تشغيل الوضع الليلي

عاشوراءُ مائدةُ الروح

منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 973

بقلم: الكاتبة نعمت عباس أبو زيد
غريبةٌ هي قصةُ الحُسين (عليه السلام)، فهو ليس فقط النورَ الخامسَ من أصحاب الكساء، ولم يكنْ اسمُه فقط من الأسماءِ المكتوبة على ساقِ العرش، ولم يكنْ نورًا من عالمِ الأنوار، ولم يكنْ ممّن دعَتْ باسمِه الأنبياءُ فقط، بل كانَ ممّن حفظَ رسالةَ السماء وأكملَ تبليغها، فقد تجلّى فيه خلُقُ النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، وأدبُ علي (عليه السلام)، وجلالُ فاطمة (عليها السلام).
ثورةُ الإمامِ الحُسين (عليه السلام) نموذجٌ من الثوراتِ الفريدةِ في تاريخ البشرية، في أهدافِها، ومبادئها، ونتائجِها، وقادتِها، وشهدائها...؛ ولهذا فقد أرست دماء الإمامِ الحُسين (عليه السلام) وأهلِه وأصحابِه في يومِ عاشوراء مبادئ مواجهةِ الظلم والظالمين لكُلِّ الأمم والأجيال مهما غلَتِ التضحيات، وقلَّ العددُ والعُدّة والعتاد، وهذا ما جعلَ: كُلَّ يومٍ عاشوراء وكُلَّ أرضٍ كربلاء.
وإنّ الإصلاح الذي أعلنَه الإمامُ الحُسين (عليه السلام)، وعدَّهُ شعارًا وهدفًا له وافتداه بدمِه الزكيّ، يعني حفظَ الدين، واستمرارَ نهجِ النبيّ (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار (عليهم السلام)، وقد أشارَ إليه (عليه السلام) في سياقِ وصيّتِه لأخيه مُحمّدٍ بن الحنفيّة، بقوله: "... وإنّي لم أخرجْ أشِرًا ولا بطِرًا ولا مُفسِدًا ولا ظالمًا، وإنّما خرجتُ لطلبِ الإصلاحِ في اُمّةِ جدّي، أريدُ أنْ آمرَ بالمعروف وأنهى عن المُنكر وأسيرُ بسيرةِ جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب، فمن قبلني بقبولِ الحقِّ فاللهُ أولى بالحقّ، ومن ردّ عليّ هذا، أصبِرُ حتّى يقضيَ اللهُ بيني وبين القومِ وهو خيرُ الحاكمين"
فإنّ الإصلاحَ المقصودَ هو الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر في كُلِّ جوانبِ الدين والحياة، وقد تحقّقَ ذلك من خلالِ النهضةِ العظيمةِ التي قامَ بها (عليه السلام) فكانتِ الهِدايةُ لهم دينيًّا ومعنويًّا وإنسانيًّا وأُخرويًّا بشهادته وبركات دمِه الطاهر.
لذلك عُدَّت واقعةُ عاشوراء -مُنذُ عِدّةِ قرونٍ مضتْ- رمزًا ليومِ صراعِ الحقِّ والباطل، ورمزًا ليومِ الفداءِ والتضحية في سبيلِ الدين، ففي هذا اليوم واجهَ الإمامُ الحُسينُ بن علي (عليهما السلام) -بفئةٍ قليلةٍ ولكنّها مؤمنةٌ وصابرةٌ وتتحلّى بالعزّةِ والصلابةِ والعظمةِ- جيشَ حكومةِ يزيد على كَثرةِ عدده وكمالِ عُدّته، ولكنّه كان مُجردًا من الدينِ والرأفة، وجعلَ من كربلاءَ ساحةً للبطولةِ والحُريةِ..
ومعَ أنَّ يومَ عاشوراءَ كان يومًا واحدًا من الصراع، إلاّ أنّ نطاقَ تأثيرِه امتدَّ إلى الأبد، ودخلَ في أعماقِ الضمائرِ والقلوبِ حتّى صارتِ العشرةُ الأولى من مُحرّم وخاصةً اليوم العاشر منه فرصةً تبرزُ فيها ذروةُ المحبةِ والولاءِ لعَلَمِ الحرية، وأسوةِ الجهاد والشهادة الحُسين بن علي (عليهما السلام)، حتى أنَّ غيرَ الشيعةِ يُبجِّلون سموَ أرواحِ أولئك الرجالِ العِظام.
من البديهي أنَّ الحُسين بن علي (عليهما السلام) لو كان بقيَ في المدينةِ وبلّغَ الأحكامَ الإلهية ومعارفَ أهلِ البيت (عليهم السلام) لتربّتْ جماعةٌ على يديه؛ لكنّه عندما اتجهَ إلى العراقِ لأجلِ القيامِ بواجبه، فإنّه حُرِمَ من كُلِّ هذه الأعمال؛ من تبليغ الأحكامِ الإلهية للأُمّة وبيانِ معارفِ أهلِ البيت (عليه السلام) وتعليمِ وتربيةِ المُسلمين، وما كان بإمكانهِ أنْ يُعلّمَ الناسَ الصلاةَ، وأنْ ينقلَ إليهم أحاديثَ الرسول (صلى الله عليه وآله)، وبذا تعطّلت حوزتُه العلميةُ ونشرُه للمعارف، وحُرِمَ من تقديم العونِ للأيتام والمساكين والفقراء في المدينة.
وقد كان (عليه السلام) يقومُ بكُلِّ واحدةٍ من هذه الأمور قبل تحرُّكِهِ باتجاه العراق؛ ولكنّه جعلها جميعًا فداءً للوظيفةِ الأكثر أهميةً، وحتى أنّه ضحّى بحجِ بيتِ اللهِ في سبيلِ التكليف الأعلى... وكان هذا في وقتٍ شرَعَتْ فيه الناسُ بالوفودِ إلى بيتِ الله الحرام، فماذا كان ذلك التكليف؟
لقد كان - كما عبّرَ هو (عليه السلام) - مواجهةَ الجهازِ الحاكم الذي هو منشأُ الفساد: «أُريدُ أنْ آمرَ بالمعروفِ وأنهى عن المُنكر وأسيرَ بسيرةِ جدّي».
أو كما قال في خُطبةٍ أُخرى وهو في طريقه: «أيُّها الناسُ إنّ رسولَ الله قال: من رأى سُلطانًا جائرًا مُستحلًا لحُرمِ اللهِ ناكثًا لعهدِ الله فلم يُغيّر عليه بفعلٍ ولا قولٍ كان حقًا على اللهِ أنْ يُدخلَه مدخله"
فغريبٌ أمرُ ذاك الإمامِ (عليه السلام) الذي وقفَ في صحراء نينوى في يومِ عاشوراء وحيدًا بعدَ أنْ قُتِل أهلُ بيته وأصحابُه ونادى في صحراء كربلاء: "ألا من ناصرٍ ينصرني" والناسُ حولَه لا يسمعون، لكنّ نداءَه (عليه السلام) اخترق دائرةَ الزمانِ والمكان فكان نداؤه كنداءِ جدِّه إبراهيم (عليه السلام) حينما وقفَ على صخرةِ الكعبة وأذّن في الناس بالحج، كان إبراهيمُ وحيدًا إلا أنّ نداءه الإلهي وصلَ إلى قلوبِ الملايين من الناس، فترى الملايين يذهبون إلى بيتِ الله الحرام لتُلبّي نداءه، وكذا الحُسين (عليه السلام) كان وحيدًا في ندائه ليدخلَ في قلوبِ المؤمنين فيولِّدَ فيها حرارةً لا تنطفئ أبدًا، وفي كُلِّ عامٍ تتهافتُ الملايين إلى بيته لتُحيي ذكرى عاشوراء.
درسُ الحُسين بن علي (عليهما السلام) درسٌ خالدٌ، لا ينبغي نسيانه؛ ينبغي فهمُه بشكلٍ جيّد؛ ينبغي خلال الحديث [عن عاشوراء] وقراءةِ مجالسِ العزاء وذكرِ المصائب تفهيمُ نقطةِ الفداء وتضحيةُ الإنسان من أجلِ دينِ اللهِ وفي سبيلِ الله تعالى، حتى لا يخرجَ هذا الدرسُ من أذهانِنا أبدًا في كُلِّ زمانٍ وحين.
فالسلامُ على الحُسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحُسين، وعلى أصحابِ الحُسين (عليهم السلام سلامًا مُتّصلًا ما اتّصلَ الليلُ والنهار).. وآخرُ دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين..
_________________________
1- موسوعة عاشوراء /المؤلف حجة الإسلام والمسلمين الشيخ جواد محدثي
2-وليال عشر من وحي عاشوراء/المؤلف الشيخ أكرم بركات/بيت السراج

اخترنا لكم

مرآة الطف

بقلم: ندى الزيرجاوي مرآةٌ عكست ذلك الواقع الأليم الذي مر على أهل البيت (عليهم السلام) ليرى العالم من خلالها واقعة كربلاء وما تحمله تلك الفاجعة من ألم ودروس لا يستطيع اللسان وصفها. مرآة لم تنكسر، لكن تصدعت لترى في كل قطعة منها منظرًا مؤلمًا من قتل وحرق للخيام، فرار للأيتام وسبي النساء، سلاسل وسياط وهزل وأجساد مبعثرة، رؤوس تحمل على أسنة الرماح ومسير سبايا، فرح وطبول تدق بغضاً بهم وشماته، جميع تلك الصور المؤلمة شاهدها الإمام زين العابدين وسيد الساجدين (عليه السلام) الذي أصابه المرض لحکمة الهية بالغة، لتبقيه حيًّا بعد المجزرة الدموية الأموية التي حلت ببيت الرسالة في کربلاء، لينقلها إلى المجتمع الذي غُيبت فيه الحقيقة، من خلال مواقف سجلها ليوضحها للعالم، وينقل مظلومية آل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله) من خلال خطابه، تمثلت بدوره الإعلامي من خلال إظهار الجانب المفجع والمأساوي لما حدث في أرض الطف، وما صنع بنو أمية (لعنهم الله) من ذبح وسبي، والإمام (عليه السلام) لم يقم بذلك من أجل كسب شفقة الناس وعطفهم ولم يستخدم المنبر لإلقاء خطبته لإنزال الدمعة، بل لكي يستطيع بعمله هذا ترسيخ الفاجعة في أذهان الناس عن طريق أسلوب استفزاز المشاعر لكي يثير نتائج الطف السامية وترسيخ القيم الإسلامية التي جاهد من اجلها الامام الحسين (عليه السلام) فأراد أن يرتقي المنبر ليلقي كلمات لله تعالى فيها رضا لله وصلاح للعباد، وبذلك أسقط الأقنعة والتعتيم الإعلامي الذي استخدمه بنو أمية بإقناع الناس بأن الإمام الحسين (عليه السلام) وصحبه إنما هم من الخوارج، وقد کان مقدرًا لتلك الدعاية أن تنجح وتأخذ مداها في الشام إلی اقصی حدٍّ ممکن، لكن بقية الله في أرضه (عليه السلام) آنذاك المتمثلة بزين العباد (عليه السلام) وعمته فخر المخدرات (عليها السلام) أفشلت ذلك المخطط بتوليهم مسؤوليتهم التاريخية أمام الله والرسالة المحمدية، بکشف أهداف الثورة الحسينية، ارتقى تلك الأعواد ليبين للناس لمن هذه الرؤوس الشريفة وإي مقام رفيع يمثلون في دنيا الإسلام، مبينًا من هم السبايا، ليُظهر للناس سياسة الأمويين الدموية وفجورهم وظلمهم لأطهر خلق الله، ويفشل مخططاتهم، ليكشف عبر مرور الزمن ما للحق من قوى في إرهاب عروش الطغاة وزلزلتها؛ عليل، أسير، قُتل أهله وأخوته، لكنه مصدر قوة وإشعاع بتوليه لمسؤوليته بالشكل الصحيح فلم يستخدم السيف والقتل والتنكيل بل استخدم الكلمة التي هي أقوى وقعًا من السيف عن طريق الإبلاغ والتبليغ والإرشاد والدعاء، ليتبنى منعطفاً جديداً للحرکة الإصلاحية في الأمة الإسلامية.

اخرى
منذ 5 سنوات
551

تجلياتٌ معرفية في الخطاب المهدوي (10)

بقلم: علوية الحسيني "وأحي بي ما دُرِسَ من فروضك وسننك" يواصل الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) دعاءه, طالبًا من الله تعالى أن يحيي به الفرائض والسنن. *فقوله: "أحي" يقال: "أحْياهُ: جَعَلَهُ حَيًّا"(1). *وقوله: "ما دُرِسَ" فعل مبني للمجهول من انْدَرَسَ, أي "انْطَمَسَ" (2). وقوله: "من فروضك" مستخدمًا الحرف (مِن) للتبعيض، ولعلها بيانية. والفرض: هو "ما أَوْجَبه اللّه عزّ وجلّ، سمي بذلك لأَنَّ له مَعالِمَ وَحُدُوداً" (3). وقوله: "سننك" جمع سنّة, و"السُّنَّةُ (في الشرع): العملُ المحمودُ في الدين مما ليس فَرْضًا ولا واجبًا" (4). وواقعًا هناك فرائض وسنن مندرسٌ أثرها, هي أحكام لله تعالى يريدها, فيدعو الإمام ربّه بأن يحييها على يديه, حين ظهوره (عجّل الله فرجه الشريف)؛ بكشفها لهم, ومنعهم من العمل بالمبتدع بها, أو المغيّر عليها -حسب القياس, أو المصالح المرسلة, أو سد الذرائع-. وبالتالي سيحصر الإمام مصادر استنباط الحكم الشرعي بالقرآن الكريم, والسنة النبوية القطعية -أقوال وأفعال وسكوت النبي وآله (عليهم السلام)-. واندراس تلك الفرائض والسنن يرجع إلى جملة من الأسباب, "منها: أولاً: أسباب خارجية, كغزو البلاد, أو احتلالها الذي أدى إلى تدمير العديد من المكتبات الشيعية, التي تحتوي على كتب متضمنة للفرائض والسنن المروية عن محمدٍ وآل محمد (عليهم السلام). ثانيًا: أسباب داخلية, كالحقد الطائفي الذي أعمى البعض وأدى بهم إلى حرق بعض تراثنا, فسبب اندراساً جزئياً لبعض الفرائض والسن" (5). لكن بعد ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) يعرّف الناس بنفسه, وبدين الله تعالى, ويطلب منه الناس الأدلة والبراهين على صدق ما يدعوهم إليه, فيقوم الإمام بوظيفته تلك, فيبلغهم معالم دين الله تعالى الواقعي, بأصوله, وفروعه, ويهذّب الموروث الروائي المنسوب إلى محمدٍ وآل محمد (صلى الله عليه وآله)؛ لذا جاء في بعض الروايات أنّه (عجّل الله فرجه الشريف) يعيد الإسلام جديدًا؛ "فعن عبد الله بن عطاء المكّي، عن شيخ من الفقهاء - يعني أبا عبد الله (عليه السلام)-، قال: سألته عن سيرة المهدي كيف سيرته؟ فقال: «يصنع كما صنع رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، يهدم ما كان قبله كما هدم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أمر الجاهلية، ويستأنف الإسلام جديداً"(6). والتجديد لازمه الاحياء, فيُحيي ما اندرس من الفرائض والسنن المعطلة. ولا مناص من كونها معطلة, وإلاّ ما الغاية من إحياء الإمام لفريضة أو سنة متبعة! والدليل على ذلك التجديد ما نقرأه في فقرات دعاء العهد: "واجعله اللهم... ومجددًا لما عطل من أحكام كتابك" (7) فظاهر مفردة التجديد هو (غير) أحكام الدّين التي نحن عليها, وإلاّ فالدّين الإسلامي هو