فقد أصبح شهر الدعاء والصلوات، لدى البعض من المسلمين شهر ترفيه ونُزهات، والتي غالباً ما تشوبها المعاصي من إغتياب مؤمن إلى نظر شهوة إلى غير ذلك من المحرمات ..
وبات شهر قيام الليل وتلاوة القرآن والمناجاة ، شهراً تُحيا لياليه بالألعاب المحرمة واللهو والقمار والأغاني التي اعتادها الكثير من الشباب في السهرات.
شهر ربيع القرآن، الذي يتسابق فيه المؤمنون إلى قراءة أكبر عدد ممكن من الختمات، والتفكر والتدبر بأكبر عدد ممكن من الآيات، أمسى شهر الفوازير والبرامج المنحطة والأفلام المتخمة بالمحرمات، وفيه يتسابق المسلمون إلى متابعة أكبر عدد من المسلسلات.
شرع الله (تعالى) فيه الصوم لتصوم الجوانح عن سوء الظن والحسد والحقد فضلاً عن الجوارح من الكذب والغيبة واجتراح المعاصي، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): " ليس الصيام من الطعام و الشراب أن لا يأكل الانسان ولا يشرب، فقط، ولكن إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك وبطنك وفرجك، واحفظ يدك وفرجك وأكثر السكوت إلا من خير، وارفق بخادمك " (1) ...
بينما اعتاد الكثير من الناس أن يعتذروا بالصوم عند تعاملهم بأسلوب فظّ وبغلظة مع الاخرين... حتى باتوا يُعامَلون بكل روية ولطف تجنباً لثورة غضبهم وابتعاداً عن شرهم! وإذا ما غضبوا وأساؤوا أو حتى شتموا وضربوا فهم معذورون لأنهم صائمون!

وفي الوقت الذي فرض الله (تعالى) فيه الصوم ليَحرم الصائم حرماناً إيجابياً من النعم التي يتمتع بها طيلة أحد عشر شهراً من المأكل والمشرب ليشعر بمن يعاني الفقر والحرمان منها فيسعى الى مد يد العون إليه ، وليدرك قيمتها فيسعى إلى شكر من أنعمها عليه، نجد أن الكثير من المسلمين قد قلبوا الليل نهاراً والنهار ليلاً في شهر رمضان المبارك، فلا هم بالجوع والعطش يشعرون ليسعوا إلى مساعدة الفقراء والمعوزين، ولا هم لقيمة النعم العظيمة يدركون ليشكروا عليها الله رب العالمين.
بل جعل أغلبهم شهر الصوم شهراً تنفتح فيه الشهية إلى الطعام على مصراعيها فتجد الهم الأول والأخير لهم هو الطعام و الشراب، لدرجة أصبح ذكر شهر رمضان ...لا ينفكّ عن تصور الولائم الشهية والحلوى الفاخرة في الأذهان!
وينبغي التنبيه على أن اختيار الأطعمة اللذيذة أو النوم نهاراً للتخلص من ألم الصوم ليس شيئاً محرماً، ولكننا نريد التنبيه على ضرورة عدم تناسي الأهداف الرئيسيّة والإلهية، فإن شهر رمضان هو شهرٌ يترفع فيه المؤمنون عن التقوّي على شؤون الحياة بالمصادر المادية متوجهين إلى التقوّي عليها بالمصادر الروحية. الأمر الذي حقق المؤمنون النصر فيه على أعدائهم في الكثير من المعارك وسجّلوا المواقف البطولية. كمعركة بدر الكبرى وفتح مكة المكرمة. فليس من المناسب جعله شهر النوم خلال الصوم... وشهر الكسل عن العمل... وشهر الخمول عن القيام بأبسط فعاليات الحياة اليومية!
إذن فبعد البُعد عن صوم العبادة (الصوم الذي أراده الله تعالى)وكل ما فيه من إيجابيات وفوائد ، والالتحاق بصوم العادة (الصوم الذي أراده الناس ) وكل ما فيه من سلبيات ومفاسد ... لا غرو في عدم ارتقاء الكثير من الصائمين مدارج الكمال ... ولا عجب في عدم اكتسابهم لملكة التقوى وإصرارهم على المعاصي والضلال...
هذه إشارات بسيطة إلى الفرق بين صوم العادة الذي لا يحصد صائمه من صيامه سوى الجوع والعطش، وبين صوم العبادة الذي تحفُّ بصائمه الرحمة و البركة ويحصد من صومه تهذيباً للروح و ترويضاً للنفس وقرباً من الله وفوزاً برضاه، والعتق من النيران والفوز بالجنان...
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الانوار ج94 ص352

