تشغيل الوضع الليلي

من اسئلتكم

منذ 6 سنوات عدد المشاهدات : 3038

عالم الذر
قال تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ (172))
السؤال:
في عالم الذر عندما عرضت ولاية امير المؤمنين (سلام الله عليه)
ما الذي جعل البعض قَبِل والآخر تردد وقبل وآخر استكبر ورفض ؟
وهل عرضت الولاية على الناس فقط أم على ما في الكون جميعا من المخلوقات او الاشجار ؟؟

الجواب:
اتفق العلماء على كون الآية الكريمة تتحدث عن أخذ الله (تعالى) العهد من ذريّة آدم (عليه السلام) قبل خلقهم، لكنهم اختلفوا في كيفية ذلك إلى عدة آراء تبعاً لاختلافهم في تفسير الآية المذكورة من جهة، وتقييمهم للروايات الواردة في شأن ذلك العالم من جهةٍ أخرى. ونحن نذكر رأيين مهمين هنا.
الرأي الأول:
وهو ما يُنسب لأهل الظاهر والمحدثين، ومفاده أن الله (تعالى) عندما خلق آدم (عليه السلام) أخرج أبناءه جميعاً إلى آخر نسل له من البشر على هيأة ذرات دقيقة ملأت الفضاء، وكان لهذه الذرّات عقلٌ وشعور يكفيان لاستماع الخطاب ورد الجواب، فخاطبها الله (سبحانه) قائلا (الستُ بربّكم)؟! فَأجابت جميعاً: (بلى). ثم أعاد الله (تعالى)تلك الذرات إلى صلب آدم أو طينته، وهكذا أخذ الله (تعالى) الميثاق والعهد من بني البشر.
الرأي الثاني:
حاصله أن الله (تعالى) قد منح الذرات الأولى لوجود الإنسان وهي (النطف) قوى وقابليات تَمكِّنه من إدراك حقيقة التوحيد وذلك عند انتقالها من ظهور الآباء إلى أرحام الأمهات، فتكون تلك القابليات والقوى هي العهد والميثاق الذي أخذه (عز وجل) من البشر. وبناءً عل هذا تكون المحاورة بينه (سبحانه) وبينهم محاورة كنائية وليست حقيقية، فكأن الله (تعالى) سألهم عندما منحهم تلك القابليات ألست بربكم؟ وكان لسان حالهم يشير إلى الإيجاب.
هذه خلاصة الرأيين المشهورين حول عالم الذر، وقد وردت على الأول منهما إشكالات أعرضنا عن التعرض إليها طلباً للاختصار، لعل أهمها: كيف يمكن أن يحتج الله (تعالى) على البشر بأمر قد نسوه لأنهم لا يتذكرون ذلك الموقف؟
والجواب فيما روي عن زرارة قال سألت الإمام أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله (عز وجل):" واذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربك قالوا بلى" قال: "ثبتت المعرفة ونسوا الموقف وسيذكرونه يوماً، ولولا ذلك لم يدر احد من خالقه ولا من رازقه"(1)، أي إن المعرفة بالتوحيد طالما كانت ثابتة فإنها كافية للاحتجاج بها عليهم، وإن لم يتذكروا تفاصيل ذلك الموقف الذي تلقّوا خلاله تلك المعرفة.
ولم يرد على الرأي الثاني سوى إشكال واحد حاصله: أن الآية صريحة بالحوار الذي جرى بين الله (تعالى) والبشر الذين كانوا على هيأة ذرّ.
ويمكن ردّه بورود أمثال هذا الحوار الكنائي في القرآن الكريم كما في قوله (تعالى):"ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11)"(2)
وعلى كلٍ، فإن مضمون الميثاق ذاته لم يكن مقتصراً على التوحيد فقط، بل وشمل النبوة للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) والولاية لأمير المؤمنين (عليه السلام) كما ورد ذلك في بعض الروايات الشريفة، ومنها ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) في قوله (عز وجل):"فطرة الله التي فطر الناس عليها" قال: فقال: "على التوحيد ومحمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى أمير المؤمنين (عليه السلام)"(3).
وقد يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم أن في أخذ الميثاق على البشر وهم لا زالوا ذرّاً وبالتالي تقسيمهم بناءً على ذلك إلى مؤمن وكافر يستلزم الجبر في الإيمان والكفر!
إلا أن الأمر ليس كذلك، لأن الله (تعالى) لم يجمعهم في عالم الذرّ ليقرّر مصير كل منهم وعاقبة أمره، وإنما ليودعهم الفطرة الصحيحة وليكشف عن العاقبة التي ستؤول إليها اختياراتهم وسلوكياتهم من الطاعة أو العصيان في الحياة الدنيا؛ لعلمه الأزلي والأبدي عن العاقبة بحال جميع مخلوقاته قبل نزولهم إلى الدنيا، وعليه فإن كفرهم أو إيمانهم في عالم الذر ليس بعلةٍ للكفر والإيمان في الدنيا وإنما مرآةً لهما.
وأما السبب الذي جعل البعض يقبل الولاية مباشرةً والآخر يقبلها بعد تردد فيما يرفض غيرهما ويستكبر فلم تُبيِّنه الروايات الشريفة بشكل واضح وصريح، ولكن بناءً على ما تقدم يمكن القول:
إن اعتقادات الإنسان في هذه الدنيا وما يؤثر فيها من محيطه وبيئته وما يختاره من اختيارات عند مواجهته لمختلف الابتلاءات والاختبارات هي التي حدّدت سرعة قبوله للاعتقادات الحقة من التوحيد والنبوة والولاية أو قبوله بعد تردد أو رفضه لها واستكباره عليها.
وقد يقول قائل:
إذا كانت اعتقادات الإنسان وأفعاله في هذه الحياة الدنيا من طاعات ومعاصٍ هي التي حدّدَت إجابته عند سؤال الباري (عز وجل) إيَاه في عالم الذر، فما فائدة ذلك العالم؟ بل وما فائدة سؤال الله (جل وعلا) للبشر وإشهادهم على أنفسهم؟
ويُجاب:
يمكن أن نتصور فائدته في المعرفة التي اكتسبها البشر والتي فطرهم الله (تعالى) عليها، كما جاء في خبر زرارة حيث قال الإمام الباقر(عليه السلام):"ثبتت المعرفة ونسوا الموقف وسيذكرونه"(4)، أي إنهم عرفوا أن الله (تعالى) ربّهم وأن النبي محمداً (صلى الله عليه وآله) نبيهم وأن أمير المؤمنين علياً (عليهم السلام) وليهم، إلا أنهم نسوا الموقف الذي تلقّوا فيه تلك المعرفة.

وأما فيما يخص السؤال عن كون الولاية عُرِضت على الناس فقط أم على ما في الكون جميعاً من المخلوقات او الاشجار، فمن المفيد قبل كل شيء أن نشير إلى نقطة مهمة وهي:
إن مذهباً حقاً كالمذهب الإمامي قائمٌ على أسس رصينة وقواعد متينة هو بلا شك غني كل الغنى عن طرح هكذا تساؤلات قد تُحفِّز بعض أعداء المذهب على السخرية والاستهزاء به من جهة وقد تصدُّ بعض من يحاول البحث في صحة هذا المذهب وحقانيته من جهةٍ اخرى؛ لذا فمن المفيد عدم تداول هكذا موضوعات على شاشات الفضائيات ووسائل الإعلام.

وأما في مقام الإجابة فيمكننا القول:
بأن مسألة عرض الولاية على جميع المخلوقات بما فيها من جمادات وحيوانات إنما هي فرع التكليف، وبما أن هذه الكائنات ليست مكلّفة لانعدام التعقل فيها، فلا وجه لعرض الولاية أو غيرها من الحقائق الدينية عليها.
ولكن قد يقال بأن لعرض الولاية عليها وجوهاً أخرى من قبيل:
أولاً: بيان مقام الولاية ومكانتها، ولتعزيز ارتباط الناس بها وإقامة الحجة عليهم من جهة، وبيان شمولها لكل المخلوقات، بمعنى انقياد المخلوقات لها من جهة أخرى.
ويلاحظ عليه: بأن بيان مقام الولاية ومكانتها لإقناع الناس بها وبضرورتها إنما يكون باعتماد طريق مقنع تذعن له العقول وتسكن إلى منطقه النفوس، كبيان فضل الولي وضرورة وجوده وسعة ولايته، لا عن طريق مستغرب ويصعب التثبت منه، بل وقد يكون مثار جدل وأخذ وردّ.
وأمّا دعوى كون الهدف من عرض الولاية على سائر الممكنات كالحيوانات والجمادات والنباتات لإثبات شمولها لكل ذلك، فيلاحظ عليه: أنّ الولاية التكوينية لا يتوقف جعلها على إذنٍ وقبول ممن جُعلت عليه، بل إن جميع الممكنات منقادة لمن جُعلت له بإذن الله (تعالى) شاءت أم أبت.

ثانياً: لا إشكال في عرض الولاية على الحيوانات والنباتات والجمادات لأنها مخلوقات لها نوع من التعقل والإحساس، كما ورد ذلك في بعض آيات القرآن الكريم منها قوله (تعالى):"تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا"(5)
ويلاحظ عليه: أن التسبيح الذي أشارت إليه الآية المباركة لا يمكن أن يكون تسبيح عقل ووعي وإرادة، وإنما هو نحو من أنحاء الانقياد التكويني للخالق، أي إنه بيان واقع حال المخلوقات نظير قوله (تعالى):" ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ"(6)
ثالثاً: إمكانية عرض الولاية على الجمادات بدليل القرآن الكريم الذي يصرح بوقوع عرضٍ معيّنٍ عليها، قال تعالى:"إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا"(7)
ويلاحظ عليه: أنّ الآية المباركة في صدد تقديم وصفٍ لواقع حال تلك المخلوقات، حاصله عدم أهليتها الذاتية لحمل الأمانة الإلهية، لا أنّها رفضت طلباً إلهياً حقيقياً توجّه إليها بطلب حمل الأمانة، وإنما تبيان لعدم لياقتها لتحمل الأمانة الإلهية. وبالتالي فهي لم تتمرد عن حملها كما إنها لم تنقسم بين مقرٍ ورافض، وعليه فالآية لا تصلح لأن تكون دليلاً على إثبات القول بعرض الولاية على المخلوقات، كما إنها لا تصلح لنفيه أيضاً، فهي ساكتة عن هذا الأمر.

رابعاً: ورود بعض الروايات الدالة على وقوع عرض الولاية على هذه الكائنات، منها ما روي عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليهم أجمعين) قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: "تختموا بالعقيق، فإنّه أوّل جبلٍ أقرّ لله بالوحدانية ولي بالنبوة ولك يا علي بالوصية "(8).
كما روي عن الإمام الرضا (عليه السلام) في خبر طويل: "وعرضها في ذلك اليوم على النبات فما قبله صار حلواً طيباً ، وما لم يقبل صار مراً، ثم عرضها في ذلك اليوم على الطير فما قبلها صار فصيحا مصوتا وما أنكرها صار أحر ألكن "(9).
ويَلاحظ عليها:
أولاً: ضعف أسانيدها بأجمعها.
ثانياً: على فرض صحة أسانيدها فهي مجرد أخبار آحاد ولا تصلح لإثبات أمرٍ عقدي.
ثالثاً: أنّ بعضها مما لا يمكن الأخذ به، لأنّها ظاهرة في تكليف الله (تعالى) لبعض الكائنات وعقابه لها، فالطير الذي لم يوالهم صار ألكناً، والماء الذي لم يوالهم صار مالحاً، ومن المعلوم أنّ التكليف فرع العقل، والعقاب لا وجه له مع عدم العقل.
رابعًا: تسرب بعض الروايات من الكتب الحديثية السنية إلى بعض الكتب الشيعية المتأخرة كبحار الأنوار كرواية أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وآله):"كلوا الباذنجان فإنّها شجرة رأيتها في جنة المأوى، شهدت لله بالحق، ولي بالنبوة، ولعلي بالولاية، فمن أكلها على أنها داء كانت داء، ومن أكلها على أنها دواء كانت دواء"(10) .
وقد أدرج هذا الحديث بعض أعلام السنة في عداد الأحاديث الموضوعة والباطلة، منهم الفتني في كتاب تذكرة الموضوعات، والعجلوني في كشف الخفاء وغيرهم.



ختاماً نقول:
إن الله (تعالى) قد كرّم الإنسان على سائر من خلق بأن منحه جوهرة العقل وجعله مختاراً؛ ولذا فقد اختصه بالتكليف من بينهم؛ لدوران التكليف مدار العقل كما هو المستفاد من الحديث الشريف المروي عن الإمام أبي جعفر الباقر(عليه السلام):"قَالَ لَمَّا خَلَقَ اللَّه الْعَقْلَ قَالَ لَه: أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ ثُمَّ قَالَ لَه أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ فَقَالَ وعِزَّتِي وجَلَالِي مَا خَلَقْتُ خَلْقاً أَحْسَنَ مِنْكَ إِيَّاكَ آمُرُ وإِيَّاكَ أَنْهَى وإِيَّاكَ أُثِيبُ وإِيَّاكَ أُعَاقِبُ"(11).
وعليه لا يمكن القول بأنه (جل جلاله) قد كلّف الحيوانات التي منحها الموهبة اللدنيَة لتسيير مصالحها لقوله(تعالى):"أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً"(12) فضلاً عمن سواها من نباتات وجمادات، والله أعلم..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مختصر بصائر الدرجات ج1 ص223
(2) فصلت 11
(3) بصائر الدرجات ج1 ص100
(4) مختصر بصائر الدرجات ج1 ص223
(5) الإسراء 44
(6) فصلت 11
(7) الأحزاب 7
(8) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ج 2 ص 75، بحار الأنوار ج 27 ص 280
(9) ألكن أخرس بحار الأنوار ج 27 ص 262
(10) مكارم الاخلاق: 184 ، البحار: ج66 ص223
(11) الكافي ج 1 ص 26
(12) الفرقان 44

رضا الله غايتي

اخترنا لكم

خاطرة

إنه ابن الرسول (صلى الله عليه وآله) ما كان للحُسن اسم قبل وجوده شَق له الرحمن هذا الاسم فكان الحسن! خلاصة النسل الطيب من علي وفاطمة. فاطمة تعني النبي الأمجد محمد بن عبدالله والسيدة خديجة بنت خويلد عليها السلام وعلياً... يعني الكافل والمحامي والناصر أبا طالب والجليلة فاطمة بنت أسد فماذا بعد هذا المجد يا نور تلألأ في المدينة فاشرق نوره في أرجائها

اخرى
منذ 4 سنوات
435

تعلمتُ من زينب (عليها السلام)

بقلم: خادمة الزهراء تَعلمتُ مِن زينب أنَّ صوتَ الحقِ لا يُخمد مهما استبدّ الاستكبار في طغيانه، وعَلا صوته وجال وصال وعاثَ في الأرضِ الفساد.. وتَعلمتُ مِن زينب أنَّ الكلمة في بعض الأحيان تكون أحدَّ مِن صَليلِ السيوف.. كما عَلَمَتني أنَّ نُصرَةَ الدَّين وإمام الزمان لَيست حِكرًا على الرجالِ، فرُبَّ امرأةٍ تقودُ ثورةً خَيرٌ مِن ألفِ رَجُل.. وَعَلَمَتْني أنَّ كُلَّ غالٍ ونَفيسٍ يَرخُصُ لِأجلِ إِعلاءِ كَلِمَةِ اللهِ (تعالى) ونُصرَةِ الدِّين وإِمامِ الزَمان (عجّل الله فرجه).. وأنَّ النَّفس والمالَّ والجاهَ والأولاد هُم مِن اللهِ تعالى وإِلى الله تعالى وإِنَّها تَرخُصُ لِأجلِ المبادئ السامية.. وأنَّ الصَّبرَ جميلٌ إِذا كانَ لله (جلّ شأنه)، فَالمُؤمِنُ الرسالي مَهما اشتدَ عليهِ البلاء، وضاق صَدرُه لا يمنَعُه حزنه من إيصال رسالته، ولا تحول المآسي التي تمر عليه دون تحقيق أهدافه، فهو مَعَ اللهِ تعالى والله تعالى مَعه، كيف لا، وقد قال أصدق القائلين: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ))(البقرة آية٥٣).. وكانت السيدة (سلام الله عليها) خَير مِصداقٍ لِهذِهِ الآية؛ إذ استعانت بالصبر حتى عجز الوصف والكلام عن صبرها، وحَيَّر كُنهَ العقول صُمودُها، واستعانَت بِالصَلاةِ فلم تترك حتى صلاة الليل المُستحبة في أصعب ليلةٍ تمرُّ عليه مع كُلِّ ماحَلّت بِها من رزايا عَظيمة، من فَقدٍ لِلأهلِ مِنَ الإِخوَةِ وَالأولادِ وبالأخص رزية فقد إمام زمانها شَريكِ روحها ورفيق دَربِها سِبطِ رَسولِ الله (صلى الله عليه وآله) الإمامِ الحُسين (عليه السلام).. نعم، لَقَدِ استَعانَت بِالصَبرِ والصَلاةِ فكان الله تعالى معها؛ لأن الله مع الصابرين... وتَعَلَمتُ مِن الصديقة زَينَب (عليها السلام) أنَّ حِجابَ المرأةِ وسترها وعفافها قضيةٌ رَسَخ الإسلام مَفهومَها، فلا قيمة لإيمانِ امرأة بلا عفاف وحِجاب.. وقد رَسَمت العقيلة زَينَب(سلام الله عليها) خَطًا واضِحًا لِمَن أَرادَتِ الاقتداءَ بِها مِنَ النِساء لِمَن تُريدُ أنْ تَكُونَ امرأةً ناجِحَةً وَتُريدُ الفوز بسعادة الدارين، وتُريدُ أنْ تَكُونَ في المَحل الذي اختارهُ الله لَها.. فَالمرأةُ في الوقتِ الذي يَتَطلبُ مِنها أَن تَكونَ فيهِ في البيتِ؛ لتؤدي رِسالتَها داخِلَ اُسرَتَها، إذ إنّها هي البِنتُ وَالزوجةُ والأُختُ والأمُ الصالِحة، فإنَّها لابُدَّ أن تؤدي وظيفتها الدينية وتنصر إمام زمانها (عليه السلام) في الميدان الذي يناسبها أو الذي تقتضيه ظروفها، فللمرأة دورٌ مهم في نشر الرسالة الإسلامية وفي تصحيح مسارها وفي المساهمة في استمرارها، وقد صدق المثل المعروف (وراء كلّ رجلٍ عظيم امرأة)، فكان للسيدة خديجة (عليها السلام) دورٌ فاعل في مساندة الرسول (صلى الله عليه وآله)، ولسيدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام) دورٌ فاعل في مساندة الإمام علي (عليه السلام) والدفاع عن إمامته، ولعقيلة الهاشميين زينب (عليها السلام) دورٌ فاعل في مساندة الإمام الحسين (عليه السلام) وفي إكمال مسيرته...

اخرى
منذ 4 سنوات
3498

تجلياتٌ معرفية في الخطاب المهدوي (12)

بقلم: علوية الحسيني "واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا" يستمر الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) بدعائه, فيطلب من الله (تعالى) السلطان النصير, فهو يريد أن تكون العلّة التامة لنصره هي الله (تعالى) أصالةً, لذلك قال (من لـدنكَ), فنسبة النصر إلى الله (تعالى) للاختصاص, وهي نظير قوله تعالى: {ألَا إِنَّ نَصـْرَ اللَّهِ قَرِيب}(1). وأصل دعاء الإمام آية قرآنية, وهي قوله تعالى: { وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرا} (2), وعليه, ينبغي الرجوع إلى تفسير هذه الآية الكريمة لمعرفة حدود مقصدها عمومًا, ومغزى الإمام من الدعاء بها خصوصًا. يذكر أنّ هذا دعاء النبي الأكرم, محمد (صلى الله عليه وآله), فحينما فسّرت هذه الآية كان مفاد تفسيرها هو اللهم "اجعل لي عـزّا أمتنع به ممن يحاول صدي عن إقامة فرائضك وقرة تنصرني بها على من عاداني فيك. وقيل اجعل لي ملكا عزيز[عزيزا] أقهر به العصاة فنصر بالرعب حتى خافه العدو على مسيرة شهر. وقيل حجّة بيّنة أتقوى بها على سائر الأديان الباطلة. وسماه نصيرا لأنه تقع به النصرة على الأعداء فهو كالمعين" (3). والمتأمل في سياق الآية الكريمة التي دعا بها النبي الأكرم, محمد (صلى الله عليه وآله) يجد جملة سابقة لها, تشير إلى وجـه الشبه بين مهمة النبي محمد, وحفيده الإمام المهدي (عليهما السلام), بل وإلى بيان مغزى الإمام من وراء اختياره لهذه الآية تحديدًا ليلهج بها في دعائه، فالآية بتمامها هي {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرا} (4). ومن أحد وجوه تأويل ادخاله واخراجه بصدق, والمتناسب مع هدف الإمام ظاهرًا, هو "أدخلني المدينة، وأخرجني منها إلى مكة للفتح" (5), فلعله يشير إلى دخول المدينة بظهوره الأولي الأصغر, وخروجه منها متوجهًا إلى مكة لظهوره الأكبر, فهنا طلب السلطان النصير حال ظهوره مطلقًا؛ ويؤيد ما تم استظهاره قرينة متصلة, ضمن نفس سياق دعاء احتجاب الإمام, وهي قوله: "وافتح لي فتحًا مبينا", وسيأتي شرح مفرداتها في الحلقة القادمة إن شاء الله (تعالى). إذًا دعاء الإمام بطلب السلطان النصير هو لغرض الفتح؛ كطلب جدّه النبي الأكرم, محمد (صلى الله عليه وآله), كان لغرض فتح مكة, ونشر دين الإسلام فيها. وبما أنّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) سيّد العقلاء, وسيرة العقلاء جارية على أنّ الحكيم منهم حينما يريد أن يتكلّم, يقول كل ما يريده, ونص دعاء الإمام ظاهر في العموم, حيث إنّ الإمام لم يقيّد أي نصرةٍ يطلبها من الله (تعالى), فتعيّن أن يطلب بدعائه جميع أقسام النصرة؛ لأنّه لو أراد قسمًا منها لذكرها, ثم إنّ حصره النصرة بقسمٍ دون آخر ليس مناسبًا مع مقام عصمته؛ لاعتقاده بقدرة الله تعالى الواسعة, التي تتعلق بكل شيء ممكن, وأمر نصرته بكافة أقسام النصرة ليس بمحال على الله العلي القدير, فأطلق في دعائه. وعليه, يمكن تقسيم النصرة المطلوبة في دعاء الإمام على ثلاثة أقسام: •أولاً: النصرة القولية: انطلاقًا من كون قول المعصوم حجّة, فإنّ تراث محمدٍ وآل محمد (عليهم السلام) المبشّر بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) ودعاءهم له, هو أحد مصاديق نصرة الإمام القولية. فلعله يقصد (بحق كلام أسلافي اجعل لي من لدنك سلطانًا نصيرا), بالقول الثابت, فقوله قولهم (عليهم السلام), وقولهم قول رسول الله (صلى الله عليه وآله), لاسيما وأنّه (عجّل الله فرجه الشريف) سيحاجّ شفويًا من يحاجّه. ومحاجّته القولية مؤيدة بالنصر؛ لأنّه يعتمد على أدلة صحيحة, حيث يحاجّ أتباع كل دين بكتابهم؛ روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): "ويستخرج التوراة وسائر كتب الله (عز وجل) من غار بأنطاكية، ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل القرآن بالقرآن" (6). أما نصرة الإمام القولية على من لا دين لهم, فالبرهان سيّد الموقف. •ثانيًا: النصرة الفعلية: كما ويطلب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) من الله (تعالى), النصرة الفعلية, أي النصرة بأفعاله, وتتجلى صور هذه النصرة بعدّة أمور, منها: 1- جسم الإمام من خلال بعض الروايات الشريفة التي وصفت الإمام (عجّل الله فرجه الشريف), ذكرت أنّ جسمه كأجسام بني اسرائيل, فعبّرت عنه بذي الجسم الإسرائيلي؛ روي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): "المهدي من ولدي، وجهه كالكوكب الدرّي، واللون لون عربي، والجسم جسم إسرائيلي" (7). ويحتمل دلالة معنى كون جسم الإمام جسمًا اسرائيليًا هو "شبه جسمه بجسم نبي الله موسى (عليه السلام) بالقوة الملحوظة من سياق الآيات الكريمة التي تطرقت إلى وكزه للقبطي, وإلى سقيه لابنتي شعيب من بئرٍ عميق" (8). فلعلّ الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) يدعو الله (تعالى) أن يديم صحة جسمه, ليستطيع أن يحقق النصر. ولاشكّ أنّ الإمام إنسان, وكلّ إنسان يحتاج لجسده كي ينفذ أفعاله, -حتى وإن منحه الله (تعالى) بعض المعجزات-, فهو بالتالي لا بد أن تكون يده سليمة كي يقاتل بها, وقدمه كذلك كي يذهب إلى دولٍ ليفتحها, وهكذا سائر أعضاء جسده, الذي به يحقق النصر كسلطان. فبتلك الصحة والجسم السليم يقتل قوى الشر, كالسفياني؛ حيث روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "أُفٍّ أُفٍّ، مَا أَنَا لِهؤُلاءِ بِإِمَامٍ، أَمَا عَلِمُوا أَنَّهُ إِنَّما يَقْتُلُ السُّفْيَانِي" (9). وحتمًا أنّ للإمام غايات يريد تحقيقها, ومنها قتل السفياني, ولهذا يطلب السلطان النصير ليحقق احداها. 2- الإمام يُكمّل العقول: لا شكّ أنّ الله (تعالى) كرّم الإنسان بالعقل, وبه ميّزه عن سائر المخلوقات, فبالعقل يتفكر ويعقل ويعلم, وكثيرًا ما حثّت الآيات الكريمة على هذه العمليات الثلاث, رغم أنّ مدركات الناس متفاوتة, لكن كلّ على قدر سعة أفق عقله. صحيح نحن نعيش في عالم الاستكمال, لكن مهما بلغ الإنسان من العلم بعقله -النظري والعملي- في زمن الغيبة, لــن يصل إلى درجة الكمال العقلي المتحقق في زمن الظهور؛ حيث روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنَّه قال: "إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد، فجمع به عقولهم وكملت بها أحلامهم" (10). اليـد هنا كناية عن النعم العظيمة التشريفية, التي يشرّف الله (تعالى) بها وليّه, الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف), وفي زمن ظهوره تجتمع العقول وتكمل. ومعنى اجتماعها هو اتحادها, "بالإيمان والصفاء والمحبة, واتحادها على التطور العلمي والثقافي والتكنلوجي" (11). أما اكتمال الأحلام هو اكتمال العقول؛ ولمفردة (الأحلام) جذر قرآني, جاء في قوله تعالى: { أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُون} (12), وفسرّت هذه الآية بــ "أنّ الأحلام جمع حلم وهو العقل،... والمعنى بل أتأمرهم عــقولهم أن يقولوا هذا الذي يقولونه ويتربصوا به الموت؟ فأي عقل يدفع الحق بمثل هذه الأباطيل؟" (13). وبالتالي سيكون عنصر تكامل العقول عنصرًا مهمًا في نصر الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف), فبعقول أتباعه جيشًا ومن سيؤمن به ينتصر على كل قوى الشر. •ثالثًا: النصرة التشريفية ولقد شرّف الله (تعالى) وليّه, وخليفته على الأرض, الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) بتشريفاتٍ عديدة, تكون سبب تحقق نصره, منها: 1- الإمام مؤيد بالملائكة إنّ تعزيز الدعم الإلهي للإمام بالملائكة, إن صحّ أن نقول أنّه منقطع النظير عمّا سبقه من الدعم للأئمة السابقين؛ تناسبًا مع عالمية دولته, ودعوته, روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: "لو خرج قائم آل محمد لـَـنَصَرَهُ الله بالملائكة المسومين والمردفين والمنزلين والكروبيين، يكون جبرئيل أمامه وميكائيل عن يمينه وإسرافيل عن يساره" (14). 2/ الإمام منصور بالرعب وتشريف آخر يحظى به الإمام, وهو أنّ الله (تعالى) يلقي الرعب في قلوب أعدائه قبل أن يخوضوا معه القتال, ولهذا نجد الكثير منهم يدخل طوعًا تحت لوائه, روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: "القائم منا منصور بالرعب، مؤيد بالنصر" (15). وكفى بالرعب نصرًا... 3- عصر الإمام عصر تطور تكنلوجي ومن التشريفات ازدهار التكنلوجيا في عصره, واستعمالها كجزء علة في نصره, ونشر دعوته, روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): "المؤمن في زمن القائم وهو في المشرق يـرى أخاه الذي في المغرب وكذا الذي في المغرب يــرى أخاه الذي في المشرق" (16). بالإضافة إلى وسائل النقل والحرب المستفادة ظاهرًا مما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): "القائم منا... تطوى له الأرض" (17). فطي الأرض قد يكون بالطائرات أو وسائل النقل الحديثة. وهذا سبب كبير في انجاح النصر. ▪️وبعد استعراض بعض مصاديق أقسام النصر الذي يطلبه الإمام في دعائه, بقي أن نشير إلى كيفية تحقق نصره (عجّل الله فرجه الشريف), حيث طرحت اطروحات أشارت إلى كيفية ذلك, "منها: ■الأطروحة الأولى: نصرٌ بالإعجاز الإلهي وقد نوقشت هذه الاطروحة بعدم واقعيتها؛ إذ حتى مع استظهار الاكتفاء بالإعجاز الإلهي بردّ العدو وأسلحته بمجرد دعاء, لكن ذلك معارض بقاعدة (ناموسية السنن الإلهية). ■الأطروحة الثانية: نصرٌ بالقوانين الطبيعية ومفاد هذه النظرية أنّ نصر الإمام يتحقق وفقًا لقوانين الطبيعة فقط, دون تدخل القدرة الإلهية. وأيضًا نوقشت هذه الاطروحة, وعورضت بمحالية عدم تدخل القدرة الإلهية, وإن كان للإمام قدرات ذاتية, لكنها تبقى في طول قدرات الله (تعالى), لا في عرضها. ■الأطروحة الثالثة: نصرٌ بقوّة الجيش وحداثة السلاح مع تأييدٍ إلهي. هذه الأطروحة أجملت في بيان مقومات نصر الإمام" (18). وترجّح الأخيرة؛ لتناسبها مع أقسام النصرة التي ذكرت أعلاه. فظاهرًا هي المستجمعة للنصر الذي يطلبه الإمام بسلطان منه. __________________ (1) سورة البقرة: 214. (2) سورة الإسراء: 80. (3) مجمع البيان في تفسير القرآن: للفضل بن الحسين الطبرسي, ج6, ص284. (4) سورة الإسراء: 80. (5) مصدر سابق. (6) بحار الأنوار: للعلامة المجلسي, ج52, ص351, ح103. (7) المصدر نفسه, ج51, ص80. (8) ظ: على ضفاف الانتظار: للشيخ حسين الاسدي, 39. (9) الكافي: للشيخ الكليني, ج8, ص331, ح509. (10) المصدر نفسه, ج1, ص25, ح21. (11) ظ: دولة الإمام المهدي عليه السلام: للسيد مرتضى المجتهدي السيستاني, مصدر ألكتروني. (12) سورة الطور: 30. (13) تفسير الميزان: للعلامة الطباطبائي, ج19, ص17. (14) الغيبة: للشيخ النعماني, ج1, ص237. (15) إعلام الورى بأعلام الهدى: للشيخ الطبرسي, ج2, ص291. (16) بحار الأنوار: للعلامة المجلسي, ج52, ص391, ح213. (17) مصدر سابق. (18) ظ: مقال دراسات/ أفكار في سلاح الإمام المهدي عليه السلام عند الظهور: للكاتب حسين عبد الأمير الظالمي, مجلة الانتظار, العدد12, 1429هـ. اللهم ادخله مدخل صدقٍ، وأخرجه مخرج صدقٍ، وأجعل له من لدنك سلطانًا نصيرا.

العقائد
منذ 4 سنوات
784

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
76222

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
56138

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
43340

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
43002

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
39697

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
33440