هو, لقوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَام} (8), وبالتالي لابد من معرفة ما هو التجديد الذي سيقوم به الإمام المهدي (عجّل الله فرجع الشريف) في الدّين. ذلك "التجديد يحتمل عدّة أوجه" (9): 1- التجديد بإحياء علوم الدّين الواقعية, التي هي عند الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف), أما ما عندنا اليوم من علوم فأغلبها ظاهرية؛ أي أنها ممكن أن تصيب الواقع, وممكن أن لا تصيبه, "لكننا معذورون شرعًا أمام الله تعالى لو اتضح عدم اصابة أحكامنا الواقع؛ لأنّنا لم نقتحم الشبهة حال الشك بالحكم الواقعي, فالفقيه معذور شرعًا؛ لأنّه اجتهد وفق دليل ظني قد جعل الشارع المقدس له الحجية, فاستنبط حكمًا ظاهريًا بديلاً عن الواقعي المشكوك, وحدد وظيفة كلّ مكلّفٍ تجاه ربّه, وكذا المكلف معذور شرعًا؛ لأنّه لم يقتحم الشبهة, أي لم يرتكب ما هو مشكوك في حرمته, ولم يترك ما هو مشكوك في وجوبه" (10). 2- التجديد ببيان معالم دين الله تعالى جميعها, التي تعمّد مخالفوه وضع الأحاديث ودسّها ونسبتها للنبي وآله (عليهم السلام), فيأتيهم الإمام بمعالم دينٍ حقيقية غير محرّفة, صادقة غير مكذوبة, منجية غير مهلكة, فيرونَ الدّين بحلّته الجديدة. 3- التجديد ببيان ما نسيَ بيانه بعض الرواة؛ نتيجة الظروف القاهرة التي أصابت التراث الشيعي من الحرق والإتلاف آنذاك. 4- التجديد باعتبار (الإمامة) أصلاً من أصول الدّين, فيرى منكروها الدّين جديدًا. 5- التجديد من خلال القضاء على البدع التي يثيرها المغرضون ضد الدّين الإسلامي؛ بإدخال ما ليس من الدّين فيه, أو بإحياء بدعة وإماتة سنة, فيغيرّون بالدّين تعمدًا, وهنا يظهر دور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف)؛ كما جاء في دعاء الاستغاثة به: "اللهم جدد به ما محي من دينك وأحيي به ما بدل من كتابك وأظهر به ما غُيِّر من حكمك حتى يعود دينك به وعلى يديه غضاً جديداً خالصاً مخلصاً لا شك فيه ولا شبهة معه ولا باطل عنده ولا بدعة لديه" (11). وبعد معرفة كيفية تجديد الدين على يدي الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف), ينبغي معرفة كيف سيُحيي ما جدّد من الفرائض والسنن. فمن يتأمل في ظاهر الحديث المروي عن الهروي حينما سمع الإمام الرضا (عليه السلام) يقول: "أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا. قال له: يا بن رسول الله وكيف يحيا أمركم؟ قال: أن يتعلم علومنا ويعلمها الناس؛ فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لتبعونا" (12), يحكم عقلاً بأنّ جدور هذا الحديث راجع إلى آباء الإمام الرضا (عليه السلام)؛ فمروياته مرويات محمد وآله (عليهم السلام), وبما أنّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) ضمن الآل, فتعيّن أنّه سيعلّم الناس علوم أجداده (عليهم السلام) الواقعية. وبما أنّنا نعتقد أنّ قول وفعل وسكوت المعصوم حجّة, وأنّ إحياء علوم الدّين لا يكون إلاّ من خلال القول تبليغًا, والفعل امتثالاً, والسكوت تطبيقًا, فتكون الفريضة والسنة المتجددتان حجّة على العباد آنذاك. إذًا كل اطر العملية التبليغية التي سيقوم بها بهدف تعليم الناس علوم محمد وآل محمد (عليهم السلام), يعدّ إحياءً لعلوم الدّين. لذا نجد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف), المبلغ الرسالي, أُلقي على عاتقه مهمة الأنبياء –تبليغ رسالات السماء-, وإحياء الدّين, كسلفه (عليهم السلام). إلاّ أنّ إحياءه للدّين سيكون مختلفًا نوعًا ما عن إحياء أجداده (عليهم السلام)؛ نظرًا لطول غيبته (عجّل الله فرجه الشريف) التي استغلها البعض في إماتة السنن, وإحياء البدع, بل وتبديل دين الله تعالى الواقعي, على اختلاف مذاهبهم الفقهية. ولازم دعاء الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) أنّه يحيي أيضًا أصول الدّين؛ لأنّه لا عمل بفروع الدّين ما لم يتم الإيمان بأصوله؛ فحين ظهوره سيبلّغ الناس العقيدة الحقّة, بتنزيه الله تعالى عن كل ما لا يليق بساحة جلالته, مما نسبت إليه الأديان والمذاهب والفرق الضالة, وكذا يبلغهم حقيقة العدل الإلهي, ويبطل الجبر والتفويض الذي قالت به بعض الفرق الكلامية, ويثبت أصالة الإمامة بين أصول الدّين, ودورها الرابط والمهم, ويعرّج على المعاد, ويشير إلى حقائق لم تكن تطرق اسماع البعيدين عن عقيدة محمد وآل محمد (عليهم السلام)؛ لأنّهم لم يستمدوا علومهم من العترة المحمدية (عليهم وعلى سيدهم السلام). كما ويلزم من دعائه (عجّل الله فرجه الشريف) أنّه سيُحيي أخلاق الدّين المندرسة بسبب تشتت الأهواء, والابتعاد عن الأخلاق القويمة في زمن الغيبة؛ نتيجة الفتن, والابتلاءات التي انجرف معها كثيرون. وإلاّ كيف يُحيي الإمام الفرائض والسنن المندرسة وأخلاقهم ليست أخلاقًا محمدية؟! إذًا الهرم المعرفي الثلاثي (اصول الدّين, وفروعه, وأخلاقه) لا يمكن تثنيته, ولا توحيده بالإحياء. ________________ (1) القاموس المحيط: للفيروز آبادي, ج4, ص322. (2) المصدر نفسه, ج2, ص215. (3) لسان العرب: لابن منظور, ج7, ص202. (4) المعجم الوسيط: مادّة (سنن) و(بدع). (5) ظ: التراث المهدوي استقراء التطور الفكري في مسيرة التراث المهدوي الشيعي: لمجتبى السادة, ف11. (6) الغيبة: للنعماني, ص٢٣٦, ب ١٣, ح13. (7) مفاتيح الجنان: للشيخ القمي, دعاء العهد, ص603. (8) سورة الرعد: 19. (9) ظ: شذرات مهدوية: للشيخ حسين الأسدي, الشذرة20, ص265-272. (10) ظ: اصول الفقه, للسيد محمد باقر الصدر, ج3, ص26. (11) المزار: لمحمد بن المشهدي, ص٦٦٩. (12) بحار الأنوار: للعلامة المجلسي, ج2، ص30، ح13. اللهم جدّد بوليّك ما مُحي من دينك, وأحيي به ما بُدّل من كتابك, وأظهر به ما غُيِّر من حكمك, حتى يعود دينك به وعلى يديه غضاً جديداً خالصاً مخلصاً, لا شك فيه, ولا شبهة معه, ولا باطل عنده, ولا بدعة لديه, بحق محمدٍ وآله الطاهرين.

العقائد
منذ 4 سنوات
552

الصعودُ الأبدي

بقلم: حسين عقيل ذهبنا ذاتَ يومٍ لتسلُّقِ قمةٍ جبليةٍ شامخةِ الارتفاع مُتعِبة التسلُّق برفقة أربعةً من الأصدقاء المُقربين، وبعد وصولنا لمحلِّ الانطلاق لتسلُّق القمة الجبلية أتممنا كافة الاستعدادات النفسية والمعنوية والمادية لعملية التسلُّق والصعود، وبدأنا التسلُّق ... وبعد أنْ قطعنا مسافةً معينةً، أراد أحد الأصدقاء أنْ يُرشدنا ويأخذ بنا لمُنعرجٍ مجهولٍ قائلًا: تعالوا معي من هنا سوف تنجون بسلامٍ معي، فذهبنا معه لذلك المنعرج الذي ما إنْ سلكناه حتى تهاوت علينا الصخور، وإذا بصخرةٍ كبيرةٍ تتجه نحونا، حاولنا جميعًا الابتعاد عنها بمختلف السبل، فنجونا سوى ذلك الصديق الذي أرشدنا، فقد سقط من أعلى القمة! أكملنا التسلق ولكننا واصلنا النقاش بشأن ما حدث والذي قادنا إلى شجارٍ بسبب اتهام أحدهم لآخر بأنَّه كان السبب في سقوط صديقنا، وكادت أنْ تقع فتنةٌ لولا أنْ واجهناه جميعنا بقولٍ واحد: إنَّ جهل صديقنا بالطريق وعدم تمسكه جيدًا هما السبب فيما حدث له، ولما رأى ردنا وموقفنا من ذلك ابتعد عنا سالكًا طريقًا آخر.. واصلنا التسلُّق بعد أنْ أخذنا مدة زمنية قصيرة للاستراحة... قال أحد الأصدقاء: لِمَ نتسلقُ هذه القمة الجبلية؟ أتمنى أنْ نعود أدراجنا ونحافظ على أنفسنا؛ لنعيش تلك الحياة الزاهية الجميلة وننعم بالخيرات عوضًا عن فقدان أرواحنا أثناء التسلق. ولكن مقترحه لم يُضعف عزيمتنا، إذ كنا عازمين على الوصول لتلك القمة، فانطلقنا لإكمال ما كنا مخططين له، فيما عاد صديقنا أدراجه.. وبذلك لم يبقَ سواي وصديقي الصدوق، وبعد مدةٍ طويلةٍ وشاقةٍ من التسلق واجهنا خلالها الكثير من الصعوبات والتحديات وصلنا إلى القمة الجبلية وكنا فرحين بذلك فخورين بأنفسنا لما وصلنا له.. ما حدث في رحلة تسلق القمة الجبلية شبيهٌ برحلة الإنسان في هذه الدنيا، حيث إنَّ مدة الرحلة هي مدة بقائنا في هذه الحياة الزائلة، والقمة الجبلية هي الجنة؛ لأنَّ طريقها محفوفٌ بالمكاره كما ورد في الروايات، والوصول إليها يتطلب الاستعدادات النفسية والروحية الموطّنة على مواجهة الكثير من الصعاب والأزمات، وأما الأصدقاء الذين تركونا أثناء الرحلة، فالأول منهم هي النفس الأمارة بالسوء التي توهمنا أنَّ الطريق الخاطئ هو الطريق الصحيح وتحملنا على تصديقها بعد أن تزينه في أعيننا وتظهر لنا بمظهر الصديق الناصح كي نُصدقها، ولكن بعد فترة زمنية تسقط الأقنعة وتتضح حقيقة النصائح بأنها أكاذيب مصطنعة، مسببةً لمن يتبعه دمارًا معنويًا ونفسيًا، ولا يمكن للإنسان الأمن من شرها إلا بقوة الإيمان والاستعانة بالله (تعالى). وأما الثاني فهو الشيطان الذي يوقد نار الفتن بين بني البشر ويشجع على الصراع فيما بيننا بالوسوسة إلى كلٍ منّا، ولكن ما إن يرى حكمتنا وتماسكنا فيما بيننا حتى يذهب بعيدًا خائبًا. وأما الصديق الثالث فهو ضعف الثقة بالنفس وعدم التوكل على الله (تعالى) ومن فتَنتْه الدنيا بجمالها ناسيًا بذلك ثواب الآخرة ونعيمها، وكلُّ أولئك الأصدقاء إنَّما هم أعداء بلباس أصدقاء. وأما الصديق الحقيقي للإنسان فهو العمل الصالح الذي يحسن رفقتنا ويشد من عزمنا حتى نحقق الهدف الأسمى وهو رضوان الله (تعالى) والقرب من أهل البيت (عليهم السلام) في جنان الخلد، فعلينا اختيار الصديق الأنسب ليكون لنا عونًا في هذه الدنيا ويثقل موازين حسناتنا يوم القيامة.

اخرى
منذ 4 سنوات
575

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
76811

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
56636

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
44069

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
43528

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
40316

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
33536