اخترنا لكم

عابسٌ ينزعُ قميصَه ثانيةً

بقلم: سماهر الخزرجي لزّقت بذلتي بجلدي؛ منذُ يومينِ لم أرَ الراحة، عددُ الوافدين كبيرٌ والكادرُ قليلٌ بالنسبةِ لهذا الكمِّ الكبير. تلك الأربطةُ التي نضعُها على وجوهِنا كادتْ أنْ تنفدَ- لا شيءَ أحوجُ للإلجامِ أكثرَ من ألسنتِنا-. تكثرُ تردُداتي في تلكَ الردهاتِ؛ التي يُدلي الموتُ ساقيهِ من فوقَ أسقُفِها، مُبتسمًا مُكشِّرًا عن أنيابِه ليتلهمَ ما لذَّ لهُ وطاب، من أطفالٍ ونساءٍ ومشايخ! وكم مرةً تطلعَ فيّ؟! كم لاكَ لسانَه ليستذوقني؟! دفعني زميلي لغرفةِ الاستراحة: _خُذْ قسطًا من الراحة، فالحربُ لم تُذكِ أوارَها بعدُ، لتنشطَ في السجالاتِ القادمة. ألقيتُ جسدي المُنهك على الأريكة، كانت وجوهُ المرضى تستعرضُ أمامي تفاصيلَ تلك التقلُّصات التي تعتريها من أعراضِ تلك اللعينة! شعرتُ بخيوطِ شبكةِ الموتِ تزحفُ حولي ببطء! الساقانِ ما زالتا تتدليانِ من السقف، وتلك الضحكةُ المستفزّةُ لا تُفارقُ مُحيّاه. ضيقٌ في التنفس ينتابُني وكأنّ شباكُ الموتِ بدأتْ تلتفُ حولَ رقبتي.. كلاهما يتدليان؛ ساقاهُ وقنينةُ الأوكسجين. لا أدري كم ساعة رقدتُ، ومتى وضِعتْ لي تلك الأنبوبة المُتدلية من قنينةِ الأوكسجين! الغرفةُ موحشةٌ، لوحدي أرقدُ هنا، أمسُ كنتُ اُعالِجُ الناس، والآن أنا اُعالَج! صراخٌ يعلو في تلك الغرفةِ المُجاورةِ لي، خطواتٌ مُسرعةٌ، قلوبٌ لهثى.. خطواتي لا تحملُني لحيثُ هم. استندتُ الجدارَ حتى وصلت، المنظرُ رهيبٌ؛ طفلٌ يُعاركُ الموتَ لينجو، ولا توجدُ قنينةَ أوكسجين! أنا طبيبٌ وإنْ كُنتُ مُصابًا، نزعتُ تلك الفوّهةَ، وألبستُها له. تشعبتِ الشباكُ حولي، وكبُرَ فمُ الموت.. أنا لستُ ميتًا، أنا وُلِدتُ من جديدٍ؛ حين وهبتُ حياتي لذاك الطفل..

اخرى
منذ 4 سنوات
381

العادة والتعوَد

العادة: هي شيء تقوم به تلقائياً دون تحكم العقل الواعي بذلك. وعادات الانسان قد تكون حسنة ومحمودة كفعل الخير والاحسان مثلا كما روي عن أمير المؤمنين(عليه السلام): " كفى بفعل الخير حسن عادة " (1). وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): " الخير عادة " (2). وعن الإمام علي (عليه السلام): " عادة الإحسان مادة الإمكان " (3). وقد تكون العادة سيئة ومذمومة كعادة الفضول مثلا كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): " بئس العادة الفضول "(4). وللعادة هيمنة وسلطة على الانسان لذا روي عنه (عليه السلام) ايضا: " العادة طبع ثان "(5) و " وللعادة على كل إنسان سلطان "(6) ، فإن كانت تلك العادة عادة محمودة أعانت الانسان على الخير ومهدت له سبيل الصلاح والسعادة وإن كانت سيئة -لا سمح الله- أذلت الانسان وجرفته الى سبل الغواية والضلال عندئذٍ تتحول إلى عدو قاهر وخصم غالب فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): " العادات قاهرات "(7) . من هنا وجب على الانسان أن لا يعود نفسه إلا على العادات الصالحة إذ إن لكسب عادة حسنة ما لابد من التعود عليها وقد حثت الروايات الشريفة على ذلك منها ما روي عن الإمام علي (عليه السلام): " عود نفسك الجميل، فإنه يجمل عنك الاحدوثة، ويجزل لك المثوبة " (8). وعنه (عليه السلام): "عود نفسك السماح، وتجنب الإلحاح، يلزمك الصلاح "(9). وعنه (عليه السلام): "عود نفسك حسن النية وجميل المقصد، تدرك في مباغيك النجاح "(10). وعنه (عليه السلام): "عود نفسك فعل المكارم، وتحمل أعباء المغارم، تشرف نفسك، وتعمر آخرتك، ويكثر حامدوك "(11). كما ينبغي على المؤمن الحرص أشد الحرص على عدم التعود على العادات السيئة لأن دفعها عنه مما لاشك فيه أيسر واسهل من رفعها منه فيما لو تعود عليها، فمن عجز عن دفع عادة عنه فهو عن رفعها منه أعجز وأبرز شاهد على ذلك تلك العادة السيئة والمنتشرة بشدة وهي عادة التدخين ، فإن الانسان لو سمح لها بالتمكن في نفسه من خلال ممارسة التدخين عسر عليه فيما بعد التخلص منها وإن كان لا شيء يستحيل على قوي الارادة وشديد العزيمة. لذا نجد الروايات المباركة قد شددت على دفع العادات السيئة قدر الامكان وجهد المستطاع، فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): " لا تسرعن إلى الغضب فيتسلط عليك بالعادة " (12). ومن الخطأ الفادح الاعتقاد بإمكان التحفظ على العادة السيئة والتستر عليها عن أنظار الغير لأن العادة لابد وأن تفضح الانسان يوما ما فقد روي عن الامام الحسن (عليه السلام): " العادات قاهرات، فمن اعتاد شيئا في سره وخلواته، فضحه في علانيته وعند الملا " (13). وعن الإمام علي (عليه السلام): " لسانك يستدعيك ما عودته، ونفسك تقتضيك ما ألفته " (14). أما لو حصل وتعود على عادات سيئة ـ لاسمح الله ـ وجب عليه أن يجاهد نفسه فورا لأن العادة تستحكم في الانسان وتتجذر كلما مضى عليها الزمان. ولإجتثاث عادة سيئة ما لابد من التعود على ضدها ولذا فقد أكدت الروايات على صاحب العادة السيئة (الغضب) أن يعوِد نفسه على الحلم أي يظهره تكلفا حتى يتحول الى عادة ويسهل عليه، كما في قوله (عليه السلام): " إن لم تكن حليما فتحلم فإنه قل من تشبه بقوم إلا أوشك أن يصير منهم "(15) ،وقوله : " اكظم الغيض تزدد حلما "(16) و" خير الحلم التحلم "(17) . ومن الجدير بالذكر إن تكلف الحلم وحمل النفس عليه لايخلو من مشقة فينبغي مجاهدة النفس على ذلك وعدم التراجع لأن مجاهدة النفس كلما كانت بمشقة أكبر كان ثوابها أكثر. ولا تقتصر أهمية التعود على إجتثاث العادات السيئة إحلال الحسنة محلها وحسب، بل ويمكننا الإستعانة به لإنجاز مهامنا الهامة إن كنا نشعر حيالها بشيء من البغض أو عدم الارتياح وذلك من خلال تحويلها الى عادة، إذ إنها بمجرد أن تصبح عادة، سيسهل علينا تحملها وسنضمن إنجازها. ولأهمية العادات في حياة الانسان وتحديد مساره فيها فإنها يمكن أن تكون علامة دالة تميزه فيما لو كان من الأخيار أو الأشرار ، وقد وردت الكثير من الروايات التي حددت عادات كل من الفريقين أهمها : أولاً : عادات الأخيار : 1- روي عن الإمام علي (عليه السلام): عادة الكرام الجود (18). 2- عنه (عليه السلام): عادة الكرام حسن الصنيعة (19). 3- عنه (عليه السلام): سنة الكرام ترادف الإنعام (20). 4- عنه (عليه السلام): سنة الكرام الوفاء بالعهود (21). 5- عنه (عليه السلام): خير الناس من كان في يسره سخيا شكورا، خير الناس من كان في عسره مؤثرا صبورا (22) ثانياً : عادات الأشرار : 1ـ عنه (عليه السلام): عادة اللئام المكافاة بالقبيح عن الإحسان (23). 2ـ عنه (عليه السلام): عادة اللئام والأغمار أذية الكرام والأحرار (24). 3ـ عنه (عليه السلام): عادة اللئام قبح الوقيعة (25). 4ـ عنه (عليه السلام): عادة الأغمار قطع مواد الإحسان (26). 5ـ عنه (عليه السلام): عادة الأشرار أذية الرفاق (27). 6ـ عنه (عليه السلام): عادة الأشرار معاداة الأخيار (28). 7ـ عنه (عليه السلام): عادة المنافقين تهزيع الأخلاق (29). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص53 (2) المصدر السابق ج169 (3) المصدر نفسه ص263 (4) ميزان الحكمة ج7 ص248 (5) عيون الحكم والمواعظ ج1 ص24 (6) أحاديث في الدين والثقافة والاجتماع ج1 ص94 (7) المصدر السابق (8) ميزان الحكمة ج3 ص190 (9) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص303 (10) عيون الحكم والمواعظ ج1 ص232 (11) ميزان الحكمة ج7 ص246 (12) ميزان الحكمة ج7 ص246 (13) المصدر السابق ص244 (14) المصدر نفسه (15) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص198 (16) عيون الحكم والمواعظ ج1 ص187 (17) غرر الحكم ودرر الكلم ج1ص232 (18) المصدر السابق ص262 (19) المصدر نفسه ص255 (20) ميزان الحكمة ج9 ص21 (21) المصدر السابق ج3 ص159 (22) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص175 (23) ميزان الحكمة ج4 ص3 (24) المصدر الاسبق ج1 ص143 (25) عيون الحكم والمواعظ ج1 ص234 (26) غرر الحكم والمواعظ ج1 ص293 (27) المصدر السابق ص317 (1) المصدر نفسه ص312

اخرى
منذ 6 سنوات
4828

خدوش في ذاكرة الزمن

ضجيج صاخب يجرح اكوام الهدوء يصدح في اذنيك، قسراً يوقظك! ليلة ليست كباقي الليالي.. انهض فالمدينة شاحبة، والقمر باهت، والنجوم منطفئة! تهم بالوضوء فيتوضأ الماء بطهر لمساتك الحانية.. أتذكر ليلة الرحيل لحظة أردت الخروج من الدار.. أوقفتك صوائح.. تتبعها نوائح عند الصباح.. يتشبث كل شيء بك، ويتعلق مئزرك بباب الدار، اشدد حيازيمك... بل عد إلى الدار! فالرعية لا زالت مشتتة! تسير في الأزقّة المعهودة! المدينة ممتلئة بصفرة الرحيل.. ها هما ذا ولداك قد دبّ فيهما الرعب، فاليتم يتسلل إليهما، وسيكتمل الليلة! "ارجعا" تقولها لهما ولكن بلحن "في أمان اليتم يا ولداي" في طرقات المدينة الموحشة ترمق السماء بنظرات الوداع وتهمهم: "إنها والله هي الليلة الموعودة" تقترب من المسجد... وقريباً من محراب الشوق ترى اللعين نائماً على وجهه! انهض فهذه نومة يمقتها الله، إنها نومة الشياطين. يتمطى ويرجع نائما.. فهذه نومته الأخيرة! تتنفس الصعداء، يرتفع الأذان فتصلي صلاة مودع كما في كل مرة.. فالرحيل يسايرك ولا ينفك لحظة عن مخيلتك! فإنما هي نفسك تروضها بالتقوى... لتأتي آمنة يوم الفزع ولتثبت على جوانب المزلق... تسجد.. وينطفىء المكان.. ظلام دامس! ها هو ذا الفجر قد أصيب في أم رأسه، يحن إليك كل شيء... يحن! الرحيل وشيك.. لطالما صدحت بها كل يوم.. حتى أناخ ببابك الجمّالُ. أتذكر كم كنت تمسح على رؤوس اليتامى؟! ها هم أولادك يتامى من بعدك، فمن لهم؟! تختنق الكلمات بغصة الاشتياق عندما تحل زينب بين سطور النصوص! يا أباها من لها بعدك؟ تكاد الأرض تميد بي عندما اقرأ خبر الأصبغ، وعصابة صفراء راحت تعزيك على صفرة وجهك القاتمة أمام صفرتها! اللبن.. قيل هو العلاج الشافي ها هم يتاماك يحملون كؤوساً من اللبن لا يريدون شيئاً، فقط أن ترجع لهم، يلوحون من بعيد أيهم سيأخذ كأسه ويُـقبل؟! إلى أن قالها أثير بن عمر عندما رأى بياض دماغك: "يا أمير المؤمنين أعهد عهدك وأوصِ وصيتك، فإن الضربة قد وصلت إلى أم رأسك!" وماذا سيوصي علي؟ وهل كانت له دنيا حتى يوصي بها؟! أليس هو القائل : والله ما كنزت من دنياكم تبراً ولا ادّخرت من غنائمها وفراً ولا أعددت لبالي ثوبي طمراً ..!! أ نسيت أنه بالأمس، طلقها ثلاثاً لا رجعة فيها! أ نسيت قوله :"اليك عني يا دنيا غري غيري"؟! جدثٌ كيف له ان يـضمك وأنت جمعت الكون فيك؟!

اخرى
منذ 6 سنوات
1629

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
76210

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
56132

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
43336

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
42964

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
39683

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
33435