تشغيل الوضع الليلي

وهدأتْ أنفاسُ الرضيع

منذ 3 سنوات عدد المشاهدات : 185

بقلم: وفاء لدماء الشهداء
تساقطَ الأولادُ والأصحابُ واحدًا تلو الآخر في الميدان مُضرّجين بقاني الدماء، فارتسمَ الحزنُ على وجهِ سيّدِ الشهداء، وازدادَ عمقُ الجرحِ في قلبِه المُثقلِ بهمومِ الرسالاتِ والأنبياءِ..
ها هو الآن، وحيدًا في الميدان، بعدَ قتلِ الصفوةِ المُختارةِ من أصحابِه وأهلِ بيته على يدِ طغمةٍ فاسدةٍ قد امتلأت بالحقدِ على أهلِ بيتِ النبوةِ وموضعِ الرسالة.
التفتَ الإمامُ الحُسينُ (عليه السلام) إلى مٌخيّماته فوجدها خاليةً من تلك الوجوه التي كانت تُضيءُ سماءَ كربلاء بإيمانها وتفانيها في سبيلِ نصرةِ إمامِ زمانها.
أجالَ النظرُ في تلكَ البقعةِ الداميةِ، فرأى أجسادَهم مُتناثرةً، وأعضاءهم مُبضعةً، ودماءهم تسيلُ كنهرٍ هادرٍ؛ لتغسلَ وجهَ التاريخ، وتمحوَ الرينَ عن قلوبِ الغافلين.
قَلَّبَ السبطُ المظلومُ النظرَ في الخيامِ وأمعنَ النظرَ إلى النساءِ فرآهن وقد امتلأتْ قلوبُهن بالألمِ، وهُنَّ يرينَ إمامَ زمانِهن بتلكَ الحالةِ من الغربةِ والوحدة. والجميعُ كانَ يتطلعُ إلى وجهِ ذلكَ السبطِ الوحيدِ في ميدانِ الشهادة، ذلك الوجه الذي كانِ يزدادُ تلألؤًا كُلّما ضاقتْ عليه الأرضُ بما رحُبت!
نظرَ إلى القومِ الذين احتشدوا لمواجهته، فنادى علَّ نداءه يصلُ إلى قلبٍ فيه بقايا حياة، أو إلى سمعٍ لا يزالُ يذكرُ وصايا رسولِ الإسلام (صلى الله عليه وآله) في حبيبِ قلبِه الحُسين (عليه السلام):
هَلْ مِنْ ذَابٍّ يَذُبُّ عَنْ حَرَمِ رَسُولِ الله؟
هَلْ مِنْ مُوَحِّدٍ يَخَافُ اللَّهَ فِينَا؟
هَلْ مِنْ مُغِيثٍ يَرْجُو اللَّهَ فِي إِغَاثَتِنَا؟
فأتمَّ الحُجَةَ وأوصلَ الرسالةَ بأبلغ معانيها، وأجلى صورِها، ولكن هؤلاء الصُمّ البُكم العمي لم يكنْ ليؤثرَ فيهم كُلُّ ذلك، فسكتوا بل صكّوا أسنانهم حقدًا وبغضًا على ابنِ عليٍ ذاك الذي حطَّمَ أحلامَهم، وقضى على مُخططاتِهم، وأردى كبراءَهم، وجاهدَ أشياخهم، فأودعَ قلوبَهم حقدًا، وأوقدَ في نفوسِهم المريضةِ جمرًا لا يُطفئهُ إلا الانتقامُ من ذريته.
تركهم السبطُ المظلومُ وتوجّهَ تلقاءَ خيمةِ شريكتِه في نهضتِه، ومن ستُكمِلُ من بعدِه مسيرتَه، نظرَ إليها ونظرت إليه، فرأتْ كُلَّ معاني الوداعِ واللهفةِ في عينيه، فطلبَ منها أنْ تُعطيه ولدَه الصغير؛ ليودَّعَه الوداعَ الأخير.
دخلتْ ربيبةُ الزهراءِ (عليها السلام) خيمتَها فأتتْ برضيعِ أخيها، جاءتْ ومعها حسرةٌ ولوعةٌ على حاله الذي يذوبُ لأجلهِ كُلُّ قلب، ويذرفُ الروحَ بدلَ الدمعة، فقد يبسَ لسانُه من شدّةِ الجوعِ والظمأ؛ لأنّه لم يشربْ ماءً ولا لبنًا منذُ ثلاثةِ أيام!
حملَ الإمامُ المظلومُ رضيعَه إلى القومِ؛ علَّ صحراءَ قلوبِهم ترقُّ لحالِه، أبرزَه إليهم حتى رأوه طفلًا صغيرًا لا يقوى على الحراكِ، يُغمى عليه حينًا بعد حين، همسَ في أذنِه ريحانةُ الأمين: "وَيْلٌ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ إِذَا كَانَ جَدُّكَ مُحَمَّدٌ الْمُصْطَفَى خَصْمَهُمْ".
التفتَ به ناحيةَ القومِ الذين امتلأتْ قلوبُهم بالحقدِ والبغضِ لآلِ البيت (عليهم السلام) فقال: "يا قومُ، قَتَلْتُم شِيعَتي وأهلَ بَيْتِي، وقَدْ بَقِيَ هَذا الطِفلُ يَتَلَظَّى عَطَشًا، فاسقُوه شَربةً مِنَ المَاء".
هتف الشيطانُ في جمعِهم، فأوقدَ لهيبَ الحقدِ في صدورهم، وباتَ يوسوسُ لهم، ويصمُّ عن سماعِ الحقِّ أسماعهم، وباتَ يستحثُهم لإكمالِ فصولِ الجريمة التي أثلجتْ قلبَه، وعوّضتْ عن خسارتِه لسنواتٍ عدة.
وأخيرًا تمكّنَ الشيطانُ من حرملة، فانتفضَ اللعينُ مُعربدًا واستلَّ سهامَه المسمومةَ بخُبث، وراحَ يُسددها إلى رقبةٍ رقيقةٍ أضحتْ تلمعُ على صدرِ الحسين كأنّها إبريقُ فضة. فانطلقَ السهمُ الغادرُ فأصابَها بمقتلٍ، واخترقَها ليذبحَه من الوريدِ إلى الوريد، وتفجَّرَ الدمُ العبيطُ، وانتفضَ الطفلُ الصغيرُ من حرارةِ السهمِ الملتهبِ المسمومِ وأخرج يديه من قماطه؛ ليعانقَ الحُسينَ (عليه السلام) العناقَ الأخير..
بسط المظلومُ كفيه؛ ليجمعَ دماء ولدِه ويرمي بها إلى السماء، وردّد فؤادُه المكلومُ: "هَوَّنَ مَا نَزَلَ بِي أَنَّه بِعينِ اللهِ، اللهمَّ لا يَكُن أَهونَ عَلَيكَ مِن فَصيلِ (ناقَةِ صَالحٍ)، اللهمَّ إِنْ كُنتَ حَبَستَ عَنَّا النَّصرَ فاجْعَلْهُ لِمَا هُوَ خيرٌ مِنه، وَانتقِمْ لَنَا مِنَ الظَّالِمين".
وقفلَ راجعًا إلى الخيامِ مُحتضنًا رضيعه الذي أضحى وكأنّه ياقوتةٌ حمراء، استقبلته ابنته سكينة: "أبِ يا حسين، لعلّك سقيتَ عبدَ الله ماءً وأتيتنا بالبقية؟ فنزلت كلماتُ أبيها على رأسها كالصاعقة وهو يقول بألم: "هذا أخوكِ مذبوحٌ من الوريدِ إلى الوريد".
جاءت عمته زينب وأمّه الربابَ وعمته أمَّ كلثومٍ وبقية مُخدّراتِ الرسالة، فتصاعدتِ الأنّات، واحترقتِ القلوب، وعلتِ الأصواتُ بالبكاء والآهات، وعُقِدَ مأتمُ الرضيع في أرضِ النجيع، واحترقَ قلبُ الأبِ الشفيقِ على حالِ ولدِه الرقيق، فجاءَ النداءُ من ربِّ السماء: "دعْه يا حُسينُ؛ فإنّ له مُرضِعًا في الجنّة".
رحلَ الرضيعُ (عليه السلام) مُخضبًا بدمهِ شهيدًا وشاهدًا على هذه الأمة، وبقيتْ جريمةُ قتلِه تهزُّ الوجدانَ وتُزلزِلُ المشاعر، وتُعرِبُ عن حقارةِ الدنيا وأتباعها الذين يستسهلونَ إراقةَ دماءِ الأبرياء من أجلِ حفنةٍ من الرُكامِ الفاني والملذاتِ الزائلة.
وأصبحتْ هذه الجريمة فرقانًا بين الحقِّ والباطل، بين منهجِ الإصلاحِ والتغييرِ وهمجيةِ الفسادِ والتضليل، بين رموزِ الفضيلةِ وأقطابِ الرذيلة، ففضحتِ المنافقين، وبيّنتْ وهنَ شعاراتِهم وحبائلَ مكرهم وخداعهم، وأفصحت بما لا يدع مجالًا للشكِّ في أنَّ الحقَّ مع الإمامِ الحسين (عليه السلام)، وأنَّ هؤلاءِ شرذمةٌ باغيةٌ تطلبُ المُلكَ والسُلطانَ، ولا تتورعُ عن أيّ قبيحٍ في سبيلِ الوصولِ إلى مآربِها الخبيثة التي هي امتدادٌ لنهجِ وخطِّ من سبقوها.
فبوركَ من دمٍ زكيٍ فضحَ الدعيَّ بن الدعي، وأضافَ إلى سجلِ التضحياتِ الجسامِ رقمًا جديدًا يُنصَرُ من خلاله السبطُ الأبي، وهنيئًا لمن وعى ويعي وسيعي هذه الحقائق اليومَ، ويتخذُ من الأمسِ منارًا لفهمِ الأحداثِ، وقراءة الواقعِ حتى الوصول إلى ضفةِ السلامةِ دون الوقوعِ في حبائلِ الخداعِ الأموي، الذي لا يزالُ مُمتدًا وإنِ اتخذَ أشكالًا أخرى ربما تنطلي وتشتبهُ على الكثير، ولكن لا يعبأُ بها الحُرُّ الواعي، ويتمكنُ من تشخيصِها أولَ انطلاقِها كُلُّ مؤمنٍ تقي.

اخترنا لكم

أفلا تكون عبدًا شكورًا؟!

بقلم: شمس الغدير الجبوري في بيتها الصغير المتواضع الذي لا يتجاوز الـ٦٠ م٢، تحاولُ أمُّ جعفر أنْ تجعله بيتًا ينبضُ بالحياة. فهي تنظرُ من منظورها أنَّ السعادة لا تكمن في القصور الفارهة، فكمْ من هذه القصور لا تدبُّ بها الحياة، خاوية على عروشها، قد تحولت جُدارنُها إلى سجنٍ كبير. هي تؤمن أنّ البيت الذي يملأُه الحُب والحنان والألفة حتمًا سيغدو قصرًا نيّرًا. كالمعتاد، وفي كُل يوم تقفُ في مطبخِها الصغير جدًا المطلي بطلاءٍ بنفسجي فاتح اللون، الباعث للطاقة الإيجابية، حامدةً الله (تعالى) وشاكرةً فضله وإحسانه. ذلك المطبخ الذي تفوحُ منه رائحةُ الأطعمة الشهيّة المُتبّلة، تلك الرائحة الطيبة التي تُداعبُ أنفَ كُلّ من يدخله. تعملُ وتستمعُ، وترددُ مع قارئ القرآن وهو يرتل سورة الواقعة في كلِّ ليلةٍ عند تحضيرها وجبة العشاء. تشعرُ أنَّ لذلك الاستماع أثرًا طيبًا على نفسها، فكانت تقول لصديقاتها وجاراتها كلّ يومٍ: أعطِّر وأطهِّر البيت بقراءة القرآن بدلًا من رشِّ الملح في زواياه.. وذاتّ يومٍ وأثناء انشغالها بتحضيرِ الطعام وإذا بولدها جعفر يدخل، رمقته بنظراتها متعجبة! وقد اغرورقت عيناه بالدموع، ووجهه مصفرٌ شاحبٌ تبدو عليه علامات الاكتئاب! وعلى ما يبدو أنّ ذلك من آثار الحجر المنزلي بسبب جائحة كورونا؛ وقد اعتاد جعفر على الركض ولديه شغف بلعبة كرة القدم. سألته قائلة: ما بك عزيزي جعفر لِمَ تبدو بهذا الشكل؟! جعفر : أمّي أشعر بالمللِ والضجر دعيني أخرج قليلًا إلى الشارع، عسى أنْ أجد أحدًا من أصحابي؟ أجابته وعلى ملامحها ابتسامةٌ لطيفة وهي تمسح بيدها على رأسه: لا يا حبيبي، فالوضع كما ترى وتسمع ليس على ما يرام، ولكن دعنا نتكلم قليلًا. على الرغمِ من كونك صغيرًا ولست مُكلفًا بعد ولكن أنت مؤمنٌ إن شاء الله (تعالى)، ولا ينبغي للمؤمن يا عيناي أنْ يُقابل نِعم الله (تعالى) بالمللِ والضجر والتأفف، بل لابدّ من عملٍ مفيدٍ يُنظِّم وقتك، ويكسر لديك هذا الحاجز المصطنع من التذّمر. ولكَ في أختك حوراء أسوة، شاهد كيف هي تُنظِّم وقتها بين الجدِّ واللعب ، فقد خصصت وقتًا ونظّمت جدولًا لتعلّم كتاب الله (تعالى) قراءةً وتدبرًا وحفظًا. وما دمت في بحبوحةٍ من العيش ولم تَذُقْ طعم الضنك فأحمد الله (تعالى) واشكره على نعمه المتتالية, وآلائه المتوالية, وعطاياه التي لا تُعد ولا تحصى .. وأذكر لك يا حبيبي، أنَّ إبليس اللعين عندما أمره الله (تعالى) بالسجود لآدم أبى واستكبر وكان من العاصين لله (تعالى) وأخذَ بالمعاندة والتّوعد بقوله: "قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ". ولا تجد أكثرهم شاكرين لله (تعالى)؛ وذلك لابتعادهم عن التوحيد وإيقاعهم في دائرة سوء الظن بالله (تعالى). واعلم يا قرةَ العين أنَّ في هذه الدنيا لن يكون إنسانٌ بمنجى من مواجهةِ المُنغِّصات كالاحتياجات والأمراض والعداوات وأنواع الحسد وغيرها، وفي نهاية المطاف الموت الذي لابدّ منه. فلا يستطيع إنسانٌ أنْ يهربَ من هذه الحياة! وليس له إلا الصبر وانتظار الفرج وذكر الله (سبحانه) وشكره على أيّ حالٍ يمرُّ به، وأُذكِّرُك وأذكِّرُ نفسي أنَّ الانقطاع عن الله تعالى هلاك الدنيا والآخرة .. لقد كان النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته كثيري العبادة والخضوع والتهجد على الرغم من معرفة مكانهم في الجنّة، فقد ورد عن الإمام السجاد (عليه السلام) قوله: "إنَّ جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله و) قد غَفر الله (تعالى) له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، فلم يدعِ الاجتهاد، وتعبّد ـ بأبي هو وأمّي ـ حتّى انتفخ الساق وورم القدم، وقيل له: تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر؟! قال: أفلا أكون عبدًا شاكرًا؟ جعفر: فعلًا يا أمي، لقد بعث كلامكِ إليّ الراحة والسكينة، وأعدُكِ بعدم تكرار هاتين الكلمتين (الملل والضجر) الأم: أحسنت يا قرةَ عيني، يبدو أنَّ الطعام قد جهز، بعد قليل سأحضره لكم، ولكن ما رأيك أنْ تصعد إلى سطح المنزل تتوجه نحو القبلة تدعو الله (تعالى) بالفرج، وتُسلِّم على الإمامين الكاظم والجواد (عليهما السلام)، وأنت تشاهدُ القبتينِ والمنائر، تأملْ في شموخها على مدى السنين وخلودها، وما السرُّ في ذلك الشموخ والخلود؟ جعفر : نعم يا أمّي سأصعد إن شاء الله.. وقد بدت على وجهه ملامح الرضى والابتهاج والانشراح ..

اخرى
منذ 3 سنوات
305

بكلِّ زمانٍ أنا

بقلم: العهد كنتُ أعيشُ في رفوفِ المكاتب، كلُّ من مرَّ بي يحملُني... وفي يومٍ من الأيام أخذني أحدُهم إلى بيته، بقيتُ حبيسًا في داره عدةَ أشهر ولم يتصفحني حتى، كان كلُّ وقته جليسَ هاتفه، لا يتركه إلا وقتَ نومه، أثقلَ الغبار كاهلي فقررتُ الهروب. حاولت أنْ أهربَ من النافذة، وهممتُ بالرحيل، ولكني رأيتُ العالم وكأنّه قد تغيّر، فخرجتُ أمشي مسرعًا في الشوارع والأزقة، وأشاهدُ ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، فالناسُ سُكارى، وحواسهم قد تعطّلت، وأفكارهم لا تُسمن ولا تُغني من جوع، فتساءلتُ: ما الذي قد حلَّ بالعالم؟ وبينما أمشي وأنا غارقٌ بالتفكير إذْ رأيتُ جيشًا أمامي لأولِ مرة أراه، من وسائل التكنولوجيا الحديثة وكأنّها تنتظرني مُصطفةً مثل البنيان المرصوص وفي نهاية هذه الصفوف رأيتُ حفرةً قد حُفِرت، فقلتُ: لِمَ هذه الحفرة؟ فما كان من كلُّ تلك الوسائل إلا أن حملتني وكادت تهوي بي إلى تلك الحفرة ولكن ثقلي أتعبهم قبل الوصول إليها، فتوقفوا قليلًا.. وقالوا لي: انتهت حياتك، فنحنُ قد سيطرنا على العالم، وقد تندثرُ فسنُعجِّل رحيلك... فقلت لهم: سأقولُ لكم شيئًا وتذكروه، أنا الذي لولا معرفتي لما تمكّن أحد من صنعكم، ولولا قراءتي لما تطوّرتِ العقول، فمهما حفرتم لتُنهوا حياتي فستصنع الأقلامُ غيري من جديد، فإنَّ خير جليسٍ في الزمان كتاب.

الخواطر
منذ 3 سنوات
411

الإمام الباقر (عليه السلام) وتزكية النفس

إنّ تزكيةَ النفسِ بحاجةٍ إلى روحٍ اقتحاميّة، كما إنّ عمليّة الوصول إلى تزكية النفس ليست بالأمر السهل، كما يقول ربُّنا عز وجل: { فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ }(1)، فتحتاج إذاً إلى الاقتحام. ومن المعلوم أنّ الاقتحام بحاجةٍ إلى الشجاعة والبطولة وتركيز الإرادة وشحذ العزيمة؛ لأنّ الإنسان في هذه الحالة يريد أن يتحدّى قواه ويزكّي نفسه، ويطوّع شيطانه ويروّض هذه النفس الأمّارة بالسوء. ولذلك فانّ الله سبحانه وتعالى جعل الفلاح الذي هو خلاصة القيم والتطلّعات البشريّة -مساوياً- لتزكية النفس في قوله السابق: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}(2). ومعنى { دَسَّاهَا } الذي يدسّ نفسه في تراب ما تريده النفس وفي وحل التطلّعات الشخصيّة الأنانية. وقال الله تعالى : { وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى }(3). التزكية في اللغة مصدر زكّى الشيء يزكيه، ولها معنيان: -المعنى الأول: التطهير, يقال زكّيتُ هذا الثوب أي طهّرته, ومنه الزكاء أي الطهارة. -والمعنى الثاني: هو الزيادة, يقال زكّى المال يزكوا إذا نمى ومنه الزكاة لأنّها تزكية للمال وزيادة له. وعلى أساس المعنى اللغوي جاء المعنى الاصطلاحي لتزكية النفوس, فتزكية النفس شاملة لأمرين : أ – تطهيرها من الأدران والأوساخ. ب – تنميتها بزيادتها بالأوصاف الحميدة. وعلى هذا المعنى جاءت الآيات القرآنية بالأمر بتزكية النفس وتهذيبها, قال الله تعالى : {قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى} وقال سبحانه : {ونفسٍ وما سوّاها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دساها} . وتزكية النفس تتمّ باتّباع تعاليم الدين والنيّة الخالصة لله, واتّباع أوامره ونواهيه, وإمامنا الباقر (عليه السلام) يرشدنا إلى مقوّمات تلك التزكية, فطالب التزكية لابدّ له مِن استاذٍ مرشدٍ عارفٍ بالأمراض النفسية وعلاجاتها, يشخص مصالح الامور ومفاسدها, ولهذا ورد عن أحد المعصومين: "هلَكَ مَن ليس له حكيم يرشده". وقبل الغور في أعماق مقومات التزكية لابد أن نعلم أنّ التزكية لا تتحقق إلاّ بعد أن تنطلق من القلب والضمير, وتتفاعل مع الشعور بخشيةٍ مستمرة, وحذرٍ دائم, وتوقٍّ من الرغائب والشهوات, والمطامع والمطامح؛ لتتهيأ النفوس لتلقي اُسسها وتقريرها في الواقع, ولهذا ركّز الإمام الباقر(عليه السلام) في الجانب النظري على أهم المقومات التي تدفع النفس للتزكية وهي : أ ـ تحكيم العقل. ب ـ تبعية الإرادة الإنسانية للإرادة الإلهية. ج ـ استشعار الرقابة الإلهية. د ـ التوجّه الى اليوم الآخر. وتفصيــلها: أ ـ تحكيم العقل : إنّ الله تعالى خلق الانسان مركباً من عقلٍ وشهوة, وهذا مائزه عن سائر المخلوقات, كما ومنحه معرفة سبل الهداية من خلال البينات والحقائق الثابتة, وهو مكلّف بإعداد القلب للتلقي والاستجابة والتطلع الى افق اعلى واهتمامات أرفع من الرغبات والشهوات الحسّية, والخوض في عالم ما وراء الحس, ولهذا ركّز الإمام (عليه السلام) على تحكيم العقل على جميع الرغبات والشهوات, ليكون للإنسان واعظ من نفسه يعينه على تزكية نفسه(4). قال الإمام الباقر(عليه السلام) : "مَن لم يجعل الله له من نفسه واعظاً, فإن مواعظ الناس لن تغني عنه شيئاً"(5). فالعقل إن استجاب لنداء الفطرة السليمة فانّه حتماً سيستجيب لمواعظ الناس. وقال أيضاً : "من كان ظاهره أرجح من باطنه خفّ ميزانه"(6). والمراد بالظاهر هنا ظاهر الحال قولاً وفعلاً, فمن يتصرف أمام الناس برزانةٍ ونماقة أدبٍ إلاّ انّ باطنه مشوب بالخيانة لظاهره فذلك هو الخسران العظيم. ب ـ تبعية الإرادة الإنسانية للإرادة الإلهية : إنّ تكامل النفس لا يتم إلاّ من خلال التطابق بين الإرادة الإنسانية والإرادة الإلهية وذلك باتباع المنهج الإلهي الذي رسمه الله تعالى لعباده مِن تكاليف, وهذا التطابق يحتاج إلى تسليمٍ مطلق للإرادة الإلهية, ومجاهدة الهوى, والهيمنة على رغبات النفس, وعدم اطلاق عنانها, فإنّ مجاهدة هوى النفس تجعل الإنسان مستعدّاً بالفعل لتلقّي الفيوضات الإلهية, والوصول إلى أرقى درجات التزكية النفسية(7). قال الإمام الباقر (عليه السلام) : "يقول الله عزّ وجلّ: وعزّتي وجلالي, لا يؤثر عبد هواي على هواه إلاّ جعلت غناه في قلبه, وهمّه في آخرته..."(8). ويستطيع الإنسان أن يصل إلى تلك المرحلة بالطريقة الإحراقيّة كما يسميها بعض علماء الأخلاق, وتتجلى في تغاضي المرء عن جميع المشتهيات, ويخلي باطنه من النوايا والرغبات, ولا يكون همّه إلاّ القرب من خالق المخلوقات, عند ذلك ستشرق نور المعرفة الحقيقيّة في باطنه, ويستغني عن كلّ ما سوى السبوح القدوس. ج ـ استشعار الرقابة الإلهية : لا تتم التز كية إلاّ باستشعار الرقابة الإلهية في العقل والضمير والوجدان, والإحساس بأنّ الله تعالى محيط بالإنسان احاطة تامة, يحصي عليه حركاته وسكناته, ومن لا مراقبة له لا حياء له؛ حيث غفلةٍ تُوقِعُه في المزالق والمتاهات, ولهذا ركّز الإمام الباقر (عليه السلام) على هذه الرقابة الدائمة لتكون هي الدافع لإصلاح النفس وتزكيتها(9)، ففي موعظته لجماعة من أنصاره قال: "ويلك . . . كلّما عرضت لك شهوة أو ارتكاب ذنب سارعت اليه وأقدمت بجهلك عليه, فارتكبته كأنك لست بعين الله, أو كأن الله ليس لك بالمرصاد !..."(10). د ـ التوجّه الى اليوم الآخر : إنّ التوجه الى الحياة الاُخرى الخالدة يمنع الانسان من الانحراف ويدفعه لتخليص النفس من ربقة الشهوات وظلمة المطامع وأدناس الهوى, ويساعده على تحطيم أصنام الذات, وقد أشار الإمام الباقر(عليه السلام) إلى ذلك اليوم ليجعلوه نصب أعينهم ليكون حافزاً لهم لإصلاح النفس وتزكيتها(11), ومما جاء في موعظته لجماعة منهم قوله (عليه السلام) : " . . . يا طالب الجنّة ما أطول نومك وأكَلَّ مطيّتك, وأوهى همتك, فلله أنت من طالب ومطلوب! ويا هارباً من النار ما أحثّ مطيتك إليها وما أكسبك لما يوقعك فيها! يا ابن الأيام الثلاث : يومك الذي ولدت فيه, ويومك الذي تنزل فيه قبرك, ويومك الذي تخرج فيه إلى ربك, فياله من يوم عظيم! يا ذوي الهيئة المعجبة والهيم المعطنة ما لي أرى أجسامكم عامرة وقلوبكم دامرة؟!"(12). وبيّن الإمام (عليه السلام) أنّ الدنيا دار بلاء وامتحان، وأن هذا الابتلاء يتناسب مع درجة إيمان الإنسان فقال : "إنّما يبتلى المؤمن في الدنيا على قدر دينه"(13). وما على المرء سوى الصبر بجميع أقسامه: -صبر العوام: وهو حبس النفس على وجه التجلُّد وإظهار الثّبات في التحمُّل لتكون حاله عند العقلاء وعامّة الناس مرضيّةً ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُون﴾ . -صبر الزهّاد والعبّاد وأهل التقوى وأرباب الحلم، لتوقُّع ثواب الآخرة ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ . -صبر العارفين فإنّ لبعضهم التذاذاً بالمكروه لتصوّرهم أنّ معبودهم خصّهم به من دون الناس، وصاروا ملحوظين بشريف نظره {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ *أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}(14). ___________________________ (1) البلد: 11. (2) الشمس: 7-10. (3) طه: 75-76. (4) ظ: أعلام الهداية, للشيخ القرشي. (5) تحف العقول : 214 . (6) المصدر السابق. (7) ظ: أعلام الهداية, للشيخ القرشي. (8) جامع الأخبار : 270 . (9) ظ: أعلام الهداية, للشيخ القرشي. (10) تحف العقول : 212 . (11) ظ: أعلام الهداية, للشيخ القرشي. (12) تحف العقول : 212 - 213 . (13) جامع الاخبار : 313 . (14) أوصاف الأشراف, للشيخ الطوسي. اللّهمّ لاتدع خصلةً تُعابُ منّي إلاّ أصلحتها, ولا عائبةً اؤنَّبُ بها إلاّ حسّنتها, ولا اُكرومةً فيَّ ناقصةً إلاّ أتممتها, برحمتك يا أرحم الراحمين. علوية الحسيني.

اخرى
منذ 5 سنوات
13492

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
70169

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
51224

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41391

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
35830

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
32612

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32191