تشغيل الوضع الليلي

لآلئ من نهج البلاغة الحكمة الرابعة- الفصل الأول

منذ 3 سنوات عدد المشاهدات : 712

بقلم: يا مهدي ادركني
بسم الله الرحمن الرحيم
عن أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) أنه قال: "الْعَجْزُ آفَةٌ والصَّبْرُ شَجَاعَةٌ، والزُّهْدُ ثَرْوَةٌ والْوَرَعُ جُنَّةٌ، ونِعْمَ الْقَرِينُ الرِّضَى".
الفصل الأول: الْعَجْزُ آفَةٌ.
في مجمع البحرين: (العجز ترك ما يجب فعله بالتسويف وهو عام في أمور الدنيا والدين).
وفي التعريف قيد احترازي وهو (ما يجب فعله) وبهذا القيد خرج ما هو غير مهم أو واجب فإن عدم القيام بالأمور غير الواجبة لا يعدّ عجزًا.
والعجز هو الضعف وعدم الاستطاعة، وقد يكون أمرًا اختياريًا وقد يكون غير اختياري، فإن من يتكاسل عن أداء الفريضة في أول وقتها يعتبر متعاجزاً عن أدائها ولكن باختياره، فهو قد سلم نفسه إلى هواها، أما من عجز عن المشي مثلًا بسبب عاهة ما أو بسبب كبر سنه فهذا النوع من العجز غير اختياري ولذا سمي الشخص الذي هرم (عجوزًا) لضعف بدنه وقلة استطاعته.
وأما (آفة) فهي مفرد آفات وهو كل ما يصيب أمرًا فيفسده.
بيان الحكمة:
عند الرجوع إلى كلمات أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) تهب علينا نسائم عليلة تنعش قلوبنا، وإذا ما تطلعنا إلى سماء بلاغته نستنير بنجوم حكمه، ومنها هذه الحكمة التي سنحاول أن نقطف بعض ثمارها لننتفع منها، وللخوض في لججها لا بد لنا من الإشارة إلى بعض أنواع العجز ومنها:
الأول: العجز المطلق الذي يقابل القدرة المطلقة
وهو الذي يتمثل بعجز المخلوق أمام الخالق، فالإنسان مخلوق ضعيف لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا بل هو عاجز حتى عن إيجاد نفسهـ ومحتاج للواجب أن يفيض عليه وجوده، بل هو محتاج إلى الواجب في استمرارية بقائه ووجوده، وهذا ما أشار له القرآن الكريم حكاية عن النبي موسى (صلوات الله وسلامه عليه (فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) [سورة القصص: آية24].
الثاني: العجز التكويني
وهو ما يقابل القدرة التكوينية، وبعبارة أكثر وضوحًا: إن الإنسان الذي لا يكون له الاختيار في الفعل او الترك وإنما هو مسلوب أحد طرفي الإرادة، فيكون إما فاعلًا أو غير فاعل لا بإرادته، كالمشلول الذي لا يستطيع أن يحرك يده فهو عندما لا يمسك بالقلم مثلًا ليس لأنه لا يريد، وإنما لأن هناك ما سلبه القدرة تكوينًا عن الفعل.
الثالث: العجز التشريعي
العجز التشريعي هو الاضطرار على ترك الواجب او فعل المحرم لأمر أوجب منه، كما في الاضطرار إلى أكل الميتة للحفاظ على النفس.
الرابع: العجز البدني.
وهو عجز اختياري عن الإتيان بالواجب، (وهو عدم القدرة على التصرّفات البدنيّة عمّا من شأنه أن يقدر) (1)
وقد يكون سببه التسويف او الكسل.
الخامس: العجز النفساني
وهو على نوعين: عجز روحي وآخر عقلي، أما الأول فهو ضعف النفس عن أن تقاوم هواها فتقع في شباكها لتصاب بآفات الروح كالحسد والكبر والرياء وغيرها من الأمراض القلبية، وأما الثاني فهو ما يصيب العقل من خمول وتكاسل عن طلب العلم فيقع في دوامة الجهل.
وبعد أن عرفنا أنواع العجز وعرفنا ان هناك ما هو الاختيار وغير الاختياري، وأما محل كلامنا هنا هو العجز البدني والنفساني.
أسبابه:
الأول: كثرة النوم.
فإن النوم الزائد عن حاجة الإنسان يكون مدعاة إلى الخمول والكسل، فإن البدن يحتاج إلى ساعات معينة من النوم ليجدد نشاطه ولكن بشرط أن لا تصل حد الإفراط، وإلا فإن الخمول الناتج عن كثرة النوم يثبط من الإرادة والعزيمة من إداء الواجبات.
الثاني: سوء التنظيم.
فإن كثرة المشاريع التي ينوي الفرد للقيام بإنجازها من دون التخطيط المسبق لها، يؤدي إلى تشوش الذهن وتشتت الأفكار وضياعها مما يدفعه إلى التسويف في أداء مهماته.
الثالث: كثرة الطعام.
فإنها تورث الخمول، فإن كثرة الطعام من أسباب سقم البدن فعن أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه): (إنَّ صِحَّةَ الجِسمِ مِن قِلَّةِ الطَّعامِ، وقِلَّةِ الماءِ)(2)،
ومن كان بدنه سقيمًا فسيكون ضعيفًا عن أداء واجباته فيصيبه العجز.
الرابع: مواقع التواصل الاجتماعي.
وهذه بحد ذاتها آفة إن أساء الفرد استخدامها وأفرط فيها، فإنها تحرق وقته وتستهلكه كما تحرق النار الحطب، وإن الإفراط فيها قد يؤدي إلى وصول الفرد إلى حالة الإدمان عليها فتجده يهمل كل شيء بل قد يهمل حتى السعي في طلب قوته وقد يصل الأمر إلى الاستغناء عن ساعات نومه التي يحتاج إليها بدنه.
الخامس: عدم الإخلاص في النية.
فإن اي عمل يقوم به الفرد إن كان فيه نية خالصة فإنه ينمو، وتكون تلك النية هي مصدرًا للطاقة الدافعة لإنجاز عمله وإتقانه، فعن الإمام الصّادق (عليه السلام): ما ضَعُفَ بَدَنٌ عمّا قَوِيَت علَيهِ النِّيَّةُ(3).
آثاره
عندما كان العجز آفة فهذا يعني أنه سيفسد ويهلك حياة الإنسان، وقد يصل الأمر إلى الخسران والخزي في الحياة الآخرة، فإن العجز إن ترسخ في النفس هذا يعني أنه سيكون كأغصان نبات صحراوي شائك تمزق وتخدش كل ما يلامسها.
إن العجز يفسد الحياة الاجتماعية والعلمية والعملية، وهو من الأمراض المعدية التي إذا تفشت في المجتمع فستحوله إلى مجتمع استهلاكي اتكالي غير منتج.
وتلك الحالة اللا صحية قد تتسرب إلى قلب المؤمن فتسلبه لذة المناجاة والدعاء، فقد جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنَّ أعجَزَ النّاسِ مَن عَجَزَ عَنِ الدُّعاءِ. (4)
علاجه:
على من أراد السير في طريق التكامل أن ينزع الشوك ويزيح الأحجار المتناثرة عن طريقه ليتمكن من تحقيق هدفه، ولما كان العجز هو أحد تلك الأحجار فلا بد له من إزالته وإزالة ما يحيط به من أشواك، ويكون ذلك عبر الخطوات التالية:
الأولى: تنظيم الوقت.
وهو من أهم أولويات الإنسان الناجح، فإن الوقت الذي لديه هو ذات الوقت الذي يملكه الإنسان الفاشل غير أن الأول أحسن تنظيمه واستثماره فيما يفيده أما الثاني فقد فرّط فيه وخسره.
الثانية: التقنين في عدد ساعات النوم وكمية الطعام ونوعه.
فإن لذلك الأثر الكبير في نشاطه اليومي الذي يزيد من قدرته على أداء واجباته.
الثالثة: القيام بأعمالك بنفسك وعدم توظيف الآخرين للقيام بها.
فإن الحركة هي من أهم مصادر الطاقة البدنية، هذا فضلًا عن ان أداءك لعملك بنفسك ستكون نتائجه افضل بكثير من تلك التي يقوم بها غيرك.
الرابعة: صدق النية والتوكل على الله تعالى.
فإن لذلك مدخلية في نجاح عملك وهذا مما يؤدي إلى دفع وساوس الشيطان الذي يسعى إلى التثبيط من عزيمتك بالتسويف.
إن المؤمن يعمل بدون توقف كخلية النحل ولا يؤجل عمله ولا يترك فرصة لهوى نفسه ان يغلبه.
الخامسة: الدعاء.
وهو من أهم طرق الوقاية والعلاج من الأمراض الروحية والبدنية، وقد أكد عليه أئمتنا (صلوات الله وسلامه عليهم) فقد ورد في الدعاء المنسوب للإمام السجاد (صلوات الله وسلامه عليه) المعروف بدعاء أبي حمزة الثمالي (اللهم إني أعوذ بك من الكسل والفشل...).
_________________
1- شرح نهج البلاغة، ج 5، ابن ميثم البحراني، ص 240
2- تحف العقول ، ص 172
3- الفقيه : 4 / 400 / 5859
4- الأمالي للمفيد : ص 317 ح 2

اخترنا لكم

لست ظالمة

بقلم: شيماء عبدالواحد المياحي تقول احداهن: في اول مرة قرأت بها حديث أمير المؤمنين (عليه السلام) في تقسيم أنواع البلاء حيث يقول (عليه السلام): (ان البلاء للظالم ادب وللمؤمن امتحان وللانبياء درجة وللأولياء كرامة).(١) كنت استبعد تمامًا أن أكون من القسم الأول فأنا اجزم بأني لست فرعون الذي ادعى الربوبية ولا الحجاج الذي كان يتلذذ بسفك الدماء ولا عمر بن سعد الذي فعل ما فعله مع أهل بيت النبوة (صلوات الله وسلامه عليهم) ولا أمثالهم فكيف لي أن أكون ظالمه! فكنت دائمًا أتوقع أنّ ابتلاءاتي في الحياة هي من القسم الثاني... وبعد أن منّ الله تعالى علي ورزقني بصيصًا من نور العلم واطلعت على بعض روايات الأئمة (صلوات الله وسلامه عليهم) علمت بوجود تلازم بين النظام التشريعي والنظام التكويني فزيادة الطاعات يتبعها زيادة في النعم كالأمطار والأنهار والبنين ونقصان الطاعات يؤدي إلى نقصان النعم ولهذا يأمرنا الله تعالى بالاستغفار في حالة نقصان النعم ففي قوله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)) (٢) وعن الامام الباقر (عليه السلام): (ما من سنة أقل مطراً من سنة، ولكن الله يضعه حيث يشاء، إن الله (عز وجل) إذا عمل قوم بالمعاصي صرف عنهم ما كان قدر لهم من المطر) (٣) وهذا هو الظلم تكويني، ولمخالفة النظام التشريعي آثار أُخرى منها: أولًا: ادخال الأذى على قلب المولى صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه) إذ إنّ من يخالف احكام الله تعالى فإنه يُؤذي رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمعصومين جميعًا (صلوات الله وسلامه عليهم) ولاسيما الغائب الحاضر (روحي فداه) ثانيًا: يتسبب في تأخير الظهور المبارك -ولو بالنسبة معينه- وحرمان البشرية من نعيم الدولة الكريمة كما ورد هذا المعنىٰ في مكاتبة الإمام المهدي (عجل الله عالى فرجه) إلىٰ الشيخ المفيد: "ولو أنَّ أشياعنا وفَّقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخَّر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجَّلت لهم السعادة بمشاهدتنا علىٰ حقّ المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلَّا ما يتَّصل بنا ممَّا نكرهه ولا نؤثره منهم، والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل" (٤) ثالثًا: إنّ للذنب تأثيراً على غير فاعله كما جاء عن النبي (صل الله عليه وآله): (الذنب شؤم على غير فاعله، إن عيره ابتلي، وإن اغتابه اثم، وإن رضى به شاركه ) (٥) رابعًا: نزول النقم: ومن الذنوب ما يتسبب في نزول النقم (اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل النقم) وهي الظلم، وقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) إنه قال: (الذنوب التي تنزل النقم الظلم) (٦) خامسًا: ظلم النفس فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) إنه قال: (من أهمل طاعة الله ظلم نفسه) (٧) وعنه (عليه السلام): (ظلم نفسه من عصى الله واطاع الشيطان) (٨) فحينها عرفت أنّ البلاء بالنسبة لي أدب وليس امتحاناً فقط لما اقترفته من ذنوب. وعليه يجب أن أُراجع أعمالي وأنقّيها مما فيها من الشوائب وأتوجه لله تعالى بالتوبة النصوح واطلب العفو والسماح ممن ظلمتهم علّني احظى برضا الله تعالى ورضاهم ولا سيما المولى (عجل الله تعالى فرجه). ____________________ ١- بحار الانور ج٧٨ ص١٩٨ ٢- سورة نوح ٣- بحار الانوار ٧٣ / ٣٢٩ ٤- بحار الانوار ج ٥٣ / ١٧٧ ٥- كنز العمال ٥٥٣٦ ٦- الكافي ٢ / ٤٤٧ ٧- غرر الحكم ٨٥٤١ ٨- غرر الحكم ٦٠٥٧

اخرى
منذ 3 سنوات
513

ومضاتٌ فاطمية لإنارة غياهب الجاهلية(٢)

"الممتنع عن الأبصار رؤيته، ومن الألسن صفته، ومن الأوهام كيفيته" الرؤية الممتنعة هي الرؤية البصرية، لا القلبية؛ لأنّ الرؤية البصرية تستلزم كون المرئي في جهة ومكان، وبالتالي الجسمية، فضلاً عن استلزامها الإحاطة بالمرئي، وكل ذلك لا يكون مع واجب الوجود. وهذا لا يُفرق فيه بين الدنيا والآخرة، وبين المؤمن وغيره. وإنما امتنعت الجسمية عليه جل وعلا لأجل: ١- عقلاً: أ/ لو كان جسماً لكان محتاجاً إلى أجزائه، والاحتياج صفة المخلوقات، والله سبحانه هو الغني المطلق، وهذا ينافي قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد}(٢). ب/ لو كان جسماً لجرت عليه أحكام وقوانين الزمكان، فيلزم أن يكون موجوداً في المكان والزمان الذي تُفترض رؤيته فيه، وعدم وجوده في سائر الأزمنة والأمكنة الاخرى، وهذا ينافي قوله تعالى:{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير}(٣)، فلو حواه مكان للزمت الإشارة إليه بالحواس-بالنظر أو باليد-، والمشار إليه محدود. ٢-نقلاً قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير}(٤). نعم، سبحانه شيء لكن لا كالأشياء، ولا تثبت له الجسمية والصورة، روي "عن حمزة بن محمد، قال: كتبت إلى أبي -الحسن عليه السلام: أسأله عن الجسم والصورة، فكتب عليه السلام: سبحان من ليس كمثله شيء لا جسم ولا صورة"(٥). (ومن الألسن صفته) بعد أن امتنعت على الأبصار رؤية الله تعالى -البصرية- يمتنع على الألسن وصف خالقها؛ إذ بعد أن أثبتنا عقلاً ونقلاً امتناع الرؤية البصرية، فكيف تصف الألسن شيئاً لم تره؟! وقد وردت روايات عديدة في النهي عن التكلم بالذات المقدسة، وبعض الروايات بيّنت أن نتيجة ذلك هو الهلاك، وبعضها جعلته التيه الفكري والضلال العقدي، روي "عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام قال: دعوا التفكر في الله فإن التفكر في الله لا يزيد إلا تيها لأن الله تبارك وتعالى لا تدركه الأبصار ولا تبلغه الأخبار"(٦). •مثال توضيحي يدل على امتناع وصف الله تعالى: لو طلب منك أحد أن تصف له روحك، فلابد أن تراها أولاً ثم تصفها له، وحيث إنك لم تر الروح فإنك تعجز عن وصفها. فهكذا الكلام حول الله عزّ وجل. (ومن الأوهام كيفيته) إن الاستحالة لا تنحصر بعجز الحواس الظاهرة عن رؤية ووصف الله سبحانه، بل إنها تتعدى إلى تحيّر العقول حتى عن تخيّله جل جلاله؛ لأنه أيضاً يلزم الإحاطة بالذات الإلهية، ولا يمكن حتى توهمه، رغم سعة أفق العقل والوهم، ففي حديثٍ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "التوحيد أن لا تتوهمه [لا تتوهم ما هو الله تعالى]"(٧)، أي إنّ التوحيد بصورة مجملة هو أن لا يحيط وهمك بالله سبحانه. و "عن عبد الرحمن بن أبي نجران قال: سألت أبا جعفر الثاني عليه السلام عن التوحيد، فقلت: أتوهمُ شيئا؟ فقال: نعم غير معقول ولا محدود، فما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه، لا يشبهه شيء، ولا تدركه الأوهام كيف تدركه الأوهام وهو خلاف ما يعقل وخلاف ما يتصور في الأوهام، إنما يتوهم شيء غير معقول ولا محدود"(٨). وقد أسهب أهل البيت (عليهم السلام) في بيان استحالة وصف الله تعالى وإحاطة الأوهام به، حيث روي "عن أبي هاشم الجعفري، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الله عز وجل هل يوصف؟ فقال: أما تقرأ القرآن؟! قلت: بلى، قال: أما تقرأ قوله عز وجل: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار)قلت: بلى. قال: فتعرفون الأبصار؟ قلت: بلى، قال: وما هي؟ قلت: أبصار العيون. فقال: إن أوهام القلوب أكثر من أبصار العيون فهو لا تدركه الأوهام وهو يدرك الأوهام"(٩). وإلى جميع ذلك أشارت السيّدة الزهراء (عليها السلام) بكلماتٍ موجزة استبطنت التفصيل الملحوظ من آيات القرآن الكريم الذي يفسر بعضه بعضا، ومن روايات محمد وآل محمد(عليهم السلام). والخلاصة: الدعوة إلى التفكر في مخلوقات الله تعالى فذلك يؤدي إلى معرفة عظمته جلّ اسمه. ___________________ (١) الإلهيات: للشيخ السبحاني، ج٢، ص١٢٦. (٢)فاطر: ١٥. (٣) الحديد: ٤. (٤) الشورى: ١١. (٥) التوحيد: للشيخ الصدوق، ب٦، ح٣. (٦) المصدر نفسه، ب ٦٧، ح١٣. (٧) نهج البلاغة، قسم الحكم، ٤٧٠. (٨) التوحيد: للشيخ الصدوق، باب٧، ح٦. (٩) المصدر نفسه، باب٨، ح١٠. والحمد لله الذي لا يعلم ما هو إلاّ هو. علوية الحسيني

اخرى
منذ 5 سنوات
1859

أثر الغذاء على روح و سلوك الانسان

من البديهي إن للغذاء الأثر الكبير على جسم الانسان وحالته الصحية والبدنية، الا إن ما أثبته الشرع المقدس إن للغذاء أثر على روح وأخلاق وسلوك الانسان أيضا قال (تعالى) : " يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً " (1). ويعتقد بعض المفسّرين أنّ تقارن ذكر هذين الأمرين: وهما : ( أكل الطّيبات و العمل الصالح )، هو خير دليل على وثاقة العلاقة بينهما، وهي إشارةٌ إلى أنّ الأطعمة الطيبة تترك أثرا طيبا على الروح و الأخلاق و السلوك بخلاف الأطعمة الأخرى والتي تترك الأثر السيء عليها. ولكن لا يمكن القول أبداً أنّ الأكل والغذاء هو العلّة التّامة لبلورة الأخلاق، ولكنّه يمثل عاملاً مُساعداً في ذلك، بحلاله وحَرامه، وأنواعه. كما أثبت علماء العصر الحاضر، أنّ السّلوكيات الأخلاقية عند الإنسان، تنطلق من خلال ترشّح بعض الهرمونات من الغدد الموجودة في جسم الإنسان، والغُدد بدورها، تتأثر مباشرةً بما يأكله الإنسان، لذا سنتناول بالبحث أثر الاطعمة الطيبة على روح وسلوك الانسان ومن ثم أثر الاطعمة الخبيثة عليها ونختم بأثر فضول الطعام عليها أيضا. أولا : أثر الاطعمة الطيَبة: لانقصد بالطيَبة ما كان طعمها طيبا بل ما كان حلالا من الطعام لا شبهة فيها وكان أثرها طيبا على الانسان بدنا وروحا، وإلا قد تكون بعض الاطعمة المحرمة ذات طعم طيب الا انها تترك على البدن والروح الأثر الخبيث، وقد ورد في الروايات الشريفة بعض تلك الاطعمة منها: 1 ـ ما ورد عن الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «عَلَيكُم بِالزَّيتِ فإنّهُ يَكْشِفُ المُرَّةَ... وَيُحْسِّنُ الخُلُقَ»(2).. 2 ـ في حديث آخر عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: «مَنْ سَرَّهُ أنْ يَقِلَّ غَيْظَهُ فَلْيَأكُلْ لَحمَ الدُّراجِ(3) »(4). 3 ـ روي عن الامام الكاظم (عليه السلام) قال: من اشتكى فؤاده وكثر غمه فليأكل الدراج "(5). 4 ـ روي عن رسول الله (صلى الله عليه و آله): " عليكم بالعدس ، فانه مبارك مقدس ، يرق القلب، ويكثر الدمعة، وقد بارك فيه سبعون نبيا آخرهم عيسى بن مريم (عليه السلام) " (6). كما روي عنه (صلى الله عليه وآله) : " شكا نبي من الانبياء إلى الله (عزو جل) قساوة قلوب قومه، فأوحى الله (عز وجل) إليه، وهو في مصلاه: أن مُر قومك أن يأكلوا العدس، فانه يرق القلب ويدمع العين ويذهب الكبر [ياء] وهو طعام الابرار " (7) 5 ـ روي عن الامام الصادق (عليه السلام) : " الخل الخمر ينير القلب ، ويشد اللثة ، ويقتل الدواب البطن" (8) 6 ـ روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)، أنّه قال: «شَكى نَبِيٌّ مِنَ الأنبِياءِ إِلى اللهِ (عَز وَجَلَّ) الغَمَّ فَأَمَرَهُ اللهُ (عَزّ وَجَلَّ) بِأَكْلِ العِنَبِ»(9). وعنه (عليه السلام): لما حسر الماء عن عظام الموتى فرأى ذلك نوح (عليه السلام) جزع جزعا شديدا واغتم لذلك، فأوحى الله إليه أن كل العنب الأسود ليذهب غمك" (10) 7 ـ وورد عن الإمام الصّادق(عليه السلام):«مَنْ أَكَلَ رُمّانَةً عَلَى الرِّيقِ أَنارَتْ قَلْبَهُ أَربَعِينَ يَوماً»(11). قال أبو عبد الله (عليه السلام): "من أكل رمانة على الريق أنارت قلبه فطردت شيطان الوسوسة أربعين صباحا" (12) 8 ـ عن الرّسول الأكرم(صلى الله عليه وآله)، في وصيته لجعفر بن أبي طالب(رضي الله عنه)، فقال له: «يا جَعْفِرُ كُلِ السَّفَرجَلَ فَإِنّهُ يُقَوي القَلْبَ وَيُشْجِعُ الجَبَانَ»(13). ثانيا : أثر الأطعمة الخبيثة: و نقصد بالاطعمة الخبيثة ما كانت حراما أو تركت أثرا خبيثا في نفس الانسان أو في بدنه وإن كانت ذات طعم طيب، وقد تقدم إن العلماء أثبتوا تأثر سلوك لانسان بما تفرزه غدده من هورمونات والغدد تتأثر بما يردها من طعام ، وعلى هذا الأساس، فإنّ لحومَ، الحيوانات تحمل نفس الصّفات النفسيّة الموجودة في الحيوان، فالضّواري تفعل فِعْلَ عناصر التّوحش في الإنسان، والخنزير يذهب بالغيرة عند الإنسان، وهكذا فإنّ لحم أيّ حيوان، يخلف بصماته على روح آكله مباشرةً، وينقل إليه صفاته، وقد حذرت الروايات من بعض الاطعمة نذكر منها : 1 ـ الأكل الحرام و هو من أشد الأطعمة خبثا في روح وسلوك الانسان : *يورث عدم قبول الصّلاة و الصّيام والعبادة، كما ورد عن الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله): «مَنْ أَكَلَ لُقْمَةَ حَرام لَنْ تُقْبَلَ لَهُ صلاةُ أَربَعِينَ لَيلَةً، وَلَمْ تُسْتَجَبْ لَهُ دَعوَةُ أَربَعِينَ صَباحاً، وَكُلُّ لَحْم يُنٌبِتُهُ الحَرامُ فَالنَّارُ أَولَى بِهِ، وَإنَّ اللُّقْمَةَ الواحِدَةَ تُنْبِتُ اللَّحْمَ»(14). ومن الطبيعي فإنّ قبول الصّلاة له شروطٌ عديدةٌ، ومنها: حضور القلب وطهارته من الدّرن والغفلة، والحرام يسلب منه تلك الطّهارة و الصّفاء، ويخرجه من أجواء النّور والإيمان. *من شروط إستجابة الدّعاء هو الإمتناع عن أكل الحرام، حيث جاء شخص إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقال له: " اُحِبُّ أنْ يُستَجاب دُعائِي، فقال له رسول الله(صلى الله عليه وآله): «طَهِّرْ مَأَكَلَكَ وَلا تَدْخُلْ بَطْنَكَ الحَرامَ»(15). *الاكل الحرام يسلب التوفيق و الفلاح كما روي عن الفضل بن الرّبيع أنّ «شريك بن عبدالله»، دخل يوماً على «المهدي»، الخليفة العبّاسي في وقتها فقال له المهدي العباسي: «أي شريك»، أعرض عليك ثلاثة اُمور، عليك أن تختار إحداها، فقال ما هي؟، فقال له: إمّا أن تقبل منصب القضاء، أو أن تعلّم إبني، أو تأكل معنا على مائدتنا، ففكّر شريك قليلاً، وقال إنّ الأخيرة أسهلها، فحجزه المهدي، وقال لطبّاخه، حضّر له أنواعاً من أطباق أمخاخ الحيوانات، المخلوطة بالسّكر و العسل. فعندما أكلَ شريك من ذلك الطعام اللّذيذ، «وطبعاً الحرام»، قال الطبّاخ للمهدي، إنّ هذا الشّيخ لن يُفلح أبداً بعد هذا الطّعام، فقال الرّبيع: وفعلاً قد صدقت نبوءة الطبّاخ.(16) 2 ـ الدم روي عن الإمام الصّادق(عليه السلام)، حيث سئل عن علّة تحريم الدم، فقال(عليه السلام):«وَأَمَّا الدَّمُ فَإَنَّهُ يُورِثُ الكَلَبَ وَقَسْوَةَ القَلبِ وَقِلَّةَ الرَّأفَةِ وَالرَّحمَةِ لا يُؤمِنُ أَنْ يَقْتُلَ وَلَدَهُ وَوالِدَهُ».(17) 3 ـ الخمر روي عن الامام الصادق (عليه السلام):«وَ أَمَّا الخَمْرُ فإنَّه حَرَّمَها لِفِعْلِها وَفَسادِها وَ قَالَ إِنَّ مُدْمِنَ الخَمْرِ كَعابِدِ الوَثَنِ، وَ يُورِثُ إِرتِعاشَاً وَيُذْهِبَ بِنُورِهِ وَيَهْدِمَ مُرُوَّتَهُ»(18). 4 ـ ترك أكل اللحم أربعين يوما ، كما نقل عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) أنه قال: " اللحم ينبت اللحم ويزيد في العقل ومن تركه أياما فسد عقله" (19). وفي رواية اخرى عنه (عليه السلام): " من ترك اللحم أربعين صباحا ساء خلقه وفسد عقله "(20) .وورد في مقابله العكس أيضاً، وهو ذمّ الإفراط في تناول اللّحم والإكثار منه، فإنّ من شأنه أن يورثه نفس الأعراض والأمراض الخُلقية. ثالثا : أثر فضول الطعام و كثرته قد يقصد به إدخال الطعام على الطعام، والأكل الزّائد عن الحاجة، أو يقصد به الطّعام المتبقي من الوجبات السّابقة، أي بقايا الطعام الفاسد: 1 ـ فضول الطعام يورث قسوة القلب والتكاسل عن العبادة ويصم صاحبه من سماع الموعظة كما نقل عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): «إِيَّاكُم وَفُضُولَ المَطْعَمِ فَإِنّهُ يَسِمُ القَلْبَ بِالقَسوَةِ وَيُبْطِيء بِالجَوارحِ عَنِ الطّاعَةِ وَيَصُمُّ الهِمَمَ عَنْ سِماعِ المَوعِظَةِ».(21) كما روي عن المسيح (عليه السلام): " يا بني إسرائيل، لا تكثروا الأكل، فإنه من أكثر الأكل أكثر النوم، ومن أكثر النوم أقل الصلاة، ومن أقل الصلاة كتب من الغافلين " (22). كما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) - في حديث جرى بين يحيى (عليه السلام) وإبليس -: فقال له يحيى: ما هذه المعاليق؟ فقال: هذه الشهوات التي اصيب بها ابن آدم، فقال: هل لي منها شئ ؟ فقال: ربما شبعت فشغلناك عن الصلاة والذكر. قال: لله علي أن لا أملا بطني من طعام أبدا، وقال إبليس: لله علي أن لا أنصح مسلما أبدا. (23). و عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): " لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب، فإن القلب يموت كالزرع إذا كثر عليه الماء " (24). 2 ـ كثرة الاكل من الشره ، روي عن الامام علي (عليه السلام): " كثرة الأكل من الشره، والشره شر العيوب "(25). 3- كثرة الاكل تهيج الشهوة ، كما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): " ليس شئ أضر لقلب المؤمن من كثرة الأكل، وهي مورثة لشيئين: قسوة القلب، وهيجان الشهوة " (26). 4 ـ كثرة الاكل تورث الأسقام ، روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): " إياكم والبطنة، فإنها مفسدة للبدن ومورثة للسقم ومكسلة عن العبادة " (27). وعنه (عليه السلام): " إياك وإدمان الشبع، فإنه يهيج الأسقام ويثير العلل " (28) ، و عنه (عليه السلام): لا يجتمع الصحة والنهم " (29) 5- كثرة الطعام تحرم صاحبها من الحكمة، كما روي عنه (صلى الله عليه وآله): " القلب يتحمل الحكمة عند خلو البطن، القلب يمج الحكمة عند امتلاء البطن " (30). 6- كثير الطعام لا يدخل ملكوت السماوات و الارض، كما روي عنه (صلى الله عليه وآله): " لا يدخل ملكوت السماوات والأرض من ملأ بطنه" (31). 7- الله (تعالى) يبغض البطن الملآن، كما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): "ما من شئ أبغض إلى الله من بطن مملوء "(32). و عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): " ليس شئ أبغض إلى الله من بطن ملآن " (33).وعن الإمام الباقر (عليه السلام): " أبعد الخلق من الله، إذا ما امتلأ بطنه" (34). ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) المؤمنون 51 (2) وسائل الشيعة، ج17ص12 (3) حياة الحيوان: الدراج بالضم كرمان واحدته دراجة وهو طائر مبارك (4) فروع الكافي، ج6، ص312 (5) بحار الانوار ج62 ص44 (6) المصدر السابق ج103 ص233 (7) المصدر الاسبق ج63 ص259 (8) المصدر نفسه ج103 ص237 (9) و(10) ميزان الحكمة ج2 ص272 (11)و(12) بحار الانوار ج63 ص161 (13)المصدر السابق ج63 ص170 (14)بحار الانوار ج63 ص314 (15)ميزان الحكمة ج2 ص18 (16)الاخلاق في القرآن ج13 ص10 (17)و(18) الكافي، ج6، ص351، ح4، نقلا عن الأخلاق في القرآن (19)و(20)بحار الانوار ج63 ص72 (21)ميزان الحكمة ج4 ص11 (22)المصدر السابق ج1 ص80 (23)و(24)المصدر الاسبق ج4 ص11 (25)ـ(26)المصدر السابق ج1 ص80 (28) عيون الحكم و المواعظ ج1 ص83 (29) ميزان الحكمة ج1 ص82 (30)المصدر السابق ج4 ص11 (31) ـ (34)المصدر نفسه ج1 ص81

اخرى
منذ 6 سنوات
11046

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
70396

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
51507

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41501

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
36095

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
32918

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32265