تشغيل الوضع الليلي

تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ

منذ 6 سنوات عدد المشاهدات : 2027

يصف القرآن الكريم الحجج الواهية التي يطرحها الكفار المعاصرون للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، بأنها شبيهة بتلك التي كان يطرحها كفار الأمم السابقة لأنبيائهم، ولذا وصف قلوبهم بأنها متشابهة في قوله (عز وجل):" كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الاْيَاتِ لِقَوْم يُوقِنُونَ "(1)

فيوجه القرآن الكريم التقريع واللوم الى من عاصر الرسول (صلى الله عليه وآله) لسيرهم على نهج من سبقهم ولتشبثهم بنفس آرائهم المنحرفة وبذلك سلكوا مسلكاً مشابهاً لما سلكه من سبقهم على مختلف الأجيال ومر العصور، في حين ينبغي أن يكون مرور الزمن عاملاً هاماً في زيادة وعيهم عمّن سبقهم، وسبباً مساهماً في تفهّمهم لما لم تتفهمه الأجيال السابقة..

ولو طبّقنا ما كان عليه المشركون المعاصرون للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ومدى تشبثهم بآراء من سبقهم من مشركين على الطغاة والمجرمين الذين يقتلون الشيعة اليوم ومدى تشبثهم بآراء وأفعال قتلة الامام الحسين (عليه السلام)، لوجدنا أنهم متشابهون وإلى حد كبير ومن عدة نواحي :

أولاً: تشابه الذريعة في القتل :
عندما قتل بنو أمية الامام الحسين (عليه السلام) ومن معه كان تبريرهم لفعلتهم الشنيعة وجريمتهم الفظيعة أن قالوا: إن الامام الحسين (عليه السلام) خارجي أي إنه خارج عن الدين الاسلامي ، وأشاعوا ذلك لدرجة أنه لما جيء بالسبايا وفيهم الإمام علي بن الحسين السجاد ( عليهما السلام) أسيراً فأقيموا على درج المسجد حيث يقام السبايا وفيهم علي بن الحسين عليهما السلام وهو يومئذ فتى شاب، فأتاهم شيخ من أشياخ أهل الشام فقال لهم: الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم، وقطع قرن الفتنة، فلم يألُ عن شتمهم)(2)
وأما ذراريهم اليوم فيقتلون الشيعة الموالين ويعذبونهم بشتى ألوان التعذيب، وما تبريرهم لجرمهم الجسيم هذا إلا أن قالوا إنهم مشركون بالله ودمهم لذلك مباح .... فتشابه دافعهم الى القتل لتشابه قلوبهم ...

ثانياً: كيفية القتل :
لم يكتفِ بنو أمية بقتل الإمام الحسين (عليه لسلام) ومن معه بل ومثلوا بالأجساد الشريفة، وحزوا النحور الطاهرة، وما يفعله ذراريهم اليوم هو ذات الجرم وذات الجناية، ومقاطع الفيديو التي ينشرونها على مواقعهم الباطلة خير دليل على ذلك ..

ثالثاً: سبي النساء :
لم يشفِ غليل بني أمية قتل الرجال من الركب الحسيني وحسب بل وتعدّوا على النساء الطاهرات فقاموا بسبيهن، وهذا ما فعله ذراريهم اليوم بل وفاقوا اجدادهم جرما حيث قاموا بالاعتداء على النساء المسبيات ايضا وبيعهن وووو كما هو معلوم للجميع ...

رابعاً: اتخاذهم يوم عاشوراء عيداً
اتخذ قتلة الامام الحسين (عليه السلام) يوم العاشر من المحرم عيداً لهم فكانوا يتبادلون التهاني والتبريكات فيما بينهم، ويقيمون الأفراح وما الى ذلك، وقد ورد ذلك في زيارة عاشوراء:" اللَّهُمَّ إن هذا يومٌ تبرَّكت به بنو أميَّة وابن آكلة الأكباد اللعين ابن اللعين على لسانك ولسان نبيِّك (صلى الله عليه وآله) في كل مَوطنٍ وموقفٍ وقفَ فيه نبيُّك (صلَّى الله عليه وآله)"، وها هم ذراريهم اليوم يتبادلون التهاني والتبريكات فيما بينهم، ويقيمون الاحتفالات والأفراح، بل ويقدمون الحلوى وقد نقش عليها يوم عاشوراء ايضاً ...

خامساً : صيام يوم عاشوراء :
صام آل زياد يوم عاشوراء شكراً لقتلهم الإمام الحسين (عليه السلام) فقد روي عن محمد بن عيسى بن عبيد قال: حدثني جعفر بن عيسى أخوه ، قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن صوم عاشوراء وما يقول الناس فيه؟ فقال: عن صوم ابن مرجانة تسالني؟! ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين (عليه السلام) ،....."(3)
وها هم ذراريهم اليوم يروجون ويشجعون على صيام هذا اليوم.

فإن قلتَ: وما ذنبهم هم إن كانوا قد وجدوا من الروايات التي تحث على صيامه والتي وضعها أمثال أبي هريرة ؟
نقول: وقد جاء أيضاً من علمائهم من قال بأن هذه الروايات من الموضوعات، فهذا ابن الجوزي يقول في الموضوعات:
"تمذهب قوم من الجهال بمذهب أهل السنة فقصدوا غيظ الرافضة فوضعوا أحاديث في فضل عاشوراء"(4)
ثم يذكر الأحاديث الموضوعة قائلاً:
"فمن الاحاديث التي وضعوا ....عن الاعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله إن الله (عز وجل ) افترض على بني اسرائيل صوم يوم في السنة يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من محرم فصوموه ووسعوا على أهليكم ...."(5)
وما تمسكهم بنهج قتلة الإمام الحسين (عليه السلام) إلا لأنهم راضون كل الرضا بفعالهم، ولو شاء الله وأعيدت واقعة كربلاء لتراهم يتسابقون الى قتله (بأبي هو وأمي).
ولذا فقد روي عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: قلت لأبي الحسن على بن موسى الرضا (عليهما السلام): يا ابن رسول الله ما تقول في حديث روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: إذ خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) بفعال آبائهم فقال (عليه السلام): هو كذلك، فقلت: فقول الله (عز وجل): (ولا تزر وازرة وزر اخرى) ما معناه، فقال: صدق الله في جميع أقواله، لكن ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) يرضون بأفعال آبائهم ويفتخرون بها، ومن رضي شيئاً كان كمن أتاه ولو أن رجلا قتل بالمشرق فرضي بقتله رجل في المغرب لكان الراضي عند الله شريك القاتل، وانما يقتلهم القائم إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم"(6)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البقرة 118
(2) العوالم ج1 ص419و420
(3) الكافي ج4 ص146
(4) الموضوعات ج2 ص200
(5) المصدر السابق
(6) مسند الإمام الرضا (عليه السلام) ج1 ص423و424

رضا الله غايتي

اخترنا لكم

سلسلة فيءٌ من أروقة القرآن الكريم (13) الآية الثانية عشر (أنواع الجنة في القرآن الكريم)/ الحلقة الثانية

بقلم: يا مهدي ادركني النوع الثاني: جنة البرزخ إنّ من اهم أساسيات الدين هو الاعتقاد باليوم الآخر والإيمان بالغيب، فقد قال تعالى في محكم كتابه العزيز: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) [سورة البقرة: آية 3] فقد قدّم الله تعالى هنا الإيمان بالغيب على إقامة الصلاة رغم أنّ الصلاة هي عمود الدين، ومن هذا يتبين أهمية الإيمان بالغيب، ومن الأمور الغيبية التي أُخبر الله تعالى بها نبيه الأعظم (صلى الله عليه وآله) هو عالم البرزخ، ذلك العالم الذي يعتبر المرحلة الأولى للحياة الآخرة، ومن ميزات ذلك العالم: أولًا: لا عمل ولا تكليف فيه، فإن العمل والتكليف من مختصات عالم الدنيا فقط. ثانيًا: إنّ فيه تنكشف بعض الغيبيات للفرد ومنها ما كان مطالبًا بالإيمان بها في عالم الدنيا، ومن تلك الأمور حقيقة الجنة والنار والثواب والعقاب فإن هذا العالم هو خطوة تمهيدية لحياة الآخرة. فهناك فترة ممتدة ما بين لحظة نزع الروح للإنسان وما بين يوم الحساب، فترة تنتقل فيها الروح إلى بدن مثالي لطيف ليجد المرء فيه نتيجة ما كسبت يداه في عالم الدنيا فإن كان صالحًا دخل جنة البرزخ، فتشرق شمس رحمة الله تعالى وتسقى روحه من كرمه فتتجلى له صفات عشقها وتسابقت جوارحه لتنال المغفرة من خالقه، وإن كان طالحًا دخل نارها وهلك بما جنت يداه. فما هي جنة البرزخ وأين تقع؟ وما هي الأدلة على وجودها؟ وهنا خطوات نوضح من خلالها جوابنا عن هذين السؤالين: الخطوة الأولى: إنّ معنى الجنّة قد مر بيانه في أول البحث، وجنة البرزخ لا يختلف معناها عن المفهوم العام للجنة، ولكنها تختلف عن جنة الدنيا بكونها أعلى مرتبة وأفضل منها لعدة أسباب نذكر منها سببين: الأول: إنّ جنة الدنيا لا ينتفي فيها العمل والتكليف، أما جنة البرزخ فلا عمل فيها ولا تكليف. الثاني: إنّ جنة الدنيا فيها من المنغصات التي قد تطرأ عليها فقد يشاركك فيها من لا يستحقها فيعبث فيها ويفسدها، أو قد ينزل عليها وباء أو طارئ فيهلكها، أما جنة البرزخ فلا عذاب فيها ولا نصب ولا تعب، ومن يدخلها فهو مستحق لها فهي خاصة بالمؤمنين. وهنا إشارة: حيث أن الله تعالى خلق الإنسان لغاية التكامل، وحيث أن حياة الإنسان قصيرة لا تتسع لذلك التكامل الذي يستحقه ويبحث عنه، ولكرم الله تعالى ولطفه جعل فضاء التكامل مفتوحًا حتى في عالم البرزخ ووضع مفاتيحه بيد عباده في الدنيا، فإن فتح العبد أقفال تلك الأبواب كانت له طريقًا للتكامل في عالم البرزخ، ومن تلك الأبواب ما ذكره نبينا الأعظم (صلوات الله وسلامه عليه): إذا ماتَ الإنسانُ انقَطَعَ عَمَلُهُ إلّا مِن ثَلاثٍ: إلّامِن صَدَقَةٍ جارِيَةٍ، أو عِلمٍ يُنتَفَعُ بِهِ، أو وَلَدٍ صالِحٍ يَدعو لَهُ) (1) الخطوة الثانية: أين تقع جنة البرزخ؟ كثرت الآراء حول موقعها فهل هي تقع في الأرض أم في السماء، وإن كانت في الأرض ففي أي أرض هي، فقد قال البعض هي في وادي السلام تلك الأرض التي تشرفت بضمها لبدن أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه)؛ ولذا تجد المؤمنين يدفنون أجساد أحبائهم فيها. وفي مقام البيان والتوضيح نقول: أوّلًا: إنّ علم الإنسان وكل ما يتعلق به من تصورات هو محدود متناهي. ثانيًا: إنّ المكان والزمان من الأمور التي خلقها الله تعالى. ثالثًا: إذاً، الإنسان مهما اجتهد وتطور في ميادين العلم لكن يبقى علمه محدود وقدراته محدودة لا تتعدى عالم الإمكان ذلك العالم المادي الذي وإن تطعّم بعالم الغيبيات وانفتحت عليه تلك النوافذ إلّا أنه يبقى في حيز المحدودية، وشاء الله تعالى أن تكون هناك أمور مهما أعرب عنها القرآن الكريم والروايات الشريفة إلّا أنها تبقى غامضة غير مكشوفة له، ومنها جنة البرزخ، وعليه فلا يمكن لنا الجزم عن مكانها بالتحديد. وفي الحقيقة هو أمر غير مطالبين بمعرفته والبحث عنه، فجل ما هو مطلوب منا هو أن نؤمن بحقيقة وجودها ونسعى إلى أن نكون ممن يتنعم بنعيمها. الخطوة الثالثة: الأدلة على جنة البرزخ: إن الدليل الذي نستند عليه هو القرآن الكريم، فقد ذُكرت هذه الجنة في آيات عديدة، وبالرجوع إلى تفاسير أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) والروايات الشريفة نجدها قد وضحّت ذلك، ومن تلك الآيات: الآية الأولى: قال تعالى: (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) [سورة يس: آية 26/27] إن الله تعالى جعل جزاء هذا الرجل المؤمن الجنة مباشرة بعد قتله فلم يفصل بين قتله وبين دخوله الجنة أي فاصل، وهذا يدل على أنّ الجنة التي أمر الله تعالى بدخوله فيها هي غير جنة الآخرة، لأن الدخول إلى تلك الجنة يكون بعد الحساب يوم القيامة. الآية الثانية: وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ) [سورة الحج: آية58، 59] إنّ هذه الآية لا تختلف كثيرًا عن الآية السابقة بل هي تشاركها في أمرين: الأول: إنّ من جاهد من أجل كلمة التوحيد وقُتل في سبيل الله تعالى له أجر عظيم. الثاني: إن أجر من قُتل في سبيل الله تعالى هو الدخول إلى الجنة مباشرة وهي جنة البرزخ، فإنّ الله تعالى سيستبدل تلك الحياة بمصاعبها وما تعرضوا لاضطهاد فيها بحياة أفضل منها ونعيم يبدأ من أول منازل الآخرة وهو البرزخ. على أنه قد يُقال بأنها تقصد جنة الآخرة، فنذكرها حينئذ هنا كمؤيد محتمل لا دليل. الآية الثالثة: قوله تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [سورة آل عمران: آية 169] وفي هذه الآية تأكيد على وجود حياة برزخية ولا يمكن نكرانها، فإنّ من قتل ستنتقل روحه إلى أجساد لطيفة نورانية مثالية تتحرر من أقذار الدنيا لتنعم بجنة البرزخ. أما الروايات الشريفة التي نقلها لنا أهل بيت العصمة (صلوات الله وسلامه عليهم) فهي كثيرة ونذكر منها هذه الرواية: عن الإمام الصادق (صلوات الله وسلامه عليه) أنه قال: "إنَّ أرواحَ المُؤمِنينَ لَفي شَجَرَةٍ مِنَ الجَنَّةِ ، يَأكُلونَ مِن طَعامِها ويَشرَبونَ مِن شَرابِها، ويَقولونَ : رَبَّنا أقِمِ السّاعَةَ لَنا، وأنجِز لَنا ما وَعَدتَنا، وألحِق آخِرَنا بِأَوَّلِنا". (2) وهي رواية واضحة غنية عن التوضيح. ____________________ 1- كنز العمال : 4365. 2- الكافي: ج 3 ص 244 ح 2.

اخرى
منذ 4 سنوات
663

نـفــحاتٌ مــلكوتيــة من الــخطاب الــزينبي (٣) "ولئن جَرَّت علَيّ الدواهي مُخاطبتَك، إنّي لأستصغرُ قَدْرَك، وأستَعظمُ تَقريعك، واستكبر توبيخك"

لقد فرضت الظروف التي عاشتها السيّدة الحوراء (عليها السلام) مخاطبة ملّة غير ملتها، لا وأيّ ملّةٍ ! يكفي في التعريف بها ما صرّح به رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأنّ الإسلام سوف يُثلم على يدها، وإلاّ فإنّ سليلة الطهر يجلّ صوتها عن أن يصل إلى مسامع الطاغية يزيد وشرذمته (عليهم لعائن الله). لكن السيّدة (عليها السلام) تبدي بيان موقفها من مخاطبته معللةً بأنّ ذلك حصل اضطراراً بسبب جور الزمان وانقلابه على الحسين وآل الحسين (عليه السلام). "ولقد شاهدت السيّدة زينب الكبرى (عليها السّلام) في مجلس يزيد مشاهد وقضايا ، وسمعت من يزيد كلمات تعتبر من أشدّ أنواع الإهانة والاستخفاف بالمقدّسات ، وأقبح أشكال الاستهزاء بالمعتقدات الدينيّة ، وأبشع مظاهر الدناءة واللؤم في تصرفاته الحاقدة . مظاهر وكلمات ينكشف منها إلحاد يزيد وزندقته ، وإنكاره لأهمّ المعتقدات الإسلاميّة. مضافاً إلى ذلك : أنّ يزيد قام بجريمة كبرى، وهي أنّه وضع رأس الإمام الحسين (عليه السّلام) أمامه، وبدأ يضرب بالعصا على شفتيه وأسنانه، وهو حينذاك يشرب الخمر ! فهل يصح ويجوز للسيّدة زينب أن تسكت وهي ابنة صاحب الشريعة الإسلاميّة ؛ الرسول الأقدس سيّدنا محمّد (صلّى الله عليه وآله) ؟! كيف تسكت وهي تعلم أن بإمكانها أن تزيّف تلك الدعاوى، وتفنّد تلك الأباطيل؛ لأنّها مسلّحة بسلاح المنطق المفحم ، والدليل القاطع، وقدرة البيان وقوّة الحجّة ؟! ولعلّ التكليف الشرعي فرض عليها أن تكشف الغطاء عن الحقائق المخفيّة عن الحاضرين في ذلك المجلس الرهيب؛ لأنّ المجلس كان يحتوي على شخصيّات عسكريّة ومدنيّة وعلى شتى طبقات الناس . فقد كان يزيد قد أذن للناس إذناً عامّاً لدخول ذلك المجلس ، فمن الطبيعي أن تموج الجماهير في ذلك المكان وحول ذلك المكان، وقد خدعتهم الدعايات الاُمويّة، وجعلت على أعينهم أنواعاً من الغشاوة ، فصاروا لا يعرفون الحقّ من الباطل منذ أربعين سنة ؛ طيلة أيّام حكم معاوية بن أبي سفيان على تلك البلاد . وعلامات الفرح والسرور تبدو على الوجوه بسبب انتصار السلطة على عصابة عرّفتها أجهزة الدعاية الاُمويّة بصورة مشوّهة . وقد تعوّد أهل الشام على مشاهدة قوافل الأسرى التي كانت تجلب إلى دمشق بعد الفتوحات . أما ينبغي لحفيدة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن تنتهز هذه الفرصة ، وتجازف بحياتها في سبيل الله ، وتنفض الغبار عن الحقّ والحقيقة ، وتعرّف الباطل بكلّ صراحة ووضوح ؟ بالرغم من أنّها كانت أجلّ شأناً ، وأرفع قدراً من أن تخطب في مجلس ملوّث لا يليق بها ؛ لأنّها سيّدة المخدّرات والمحجّبات ، ولكنّ الضرورة أباحت لها أن توقظ تلك الضمائر التي عاشت في سبات ، وتعيد الحياة إلى القلوب التي أماتتها الشهوات ، وغمرتها أنواع الفجور والانحراف عن الفطرة ، فباتت وهي لم تسمع كلمة موعظة من واعظ ، ولا نصيحة من ناصح(1). وإلاّ فإنّ مثلها لا يكلّم مثل ذلك العتلّ صغير القدر، عظيم التقريع، كثير التوبيخ. ورغم اشتماله على جميع الرذائل الخلقية الا انه تمادى وتغطرس في استئصال الشأفة (2). وقولها (عليها السلام) [استصغر قدرك] أي إنّ المنصب الذي تعتليه يا يزيد –منصب الخلافة- صغيرٌ مثلك قضى عمره بين القردة والخمور، والمعازف والفجور، لا يليق بكبر المنصب الذي نصّبه إيّاك مثيلك. وهذا جانب من شجاعتها (عليها السلام) وهي تصدح بكلمة حق في وجه سلطان جائر. وقولها [ استعظم تقريعك] "التقريع: غلطة أو خطأ ولومه المتكرِّر لنفسه على ذلك الخطأ"(3). أي هو اللوم الذي يقصد صاحبه به هداية الآخرين، ولهذا تستعظم السيّدة الدور الذي تقمصه الطاغية وهو دور (الهادي)، فأيّ عاقلٍ يقول بهداية الفاسق للعادل! بل أيّ تقريعٍ يصاحبه نكث ثنايا إمام معصوم كالحسين (عليه السلام)، والله إنّ فعله لشرّ فعل، كيف لا إذ إنّ تلك الثنايا كانت موضع نطق الحكمة ومعالم الدّين القويم الذي اهتدى بها يزيد وأبوه اللئيم. وقولها [استكثر توبيخك] "وبَّخ الشّخصَ : لامَه على خطأ أو تصرُّف بُغْية رَدْعه وإصلاحه. وبَّخ الشّخصَ : أنّبه وعيَّره ، عنَّفه ، بكَّته"(4) أي ما أكثر اسئلتك التوبيخية لنا أهل البيت ! فحتماً هدفه هو كسر التفاف الناس حول آل الحسين (عليهم السلام)، وتشويه سمعتهم كي لا ينشدّوا لهم. لكن نجد فراسة السيّدة زينب (عليها السلام) قد سبقت ما يروم إليه عدو الله، ولهذا لو تتبع القارئ خطبتها لوجد ختام هذه الفقرة الخطابية بـ( كد كيدك، وأسع سعيك، فو الله لن تمحو ذكرنا). وجُلّ ما نلمسه من نفحات في هذا الخطاب هو الجانب البلاغي، ويعلم أصحاب هذا العلم أنّ اسلوب التوكيد، ومناط استعمال أدوات التوكيد في الخبر من عدمها. فالمقطع الخطابي أعلاه يشتمل على أداتين توكيديتين هما (إنّ في قولها إني) و(حرف اللام في قولها لأستصغر). وحيث إنّ الجمل ما بعدها معطوفة على سابقها فحكم التوكيد يشملها. وعليه: حيث إنه إذا كان المخاطَب منكراً للخطاب فيستعمل المخاطِب في خطابه أداتان للتوكيد(5)، وهذا ما طبقته السيّدة (عليها السلام)، فالطاغية ينكر أنّه أخطأ بحق الحسين وآله (عليهم السلام). ___________________ (1) زينب الكبرى من المهد إلى اللحد، 71. (2) أي قتلت الأصل المبارك. (3) قاموس المعجم الوسيط. (4) معجم المعاني الجامع. (5) ظ: خصائص التركيب، والبلاغة الواضحة. أقائـدةَ الركـب يـا زينب تَغَنّى بكِ الشـرق والمغربُ خَطبـتِ فدوّى بسمع الزمان صوتٌ إلى الآن يُسترهَبُ أخاف الطغاة على عرشهم فظنّوا عليّـاً بـدا يخطـبُ وأسقطتِ قبل فناه يزيدا وضـاق على رأيه المَذهبُ ووَلّـت أميّـة مدحـورة و مـا ظل ذكـر لهم طيّبُ. علوية الحسيني

اخرى
منذ 6 سنوات
3102

حاججتها فانتصرت

بقلم: نجاة رزاق طالما وقفت واجمة أمام قسوة قلوب بعض الناس، تحيرني تلك النفوس، تدمي قلبي تلك القلوب الجامدة، تتساقط أوراق أحاسيسي، فلا الدموع ترويها ولا التصبر. كنت جالسة أمام مشهد أطار لباب عقلي، ازدحمت الأفكار وكثرت الأسئلة ولا أجد جوابًا يقنعني... لماذا، ولماذا؟ الوقت متأخر، وجميع من حولي هدأت أصواتهم... لا أدري أين ذهبت بعد أن هومت عيناي بالنعاس... لحظة أم لحظات؟ لا أدري... ثم وجدت نفسي بباب السلطان المتكبر والمتجبر... ووجدتها ببابه قد تلونت بغير لونها! خطر ببالي سؤال (أوَ ليس يقولون أن كل شيء ينطق وكل شيء يسبح لله ويهلل؟) وأنت ماذا؟ بدأت أتكلم كالمجنون فعلًا أن بك بأسًا شديدًا، لماذا فعلت هذا؟ كيف طاوعت العتاة؟ كيف أدميتِ عنق إمامي؟ كيف قسوت على تلك الأقدام الناعمة وأسلت الدماء منها؟ فإذا بها بقوتها وصلابتها تتكلم معي! الآن أيها البشر! الآن أصبح الذنب ذنبنا! ألا تعرفين من أي نوع أنا؟ عندما أمرني ربي أصبحت كالطين بين يدي النبي داوود (عليه السلام). لطالما حميت صدور الأبطال وكنت بيدهم احز رقاب الكفار. الآن جئت من العالم المجهول لتحمليني ذنبكم! ماذا تظنين؟ وبماذا تفكرين؟ أتحسبين أني آذيتهم؟ كلا وألف كلا… أنا عانقت الجسد النحيل واشبعته لثمًا وتقبيلًا، أنا ركعت في حضرته، وسجدت تحت أقدامه أمرّغ كبريائي وعظمتي بتراب قدميه؟ لكن أبناء نوعك ماذا كانوا يصنعون؟ كانوا يسحبون ويسحبون بقوة حتى أسالوا الدماء وحمّلوني خطاياهم. عودي أيتها البائسة إلى عالمك، ولتقر عينك، أني عاهدت نفسي وربي وأمامي أن أقول: أول قطرة من قطرات النار التي تصلي اجسادهم، سأدخل من أفواههم وأخرج من أدبارهم، سوف أكون أغلالًا في اعناقهم إلى جهنم وبئس المصير حتى اشفي غليل كل مؤمن ومؤمنة... عودي فما الذنب ذنبي.

اخرى
منذ 5 سنوات
636

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
76932

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
56698

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
44216

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
43561

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
40435

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
33550