تشغيل الوضع الليلي

هل مات الإمام؟!

منذ 5 سنوات عدد المشاهدات : 1028

لا تستغربوا.. واستمعوا قليلاً.. وستجدون أنَّ لهذا السؤال واقعاً..
لكن علينا أن نلتفت أوّلاً إلىٰ أنَّه ليس المقصود من الموت هي مفارقة روح الإمام لجسده وخروجه من الدنيا، كلَّا.
فإنَّ من يقول بهذا الأمر الآن يُعتَبر كافراً بما ثبت عن رسول الله من أنَّه لا بدَّ من قيامه.
فقد ورد عن رسول الله الأعظم أنَّه قال: «... المهدي الذي يملؤها قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً، والذي بعثني بالحقِّ نبيّاً، لو لم يبقَ من الدنيا إلَّا يوم واحد، لطوَّل الله ذلك اليوم، حتَّىٰ يخرج فيه ولدي المهدي، فينزل روح الله عيسىٰ بن مريم فيُصلّي خلفه، وتشـرق الأرض بنوره، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب»(1).
بل لو مات الإمام، فهذا معناه أنَّ الأرض ستبقىٰ بلا إمام، وعندئذٍ لا يمكن أن تستمرَّ الحياة، فعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لو أنَّ الإمام رُفِعَ من الأرض ساعة لساخت بأهلها كما يموج البحر بأهله»(2).
إذن، نقصد من الموت هنا معنىٰ آخر.
فكيف مات الإمام المهدي؟
لقد مات الإمام في قلب من لا يذكره.
لقد مات الإمام في قلب من لا يعرفه.
لقد مات الإمام في قلب من يتذكَّره عند المعصية فيتناساه.
لقد مات الإمام في قلب من لا يقف حبُّه حائلاً دون المعصية.
لقد مات الإمام في قلب من لم يُعرِّف أولاده بإمامهم.
لقد مات الإمام في قلب من لم يجعل وقتاً خاصّاً لزيادة معرفته به.
لقد مات الإمام في قلب من أنكره.
لقد مات الإمام في قلب من يئس منه ومن ظهوره.
لقد مات الإمام في قلب انشغل بحبِّ شهوي دنيوي وتناسىٰ آخرته.
وهناك ألف قلب وقلب مات الإمام فيه!
في رواية أبي سعيد الخراساني، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «... وسُمّي القائم لأنَّه يقوم بعدما يموت، إنَّه يقوم بأمر عظيم»(3).
وفي رواية الصقر بن دلف، عن الإمام الباقر (عليه السلام)، قال: فقلت له: يا بن رسول الله، ولِـمَ سُمّي القائم؟ قال: «لأنَّه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته»(4).
هذه الرواية وأمثالها تدعونا إلىٰ أن نراجع أنفسنا، وأنَّه هل نحن فعلاً من الذاكرين للإمام القائم (عليه السلام) أم من الناسين له؟!
وفي نفس الوقت تدعونا إلىٰ العمل علىٰ أن نكون من الذاكرين له في صلواتنا ودعائنا وصدقاتنا وجميع أحوالنا حتَّىٰ لا نكون ممَّن مات ذكر القائم في قلوبهم.
فهل مات الإمام في قلوبنا؟!
_________________
(1) كمال الدين للصدوق: 279 و280/ باب 24/ ح 27.
(2) بصائر الدرجات للصفّار: 508/ ج 10/ باب 12/ ح 3.
(3) بحار الأنوار للمجلسي 51: 30/ ح 6.
(4) بحار الأنوار للمجلسي 51: 30/ ح 4.

من كتاب على ضفاف الانتظار/ صفحة (24-27)
الشيخ حسين عبدالرضا الأسدي

اخترنا لكم

أقرئي أو لا تقرئي (2)

بقلم: علوية الحسيني تزيَّـني إنّ المتأملة في قول الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ امَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُون} (1)، تجد أنّ الزينة بالأصل محلّلة، لا يحق لأحدٍ تحريمها. بل وإذا قرَنَتْ مع الآية الحديث المروي الإمام الصادق (عليه السلام): "البس وتجمل، فإن الله جميل يحب الجمال، وليكن من حلال" (2)، فإنّها تعطي معنىً مؤكدًا لما جاءت به الآية الكريمة، لحثّها على التجمّل، وحيث إنّ الزينة أحد مصاديق الجمال، فيشملها الكلام. نعم اختاه، إنّ الزينة أمرٌ جميل، بل ومطلوب منكِ كأنثى، وهو أمرٌ من الأمور التي يفترق بها ظاهر شكل الرجل عن المرأة، فتتزيّن الأنثى بالحلية؛ قال تعالى: {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِين} (3)، فالنشأة في الحلية للأنثى يكون منذ ولادتها، وترافقها زينتها طيلة حياتها، بل وحتى في الجنان، فهذا هو دين الله، دين الجمال، دينٌ جعل للزينة تأصيلًا قرآنيًا، فما أجمله من دين! وللزينة أقسام حسب اللحاظات، إلاّ أنّها بدوًا متداخلة؛ ولهذا سوف نتطرق إلى ثلاثة أقسام أساسية، ويتفرع عن كل قسمٍ فرعين. ■أولًا: زينة مادية، كالمجوهرات، والخواتم، والقلائد، والعطور، والأصباغ، والمساحيق، والكحل، وغيرها من الحلي، والثوب المزيَّن، والدهان. * وقد روي في التزيّن بالعطر أو الطيب: " عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: ما أنفقت في الطيب فليس بسرف" (4)، فرغم كون الإسراف مذمومًا إلاّ أنّ حكمه في شراء الطيب ليس إسرافًا، بل وقد أعطى الدّين الإسلامي للطيب أهمية وثقلًا في ميزان الحسنات يا اختاه، بدليل ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أيضًا: "ركعتان يصليهما متعطر أفضل من سبعين ركعة يصليهما غير متعطر" (5). كما وروي "أنّ الإمام الرضا (عليه السلام) كان يُرى يتبخر بالعود الهندي النيء ويستعمل بعده ماءً وردًا ومسكا" (6). وهناك روايات جعلت من المرأة المتعطرة خير امرأة، وقال (عليه السلام): "خير نسائكم... الطيبة الريح" (7). ورواياتٌ اخرى حثّت على أن تلبس النساء القلائد حتى مع الصلاة، بالإضافة إلى التعطر. *وبالنسبة للتزيّن بالدهان روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: "الثوب النقي يكبت العدو والدهن يذهب بالبؤس والمشط للرأس يذهب بالوباء" (8)، فبالإضافة لفوائده فإنه يضفي زينةً وجمالًا. *وروي في جانب الاهتمام بالشعر الذي هو أحد مصاديق الزينة للمرأة، حيث روي عـن الإمام الصادق (عليه السلام): "إذا أراد أحدكم أن يتزوج فليسأل عن شعرها كما يسأل عن وجهها، فان الشعر أحد الجمالين" (9)، بل وفي روايةٍ اخرى حثٌ على الاهتمام بتصفيف الشعر "عن رسول الله صلى الله عليه وآله: من اتخذ شعرا فليحسن ولايته أو ليجزه" (10)، فحسن التصفيف هو تزيين. *وروي في التزيّن بالكحل "عن الباقر (عليه السلام) قال: "الاكتحال بالأثمد ينبت الأشفار ويحد البصر ويعين على طول السهر" (11). *وفي جانب التزيّن بالحناء، روي الصادق (عليه السلام): "الحناء يذهب بالسهك [الريح الكريهة] ويزيد في ماء الوجه ويطيب النكهة ويحسن الولد" (12). *وفي جانب التزيّن بالتختم، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "تختموا بخواتيم العقيق، فإنه لا يصيب أحدكم غم ما دام عليه" (13). والزينة المادية تلك على قسمين: (أ) محـللة: أي إنه يحلّ شرعًا الظهور بها، مع توفر شروطها، وقد أشار إليها القرآن الكريم محددًا موارد الظهور بها، بقول الله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاء} (14). وممكن تعداد تلك الفئات التي استثنتهم الآية الكريمة، وأجازت للمرأة الظهور بزينتها أمامهم ضمن النقاط التالية: 1/ بين النساء من بني جنس المرأة. 2/ البعل وهو الزوج. 3/ المحارم من جهة النسب والسبب -إن لم تسبب لهم افتتانًا-، كأب الزوج، الأبناء، أبناء الزوج، الإخوان، أبناء الاخوان، أبناء الأخوات. وقد أشار إليها الدّين الإسلامي بين طيّات آياتٍ كريمة، ورواياتٍ شريفة، في موارد مختلفة، بل وحسب كلّ زينةٍ في بعض الأحيان. 4/ ملك اليمين، هم العبيد، وهذا مورد غير موجود اليوم، فيترك تفسيره. 5/ التابعين من الرجال، وهذا مورد يقبّح زينة الحياء إن ذكرناه، فيترك تفسيره، كما أنّه ليس موردًا موجودًا في زمننا أيضًا. 6/ الطفل الذي لم يبلغ. •وهنا مــلاحظة مهمة، وهي: أنّ الظهور بالزينة أمام المحارم يجب أن لا يكون بقصد افتتان من تظهر بها أمامهم، وتضمن المرأة عدم وقوعها في الحرام، فالآية الكريمة وإن كانت مطلقة لم تورد القيدين، إلاّ أنّه لا يمكن تفسير القرآن الكريم دون الرجوع إلى السنّة النبوية -حديث محمد وآل محمد (عليهم السلام)-، فبرجوع الفقيه إلى الروايات الكريمة المفسرة لتلك الآية الكريمة يعلم أنّ هناك زينة مستثناة، يجوز للمرأة اظهارها. روي "عن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عزّ وجلّ: (إلاّ ما ظهر منها) قال: الزينة الظاهرة الكحل والخاتم" (15)، فالرواية ظاهرًا هنا أجازت التزيّن الظاهر بالكحل والخاتم. وروي عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: "سألته عن قول الله عزّ وجلّ: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها)؟ قال: الخاتم والمسكة وهي القلب [السوار/ لسان العرب 1 : 688]" (16)، وهذه الرواية أجازت التزيّن الظاهر بالخاتم والسوار. واستفاد الفقيه من رواياتٍ أخرى فيها ذلك قيد (عدم قصد المرأة افتتان الرجال، وأن تأمن على نفسها من الوقوع في الحرام)، فقيّدت الروايات الآية؛ استنادًا لقاعدة أصولية مفادها (أنّ الخاص يقيّد العام)، فاتضح لكِ اختاه الحكم الشرعي مقرونًا بالقيدين. (ب) محرّمـة أي إنه يحرم شرعًا الظهور بها، ولهذه الزينة تأصيل في القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِن} (17)، فتشمل بالإضافة إلى الحجال، جميع ما ذكر في الزينة المادية. فيحرم اظهار تلك الزينة لفئات، هم: 1/ المحارم إنّ سبب لهم افتتانًا، ولم تأمن من الوقوع في الحرام لو ظهرت بها أمامهم. 2/ الرجال الأجانب مطلقًا؛ سواء أ تحقق الشرطان أم لم يتحققا. روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: "أيما امرأة تطيبت، ثم خرجت من بيتها فهي تلعن حتى ترجع إلى بيتها متى ما رجعت" (18)، واللعن هو الطرد من رحمة الله تعالى وجنته. ■ثانيًا: زينة معنوية، كالأخلاق الفاضلة، والدّين، والنسب، والشرف، والحياء، والعفة، والملكات الحسنة، فالأخلاق لا وجود واقعيًا لها حتى نحكم عليه بالجواز أو الحرمة، إنّما هي أمرٌ اعتباري، إنّما الحكم يتوجه على آثارها، وهي قول أو فعل الإنسان. وهي على فرعين: (أ) مـحللة إذا أظهرتِ محاسن أخلاقكِ للجميع، محارمًا كانوا أو أجانب. *وقد روي في جانب عدّ الدّين زينةً وجمالًا للمرأة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من تزوج امرأة لا يتزوجها إلا لجمالها لم ير فيها ما يحب، ومن تزوجها لمالها لا يتزوجها إلا له وكله الله إليه، فعليكم بذات الدين" (19). *وروي في جانب عدّ النسب زينةً وجمالًا للمرأة عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خير نسائكم نساء قريش..."(20)، فالرواية جعلت القرشية -ذات التقوى؛ لأنّ ميزان الأعمال عند الله تعالى هو التقوى، لا النسب وحده، وعلى هذا الفرض الرواية بُنيت- أفضل من غيرها من النساء، والأفضلية نوع من الزينة المحللة، وهي ظاهرة. *بل وهناك روايات عدّت اتصاف المرأة بشرار خصال الرجال زينةً وجمالاً لها، كالزهو -الكِبر-، والجُبن، والبُخل؛ "روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): خِيَارُ خِصَالِ النِّسَاءِ شِرَارُ خِصَالِ الرِّجَالِ: الزَّهْوُ وَالْجُبْنُ وَالْبُخْلُ، فَإذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مَزْهُوَّةً لَمْ تُمَكِّنْ مِنْ نَفْسِهَا، وَإِذَا كَانَتْ بِخِيلَةً حَفِظَتْ مَا لَهَا وَمَالَ بَعْلِهَا، وَإِذَا كَانَتْ جَبَانَةً فَرِقَتْ مِنْ كُلِّ شِيْءٍ يَعْرِضُ لَهَا" (21). *ومن الرواية هذه ممكن أن نعدّ حفاظ المرأة على شرفها زينةً وجمالاً لها. (ب) محرّمــة إنّ الشارع حدد اطار تعامل المرأة مع الرجال الأجانب، وبعض الأخلاق -وإن كانت حسنة- إلاّ أنّها يحرم اظهارها للرجال الأجانب، أو التعامل بها معهم. * كالمصافحة مثلًا، فهي خلقٌ حسن، وزينةٌ تتصف بها المرأة فيما لو طبقته بين النساء، إلاّ أنّ تلك الزينة الفعلية يحرم انعكاس آثارها مع الرجال الأجانب؛ روي عن جعفر بن محمد، عن آبائه ( عليهم السلام ) ـ في حديث المناهي ـ قال: "ومن صافح امرأة تحرم عليه فقد باء بسخط من الله (عزّ وجلّ)، ومن التزم امرأة حراما قرن في سلسلة من نار مع شيطان فيقذفان في النار" (23)، فالحديث وإن كان ظاهره محذّر للرجال فقط، لكن بالملازمة أنّ المرأة التي تصافح رجلًا يحرم عليها فتبوء بسخط من الله تعالى. ■ثالثًا: زينة فعلية (أ) محللة، وتشمل كلّ فعل يزيد المرأة جمالًا وكمالًا إذا راعت حدود الآداب والضوابط الشرعية، فهو كلّ فعل مباح، كطلب العلم، وامتهان مهنة محللة شرعًا، والأعمال الخيرية، وما شابه ذلك. وما يتزيّن به الإنسان عمومًا هو أعماله الحسنة، وحيث إنّ الله تعالى لم يفرّق بين الذكر والأنثى بتزينهما بتلك الأعمال، فهي ثابتة لكليهما؛ قال تعالى: {أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} (24). (ب) محرّمة، وتشمل كلّ فعل يحرم فعله أمام الأجانب، مثل: 1/ مصافحة الرجال، وقد أشير لها في القسم المتقدم. 2/ الأفعال المنافية للأخلاق، وهذا أمرٌ وجداني تدركه كلّ امرأة بحيائها الفطري. ■رابعًا: زينة قولية (أ) محللة، وتشمل كلّ قول يجوز التلفظ به أمام المحارم، وهو انعكاس لتحلي المرأة بالأخلاق -الزينة الفعلية-، وقد أشار إليها القرآن الكريم بقول الله تعالى: {وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفا} (25)، فالمعروف هو زينة للمرأة تكتسي بها؛ إذ إنّها لم تكن متصفة بها يومًا ما. ومن مصاديق هذه للزينة: 1/ الكلام النافع والحكيم. 2/ كلام النصح. 3/ كلام الاستشارة. (ب) محرّمة، وتشمل كلّ قول يحرم التلفظ به أمام المحارم، وقد أشار إليها القرآن الكريم بقوله تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَض} (26)، والخضوع بالقول هو ترقيق الصوت ومدّه، وتمييعه، والقصد من ورائه واضح. ومن مصاديق هذه الزينة: 1/ التميّع في القول. 2/ الكلام الفاحش. فهذا القول وإن عدّ محرّمًا إلاّ أنّه يعدّ زينةً من جهةٍ اخرى، وهي جهة منحصرة بتعامل المرأة مع زوجها، فالحكم الشرعي جاء هكذا مستنبطًا من رواياتٍ شريفة: "يحرم الفحش من القول، وهو ما يُستقبح التصريح به إمّا مع كلّ أحد أو مع غير الزوجة، فيحرم الأوّل مطلقًا ويجوز الثاني مع الزوجة دون غيرها" (27). ●وقبل الختام، هناك التفاتة، أختاه تأمليها: جميعنا يعلم أنّ الله تعالى عادلٌ يثيب المطيع ويعاقب العاصي. فحينما أمر الله الرجال بغض نظرهم عن النظر الى المرأة المتزينة بل الى المرأة بصورة عامة مع اقتران نظرته بالريبة؛ بقوله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} (28)، فإن عصى الرجل ربه ونظر فحتما هو يستحق من الله العقاب. وتخيلي اختاه لو سلطت ملائكة العذاب عذاب الله تعالى على ذلك الرجل، ووضعت الأغلال في رقبته ويديه واقدامه، وذهبت به إلى نارٍ تلظى؛ كما قال تعالى: { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرا} (29)، ألا تتوقعين أن يخبر هذا الرجل ربه أنّكِ أنت التي فتنتيه، فيقول: ربي هذه فتنتني بزينتها، فتأتيكِ ملائكة العذاب، تلك الملائكة الغلاظ الشداد ويقيدونكِ بالسلاسل، ويلقون بكِ في نارٍ لا يصلاها إلّا الاشقى، وتستعران معًا، من فتَنتْ، ومن افتتن، يقول تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيق} (30)، ما أهول هذه الآية! فالعذاب عذابان فيها، عذاب جهنم، وعذاب الحريق، لمن فتَن غيره ولم يتب، والحكم يشمل المرأة، لأنّها اكثر فتنةً؛ بلحاظ تعدد زينتها إن أُبديت. ترى، ماذا سيكون موقفكِ اختاه؟ أفلا يجب علينا أن نكون كالدرر المكنونة التي لا يطلع عليها إلاّ أصحابها؟ أم نكون كالسلعة التي يقلبها نظرًا القاصي والداني، والوضيع والشريف؟ اختاه، ليست منّا من لم تعش أيامًا غُمست في وحل الغفلة، فأبدت بض زينتها عن عمدٍ أو دون عمد، لكن خير الخطّائين التوابين، وبحر التوبة لازال جاريًا، فبحركة المد والجزر له يجرف معه جميع تلك الخطايا أو لحظات الغفلة، فقط لأنّ هناك ربًّا رحيمًاغفورًا، يريد منّا أن نعيش حياة طيبة مصونة، ذلك الربّ الذي كرّم المرأة وقدّسها لا يرتضي لها أن تكون محل فتنة، أو شبه سلعة، فطلب منّا أن نجعل ضريبةً على كل من أراد النظر إلينا متزينات. ثم إنّه تعالى أراد منّا أن نتزيّن بأجمل زينة، تلك الزينة المعنوية التي لو اكتسينا بها لتجملنا بباقي أنواع الزينة، وهي زينة المعرفة بالله تعالى، هي الكمال الذي يتنافس عليه المؤمنون، فحريٌ بنا كنساء أن نتنافس على الاكتساء بهذه الزينة اقتداءً بزين النساء، فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ثم بأولادها (عليهم السلام)؛ روي عنْ الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام) أنه قَالَ : "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي فَضْلِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ (عَزَّ وَ جَلَّ) مَا مَدُّوا أَعْيُنَهُمْ إِلَى مَا مَتَّعَ اللَّهُ بِهِ الْأَعْدَاءَ مِنْ زَهْرَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ نَعِيمِهَا، وَ كَانَتْ دُنْيَاهُمْ أَقَلَّ عِنْدَهُمْ مِمَّا يَطَئُونَهُ بِأَرْجُلِهِمْ، وَ لَنُعِّمُوا بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ (جَلَّ وَ عَزَّ)، وَ تَلَذَّذُوا بِهَا تَلَذُّذَ مَنْ لَمْ يَزَلْ فِي رَوْضَاتِ الْجِنَانِ مَعَ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ. إِنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ آنِسٌ مِنْ كُلِّ وَحْشَةٍ، وَصَاحِبٌ مِنْ كُلِّ وَحْدَةٍ، وَ نُورٌ مِنْ كُلِّ ظُلْمَةٍ، وَ قُوَّةٌ مِنْ كُلِّ ضَعْفٍ، وَ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ سُقْم" (31). وأخيرًا اختاه، قد عرفتِ وبالدليل الزينة المحللة من المحرّمة، والحجّة أُلقيت علينا جميعًا، جعلنا الله تعالى ممن تسمع القول وتتبع أحسنه وأقربه رضًا له تعالى. _________________ (1) الأعراف:32. (2) وسائل الشيعة: للحر العاملي، ج5، ح5. (3) الزخرف: 18. (4) مكارم الأخلاق: للشيخ الطبرسي، ص41. (5) المصدر نفسه، ص42. (6) ظ: المصدر نفسه، 43. (7) الكافي: للشيخ الكليني، ج5، ب أصناف النساء، ح6. (8)مصدر سابق، ص103. (9) وسائل الشيعة: للشيخ الحر العاملي، ج20، ح3. (10) مصدر سابق، ص‏103. (11) المصدر السابق. (12) المصدر السابق، ص78. (13) المصدر السابق، ص87. (14) النور: 31. (15) وسائل الشيعة: ج 20، ب109، ح2. (16) المصدر نفسه، ح3. (17) النور: 31. (18) مصدر سابق، ص43. (19) الوسائل: ج20، ب14، ح4. (20) الكافي: ج5، باب فضل نساء قريش، ح2. (21) نهج البلاغة: ح231. (23) المصدر نفسه، ب105، ح1. (24) آل عمران: 195. (25) الأحزاب: 32. (26) الأحزاب: 32. (27) منهاج الصالحين: للسيد السيستاني، ج2، كتاب التجارة، م34. (28) النور: 31. (29) الإنسان: 4. (30) البروج: 10. (31) شرح اصول الكافي: للمولى المازندراني، ج12، ح347. اللّهم ألبسنا زينة الصالحات، وأكسنا من حلل المتقيات، بحق محمدٍ وآله عليهم أزكى التحيات.

المرأة بين الإسلام والغرب
منذ 4 سنوات
4575

من أحب شيئاً لهج بذكره

بقلم: محمد حسن آل حيدر عن الإمام عليّ (عليه السّلام) : "مَن أحَبَّ شَيئاً لَهِجَ بِذِكرِهِ"(1) يقع الكلام في هذا الحديث الشريف في محورين رئيسين : أولهما: الحب: تلك العلاقة التي جعلها الله تعالى في جميع مخلوقاته وجعلها وسيلة الارتباط بينها جميعًا. ولو تتبعت المعاجم اللغوية(2) لرأيت أن مؤلفيها – وهم أرباب البيان وأساطين اللغة – يعجزون عن تبيان معنى هذا المفهوم الفطري البديهي المحض (الحب) فيلجؤون إلى تشبيهه بالأقل ظهورًا أو بالمساوي (كقولهم: المحبة، أو ضد البغض، أو الود، أو العشق.. الخ) . وقد جعله الله تعالى مقياسًا للصلاح والفساد، فعن الإمام الباقر (عليه السّلام): "إذا أرَدتَ أن تَعلَمَ أنَّ فيكَ خَيراً فَانظُر إلى قَلبِكَ؛ فَإِن كانَ يُحِبُّ أهلَ طاعَةِ اللهِ ويُبغِضُ أهلَ مَعصِيَتِهِ فَفيكَ خَيرٌ وَاللهُ يُحِبُّكَ، وإن كانَ يُبغِضُ أهلَ طاعَةِ اللهِ ويُحِبُّ أهلَ مَعصِيَتِهِ فَلَيسَ فيكَ خَيرٌ وَاللهُ يُبغِضُكَ، وَالمَرءُ مَعَ مَن أحَبَّ"(3) بل أنه أعظم مظاهر الصلاح والفساد – "وهَلِ الدّينُ إلَّا الحُبُّ"(4) – ، ومن الجهة الأخرى روي عن الإمام الرضا (عليه السّلام): "الحُبُّ داعِي المَكارِهِ"(5) . ومن الطبيعي في جميع العلاقات أن تكون شرفيتها بمدى شرفية أصحابها، فما الحال بمن كانت علاقته بالله تعالى وكان حبه لله تعالى فكم لهذا الحب من أشرفية على كل شيء، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): "القلب حرم الله فلا تسكن حرم الله غير الله"(6) وأوضح مصداق وأجلى نموذج لحب الله هو حب أهل البيت له، فهذا الإمام الحسين (عليه السلام) يظهر أعلى مراتب الحب والإخلاص فيه في دعائه "أنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحباءك حتى لم يحبوا سواك.. ماذا وجد من فقدك؟ وما الذي فقد من وجدك؟ لقد خاب من رضي دونك بدلا" (7). وكذلك فإن استحصال محبة الله تعالى هو الهدف الأسمى للعبد، وقد دلّنا تعالى عليه بنصوص كثيرة ("إن الله يحب المتطهرين"، "إن الله يحب الصابرين" إن الله يحب التوابين" ..الخ) ولكنه جمع كل تلك الطرق بقوله على لسان نبيه (صلى الله عليه وآله) "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله"(8) فاتّباع (حبيب الله) يجعلك حبيبا لله. ثانيهما: الذكر: فالمحب يُعرف بكثرة ذكره حبيبَه، وأشرف المحبين من أكثر ذكر أشرف المحبوبين (الله تعالى) ، فكلما كان لسانه بذكر محبوبه لهجًا كان باستحصال حبه ورضاه جديرا. وقد كنت أود أن أذكر شواهد ونصوص متعددة في ذلك إلّا أني وجدت رواية في الكافي الشريف تكفيني مؤونة التفصيل وتفي بكل ما يتطلب المقام، وهي ما روي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قوله: "ما من شيء إلا وله حد ينتهي إليه إلا (الذكر) فليس له حد ينتهي إليه، فرض الله (عز وجل) الفرائض فمن أداهن فهو حدهن؛ وشهر رمضان فمن صامه فهو حده والحج فمن حج فهو حده إلا (الذكر) فإن الله (عز وجل) لم يرض منه بالقليل ولم يجعل له حدا ينتهي إليه ثم تلا هذه الآية "يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا"(9) فقال: لم يجعل الله عز وجل له حدا ينتهي إليه. قال: وكان أبي (عليه السلام) كثير الذكر، لقد كنت أمشي معه وإنه ليذكر الله وآكل معه الطعام وإنه ليذكر الله ولقد كان يحدث القوم [و] ما يشغله ذلك عن ذكر الله وكنت أرى لسانه لازقا بحنكه يقول: "لا إله إلا الله"، وكان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتى تطلع الشمس ويأمر بالقراء‌ة من كان يقرأ منا، ومن كان لا يقرأ منا أمره بالذكر. والبيت الذي يقرأ فيه القرآن ويذكر الله عز وجل فيه تكثر بركته وتحضره الملائكة وتهجره الشياطين ويضئ لأهل السماء كما يضيء الكوكب الدري لأهل الأرض، والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن ولا يذكر الله فيه تقل بركته وتهجره الملائكة وتحضره الشياطين وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "ألا اخبركم بخير أعمالكم لكم أرفعها في درجاتكم وأزكاها عند مليككم وخير لكم من الدينار والدرهم وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتقتلوهم ويقتلوكم؟" فقالوا: بلى، فقال: "ذكر الله عز وجل كثيرا" ثم قال: جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: من خير أهل المسجد؟ فقال: "أكثرهم لله ذكرا". وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "من اعطي لسانًا ذاكرًا فقد أعطي خير الدنيا والآخرة". وقال في قوله تعالى " ولا تمنن تستكثر"(10) قال: "لا تستكثر ما عملت من خير لله" "(11) . وحب حبيب المحبوب كمال الحب، فحب أهل البيت (عليهم السلام) كمال حب الله تعالى، وفي ذلك نصوص وشواهد كثيرة اذكر منها ما روي عن أبي جَعفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ (عليهما السّلام): "أنَّ قَوماً أتَوهُ مِن خُراسانَ، فَنَظَرَ إلى رَجُلٍ مِنهُم قَد تَشَقَّقَتا رِجلاهُ، فَقالَ لَهُ: ما هذا؟ فَقالَ: بُعدُ المَسافَةِ يَابنَ رَسولِ اللهِ، ووَاللهِ ما جاءَ بي مِن حَيثُ جِئتُ إلّا مَحَبَّتُكُم أهلَ البَيتِ. قالَ لَهُ أبو جَعفَرٍ (عليه السّلام): أبشِر، فَأَنتَ وَاللهِ مَعَنا تُحشَرُ. قالَ: مَعَكُم يَابنَ رَسولِ اللهِ؟ قالَ: نَعَم، ما أحَبَّنا عَبدٌ إلّا حَشَرَهُ اللهُ مَعَنا، وهَلِ الدّينُ إلَّا الحُبُّ، قالَ اللهُ (عَزَّ وجَلَّ): قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ"(12) . جعلنا الله وأياكم من أحبائه وأحباء أحبائه وجمع بيننا وبينهم في مقر النعيم إنه سميع مجيب. ___________________ 1- غرر الحكم : 7851 ، 3875 2- تتبعت اكثر من ثلاثين مصدرا لغويا فلم اجد سوى هذه المعاني او مقارباتها 3- الكافي : 2 / 126 / 11 ، مصادقة الإخوان : 156 / 3 ، علل الشرايع : 117 / 16 ، تنبيه الخواطر : 2 / 191 ، المحاسن : 1 / 410 / 935 وفيه «ففيك شرّ» بدل «فليس فيك خير» ، وكلّها عن جابر الجعفي ، مشكاة الأنوار : 121 ، بحار الأنوار : 69 / 247 / 22. 4- الامام الباقر (عليه السلام) - دعائم الإسلام : 1 / 71. 5- العدد القويّة : 299 / 35 ، أعلام الدين : 308 ، بحار الأنوار : 78 / 355 / 9. 6- ميزان الحكمة : 3089 7- البحار : 982263. 8- آل عمران : 31. 9- الأحزاب : 41-42 10- المدثر : 6 11- الكافي : باب ذكر الله عز وجل كثيرا – ح1 12- دعائم الإسلام : 1 / 71.

