تشغيل الوضع الليلي
إليكِ صديقتي الجامعية
منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 1127
بقلم: غدير خم حميد العارضي
رسالةُ حُبٍّ من القلب، أهديها مُعطرةً بشذى الأقحوان، وأنتِ رفيقة دربي إلى ربِّ الاكوان، إذ عاهدتني على المُضي نحو رضاه، مُتمسكتين بدينِ النبي الأمي (صلى الله عليه وآله) وهُداه، في أروقةِ جامعةٍ جمعتْ أصنافًا من الفكرِ والبشر، فتعاهدنا على نصرةِ الدين وتقويةِ عُرى الإيمان، وبلوغِ مرتبةٍ عُليا في الدين والدنيا على حدٍّ سواء.
فما أجملكِ حين التقيتُ بكِ لأول مرةٍ فوجدتُ العباءةَ تُزيّنُ مُحيّاكِ، ورأيتُ الدين أعلى مُبتغاك، وشاهدتُ فيكِ مثالًا للحنان والرفقة التي تُبنى على الإحسان، وكُنتِ تزدانين فوقَ ذلك بسعيٍ دؤوب نحو التميّزِ والنجاح، وتُكافحين أيّما كفاحٍ لتنالي المراتب الأولى في دراستِك، وهمُّكِ نصرة إمامِ الزمان (عجل الله فرجه) مستقبلًا بعلمكِ، وأنتِ تتوخين إسعادَه بكلِّ خطوةٍ تقومين بها، وتبتعدين عن كلِّ مكانٍ وفعلٍ يؤذي فؤاده، فالابتسامةُ لا تفارق شفتيكِ والسماحةُ لا تُغادر مُحيّاكِ، والاستقامةُ وحسنُ الخلق من أهمِّ خصالكِ، فترافقنا، وتعاهدنا على الخيرِ والوفاء، والصدق والإخاء، والعونِ في كلِّ أمرٍ صعب، والنُصح في كلِّ موقفٍ نمرُّ بهِ في الجامعة، فكانت علاقتنا رائعة، نواجهُ كلَّ فكرٍ باطل، ونتحدى ما يُعرقِلُنا من مانعٍ وحائل، ونحنُ نكتبُ في أروقةِ العلم إنجازاتنا، وعلى أوراقِ القلبِ عمقَ محبتنا، وصارتِ المراحلُ الدراسية تُطوى بتفوقنا، والمشاكل الشخصية تُحلُّ باهتمامنا وتآزرنا، وصار يُشارُ بالبنانِ إلى افعالنا، وكيفَ أننا جعلنا من الإمام المهدي المنتظر(عجل الله فرجه) أملنا وقائدنا، فنشرنا فكرَه وزِدنا مُحبيه، وكيف جعلنا من الحجابِ والعفافِ رمزًا يقترنُ بنا، فالتزمنا بتعاليمِ الدين على أتمِ وجه، فكانت السعادةُ ترتسمُ على صفحاتِ أرواحنا، واستمرت بنا الأيامُ ونحنُ أقربُ إلى بعضِنا، وأكثرُ التزامًا بديننا المبارك، وأكثرُ اهتمامًا بمراحلِ دراستِنا، وكُلُّنا حرصٌ على أعمارنا التي تمضي بسرعة، والتي نذرناها لمهدي الآل (عليهم السلام).
وها أنا ذا أقفُ أمامكِ رفيقتي الغالية، وصديقتي الحنون، وأقدمُ لكِ كلَّ الحبِ والتقدير، وكلَّ الوفاء والشكر على كلِّ المواقف التي كنتِ فيها إلى جانبي، وكلَّ المشاعر الجميلة التي أهديتِني إيّاها، وكلَّ النُصحِ الذي بفضلهِ صرتُ أقرب إلى إمام زماني (عجل الله فرجه)، وأسأل الله (تعالى) أنْ يقربَكِ إليه أكثر، ويُبعد عنكِ كلَّ سوءٍ وشر، ويجعلني قادرةً على الوفاء لكِ إلى ظهور المنتظر (عجل الله فرجه) فنكون سويةً في ركابِه، لتنتعش أرواحنا حين نقفُ في رحابِه، ونبلغ السعادة الكبرى حين نكون من أنصاره وأحبابه، فنتشرفُ بتوظيف ما تعلّمناه في جامعتنا في خدمته، ونكون له موالين بمعنى الكلمة وذلك ما ربّانا عليه ديننا وإسلامنا في نصرته.
اخترنا لكم
ليلةُ القدرِ هبوبُ ريحِ الجنانِ وعطايا الرّحمن
بقلم: زينب راضي الزيني وليلى زغيب يا خالقَ الكونِ وجميعَ البشر، يا مُنير الشمسِ والقمر، أكرمني بليلةِ القدر، ليلة التزود والظفر، ليلة الصفاء والنقاء، ليلة العطاء، ليلة تسهيل الأمور من العُسر إلى اليُسر، وحط عنا الذنب والوزر، في التاسع عشر وفي العشر الأواخرِ من الشهر. يا لها من ليلةٍ عظيمة! خصّها الباري (عزَّ وجل) في الذكر الحكيم، وأنزلَ فيها سورةً كاملهً تُتلى إلى يوم القيامة. ــ فما أعظمكِ من ليلةٍ! لماذا جعلكِ الله أشرف الليالي؟ رغمَ أنَّ جميع ليالي هذا الشهر مُباركة وعظيمة؟ ــ حباني الله بالشّرفِ والعلو؛ لنزولِ القرآن الكريم جملةً واحدةً في اللوح المحفوظ إلى السّماء الدُّنيا فيَّ؛ فزادني إيمانًا وعظمةً، ففيه هداية للبشر وإسعادهم وإنارة قلوبهم من دياجير الجاهلية؛ لذا اعتلى مقامي، وسُميتُ بليلةِ القدر؛ لشرفي وعلو مقامي وقدري عند الله. ومعنى القدر في اللغة: كونُ الشيء مساويًا لغيره من غير زيادةٍ أو نقصان، وقدرّ اللهُ هذا الأمر بقدرهِ قدرًا: إذ جعلهُ على مقدارٍ ما تدعو إليه الحكمة الإلهية. قال (تعالى): "وما قدروا اللهَ حقّ قدره"(١) قال (تعالى): بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ*تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِن كُلِّ أمرٍ *سَلامٌ هيَ حَتّى مَطِلَعِ الْفَجرِ}(٢) *فضل قراءتها: وردتْ رواياتٌ كثيرةٌ في فضلِ قراءتِها منها ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): "من قرأ (إنّا أنْزَلنَاهُ) في فريضةٍ من الفرائض، نادى منادٍ: يا عبد الله، قد غفر لك ما مضى، فاستأنف العمل"، وسُئل الإمام الباقر (عليه السلام) عن قول الله (تعالى): "إنّا أنْزلنَاهُ في ليلةِ القدر"، قال: نعم ليلةُ القدر، وهي في سنة في شهر رمضان في العشرِ الأواخر، فلم ينزلْ القرآن إلا في ليلةِ القدر. قال (تعالى): "وفيها يُفرقُ كُلّ أمرٍ حكيمّ* أمراً من عندنا إنّا كُنّا مُرسلين"(٣) *فكيف تكون ليلةُ القدر خيرًا من ألف شهر؟ سُئل الإمامُ الصادق (عليه السلام): كيف تكونُ ليلة القدر خيرًا من ألف شهر؟ فأجاب: "العملُ فيها خيرٌ من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر"(٤). وسُئل الإمام الباقر (عليه السلام): "ليلةُ القدر خيرٌ من ألف شهر، أيَّ شيءٍ عنى بذلك؟ فأجاب: "العملُ الصالح فيها من الصلاة والزكاة وأنواع الخير خيرٌ من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر. ولولا ما يضاعف الله (تبارك وتعالى) للمؤمنين ما بَلَغوا، ولكنّ الله يضاعف لهم الحسنات"(٥)، وأيضًا ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّ أمير المؤمنين عليّاً (عليه السلام) قال لابن عبّاس: "إنّ ليلة القدر في كلّ سنة، وإنّه ينزل في تلك الليلة أمرُ السنة، وإنّ لذلك الأمر وُلاةً بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنا وأحدَ عشرَ مِن صلبي أئمّةٌ مُحدَّثون "(٦) فيا ليت شعري ماذا سوف تودع نفسك فيها؟ وهل تنال أجرها؟ وبابُ أعمالك كيف تودعها؟ أتراها ترحلُ شاكرةً صنيعكم أم ذامّةً تضييعكم؟ يباركُ الله تعالى بنزول الملائكة فيها حتى تملأ الأرضَ بالخير والبركة والرحمة، ومعها جبريل (عليه السلام) الروح الأمين بإذنٍ من الله تعالى يشاركون عباد الله بالأعمال والصلوات والعبادات ويدعون لهم بالرحمة والمغفرة، ولأهمية منزلة المتعبدين والذاكرين الله تعالى فيها، وإحيائها بالعبادة والطاعة والعمل الصالح. *وأنّها سلامٌ... حتى مطلع الفجر... ومن لطفِ الباري بنا أنْ جعلَ ليلةُ القدر العظيمة غير محصورةٍ بليلةٍ واحدةٍ، بل وزعها على ليالٍ ثلاث؛ ليتزودَ العبد ومن فاتته