تشغيل الوضع الليلي
هلِ الحُسينُ ثائرٌ أم مُعارضٌ؟
منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 385
بقلم: باقر جميل
لا يُمكِنُ لنا أنْ نفهمَ ماهيِّة الحسينِ (عليه السلام) مهما تَعمّقَ الكُتابُ في بحرهِ الُّلجي، فَمكنونُ شخصِيتهِ من مُختصاتِ أهلِ العصمةِ الذين لهم الولاية التكوينيةِ في معرفةِ طرقِ السماء أكثر من طرق الأرض.
لقد امتلأتِ الصفحاتُ وانحنتِ الأقلامُ متواضعةً، وسالَ حِبرٌ كثيرٌ في شرحِ أسباب استشهادهِ (عليه السلام)، وشرحِ معالم نهضته وقيامه، وقد ذهبَ البعضُ شططًا أنّه يطلبُ الحكمَ فقط، والإمامُ بعيدٌ عن هكذا زُخرف لا قيمة له.
لكنِ السؤال الأكثر طرحًا هو عن سببِ قيام الإمام (عليه السلام) بهذه الطريقة، حتى كان مُستعدًا لتقديمِ أغلى الأثمانِ لذلك، بذبحِ رضيعهِ على يديه، والتمثيلِ بجثتِه وبجثثِ أصحابهِ وأهل بيتهِ كما هو معلومٌ لديكم، هل يُمكِنُ أنْ تكونَ مجردَ ثورةٍ على حاكمٍ ظالم فقط؟ أو أنّه معارضٌ لحكمٍ غير صحيح يا تُرى؟
نعتقدُ (وبتواضعٍ) أنّ ظهورَ الدين الإسلامي يكونُ على ثلاثِ مراحل أساسية، تُمثِّلُ غاية الكون ومن به.
فأول ما بدأ به كانَ ضمنَ جهودِ النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، ثم يقومُ الإمامُ الحسين (عليه السلام) بالمرحلةِ الأخطر والأفجع، مرحلة التجديد لهذا التدين الحنيف، فيبقى تجديده عصيًا على الظالمين حتى اليومَ الموعود بظهورِ الحجة.
فالحسينُ (عليه السلام) لم يكنْ ثائرًا ولا معارضًا فقط، بل أبعد من ذلك بكثير؛ فمن ينظر إلى ما قامَ به الإمامُ (عليه السلام) منذ استشهاد الإمام الحسن (عليه السلام)، وتخطيطه المستمر، وصولًا ليوم العاشر من محرم الحرام، إنّما هو تجديدٌ للإسلامِ بشكلٍ كامل.
لقد صارَ جليًا أمامَ الحسين (عليه السلام) أنَّ الإسلامَ بحاجةٍ إلى تجديدٍ جذري، ولابُدَّ أنْ يكون ذلك بصفعةٍ قويةٍ يبقى صداها إلى يومِ القيامة، تُعطي الحافز والدعم لإحياءِ شرائع الله (تعالى) وتثبيتِ دينه.
جمعَ سيّدُ الشهداء كُلَّ تلك الجهود المبذولة من الأنبياء والمرسلين سابقًا، وكُلَّ تلك الآلام التي رافقتهم وأطلقها بشكلٍ متدرجٍ منذُ وفاة الإمامِ المجتبى (علي السلام)، حتى وصلت ذروتُها إلى ظهيرةِ العاشرِ من مُحرّمِ الحرام، فصار ما أنتم به على اطلاعٍ من حجمِ المصيبةِ وعظمِ الرزية، فوقع صدى تجديده للدين لكُلِّ الناسِ، بعدما كادَ أنْ يغيبَ بفعلِ حكمِ يزيدٍ وأعوانه.
