تشغيل الوضع الليلي

المرأة والحياة

منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 534

بقلم: زينب جعفر الموسوي
المرأة هبة من الله تعالى لهذا الحياة، وهي المحور الذي تدور مداره، والثقل الأكبر، وهي مصدر للعطف والحنان والدفئ الرافد بالعطاء، الذي يمد المجتمع بأسره بالحب والرأفة والطمأنينة، ولذا على المرأة اتباع أساليب صحيحة وبنّاءة لبناء أسرة متكاملة من كل النواحي، لتتمكن من العيش بسعادة وهناء والحفاظ على الأسرة من الضياع والانهيار…
ومن هذهِ الأساليب عدم الضغط على الزوج وتحميله ما لا طاقة له فالمرأة العاقلة هي التي تسعى دائمًا الى إسعاد زوجها وطاعته في كل الأمور، وعليها أن تواجه عقبات الحياة المختلفة وأن لا تقصر في واجباتها وأن تطمح دائمًا إلى إشاعة جو السعادة والفرحة في بيتها.
بعضهم يرى أنّ من أهم مميزات الزواج الناجح أن تكون الزوجة حاصلة على الشهادة الجامعية وهذا الشرط ليس من مسببات النجاح والسعادة الزوجية، فالمرأة التي لا تلتزم بدينها وتعاليمه لا يمكن أن تعوض شهادتها هذا النقص.
فالمطلوب هو العقل والحكمة وعلى المرأة الحاصلة على شهادات جامعية وتخصصات دراسية عالية وصاحبة العمل الدؤوب المستمر ان تعي أن مسؤوليتها مضاعفة من الجانب العملي والأسري...
وأن لا تنسى رسالتها الحقيقية في إعداد جيل واع مؤمن بقيم الإسلام والأخلاق الحميدة، وعدم الوقوع في شراك الحياة العصرية وإغراءاتها، وإن كان لابد للمرأة من العمل فيجب أن تختار العمل المناسب لها وأن تمسك زمان الأمور وتوفّق بين عملها وأسرتها.
وأخيرا سيدتي الفاضلة عليك الاهتمام بالمظهر فإذا اعتقدت الزوجة بأنّ هناك عمرًا محددًا يسمح لها بأن تهتم بجمالها فهي خاطئة وفي نفس الوقت إن افرطت في الاعتناء بمظهرها على حساب واجباتها فهي قد أخلت بحقوق أسرتها،
فعليها الموازنة بين ما لها وما عليها…

اخترنا لكم

فضلُ ليلةِ القدر

بقلم: نجاة رزاق الكناني بسم الله الرحمن الرحيم "حم، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ"[سورة الدخان] كتابُ اللهِ حبلٌ ممدود بين الأرض والسماء، أنزله الباري (تعالى) على خاتم الأنبياء في ليلةٍ مباركة هي خيرٌ من ألفِ شهرٍ ليس فيها ليلة القدر. قال (تعالى): "إنّا أنزلناه في ليلة القدر* وما أدراك ما ليلة القدر"[سورة القدر] ليلةٌ لا يعرف حقيقتها الخلائق، ليلةٌ عظيمةٌ، فما أدراك ماهي؟ ليلةٌ يُفرقُ فيها كلّ أمرٍ حكيم، قد جعلها الله (تعالى) تعدلُ عمرًا كاملًا (٨٣ سنة وأربعة أشهر)، وهو ما يعادل ألف شهرٍ. سُميَّت بالقدر؛ لعظيم قدرها، وعظيم ما ينزل فيها، وعظيم قدر من يُحييها. روي عن أميرِ المؤمنين (عليه السلام) أنَّه قال: قال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): يا علي، أتدري ما معنى ليلة القدر؟ فقلت: لا يا رسول الله، فقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): إنَّ الله (تبارك وتعالى) قدَّر فيها ما هو كائن إلى يومِ القيامة، فكان فيما قدّر ولايتكَ وولاية الأئمةِ من ولدِك إلى يومِ القيامة"(1). كما ورد عنه (عليه السلام) أنّه قال لابن عباس: "إنَّ ليلة القدر في كلِّ سنةٍ، وإنَّه ينزلُ في تلك الليلة أمر السنة، ولذلك الأمر ولاة بعد رسول الله، فقال ابن عباس: من هم؟ قال (عليه السلام): أنا وأحد عشر من صُلبي، أئمةٌ مُحدّثون"(2) أما عن العلة التي من أجلها تكون ليلة القدر في كلِّ سنةٍ، فقد روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: "لو رُفعت ليلةُ القدر لرُفع القرآن"(3)؛ رُبّما لذلك نجدُ من الأعمال المستحبة مؤكدًا هو دعاء رفع المصاحف، وقراءة سورة الدخان؛ لأنه ذُكِر فيها هذه الليلة، وسورة العنكبوت؛ ليعرف الإنسان أنَّ مثل هذه الدنيا كبيتِ العنكبوت ما أوهنه، إلا أن الحشرات الضعيفة تقع فيه ويكون مصيدةً لهم وسورة الروم التي تتحدث عن حقيقةِ الوعدِ الإلهي للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله). فعلى الإنسان أنْ تكون له وقفةٌ مع القرآن في هذه الليلة يعاهده ويعتذر إليه من التقصير طوال السنة الماضية، فكم من شخصٍ يضع كتاب الله في بيته لأجل البركة! وكم من شخصٍ لا يختمه من شهر رمضان إلى شهر رمضان المُقبل! نعم، ليلةُ القدر هي ليلة القرآن، ليلةُ الرحمة، ليلةُ تنزل الملائكة والروح فيها بإذنِ ربِّهم من كلِّ أمر. وقد اختلفت الأقوال في الروح، من هو؟ هل هو جبرائيل؟ أو هو خلقٌ نوراني عظيم الشأن؟ أو إنَّه روحُ القدس؟. ورد في صحيحةِ عبد الله بن سنان، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "إذا كانت ليلة تسع عشر من شهر رمضان قسّم فيها الأرزاق، وكتب فيها الآجال، وخرج فيها صكاك الحاج، واطلع اللهُ إلى عباده فغفر الله لهم إلا شارب الخمر، فإذا كانت ليلة ثلاثةَ وعشرين فيها يُفرَقُ كلُّ أمرٍ حكيم، ثم ينهى ذلك ويمضى، قال: قلت: إلى من؟ قال: إلى صاحبكم ولولا ذلك لم يُعلم"(4) وفي هذه الليلةِ التي تُعرضُ فيها الأعمال على صاحب الأمر (عجل الله فرجه الشريف) لابُدَّ أنْ يدعو المؤمن بتعجيل الفرج؛ فإنَّ في ذلك فرجه، ويدعو ربه بنيةٍ صادقةٍ أنْ لا يحرمه فضلها؛ فقد روي عن السيدة الزهراء (عليها السلام): "محرومٌ من حُرِمً فضلها". وقد وردت بعض الأعمال المستحبة في هذه الليلة منها: صلاة مائة ركعة، ومن لم يستطع ذلك يصلي ركعتين بالحمد والتوحيد سبعًا وبعد الفراغ يستغفر الله ٧٠ مرة، فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): "إنَّ من صلاها في ليلة القدر غفر الله له ولأبويه وبعث الله ملائكة يكتبون له الحسنات إلى سنةٍ أخرى"(5) ويُستحبُّ زيارة الإمام الحُسين (عليه السلام)، وقراءة دعاء الجوشن الكبير، وبعض الأدعية المخصوصة لهذه الليلة المباركة، كما يستحبُّ فيها طلب العلم كما ورد في الأمالي أنّ "من أحيا هاتين الليلتين بمذاكرة العلم فهو أفضل"(6) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1. بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج ٩٤، ص١٨ 2. الإرشاد، الشيخ المفيد، ج٢، ص ٣٤٦ 3. علل الشرائع، الشيخ الصدوق، ج٢، ص ٣٨٨ 4. بصائر الدرجات، ٢٤٠-٢٤١ ج٤ ب٣ ح٣ 5. ضياء الصالحين ،صالح الجوهرجي ص٦٧ 6. الأمالي، للصدوق، ص 649

اخرى
منذ 4 سنوات
706

أتعرفن زينب؟!

بقلم: رحاب سالم البهادلي زينب: اسم يتألف من أربعة حروف، له أكثر من معنى... سؤال من قبل الأستاذ: من يا تُرى تحمل هذا الاسم؟ ... سَألنا من منكن أسمها زينب؟ الكثير قلن: نعم أسمي زينب. - لّكنّ هل تعرفن معنى هذا الاسم؟ - قلت: نعم، اسم علم مؤنث، (زينب) وهو مركب من زين ألاب، كما احتمله الفيروز أباد، وهو نوع من الشجر جميل الرائحة وجميل المظهر، قال ابن الأعرابي: الزينب شجر حسن المنظر طيب الرائحة. - وهل تعرفين من هي زينب؟ - أتسأل عن مولاتي زينب بنت علي بن أبي طالب (عليه السلام)؟ -أتعرفينها حقاً؟ - من لا تعرفها لا تعرف نفسها من تكون، لا تعرف معنى أن تكون أنثى لا تعرف معنى المرأة المسلمة، لا تعرف كيف تكون أختاً وبنتاً صالحة في المجتمع، أن أكون سُميتُ زينب، يعني أن أقهر بعفتي فسادهم، أنا أميرة بعباءتي، وأرفع بعفافي رأس أبي وأخوتي... أنا زينب بديني ومذهبي، أن أعرف من هي زينب وأتخذها قدوتي أواسيها باستشهاد أخوتي نعم، يا أستاذي: ليس المعنى الحقيقي لمعرفتها أن أعرف هي بنت من، أخت من، ربيبة من، بل معنى أني أعرفها هو أن أدين بدينها، وارتدي عفتها، وأستلهم من فكرها، وأستمد قوتي منها... زينب معناها أن لا أصمت ضد الظلم، وأن أُظهر الحق بالحق، وأن أتحمل وأصبر في حين الصبر، وأثور وأنتصر في وقت النصر. الأستاذ: من أنت؟ - أنا علوية يتيمة، استشهد أخوتي في المعارك التي جرت بين داعش الإرهابي وبين أبطال الحشد المقدس… أستمد قوتي من عمتي زينب. الأستاذ : نِعمَ الاسم، ونعمة المسماة. أحسنت يا أبنتي... فلتكن زينب قدوتكن في الحياة.

اخرى
منذ 5 سنوات
3156

لآلئ من نهج البلاغة/ الحكمة الثالثة/ الجزء الأول

بقلم: يا مهدي ادركني قال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه): البُخْلُ عَارٌ، وَالجُبْنُ مَنْقَصَةٌ، وَالفَقْرُ يُخْرِسُ الْفَطِنَ عَنْ حُجَّتِهِ، وَالْمُقِلُّ غَريبٌ فِي بَلْدَتِهِ. إن حسن الأخلاق هو أمر متفق عليه لدى جميع الديانات والمذاهب، بل ويُقِر به حتى من لا دين له، فهو أمر عقلائي يستحسنه العقل وأمضته الشرائع السماوية وغيرها. ولكن قد يتعرض هذا الأمر إلى بعض العوامل الخارجية التي قد تصيبه وتشوه حقيقته كما يصيب الماس الغبار فيبهت وتذهب إشراقته، ولكي يستعيد لمعانه يحتاج إلى ما يزيل ذلك الغبار عنه ليعود مشرقًا. وهكذا هي الأخلاق، فهي تتعرض بعض الأحيان إلى عوامل خارجية تؤدي إلى تشويهها، ومن أجل الحفاظ عليها لتكون ذات طابع إيجابي مؤثر، فعلينا الاقتداء بأهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) وذلك من خلال متابعة سيرتهم وأقوالهم التي هي كحديقة غناء ينتشر شذاها ليصل إلى من يرغب بالتزود منها. هذا فضلًا عن كون بعض تلك الأخلاق قد تنزل منزلة الوجوب أو الاستحباب المؤكد في الشريعة الإسلامية وقد تكون ذات خطوط حمراء يلزم عدم تجاوزها، لذا نجد أن أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) أكد عليها في كلماته القصيرة ذات المعاني العظيمة، ولم تخفَ هذه الحقيقة عن الشريف الرضي (رضوان الله تعالى عليه) الذي قطف تلك الحكمة وجعلهما من ضمن باقة الحكم القصار في نهج البلاغة. وبالتفاتة سريعة إلى هذه الحكمة نجد أنها مؤلفة من ثلاثة فصول: الأول: في البخل. الثاني: في الجبن. والثالث: في الفقر. الفصل الأول: البخل معنى البخل: قيل في معناه اللغوي بضم الباء هو منع الفضل والإمساك حيث ينبغي البذل (1)، وهو ما يقابل الجود والكرم. أما في الشريعة فهو منع الواجب من الحقوق (2). وهنا إشارة: أن جميع الصفات التي يصح أن نصف بها الإنسان يجب أن يكون قابلًا لها، وهذا يعني: أن الإنسان إذا لم يكن لديه ما يبذله فلن تصدق عليه صفة البخل، وذلك لأن سبب عدم بذله ليس بخلًا وإنما هو قلة ذات اليد، وإلا فلربما لو كان لديه ما يبذله لأنفق وأعطى. أسباب البخل: إن لكل مرض -ماديًا كان أو معنويًا- عوامل وأسبابًا تؤدي إلى الإصابة به، وإن من أهم أسباب البخل هو حب الدنيا والتعلق فيها، وأن حب المال من أبرز مصاديق الدنيا، ولكن هذا لا يعني أن البخل منحصر في عدم إنفاق المال وحسب، بل قد يكون له أوجه أخرى، فكل رزق من الله تعالى لعبده من قوة وجاه وعلم وما إلى ذلك من النعم التي لا تعد ولا تحصى تعتبر مورد من موارد السخاء أو البخل، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم { لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم 7] وشكر النعم ببذلها وإنفاقها. وقد يكون من أحد أسباب البخل هو عدم الإيمان الفعلي بكون الله تعالى هو الحي الرازق، فتجد البخيل يتجنب الإنفاق خوفًا من نفاذ ما لديه ناسيًا بأن من رزقه الدرهم الأول هو نفسه الذي سيرزقه الثاني والثالث، أو قد يكون شاكًا في قدرة الله عز وجل على أن يرزقه مجددًا فتراه ممسكًا بقبضة من حديد، لأنه يخاف الفقر. وللبخل أنواع (3) الأول: وهو البخل بأداء الواجبات. كما هو معلوم فإن في الشريعة الإسلامية أحكامًا إلزامية، ولازم على المكلف أن يأتي بما هو واجب منها والاجتناب عن المحرم منها، وإلا يكون آثمًا مستحقًا للعقاب، ومن ضمن هذه الواجبات: النفقة الواجبة –كنفقة الزوجة والأولاد وما شابه ذلك- فإن أمسك عنها المكلف كان آثمًا، ومنها الخمس أيضًا وله باب خاص في الفقه، وقد جاء في روايات أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) أنه من أمسك حق الخمس كان ظالمًا غاصبًا لهم، و أن من أكل علينا درهمًا واحدًا فهو ظالم غاصب لنا. (4)، وكل من يمسك عن نفقة واجبة من زكاة أو ما أوجبه الفرد على نفسه من نذر واجب يعتبر آثمًا، أما من أمسك عنها لأنه ينكر وجوبها فهو خارج عن ربقة الإيمان. الثاني: البخل في المستحبات. وهو أقل درجة من النوع الأول فإن البخيل من هذا النوع هو من يبخل عن التوسعة على أهله وعياله او على نفسه، وقد يبخل عن الصدقات المستحبة بكل أنواعها، وهذا النوع لا يكون به آثمًا، ولكنه مستقبح عرفًا، فإن العرب بصورة خاصة عرفوا بالكرم والجود والسخاء وكانوا يطلقون على السخي (كثير الرماد) كناية عن كثرة ضيوفه، وإذا أرادوا أن يمدحوا شخصًا فإن صفة الكرم تتصدر المدح، وأما العكس فيكون بذم الشخص بالصفات الرذيلة ومن أرذلها صفة البخل. الثالث: البخل على النفس بالحسنات. وهو نوع ثالث من المحتمل أن يكون مصداقًا للبخل، فإن بخل المرء على نفسه بالحسنات التي ستكون هي زاده في الآخرة من أشد أنواع البخل ومما يورث الحسرة والندامة، فقد تجد البخيل يمسك حتى عن الابتسامة والتي هي من أهون أنواع الصدقة ولكنك تجده ذا وجه عابس حتى على أقرب الناس اليه. آثار البخل على الفرد والمجتمع: مما لا ريب فيه أن لكل فعل ردة فعل، ولكل وقع قدم أثرًا، وللنور شعاعًا، ولكل زهرة عطرًا، وهكذا نجد لكل أثر مؤثرًا، وهكذا الحال حتى مع الرذائل فهي تترك اثارًا ايضًا وان كانت غير مرغوب فيها. اما الاثر الفردي فله جانبان: الأول: وهو ما يكون نتيجته في الدنيا فيكون البخيل عادةً وحيدًا لا يرغب بمعاشرة الاخرين خوفًا من الحقوق التي يجب أن يؤديها لهم، فإن على من يعيش ضمن عادات واعراف المجتمع عليه ان يؤدي بعض الواجبات كتبادل للهدايا في المناسبات العامة والخاصة، فكيف بمن يشح على الاخرين بالابتسامة! هذا فضلًا عن كون البخيل يعيش عيشة الفقراء ويحاسب حساب الأغنياء فهو يحرم نفسه من ملذات الحياة التي قد أحلها الله تعالى له، فعن أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) أنه قال: "عجبت للبخيل يستعجل الفقر الذي منه هرب، ويفوته الغنى الذي إياه طلب، فيعيش في الدنيا عيش الفقراء، ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء"(5). الثاني: وهو اثر أخروي حيث ان الشريعة الاسلامية ذمت البخل فنجد الكثير من الروايات الشريفة والآيات الكريمة التي مقتت الكفر وبشدة فبعضها جاءت بالتحذير والاخرى بالوعيد، فقد اشارت بعض الروايات إلى ان قلب المؤمن لا يكون مرتعًا للبخل ابدًا، فعن أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه): "لا يجتمع شح وإيمان في قلب مؤمنٍ أبدًا" (6). واخرى نزَّلت البخل منزلة الكفر فقد قال عز من قائل {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا} [النساء:37] وفي هذه الآية الكريمة إشارة إلى البخل المركب وهو البخيل الذي يأمر الناس بالبخل فإن الله تعالى يخاطبهم بصفة الكافرين وينذرهم بأنه أعد لهم عذابًا أليمًا ، وفي بعض الروايات نجد تحذير بأن البخيل لا يشم رائحة الجنة فعن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) قال "لا يدخل الجنة بخيل ولا خائن ولا منان) (7). وقد يبدو للوهلة الأولى أن هذا الوعيد مبالغ فيه ولكن اذا ما رجعنا إلى جذور البخل وانواعه لوجدنا البخيل يكون تاركًا لأحكام إلزامية عنادًا او لعدم اعتقاده بصدق الشريعة كما تقدم. اما الأثر الاجتماعي: وهو من الاثار ذات الأمد الطويل، أي قد تكون نتائجها بعيدة زمانيًا ولكنها قد تحدث وتسبب أضرارًا اجتماعية جسيمة، فإن البخيل عندما يمسك عن احتياجات اولاده فليكن في حسبانه أن نتاج ذلك هو أن يكون اولاده عدائيين، لأنهم سيجدون أقرانهم متنعمين بالملذات وفي المقابل هم محرومون من أبسط الحقوق نتيجة بخل أبيهم، وقد تطور هذه العداوة من الكراهية والمقت إلى الانتقام لتتولد نفس شريرة ترغب بالحصول على كل ما في يدي أقرانها حتى ولو بالسرقة. علاج مرض البخل: قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم {الم (1) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ(3)} [سورة البقرة] قالوا: إن الوقاية خير من العلاج، وإن الله تعالى في كتابه الكريم بيَّن صفات المؤمنين ومنها صفة الإنفاق، تلك الصفة التي أمر الله تعالى عباده لتكون زكاة لهم وتطهرهم وتحصن قلوبهم من الأمراض المعنوية، وإلا فمن غرته الدنيا بمالها وجمالها وصد عن أحكام الله تعالى فقد وقع في فخ هذه الدنيا، ولأجل أن يخرج من هذا الفخ ويقف على قدميه مجددًا عليه أن يخرج حب الدنيا من قلبه وذلك من خلال تأمله لأحوال البخلاء الذين سبقوه وكل من جمع ماله وتركه لأهله يرثوه ولم يأخذ من هذه الدنيا سوى كفنه وتلك الصدقات التي كان شحيحًا على نفسه بها، فإن طال تأمله فسخ عقد البخل مع الشيطان ورجع إلى صوابه ليملأ قلبه الإيمان ويتلذذ بالعيش الرغيد هو ومن حوله. فإن استقر الإيمان في قلبه صار متيقنًا بأن الله تعالى هو الحي الرزاق فلن يخاف الإنفاق بعد ذلك، فعن أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) يقول "ومن أيقن بالخلف جاد بالعطية" (8). ولكن لابد من أن نشير إلى أن الإنفاق يجب أن يكون عن طيب قلب وأن لا يلحقه بمنة او أذى وإلا كان هباءً منثورًا. فقد كان أمير المتقين (صلوات الله وسلامه عليه) دقيقًا في وصفه، حيث ألحق البخل بالعار لأن البخيل يركبه العار في الدنيا لكونه متصفًا بأقبح الرذائل وفي الآخرة لأن مؤداه دخول النار التي كانت عارًا لمن كان واردها. ___________________ (1) جامع السعادات للشيخ النراقي/ الجزء الثاني/ ص110. (2) أنوار الحكم ومحاسن الكلم للعلامة الشهيد السيد حسن القبانجي/ الجزء الأول/ ص59. (3) المصدر السابق/ ص66. (4) نفس المصدر/ ص67. (5) نهج البلاغة:4/34/ منقول من نفس المصدر السابق. (6) الغدير/2:174/ منقول من المصدر السابق. (7) مستدرك الوسائل:7/233/ منقول من نفس المصدر. (8) نهج البلاغة: الحكمة 135.

اخرى
منذ 4 سنوات
1672

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
75826

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
55891

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
43189

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
42165

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
39317

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
33372