ليلة فإنه يرجو أنْ تكونَ التالية هي التي تُقدَّرُ فيها الأرزاق والأعمال، وهي التي تُرفعُ فيها الصحائف، فيكون للعبد حافز أنْ يؤملَ نفسهُ بليلةٍ عسى أنْ تكونَ هي ليلةُ القدر. فكانت ليالي القدر: واحدةً في نهاية العشر الثانية من شهر رمضان، واثنتين في العشر الأواخر منه، ليسعى المؤمنُ سعيه لعله يحظى بها. وأولُ ليلةٍ يا لها من ليلةٍ! حيثُ تتناثرُ الدموع والآهات حزنًا على مولى الموحدين وطبر هامته الشريفة (عليه السلام)، والليلة الثانية هي ليلةُ الحزنِ الطويل وبكاءُ الأيتام لفقد أبيهم ونور الأبصار أبي الأيتام علي (عليه السلام) ففي هاتين الليلتين يكونُ القلبُ وجلاً وتكونُ الأنفاسُ منحبسةً مع أنينِ الكون على أميره ووصي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأبوابُ السماء مُفتحة تنظرُ إلى كلِّ عينٍ بكتْ وذرفتْ الدمعَ مُواساةً لفقدِ وصيّ الرسول (صلى الله عليه وآله)، وحبيب الباري (عليه السلام)، فلعل وسطَ هذا الزحام من الملائكةِ تكونُ ليلةُ القدر وترفعُ الأسماءُ مشمولة بالعتق من النار. وينعمُ الباري علينا فيعطينا مهلةً أخرى لعلنا نتوب ونرجع إليه، فتأتي الليلةُ الثالثة والعشرون وهي أعظمُ من سابقتيها بالفضلِ والمنزلةِ كما جاءَ في الأثرِ وتكثرُ الأصوات بالضجيج والنحيب على قربِ فراق الشهر الكريم لنا ووداعه المفجع، ويتزودُ المرءُ بها من الدعاء والتضرع لعل الفرجَ يكون بها، ويبدو من بعض الأحاديث أنّ ليلةَ القدر الحتمية هي ليلةُ الثالث والعشرون، بينما التاسع عشر والحادية والعشرون هما بمنزلة المقدمتين إليها في الدعاء والتضرع والتزود من النفحات الإلهية؛ رُوي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال لمن سأله عن ليلة القدر: "اطلبها في تسع عشر، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين"(٧) فانظروا معي إلى سعةِ رحمةِ الله تعالى بنا وحبّه لنا مع ما يصعدُ إليه من قبيحِ أعمالنا يعطينا فرصًا لكي نتوب ونرجع إليه ونفوز برضوانه. ففي هذه الليالي الثلاث يتقلبُ المؤمنُ بينَ الأدعيةِ والمناجاة، فمن أنين المتأوهين بدعاء أبي حمزة إلى التسبيحات في دعاء الجوشن: سبحانك يا لا إله إلا أنتَ الغوث الغوث.... إلى يا عدتي في شدتي.... إلى كلّ كلمةٍ ونجوى وتأوه ودمعٍ ينهمرُ خوفًا وخشيةً ورهبةً ورغبةً. فيا لسعةِ رحمة الله تعالى في هذا الشهر ولياليه المباركة! ففي ليالي القدر تتوجهُ القلوب إلى ساحةِ القُدس الإلهي وتتزودُ من ألطاف الباري. نمدُّ يدَّ التضرعِ إلى الله تعالى أنْ يشملنا بعطفهِ ولطفهِ وإحسانهِ ويكتب أسماءَنا في السّعداءِ ؛ إنّه قريبٌ سميعٌ مُجيبُ الدعاء. ولعظمتها فقد اختصت بعلامات منها: "أنْ تطيبَ ريحها، وإنْ كانت في بردٍ دفئت، وإنْ كانتْ في حرٍّ بردت"(8). كما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنَّه قال: "إنّها ليلةٌ سمحة لا حارة ولا باردة تطلعُ الشّمس في صبيحتها ليس لها شعاع"(9) اللهم اجعلنا ممّن صام الشهر وأدركَ ليلة القدر، وممّن نظرت إليه فرحمته، وسمعت دعاءه فأجبته، وشملتهُ نفحاتها ومغفرتها. والحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على خير المُرسلين على النبي الهادي الأمين وعلى آله الطيبين الطاهرين. --------------- 1. القران الكريم سورة الزمر (٦٧) 2. سورة القدر (١-٥) 3. سورة الدخان(٤-٥) 4. الكافي ٤: ١٥٧-/ح٤باب في ليلة القدر 5. من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٢: ١٥٨ 6. الكافي ١: ٢٤٧/ح٢ 7. تفسير الثقلين ج٥ص٦٢٨ 8. نفس المصدر السابق ص٦٢٣ 9. المصدر السابق نفسه
اخرىضياءٌ وإحياء مِن كلمات ربِّ السّماء(٦) الجزء الثاني رؤية الله (تعالى)
بقلم: علوية الحسيني ■النقطة الخامسة: التفاتةٌ تنزيهية حول الرؤية القلبية: إنَّ الرؤية القلبية لا تعني إحاطة القلب بالله (تعالى)؛ بل تعني شعور العبد أنّه محاط، مُهيمَن عليه، من قبل ربٍّ هو أقرب إليه من حبل الوريد. فليس معنى الرؤية القلبية أنّ العبد هو الذي يُسلط علمه على الله (تعالى) فيعرفه، كما لو سُلِّطت إنارة على شيءٍ مُظلم فأنارته، فيُصبح الشيء مقهورًا ومُضطرًا لأن يُعرَف ويُحاط به. بل جُلّ ما نستطيع قوله إنَّ المعرفة القلبية تأتي من قبل الله (تعالى) نفسه، ويكون العبد هو المقهور والمُضطر لتقبّل تلك المعرفة بمشيئة الله الواحد القهّار، فتصل القلوب إلى معدن عظمة الله (سبحانه). فالاستدلال وإن كان إنيًّا ــ أيّ استدلال بالمعلول على العلة ــ، إلاّ أنه لا يلزم منه احتياج الله الغني لمخلوقاته – قلوب العباد – لأجل أنْ تدلُّ عليه، بل هو (سبحانه) في كتابه الكريم علّمنا هذا الاستدلال في آيات عديدة، فلا يشكل. وعليه، فيكون تجلّي معرفته في قلوب عباده بأمرٍ منه وإرادة، والعظمة له (سبحانه)، لا للقلب الذي حوى تلك المعرفة، ولا للمعرفة نفسها قياسًا بجلالته (جلّ وعلا). ويؤيد ذلك ما جاء في المأثور عن سادة التوحيد في المناجاة الشعبانية: "اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِك"(14). فالعبارات معطوفة بعضها على بعض، ونستظهر منها أنّ للقلوب أبصاراً –وهي الرؤية القلبية-، وأنّ نتاجها هو الوصول إلى معدن العظمة، وهو خلو القلب من أيّ متعلق سوى الله (سبحانه)، فيتجلى (تعالى) بالمعرفة في قلب عبده، وهذا من قبيل ما جاء في الحديث: "إنّ لي عبادًا من عبادي، يُحِبونني وأُحِبُهم، ويشتاقون إليّ وأشتاق إليهم، ويذكروني وأذكرهم ...، أقلّ ما أُعطيهم ثلاثًا: -الأول: أقذفُ من نوري فـي قـلوبهم فيُخبرون عنّي كما أخبر عنهم. -والثاني: لو كانت السماوات والأرضون وما فيهما في مـوازيـنهم لاستقللتها لهم. -والثالث: أقبلُ بوجهي عليهم، أ فتُرى مَن أقبلتُ بوجهي عليه يعلم أحدٌ ما أريد أنْ أعطيه؟"(15). والإقبال من الله (تعالى) على عباده هو تجلّي المعرفة لهم؛ لتنزهه (سبحانه) عن الجسمية ولوازمها –كالرؤية، واللقاء، وثبوت الوجه، وحلوله في مكان، وما شابه ذلك-. ولا يظُننَّ القارئ أنّ التجلّي هو التجلّي الذاتي، بل هو المعرفي؛ فالتجلّي مخلوقٌ، وهو فعل من أفعال الله (تعالى)، بدليل قوله تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقا}(16)، فقبل أنْ يطلب النبي موسى (عليه السلام) رؤية الله (سبحانه) كما طلب منه قومه ذلك، لم يكن هناك تجلٍ، فالتجلي غير الذات؛ فما تجلّى للكليم (عليه السلام) هو نورٌ وصوتٌ مخلوقان، سلّط الله (تعالى) النور على الجبل فصعقَ موسى منه، وخلقَ الصوت في شجرة فكلّم موسى. وجاء في بعض الروايات أنَّ ذلك النور هو نور أحد الملائكة الكروبيين؛ كما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام): "إنَّ الكروبيين قوم من شيعتنا من الخلق الأول جعلهم الله خلف العرش، لو قسم نور واحد منهم على أهل الأرض لكفاهم، ثم قال: إن موسى (عليه السلام) لما سأل ربه ما سأل، أمر واحدًا من الكروبيين تجلى للجبل فجعله دكا"(17)، والرواية وإنْ كانت مرسلة إلاّ أنّها تعضد الدليل العقلي الذي ينفي تجسيم الله (تعالى). وقد ذكر العلاّمة الطباطبائي (قدّس سرّه) أنّ لتجلي الله (تعالى) مصاديق متعددة، وجميع المصاديق لا توجب تجلي الله (تعالى) بذاته؛ حيث قال: "مُحصل الرواية أنَّ تجليه (سبحانه) يقبل الوسائط كما أنَّ سائر الأمور المنسوبة إليه (تعالى) كالتوفي والإحياء والرزق والوحي وغيرها يقبل الوسائط فهو (تعالى) يتجلى بالوسائط كما يتوفى بملك الموت، ويحيي بصاحب الصور، ويرزق بميكائيل، ويوحي بجبرئيل الروح الأمين"(18) فما أحد الكروبيين، وعزرائيل، واسرافيل، وميكائيل، وجبرائيل، إلاّ وسائط تُفيض علينا أمر الله (جلّ جلاله)، وهي مظهر تجلّي الله (تعالى) دون إثبات التجسيم له (سبحانه). ونجدُ في روايات أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تصريحًا بصحة الرؤية القلبية، والظاهر) منها زيادة اليقين بظهور عظمة الله تعالى وقدرته، منها: عن يعقوب بن إسحاق، قال: "كتبتُ إلى أبي محمد الحسن العسكري، (عليه السلام) أسأله كيف يعبد ربه وهو لا يراه؟ فوقع (عليه السلام): يا أبا يوسف جلَّ سيدي ومولاي والمنعم علي وعلى آبائي أن يُرى، قال: وسألته هل رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ربه؟ فوقع (عليه السلام): إن الله (تبارك وتعالى) أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحب"(19). نلاحظ هنا أنَّ الحديث لم يقل إنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) رأى بقلبه دون علم الله العلاّم، بل الحديث يقول إنَّه (تعالى) أرى رسوله، فالمُحاط هو الرسول (صلى الله عليه وآله)، والقاهر، والمُحيط هو الله (تعالت قدرته). وتكريم الرسول (صلى الله عليه وآله) بحصةٍ من الرؤية القلبية لا يعني انقلاب حاله من مُحاط به إلى مُحيط؛ لتنزّه المُحيط أن يُحاط به، كما أنَّ التجلّي ــ كما تقدّم ــ معرفيٌّ، وليس ذاتيًا ليوجب الإحاطة من المُحاط بالمُحيط. ■النقطة السادسة: العقل والقلب مصبان للرؤية القلبية: إنّ الرؤية العقلية كالرؤية القلبية؛ بلحاظ اشتراكهما في أنّهما لا يؤديان إلى اكتناه ذات الله (تعالى)، بل هما تجلٍ من تجليات الحق (سبحانه)، لا تشوبهما شائبة الوهم والإحاطة كلّما كان العبد مستكملًا، ولا مصداق للعبد المستكمل سوى نبي الله محمد (صلى الله عليه وآله) - وآله (عليهم السلام). وقد روي "عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قُلْتُ لابِي الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلام) رُوِّينَا عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عَلَيْهِ السَّلام) أَنَّهُ قَالَ إِنَّ عِلْمَنَا غَابِرٌ وَمَزْبُورٌ وَنَكْتٌ فِي الْقُلُوبِ وَنَقْرٌ فِي الاسْمَاعِ فَقَالَ أَمَّا الْغَابِرُ فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ عِلْمِنَا وَأَمَّا الْمَزْبُورُ فَمَا يَأْتِينَا وَأَمَّا النَّكْتُ فِي الْقُلُوبِ فَإِلْهَامٌ وَأَمَّا النَّقْرُ فِي الاسْمَاعِ فَأَمْرُ الْمَلَك"(26) فالنكت في القلوب هو تجلٍ معرفيٍ قلبي، أثره هو رؤية الله تعالى قلبيًا، والعلم لازمه الرؤية القلبية، فتحققت. وقد وصفهم سيد الموحدين (عليه السلام) بقوله: "واعلم أنَّ الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السدد المضروبة دون الغيوب، الاِقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب، فمدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علمًا، وسمى تركهم التعمق فيما لم يُكلفهم البحث عن كنهه رسوخا"(27)، فبعض التجلي المعرفي لم ينكت في قلوبهم، لاختصاص الله العليم العزيز به، فتركوا التعمق في ما لم يكونوا مكلفين بالبحث عن كنه ذات الله سبحانه. وكذلك يشترك العقل مع القلب في أنّ لهما دوراً في معرفة الله (تعالى) معرفةً لا توجب الإحاطة، فللعقل دورٌ في الرؤية العقلية، يقول سيد الموحدين (عليه السلام): "وإنّ العقل يعرف الخالق من جهة توجب عليه الإقرار، ولا يعرفه بما يوجب له الإحاطة بصفته"(28). وفي بيان دلالةِ القلب على معرفة الله (تعالى)، جاء في المأثور: "اللّهم... أوصلت إلى قلوب المؤمنين من معرفتك ما آنسها من وحشة الفكر ووسوسة الصدر فهي على اعترافها بك شاهدة"(29). ويشتركان أيضًا في أنّ الوهم يتجاوزهما؛ فقد يتوهم العبد شيئًا والقلب يرفض الاذعان به، وقد يتوهم شيئا والعقل يرفضه أيضا. فروي عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): لا تقدّره الأوهام بالحدود والحركات.