اخترنا لكم
لماذا كربلاء
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم إلى قيام يوم الدين... تعتبر الهجرة حركة مهمة جداً في الإسلام ، وتشكل انعطافة سياسية في انتقال المجتمع من الظلم والمطاردة إلى بر الأمان وموقع القوة، وعندما نبحث في طيات التاريخ نجد أن النبي الأكرم محمداً (صلى الله عليه وآله) هاجر مع قسم من الذين أسلموا، وبالمقابل نجد فئة أسلمت، لكنها لم تهاجر، والسبب يكمن في الخوف على الأموال وعدم الرغبة بترك الأهل والديار في مكة المكرمة… فمثل هؤلاء قد اجبروا من قبل قريش على قتال المسلمين في واقعة بدر والبعض قتلوا على أيدي المسلمين باعتبارهم من أنصار قريش في حين كانت قريش كافرة. (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97)) سورة النساء ومن هنا قسمت الهجرة إلى: هجرة واجبة وهي لمن يخاف على دينه. والهجرة المستحبة لغرض العمل والتجارة. والهجرة المحرمة كالذي يسافر لتأييد الظلم والفساد، أو ان يسافر الإنسان من بلد يستطيع أن يؤدي ما عليه من العبادات إلى بلد خالي من ملامح الإسلام. وتكررت الهجرة في حياة النبي وأهل البيت (عليهم السلام) فهاجر أمير المؤمنين علي (عليه السلام) من المدينة إلى البصرة وثم إلى الكوفة واستلم مقاليد الخلافة. ولكن لماذا هاجر سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) إلى كربلاء؟ لماذا كربلاء؟ كان للحسين (عليه السلام) خيارات كثيرة منها: الخيار الأول: أن يبقى في الحجاز، المدينة أو مكة. لكن أن بقي (عليه السلام) ولم يهاجر هل كان سيسلم بنفسه (عليه السلام) وهم من أمروا بقتله ولو كان معلقاً بأستار الكعبة؟ كان من الممكن أن يتعرض الإمام الحسين (عليه السلام) لتصفية جسدية وفي أي لحظة وكانت مكة في ذاك الوقت مزدحمة، إن قتل الامام (عليه السلام) بهذه الطريقة لا يترك أي أثر في إيقاظ النفوس والضمائر في فضح النهج الأموي الظالم الذي لأجله ثار الإمام الحسين (عليه السلام) الخيار الثاني: أن يختار منطقة نائية ينجو بنفسه. ولكن هذا الخيار سيساهم في انتشار الظلم والفساد وينتهي الحسين (عليه السلام) كرسالة اسلامية وهذا طبعاً رفضه الإمام الحسين (عليه السلام) الخيار الثالث: أن يختار منطقة حية نابضة بالحياة والانصار، منطقة تكون مؤهلة للفتح الإسلامي وتكون ذات وعي وتفاعل في القضية الإسلامية. وبهذا حازت الكوفة على هذه المرتبة ولاسيما إن أهل الكوفة أرسلوا الكتب إلى الإمام الحسين (عليه السلام) يدعونه بالمجيئ إليهم ولكن ختمت أعمالهم بقتل سفيره مسلم بن عقيل (عليه السلام) والغدر ببيعة الإمام المعصوم، وبهذا منعوه (عليه السلام) وركبه من الرجوع إلى المدينة وحاصروهم ومنعوا عنهم الماء، فسار الركب الحسيني متجهاً نحو كربلاء وبداية الثورة الحسينية نبعت من تلك الأرض التي ارتوت بدماء أشرف خلق الله. فثورة الحسين ثورة ضد الظلم والطغيان، ثورة بينت للعالم مستوى الفساد الأخلاقي الذي حل بالإسلام، إضافةً إلى إظهار قلة المناصرين لأهل البيت (عليهم السلام)، فلو أراد الإمام الحسين (عليه السلام) مالاً وعلواً لبقي في المدينة نظراً لقربه ومنزلته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) لكانت قد تهافتت عليه الأموال والرجال وهو جالس بمنزله. لكنه (عليه السلام) أراد نصراً وعزاً للإسلام والمسلمين، أراد عيشاً بلا ذل وهوان للمؤمنين، أراد منّا أن نواجه الظلم والطغيان وأن نكون أقوياء في كلمة الحق مهما كان علينا من جور وناس لئام. فكانت كربلاء وكانت نصراً وكانت مأساة وكانت ثورة الخلود والكبراء. نعم كانت كربلاء. ______________________ 1_ النساء 97 عين الحياة
اخرىالـمرأة الـرسالية
بِسْم الله الرحمن الرحيم {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبا}(1) صدق الله العلي العظيم. ظهور الآية الكريمة يدل على أنّ الذين يبلّغون رسالات الله هم الرجال والنساء، بدلالة السياق الخطابي للقرآن الكريم حينما يريد تكليف الجنسين يعبّر عن ذلك بصيغة الجمع كما هو واضح في آية {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون}(2) إذ التكليف بإقامة الصلاة لا ينحصر بجنس الرجال دون النساء، بل صيغة الجمع تدل على شمول كلا الجنسين بالتكليف، فكذلك أمر تبليغ رسالات الله تعالى، والظهور حجّة، وفي ذلك قوّة للدليل على شمول النساء بتبليغ الرسالات تلك. إذاً فمِن الخطأ حصر مسؤولية الدعوة إلى الله تعالى وإلى دينه بالرجال دون النساء، حيث إنّ الإسلام أولى مسألة تحصيل العلم أهمّيّةً قصوى، حتّى أنّه اعتبره فرضاً واجباً على كلّ مسلمٍ ومسلمةٍ، وقد تعرّضت جملة من الآيات القرآنيّة والأحاديث الشريفة لبيان فضل العلم والعلماء وما لهم من الأجر الكبير عند الله عزَّ وجلَّ، وكلّ ذلك ترغيباً في العلم ودعوةً إلى تحصيله، جاء في الحديث: "طلب العلم فريضة على كلّ مسلمٍ ومسلمةٍ"(3)، ففي هذا الحديث تأكيد على أنّ طلب العلم أمر لا يتمايز فيه أحد عن أحدٍ، فهو واجب على الرجل والمرأة، بل الصغير والكبير، الشابّ والشيخ، الحاكم والمحكوم، ولا يختصّ بطبقةٍ أو جنسٍ. كما وهناك أدلة عامة تدل على مشاركة المرأة الرجل في الدعوة، قال تعالى: {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْض}(4). وانطلاقاً من ذلك لابدّ من إماطة اللثام عن الدور الحقيقيّ للمرأة الرساليّة الناجحة؛ إذ انّ بعض مجتمعاتنا تعتقد بانحصارِ دور المرأة الرساليّة بشهريَ العزاء (محرّم وصفر) تبليغاً وخطابةً وتفقهاً، كما وإن الرساليّة نفسها تعتقد ذلك، فتنشط في هذين الشهرين فقط وتبذل ما في وسعها. كـما ويعتقد البعض بانحصار علومها في الفقه والعقائد والأخلاق، وهذا غير المأمول منها مقارنةً مع عظم المسؤولية المناطة بها. والـصحيح انّ الـدور المناط بـها في تبليغ تلك الرسالة السامية يتطلب منها أن تكون كالطبيب الدوّار، ناشطة بجميع الشهور والأمرار، عالمةً بشتى العلوم والأسرار، متقنةً لفن الإقناعِ والحوار، مهيمنة على جميع الأفكار، تــلك هي المرأةُ الرساليّة الناجحـة. وتكتسب ذلك من علوم ( العقائد، والتفسير، والفقه، والأخلاق، والسيرة، والنحو، والبلاغة، والمنطق، والاجتماع، والنفس، والفلَك، والفلسفة،...) إذ إنّها ستكون في معرض أسئلةٍ شتى من أصحاب إدراكاتٍ متفاوتة، وعليه يحتّم الوضع عليها أن يكون جوابها مناسباً للسؤال وصاحبه بساطةً وتعقيداً، فـكلّما زِيدَت في رقيّها الفكريّ كانت أكثر تأثيراً، فـيتحقق عندئذٍ نجاح مشروع أداء الرسالة بأبهى صوره. والدليل على عدم الانحصار الزماني والعلمي للتبليغ هو إطلاق الآية الكريمة {يبلّغون رسالات الله...}، والإطلاق حجّة، إذ إنّ المتكلم –سبحانه- يريد مطلق الزمان ومطلق التبليغ، ولم يقيّد ذلك التبليغ بزمنٍ أو علمٍ معيّن، وحيث أنّه تعالى لم يذكر القيد إذاً هو لا يريده، فبقرينة الحكمة عرفاً أثبتنا إطلاق التبليغ. ولو تتبعنا سيرة سيّدة البيان ابنة أبي الحسنين زينب (عليها سلام الرحمن)، حيث "كانت تنوب عن أخيها الإمام الحسين (عليه السّلام) في حال غيابه ، فيرجع إليها المسلمون في المسائل الشرعيّة ؛ ونظراً لسعة معارفها كان الإمام زين العابدين (عليه السّلام) يروي عنها ، وكذلك كان يروي عنها عبد الله بن جعفر ، والسيّدة فاطمة بنت الإمام الحسين (عليه السّلام) . ولمّا كانت في الكوفة في أيام أبيها كان لها مجلس خاص تزدحم عليها السيّدات ، فكانت تلقي عليهنَّ محاضرات في تفسير القرآن الكريم ، كما كانت المرجع الأعلى[أي ترجع النسوة إليها وتتردد عليها] للسيّدات من نساء المسلمين ، فكنّ يأخذنَ منها أحكام الدين وتعاليمه وآدابه . ويكفي للتدليل على فضلها أنّ ابن عباس حبر الاُمّة كان يسألها عن بعض المسائل التي لا يهتدي لحلّها ، كما روى عنها كوكبة من الأخبار ، وكان يعتزّ بالرواية عنها ، ويقول : حدّثتنا عقيلتنا زينب بنت علي . وقد روى عنها الخطاب التأريخي الذي ألقته اُمّها سيّدة النساء فاطمة (عليها السّلام) في جامع أبيها (صلّى الله عليه وآله) . وقد نابت عن ابن أخيها الإمام زين العابدين (عليه السّلام) في أيام مرضه ، فكانت تجيب عمّا يرد عليه من المسائل الشرعيّة ، وقد قال (عليه السّلام) في حقها : إنّها عالمة غير معلّمة. وكانت ألمع خطيبة في الإسلام ؛ فقد هزّت العواطف ، وقلبت الرأي العام وجنّدته للثورة على الحكم الاُموي ، وذلك في خطبها التأريخية الخالدة التي ألقتها في الكوفة ودمشق ، وهي تدلّل على مدى ثرواتها الثقافية والأدبية . لقد نشأت حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) في بيت الوحي ومركز العلم والفضل ، فنهلت من نمير علوم جدّها وأبيها وأخويها ، فكانت من أجلّ العالمات ، ومن أكثرهنَّ إحاطة بشؤون الشريعة وأحكام الدين"(5). إذاً، اُخية شمّري عن ساعدي الجد، ولا تخافي في الله تعالى لومة لائمٍ ببيان معالم الدّين وإحياء سنن النبي الأمين (صلى الله عليه وآله الطاهرين)، ولا تنسي قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَة}(6) فالآية الكريمة تشير إلى مبتدأ تبليغك وهو نفسك ثم أهلك، وهذا ما أكّد عليه أمير المؤمنين (عليه السلام): "مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً فَلْيَبْدَأْ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ، وَلْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ، وَمُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَمُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالْإِجْلاَلِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ وَمُؤَدِّبِهِمْ"(7). ولا تغفلي عن إمكانية تأثيرك على من يحيطك من: أ- أبناء، حيث إنّ الأبناء يقضون أغلب أوقاتهم مع الام فتستطيع بذلك عليهم تأثيرا. ب- زوج، فكم من زوجٍ أصلحت طريقَه زوجتُه، أو أثرت عليه برأيها كما ينقل لنا القرآن الكريم باستجابة فرعون لزوجه حينما طلبت منه أن لا يقتل الوليد –النبي موسى عليه السلام- فأشارت عليه بعدم قتله عسى أن ينفعهم فاستجاب لها. ج- أبوين، وخير مثال فاطمة الزهراء (عليها السلام) تلك المرأة التي كان لرأيها أثر واستجابة من قبل أبويها. د- اخوة، كما كان لزينب الحوراء (عليها السلام) الرأي المؤثر والمستجاب من قبل اخوتها (عليهم السلام). هـ- صاحبات، أيضاً كان لها (عليها السلام) تأثيراً ملحوظاً على النسوة اللواتي كن يترددن عليها للاستشارة أو للتعلّم فتتلمذن على يدها. و- مجتمع، كما استجاب حاكم الشام الظالم لأمر السيدة زينب (عليها السلام) بعدم قتل ابن اخيها، وبإرجاع رؤوس اخوتها، إذ صدحت بالحق في وجه الحاكم الجائر تارةً بالتلميح واخرى بالتصريح، وما بين افتضاحٍ وبلاغة، وترغيبٍ بالجنان وترهيبٍ من النيران، تقوّم تبليغها (عليها السلام) وبهذا رسـمت للرساليات القواعد الكليّة للتبليغ. فيا اُخية هلمي لتكوني مصداق هذا التأسي، ولا تكوني رقماً بلا رصيد، وشخصاً بلا نفع، ضعي بصمة إصلاح وتغيير، قبل فناءك وانقضاء المصير. وسلامٌ على الرساليات ورحمة الله وبركاته. _____________________ (1) الأحزاب: 39. (2) النور: 56. (3) بحار الأنوار: ج 2، ص 32، باب 9، من كتاب العلم، ج 20. (4) آل عمران: 195. (5) السيدة زينب عليها السّلام رائدة الجهاد في الإسلام: باقر شريف القرشي، ص45-46. (6) التحريم: 6 (7) نهج البلاغة: ح70. اللّهم أكرمنا بالهدى والإستقامة، وسدّد ألسنتنا بالصواب والحكمة، بحق محمدٍ وآله أهل بيت الرحمة. علوية الحسيني
اخرىدراسةٌ عقائديةٌ في علم السيدة فاطمة الزكيّة (عليها السلام) وحُجيتّها (ج6)
بقلم: إشراق الخاقاني/ والحوراء المطلب الثالث: الثمرات المترتبة على عصمتها (عليها السلام): إنَّ الثمرات المترتبة من عصمة أصحاب العصمة الاستحقاقية، ومنهم الصديقة الشهيدة (عليها السلام) كثيرة، سواء كانت دنيوية، أو أخروية، كثيرة، وسنذكر في هذه الحلقة بعضاً من ثمرات عصمتها (صلوات ربي وسلامه عليها): 1-إنّ أصحاب العصمة الاستحقاقية كالسيدة الزهراء (عليها السلام)، قد وصلوا إلى أعلى مراحل الكمال الروحي، والتقوى الكاملة حتى مازجت لحمهم ودمهم، مما تجعل صاحبها إنساناً كاملاً، لا يرتكب المعصية، ولا يصدر منه الظلم صغيره، وكبيره، سهواً، أو عمداً، فهم مصداق الآية الكريمة: ﴿الذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ (1). 2-إنَّ من شروط الامامة: العصمة، والقرآن الكريم يوضح لنا إن الإمامة تُعطى لمن صبر، قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا﴾ (2). والزهراء (عليها السلام) هي حلقة الوصل بين النبوة والإمامة، قد رضيت بما قُدر لها من مرارة الحياة، وصبرت، وهذا يعتبر من أعلى درجات الإيمان بالله عز وجل، حتى وصلت الى مقام صبر العارفين وهو: التلذذ بالمكروه، ولذلك نقول لها في زيارتها "يا مُمتحنة امتحنك الله الذي خلقك قبل ان يخلقك فوجدك لما امتحنك صابرة..." (3). 3- حجيتها (عليها السلام) في أقوالها، وأفعالها، وتقريرها على جميع الخلائق، وهذا أمر طبيعي، لأن الله تعالى فضّل العالم على الجاهل فقال عز من قائل:﴿... يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ...﴾(4)، فرفع أولي الحُجى عمن ضل وزاغ عن الصراط، ثم رفعهم درجات على من لم يستخدم العقل، بل فضل العالم على العابد، فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال:" فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر" (5)، والسيدة الزهراء (صلوات الله عليها) صاحبة العلم اللدُني حجة على جميع الخلائق، فهي مفروضة الطاعة على جميع الخلائق، كما ورد عن المعصومين (عليهم السلام)، ونترك التفصيل في هذا الحديث إلى المبحث اللاحق إن شاء الله تعالى. 4- شفاعتها (سلام الله عليها) فإن لفاطمة مقام الشفاعة، وفي القيامة يُبيِّن رب العزة والجلال قدرها فتشفع للخلق، ،حيث قال في محكم كتابه: ﴿... وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ...﴾ (6)، فالشفاعة مقام سامٍ لا يناله إلاّ من ارتضاه الحق تعالى، وفاطمة من المرضيين، فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه واله): "... إن لفاطمة يوم القيامة موقفا، ولشيعتها موقفا، وإن فاطمة تدعى فتلبي، وتشفع فتشفع على رغم كل راغم" (7). 5- من ثمرات عصمتها عليها السلام هي صيرورتها المثل الأعلى، والكامل للنساء مطلقاً بوصفها سيدة نساء العالمين ، وذلك في كافة جوانب حياتها. وسنقتصر على ذكر بعض الجوانب التي يمكن للمرأة المؤمنة من خلالها أن تتأسى بمولاتها سيدة النساء، ومن هنا صَلُحَت الصدّيقةُ فاطمة لتكون القدوةَ والأسوةَ الحسنة لنساء العالمين أجمعين، كما قال تعالى في حق أبيها النبي الخاتم محمد ’: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]. فكذلك يكون الحث على التأسّي بفاطمة الزهراء وبمنهجها القويم، وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الممتحنة: 6] . أولًا: عبادتها التامة الكاملة، ودوام ذكرها لله، وإخلاصها في عبادتها. -فقد رُوي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنه قال لسلمان "يا سلمان ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها وجوارحها إيمانا إلى مشاشه ففرغت لطاعة الله..." (8). وهنا نتعلم من السيدة الزهراء (عليها السلام) ضرورة دوام ذكر الله تعالى فهو احياء للقلوب، كما أوصتنا بالإخلاص في عبادتنا حيث قالت:" من أصعد إلى الله خالص عبادته، أهبط الله عز وجل له أفضل مصلحته" (9). ثانياً: إيثارها. إنَّ المعصومين تكون أفاقهم واسعة لا حد لها، وإدراكهم كبيراً وروحانيّتهم عاليّة جدًا وعقولهم واعية، والروح إذا كانت واسعة لا ترضى إلاّ بالعطاءات الواسعة، والمقامات العالية، وخير مثال على ذلك السيدة الصديقة (عليها السلام)، وكلنا سمع انها تصدقت بثوب عرسها في صبيحته على فقيرة. ثالثاً: الزهراء خير زوجة لعلي (عليهما السلام). -ذات مرة سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): كيف وجدت أهلك؟ قال الامام علي (عليه السلام)"نعم العون على طاعة الله"(11). فبيت فاطمة (عليها السلام) بيت لا توتر فيه، ولا تعقيد، هو بيت المحبة والتعاون . يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): "فو الله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله (عز وجل) اليه، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً، ولقد كنت أنظر إليها فيكشف عني الهموم والاحزان" (12). وهذا دستور شاملٌ للنساء المؤمنات ينتفعن منه في بناء حياتهن الأسرية. وشيٌ عظيمٌ أن يُحدِّث الزوجُ عن أخلاق زوجته الصالحة، وكذا شيءٌ عظيمٌ أيضا أن تُحدِّث الزوجةُ عن أخلاق زوجها، لذا نحن بأمسّ الحاجة التربوية الفعلية لأن نتخلَّق بأخلاق المعصومين. وشهادة علي (عليه السلام) هذه في حق فاطمة (عليها السلام)، إنما هي رسالة بيِّنة وهادفة تشير إلى ضرورة أن تفقهَ الزوجة ثقافةَ التعايش مع زوجها وَفق ثنائية الحقوق والواجبات، وكذلك أن يفقه الزوج معنى الزوجية في مفهوماتها وتطبيقاتها الشرعية والأخلاقية حياتياً. رابعاً: حجابها وعفتها: فهي المثل الأعلى في العفاف، والستر، فتستر نفسها حتى عن الاعمى، وحتى قبل وفاتها أوصت أن يصنع لها نعش خاص، حتى لا يراها احد، فكانت تقول لأسماء: "إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء، إنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها لمن رأى، فلا تحمليني على سرير ظاهر، استريني، سترك الله من النار" (13). فسلام على سيدة العفاف والستر يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تُبعث حية. _____________________________ (1) الأنعام: 82. (2) السجدة: 24. (3) تهذيب الأحكام: الشيخ الطوسي،ج6،ص10. (4) المجادلة: 11. (5) ميزان الحكمة: للريشهري،ج3،ص2069. (6) الأنبياء: 28. (7) الثاقب في المناقب: ابن حمزة الطوسي،ص294. (8) مناقب آل أبي طالب: ابن شهر آشوب،ج3،ص116. (9) ميزان الحكمة: مصدر سابق،ج2،ص822. (11) بحار الأنوار:مصدر سابق،ج43،ص117. (12) كشف الغمة: ابن أبي الفتح الآربلي،ج1،ص373. (13) أعلام الهداية فاطمة الزهراء عليها السلام: لجنة التأليف في المجمع العالمي لأهل البيت(عليهم السلام)،ج3،ص185_186.
اخرىالتعليقات
يتصدر الان
لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع
يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىبين طيبة القلب وحماقة السلوك...
خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىالطلاق ليس نهاية المطاف
رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىلا تقاس العقول بالأعمار!
(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىالمرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)
بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىأساليب في التربية
عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى