تشغيل الوضع الليلي

خجلٌ وظمأٌ وقلبٌ صريع/ قصصٌ من الطفِّ تحملُ في طيّاتِها معاني الصبر/ القصة الثانية

منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 417

بقلم: نورا كاصد العبودي
غاصتِ الأرضُ حتى اشتدَّت، وطوتِ الرمالَ بعضَها ببعض، ورمحتْ عينُ الشمسِ شاخصةً في مُنتصَفِ قلبِ السماءِ تكظمُ حزنًا...
بينما يرتفعُ صهيلُ الخيلِ، وعويلُ النساءِ، والأطفالُ يطلبونَ الماءَ تجرّدتْ صحراءُ ذلك اليومِ من الرحمة! وتلوّنتْ بألوانِ الغضبِ فصارت حمراء..
عانَقَ فيها الحرُّ والظمأ بعضَهما، وأعلنا اتفاقًا حولَ عدّةِ أشياء، وغدتْ أمواجُ الفراتِ تقدحُ وتنثرُ لؤلؤًا، وتجري بسرعةِ نزفِ الدماء، دماء أنصارِ الحُسينِ (عليه السلام)، وزهقتْ أرواحُ الرُضَّعِ مثلما تزهقُ أرواحُ النُجباء..
اشتدَّ القتالُ، والظمأُ يأخذُ منّا مأخذًا، لكنَّ سيفَ الخجلِ ممن يجلبُ لنا الماءَ أمضى عليَّ من رماحِ الظمأ...
سأقصدُ عمّي وأطلبُ منه أنْ يجلبَ لنا الماء، فهو لن يرفضَ طلبًا لعزيزتِه سكينة..
قصدتُ الضيغمَ وقد رسمَ في طريقِه أفقًا بعدَ نزفِ دماءِ الأعداءِ يُشبِهُ النهرَ الغائرَ بالذنوب...
وجدتُ القمرَ يستعدُّ للخروجِ بعدما أنهى دعاءه، عجيبٌ سِرُّه مع اللهِ (سبحانه وتعالى)، فهو يطلبُ شيئًا ويلحُّ بطلبه، ما علِمتُه فيما بعد أنّه يُريدُ أنْ يُقطَّعَ جسدَه وتخرجَ روحُه المباركة بين يديّ أخيه الحُسينُ (عليه السلام)؛ فداءً لحفظِ العقيدةِ ونهجِ الرسول (صلى الله عليه وآله)...
ألقيتُ السلامَ عليه، وكان لقاؤنا هذا مُختلفًا يلحفه الحزن، وتتلاطمُ فيه أمواج الوداع..
ثار الفارسُ ووصل العلقمي المليء بالغموضِ والأسرار، وكفَّه عن التدفق.. وقف النهرُ متعجبًا وكأنّه ارتطمَ بجبلٍ ليس لقمّتِه قرار...
اغترفَ الإمامُ منه غرفةً ولا شيءَ في ذهنه سوى طلب سكينةَ (عليها السلام)، لامست يداه الكريمتان جُزيئاتِ الماءِ الباردة العذبة التي تدفعُ بالمرءِ إلى اعتناقها، لكنّ نفسَه أبتْ وشفاهه الذابلة أقسمتْ إلّا ترتوي قبلَ الحُسينِ وآله (عليهم السلام).. ورمى الماءَ من يديه..
ملأ قربته ونهض، لكنّ الأعداءَ تربّصوا به وغدروه، حتى قطعوا يمينَه وأعقبوها بقطعِ شمالِه، وأصابوا عينيه بسهمِ هزيمتِهم، بل أصابوا خيمةَ عمّتي وأطاحوا بأحدِ أعمدتِها!
سقطت قربةُ العباسِ (عليه السلام)، فتفرقت كُلُّ جزيئاتِ الماء منها، وعادت مُهرولةً إلى النهرِ تشكو الظليمة..
قال الفراتُ: ليتني أضيقُ بنفسي وأتلاشى..
تحطّم قلبي وقلبُ الأطفالِ وقلبُ الفراتِ معًا.

اخترنا لكم

لماذا أُنزِلَ القُرآن الكريم؟!

لماذا أُنزِل القرآن الكريم!!؟ بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين لأن النبي يدّعي ارتباطه بالسماء، ولإثبات نبوته وصدق ادعائه فلابد له من معجزة تجري على يديه. إن من بين أهم خصائص المعجزة أن تمثّل تحدياً لأهل الفن المشتهر في زمن ذلك النبي, فعلى سبيل المثال إن معجزة نبي الله عيسى سلام الله عليه كانت إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص بإذن الله تعالى وذلك لتقدم وتطور الطب في تلك الفترة, وكذلك فإن معجزة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله هي القرآن الكريم لما فيه من البلاغة التي جاءت لتتحدى الأدب والبلاغة التي كانت على أوجّها في تلك الفترة, فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم (وَإنْ كُنْتُم فِي رَيبٍ مِمَّا نَزّلنَا عِلى عَبْدِنا فِأتُوا بِسُورَةٍ مِن مِثلِهِ وَادعوا شُهَداءِكُم مِن دونِ الله إن كُنْتُم صَادِقينَ) [البقرة:23]. ولكن هل هو هذا السبب الوحيد الذي من أجله نزل القرآن الكريم؟ بالتأكيد كلا, حيث إننا نجد هناك دعوة من الله تعالى لنا إلى التدبر في القرآن فقد قال عز من قائل (أفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ أمْ عَلَى قُلُوبٍ أقْفَالُهَا) [محمد:24] وفي آية أخرى قال تعالى (كِتَابٌ أنْزَلنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ الْأَلْبَابِ) [ص:29]. ففي هاتين الآيتين الكريمتين دعوة واضحة جداً من الله تعالى إلى التدبر في القرآن الكريم, فهو في الحقيقة كنز معنوي وليس مادياً يُحتفظ به ليزين لنا رفوف المكتبة وننفض التراب عنه بين الفينة والأخرى! قد يكون عند البعض هو من أحد طقوس شهر رمضان الكريم فتجده يواظب ويحرص على تلاوته بل وختمه في هذا الشهر الكريم وبعده يتركه مهجوراً! وهذا نوع من أنواع هجران الكتاب العزيز. وقد بيّن الله تعالى في كتابه الحكيم أهمية الكنوز المعنوية وكيف لها الأفضلية على الكنوز المادية وإن لم تكن زائلة ففي قوله تعالى (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ, أُولئِكَ المُقَرَّبُونَ, في جِنَاتِ النَّعِيمْ) [الواقعة:10,11,12], فهنا أعد الله تعالى جزاء للسابقين الى طاعته جل وعلا أمرين أحدهما معنوي (القرب من الله تعالى) والآخر مادي (الجنة) وقد قدّم الجزاء المعنوي على المادي لأفضليته ولما يبلغ فيه الإنسان أعلى درجات السعادة, فقد جاء في تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي في تفسير هذه الآية (فالمقربون هم النمط الأعلى من أهل السعادة) 1. وعن الإمام الصادق عليه السلام: (إن هذا القرآن فيه منار الهدى ومصابيح الدُجى فليجل جال بصره, ويفتح للضياء نظره, فإن التفكر حياة قلب البصر)2 . ويجب أن لا ننسى إن أول آية نزلت من الله جل وعلا على الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله فيها دعوة من الله تعالى إلى قراءة القرآن الكريم (اقْرَأ بِاسْمِ رَبِكَ الَّذِي خَلَقَ) [العلق:1], ولكن هذه الدعوة الى القراءة لا تكفي لوحدها لذا الحقها الله تعالى بالدعوة الى التدبر والتفكر في آياته لما فيها من كنوز عظيمة فلو تزودنا منها لكانت هي الطريق للسعادة الأبدية التي طالما سعى الإنسان الى تحقيقها والفوز بها, فبه ينال الانسان الفضائل العلوية ويحظى بالكمالات السامية لتكون له سراجاً يوم القيامة. ونحن على مشارف نهاية شهر رمضان الكريم فلندعُ أنفسنا ونحثها على أن لا نهجر مأدبة الله تعالى فمن تذوقها وأستطعم حلاوتها لن يستطيع أن يجافيها ولا يكاد يشبع منها, ففيها أنس للروح من الوحشة وإحياء للقوب ونور للبصيرة. والحمد لله رب العالمين —————————— 1/ الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي/ج19/ص/125 2/ من كتاب التدبر في القرآن الكريم للسيد حسين نجيب محمد، نقله عن الكافي/ج2/ص438

اخرى
منذ 6 سنوات
987

رحلة قبل أوانها

بقلم/ حنان الزيرجاوي بعد أن هدأت عاصفة الخوف التي كادت ان تقضي على ماتبقى من وشائج كانت تربط بين بعضنا البعض أو ربما تعرضت لاضراس حاولت أن تقتضمها رويدا رويدا لتخرق نسيجها المترابط متناسيةً انها مهما تملك من قوة ومهما تبثه من فزع لن تقوى على فعل ماتريد لانها تواجه اناس خبروا الصعاب ووقفوا بوجه اعتى المتربصين للنيل منا. نعم قد هدأت أو انها في طريقها للانحسار والافول ولكنها رسمت لنا صورا . وأعطتنا عبرا. وعلمتنا درسا. ونبهتنا من غفلة كادت ان تصبح نومة عميقة تكون نتيجتها الخسران. نعم .. نعم .. فأحدهم يروي وهو منهمر العينين وكأنه فقد عزيزاً للتو او كثكلى تندب وليدها. حاولت أن أصبره قليلا فناديته هوّن عليك .. هوّن عليك . فرمقني بعينيه المغرورقتين بالدمع وهز رأسه فتساقطت تلك الدموع العالقات على ثوبه . مسكته من كتفه وقلت له بث اليّ شكواك لعلي اساعدك . نظر الي ثانيا وكيف لك أن تساعدني وحزني لن ينقطع فقد احسست بتقصيري وتفاهة ما كنت عليه في حياتي .. اعجبني كلامه فقلت له نعم تكلم ..تكلم .. ما الخبر استوى بجلسته وبدأ حديثه وقال لي اسمع ما ساقصه عليك وبما جرى ولاجله ترى حزني وبكائي ها أنا تراني امامك بكامل صحتي وعافيتي ولكن قبل اسابيع كنت على وشك الرحيل عن هذه الدنيا الفانية التي كنت احسبها كل شيء بالنسبة لي فكنت الهو والعب واقامر واتمتع بها كيفما اشاء واستهزئ بمن ينصحني او يخوفني وانعتهم بالمجانين الى أن جاء ذلك اليوم الذي صُفعت فيه لانتبه من غفلتي فقد احسست بمرض داخلي وعندما اخبرت من حولي من اهلي زوجتي اولادي اصدقائي، ارى كلما اخبرت احدهم ابتعد عني وخرج هاربا وبدأو ينظرون الي من بغيد كاني مصاب بجذام فانادي عليهم فيفرون مني واذا بي اسمع صوت سيارة اسعاف واخذ الصوت يدنو منا شيئا فشيئا واذا بي أفاجأ برجال غطت اجسامهم ملابس لم آلفها يتقدمون نحوي بهدوء . فنظرت اليهم مستغربا من انتم ؟ ماذا تريدون ؟ فكلمني احدهم على رسلك كن هادئا لا تخف نحن رجال الصحة جئنا نصطحبك معنا لشكنا فيك انك مصاب بالكورونا . هنا انهارت قواي فانا متعلق بالدنيا وحبائلها ومغرور ببهارجها وزينتها كيف لي ان افارقها . امسكني احدهم واقتادني نحو سيارة الاسعاف والكل ينظر اليّ وهو مبتعد عني . اركبوني وساروا بي وادخلوني غرفة قرأت على بابها مكتوب غرفة الحجر. اخذوا مسحة من دمي وذهبوا ثم عادوا يتمتمون فيما بينهم والبسوني ثوبا يشبه الكفن وعلقوا مصلا يجري في عروقي وتركوني وحيدا .وعندما جن الليل وسكنت الاصوات نظرت يمينا شمالا لا ارى احدا جنبي . اين ابنائي .. اين زوجتي .. اين أصدقائي الذين كانوا لايتركوني .بكيت ... وبكيت ... وبكيت . هنا تذكرت كلام احد الوعاظ وقد سمعته انا وأصدقائي كنا نمر بالقرب من مجلس فسمعناه يقول ويوعظ من هو تحت منبره لاتغرنكم الحياة الدنيا فانك ستفارق كل مافيها لن يرافقك الا عملك يوم ياتيك الخطاب ليوقظ اسماعك (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ۚ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ) سمعناه ونحن نستهزئ به ونضحك عاليا . هنا عدت لنفسي وبدات الوم نفسي وانا اتذكر بعض ماسمعت من المواعظ . ها انا وحيدا قد تبرأ مني الاقربون وتركوني بفردي اواجه قدري بنفسي تركت كل شيء خلفي لم اصطحب معي لا مال ولا اثواب جميلة ولا سيارتي غالية الثمن فقد جردوني منها . ثم سالت نفسي بحزن شديد انا الان اعاني من مرض وربما يمن الله علي بالشفاء وفعل بي هكذا فكيف ان رحلت من هذه الدنيا . انا الان في غرفة واسعة مضيئة اسمع الأصوات من حولي يأتيني بين الفينة والاخرى من يرى حالتي اذن كيف بي لو كنت في تلك الحفرة المظلمة الضيقة والتراب ينهال علي من كل جانب ٠ بين تلك التساؤلات وهذه الوساوس عدت الى رشدي فازداد بكائي وارتفع صوت البكاء لا خوفا من المرض والموت بل ندما على ما اسرفت على نفسي. وتذكرت مرة سمعت احدهم وهو ينصحني يقول تب الى الله وستنجو وانا اضحك من قوله واقول ابعد كل مافعلت فتلى قوله تعالى( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) هنا ادركتني رحمة الله تعالى واعلنت توبتي ومن تلك اللحظة وانا مستمر بالبكاء والتضرع الى الله تعالى لعله يغفر ذنوبي وخطاياي . هل علمت الآن سبب بكائي.

اخرى
منذ 4 سنوات
588

البعد الكيفي أولاً

تحثّنا الشريعة المقدسة دائماً وأبداً بعد الإيمان بالله (تعالى) ورسوله وأوصيائه (عليهم أفضل الصلاة والسلام)على العمل الصالح، يقول القرآن الكريم: "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)" (1) كما تحفزنا على مواصلة التقدم والتطور، أي أن تكون مسيرتنا تصاعدية وبشكل دائم حتى نحقق في أنفسنا التكامل الإنساني، وتحذرنا من الوقوف عند حد معين فضلاً عن التراجع والعياذ بالله، قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6) " (2) .. فطالما كان الإنسان على قيد الحياة فهو مستمر في العمل والكدح، ولذا ينبغي أن يحرص كل الحرص على أن لا يكون عمله إلا صالحاً لأنه ما إن يودّع هذه الدنيا حتى يودّع معها كل شيء سواه (العمل الصالح) فإن كان كريماً أكرمه وإن كان لئيماً آلمه. وقد شدّدت السنة النبوية الشريفة كثيراً على ضرورة التكامل والتطور فيه كما روي عنه (صلى الله عليه وآله) : " من تساوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه شرّهما فهو ملعون، ومن لم ير الزيادة في نفسه فهو إلى النقصان، ومن كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة " (3). ولعل أول ما يتبادر إلى الذهن بعد التأمل في هذا الحديث هو: كيف لي أن أكون في تطور دائم؟ هل عليّ أن أزيد العبادات من صوم وصلاة وصدقات وما إلى ذلك يوماً فيوماً؟ وهذا قد يكون متعسراً بل هو كذلك، إذ قد نصل إلى يوم يتحتّم علينا أن نترك كل أعمالنا الحياتية ونتوجه إلى العبادة... إلا أن الله (سبحانه ) لا يمكن أن يكلفنا بما لا نطيق، قال (تعالى): " لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا " (4) .. وعليه فإن التطور لا ينحصر في البعد الكمّي، بل هناك البعد الكيفي وهو الأهم... فتارة يكون نظرنا منصبّاً على كمية العبادات، ففي الصلاة مثلاً نهتم بعدد الركعات ونحرص على أداء أكبر عدد منها، وأخرى يكون نظرنا منصبّاً على كيفية الصلاة ومدى الخشوع والإخلاص والتوجه إلى الله تعالى فيها، فنحرص على توفّر كل ذلك في صلاتنا. وقد رجّحت شريعتنا السمحاء التركيز على البعد الكيفي أولاً، فقد روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) : " يا أبا ذر، ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه " (5). كما روي عنه (صلى الله عليه وآله) أيضاً : " من صَلَّى ركعتين ولم يحدّث فيهما نفسه بشئ من أمور الدنيا غفر الله له ذنوبه " (6). وعن الإمام الصادق (عليه السلام): " من صَلَّى ركعتين يعلم ما يقول فيهما، انصرف وليس بينه وبين الله ذنب " (7). ولا ينطبق هذا الحديث على الصلاة وحسب، بل يشمل جميع العبادات والطاعات إذ إن الاهتمام بالإتيان بها بكيفية تتوفّر على الإخلاص وجميع الشرائط أفضل بكثير من الاهتمام بالجانب الكمّي لها وهي تشكو النقص والتعثّر والرياء... ففي الحالة الاولى يكون العبد أقرب ما يكون الى الله (تعالى) ، فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : " سادة أهل الجنة المخلصون "(8) وقال : " طوبى لمن أخلص لله علمه وعمله وحبّه وبغضه وأخذه وتركه وكلامه وصمته "(9) وقال: " عليكم بصدق الإخلاص و حسن اليقين فإنهما أفضل عبادة المقربين " (10). وأما من انتفى الإخلاص من قلبه فلا يزداد بعبادته من الله (تعالى) إلا بُعداً لأنه يكون حينئذ مشركاً به (سبحانه) فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): " إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله ؟ قال: هو الرياء "(11). ومن كل ما تقدم، يمكننا أن نتقدم ونتطور يومياً في سلّم التكامل لئلّا يتساوى يومانا فنغبن أو يكون آخرهما خيراً من أولهما فنُلعن، عن طريق تحسين الجانب الكيفي لعباداتنا، والتركيز على تحصيل الإخلاص فيها، هذا في الجانب العبادي. أما في الجانب العقدي فيمكن للمؤمن من خلال التفكر والمطالعة أن يزيد إيمانه ويقينه، وفي الجانب الخلقي فيكون من خلال تحلية النفس من الملكات الخبيثة وترسيخ الملكات الفاضلة فيها... إضافة إلى ذلك يمكننا أن نجعل كل ما نعمله عبادة إن أتينا به بنية التقرب الى الله (تعالى) وأخلصنا في نيتنا تلك.. ولعلَّ أبرز علامة على إخلاصنا أن لا نتألم إن لم يشكرنا من نحسن إليه أو يكافأنا من نعمل الخير له، أو لم يعلِّق أحد على ما نبلغ به رقمياً بكلمة (أحسنتم) وما شابه ذلك، فإننا إنْ أخلصنا نلْنا تلك الكلمة من الله تعالى فإن أقمنا على ذلك نلنا خير الدنيا والاخرة... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) النحل 97 (2) الانشقاق 6 (3) بحار الأنوارج 71، ص 173 (4) البقرة 286بحار الانوار ج74 ص82 (5) و(6)ميزان الحكمة ج5 ص260 (7)ــ(9) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص129 (8) عيون الحكم والمواعظ ص 284 (10) ميزان الحكمة ج1ص103 (11) بحار الانوار ج69 ص266

اخرى
منذ 6 سنوات
1783

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
76207

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
56131

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
43336

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
42961

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
39683

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
33435