(30). وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام): مَن زعم أنّه يعرف الله بتوهّم القلوب فهو مشرك.(31). وبهذا يتضح لنا أنّ القلب والعقل مصبان للرؤية القلبية المسبوقة ولو بأدنى المعرفة بالله (تعالى). فالعقل يرى بالإدراك، والقلب يرى بالبصيرة، أو بالعيون القلبية؛ وقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "إنما شيعتنا أصحاب الأربعة الأعين: عينان في الرأس، وعينان في القلب"(32). ........................... (14) مفاتيح الجنان: للشيخ عباس القمي. (15) ميزان الحكمة: للريشهري، ١٦٩٨. (16) الأعراف: 143. (17) بصائر الدرجات: محمد بن الحسن الصفار، 21ص. (18) تفسير الميزان: للسيد الطباطبائي، ج8، ص260. (19) المصدر السابق، ب8، ح2. (26) الكافي: للشيخ الكليني، ج1، ب107، ح3. (27) نهج البلاغة، خطبة الأشباح، ج 1. (28) توحيد المفضل: للمفضل بن عمر الجعفي، ص118. (29) مصباح التهجد: للشيخ الكفعمي، ص43. (30) نهج البلاغة، خ163. (31) تحف العقول: للشيخ الحسن بن علي الحراني، ص238. (32) الكافي: للشيخ الكليني، ج٨، ص215، ح260. سُبْحانَكَ طَوَتِ الْأَبْصارُ في صُنْعِكَ مَديدَتَها، وَثَنَتِ الْأَلْبابُ عَنْ كُنْهِكَ أَعِنَّتَها، فَأَنْتَ الْمُدْرِكُ غَيْرُ الْمُدْرَكِ، وَالْمُحيطُ غَيْرُ الْمُحاط.
اخرىشبهاتٌ حـول التشيّع/ في القضية الحسينيّة(1) شعيرة اللطم
مقـدّمة يعدّ اللطم على الصدور تعبيراً عن الألم والحزن، الذي يعتلج قلوبنا، وتعبيراً عن مدى ما أصابنا من عظم المصيبة، فالحرقة التي تصيب النفس - والحزن يسيطر عليها - يمكن للإنسان أن ينفّس عنها، وعمّا أصابه بفعلٍ ما، يكون ترويحاً وتنفيساً ومجاراةً ومواساةً لمن حلّت به هذه الفاجعة، أو القضية المؤلمة. ويعدّ اللطم مصداقاً مهماً من مصاديق التفجّع على ريحانة الرسول وسبط البتول . وسوف نستعرض الموضوع ضمن المطالب التالية: المطلب الثاني: إثبات مشروعيّة اللطم من كتاب الله تعالى 1-من تفسير كتب السنّة 2-من تفسير كتب الشيعة المطلب الثالث: اثبات مشروعيّة اللطم من الفريقين السنة والشيعة المطلب الأول: مشروعيّة اللطم في كتاب الله تعالى. لـغةً: لطم : ل ط م : اللَّطْمُ الضرب على الوجه بباطن الراحة. قال تعالى: (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَــصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ)(1). معنى صكَّ لغةً: ص ك ك : صَكَّهُ ضـربه وبابه ردَّ ومنه قوله تعالى :{ فصكَّت وجهها }. 1-تفسير الآية في كتب أهل السنّة قال الطبـري في تفسيره : " حدثني ابن حُمَيد, قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن العلاء بن عبد الكريم الياميّ, عن ابن سابط, قوله ( فَصَكَّتْ وَجْهَهَا ) قال: قالت هكذا; وضرب سفيان بيده على جبهته. قال: [حد]ثنا مهران; عن سفيان ( فَصَكَّتْ وَجْهَهَا ) وضعت يدها على جبهتها تعجبا, والصكّ عند العرب: هو الضرب. وقد قيل: إن صكها وجهها, أن جمعت أصابعها, فضــربت بها جبهتها"(2). قال البغوي في تفسيره: " قال ابن عباس : لطمت وجهها . وقال الآخرون : جمعت أصابعها فضربت جبينها تعجبا ، كعادة النساء إذا أنكرن شيئا ، وأصل الصك : ضرب الشيء بالشيء العريض". *ايــرادٌ وجوابـه: يقول المخالف: إنّ القصص المذكورة في القران الكريم العبرة فيها تخص أصحاب ذلك الزمان فلا يمكن لنا ان نقلد بالفعل زوجة النبي عندما لطمت وجهها. فماذا تقولون ؟ -قـلنا في مقام الإجابة متسائلين: ما هو المانع من الاعتبار منها ؟! إن قالوا: إنّ هذه القصص تخص العبرة منها اصحابها فقط, ثبت أنّ الله انزلها في القرآن الكريم ولأمة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) لــغواً منه وعبثاً, والتالي باطل فالمقدم مثله بالبطلان, فحاشاه سبحانه من العبثية واللغو فهو الحكيم. وحتماً هو تعالى أنزلها في القرآن لحكمةٍ هو قاصدها، متحققةٍ غايته منها. 2-تفسير الآية في كتب الشيعة قال العلاّمة الطباطبائي –قدس سره- في تفسيره المشهور بالميزان: "و الصك الـــضرب باعتماد شديد. انتهى. والمعنى: فأقبلت امرأة إبراهيم (عليه السلام) - لما سمعت البشارة - في ضجة و صياح فــلطمت وجهها و قالت: أنا عجوز عقيم فكيف ألد؟ أو المعنى هل عجوز عقيم تلد غلاما؟ و قيل: المراد بالصرة الجماعة و أنها جاءت إليهم في جماعة فصكت وجهها و قالت ما قالت، و المعنى الأول أوفق للسياق." اذاً صكّـت يعني ضربَت وجهها. المطلب الثالث: مشروعيّة اللطم من كتب الفريقين أولاً/ اللطم في كتب أهل السنّة 1- حدثنا : يعقوب ، قال : حدثنا : أبي ، عن ابن إسحاق ، قال : حدثني : يحيى بن عباد بن عبد الله ابن الزبير ،عن أبيه عباد ، قال:ســمعت عــائشة تقول : مـــات رسول الله (ص[صلى الله عليه وآله]) بين سحري ونحري، وفي دولتي لم أظلم فيه أحدا فمن سفهي وحداثة سني أن رسول الله قبض وهو في حجري، ثم وضعت رأسه على وسادة وقمت ألـــتدم مع النساء وأضــرب وجـهي(3). في حين أنّ امامهم البخاري ومسلم يقول: "عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ[وآله] وَسَلَّمَ : (لَيــْسَ مِنَّا مَنْ لَطـــَمَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ)(4). وهنا نوجّه سـؤال إلى ابناء السنّة والوهّابيّة: هل عائــشة ليست منكم؟! لماذا لطمت وجهها عند وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ؟! فجدلاً نقول: نحن الشيعة موقفنا كــموقف عائشة, وما تحكمون به عليها احكموا به علينا. و " عن ابن إسحاق ، قال : حدثنا : يحيى بن عباد ، عن أبيه ، عــن عــائشة ، قالت : مات رسول الله (ص[صلى الله عليه وآله]) وهو بين سحري ونحري، في بيتي ، وفي يومي، لم أظلم فيه أحدا ، فمن سفاهة رأيي وحداثة سني أن رسول الله (ص[صلى الله عليه وآله]) : مات في حجري، فأخذت وسادة فوسدتها رأسه ، ووضعته من حجري ، ثم قمت مع النساء أبكي وألـــدم(5). ثانياً/ من كتب الشيعة ورد في كتبـنا أنّ كلّ الجزع والبكاء مكروه ما خــلا الجزع والبكاء لقتل الحسين(عليه السلام)، ومن مظاهر الجزع: هو اللــطم، سواء كان على الصدور، أو على الخدود، أو على الفخذين. وما ذكر في الرواية كمثال لمظهر من مظاهر الجزع, وهو اللطم على الخدود، ولــم تمنع الرواية من اللطم على مكان آخر, كاللطم على اليد أو على الفخذ أو على الرأس. إنّ اللطم على الإمام الحسين(عليه السلام) ليس هو لطماً لأجل مقتل شخص مسلم عادي؛ فالحسين(عليه السلام) هو إمام المسلمين وقدوتهم، وخليفة الله ورسوله (صلّى الله عليه وآله)، وحينئذٍ فإنّ ورود الاستثناء بشأن اللطم عليه له ما يبرّره. وورد النهي عن اللطم على الميّت العاديّ؛ لأنّه غالباً ما يكون مصاحباً للجزع وعدم التسليم والرضا بالقضاء, وهذا العنصر مـــفقود في حال اللطم على أبي عبد الله الحسين(عليه السلام)؛ لأنّ الجزع عليه ليس اعتراضاً على القضاء، بـل إشــفاقاً على الدين وإمام المسلمين والقرآن الناطق، ومن هو بمنزلة لحم ودم النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، بل نفسه كما يدلّ عليه قوله (صلّى الله عليه وآله): (حسين منّي وأنا من حسين). ومن هذه الأدلّة على مشروعيّته: 1- روي عن الإمام الصادق(عليه السلام): "إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع، ما خـــلا البكاء والجزع على الحسين بن عليّ عليهما السلام؛ فإنّه فيه مأجور"(6). 2- يعدّ اللطم جائــزاً وفقاً لأصالة الإباحة؛ فطالما لــم يكن في اللطم ضرر، فمقتضى أصل الإباحة هو عدم الإشكال في اللطم ما لم يرد نهي, ولم يرد نهيٌ بذلك, بل يعدّ نوعاً من اظهار السخط على قتلة الحسين (عليهم لعنة الله تعالى). 3- عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام): (وقد شققن الجيوب، ولطمن الخدود - الفاطميات - على الحسين بن عليّ، وعلى مثله تُلطَم الخدود، وتُشقّ الجيوب)(7). 4- ولمّا مرّوا بالسبايا على الإمام الحسين(عليه السلام) وأصحابه عليهم السلام، وهم صرعى، "صاحت النساء، ولطمن وجوههنّ، وصاحت السيّدة زينب: يا محمّداه..."(8). 5- حينما أنشد دعبل الخزاعي تائيته المشهورة، بحضرة الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، قال فيها: أفاطمُ لو خِلتِ الحسين مجدّلاً *** وقد مات عطشاناً بشطّ فراتِ إذاً لــلطمتِ الخدّ فاطمُ عنده *** وأجريت دمع العين في الوجناتِ(9). فَلَـــم يعترض الإمام الرضا (عليه السلام)، ولم يقل: إنّ أُمّنا فاطمة (عليها السلام) لم تفعل ذلك لأنّه حرام أو مكروه، بــل هو قد بكى وأعطى الشاعر جائزة، وأقرّه على ما قال. وكلّنا يعلم أنّ قول وفعل المعصوم حجّـة،, فكل ما أقرّه نقرّه اقتداءً به. 6-نقرأ في زيارة الناحية المقدّسة التي زارَ بها إمامنا المفدّى قائم آل محمّد (عجّل الله فرجه الشريف) انّه قال: "فلمّا رأين النساء جوادك مخزيّاً، إلى أن قال: على الخدود لاطــمات، الخ". فـنسوة آل محمّد لطمنَ ولــم يعترض على لطمهنّ إمام زمانهنّ الإمام السجّاد (عليه السلام) إذ لـــو كان اللطمُ حراماً لــنهاهنّ. فثبت بـسكوته اقراره. *ايــرادٌ وجوابه: إن قالوا: كيف نجمع بين الروايات التي تحثّ على اللطم وبين قول الإمام الحسين عندما نهى السيدة الحوراء (عليها السلام) بأن لا تخمش عليه وجهاً ؟ قـلنا في مقام الإجابة: ليس كلّ نهي يدلّ على الحرمة؛ فإنّه كما يوجد النهي التحريمي يوجد النهي التنزيهي، ويمكن أن يكون طلب الإمام الحسين(عليه السلام) لأُخته زينب (عليها السلام) عدم شقّ الجيب من باب الشفقة، أو من باب عدم الوقوع في شماتة الأعداء، ومع عدم وجود الدليل على تعيين أحد المحتملات، فلا مجال لإثبات الحرمة التكليفية من الحديث. _________________________ (1) الذاريات: 29. (2) تفسير الطبري, ص 521. (3) مسند ابن حنبل/ حديث عائشة (ر), ح 25816. (4) صحيح البخاري, ح1294,وصحيح مسلم, ح 103 . (5) دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة, ج 7, ص 213. (6) كامل الزيارات, ب32,ح 286. (7) تهذيب الأحكام 8: 325 ,ح 120, كتاب الإيمان والنذور والكفّارات. (8) مقتل الحسين للخوارزمي 2: 44, ح 10، مقتل الحسين لأبي مخنف: 203. (9) كشف الغمّة: 3, بحار الأنوار 45: 257, ب 44. والسلامُ على الحسين وآله ما بقيت وبقي الليل والنهار. علوية الحسيني
اخرىالتعليقات
يتصدر الان
لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع
يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىبين طيبة القلب وحماقة السلوك...
خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىالطلاق ليس نهاية المطاف
رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىلا تقاس العقول بالأعمار!
(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىالمرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)
بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىأساليب في التربية
عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى