تشغيل الوضع الليلي

فايروس كورونا لا يصيب كل البشرية...

منذ 5 سنوات عدد المشاهدات : 2829

ونرى الجميع أخذ الحيطة والحذر واتبع الإجراءات الوقائية خوفًا من الإصابة به...
وابتعد عن كل الأماكن المزدحمة، وفرَّ من المصابين به حتى وإن كانوا أخوته وأبناءه ووالديه...
فايروس جعلنا نفر من أخوتنا للوقاية منه!
ماذا اعددنا للوقاية من عذاب يوم القيامة ونار وقودها الناس والحجارة !

{ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ} سورة عبس الآية (٣٤)

اخترنا لكم

نجوم عاشورائية (2)

بقلم: يا مهدي أدركني مواقف عديدة حدثت بين الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) وبين أهله وأصحابه (عليهم السلام)... ما هي إلّا رسائل منهم إلينا، فإن تمسكنا بها أضاءت قلوبنا وأنارت دروبنا... في الطريق إلى كربلاء وأثناء المسير، كان علي الأكبر (صلوات الله وسلامه عليه) على جواده بالقرب من أبيه الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) فسمعه يقول: (إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة/ 156)، فجرى الحوار التالي بينهما: قال علي الأكبر (عليه السلام): يا أبتاه، لِم استرجعت؟ قال الحسين (عليه السلام): عنّ لي فارس، وأنا في المنام، يقول: القوم يسيرن والمنايا تسير خلفهم. فعلمت أن نفوسنا نُعِيت إلينا. قال علي الأكبر(عليه السلام) : يا أبتاه، ألسنا مع الحقّ؟! قال الحسين (عليه السلام): بلى، والذي نفسي بيده. فقال عليّ الأكبر (عليه السلام) : والله لا نبالي أوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا. فلو تأملنا في هذا الموقف قليلًا نجد عدة جوانب، ومنها: الأول: جانب عقائدي: ذلك الجانب الذي سلط (صلوات الله وسلامه عليه) الضوء بقوله: (إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، ففي هذه الآية بشارة لمن نزلت وحلت بهم المصيبة (ولا يستعمل لفظ المصيبة إلا في النازلة المكروهة)(1)، وقد اجتمعت البشارة مع المصيبة في قوله تعالى (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون) (2)، وللوهلة الأولى قد يرد تساؤل هنا: كيف تجتمع البشارة مع المصيبة؟! الجواب: أن هناك درجاتٍ عظيمةً في الجنة لا ينالها المؤمن إلا بعد أن يُمحَّص بالبلاء تمحيصًا ويكون صابرًا على ما ينزل عليه من الله تعالى من دون جزع، فهو ليس مجرد تلفظ بالقول وإنما هو تسليم قلبي لله تعالى ورضا بقضائه وقدره، فإن البشارة هي للصابرين المسترجعين. وما هو معنى الاسترجاع؟ هو إقرار من العبد بأنه كائنٌ، منبعُ وجوده وتحققه في عالم الوجود هو من الله تعالى وإنه غير قادر على الاستمرار والبقاء في هذا العالم من دون الله (عز وجل)، فهو ليس له وجود مستقل من دون الذات المقدسة وأن مرده إليه (جل وعلا). إن من أول نِعَم الله تعالى على العبد هو إيجاده من العدم، فإن المُلك الحقيقي هو لله تعالى وما ملكنا لأنفسنا وأفعالنا إلا ملك اعتباري ظاهري، ولولا إذن الله تعالى عز وجل لما كان لهذا التصرف (تصرفنا نحن الموجودات) من تحقق في الخارج، وإن مرَّد الإنسان هو إلى الله تعالى فهو القادر على إيجاده وفنائه وهو المالك الحقيقي له، وإن كلًا من الجسد والروح ما هما إلا أمانة لدينا يجب الحفاظ عليهما وعدم تلويثهما بالذنوب. فإن علِم الإنسان حقيقته ونسب نفسه الى بارئه، علِمَ حينها أنه ليس هنالك مجالٌ للحزن على ما فقده، فإنه في الحقيقة لا يملك شيئاً (وأما إذا أذعن واعتقد أنه لا يملك شيئًا لم يتأثر ولم يحزن، وكيف يتأثر من يؤمن بأن الله له الملك وحده يتصرف في ملكه كيف يشاء؟) (3). فنحن من الله وإليه، وقد أشار الى هذا الجانب الإمام الحسين (عليه السلام) في دعائه المعروف في يوم عرفة (إليك مردّي، ابتدأتني بنعمتك قل أن شيئًا مذكورًا) (4). الثاني: القوة المستمدة من عمق الإيمان: وهو المتمثل بردّ علي الأكبر (صلوات الله وسلامه عليه) بأنه لا يبالي من الموت، فكيف لا يبالي والموت هو من أشد الأمور التي يكرهها الإنسان؟ إن علي الأكبر (صلوات الله وسلامه عليه) كان أشبه الناس خَلْقًا برسول الله (صلى الله عليه وآله) وكانوا كلما اشتاقوا إلى الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) نظروا إلى علي الأكبر (عليه السلام)، ولكن الشبه لا يقتصر على هذا الأمر فقط، وإنما تعدى الى الشبه في الأخلاق أيضًا، فإن أخلاق الرسول (صلى الله عليه وآله) تجسدت في علي الأكبر (عليه السلام) تلك الأخلاق التي أشار لها الله تعالى في كتابه الكريم بقوله تعالى: (وإنَّكً لًعلى خُلُقٍ عَظِيْم) (5)، فهناك تشابه بين شخصية علي الأكبر وجده الرسول الأكرم (صلوات الله وسلامه عليهما) ذلك التشابه الذي استقاه علي الأكبر (عليه السلام) من أبيه الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) ومن قبله من جده (صلى الله عليه وآله)، فكان في شجاعته كالليث لا يهاب شيئاً، فمن أين أتت هذه القوة؟ إن الإنسان كلما دخل في دائرة الإيمان وتوغل حب الله في قلبه وبات قريبًا منه مستشعرًا وجوده في كل حركاته وسكناته، ازداد قوةً وبأسًا، فهنالك علاقة طردية بين الإيمان والقوة. هذا فضلًا عن كون الإنسان إذا كان على حق فإنه يزداد قوة، والعكس صحيح، لذا نجد في ذلك رسالةً إلينا وهي (أن الإنسان إن كان على حق، فيجب أن لا يخاف شيئاً) وهذا يعني أنه يجب أن نكون دومًا مع الحق مهما كانت الظروف التي يمر بها الفرد صعبة وعسيرة، وفي أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) أسوة لنا، فقد كان هو المثال الواقعي للحق، حتى قال عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله): (عليٌ مع الحق والحق مع علي يدور معه كيفما دار)، فمتى ما كان الإنسان مع الحق فهو لن يضعف أبدًا، فيكون الحق النابع من الإيمان مصدرًا للقوة لا ينفذ أبدًا. وهذا هو سبب عدم خوف الأكبر (عليه السلام) من الموت. _________________________ (1) الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي, ج1, ص350. (2) سورة البقرة: آية {156}. (3) الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي، ج1، ص351. (4) المنتخب الحسني للأدعية والزيارات، دعاء الإمام الحسين عليه السلام يوم عرفة, ص910. (5) سورة القلم: آية {4}.

المناسبات الدينية
منذ 5 سنوات
3991

آلــيّات دفاع الزهراء (عليها السلام) وأثرها فــي مناهضة الظلم والظالمين عـبر العصور/ ج١

الـمقدّمـة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمداً نستلهم به التوفيق من حضرته، ونتهيأ به لعواطف نظرته، وصلّى الله وسلّم على خلاصة الخلاصة وصفوة الصفوة من بريته وخلقه، سيّدنا محمد صلى الله عليه واله، وصلِ اللّهم وسلّم على أعظم من دلنا عليك، وأشرف مَن وصلَ اليك، وصلِ يا رب على فطرة الخلاصة و منهج الصفوة أنوار الأكوان وبداية الأزمان الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. وبـعد.. كلّ انسانٍ يعقل أنّ أشد أنواع الظلم هو الاجتراء على حدود الله التي أوضحها في كتابه الكريم أو على لسان نبيّه الأكرم محمد (صلّى الله عليه وآله)، حيث قال تعالى: {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}؛ أي: أساء إليها، وذلك بتعريضها لسخط الله تعالى ومقته، وأخذه وسطوته. وفي مقام بحثي هذا سيتضح للقارئ كيف ظُلِمت بنت حبيب الله التي صرّح النبي بنفسه أنّ مَن أغضبها فقد أغضبه، ومَن أغضبه فقد أغضبَ الله، ذلك الحديث الذي صدحت به كتب الفريقين. فحدودُ الله هي حدود محمّد (صلى الله عليه واله) وفاطمة (عليها السلام) مِن حدود الله ونبيّه، فمَن تعدّى على حقوقها فهو ظالمٌ لامحالة، وقد توعّد الله تعالى الظالمين بقوله تعالى: {قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا}. ونِعمَ به سبحانه مِن حكيمٍ ما أعدله. فاطمة الزهراء تلك المرأة التي تعرّضت لظلمٍ لا مثيل له في البشريّة، تلك المرأة التي ناهضت الظلم ببلاغةٍ وحكمةٍ وشجون، بآليّاتٍ عديدةٍ اُشير إلى بعضها في هذا البحث المتواضع، وأسأل الله تعالى أن يجعله شفيعاً لي يوم حشري، إنّه نعمَ سميعٌ مُجيب. الــمبحث الأول: مُناهضةُ الـظُلم للوقوف على ماهيّة الظلم وتجسّد مصداق الظالم ونوع الظلم الذي تعرّضت إليه فاطمة الزهراء (عليها السلام), أتطرّق في هذا المبحث إلى مطالبٍ ثلاثة موّضحةً التالي: -المطلبُ الأوّل: تعريفُ الظُلم والظالِم -المطلبُ الثاني: تعريفُ المُناهضة -المطلبُ الثالث: ماهيّة الظُلم الذي تعرّضت له السيّدة الزهراء (عليها السلام) المطلب الأول: تعريفُ الظٌلمِ والظالم الظلم لغةً: وضع الشيء في غير موضعه(1). واصطلاحاً: هو: وضع الشيء في غير موضعه المختص به؛ إمَّا بنقصان أو بزيادة؛ وإما بعدول عن وقته أو مكانه(2). والظالم: هو فاعل من ظَلَمَ(3) قال تعالى: { تِلْكَ حُدُود اللَّه وَمَنْ يُطِعْ اللَّه وَرَسُوله يُدْخِلهُ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْز الْعَظِيم }(4) المطلب الثاني: تعريف المناهضة - ن ه ض : نَهَضَ قام وبابه قطع وخضع و أَنْهَضَهُ فانْتَهَضَ واسْتَنْهَضَهُ لأمر كذا أمره بالنهوض له(5). النُّهوضُ : البَراحُ من الموضع والقيامُ عنه ، نهَضَ يَنْهَضُ نَهْضاً ونُهوضاً وانْتَهَضَ أَي قامَ.(6) المطلب الثالث: ماهيّة الظلم الذي تعرّضت له الزهراء(عليها السلام) لقد تعرّضت السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) إلى العديد من الظلامات, اسلّط الضوء على اثنين منها في فرعين؛ تماشياً مع سعة البحث ومدار وقته. الـفرع الأوّل: غــصبُ أرض فدك سأتطرق في هذا الفرع إلى: أولاً/ التعريف بأرض فدك ثانياً/ أحقيّة ملكيّة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بفدك أولاً: التعريف بأرض فدك فدك : قرية بالحجاز بينها و بين المدينة يومان، و قيل ثلاثة، أفاءها الله على رسوله (صلى الله عليه وآله) في سنة سبع صلحاً ، و ذلك أن النبي ، صلى الله عليه وآله، لما نزل خيبر و فتح حصونها و لم يبق إلا ثلاث و اشتد بهم الحصار راسلوا رسول الله صلى الله عليه وآله، يسألونه أن يُنزلهم على الجلاء و فعل ، و بلغ ذلك أهل فدك فأرسلوا إلى رسول الله ، صلى الله عليه وآله، أن يصالحهم على النصف من ثمارهم و أموالهم فأجابهم إلى ذلك ، فهي مما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب فكانت خالصة لرسول الله ، صلى الله عليه وآله؛ و فيها عين فوارة و نخيل كثيرة " (7). ثانياً/ أحقيّة ملكيّة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بفدك اثبتت كتب السنة والشيعة هذه الحقيقة , ومَن ينكر فما هو إلاّ جاحد, وسأثبت تلك الأحقيّة ببعض الأدلّة. أ: نصّت كتب القوم على انّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أعطى الزهراء فدكاً, برواياتٍ صحيحة في كتبٍ معتدٍ بها عندهم, منها: 1-- قال أبي يعلى : قرأت على الحسين بن يزيد الطحان ، قال : هذا ما قرأت على سعيد بن خثيم ، عن فضيل ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، قال : لما نزلت : { وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ( الإسراء : 26 ) } دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة ، وأعطاها فدكا.(8) 2-- أخرجه البزار ، وأبو يعلى ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري من أنه لما نزلت هذه الآية : { وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ( الإسراء : 26 ) } دعا رسول الله (ص) فاطمة فأعطاها فدكا.(9). وغيرها العديد مِن الروايات التي أثبت تلك الحقيقة , لايسع المقام لنقلها, فمَن يُنكر ذلك فما هو إلاّ طعنٌ في صحّة كتبه. ب: لقد غصّت كتب الشيعة الإماميّة بروايات اثبات مظلوميّة الزهراء (عليها السلام), وأن مِن تلك الظلامات: غصب أرض فدك منها, بعد أن أثبتت انّ تلك الأرض هي ملكٌ لفاطمة الزهراء (عليها السلام) برواياتٍ عديدة منها: 1—جاء في تفسير الإمام الرضا (عليه السلام) في مسألة اصطفاء أهل البيت في الكتاب العزيز في اثني عشر موطناً.... قال(عليه السلام): والآية الخامسة : قول الله عزّ وجل: (وآتِ ذا القربى حقّه) .....فلما نزلت هذه الآية على رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال ادعو إليّ فاطمة , فدُعيت له فقالت: لبيك يا رسول الله، فقال: هذه فدك, هي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب وهي لي خاصة, دون المسلمين, قد جعلتها لكِ لما أمرني الله تعالى بهِ, فخذيها لكِ ولي ولدك"(10). الفرع الثاني: غصبُ الإمامة أولاً: التعريف بالإمامة -لغةً: لإمامة : هي تقدم شخص على الناس على نحو يتبعونه ويقتدون به. أما الإمام فهو : من يُقتدى به ، و هو الذي يتقدم على الناس و هم يأتمون به ، و يقتدون به في قول أو فعل أو غير ذلك ، سواءً كان الإمام المتقدم عليهم محقا في تقدمه هذا أم لا (11). -اصطلاحاً: قال العلّامة الحلّي رحمه الله بتعريف الإمامة : « الإمامة رياسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخصٍ من الأشخاص نيابةً عن النبي صلّى الله عليه وآله»(12). ثانياً: الدليل على أحقيّة زوج البتول (عليه السلام) بالإمامة: أنّ الكلمات المأثورة عن الرسول الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله )، تدلّ على أنّه صلوات الله عليه كان يعتبر أمر تنصيب خليفة بعده على المسلمين أمراً إلهياً ؛ حيث إنّه (صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله) حينما دعا بني عامر إلى الإسلام وقد جاءوا في موسم الحج إلى مكّة ، قال رئيسهم : أرأيت أنّ نحن بايعناك على أمرك ، ثمّ أظهرك الله على من خالفك ، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ فأجابه صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله بقوله : «الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء» (13). ولو تتبعنا الروايات في كتب الفريقين لاكتفينا بالحديث المتواتر الذي يثبت أحقيّة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالخلافة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله), وهو حديث الغدير.. فحديث الغدير ممّا تواترت به السنّة النبويّة وتواصلت حلقات أسانيده منذ عهد الصحابة والتابعين إلى يومنا الحاضر ، رواه من الصحابة (١١٠) صحابياً ومن التابعين (٨٤) تابعياً ، وقد رواه العلماء والمحدّثون في القرون المتلاحقة(14). ولكي يكون القارئ الكريم على بيّنة بماهيّة حديث الغدير اُشير إلى أمرين: الأمر الأول: كما عرفنا انّ هذا الحديث تواتر على لسان رواة الحديث, نقرأ بعض مِن تلك الأحاديث الواردة في كتب أهل السنة: 1- حدثنا : ‏ ‏ابن نمير ‏ ، حدثنا : ‏ ‏عبد الملك ‏ ‏، عن ‏ ‏أبي عبد الرحيم الكندي ‏ ‏، عن ‏ ‏زاذان أبي عمر ‏، ‏قال : سمعت ‏ ‏عليا ‏ ‏في ‏ ‏الرحبة ‏ ‏وهو ‏ ‏ينشد ‏ ‏الناس من شهد رسول الله ‏ (ص[صلى الله عليه وآله وسلم]) ‏ ‏يوم ‏ ‏غدير خم ‏ ‏وهو يقول : ما قال : فقام ثلاثة عشر رجلا فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله ‏ (ص[صلى الله عليه وآله وسلم]) ‏ ‏وهو يقول : ‏من كنت ‏ ‏مولاه ‏ ‏فعلي ‏ ‏مولاه.(15). 2- حدثنا : ‏ ‏علي بن محمد ‏ ، حدثنا : ‏ ‏أبو الحسين ‏ ، ‏أخبرني : ‏ ‏حماد بن سلمة ‏ ‏، عن ‏ ‏علي بن زيد بن جدعان ‏ ‏، عن ‏ ‏عدي بن ثابت ‏ ‏، عن ‏ ‏البراء بن عازب ، قال : أقبلنا مع رسول الله ‏ (ص[صلى الله عليه وآله وسلم]) ‏ ‏في حجته التي حج فنزل في بعض الطريق فأمر الصلاة جامعة فأخذ بيد ‏ ‏علي ‏(ر) ،‏ ‏فقال :‏ ‏الست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، قالوا : بلى ، قال : الست أولى بكل مؤمن من نفسه ، قالوا : بلى ، قال : فهذا ‏ ‏ولي ‏ ‏من أنا مولاه ‏، ‏اللهم ‏ ‏وال ‏ ‏من والاه ، اللهم عاد من عاداه(16). الأمر الثاني: الروايات الخاصة: 1- عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ ابي جعفر (عَلَيْهِ السَّلام) قَالَ كُنْتُ عِنْدَهُ جَالِساً فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ حَدِّثْنِي عَنْ وَلايَةِ عَلِيٍّ أَ مِنَ الله أَوْ مِنْ رَسُولِهِ فَغَضِبَ ثُمَّ قَالَ وَيْحَكَ كَانَ رَسُولُ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه) أَخْوَفَ لله مِنْ أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ الله بَلِ افْتَرَضَهُ كَمَا افْتَرَضَ الله الصَّلاةَ وَالزَّكَاةَ وَالصَّوْمَ وَالْحَجَّ(17). 2-- عن الصادق ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يوم غدير خم أفضل أعياد امتي وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره فيه بنصب أخي علي بن أبي طالب علما لامتي ، يهتدون به من بعدي ، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين ، وأتم على امتي فيه النعمة ، ورضي لهم الاسلام دينا . ثم قال صلى الله عليه وآله : معاشر الناس إن عليا مني وأنا من علي ، خلق من طينتي ، وهو إمام الخلق بعدي ، يبين لهم ما اختلفوا فيه من سنتي ، وهو أمير المؤمنين ، وقائد الغر المحجلين ، ويعسوب المؤمنين ، وخير الوصيين ، وزوج سيدة نساء العالمين ، وأبوالائمة المهديين ، معاشر الناس من أحب عليا أحببته ، ومن أبغض عليا أبغضته ، ومن وصل عليا وصلته ، ومن قطع عليا قطعته ، ومن جفا عليا جفوته ، ومن والى عليا واليته ، ومن عادى عليا عاديته ، معاشر الناس أنا مدينة الحكمة وعلي بن أبي طالب بابها ولن تؤتى المدينة إلا من قبل الباب ، وكذب من زعم أنه يحبني ويبغض عليا ، معاش الناس والذي بعثني بالنبوة واصطفاني على جميع البرية ما نصب عليا علما لامتي في الارض حتى نوه الله باسمه في سماواته ، وأوجب ولايته على ملائكته(18). وسبق وأن تنبأت السيّدة (عليها السلام) بنفسها بمصير الأمة المظلم بـعد رحيل نبيّ الرحمة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(19). وبـــعد أن عرفَ القارىء الشيء اليسير مِن الظلامات التي تعرّضت لها الزهراء البتول (عليها السلام) , أنتقل لبيان الآليات التي استخدمتها (عليها السلام) في مناهضة هذا الظلم وذلكَ في المبحث القادم إن شاء الله تعالى. ____________________________ (1) لسان العرب: أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ( ابن منظور), ج9, حرف الظاء. (2) مفردات ألفاظ القرآن: الراغب الأصفهاني, 537. (3) قاموس المعجم الوسيط: محمد بن يعقوب الفيروز آبادي. (4) البقرة: 229. (5) مختار الصحاح: زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي الرازي, باب النون. (6)لسان العرب: أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ( ابن منظور), ج14, حرف النون. (7) معجم البلدان لياقوت الحموي ،ج4 ، باب الفاء و الدال و ما يليهما ، ص238. (8) المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: ابن حجر العسقلاني, كتاب التفسير - سورة حم عسق, ج15, ص192. (9)روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني : الآلوسي ,سورة الإسراء : 26,ج8, ص61. (10) عيون أخبار الرضا:ج1, ص233, والبرهان:ج2, ص415, ح2. (11) قال الراغب : " و الإمام : المُؤتَّمُ به ، إنسانا كان أو يقتدى بقوله و فعله ، أو كتاباً أو غير ذلك ، محقاً كان أو مبطلا ، و جمعه أئمة " ، مفردات غريب القرآن : 24 . (12) النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر:أبي منصور جمال الدين الحسن بن يوسف, ص105. (13) ظ: السيرة النبوية :ابن هشام . ج 2, ص424. (14) مُحاضرات في الإلهيّات: جعفر السبحاني, ج2, ص380. (15) مسند الإمام أحمد بن حنبل : أحمد بن حنبل,- مسند العشرة المبشرين بالجنة - مسند الخلفاء الراشدين, ومن مسند علي بن أبي طالب (ر), ح 642. (16) سنن ابن ماجه: ابن ماجه, - كتاب المقدمة - أبواب في فضائل أصحاب رسول الله (ص)- باب فضل علي بن أبي طالب (ر), ح 116. (17) اصول الكافي: الكليني, ج1, باب بَابُ مَا نَصَّ الله عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ عَلَى الائِمَّةِ (عَلَيْهِ السَّلام) وَاحِداً فَوَاحِداً, ح5. (18) امالى الصدوق : الشيخ الصدوق, ص 76 و 77 . (19) اصول العقيدة: السيّد محمد سعيد الحكيم, ج1, ص189. والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين. علوية الحسيني

اخرى
منذ 6 سنوات
4783

دورُ الزهراء (عليها السلام) في تكوين الأسرة

سماحة السيد محمد صادق الخرسان (أعزه الله) ألقيت يوم 14 شباط 2020 على جمع من طالبات جامعة أم البنين الإلكترونية ومن طالبات معهد تراث الأنبياء ومن طالبات جامعة الكوفة وجامعة بابل. من الواضح للجميع أنَّ العالَم يتجه نحو الرقمنة واستعمال الأجهزة الذكية من المحمول والكمبيوتر وغيرهما، وبدأ يكثر التعامل مع هذه التقنيات الحديثة، لكن – كما هو واضح –إنَّ الانتفاع بها مرتبطٌ بأنظمةٍ وقوانين ومنها: إدخال الرقم السري أو الباسوورد؛ منعًا للاِختراق، وحفظًا لخصوصية الشخص. وهو أمرٌ إيجابي؛ لأنه وقايةٌ من اطلاع الغير على خصوصياته من دون إذنه، فكان إجراءً احترازيًا اتخذته الشركات المصنِّعة لحفظِ المعلومات وصونها عن العبث. كما هو أيضًا دليلٌ على احترام خصوصيات المستخدِمين. وحيثُ إنَّه كما قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) : (في كلِّ شيءٍ موعظةٌ وعبرة لذوي الألباب والاعتبار)١، وأيضًا عنه (عليه السلام): (كلُّ نظرٍ ليس فيه اعتبارٌ فهو سهو، وكلُّ سكوتٍ ليس فيه فكرةٌ فهو غفلة، وكلُّ كلامٍ ليس فيه ذكرٌ فهو لغو. فطوبى لمَنْ كان نظرُهُ عِبرةً وسكوتُهُ فكرًا وكلامه ذكرًا)٢. فيمكن للعاقل أنْ يستفيد شخصيًا من مواقفِ حياته ومشاهداته خلالها؛ ليتعظ بتجارب غيره ويعتبر من أخطاء غيره ولا يُكررها. وهنا يمكن أنْ نتساءل هل خاصية الرقم السري في الأجهزة الذكية فقط، أو يوجد ذلك عند الإنسان أيضًا؛ لأنه إذا كان الإنسان قد صنّع الأجهزة الذكية ووضع شروطًا للانتفاع منها، فهل أنَّ الله (سبحانه وتعالى) الذي خلق الإنسان لم يجعل له خصوصيةً ليحفظه من اختراق العابثين؟ أو أنَّه (تعالى) قد خلق الإنسان وزوّده بما يحفظه لكن بعض الناس أهمل الاحتفاظ برمزه الشخصي والرقم السرّي الخاص به؟ إنَّ ما نُشاهده من عظمةِ ما خلقه الله (تعالى)، يدلنا على وجود رمزٍ شخصي ورقم سرّي لكلِّ إنسانٍ، لكن يتسامح بعض الناس بحفظه ولذلك يخترقه العابثون حتى ينخدع أو يضطر إلى ترك بعض ثوابت الأخلاق والشريعة التي وُجدت لحفظِ الإنسان من ولادته إلى موته. فإذا تركها الإنسان وسمح بانتهاك خصوصيته فإنه حتمًا سيتعرض للابتزاز والسقوط، وقد لا ينتبه لنفسه فتفوته فرصة التراجع والتصحيح. والمقصود بالرمز الشخصي والرقم السرّي للإنسان هو: ما يُسمى أحيانًا بالفطرة أو الأخلاق أو تربية الأهل وما يتلقاه من البيئة، بحيث تتكوّن عند الإنسان حصانة ذاتية لنفسهِ بسبب استماعه لنداء الفطرة والضمير وتفاعله المستمر؛ فإذا أهمل ذلك فسيندم في وقتٍ لا ينفعه ندمه؛ لأنَّ الإنسان من خلال الفطرة التي خلقه الله عليها يتمكن من التمييز بين الحسن والقبيح، فيعرف أنَّ هذه الحالة صحيحة و تلك غير صحيحة. فالفطرة نظام يعمل من خلال المحددات الأخلاقية التي تقوم بدور جهاز الحماية الذي يعمل بتلقائية عند الإنسان، وهو مفيدٌ جدًا لحفظِ الإنسان؛ فبالأخلاق يستقيم الإنسان في سلوكه ويكون مهتمًا بتحصين نفسه من الجهل وأمراض الروح، لكن إذا لم يستجب أحدٌ لنداء فطرته وضميره، فسيسهل جدًا اختراقه وسلب خصوصياته، وهو ما يحصل عندما يتجاوب بعض الشباب مع غرائزهم فيفقدون توازنهم وأهم ما عندهم، ولا يمكنهم بعد ذلك تعويضه بشيء. ولهذا يجب علينا الانتباه وعدم الغفلة عن أخلاقنا وتربيتنا لأنها ضماناتُ وقايةٍ من أنْ ننزلق ونخسر كلّ شيء، وقد لا يمكننا التراجع؛ لانتهاء الوقت المحدد لاستضافة الإنسان في الدنيا، وعليه مغادرة قاعة الامتحان الكبرى منتظرًا إعلان النتيجة. وبالتالي كان للإنسان ما يحفظ خصوصيته كما كان للأجهزة الذكية ما يحفظ خصوصية مستخدِميها. والاستماع لنداء الفطرة والضمير يمنع من التورّط بمجازفات الغريزة ومشكلاتها. وللإنسان حريةٌ تامة في الاختيار ما بين الفطرة والغريزة؛ لأنَّ مساحة المباحات أوسعُ من مساحة الممنوعات على الإنسان، وإنّما قد يتوهم الإنسان أحيانًا قلة المباح له، وسبب توهمه ذلك إما خضوعه لضغط الغريزة، أو سيطرة الجهل بواقع الأمور عليه حتى تصوّر أنه مُضيّقٌ عليه ولا بُدّ له من التمرّد على الأخلاق التي تربّى عليها، لكن الواقع شيء آخر؛ ولهذا يجب أنْ نحتفظ بتوازننا بين العقل والعاطفة، وبين التصوّر والواقع؛ لئلا نفقد مصداقيتنا أمام أنفسنا ومجتمعنا، وعندها يصعب التراجع، كما لا يمكن التعويض دائمًا، وبالتالي يجب ومنذ البداية حفظ الرمز الشخصي الذي جعله الله (تعالى) للإنسان منذ خلقَهُ والذي يبدأ بالعمل من الولادة حتى الوفاة، ومعرفة الطفل ببعض القضايا، وأنَّ هذا صحيح أو معيب، واستجابته لتعليم والديه أدلُّ دليلٍ على أنه مُزوّد ببرنامج الفطرة التي يتعرف من خلالها على قائمة الصحيح من غيره. ولابُدّ من أنْ نحافظ على هذه الفطرة؛ لأنها تطبيقٌ زودنا الله (تعالى) به ولا يحتاج إلى تنصيب، وإنما يحتاج إلى متابعة وعدم إهمال حتى ننتفع منه. ومن خصائص الفطرة: أنها ذات توصيات لا يستغني عنها الإنسان مهما كان؛ لأنَّ كلّ إنسانٍ -ذكراً أو أنثى- يحتاج التذكير والتعديل، وإنْ كانت الأنثى تحتاج إلى ما لا يحتاجه الرجل من أمورٍ في الحياة، وهذا ليس بغريب؛ فنحن عندما نستعمل المحمول - مثلًا– نجده يحتاج إلى برامجَ وتطبيقاتٍ وملحقات لا يحتاجها الكمبيوتر، مما يعني أنه من الطبيعي أنْ تتعدد حاجات أفراد الجنسين؛ فتحتاج الإناث إلى التذكير بأهمية الحجاب والعفة والتعلّم؛ كي لا يستغل بعضهن أحدٌ ثم يتركهن يندبن حظهن. وأما الذكور فيحتاجون إلى تحفيزهم على التعلم والعمل وتحمل المسؤولية، وهذا الاختلاف لا يلغي اشتراك الجميع بمُشتركاتٍ كثيرة منذ بدأ الله (سبحانه وتعالى) خلقهم، فالجميع يحتاج التذكير كيلا تنطلي عليه بعض الشعارات الخاطئة كالمساواة بين الجنسين مثلًا؛ فهو شعار مجحف بحق المرأة قبل غيرها؛ لأنَّه يمهد للرجل الاتكال على المرأة واستغلال تعاونها بلا إنصاف، كما يحوّلها الى أداة التذاذ. ولم ينفرد الإسلام بالتحذير من ذلك، فها هي عالمة الاجتماع الأمريكية الدكتورة (آليس روزي) قد حذّرت منه ايضًا عندما بيّنت أنَّ الفوارق البيولوجية المؤكدة بين الجنسين تمنع عن قبول الدعوة الى المساواة بينهما؛ لأنَّ إنكار هذه الفوارق كالوقوف في وجه تغيّرات الطقس أو إنكار وجود بعض الحقائق الواضحة٣. والسرّ في ذلك أنَّ الله (تعالى) قد صمم جسد كلٍ من الرجل والمرأة بحالةٍ تختلف عن الآخر؛ لاحتياج الحياة إلى هذين الجنسين، ولعدم استقامة الأمور بأحدهما، ولا بأنْ نجعل المرأة استنساخًا عن الرجل أو العكس، وإنما لكلٍّ منهما دوره الذي لا يؤديه غيره، وهذا بالضبط كحاجتنا يوميًا إلى الحديد والزجاج وغيرهما من أمور، فلا يعوِّض وجود أحدهما عن الآخر؛ إذ للحديد خواصه وحاجتنا إليه لا يُلبيها الزجاج الذي له خواص أخرى، فهذا رقيق وذاك صلب، ولذلك لا يمكن أنْ نقول إنّ الحديد أفضل من الزجاج أو الزجاج أفضل من الحديد؛ إذ لا معنى للمُفاضلة بين شيئين نحتاج كلًا منهما، فما نجده في رقة الزجاج في مقابل صلابة الحديد لا يقلل من أهمية الزجاج ولا يعني أفضلية الحديد؛ لأنَّ ما نحتاج فيه إلى الحديد يختلف عمّا نحتاج فيه إلى الزجاج، وبالتالي فالكون كله خلَقَهُ الله (عزَّ و جلَّ) الواحد الأحد الفرد، وما عداه موجودٌ على أساس ثنائية أنَّ وجودك مع وجود غيرك يتكاملان وتستمر الحياة. لكن في جميع حالات التكامل والتعامل بين اثنين تجب المحافظة على كرامة الإنسان؛ ولذا اهتم الإسلام في تشريعاته بمنع الاختلاط المشبوه حتى لا تتحول هذه النعمة الإلهية إلى أداةٍ للتسلية، فكأنه أراد إعطاء المرأة ما تحفظ به نفسها -الرقم الخاص– وأراد أنْ يعرّفها: أنَّ الالتزام بالحجاب والعفة كفيلان بتحصينكِ، وأنَّ أمانكِ الشخصي مرهونٌ باتباع أحكام العلاقات مع الرجل؛ لئلا يتطور الوضع بشكلٍ لا يمكنكِ السيطرة على نفسِك أو على الطرف الآخر، وعندئذٍ تكون الخسارة كبيرة ولا يمكن تداركها، وتكون المرأة هي الخاسرة؛ لأنَّ بعض الرجال لا يهمه شيء إلّا تحقيق رغبته، فإن تعكر مزاجه لجأ إلى العنف أو الكلام الجارح أو التنكيل بنشر خصوصيات الصور وأسرار المعلومات الشخصية لمَنْ ائتمنته على ذلك، لكنه للأسف لم يحفظِ الأمانة. ولهذا كان الإسلام قد اتخذ إجراءات السلامة للجنسين في جميع الحالات لأنَّهم عباد الله الذين كرّمهم بأنْ خلَقَ لهم العقل وبعَثَ لهم الأنبياء (عليهم السلام) كي يلتزموا بدلالاتهم على الخير وتحذيراتهم من الشر. بل كان من نعم الله (تعالى) أنْ أبقى لنا صلةً بالنبي المصطفى (صلى الله عليه وآله) بعدما رحل عن هذه الحياة، وذلك من خلال وجود المعصومين (عليهم السلام) من أهل بيته الطاهرين. ولأننا نعيش هذه الأيام ذكرى ولادة الزهراء (عليها السلام)، وكان عنوان المحاضرة هو: (دور الزهراء (عليها السلام) في تكوين الأسرة) فلابد من تذكير الأخوات الحضور ببعض سيرة الزهراء (عليها السلام) وهي قدوة لنا جميعًا، لكن النساء مدعوات إلى الاقتداء بها (عليها السلام) أكثر؛ لأنها امرأة قد طالبت بحقوقها بلا تنازل عن حجاب أو غيره من أحكام الشرع، فكانت أقرب إلى وضع المرأة وتجسيدها لما يمكن للمرأة فعله عندما تحتاج إلى الخروج من بيتها؛ فالزهراء (عليها السلام) خرجت للمطالبةِ بحقوقٍ مغصوبة من فدك وغيرها، رغم كونها (عليها السلام) في حالةٍ صعبة جدًا حيث فقدت قريبًا، أبًا لا نظير له في الآباء فهو رسول الله (صلى الله عليه وآله)، علاوة على تألمها لالتفاف بعض الناس على بيعة الغدير واستيلاء الحاكم على الخلافة، لكنها رغم ذلك كله أعطتنا صفات الإعلامية الناجحة والكاتبة والمتحدثة البليغة بحيث دور النشر والفضائيات تنقل تلك الخطبة التي خطبتها في المسجد النبوي الشريف حتى الآن، رغم مضي أكثر من 1400 سنة على إلقائها لكنها ما زالت تهدي الإنسانية بالعلم والمعرفة إلى أسلوبٍ علمي للمطالبة السلمية بالحقوق المغصوبة، يتلخص في عدم استسلام الإنسان من جهة وعدم ترك التزاماته الشرعية والأخلاقية من جهة أخرى. ومما يؤسف له ما يحصل الآن من بعض النساء فإنها إنْ تعيّنت إعلامية أو في التعليم أو حتى بوظيفةٍ أخرى تبادر إلى التزين والتبرج، ناسيةً أنها بذلك تساعد الرجل على التعامل معها بعيدًا عن الأخلاق، علمًا أنّ بعضهن لا تملك ثقافة ولا لباقة في الكلام، بحيث لا تستطيع إتمام جملة واحدة من دون أخطاء! مما يعني أنّ التبرّج لا يكشف ثقافة المتبرجة، فلماذا ترخص المرأة نفسها إذاً؟ وتعطي الرمز الشخصي لغيرها فيستعمله ويؤذيها حتى يصل بها الحال أحيانًا إلى موتها، فضلًا عمّا يلحقها وأهلها من العار، فلماذا تساعد المرأة على حصول ذلك؟ وقد أكرمها الله (تعالى) بما جعل لها من قدوة النساء السيدة الزهراء (عليها السلام(. فلابُد أنْ تعرف المرأة أنّها لم توجد في هذه الحياة لتكتفي بأنْ تعيش وتحصل على شهادة التخرّج أو تتزوّج أو تستعرض الملابس، بل حيث وهبها الله (تعالى) العقل فهي قادرة على النهوض بدورٍ أهم وأعمق؛ لأنها كما لها حقوق أيضًا عليها واجبات؛ إذ يبدأ دورها من البيت وهو أصغر خلايا المجتمع ويستمر من خلال قدرتها على تشكيل الأسرة ومتابعة مراحل تكوينها ونموها، حتى أنها في بعض التفاصيل تستطيع إنجاز ما يعجز عنه الرجل، فعليها أنْ تعرف قدر نفسها بلا غرور، يعني تتوازن بين معرفتها بنقاط الخلل عندها، وبين مواصلتها لطريق الحياة و التزامها بالحجاب والعفة؛ لئلا يستغلها أحد، فيمكنها المشاركة في ميادين العلم والعمل مع انضباط السلوك وعدم التسامح لتحفظ نفسها بما جعله الله لها من وقاية وحصانة. وللمرأة دورٌ مهم جدًا؛ فهي صانعة الحياة بما تقدمه من تربية ‏الرجل، ذلك الولد أو الأخ، بل تشترك بشكلٍ أو بآخر بتطبيع الزوج‏ أو الوالدَين، ومع كلِّ هذه الإمكانات كيف يرضى أحدٌ بأنْ يقتصر دورها على إبراز المفاتن أو الحصول على الشهادة وكأنه انتهى كل شيء؟! رغم أنَّ بإمكانها أنْ تجعل من نشاطها الدنيوي رصيدًا لها في الآخرة، فتجمع بين الدنيا والدين بمعنى أنْ تبتعد المرأة عن معصية الله (تعالى)، فلا تترك واجبًا ولا تفعل حرامًا، وتستفيد من مساحة المباحات في حياتها لتُرضي أُنوثتها من دون مخالفة للشرع والأخلاق. فمن المهمٌ جدًا أنْ تعلم المرأة بأنَّ ممارستها لحريتها الشخصية لا يصح أنْ تكون على حساب الآخرين، فلا يمكن أنْ تختصر الحياة كلها بإظهار زينتها أو بمشاكستها مع الآخرين – بسبب انفعالاتها النفسية -، وإنما توجد عندها فرصة أخرى من دون محذور، وذلك بأنْ تعمل وتجعل عملها هو الذي يتحدث عنها، فالطالبة تهتم بالتعلّم والمعلّمة تهتم بالتعليم، والعاملة تهتم بالعمل الذي تعمله، والزوجة تحتوي الزوج وتستوعبه بحُسن التبعل والتحمّل، وكذلك الأم تهتم بتربية الأبناء والبنات وتعلّمهم التعامل الصحيح الإنساني والالتزام بأحكامهم الشرعية؛ لأنهم ليسوا فقط أبناءها وبناتها وإنما هم جيل المستقبل وسينقلون ما تعلّموه منها إلى جيل آخر وهكذا تستمر الحياة حتى ظهور الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه ‏الشريف) الذي سيملأ الأرض قسطًا وعدلًا ‏بعدما ملأت ظلمًا وجورًا، وحتى في عصر الظهور لا ينقطع عطاء المرأة للمجتمع، ولذلك عليها من الآن استثمار الوقت بالتعلّم وعدم تضييعه بتقليب صفحات العالم الافتراضي ‏بالموبايل وغيره، بحيث تبتعد فعلًا عن عالمها الواقعي وتقصّر في عملها لدرجة انْ يشكو من ذلك الزوج أو الأب أو الأخ أحيانًا ‏مع أنها قادرة على أنْ تعيش مع الآخرين بانسجام بحيث تعتني بأسرتها ولا تفهم الحياة بكونها إظهار الزينة أو معرفة تفاصيل الفيس وغيره؛ لأنَّ تفاصيل الحياة أكثر وأهم من ذلك، فلو أهملت المرأة نظافة بيتها أو نفسها مثلًا فإنّ ذلك يؤثر عليها جداً، وقد ينسي الرجل ما قدّمته له سابقًا. ولذلك على المرأة أنْ تنتبه إلى أنَّ وجود الإنسان في الدنيا مؤقتٌ وسيرحل عنها فهل قدّم شيئًا يُنتفع منه؟ وأنَّ هذا الجسد سيتركه في القبر ويذهب بروحه إلى عالَمٍ آخر وهناك يحتاج إلى رصيد الحسنات، وهي لا تجتمع إلّا من الأعمال النافعة الصالحة. فلابُد من الحرص على وقتها وتطوير أدائها في الحياة في داخل البيت وخارج البيت بما يضمن نجاحها في هذا الامتحان الذي ندخل جميعًا إلى قاعته وعلى العاقل أنْ يسعى إلى النجاح ويصمم عليه قبل الخروج من الباب الآخر الذي لا رجعة منه. وفُرَصُ نفع المرأة للمجتمعِ كثيرةٌ جدًا؛ لأنَّ الناس تحتاج المعلمة والمدرّسة والطبيبة وربّة البيت ‏والشاعرة والمهندسة والتي تعمل في المصنع وغيرها من حقول المعرفة والخدمة في مرافق الحياة ‏المختلفة التي تستطيع الإبداع فيها، فيُمكنها إثبات ذاتها في هذا المجال النافع. وقد يعترض أحدٌ بأنَّ الحجاب والعفة يقيّدان حرية المرأة، فلابُد من إعطائها حريتها الكاملة! والجواب يتلخص بالتالي: في جميع قارات الدنيا نجد أنَّ العقلاء يعتبرون من قمة التحضّر وضع أرقام سريّة عند الدخول للموبايل أو الحاسبة، وكذلك العقلاء يستعملون الملابس ويبنون الجدران والبيوت أو غيرها من أمثلة كثيرة، مع أنها جميعًا تقيّد حرية الإنسان لكنهم لم يتركوها بسبب هذا التقييد بل تعاملوا مع الموضوع بشكلٍ طبيعي جدًا وفي جميع المجتمعات، فالإنسان الذي يعيش حالة العقل وليست العاطفة لا يرفض بعض التقيّدات بل ولا يستغني عنها؛ من أجل حفظ نفسه أو أمواله، وليس من المعقول أنَّ جميع الناس في الدنيا لم يجدوا طريقة أخرى للعيش! ولا من المعقول أنهم لا يشعرون بقيود هذه التقيّدات التي يختارها الإنسان العاقل بإرادته حرصًا منه على سلامته؛ ولذلك يلبس ملابس وإنْ كانت سميكة جدًا، ويجلس بين جدران ويبني الأبواب ولا يقول هذه قيود. إذن فمن الطبيعي أنَّ الإنسان يحتمي مما يخاف وإنْ لم يشاهده، بل ويحتمي ايضًا لمجرد احتمال الضرر منه؛ وذلك لوجوب اتخاذ إجراءات السلامة، فالإنسان يخاف من الأعداء أو الحيوانات ويحتمي منها وإنْ لم يشاهدها، كما يحتمي من الفايروسات التي لا يراها؛ ربما فقط لأنَّ الطبيب يحذِّره منها فيسارع إلى التوقي منها مخافة أنْ تهاجمه وتهدد سلامة وجوده، وهذا من باب لزوم دفع الضرر ولو المحتمل، أي إنّ العقل يحتِّم على العاقل الابتعاد عن مصدر الخطر إذا احتمل حصوله، فيتوجب عليه أنْ يدفعه عن نفسه قبل وقوعه. إذا علمنا ذلك، فإنّ تساؤلًا يطرح نفسه وبشدة وهو: هل يوجد خطر أشد على كرامة المرأة من انتهاك عفتها؟ عندما يتغلب رجلٌ على عواطفها ويأخذ منها ما يريد ثم يتركها جثةً هامدة؟ أو أنه يورّطها في استعراض جسدها أو تهريب ممنوعات، وغير ذلك ثم يبدأ الابتزاز الإلكتروني أو التهديد بالفضيحة أو نشر الصور أو المحادثة، وغير ذلك من تصرفات تدلّ على الانحطاط. والجواب: إنَّ هذا الخطر يهدد حياة المرأة وأسرتها، فيلزم أنْ ننتبه جميعًا إلى ذلك ونطوّق دائرة الخطر، وتوعية المرأة بمخاطر استجابتها له مقابل لذةٍ عابرة أو مالٍ أو وعدٍ كاذب بالزواج أو الوظيفة أو النجاح؛ لأن جميع هذه الوعود وإنْ وفى بها حقًا فهي لا تعني شيئًا مقابل سمعة المرأة وأسرتها. كما أنّ الاستجابة تلك تعني الانحراف عن خط الزهراء (عليها السلام)، والانحراف عن مبادئ الإنسانية التي تؤكد على احتفاظ المرأة بما وهبها الله (تعالى) من الرمز الشخصي الذي لا يصح أنْ تمنحه في لحظةِ ضعفٍ أو عاطفةٍ لأحدٍ بحيث يبتزها و يتسبب بنهايتها المؤلمة. على حين يمكن للمرأة _ أيًا كانت _ أنْ تلتزم بمنهج الزهراء (عليها السلام) الذي ما زالت الأجيال تتناقله وترويه كموقفٍ كبير يعتز به الجميع؛ إذ جمعت بين المطالبة بالحقوق وعدم التهاون بأداء حقوق الله والإنسانية عليها. أسأل الله التوفيق للجميع والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. _____________ ١ عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص141 ٢ الخصال، الشيخ الصدوق، ص98 ٣ للاطلاع على المزيد ينظر كتاب (المخ ذكر أم أنثى؟)، د. عمرو شريف ود. نبيل كامل، ص204و205، الطبعة السادسة.

اخرى
منذ 4 سنوات
1201

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
78641

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
58102

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
46330

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
44274

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
42234

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
33913