اخرى
منذ 5 سنوات
6763

المظلوميات الإعلامية للإمام الحسن (عليه السلام) 《١》

لا يخفى تأثير الإعلام في مجريات أحداث كل مرحلة تاريخية ودوره الكبير في تثبيت وقائع الأمم وأحداثها وبيان حقائق الأمور عن طريق مفاصل الإعلام وقنواته الموجهة ، فالحياة تمثل جبهة الصراع بين الحق والباطل ولكل جبهة إعلام خاص بها يؤيد ايدولوجياتها وخطواتها وأحيانا يباركها وأحيانا أخرى يقدسها ويصبغها بصبغة شرعية، ومن جهة أخرى يهاجم الأعداء ويطعن بالخصوم ويلصق بهم كثيرا من التهم والافتراءات كنوع من الحرب الباردة بخلط الأوراق على الناس لتزييف الحقائق وإشاعة الأمور والمفاهيم المغلوطة والعمل على انتشارها على نطاق واسع لإضعاف جبهة العدو ، ومنذ القدم فطن البشر إلى أهمية هذا السلاح في تحقيق الأهداف والمصالح المرجوة منه إذا ما استُثمر بشكل صحيح وبالإمكانيات المتاحة وبحسب متطلبات كل عصر . وحينما نتحدث عن عصر الإمام الحسن (عليه السلام) فإن القنوات الإعلامية المضادة لفكر الإمام الحسن (عليه السلام) استخدمت بعض الأساليب المعتمدة في ذلك العصر من إطلاق الشائعات والأراجيف والعمل على نشرها بين أوساط العامة التي كان يغلب عليها طابع الجهل والبساطة ، وكذلك أسلوب وضع الأحاديث لإسباغ الصفة الشرعية عليها ، وانتشرت الأقلام المأجورة في عصر الإمام الحسن (سلام الله عليه) الذي كان الصراع والتناحر فيه على أشده في ظرف سياسي صعب على أمة الإسلام فهي لم تكد تستقر بعد مواجهة الناكثين والقاسطين والمارقين ولما تندمل جراح الأمة بعد، بالإضافة إلى محاولة الحزب الأموي ترسيخ دعائم دولته على خلفية حراك داخلي شرس لأبناء الطلقاء وأتباعهم من خلال حياكة المؤامرات والدسائس التي حاولوا فيها الانتقاص من شخصية الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) فهو القمة السامقة في النسب والأخلاق والورع والتقى وهو روح لا تعرف أن تطأطئ للباطل رأسا وهو سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو سيد شباب أهل الجنة وهو السيد الشريف الذين رام أبناء الطلقاء الانتقاص من عليائه بشتى الوسائل والأساليب الملتوية فشقت عليهم المواجهة لجبنهم وجبلهم على الغدر فاتّبعوا الحيل والمكائد بإطلاق سلاح الشائعات لتأليب الرأي العام ضد الإمام الحسن (عليه السلام) في ظرف تاريخي حرج لتعدد التوجهات والتيارات الدينية والفكرية والعقائدية والسياسية وانعكاساتها على الأمة الإسلامية ككل، فعمدوا إلى تشويه سمعة الإمام لإبعاد قواعده الشعبية الملتفّة حوله في محاولة بائسة منهم لإضعاف خط الإمام وهو خط الإسلام المحمدي الأصيل الذي حرفه بنو أمية وفق أهوائهم ومصالحهم، فاتهموا الإمام الحسن (سلام الله عليه) بالعديد من التهم والافتراءات ووضعوا فيها الأحاديث المكذوبة وغالطوا الحقائق وخلطوا الأوراق على عوام الأمة ليشككوا بالإمام، وسنتطرق تباعا إلى هذه المظلوميات الإعلامية التي تعرض لها إمامنا الحسن بأبي هو وأمي. ومن هذه المظلوميات: اتهام الإمام الحسن بأنه رجل ترف وبذخ، وأنه رجل مزواج مطلاق، ووضعوا في ذلك العديد من الأحاديث المكذوبة ونسجوا فيها القصص والحكايات وأكثروا فيها الحديث عن ولع الإمام بالزواج وعدد زوجاته، وبالغوا فيها إلى حد كبير وغير معقول ، وأول من أطلق هذه التهم هم بنو أمية وأتباعهم من علماء البلاط ووضّاع الحديث، وأكمل عليها العباسيون لمحاربتهم السادة الحسنيين، وبقيت مستمرة حتى يومنا هذا من قبل الفرق المناهضة لفكر أهل البيت وكذلك بعض المستشرقين الحاقدين الذين لا همَّ لهم سوى تشويه صورة الإسلام. واعتمد معظم الرواة والمؤرخين هذه الأحاديث والمرويات الموضوعة وذكروها في كتبهم دونما تحقيق في السند او المتن، إما تساهلا في نقل النصوص الروائية وإما بغضاً ﻷئمة أهل البيت (سلام الله عليهم أجمعين) ، ومن هذه الروايات ما نسبوه الى الإمام علي (عليه السلام) قوله:(يا أهل الكوفة لا تزوجوا الحسن فإنه رجل مطلاق ، فقال رجل من همدان :والله لنزوجنّه فما رضي أمسك وما كره طلق)(1). وقالوا عنه (عليه السلام) أيضا :(كان حسن رجلاً كثير نكاح النساء وكن قلما يحظين عنده وكان قل امرأة تزوجها إلا أحبته وصبت إليه)(2) كما نسبوا إلى جعفر بن محمد _يعنون الإمام الصادق (عليه السلام)_ عن أبيه _يعنون عليا(عليه السلام)_ قال:(كان الحسن يتزوج ويطلق حتى خشيت أن يورثنا عداوة في القبائل)(3) وزعموا أيضا (وقد كان علي عليه السلام يضجر من ذلك حياء من أهليهن إذا طلقهن)(4) وذكروا أيضا (وكان الحسن ربما عقد على أربعة وربما طلق أربعا)(5) وقالوا بأن الإمام كان يسرف في مهور هؤلاء النسوة فذكروا هذه الرواية (تزوج الحسن بن علي امرأة فبعث إليها بمائة جارية مع كل جارية ألف درهم)(6) وغيرها الكثير من الروايات التي لا تصدق والتي لا يسع المجال لذكرها إلا أنهم لم يكتفوا بهذا القدر من الافتراءات بل زادوا عليها كثيراً واختلفوا حول عدد زوجات الإمام الحسن فانقسموا حسب اطلاعنا إلى ثلاثة آراء : الرأي الأول : إن عدد زوجات الإمام الحسن سبعين امرأة وتبنّى هذا الرأي المدائني والذهبي وابن كثير، ومن هذه الروايات القائلة بهذا الرأي ما (قال المدائني أحصيت زوجات الحسن بن علي فكن سبعين امرأة)(7) ، وأيضاً (يقال أنه أحصن سبعين امرأة)(8) وكذلك (تزوج سبعين امرأة ويطلقهن)(9). الرأي الثاني : فيذهب إلى أنه (عليه السلام) تزوج تسعين امرأة وتبنى هذا الرأي كل من الشبلنجي والسيوطي فذكروا (وأحصن تسعين امرأة)(10). الرأي الثالث : وهو أقرب الى الخيال منه إلى الواقع وانفرد به أبو طالب المكي حيث ذكر (تزوج الحسن بن علي رضي الله عنهما مائتين وخمسين امرأة وقيل ثلاثمائة)(11). وبالطبع فإن جميع هذه الآراء مرفوضة جملة وتفصيلاً، وسنعمد إلى تحليل هذه الروايات لبيان ضعفها وعدم قبولها وإن كان بعض علماء العامة المنصفين قد تكفّل بردّها بشكل مفصل ودقيق قبل علمائنا من أتباع أهل البيت (عليهم السلام)(12). ففي الرواية التي نسبوها للإمام علي (عليه السلام) أنه يحذر أهل الكوفة وينصحهم بأن لا يزوجوا ابنه الحسن وقد نسبوا سندها للإمام الصادق (سلام الله عليه) فهل يعقل أن الإمام الصادق يروي عن أجداده أحاديث كهذه ؟! وهل من المعقول أن يقوم الوالد وهو خليفة المسلمين بتحذير الناس من تزويج ولده على المنبر وأمام الملأ؟! ولِـمَ لَمْ يحذره دون التشهير به أمام عامة الناس فهل يعقل أنه حذّره وامتنع سيد شباب أهل الجنة عن الامتثال لأمر أبيه مما دفع الإمام أمير المؤمنين بتحذير أهل الكوفة من تزويجه؟! وإن كان التعدّد حلالاً فالإمام علي لا يحرم حلالاً وإن كان حراماً فهل يفعله سيد شباب أهل الجنة ؟! كما أن الروايات المتعرّضة لكثرة زوجات الإمام على اختلافها فسندُها إما ضعيف وإما مجهول الحال، والروايات المتعرضة لعدد زوجات الإمام فرواها المؤرخون عن المدائني والشبلنجي وابي طالب المكي ، أما المدائني صاحب المصنفات الكثيرة التي كان يحصي فيها العديد من الموضوعات المتفرقة كمن هجاها زوجها أو من تشبه بالرجال من النساء، وهكذا ذكر ما لا يزيد عن اثتي عشرة زوجة للإمام الحسن فلماذا لم يحصِ عدد زوجات الامام السبعين حسب زعمه ؟! ولكن الأمر واضح جلي فالمدائني معروف عنه بأنه أموي النزعة وأنه تفرّد بنقل هذه الروايات مرسلة فتعتبر مرفوضة لجهالة الراوي(13) وكلمة (يقال أو قال قوم) ليست بحجة في نقل المرويات وهي لوحدها كافية برد هذه الروايات من ناحية السند فضلا عن المتن ، كما إن علماء العامة وإن احترموا النتاج العلمي للمدائني وكثرة مصنفاته إلا أنهم ضعّفوه في الرواية ولم يعولوا على حديثه، فقد قال عنه الذهبي (امتنع مسلم من الرواية عنه في صحيحه)(14) وضعفه أيضاً ابن عدي بقوله (ليس بالقوي الحديث وهو صاحب الأخبار قل ما له من الروايات المسندة)(15) وأما رواية الشبلنجي فأيضاً ذكرها مرسلة دونما إسناد، فهي محكومة بالضعف أيضاً ، وأما روايات أبي طالب المكي فلا يعوّل عليها مطلقاً، لأنها مرسلة بدون إسناد فحكمها الضعف كما كتابه كله، فقالوا فيه (وقد صنّف كتاباً أسماه قوت القلوب وذكر فيه أحاديث لا أصل لها)(16) وقال عنه الخطيب البغدادي (صنف كتابا سماه قوت القلوب على لسان الصوفية ذكر فيه أشياء منكرة مستشنعة)(17) كما اشتهر عنه قوله (ليس على المخلوقين أضر من الخالق) فبدعه الناس وهجروه(18). أما فيما يخص عدد زوجات الإمام الحسن (عليه السلام) فجُلُّ ما ذكره التاريخ لا يتجاوز خمس عشرة امرأة فأين أسماء العشرات من زوجاته كما يزعمون ولماذا هن مجهولات الحال؟! وهذه إحصائية حسب اطلاعي لأسماء زوجات الإمام الحسن اللواتي ذكرتهن المصادر التاريخية على اختلاف مشاربها 1- خولة الفزارية 2- عائشة الخثعمية 3- جعدة بنت الأشعث 4- أم إسحاق بنت طلحة بنت عبد الله التميمي (وقيل التيمي) 5- أم بشير بنت أبي مسعود الانصاري 6-حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر (وقيل اسمها هند) 7- أم عبد الله وهي بنت الشليل بن عبد الله أخو جرير البجلي 8-هند بنت سهيل بن عمرو 9-عائشة الشيبانية من آل همام بن مرة 10-أم كلثوم بنت الفضل بن العباس بن عبد المطلب 11-امرأة من بني عمرو بن أهيم (أهتم) المنقري 12-امرأة من بنات علقمة بن زرارة 13-امرأة من ثقيف 14-أم القاسم وهي أم ولد وقيل اسمها نفيلة أو رملة وكما نرى لا يتجاوزن الخمس عشرة امرأة فأين قولهم بأنه مزواج؟ وإن كان قد تزوج هذا العدد الهائل من النسوة ألم يشهد أحد على زواجه وطلاقه منهن ؟! فلماذا لم يذكر الشهود ذلك أو ذكروهم في سند الروايات التي رأينا أن أغلبها مرسلة وضعيفة وإن كان لها سند فإسنادها ضعيف بتضعيف رواتها بلحاظ ما سبق . بالإضافة إلى الروايات الضعيفة مَتْناً، والتي لا تصمد أمام النقد لمجرد سماعها فكيف إذا علمنا بأنها مرسلة ضعيفة ومن هذه الروايات (وروي ان الحسن بن علي رضي الله عنه لما وافاه الأجل المحتوم خرجت جمهرة من النسوة حافيات حاسرات خلف جنازته وهن يقلن نحن أزواج الحسن)(19). ثم إن هذا العدد الكبير من زيجات الإمام يستلزم أن يكون له عدد كبير من الذرية بينما نجد في كتب التاريخ والسير أن أكثر عدد بولغ فيه لأولاد الإمام لا يتجاوز العشرين ولداً بين ذكر وأنثى . كما ان أصحاب النوادر كابن حبيب والمحبر الذين كانوا يحصون عدد العميان والخرسان في كتبهم والتي تعتبر كمثل موسوعة للأرقام القياسية لم يذكروا ذلك عن الإمام . ثم إن الإمام الحسن بأبي هو وأمي استشهد بعمر 47 عاما فكيف تحقق له الزواج من هذا العدد المهول من النساء خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الظرف السياسي الذي عاشه الإمام والحروب التي خاضها ومهامه الدينية كإمام مفترض الطاعة. كما أن جُلَّ ما ذكرته الروايات الصحيحة من أسباب موضوعية لطلاق الإمام لزوجاته كانت لثلاث نساء فقط وهن: 1- أم كلثوم بنت الفضل بنت العباس بن عبد المطلب، حيث خان عمها الصلح وكانت تميل إلى عمها فطلقها. 2-عائشة الشيبانية، حيث ظهرت عليها إمارات الخوارج الذين يكفرون الإمام علي (عليه السلام) فطلقها. 3- عائشة الخثعمية وقد تزوجها في حياة أمير المؤمنين ولما قتل (عليه السلام) أظهرت الشماتة بقتل أبيه فطلقها(20) فأين زعمهم بأنه (سلام الله عليه) كان مطلاقا ؟! وعلى صعيد آخر فقد اتخذ أعداء الإسلام من المستشرقين هذه الروايات الضعيفة والموضوعة سببا للطعن في الإسلام وسماحة أحكامه ومن هؤلاء الحاقدين المستشرق الانكليزي هنري لامنس الذي زاد على هذه الروايات السابقة الكثير من البهتان ولفّق الأكاذيب فأحصى للإمام بزعمه مائة زوجة وأن كثرة طلاقه للنساء تسببّت لأبيه في خصومات عنيفة مع القبائل وانه كان يبعثر مال الدولة في خلافة أبيه على زيجاته وخدمهن وحشمهن وهذا مما لم يرد في كتب المسلمين أصلا على اختلاف مذاهبهم، وواضح جدا انها كذب مفترى. وبلحاظ ما تقدم نرى مدى الهجوم الشرس الذي شنه أعداء الإمام وخصومه منذ مئات السنين من الحزب الأموي والعباسي وحتى وقتنا الحاضر بما تفتعله أقلام المستشرقين الحاقدة لنعي جيدا مظلومية الإمام الحسن الذي واجه أكثر من ظلامة وعلى أكثر من صعيد في آن واحد، ورغم هذه المحاولات اليائسة يبقى الإمام الحسن وهجا ساطعا وعلما من أعلام الإسلام ودعائم استمراره بما واجه من تحديات كبرى في عصره بحنكته وعبقريته وحلمه في التصدي لمكائد الأعداء راسماً لنا منهجا متكاملا في الصبر والحلم والتعامل بحكمة في أقسى الظروف الموضوعية بما يتناسب مع الإمكانيات المتاحة لدينا في كل عصر لأداء واجبنا الرسالي. الهوامش 1-تاريخ الخلفاء للسيوطي ج1 ص77 تاريخ الاسلام للذهبي ص498 البدء والتاريخ لابن المظهر ج1 ص281 البداية والنهاية لابن كثير ج8 ص38 نور الابصار في مناقب ال بيت النبي المختار للشبلنجي ص 247 قوت القلوب لابي طالب المكي ج2 ص219 2-تاريخ الخلفاء للسيوطي ج1 ص77 3-المصدر السابق 4-قوت القلوب لابي طالب المكي ج2 ص219 5-المصدر السابق ج2 ص220 6-تاريخ الاسلام للذهبي ص498 البداية والنهاية لابن كثير ج8 ص38 7-شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج16 ص22 8- البداية والنهاية لابن كثير ج8 ص38 9- تاريخ الاسلام للذهبي ص498 10- تاريخ الخلفاء للسيوطي ج1 ص77 نور الابصار في مناقب ال بيت النبي المختار للشبلنجي ص 247 ترجمة الحسن لابن عساكر ص152 11- قوت القلوب لابي طالب المكي ج2 ص219 12-راجع الحسن بن علي بن ابي طالب رضي الله عنه لعلي محمد الصلابي ص27_34 13-انظر مبادئ الوصوى للعلامة الحلي ص206_207 (ولا تقبل رواية المجهول حاله) وجاء عن الرازي في كتابه المحصول ص405 (الرابع اجماع الصحابة رضي الله عنهم على رد رواية المجهول) وهناك الكثير من اراء علماء المسلمين شيعة وسنة في رد رواية المجهول لا يتسع المجال لذكرها في هذا الهامش 14-ميزان الاعتدال للذهبي ج3 ص 138 15-الكامل لعبد الله بن عدي ج5 ص 213 16-البداية والنهاية لابن كثير ج11 ص319 17-تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج3 ص89 18-وفيات الاعيان لابن خلكان ج4 ص303 تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج3 ص89 لسان الميزان لابن حجر العسقلاني ج5 ص300 19-الحسن بن علي بن ابي طالب رضي الله عنه لعلي محمد الصلابي ص33 20-حياة الامام الحسن دراسة وتحليل لباقر شريف القرشي ج2 ص464_465 21-دائرة المعارف ج7 ص400 عبير المنظور

اخرى
منذ 5 سنوات
8667

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
70364

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
51469

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41484

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
36058

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
32873

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32260