تشغيل الوضع الليلي
فروا إلى الله من بلاء كورونا
منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 2709
بقلم: زينب الزيني
مراجعة النفس وضبطها مشروعة عند الله (تعالى)، حتى أنّ المرجعية الحكيمة أوصت على لسان وكلائها بالحث على الرجوع إلى الله (سبحانه) وضبط النفس وعدم الخوف والهلع (فلا كاشفَ للبلاء إلا الله تعالى)، فعند نزول البلاء علينا المحافظة على أنفسنا بالوقاية الصحية، فالوقاية خيرٌ من العلاج، والالتزام بكلِّ ما أوصت به الدوائر الصحية للمرضى من التعقيم، وغسل اليدين، والابتعاد عن التجمعات؛ للحيطة والحذر من تفشي المرض وانتشاره..
هذا الوباء يحتمل وجهين، فمثلما هو نقمة ربما يكون نعمة: فهو نقمة إذا تمسك العبد بغروره وكبريائه، وتحدى المرض، ولم يقِ نفسه، ولم يساهم في وقاية أهله، واستهزأ به فلم يلتزم بالضوابط الصحية، وبالتالي ساعد على انتشاره، وهذا مأثومٌ شرعًا بلا شك؛ لأنّه أضرَّ بغيره علاوة على إضراره بنفسه، وقاعدة لزوم دفع الضرر عنه وعن غيره واجبة شرعًا في مثل هذه الظروف خاصة..
والوباء هذا ذاته هو نعمة إذا صحح الإنسان مساره أمام الله تعالى، ورجع وتاب وطلب العفو والعافية في الدين والدنيا؛ لأنه تنبيه وانذار من الله تعالى، فكلما كثر البلاء كثرت حاجة الانسان إلى الدعاء والتضرع إلى الله (عز وجل) بأن يرفع البلاء والوباء. قال (تعالى): "ولنبلونكم بشيءٍ من الخوفِ والجوعِ ونقصٍ من الأموالِ والأنفس والثمرات وبشر الصابرين" (البقرة ١٥٥). وقال أيضًا: "ونبلوكم حتى نعلمَ المجاهدين منكم والصابرين ونبلُو أخباركم"(محمد ٣١)
فالله (تعالى) وإن كان ينزل العذاب على من يستحق العذاب بهذا الوباء، فهو أيضًا ينزل الرحمة والبركة به على من يستحق الرحمة، فيرفع مكانته ويجزيه الجنان على صبره ورضاه، قال (تعالى): "والله يحبُّ الصابرين "(آل عمران ١٤٦)، وقال (تعالى): "عذابي أُصيبُ به من أشاء ورحمتي وسعت كُلّ شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين بآياتنا يؤمنون" (الأعراف ١٥٦).
آيات الرحمة كثيرة لا تعد ولا تحصى، قال (تعالى): "ربّنا اكشفْ عنا العذاب إنّا مؤمنون" (الدخان١٢).
ولا ينجو من الابتلاء أحدٌ حتى من اصطفاهم الله من عبادهِ وهم الأنبياء (عليهم السلام)؛ لأن الله اذا أحبّ قومًا أبتلاهم، لذا فهم أكثر الناس ابتلاءً وعلى رأسهم نبينا الأعظم (صلى الله عليه وآله الطاهرين) وأهل بيته من بعده. فهو أرفعهم وأعلاهم درجةً لما ابتلاه الله بالدنيا فصبر فعوّضه الله بالآخرة، والآخرةُ خيرٌ وأبقى. قال (تعالى): "إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب" (الزمر ١٠).
فعلينا أن نحرصَ على طاعة الله (سبحانه وتعالى) في الشدة والرخاء، فإنَّ ذلك حلٌّ لكلِّ مشاكلنا وتفريجًا لهمومنا وتيسيرًا لأمورنا وإصلاحًا لأحوالنا. وعلينا ان ننجحَ أمامَ الله وهو يختبرنا، فلا نسخط من بلائه، ولا نسخر منه كما يفعل البعض، حيث يأخذ كلَّ شيءٍ على محمل السخرية والاستهزاء حتى بالموت والمرض أو يشمت بالآخرين، فيالها من قلوب قاسية بعيدة عن الله!
هذا البلاء ما حلّ بنا إلا ليذكرنا ماذا يريد الله تعالى منا وماذا نعمل لكي يرضى خالقنا عنا؟
الكثير من البشر تمادى في كلِّ شيء بالدين واستخف بما جاء بكتاب الله المجيد، فأحلَّ ما حرمه الله تعالى وحرم ما أحله الله تعالى، حسبما يتماشى مع معتقداته الباطلة وأهوائه وشهواته، كما هُجرت فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ... وبعد كلِّ ذلك يتساءل البعض اليوم وبكل صلافة: ماذا فعلنا يا الله لتُرسلَ علينا هذا البلاء والوباء؟!
لقد فعلنا الكثير من المعاصي، لم نرحمْ بعضنا البعض، بدأنا بتوهين الدين، شغلتنا الفتن وعيوب الناس عن عيوبنا، كذبنا على أنفسنا أننا مسلمون نصلي ونصوم لكن لم نطبقْ أنّ الصلاةَ تنهى عن الفحشاء والمنكر، نتكلم بسوء على غيرنا، نطعن بالدين، نحرض على الفتن والطائفية، نساعد الظالم على ظلمه، جعلنا من الهواتف الذكية ساحةً لحربٍ إعلامية، نثير بها الفتن، نزيف بالإعلام، ونضلل بالحقائق، المسلم يقتل أخاه المسلم لأجل سلطة ومال وجاه، والإلحاد كثر، والفسوق انتشر، وساد التعري عند النساء، وعقوق الوالدين وقطع الأرحام، ونسينا أن كلَّ شيء بيد الله تعالى..
حسِبَ الانسان أنَّه يُخلد في الدنيا الفانية الزائلة، غفل عن أنَّ هناك رقيبًا يراقبه، وأن هناك قانونًا إلهيًا يخضع له الجميع لا فرق بين مسلم وكافر، قال (تعالى) :"ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون" (الأعراف ٩)، وقال (تعالى): "ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون" (الأنبياء ٣٥)
وقد بشر الله (تعالى) بالفرج بعد العسر وأعاد هذا الوعد في أكثر من آيةٍ في كتابه المجيد لتأكيد هذه الحقيقة، قال (تعالى): "فإنّ مع العُسرِ يُسرا إنّ مع العُسرِ يُسرا" (الانشراح 5و6)
فكم هو رحيمٌ الله (سبحانه)، حتى الابتلاء منه رحمة علاوةً على أنَّه يعقبه الفرج، وهذا دافعٌ للإنسان ليزيد حبه لله (تعالى)، وحبه (عز وجل) هو أعظم حب في الوجود ليس قبله أو بعده حبّ فبحبّه تعالى وقربه تعالج أمراض القلوب وتذهب نزعات النفس الشيطانية وينقذ المجتمع مما يعج به من الويلات والوباء المهلك للنفس والايمان.
فعلينا أن نجعل من حبنا له (سبحانه) دافعًا لعمل الأعمال الصالحة ولفعل كل ما يقربنا منه، قال تعالى :"إنْ كنتم تحبون الله فاتبعوني يُحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفورٌ رحيم" (آل عمران ٣١)، والله يحبُّ التوابين والمتطهرين، والمتعففين، الزاهدين، الشاكرين الآمرين بالمعروف، الناهين عن المنكر وغيرها من الأمور التي ذكرها الله بمحكم كتابه المجيد، قال (تعالى): "أنّ الله يحبُّ التوابين ويحبُّ المتطهرين"(البقرة٢٢٢)
فمن أحبَّ الله واستشعر حبه له هانت عليه المشاق وانقلبت عليه المخاوف في حقه أمانًا وزالتْ عنه سحائب الظلمات وانكشفتْ عنه الهموم والغموم والأحزان وعمر قلبه بالسرور.
إذن، لمَ الهلع والخوف؟ من فيروس أرعب العالم بأسره، رغم أنَّ عذاب الله تعالى وسخطه لم يرعبهم! أ ليس الأحرى بنا أنْ نخاف خالق هذا الفيروس ونخشاه ونتوكل عليه والتسليم إليه والرضا بقضائه؟
نعم، من الناحية النفسية، فإنَّ بعض الناس يصيبهم الخوف والهلع عند تعرضهم للأخطار ولكن هذ الشعور بالخوف لا ينافي الرجوع إلى الله (تعالى) أو الخوف من عذابه، بل إنَّه دافعٌ إليهما، إذ كلما كان خوفُ الإنسانِ شديدًا من الوباء كان أكثرُ إقبالًا على الله تعالى ومناجاته وعلى الاستعانة به والابتهال إليه كي يخلصه من هذا البلاء، والتوسل والتقرب إلى الله أكبر حصانة معنوية ضد الأمراض.
فإن جمع العبد بينها وبين الإجراءات الوقائية المادية من تعقيم وما شاكل ذلك من الأساليب الوقائية الصحية الجيدة التي أوصت بها وزارة الصحة، كان من المتوكلين على الله (تعالى) لا من المتواكلين؛ لأن الله (عز وجل) ربط المسببات بالأسباب ولذلك لما أهمل الاعرابي البعير ودخل المسجد وقال: توكلت على الله، قال له النبي (صلى الله عليه وآله): (اعقِلْها وتوكل على الله)، وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام): (أوجب الله لعباده أن يطلبوا منه مقاصدهم بالأسباب التي سببها لذلك وأمرهم بذلك )، فإنْ كان العبد متوكلًا كان الله حسبه؛ قال (تعالى): "ومن يتوكل على الله فهو حسبه" (الطلاق ٣)
كما إنَّ هذا الوباء هو أكبر درس للبشرية جمعاء، فعلى الرغم من تطور العالم بأحدث التقنيات لكنه عجز عن مواجهة فيروس لا يُرى بالعين المجردة قد خلقه الله (تعالى) بقدرته اللامتناهية، فيروس أهلك العالم، وعطّل الحياة، وأرعب الجبابرة، فيا ابن آدم اعرف حجمك ولا تغتر وتتباهَ وتذكرْ قدرة الله عليك.
وختامًا فإنَّ أسوأ ما يترتب على الوباء هو الموت، وهو محتمٌ على جميع البشر، قال (تعالى): "أينما تكونوا يدرككم الموتُ ولو كنتم في بروج مشيدة" (النساء٧٧)، فهذا الفيروس وإنْ أصاب العالم بأجمعه لم يفرق بين صغيرٍ أو كبير، مسلم أو كافر، فقير أو غني، الكلُّ متساوون أمامه، فإنَّه لا يعدو ان يكون سببًا من أسباب الموت، وتعددت الأسباب والموت واحد، فليعد كلٌ منا زاده ليستعد ليوم الحساب، "يوم يفرُّ المرء من أخيه *وأمه وأبيه*وصاحبته وبنيه" (عبس ٣٤،٣٥،٣٦)
اللهم ارزقنا حسن التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل الفوت. يا الله يا حنان يا منان يا رازق يا مشافي يا معافي يا خالق السموات والأرض اصرف عنا كلّ بلاء ووباء واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين. اللهم لا تعذبنا بما فعلهُ السفهاء منا نسألك العافية في الدين والدنيا ولا تخرجنا من الدنيا إلا وأنت راضٍ عنا بحولك وقوتك يا أرحم الراحمين.
وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على خير مبعوث للعالمين النبي الهادي الأمين وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.
اخترنا لكم
الإمام الصادق (عليه السلام) وفكر الآخر (1) قراءة تاريخية
بقلم: عبير المنظور احترام فكر الآخر وعقيدته هو السبيل الوحيد للتعايش السلمي بين فئات المجتمع على اختلافها، وهو حرية كفلها الإسلام للفكر الموالف والمخالف، ولكن ضمن أطر محددة لضمان سلامة المنظومة العقائدية والسياسية والاجتماعية للمجتمع الإسلامي. واحترام فكر الآخر يشجع على شيوع ثقافة الحوار في المجتمع واحتواء الاختلاف منعًا للخلاف، طال ما كان الطرف الآخر لا يؤثر على غيره في تمييع الأفكار أو التحريض على الخلاف، وبخلافه يختلف التعامل مع الآخر حسب الجهة والموقف ضمن مفردات منهج متكامل في التصدي لتلك المحاولات. نعم هو منهج، وليس الأمر -كما يتصور البعض- أن الحرية الشخصية بالفكر والسلوك مطلقة وبلا حدود، وكأن مفهوم الحرية الشخصية عندهم هو التحلل من كل الحدود والأعراف والشرائع والقيم والمبادئ، كلا، فالحرية الشخصية بالفكر والسلوك لها مساحتها الخاصة، ولكنها تقف عندما تتعارض مع حريات الآخرين فكرًا وسلوكًا. هذا المفهوم الذي غاب عن الكثيرين حتى وقتنا الحاضر، وإنّ التخبط في فهم هذ المفهوم وتطبيقه أفرز العديد من التيارات الفكرية والسلوكية المنحرفة في المجتمع الإسلامي منذ بدايته؛ لأنهم لم يتشربوا المفاهيم التحررية الصحيحة على ضوء المنهج الإسلامي ولا زالت حتى الآن. واحترام الفكر الآخر مبدأ إسلامي أصيل، التزمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع مشركي قريش أولًا، حتى ضيقت قريش على المسلمين الأوائل وعذبتهم، فكانت الهجرة إلى الحبشة ثم إلى يثرب، وهناك تم عقد الاتفاق مع يهود المدينة -كما هو مفصل في كتب السيرة والتاريخ- حتى نقضت قبائل اليهود عهودها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وعرّضت المجتمع الإسلامي للخطر، ولم تنفع معهم المفاوضات -كما في التسمية الحديثة- فكان السيف والقتال هو الحل الأخير. وخيار القتال والسيف والحرب لا يمكن أن يتخذ مباشرة، وإنما تسبقه العديد من المحاولات لرأب الصدع واحتواء الموقف، وطبعًا يعتمد بشكل أساسي على طبيعة الجهة وشدة مواجهتها للمجتمع الإسلامي وتعريضه لخطر الأفكار والسلوكيات المنحرفة، وإن كانت السلوكيات المنحرفة هي نتاج الفكر المنحرف بطبيعة الحال، ومن هنا اتخذت مواجهة الفكر المنحرف بالفكر السليم أهميتها في تجنيب المجتمعات الأخطار الكارثية، وحمايته من انحراف الفكر قبل السلوك، كما يعتمد قرار الصدام والمواجهة المسلحة على تقدير المعصوم نفسه في قراءة الحدث والمقطع الزمني وظروف المجتمع وأفراده وكمّ التحديات التي تواجه المجتمع الإسلامي. وفي الغالب كانت هذه الحروب تقع في بداية الإسلام، حيث كان المجتمع الإسلامي مهددًا بشكل كبير من قبل اليهود في عصر الرسول (صلى الله عليه وآله) واشتدت أكثر من بعده بأبي هو وامي من قبل التيارات الإسلامية المنحرفة والرسول لمّا يُقبر، فكان لزامًا العودة بالمجتمع إلى سنة الرسول، ومما لا يخفى كيف تأسس تاريخيًا: 1- تيار السقيفة وما جر بعده من الويلات على الأمة لا زالت آثارها حتى عصرنا الراهن. 2- تيار الخوارج، وهو أول خط يكفّر فيه المسلم أخاه المسلم وتأثيرهم السلبي على المجتمع الإسلامي والأمة الإسلامية بأسرها، وقد امتدت جذور هذا الخط حتى وقتنا الحاضر وإنْ اختلفت التسمية، إلّا أنّ المنبع والأصل واحد. 3- التيار الأموي، وواضح جدًا من سيرة زعمائهم مخالفتهم للشريعة الإسلامية وامتهانهم للمسلمين والتآمر عليهم واضطهادهم وسرقة مقدرات الأمة. ولا يخفى أن هذه التيارات -العقائدية منها والسياسية- قد هدمت باسم الإسلام أساسيات الإسلام، فكانت الجمل وصفين والنهروان وعاشوراء من الثورات التصحيحية المهمة في تاريخ الإسلام للتمييز بين الخط الإسلامي الأصيل من المتأسلم. ومع تلاشي آخر معاقل الأمويين ونشاط الحزب العباسي وتربعه على السلطة بعد صراع مع الأمويين، مع خفة وطأة الأخطار الخارجية للإسلام نوعًا ما من تهديدات الصليبيين، بالإضافة الى ازدهار العلوم والمعارف، وانتشار حركة الترجمة خاصة في عصر الإمام الصادق (عليه السلام)، مما ساعد على انتشار العلوم والفلسفة اليونانية والإغريقية وتداخل الأفكار والعقائد المنحرفة عند بعض المسلمين ضعيفي العقيدة، فنشأت بعض الفرق من الزنادقة والملحدين، ونشطت حركتهم في عهد الإمام الصادق (سلام الله عليه). وفي قراءة سريعة لطبيعة المجتمع الإسلامي وتعدد المذاهب الفكرية في عهد الإمام الصادق (عليه السلام)، خاصة الخوارج والزنادقة والملحدين، وبالنظر إلى حرج الوضع السياسي آنذاك وملل الأمة وسأمها من الحروب، نعلم جيدًا أنّ المعركة كانت فكرية أكثر منها حربية، واختلاف التيارات التي ألقت بظلالها على المجتمع، وعلى أكثر من جبهة فكرية ،فكانت نهضة الإمام العلمية في تأسيس منهج في الرد على الشبهات والمخالفين وفق ضوابط وأدب الحوار واحتواء المجتمع الإسلامي بكل فرقه المختلفة، وتنقيته من هذه الشوائب الأيديولوجية كل حسب منطلقاته وتوجهاته، بمفردات منهج اسلامي -أصيل سنأتي على فقراته تباعًا في الأجزاء القادمة من هذه السلسلة إن شاء الله تعالى- التي ستنفعنا كثيرًا في رسم الخطوط الأساسية في الحوار والتعامل مع الفكر التكفيري المتشدد والفكر الإلحادي الآخذين بالانتشار وعلى نطاق واسع في مجتمعاتنا الإسلامية وتأثيرها الكبير في الحرب الفكرية الباردة لتهديم مبادئ وأسس ديننا الحنيف.
المناسبات الدينيةآمنة بنت الهدى .. رمزٌ لامرأة نصرت حسين عصرها
بقلم: حنان الزيرجاوي كانت الطالبات في داخل الصف بانتظار مدرستهن المحبوبة لديهن. نعم، مدرسة التربية الإسلامية التي اعتادت الطالبات على بسمتها الجميلة وكلماتها الدافئة وهي تنصح هذه وتلاطف تلك وتغضب أحيانًا ولكن حتى غضبها محبب لديهن لأنها تعرف ما تعاني كل واحدة وتساعد من تحتاج المساعدة في رأي أو مشورة. كُنّ في الانتظار وأعينهن تربو صوب باب الصف، فدخلت عليهن وأدّت تحية الإسلام التي دأبت عليها مع طالباتها. ولكن هناك شيئاً غريبا يحدث اليوم! فالحزن والوجوم قد وشح وجهها. هنا بدأت كل واحدة تهمس مع الأخرى. وإذا بصوتها الحنون الذي ينساب إلى أسماعهن كماء رقراق عذب يوقف الهمسات، يوقف كل حركة داخل الصف. بناتي العزيزات... حبيباتي الغاليات... أعلم بما تتهامسن به، نعم أعلم ولكن لأقطع عليكن تلك السلسلة من الأفكار والتساؤلات واشبع لديكن هذا الفضول. من منكن تعرف أي ذكرى أليمة تمرّ علينا اليوم؟ أجابت فاطمة وهي تكاد تنزل الدموع من عينيها: اليوم ذكرى استشهاد سيدة نساء العالمين مولاتي فاطمة الزهراء (عليها السلام). أحسنتِ عزيزتي أحسنتِ. إذن هذا سبب حزني، سبب وجومي، سبب ألمي إذن سنجعل درس هذا اليوم عن سيرة فاطمة الزهراء (عليها السلام). عن عبادتها عن زهدها عن عفتها عن جهادها ونبحث ونقلب صفحات التاريخ ونسبر أغواره لنقتدي بمن سارت على نهجها لنعرف من ارتبطت بها. لقد كانت مولاتنا الزهراء (عليها السلام) مثالًا في كل شيء لمن تبحث عن القدوة. وهنا سألت إحدى الطالبات: اسمحي لي... تفضلي عزيزتي. كيف تجرأ القوم على ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ كيف، وكيف؟ إنه النفاق عزيزتي، إنه الانقلاب على الأعقاب. أستاذتي. نعم: زينب، تفضلي. آه، آه… اسمك يا زينب بهيج آلامًا اسمك زينب واسم أبيك علي، أليس كذلك؟ نعم... نعم أستاذتي. فنزلت دمعة من عين المدرسة وهي تحاول أن تخفيها عن طالباتها، ولكن اختناق صوتها فضح ما أرادت أن لا تظهره، فشاركتها بعض الطالبات بأن انسابت دموعهن كاللؤلؤ يتناثر صفائح بيضاء نقية. حاولت أن تعيد جو الصف الطبيعي... فأشارت إلى زينب، قائلة: نعم زينب تفضلي يا بنتي... ماذا كنتِ أن تريدين قوله؟ استاذتي... نعم... هل هناك نساء في عصرنا شابهت مولاتنا الزهراء (عليها السلام) أو مولاتنا زينب (عليها السلام) في بعض مواقفها؟ بوركتِ عزيزتي... بوركت من تتخذ الزهراء أو زينب قدوة لها لابد أن يظهر ذلك على كل مواقفها. عزيزاتي... سمعتن سؤال زينب؟ من تذكر لنا مثالًا لامرأة شابهت الزهراء (عليها السلام) أو مولاتنا زينب (عليها السلام)؟ مَن مِن نساء عصرنا تركت أثرًا؟ أجابت سندس: نعم استاذتي نعم... تفضلي عزيزتي... إنها بنت الهدى شقيقة الشهيد الصدر. وكيف عرفتِ ذلك؟ ومن هي هذه المرأة؟ استاذتي... لقد جمعنا أبي يومًا أنا وأخواتي الثلاث، وبدأ يحدثنا ويسدي لنا النصائح، ومن ضمن كلامه قال: من تريد أن تنجح في حياتها وتفوز بآخرتها لابد أن تقتدي بمولاتنا زينب (عليها السلام) أو تقتدي ببنت الهدى. فاستغربنا من ذكر هذا الاسم الذي لم نألفه. فبادرت أختي لسؤاله: ومن هي بنت الهدى؟ فتنهّد أبي طويلًا وقال: رحمك الله رحمك الله يا بنت الهدى. عزيزاتي... إنها شقيقة السيد محمد باقر الصدر، هذه المرأة المجاهدة العابدة الزاهدة التي آلت على نفسها إلا أن تشابه موقفها موقف زينب مع الحسين...
اخرىالتعليقات
يتصدر الان
لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع
يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىبين طيبة القلب وحماقة السلوك...
خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىالطلاق ليس نهاية المطاف
رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىلا تقاس العقول بالأعمار!
(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىالمرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)
بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىأساليب في التربية
عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى