تشغيل الوضع الليلي
للغزو عنوان آخر
منذ 6 سنوات عدد المشاهدات : 1670
يغزو شبابنا في هذه الأيام فكر ماكر وخفي يستهدفهم خاصة، والجيل الجديد بشكل عام.
ألا وهو «الاستهزاء بالعادات والتقاليد».
كثر في الآونة الاخيرة انتشار الانتقاد والتقليل من شأن العادات والتقاليد العرفية ومحاربتها بالأساليب الملتوية والخادعة.
وأتخذ المروج «المهرج» لهذا الفكر الساذج، الغريب منها وغير المنطقي ليطرحه بطريقة النقد الساخر الكوميدي صعوداً إلى الجيد والضروري، ليألف المتلقي وخاصة المراهقين لما ينشر ويذاع بداية ولا يلتفت إلى ما هي الغاية المرجوة فعلاً وحقاً، ويعتاد على قبول ذمها والتنقيص من شأنها.
لذا ينبغي مواجهة كل من يحاول المساس بها وصده وكشف نواياه الخبيثة والتنبيه من مخاطره، لئلا يقع أبناؤنا في الفخ تحت أنظارنا ونحن لا نحرك ساكناً.
ومما يؤكد ما أقول الانتشار الواسع لهذه الحملة في مدة قصيرة من الزمن والتفنن في العمل الذي يؤديه أصحاب هذا المجال للنيل من شبابنا.
لذا وجب على الجميع وبالخصوص "الأهل" توضيح مفهوم التقاليد لأبنائهم ولا يتركون تَعَرفهم عليها للصدفة، لأنهم أمانة في أعناقهم.
ونحن بدورنا نبين بعض النقاط المهمة في هذا الموضوع علّنا نستطيع المساعدة.
من أهم مقتضيات الالتزام بالتقاليد العرفية هو التالي:
1_لو لم نتبع التقاليد التي تربينا عليها وجب علينا البدء من الصفر وهذا مستحيل(1).
2_أغلب الأحيان تكون العادات والتقاليد مستمدة من الدين(2) والتاريخ والحضارة.
3_ كثير منها تكون نتاج لحكمة الحكماء(3) وحصيلة تجارب العلماء العملية(4) على أرض الواقع.
4_بكل تأكيد يلزم اجتناب «هذا ما وجدنا عليه اباؤنا» والعمل بالأفضل(5).
5_راجع حياة الناجحين من الماضين في مجتمعك والمجتمعات الأُخرى، هل كانت التقاليد حجر عثرة في طريقهم للنجاح؟!
ها نحن سنقرأ معاً اخبار الماضين والحاضرين، ونرى أن الناجحين منهم لم يركنوا عاداتهم وتقاليده جنبا، ولم يستهزئوا بها.
لكل قوم عاداتهم وتقاليدهم التي ينفردون بها،
فهي السمة البارزة التي تميزهم عن غيرهم، باعتبار أنها مجموعة قيم تربوية تتمسك بها المجتمعات اعتزازاً بأصالتها وتأريخها،
وكل منهم يراعي هذه الضوابط ويحترم القوانين ويقدس العادات حفاظا منه على نفسه خاصة ومجتمعه بشكل عام.
فلماذا نحن الآن لا نحترم هذه العادات والتقاليد.
ولم يعد للفرد أي شيء يهذبه ويحكمه سوى القوانين الموضوعة من قبل الدولة(6) التي يعيش فيها،
فأغلب الشباب في وقتنا الحالي يعتبرون العادات والتقاليد التي يلتزم بها مجتمعهم هي مجرد قيود تمنع الفرد من فعل ما يشاء ويتمنى، وخرافات زائفة لا نفع منها، والسبب في هذا هو عدم الوعي الكامل لما يحيط به،
بني، لا تدع للمغرضين فرصة للنيل منك...
ولا تدع هذه الاوهام تسيطر على ذهنك...
ولا تجعل كما الآخرين هذه الأمور شماعة لأخطائه،
راجع نفسك
فكّر تحرّ وابحث...
هل لهذه العادة ذنب فيما أنا فيه حقاً؟!
هل هذه التقاليد هي قيود موضوعة لتقييدي فعلاً! ولا استطيع بوجودها تحقيق النجاح والوصول إلى ما أبغي الوصول إليه؟!
ولا تلم الزمان على شيء لم يفعله ولا ذنب له فيه.
اجعل لكل خطوة من خطواتك دراسة مسبقة، ولا بد أن ندرك أنّ كل ما نواجهه من سوء هو من فعل أيدينا ولا ذنب لغيرنا فيه
بل نحن السبب فيه. قال الشاعر
نعيب زماننا والعيب فينا .. وما لزماننا عيب سوانا ..
ونهجوا ذا الزمان بغير ذنب .. ولو نطق زماننا هجانا..
ألم يكن الماضون ناجحين في حياتهم والحفاظ على هويتهم؟!
لو لم نضيّع تراث آبائنا وأجدادنا واحتفظنا بتلك الكنوز النفيسة لم يكن هذا هو حالنا ولم تسبقنا باقي الأمم.
.................................................................................
1- فمن أراد أن يكون طبيباً اتّبع خطى الأطباء من السالفين، وطور ما يستطيع تطويره ولم يستغن عن خبرات السابقين.
وكذا المهندس والمعلم والفلاح وغيرهم، فكل منهم اعتماده مبتدئاً على الذي بني قبله.
2- إكرام الضيف، حسن الجوار، مراعاة واحترام كبار السن، مواساة الآخرين في احزانهم، الحشمة، عدم الخضوع في القول، الحياء، الانصاف...، كل هذه الأمور اوصى بها نبي الرحمة (صلى الله عليه واله )
3- الصّبر عند الشدائد، التّواضع والنّهي عن التكبّر.
4- « لو اعتبرنا القراءة تقليداً» مثلاً.
حسب الدراسات لجامعة ساسكس البريطانية ثبت أن القراءة أفضل وسائل الاسترخاء علمياً.
5-بكل تأكيد توجد عادات وتقاليد خاطئة ولم ينزل الله بها من سلطان.
6-الطبيعي أن الذي يحكم المسلم هو ضميره الحي أولاً والأحكام الإسلامية ثانياً، وقوانين الدول لا تستطيع السيطرة كاملاً فنفعها قليل.
ولاية علي حصني
اخترنا لكم
إضاءة..
بقلم: صفاء الندى إن استذكار ولادة الامام المهدي (عليه السلام) ليست أمرًا ترَفيّا ولا ترفيهيًا ولا بسيطًا.. فإن إحياء ذكرى ولادة الإمام (عجل الله فرجه) تُثبت حقيقة ولادته (عليه السلام) وأنه شخصية واقعية غير افتراضية نسجها خيال المقهورين والمضطهدين للتخفيف عن معاناتهم كمقولة النور في آخر النفق.. وتؤكد أيضًا أنّ الإيمان بولادته (عليه السلام) واستمرارية وجوده بقدرة الله (عز وجل) عقيدة متجذرة بالوجدان وليس قضية مفتعلة دعا لها رجالات دين لإحكام سيطرتهم على المؤمنين بحجة الوكالة العامة للإمام الغائب.. عندما نحتفل بهذا اليوم نحن نقول للإمام المهدي (عليه السلام) إننا وأولادنا وأهلينا مؤمنون بك وأنك حي على هذه الأرض وأننا ننتظر ظهورك المبارك، ولم تتزلزل ثقتنا بوعد الله تعالى بإظهار دينه الحنيف على الأديان كلها ولو كره المشركون والمنافقون وأنكر الملحدون والمستكبرون.. عندما نعرف أنّ الأمر بهذا القدر من الأهمية سنرتقي بطريقة احتفالنا واحيائنا للمناسبات ولا نركز فيها على الجانب الشكلي لنستهلك من أجلها الكثير ونهمل الجانب التثقيفي والتوعوي للقضية المهدوية في بيوتنا والمجتمع ككل.. فإثبات ولادة المهدي (عليه السلام) وتجديد إحيائها هو إثبات لقواعد الدين بأجمعها. هل علمتم أنه ليس مجرد احتفال واستذكار عابر وبسيط؟!
اخرىلآلئ من نهج البلاغة (1)
بقلم: يا مهدي أدركني في تلك الحقول الشاسعة ذات الفرش الخضراء، هب نسيم يلاعب ستائر، من نور خيوطها حروف، نُسجت ببلاغة جعلتها تكون فوق كلام المخلوق دون كلام الخالق، كلمات تخرق الصدور لتتربع في تلك القلوب لتبعث الطمأنينة في الارواح لتتكامل وترتقي سلالم من سحب بيضاء محملة بقطرات ماء متصاعدة من قاع بحر ممتلئ بلآلئ مختبئة، نغوص معًا لنبحث عنها فنقتنيها لتتزين بها عقولنا، تلك اللآلئ التي نثرت من كتاب نهج البلاغة لأمير المؤمنين وإمام المتقين مولانا علي ابي الحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين. الحكمة الأولى قال أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه: كُنْ في الفِتْنَةِ كَابْن اللْبُونِ لا ظَهْرٌ فَيُرْكَبَ، وَلا ضَرْعٌ فَيُحْلَبَ. قالوا في نهج البلاغة: هو كلام فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق، فهو كلام أُخذت مفرداته من لغتنا العربية، تلك اللغة ذات الكنوز العظيمة لمن عرف أن يصوغها فهي متاحة في وجودها للجميع، ولكن هي تُزيّن مَن عرف كيف يستخدمها ويصل إلى أسرارها، فيفتح بها القلوب ويزين بها العقول، وقد امتاز أمير المؤمنين (سلام الله عليه) بتلك الصياغة والبلاغة، كيف لا وهو الذي علّمه رسول الله (صلى الله عليه وآله). إن أمير المؤمنين (سلام الله عليه) دأبه كدأب رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يترك مجالًا من مجالات الحياة إلا وقد وضع فيه لمسة من لمساته لتضيء الدروب المظلمة، وبرأفتهم ورحمتهم لم يتركوا شيعتهم من دون أن يعبدوا لهم الطريق ليسلكوه حتى يصلوا الى بر الأمان. وحتى تتبين هذه الكلمة لأمير المؤمنين (عليه السلام) نذكر التالي: أولًا: بيان المعاني اللغوية لمفردات الحكمة: المفردة الأولى: كن: فعل أمر، أريد به هنا التنبيه والتحذير. المفردة الثانية: الفتنة في اللغة: هي الامتحان والبلاء وأصلها مأخوذ من (فتنتُ الذهب والفضة) اي أذبتهما في النار ليتبين الجيد من الرديء، ففي الفتنة يمتاز الخبيث من الطيب. وفي الفتنة بلاء للقلب والعقل. استطراد: لقد جاءت كلمة (الفتنة) في القران الكريم في مواضع عديدة وبمعاني مختلفة، وسنستعرض البعض منها. الفتنة في القرآن الكريم: 1- قال تعالى {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} سورة المائدة: آية (71)، جاءت الفتنة هنا بمعنى (المحنة التي تغر الإنسان او هي أعم من كل شر وبلية)(1). 2- قال تعالى { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} سورة الأنفال: آية (28)، وفي هذه الآية أتت كلمة الفتنة بمعن (بلية عليكم أنها تلهي عن ذكر الله)(2). 3- قال تعالى {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} سورة الأنفال: آية (39)، في هذه الآية جاء تكليف للمؤمنين بالقتال وان لا يهنوا من اجل الدين (فهنا كناية عن تضعيفهم اي الكافرين بالقتال حتى لا يغتروا بكفرهم ولا يلقوا فتنة يفتن بها المؤمنون، والفتنة هنا ما يمتحن به النفوس وتكون لا محالة مما يشق عليها)(3). 4- قال تعالى {بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} سورة الزمر: آية (49)، أي بل النعمة التي خولناه منها فتنة اي ابتلاء وامتحان نمتحنه بذلك ولكنهم اكثرهم لا يعلمون بذلك(4). 5- قال تعالى {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} سورة العنكبوت: آية (2)، وجاء في تفسيرها (أظن الناس أن يتركوا فلا يتعرض لحالهم ولا يمتحنوا بما يظهر به صدقهم او كذبهم في دعوى الإيمان بمجرد قولهم: آمنا؟)(5). والفتنة ذكرت في القرآن الكريم اربعًا وثلاثين مرة، وفي هذه الكثرة تأكيد من الله تعالى وتحذير للمؤمنين من الوقوع فيها، وكذلك الروايات الشريفة أكدت على أن الناس سيقعون فيها لا محالة، وقد مر بها الأقوام السابقون وهي باشتداد على مر الدهور حتى تصل الى ذروتها في زمن الظهور، فإن الابتلاءات التي سيمر بها الناس في زمن الغيبة في اشتداد حتى قد يكسر البعض وذلك ليُغربل الناس ويمتاز الجيد من الرديء، فعن أبي بصير قال سمعت أبا جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) يقول: "والله لتميزنَّ، والله لتمحصنَّ، والله لتغربلنَّ كما يغربل الزؤان(6) من القمح"(7). ولكن كما ان الله تعالى حذر منها وكذلك أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) فهم لا يشخصون حالة مرضية في المجتمع إلا ويُصحبونها بالوقاية فضلًا عن العلاج، ولمعرفة اساليب الوقاية منها لابد من التعرف على اسباب الوقوع في الفتن التي اشارت لها الروايات الشريفة ومن ثم تجنبها، ومنها التالي: الأول: الجهل بالفتن وانواعها فقد يتخيل المرء ان الفتن تأتي من باب المصائب والمحن والابتلاءات فقط ويغفل عن كونها قد تأتي من باب النعم فهي قد تكون على هيأة ازواج واولاد واموال، فهنا يجب على المؤمن ان يكون حذرًا كيسًا وان لايقع في هذه الفتن. الثاني: الاتباع الأعمى(8)، فهو اتباع قد يكون لمن يدعي العلم وهم كثيرون في زمننا الحالي، او اتباع لهوى النفس فعن أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه (إنما بدءُ وقوع الفتن أهواءٌ تتبع، وأحكام تبتدع)(9). الثالث: الإكثار من الدعاء والتوسل بالله تعالى والمعصومين صلوات الله وسلامه عليهم من عدم الوقوع فيها، وبالخصوص (دعاء زمن الغيبة). لذا فعلى المؤمن ان يكون حذرًا فطنًا وأن يهتم بتغذية عقله بالمعارف التي تنجيه من الوقوع في فخاخ هذه الفتن فيزيد من رصيده العلمي المبتني على أسس عقائدية رصينة يستقيها من منابعها ليحرز عدم تلوثها بالشبهات التي قد تخلط الحق بالباطل، فقد ورد عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) انه قال:عَـجِبْتُ لِمَنْ يَتَفَكَّـرُ فى مَـأْكُولِهِ كَيْـفَ لا يَتَفَـكَّـرُ فى مَعْـقُـولِهِ، فَيُجَنِّبُ بَطْنَهُ ما يُؤْذيهِ، وَ يُودِعُ صَدْرَهُ ما يُرْدِيهِ(10). المفردة الثالثة: ابن اللبون: وهو ابن الناقة الذكر إذا استكمل سنتين ودخل في الثالثة(11). المفردة الرابعة والخامسة: لا ظهر فيركب ولا ضرع فيحلب فإن ظهر ابن الناقة الذكر لم يشتد بعد ليُركب عليه ويُثَقَّل عليه، وليس له ما للإناث من ضرع فيحلب ويستفاد منه، فهو لا ينتفع منه في هذا الموضع. ثانيًا: جمع لشذرات الحكمة مما تقدم نخلص الى ان أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) يأمر الناس عامة والمؤمنين من شيعته خاصة أن لا يُنتفع منهم في أيام الفتن والابتلاءات، فأمرهم ان يتشبهوا بابن اللبون فلا يكونوا في هذه الأيام كعود كبريت يزيد من إشتعال الفتن ولا حتى كالأوكسجين الذي يساعد على ابقاء النار واستمرارها. تنبيه: هناك من يدعو إلى الخضوع والخنوع والعزلة وعدم الإختلاط والنزول الى المجتمع ومعرفة ما يدور فيه تجنبًا من الوقوع في الفتن وخوفًا من الانزلاق وزل الأقدام، باعتبار تأكيد الأئمة سلام الله عليهم على اجتناب هذه الحركات، فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (أخمل نفسك أيام الفتنة وكن ضعيفًا مغمورًا بين الناس، لا تصلح لهم بنفسك ولا بمالك ولا تنصر هؤلاء)(12). فهل من المعقول ان الإمام (صلوات الله وسلامه عليه) يطلب من اصحابه الخمول والضعف؟! ولكن لو حلقنا قليلًا في سماء روايات أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم نجد في جنبات نورهم كلمات تصدح بالحركة والعمل الدؤوب لا الخمول والضعف والانكسار، فكيف نوازن بين هذين الأمرين لنخرج بثمرة من هذه الحكمة؟ بل كيف نواجه الفتن في زمننا هذا الذي قد نأمل أنه قد اقترب كثيرًا من زمن الظهور المبارك، الزمن الذي أكدت الروايات الشريفة على تزاحم الفتن فيه؟ هذا من جانب. ومن جانب آخر نجد ان الكثير من الروايات أكدت على أن أفضل الأعمال هو الانتظار، هذا اذا وضعنا في الحسبان ان كلام امير المؤمنين (سلام الله عليه) مأخوذ على نحو القضية الحقيقية لا الخارجية(13). هل معنى الانتظار هنا يقوي جانب الخمول والركود في وسط أمواج الفتن؟ أم ان المراد منه هو عمل دائم لا انقطاع له وفق أرضية التمهيد المبارك؟ يتبع إن شاء الله تعالى _______________________________ (1)تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي، ج6، ص67. (2) التفسير المعين للواعظ والمتعظين، ص 180. (3) تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي، ج 9، ص(76-77). (4) تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي، ج17، ص274. (5) تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي,ج16، ص101. (6) الوؤان: وهو ما ينبت من القمح مما يشبه حبه حب القمح. (7) منقول من كتاب على ضفاف الإنتظار للشيخ حسين الأسدي، ص28، من كتاب الغيبة للنعماني: 212/اب 12/ح7. (8) منقول من كتاب شذرات مهدوية، للشيخ حسين عبد الرضا الأسدي، الشذرة 18، ص215. (9) نهج البلاغة: 88/ ح50. (10) بحار الأنوار، ج1، ص218. (11) كتاب أنوار الحكم ومحاسن الكلم، ج1، ص31. (12) منقول من كتاب انوار الحكم ومحاسن الكلم، ج1، ص32، عن كتاب شرح نهج البلاغة 18: 82. (13) يعني ان الخطاب موجه الى كل شيعة أمير المؤمنين سلام الله عليه وليس مختص بزمن معين وحادثة معينة.
اخرىبين فاطمة بنت أسد وفاطمة بنت حزام الكلابية (سلام الله عليهما)
بقلم: يا مهدي أدركني بسم الله الرحمن الرحيم قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله (حسينٌ مني وأنا من حسين) إن خط النبوة لم يكتمل ولم تزهُ الوانه بدون خط الإمامة، فهما أمران متلازمان مكملان بعضهما للبعض الآخر، ولو أبحرنا قليلًا في حديث الرسول (صلى الله عليه وآله) وقلبنا صفحات التاريخ ليعود بنا الزمن إلى لحظة وفاة عبد المطلب (سلام الله عليه) جد نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) وانتقاله إلى كنف عمه أبي طالب (سلام الله عليه) وكيف تقبل هذا الرجل العظيم هذه المسؤولية بفخر واعتزاز وقد أعانته على ذلك امرأة من أحدى الجواهر النفيسة التي انعم الله تعالى بوجودها على هذه الأرض ليكون لها الحظ الأوفر برعاية خير خلق الله تعالى على الأرض، ألا وهي فاطمة بنت أسد (صلوات الله وسلامه عليها) التي كانت تستأنس برعايتها للنبي الأعظم (صلوات الله وسلامه عليه) إذ كانت تفضله وتقدمه على أولادها بالنفقة والكسوة، ويذكر في الروايات بأنها كانت تختار أفضل الرطب وتخبئه عن أولادها حتى يذهبوا إلى اللعب خارج المنزل فتطعمه للنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وهذه المعاملة كان لها وقع في قلب النبي (صلى الله عليه وآله) فأحبّها حبًا شديدًا وكان يناديها بأمي، لذا عندما ماتت (سلام الله عليها) جاءه أمير المؤمنين (سلام الله عليه) مغتمًا باكيًا فقال له الرسول (صلى الله عليه وآله): ما يبكيك؟ فقال (عليه السلام): ماتت أمي فاطمة. فقال الرسول (صلى الله عليه وآله): وأمي والله. وينقل أنه (صلى الله عليه وآله) كفّنها بقميصه واضطجع في لحدها. وبعد أن استعرضنا هذه اللحظات فلننتقل من تلك الصفحات التي رسمت لنا بعض الخطوط عن تلك المرأة جليلة القدر لنتقدم في الزمن قليلًا حتى نصادف شخصية أخرى رسمها التاريخ لنا ووضع بصمة أخرى لنا عنها... في الحقيقة لو تمعنا بها قليلًا لوجدنا أنها مرآة صافية تعكس لنا ملامح امرأة أخرى هي كنة لتلك السيدة الجليلة، نعم هي زوجة لولدها علي بن ابي طالب (سلام الله عليه) هي فاطمة بنت حزام الكلابية... وهنا نجد كيف أن لحديث الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) انعكاسات كثيرة، فهناك تشابه بين حياة الرسول وسبطه الأصغر (صلوات الله وسلامه عليهما)، إذ كما تكفلت تلك الأيدي الخفية -أيدي الرحمة- بأن تهيأ يدًا للعناية به (صلى الله عليه وآله) أيضًا نفس تلك الأيدي قدمت هذه المرأة لتكون كنسمة هواءٍ عليلة تلاعب تلك الوجوه التي كانت رطبةً دومًا بدموع الحزن على فراق أمٍّرحلت منهم في مقتبل عمرها ولمّا يهنؤوا بنسيم عطر وجودها بينهم، لتدخل تلك النسمة إلى بيت النبوة فتملؤه حنانًا وعطفًا، ولتتجسد فيها كل صور الحب والإيثار... ولو قلبنا تلك الصفحات التي اشبعتها اقلام مؤرخينا لوجدنا كيف انتهجت تلك المرأة منهجًا في تضميد جروح أيتام سيدة نساء العالمين، حتى استطاعت أن تعالج تلك الجروح وتطبّبها وتكون كالبلسم لها حتى تعلّقوا بها واحبوها حبًا شديدًا... وعندما رزقها الله تعالى بالأنجم الزاهرة والقمر الساطع، أولئك الأشبال الذين كان الإيمان يجري في عروقهم ويستقر في قلوبهم، لم ينقص حبها لأولاد فاطمة (سلام الله عليها) بل كانت تعلم أولادها على احترام أولاد فاطمة الزهراء (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، بل كانت حريصة على أن لا ينادونهم بأسمائهم ولا حتى بلقب الأخوة لترسم لهم صورة الولاء لأئمتهم والحفاظ عليها.. ولعل أوضح تلك الصور، عندما أوصت أولادها بأن يضحوا بأنفسهم ويحافظوا على أختهم زينب (سلام الله عليهم) حتى غدوا صرعى على رمضاء كربلاء... إلى أن يصلنا صدى صوت من قرب المشرعة مناديًا: "أخي يا حسين أدركني" ذلك النداء الأول والأخير من نوعه الذي صدر من تلك الحنجرة الشريفة من قمر العشيرة العباس حامل اللواء وساقي عطاشى كربلاء، إنه ينادي ولأول مرة أخاه الحسين (سلام الله عليه) لتفيض روحه الطاهرة بين يديه... فهذه الصور التي رسمها التاريخ لنا تبرر لماذا كان لهذه المرأة العظيمة باب مفتوح عند الله عز وجل لا يخيب من طرقه...
اخرىالتعليقات
يتصدر الان
لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع
يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىبين طيبة القلب وحماقة السلوك...
خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىالطلاق ليس نهاية المطاف
رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىلا تقاس العقول بالأعمار!
(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىالمرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)
بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىأساليب في التربية
عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى