تشغيل الوضع الليلي

الإمام علي (عليه السلام) منظومة قيم وحضارة لم تر النور بعد!

منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 884

بقلم: عمار الفلاحي
لا جرَمَ ولا غرو في أن يحارُ الفرد، ويكادُ أن يسمع وجيب قلبه وهو يختلجُ حيرةً، وقتما رام الكتابة عنك سيدي (أمير المؤمنين) لشدةِ ما ينكفئ به البوح، ويتلجلج بأناملهِ القلم، من أن يحيط خبرًا بسيد الكلم، وجهبذ بلغاء الأمم، ومولى العرب والعجم، بنفسي أنت من رحى للخلافة وقطب الرحى، وإن تقمّصها التباب والتبيب، وأنت أنت لها ما بقي الجديدان، وما بزغت شمسٌ، وشمس أرخى بسدولها المغيب، حيث النبأ العظيم أنت وهل أتى، وما أتى بالخلقِ شبه لشرفك أو ضريب، عجبًا كيف ارتضت (عفطة العنز) عنك بدلا، وتيجان الولاية أنت وسندسها القشيب، لعمري هل رأت السقيفة دونك حولا، وهل يتوارى وميض الشمس بلبد القنيب، أم رامت السقيفة إنزالك كرةً، وأخرى وتارةً!
أو هل أنزل يوسف حين أنزل بغسق الوئيب؟!
عالمية الحضارة الفكرية التي وضع حجر أساسها المولى أمير المؤمنين (عليه السلام) والحاملة ببوتقها (الفرج والمخرج) للأمم بشكل عام، وللأمة الإسلامية بشكل خاص، لم ترَ النور بعد، من خلال إحدى أشهر مقولاته الفكرية التنموية، والتي كانت من الممكن أن تنعطف ببوصلة البنية الذهنية حيث اتجاهات التحرر الفكري، والتي سنعرض مورداً منها نصًا للقارئ النهم بعد التعريج على ما تشهده الأمة من الأسر بحلق بنية التخلف، مما أبطأ بعجلة تقدمها دون الالتحاق بالركب الحضاري، بالنحو الذي جعلها تضفي صبغة القداسة لركامها الثقافي المتوارث، مع تعطيل تام للعقل من أن يكون عقلًا ناقدًا ومستقصيًا، وإبقاء الأمة سادرةً في غيبوبتها، حيث بات جريان الفكر راكداً في نهر الحضارةِ الإسلامية، بعد ما كان ذا نسيج حي، وباتت الأمة تترك للحياة تنظيم أمورها، غير أن الأمم جميعًا، سيما من -انفلتت نسيبًا من حلق الجهل- لم تشهد مشاهدته وتشهده الحضارةِ الإسلامية، التي أُنزل في ظهرانيها ثقلان عظيمان -الكتاب والعترة- فكانا ولم يزالا يمثلان الملمح لضفة النهر الحضاري، الكفيل بتبلج ما سلكته الأمة من عتم، كاقتفاء شرائع الموتى، دونما التطلع إلى ما يتماشى مع أوضاع حاضرها.
_المولى أمير المؤمنين (عليه السلام) استطاع أن يؤسس لحضارة فكرية مشرقة تنعطف بالأمة إلى مصاف التطور الحضاري، من خلال مقولته الفكرية الخالدة: لا تقسروا أولادكم على عاداتكم فأنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم، هذه المقولة (ليست موجودة ضمن الحكم الواردة في أخر نهج البلاغة لكن أوردها عبد الحميد المعتزلي شارح نهج البلاغة منسوبة لأمير المؤمنين).
هي بمثابة تنمية فكرية تبقي العقل على قيد النقد والاستقصاء، على اعتبار أنّ الإنسان كائن تلقائي، يولد بقابليات فارغة متعطشة للمثيرات، يحتله ويكوّنهُ الأسبق إليه، لذلك هو قابل للتشكل بما هو سائد من الثقافات، لأنه ينساب بما يتأثر فيه من تبوئه الاجتماعي، -بسلبها وإيجابها- حيث خلق الله تبارك وتعالى، العقل بقابليات فارغة مهولة، ولو أن الإنسان في مختلف الأمم، استطاع أن يجعل من مقولة أمير المؤمنين (عليه السلام) خارطةً لطريقه الفكري المستقل عن الأدلجة الموروثة، لاستفاق من سباته، وجعل من عقله مصدرًا إشعاعيًا للفكر والتنمية، وقد لا تكون تلكم النظم الحضارية العاملة على تصحيح بنية التخلف، بغائبة عن القرآن الكريم كذلك، حيث ركز في مواطن كثيرة على إذكاء ثقافة الفكر المتجدد المستقل عن ما هو سائد من التنميط الفكري، حيث أورد كلمة (يتفكرون) ثماني عشرة مرة في إشارة واضحة إلى أهمية التفكر في بناء المجتمعات وإبقائها متجددة.
لذلك لو إننا ننظر بكثب إلى مراحل الانقلاب على الأعقاب، والاصطفاف بالضد من كل ما من شأنه أن ينهض بالحاضر الثقافي الجنائزي، التي ترزخ تحت طائلة الأمة، منذ أن تأفل وميض النبوة في الأمةِ برحيل المصطفى الخاتم (صلى الله عليه وآله) لوجدنا وبوضوح أن ما يقف في طليعتها هو انحراف هرم السياسة الإسلامية عن القيادة المعصومة، والذي هو نتاج طبيعي لتقفي الأمة ثقافة القطيع، وإغفالهم الفكر، وإبقائها رهائن المسلّمات التي ألفوا آباءهم عليها، فتلكمُ بُنية التخلف التي اسقطها المولى (عليه السلام) بنظريتهِ الحضاريةِ هذه.

اخترنا لكم

الإمامةُ فرعُ التوحيد وبابُه

بقلم: رضا الله غايتي اتهِمَت مدرسة الإمامية بأنّها تقدّمُ الإمامةَ على التوحيد! على حين أنَّها تعدُّ التوحيدَ أصلَ أصولِ الدينِ؛ وأسَّ أسسِهِ؛ لذا تجدُ أنَّ الرواياتِ حوله في المجاميعَ الحديثيةِ كثيرةٌ، والمباحث العقلية في الكتبِ الكلاميةِ عنه وفيرةٌ، ولا غروَ في ذلك، فلقد رويَ عن الإمامِ علي (عليه السلام):"أوّلُ الدينِ معرفتُه"(1)؛ وذلك لأنَّ التوحيدَ الحقّ لا يكونُ إلا بمعرفتِهِ تعالى، فمن لم يعرفْه لا يمكن أنْ يوّحدَه توحيدًا حقًّا، وهذا ما حدثَ لإبليس إذ قال:" أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ "(الاعراف 12) واصفًا أمرَ اللهِ تعالى بالسجودِ لآدمَ (عليه السلام) بأنَهُ مخالفٌ للحكمةِ والعدالةِ، فتمرّدَ على طاعتِهِ تعالى تمرّدًا مقرونًا بالإِنكار للمقامِ الربوبي، مما دلَّ على أنَّ التوحيدَ في العبادةِ لا يُغني ما لم يكنْ مقرونًا بالتوحيدِ في الربوبية. ولذا، فإنَّ آياتِ التوحيدِ بعد أنْ ركزتْ على التوحيدِ في الألوهيةِ والعبادةِ في المكيّة منها كقوله تعالى: "لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ "(الأنعام102)، ركّزتْ على التوحيدِ في الربوبية في المدنيّةُ منها، كقولُه تعالى: "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ"(المائدة55). وقد تضافرتْ الرواياتُ من الفريقينِ أنَّ المقصود بـ(الذين آمنوا) هو الإمام علي (عليه السلام)، منها ما رويَ عن عمار بن ياسر "وقف على علي بن أبي طالب سائل وهو راكع في تطوع فنزع خاتمه فأعطاه السائل فأتى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فأعلمه ذلك فنزلت على النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم هذه الآية (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) فقرأها رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ثم قال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه "(2). وعليه فإنَّ من لم يوالِ الإمام علي (عليه السلام) يكنُ قد تمرّدَ على اللهِ تعالى في مقامِهِ الربوبي، وهنا تكمنُ أهميةُ الإمامةِ. أضفْ إلى ذلك، أنه تعالى عندما ألزمَ المؤمنينَ بولايةِ أميرِ المؤمنين (عليه السلام) بعد ولايتِهِ وولايةِ رسوله (صلى الله عليه واله) فإنّما يريدُ بذلك حصرَ الطريقِ إليهِ ببوّابةِ الإمامةِ الحقّة المتمثلة بالإمامِ علي والأئمة من بعده (عليهم السلام)؛ لما لها من دورٍ أساسي في رسمِ معالم التوحيدِ المرضيّ عنده سبحانه. وللأهميةِ البالغةِ للإمامةِ لم يتركْ الباري ولا رسولُه مناسبةً إلا وأشارا إليها وإلى الأئمة حتى قبل الدعوة إلى الإسلام نفسه! وما كرامةُ مولدِ الإمامِ علي (عليه السلام) في الكعبة ِالمشرَّفة وجوابُ النبي (صلى الله عليه وآله) له بعد أنْ خرجتْ والدتُهُ منها إلا دليلٌ على ذلك، فقد روي:" فلما خرجت قال علي (عليه السلام): السلام عليك يا أبه ورحمة الله وبركاته، ثم تنحنح وقال: "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ" (المؤمنون1-2) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):" قد أفلحوا بك، أنت والله أميرهم، تميرهم من علمك فيمتارون، وأنت والله دليلهم وبك والله يهتدون، "(3). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)نهج البلاغة: الخطبة 1. (2)المعجم الأوسط ج6ص218 (3) بحار الأنوار ج35ص18

اخرى
منذ 4 سنوات
558

قصّتي مع المجالسِ الحسينيّة

بقلم: المستبصرة غفران سعد كلية الطب/ جامعة بغداد في ظلِّ مثلِ هذهِ الظروف من البلاء الذي حلَّ علينا مع كورونا -نسألُ اللهَ الفرجَ العاجلَ القريب بحقِّ حرمةِ أيامِ سيّدِ الشهداء (صلوات الله عليه)- ربما ستكونُ نسبةُ حضورِنا المجالس النسائية بنسبةٍ أقل، ونُحرَمُ من الكثيرِ منها، وستقلُّ أعدادُنا ونُحرَمُ من لقاءِ الكثير من الأحبّةِ الذين تعوّدْنا أنْ نراهم ونزدحم معهم كُلَّ عامٍ على المجالسِ الحسينية في مثلِ هذه الأيام؛ بسببِ الظروفِ الصحية، وتوصياتِ المراجعِ العظامِ بضرورةِ الالتزام بالإجراءات الوقائية الصارمة، أو قد أُحرَمُ منها أنا خصوصًا؛ بسبب ظروفٍ خاصة.. دفعتني الحسرةُ والألمُ والاشتياقُ ولهيبُ الفراق على أنْ أستذكِرَ قصتّي مع هذهِ المجالسِ المُقدّسة، كيف كانتْ؟ وكيف بدأتْ؟ وأين وصلت؟! وبعض المواقفِ التي حصلتْ معي فيها. قبل سنواتٍ كُنتُ كغيري من الناسِ البعيدين عن الوسطِ الشيعي والجاهلين به وبحقيقته، أعتقدُ أنَّ هذه المجالسَ كُلَّها كفرٌ وإشراكٌ، وأنَّ هذا النواحَ واللطم والعزاءَ هو سببُ كلّ بلاءٍ وغضبٍ وفقرٍ يحلُّ علينا! وأنَّ صاحبَه أصلًا لا يُريده، ولا يستفيدُ منه، بل لو رجعَ للحياة لقتلهم! كما قتلَ عليٌ ابنُ أبي طالب المُغالين فيه، وكُنتُ ادّعي أنني أحِبُّهُ وأعرفه أكثرَ منهم من دون هذا اللطمِ والبكاء! بالأخلاقِ والاقتداءِ والعمل فقط.. وكانتْ بنظري هذه المجالس مصدرًا للإزعاجِ، وتعطيلًا للحياة، ومزاحمةً وخرابًا، إضافةً إلى نظرةِ الانتقاصِ لمؤديها. منطقتُنا التي نسكنُ فيها شيعيّة، وكُلُّ سنةٍ تؤدّى فيها الشعائر؛ المواكبُ منصوبةٌ، والمجالسُ قائمةٌ، وزادُ أبي عبدِ الله (عليه السلام) في بيتِنا لا ينتهي حتى حلولِ شهرِ مُحرّم التالي! ووسطُنا في المدرسةِ والشارعِ والجيرانِ أغلبُه شيعيٌّ، وكانوا يدعوننا لحضورِ هذه المجالس، ولكنّي لا أحضر، أمي فقط كانتْ تحضر من بابِ التلبيةِ لدعواتِ صديقاتِها والجيران. لا تُغادرُ بالي صورتي وأنا واقفةٌ في يومٍ من الأيامِ لأمّي على بابِ المنزلِ؛ لأمنعها من حضور تلك المجالس، قائلةً: (لا تخرجي، فأنت ذاهبة لمكان كله كفر)! أولُ مجلسٍ حضرتُه من بابِ الفضول؛ لأطلع على ما يفعلون في هذهِ المجالس، ولأساعدَ صاحبته وهي مُدرِّسةٌ لي في الإعدادية، كان قلبي مُتعلِّقًا بها؛ فقد جذبتني بأخلاقِها والتزامِها وإخلاصِها في العمل، وعندما علمتُ أنّها شيعيةٌ صُدِمت! فحضرتُ المجلسَ وقدّمتُ لهم المساعدةَ في إعداد الشاي وتقديمهِ للمُعزّين، وتضييفهم حتى انتهى المجلس، لم أكنْ أعلمُ ساعتَها أنني أعِدُّ الزادَ لسفينةِ نجاتي التي أخذتْ بيدي للحقِّ، وأبصرتُ بها جانبَ النور! وقفتُ قليلًا على بابِ الغرفةِ التي فيها المجلس، أنظرُ تارةً إلى قارئة العزاء، وتارةً إلى المُعزّين وهم يلطمون ويبكون، أمسكتُ نفسي بصعوبةٍ عن التأثُّرِ بهم وعدم البكاء.. ولكن أخيرًا لم أتمالك نفسي عندَ تصويرِ حالةِ الخطابِ بين السيدة زينب والعباس (عليهما السلام)، وغربة الإمام الحُسين (عليه السلام)، ففاضت عينايَ بالدموع، ولم أكنْ أعلمُ أنَّ هذه الدموع ستغسلُ الغشاوةَ عن بصيرتي، وستُصيّرني في بضعِ سنينٍ من الذين يُصلّي عليهم اللهُ؛ لأنّهم من شيعة الحُسين الباكين. كالمغشي عليه من الموتِ، أختنقُ تارةً فأخرجُ من المنزل لباحتِه، حتى لا أتحمّل إثمَ هذا الكفرِ والغضبِ الإلهي الذي سيحلُّ علينا في الداخل بسببِ أفعالهم، وبنفسِ الوقتِ ثمةَ نور في الداخلِ يجذبُني؛ لأعود تارةً أخرى، فأقفُ على البابِ، وأستمع للنعي، وأنظر ماذا يفعلون. كنتُ أنظرُ إلى مُدرِّستي وأراها بحالةٍ عجيبة، تبكي وتلطمُ وفي عالمٍ آخر، أُكذِّبُ الكونَ كُلَّه ولا أُكذِّبُها فيما تفعلُ وتعتقدُ ولا أشكُّ في صدقِها قيدَ أنمُلة. مضت أيامُ هذا المجلس، وأنا بين المُصدِّقةِ لقلبي ونفسي وروحي فيما حصدتُه منه، وبين المُكذِّبةِ المُعانِدة المُنغلِقة على أفكارها المُتمسكة بما وجدت عليه آباءها... مضتِ الأيامُ وانقضت، ومُحرّمُ التالي ليس كما قبله؛ فلم أقفْ لأمّي على البابِ؛ لأمنعها من الذهاب للمجلس، بل كانت في نفسي راغبةٌ في أن أذهب! لم أمنعْها من لبسِ السواد تماشيًا مع أهواءِ منطقتِنا، ولم أُطفئُ التلفازَ عن صوتِ القصيدةِ الحسينية التي تظهرُ صدفة... لم أستهزئُ باللطم... ولم أنطقْ عبارات التكفير والاتهام بالشرك من دون دليلٍ ومعرفة. لم أتذمّرْ من صوتِ الموكب! بل أظهرتُ عدمَ الرضا على أفعالِ أهلي في البيتِ من الاستهزاءِ بالقصيدةِ التي ظهرت، وطلبتُ منهم أنْ يكتفوا بخفضِ الصوت! وقمتُ بتسجيل فيديو لأختي الصغيرة، وهي تلطمُ على قصيدةِ "براءة العشق"! وحزَّ في نفسي بهذا العام أنَّ مدرستي لم تدعُني إلى مجلسِها؛ احترامًا لمشاعري أو لنقُل لتُجنبني الإحراج؛ لاختلاف اعتقادي وأفكاري! وشعرتُ بداخلي أنّني حُرِمتُ، وتمتمتُ في نفسي: نحنُ أيضًا نُحِبُّ الحُسين (عليه السلام) ونرغبُ بحضور مجلسه. ومضتِ الأيامُ ولم يكنْ شيء كما كان! الباطِنُ يُنذِرُ بتغيير، والأفكارُ بدأتْ تتضاربُ وتتحرّكُ وتبحثُ عن الأجوبةِ والحلول، إلى أنْ أذِنَ اللهُ (تعالى) واُتيحتِ الفرصة؛ ولأنني أعلمُ أنّ فرصَ الخيرِ تمرُّ مرَّ السحاب، تحمّلتُ كُلَّ شيءٍ وانتهزتُها.. فرصةُ أنَّ هناك مَن يُجيبُني عن كُلِّ أسئلتي ونقاشاتي، مَن يُعينني على معرفةِ الحقِّ والحقيقة، فرصةُ أنْ أخضعَ لما يتوضَّحُ لي من الحقِّ في أمرِ الدين، وأطبِّقُه وأعملُ به.. والحمدُ لله أنّني لم أُقصِّرْ في ذلك، وشكرتُ النعمةَ حقَّ شُكرِها، حتى وفّقَني الله (تبارك وتعالى) والتزمتُ بطريقِ المعرفةِ وطلبِ الحقِّ حتى آخرِ الأنفاس! وحتى وصلتُ لما وصلتُ له من العقيدةِ والولاءِ لأهلِ بيت محمّدٍ (صلواتُ اللهِ عليهم أجمعين).. إلى أنْ جاء مُحرّمُ بعدَ سنتين وبدأتُ أحضرُ المجالسَ وأنا بعقيدةٍ جديدةٍ وفكرٍ جديد. كان أولُ محرّمٍ لي هو مُحرّم التعرُّفِ والمعرفةِ، أقرأُ ما جرى في كربلاء وأعيشُه في المجالس، وبنفسِ الوقتِ أبحثُ عن أجوبةٍ عقائدية: لِمَ البُكاء؟ لِمَ اللطم؟ لِمَ العزاء؟! وعندما أحصلُ على الجواب أطبِّق.. لا يملكُ الإنسانُ السببَ حتى يبكي عندما يسمعُ المقتلَ والرثاء، لكنّه قد يُمسِكُ نفسَه عن اللطمِ إنْ لم يكنْ مقتنعًا بذلك! وأنا في أولِ مجالس حضرتُها حاولتُ ذلك؛ لأنني لم أكن قد وصلتُ إلى قناعةٍ وحجةٍ أنَّ اللطمَ جائزٌ بعد، ولم أُكمِلْ هذا الـ chapter من الكتابِ بعد! حيثُ كُنتُ مُعتادةً أنْ أقرأ كُلَّ شيءٍ على مهلٍ وأبحثُ عنه وأسأل، وعندما أقتنعُ أطبِّقُ على الفور! فـ"من عمِلَ بما يعلمُ علّمَه اللهُ ما لم يعلمْ!". كانت هذه الرواية وتطبيقُها مصدرَ كُلِّ التوفيقات في حياتي وسببَ سرعتي في الوصول.. ومع ذلك لم أكنْ أصمدُ في المجالسِ حتى أنتهي من قراءةِ البحثِ لألطمَ على مصائبِ الحُسين! وكان هذا الردُّ عفويًا: "الما يلطم على احسين مو شيعي يسمونه" سمعتُ هذهِ العبارةَ بأحدِ المجالس، فقمت باللاوعي باللطمِ معهم، وفتّتَتِ المعرفةُ المكتومةُ في باطني للحُسين كُلَّ هذا العناد وأزالتْ عمى البصيرة.. فعُلِّمتُ ما لم أعلمْ حينَها وقمتُ لألطمَ عن معرفةٍ وعقيدةٍ ووعيٍ وقناعةٍ وعاطفةٍ ووجدان.. صرختُ بداخلي: "كيف لا أُعتبَرُ شيعيةً وأنا كُلُّ ذرةٍ من ذراتِ وجودي تصرخُ: أشهدُ أنَّ عليًّا ولي الله"؟! بعدئذٍ ما إنْ سمعتُ نفسَ هذه العبارة على قناة كربلاء، في يوم العاشر، حتى بدأتُ باللطمِ معهم.. كنتُ عندما أحضرُ المجالسَ لا أعرف كيف ألطم، فأنظرُ إليهم وأتعلمُ منهم.. والشيءُ الوحيدُ الذي كنتُ أُجيدُه هو البكاء، والبكاءُ بصمتٍ وهدوءٍ لا يُسمَعُ لي فيه أي صوت! أولُ المجالسِ التي كُنتُ أحضرُها، كانت قارئة العزاء بعد الانتهاءِ كُلَّ مرةٍ تُناديني، وتسألُ عني وتتعرفُ عليّ: (من هذه الفتاة التي تبكي بحرقة مع هدوء؟) فتنتبهُ إليَّ جميعُ من في المجلسِ دون أنْ أشعر، ويغبِطنني قائلاتٍ: هنيئًا لكِ، وأمّا قارئة العزاء فكانت تدعو لي بالتوفيق والثبات وتُهنئني، وهي لا تعلمُ بقصتي أصلًا ولا تعرفني من أنا! كُنتُ أشعرُ أنَّ هذه المواقف من تدبيرِ يدِ الغيب، وأنَّها أمارةُ قبولٍ تشدُّ الأزرَ وتثبتني على هذا الصراط، كُنتُ أشعر أنّها علامةُ القبول من الزهراء (صلوات الله عليها) لهذه التعزية والمواساة؛ لأنّني كنتُ أقرأُ حينَها أنَّها (صلوات الله عليها) تحضرُ وتفعلُ ذلك... وبعدَ كُلِّ مجلسٍ أحضره يتكرّرُ هذا الشعور، حتى صرتُ معروفةً به، وجيراننا في كُلِّ مرةٍ يطلبونَ حضوري بالخصوص، وإذا كانتْ أمّي لا تستطيعُ الحضور فيأتونَ هم ويأخذونني معهم! والبعض منهم يأتي ويجلسُ بجانبي، مُعللين ذلك بقولهم: "الزهراء تحضر عندك!"، وفي كُلِّ مرةٍ يأتونَ لدعوتِنا يقولون لأهلي: "وغفران هل تأتي" فضلُ هذه المنطقة والجيران عليّ عظيمٌ، وحتى مجالسهم وناسهم، وعلى الرغمِ من السلبيات التي توجد لكن لهم عظيمَ الأثرِ في طريق تكاملي وتعلَّمْتُ منهم الكثير وأهمها الولاء. حتى أنّهم عندما يأتون بـ(الثواب والتوزيعات)، فإنَّ لي عندهم الحصة الخاصة، وأحيانًا يخصونني بحصةٍ مماثلة لحصةِ أهلي أجمعهم قائلين: "هذه لغفران فقط" ولأننا لا نخرج في منطقتنا كثيرًا، ولا تربطني بالجيران علاقة غير المجالس، فإنّهم يأتون في المناسبات والأعياد ويُسلِّمون عليّ، ويخصونني بالمعايدة، كما واسوني بطريقةٍ عجيبة، وأخذوا بيدي دون شعورٍ وعلموني الكثير واستفدت منهم، رغم لقاءاتنا القليلة، وهذه المعنويات يحتاجُها كُلُّ شخصٍ في بدايةِ طريقه.. في أولِ زيارةِ أربعين لي في العام نفسه، كانتْ موافقةُ أهلي مستحيلةً؛ فالزيارةُ والمشي والمبيتُ خارج البيت بمثل هكذا أماكن لا توجد في قاموسنا.. فبقيتُ أيامًا أبكي وأتحسّرُ وتقطّع قلبي أوصالًا، رغم أنَّ الحُسينَ (عليه السلام) أعطاني إشارةَ المواساةِ والقبولِ ولكنَّ القلبَ لا يقتنع.. فوقفوا معي حتى أنَّ جارتنا قالت: لن أذهبَ هذهِ السنةَ للأربعينيةِ إلا وغفرانُ معنا! ولأنًّ والدهم صديقُ والدي، فقد استجاب لطلبهم ووافق حياءً منهم، فذهبنا أنا وأمّي معهم.. وبعد ذلك صارت سُنّةً في أغلبِ الأحيان؛ تتسابق عليها أمّي -إنْ هداها اللهُ- قبلَ أنْ أطلب منها إنْ كانتْ الظروفُ مناسبةً.. وفي إحدى السنوات -وكانت هذه السنة الوحيدة التي خرجت فيها لمجالس في ليلة العاشر- طرقت جارتنا بابنا وقالت: "أأتوا غفران معنا لتحج"، فأخذتني معها، وذهبنا مع (قارئة العزاء) لكُلِّ المجالس التي تُقيمها في المنطقة حتى الفجر، وهي التي يسمونها "الحجة". عندَ عودتِنا للمنزل، وقريبًا من وقتِ صلاة الفجر، وأنا أسيرُ معهم في الشارع المظلم لوحدنا، وضعت طرف حجابها على وجهها وقالت: ليت عيني تعمى لأجلك مولاتي يا زينب، كيف تحملت كل أنواع الغربة والسبي والظلم والظلام!... وأجهش الجميعُ بالبكاء وأبكوني معهم. أمّا أنا وخصوص مجالس العباس (عليه السلام) فهي قصة خاصة؛ فمن فروضي أنْ أحضرَ مجلسًا في ليلته كل عام، حتى وإنْ لم يدعنا أحدٌ، فإنّي أبحثُ عن مجلسه وأذهبُ دون دعوة! وكم أتفاعل مع (قارئة العزاء) التي تأتي العزاء بالرايات والأهازيج العباسية، وقصائد الحماس، ومن ثم العتاب بين الإخوة، والحوار بينه وبين زينبه (صلوات الله عليهما)، وكذلك كيف أن استشهاده كسر ظهر أخيه الحسين (عليه السلام)، كُلُّ ذلك ألوانُ عشقٍ ومواساةٍ لا تُترجَمُ إلا بحرِّ الدموع ولطمِ الصدور! فكيف بالصبرِ على الفراق؟! أمّا ازدحامُ المجالسِ والصلوات فهذه قصةٌ أخرى، كُلّما يزدادُ عددُ الحضور ترتفعُ الصلوات ليتوسَّعَ المجلس! وبالفعلِ يتوسعُ لأضعافه! وعبارةُ (الزهراء توسِّعُ المجلس) لا تُفارقُ ألسنتهم.. أمّا أنا فلو بقيتْ لي زاويةٌ تكفي لإصبع فقط فإنّي أحشرُ نفسي فيها، وأوسِّعُ المجلس، ولا يهمني، وأنظرُ عليهم جميعًا كأنّهم معجزة؛ فرؤيتهم وهم يتوافدون ويتحاورون ويتواسون، بل حتى حديثهم العادي، يُبكيني، فأُردِّدُ: لبيكَ يا حُسين. لا أنسى نظراتِ صاحبةِ إحدى المجالس، عندما تأخرتِ (قارئة العزاء) عن مجلسها لفترةٍ طويلةٍ، فاضطروا لتبديلها لظرفٍ طارئ، فإنّها لم تُبقِ شيئًا في منزلِها لم تُخرِجْه لنا وتُضيّفنا به، وكُلّما غادر أحدٌ المجلسَ بسببِ طولِ الانتظارِ فإنَّ دموعها تنهمرُ على خديها، وكأنّها تتوسلُ بالمعزين قائلةً: (أرجوكم انتظروا قليلاً لتواسوا الزهراء) وهي تبكي وأنا أبكي معها، ملتمسةً منهم الانتظار. من عادتي أنني لا أتذمرُ مُطلقًا بسبب التأخير في المجالس، بل أنتظر ولو لساعات، واستثمرُ الوقتَ بما يُعينني على الخشوع وحضور القلب والتأمُّل في المُعزّين والتعلُّم منهم ومن كلامهم وعاداتهم وتصرفاتهم، حتى أنَّ أُمّي أحيانًا تتركني وتذهب، وأنا أواصلُ الانتظار، ولا أخرجُ إلا بعد أن ينتهي المجلس. لا يفرقُ عندي إنْ كان المجلسُ فيه محاضرةٌ دينيةٌ أو مجلسُ عزاءٍ فقط، ولا أُحِبُّ أنْ أنتقيَ المجالس، فإنْ حدَّثتني نفسي بالانتقاء ألومها؛ فالحُسينُ عَبرةٌ وعِبرةٌ، والعزاءُ في أيامِ المحرّمِ هو الأساسُ والمُنطلقُ والشعارُ كما قال مرجعُنا الأعلى. روحي دائمًا تتعلقُ بالبيتِ الذي أحضرُ مجلسَه، وأشعر انّي لا أرغب بأنْ أُفارقَ المجلسَ، حتى أُكمِلَ كُلَّ دعواتي وطقوسي، وجولتي على الصورِ والراياتِ المُعلّقة عليه لأمسح بها وجهي ودموعي.. وكم أحرصُ على أنْ أساهمَ في تنظيفِ المحلِّ الذي يُقامُ فيه المجلسُ بعد انتهائه، فأحمل ما يُمكنني حمله مما تركه المعزون، وأتمنى لو يمكنني البقاء لانتهاء كل التنظيف. كانتْ مُدرِّستي دائمًا ما تمنحني هذه الفرصة؛ لأنال هذا الشرف العظيم، وأخدم ولو بالشيء القليل أبا عبد الله (عليه السلام) ومُعزيه ومجلسه، كنتُ أذهبُ معها قبلَ الجميع وأمدُّ لها يد العون، وبعدَ انتهاء المجلس أبقى معها؛ لننظف المكان معًا.. وقد دفعني حبي للمجالس الحسينية إلى أن أتمسك بمنطقتي التي أسكنها، حتى أنّ أهلي كُلّما كانوا يتناقشون في موضوعِ تركِ المنطقة وشراء بيتٍ في مكانٍ آخر، كُنتُ أولَ من يعترض، ولا أقبلُ بذلك أبدًا ولا أرضى؛ خوفًا من أنْ أُحرَمَ من هذهِ المجالسِ ومن الشعائر ومن رؤيةِ هذه المواكب وحتى زاد أبي عبد الله (عليه السلام). كما لا أقوى على فراق هؤلاءِ الموالين الذين بفضلِهم تعلّمْتُ بعضَ أبجدياتِ الولاء، وكيفَ يُطبَّقُ الولاء والمحبة والعقيدة في الواقع، وكيف تكونُ حياةُ الموالين، ولو كان اللقاءُ والاجتماعُ لدقائقَ قليلةٍ. كُنتُ وما زلتُ دائمًا أحلمُ وأخطِّطُ لليومِ الذي سيكونُ لي بيتي الخاص، وأقيم فيه مجالس العزاء، ومجالس مناسبات أهل البيت (صلوات الله عليهم)، وأخدم فيه شيعتهم ومُعزيهم.. هذه المجالسُ كانتْ وسيلتي الوحيدة للصلةِ الواقعيةِ مع أهلِ البيت (صلوات الله عليهم) ومناسبتهم ومواساتهم، والنهل من فيوضاتهم المعنوية والروحية في ظلِّ حرماني من الزياراتِ والغربة.. ثم حلَّتْ علينا كورونا ضيفةً ثقيلةً، وجُلّ ما أخشاهُ أنْ تحرمني حتى من هذه المجالس، فلله (تعالى) الأمر وله حكمةٌ هو بالغها، وللحُسين (عليه السلام) نشكو الحال، وضاقت فلمّا استحكمت حلقاتها، ستُفرجُ وكنتُ أظُنُّها لا تُفرجُ. كنتُ أحترقُ من الداخل وأنا أزورُ عن بُعد، أو أسجل اسمي في زيارةِ الإنابة، والآنَ كيف بي وأنا أحضر المجالس عن بعد؟! لكنّما هو اختبارٌ جديد، ومحكٌ جديد، وللولاء تعبيراتٌ وآفاقٌ عجيبةٌ، كما قالت المرجعية العليا.. لوهلةٍ كنتُ أظنُّ نفسي العالمةَ العارفةَ بأهلِ الخدمةِ والولاءِ والمواكبِ والشعائرِ والمجالسِ، المُحسِنةَ التعامُلَ والفهمَ والتعبيرَ، المُطلعةَ على فيضِ القلوبِ وصفائها ونقائها وصدقها، المؤمنةَ بكلامِ العقيلةِ زينب (عليها السلام) عندما صدَحَتْ بالوعدِ الإلهي ببقاءِ هذه الشعائر أثرًا لا يُدرَسُ على كرورِ الليالي والأيام.. وبدأتُ أقولُ: الأمرُ مع كورونا مستحيلٌ مستحيلٌ، فكيف بنا؟! وإذا بهم يُفاجئوننا، ويُبدعون من جديد، وتظهرُ آفاقُ خدمتِهم وتمسُكِهِم بشعائرهم وعشقهم للحُسين (عليه السلام) من عجائبِ الدنيا، ويبقى هذا السِرُّ يُحيّرُ العقولَ والأفهام؟! وحتى صدمني أحدُ كبارِ علماءِ الحوزة وأساتذتها بعبارةٍ وقفتُ مُتحيّرةً أمامَها لساعاتٍ، في أيّ عقلٍ أحملها؟ وبأيّ قلبٍ أحتويها؟ وعلى أيّ صفحةٍ في روحي أكتبها؟ كي لا أنسى هذا الدرسَ الجديدَ في الولاءِ والعزاءِ والإحياء الذي تعلّمته.. السيدُ الأشكوري، أستاذٌ بحجمه الكبير في الحوزة العلمية، يتحدثُ عن خَدَمَةِ الإمام الحسين (عليه السلام) قائلًا: قولوا للخدام: أنتم أخذتم بيدنا إلى هذا المنهج، وطريق الخدمة الحسينية والمأتم، والآن أنتم على المحك وفي تحدٍ جديد. الله أكبر! كما تعلّمتُ وصبرتُ لسنواتٍ وسأظلُّ أصبرُ حتى يعجز الصبرُ عن صبري، وينظرُ الرحمن في أمري.. سيبقى أهمُّ ما عندي أنْ أرى المجالسَ والشعائرَ والزيارات تُقامُ وبأروعِ صورةٍ تعكسُ للعالمِ من هُم شيعةُ الحُسين وعُشّاقه ومُحبوه وخُدّامه. هم الملتزمون بتوصيات مراجعهم العظام التي تعكسُ تعاليمَ الدين الإسلامي الحنيف، سواء أكنت من الحاضرين أم لا. عظّمَ اللهُ أجوركم وأحسنَ عزاءكم بمصابنا بأبي عبد الله الحُسين (عليه السلام)، وجعلنا الله وإيّاكم من الطالبين بثأرهم مع الحجة المنتظر (عجل الله فرجه).

اخرى
منذ 4 سنوات
704

خاطرة

يا صبوة حبّ النبيّ وآله تأجّجي .. وانثري تباشير الأفراح مع ولادة سيّد شباب أهل الجنّة، إذ وُلِد في ثنايا القداسة، في أحضان الزهراء عليها السلام، وفي حِجر النبوّة ؛ فأزهرت الأكوان، وأزهرت شموس البهاء تعانق السماء تزغرد احتفاءً بالسبط. كلّ عام وأيامكم تزهو بحبّ الحسين عليه السلام.

اخرى
منذ 4 سنوات
378

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
76220

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
56137

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
43340

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
43000

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
39697

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
33440