تشغيل الوضع الليلي

العــدل في كلمات السيدة زينب (عليها السلام)(3)

منذ 7 سنوات عدد المشاهدات : 20896

في مجلـس يزيـد فــي الشام

قولها (صلوات الله عليها) : « صدق الله (سبحانه) ، كذلك يقول: « ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (10) »(1).
عاقبة كل شيء : آخره، أي: إن آخر الأمر الذي يؤول إليه من أساؤوا إلى نفوسهم بالكفر بالله وتكذيب رسله، وارتكاب المعاصي و قتل عترته هو السوأى: وهي الصفة التي تسوء صاحبها إذا أدركته، أي عذاب النار.
و كأنها بأبي هي و أمي تقول: لا غروَ يا يزيد إن أنكرت الإسلام والإيمان اليوم بأشعارك المشوبة بالكفر والطغيان، متمنياً أن يشهد انتقامك من بني هاشم الكرام من قُتِل في بدر من أسلافك الكفرة اللئام ، فقد قال أصدق القائلين ومن ليس فوق كلامه كلام:" ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ "(2).
وأما قولها: «أظننت ـ يا يزيد ـ حين أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، واصبحنا نساق كما تساق الأسارى، أن بنا هوانا على الله، وبك عليه كرامة»؟!
فقد انصب على تفنيد تصور يزيد المحدود الفكر، والقصير النظر، الذي اعتبر أن الانتصار في الحرب دليل على كونه على حق، وعلى قربه من الله (تعالى)، وكرامته عنده (عز وجل)، فاستولت عليه نشوة النصر والظفر، وتضخم في نفسه الطغيان والتجبر والكبر.
فشرعت في نسف هذا التصور الكاذب بمخاطبته (سلام الله عليها) باسمه الصريح لا بما غصبه من ألقاب تشير الى الخلافة أو الى إمرة المؤمنين، لتلفت انتباهه الى عدم اعترافها بخلافته.
ثم استرسلت بوصفها لحالها، وأحوال من معها من العائلة المكرمة، وكيف أنهم كانوا في أشد الضيق، كمن أخذوا عليه -أي: منعوه- من جميع الجوانب وحاصروه من كل الجهات، فلم يتركوا له منفذاً للخروج من وضعه، ولا يمكنه التخلص مما هو فيه.
ومن بعد التضييق والتشديد أصبحنا نساق كما تساق الأسارى الذين يأتون بهم من بلاد الكفر عند فتحها، في طابور واحد طويل، وقد كان جميع أفراد العائلة المكرمة، بما فيهم الإمام زين العابدين والسيدة زينب ( عليهما السلام ) مربوطين ومكتفين بحبل واحد!.
فلا تظنن يا يزيد ونحن على هذا الحال من الضعف، أنه ليس لنا جاه ومنزلة عند الله، لأننا مغلوبون، وأنك على هذا الحال من القدرة و السيطرة، أن لك عند الله جاهاً وكرامة فمكّنك من الظفر بنا و النصر علينا، فقتلت رجالنا، وسبيت نساءنا!
الى أن قالت:« فمهلاً مهلاً، أنسيت قول الله ( عز و جل ): « ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم، إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين»(3).
ومهلاً: أمهل، ولا تسرع، أي: تمهل يا يزيد، فالأمر ليس كما تعتقد وكما تتصور، فلا تعجل حتى نبين لك حقيقةً الأمر.
فإن الله (تعالى) أعدل من أن يترك مجرماً بلا عقاب، ولا يقدم ظالماً الى الحساب، وإنما يُطيل للظالمين المدة والمجال، لا حباً بهم ولا خيراً لهم أو
منه (سبحانه) إهمال، وإنما ليزداد إثمهم وليُملأ سجلهم بالمعاصي وقبيح الفعال، ليجزيهم يومئذ الله العادل المتعال، الخلود في العذاب الأليم والعقاب المهين وبئس المآل.
وأما قولها:« ووشيكاً تشهدهم ولن يشهدوك »(4)
أي: لا تطول أيام حياتك، و عما قريب سيزول ملكك، وسريعاً وعاجلاً ستموت، وتنتقل إلى عالم الآخرة، وبما أنك وأسلافك على شاكلةٍ واحدة من الكفر والعصيان ،والفجور والطغيان، فإنك لن تلبث طويلاً حتى تلحق بهم في جهنّم فتشهدهم في العذاب المهين، ولكنهم لا يرونك، أي: لا تجتمع معهم في مكان واحد؛ لأن جرمك قد فاق جرمهم أضعافاً مضاعفة، فتستحق عليه من العذاب الأشد، وسيكون مقرك في دركة أسفل منهم في طبقات نار جهنّم، فتراهم حين نزولك إلى ذلك المكان الأسفل، فتراهم ولكنّهم لا يرونك.
وقد رُوي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال:« إنّ قاتل الحسين بن علي .. في تابوت من نار، عليه نصف عذاب أهل الدنيا، وقد شُدّت يداه ورجلاه بسلاسل من نار، مُنكّس في النار، حتى يقع في قعر جهنّم، وله ريحٌ يتعوّذ أهل النار إلى ربهم من شدّة نتنه، وهو فيها خالد ذائق العذاب الأليم، مع جميع من شايع في قتله، كلّما نضجت جلودهم بدّل الله (عز وجل) عليهم الجلود حتى يذوقوا العذاب الأليم، لا يُفَتّر عنهم ساعة، ويُسقَون من حميم جهنّم، فالويل لهم من عذاب الله تعالى في النار»(5)
وقد تجلى العدل الإلهي في عبارتها الغاية في العمق والبلاغة «ووشيكاً تشهدهم ولن يشهدوك» بدقة بالغة حيث إنها لم تتعرض الى العدل الجزائي كما في عباراتها السابقة وحسب، بل و أشارت الى دقة العدل الالهي، حيث إن الله (تبارك وتعالى) وإن أدخل الظالمين والكافرين نار جهنم، إلا أنه لا يضعهم في دركة واحدة من دركات جهنم، بل يضع كلاً منهم في الموضع الذي يستحق من العذاب، والدركة التي تناسبه من العقاب.
وأما دعاؤها (عليها السلام) على يزيد ومَن شاركه في ظلم آل رسول الله الطيّبين الطاهرين بقلبها الملتهب بالمصائب، حيث قالت:« اللهم خُذ بحقّنا، وانتقم من ظلمنا، واحلُل غضبك على من سفك دماءنا، ونقضَ ذمارنا، وقَتلَ حُماتنا، وهتك عنّا سدولنا»(6)
فهو بحد ذاته قولٌ بعدل الله (عز وجل)،وإلا كيف يتوقع من غير العادل أن يقتص من الظالم وينتقم للمظلوم؟
وقولها (عليها السلام):«ولتردن على رسول الله بما تحمّلتَ من سفك دماء ذريّته، وانتهاك حرمته في لحمته وعترته، وليخاصمنك حيث يجمع الله (تعالى) شملهم ويلم شعثهم ،ويأخذ بحقهم »(7)
أي سترِد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم القيامة حاملاً على ظهرك من الجرائم العظام والمعاصي الجسام ما لا تحملها الجبال الرواسي، فيُخاصمك حينئذٍ على كل جريمة أشدّ أنواع الخصومة. وسيجمع الله (تعالى) آل الرسول الأكرم(صلى الله عليه و آله) عنده (عليه و آله أفضل الصلاة و أزكى السلام) في جبهة واحدة فيَشكو كلّ واحد منهم (عليهم السلام) إلى النبي الكريم كلّ ما لقيَ من الناس مِن عداءٍ وظلم .
وقد جسد قولها (عليها الصلاة والسلام):«وحسبك بالله وليّاً وحاكماً، وبرسول الله خَصماً، وبجبرائيل ظهيراً»(8) العدل الإلهي بأوضح معانيه، وأجلى صوره، حيث أشارت الى عقد محاكمة عدل إلهية مكتملة الأطراف من أجل إنصاف المظلوم من ظالميه. فالله (تعالى) هو وليّ الدم، والآخذ بالثأر، لأن الإمام الحسين (عليه السلام) هو: وصيّ رسول الله، وسيّد أوليائه (عز وجل)، فمن الطبيعي أن يكون ( جل جلاله ) هو الطالب بثأره، والوليّ لدمه. وهو الشاهد لمصيبة قتل الإمام الحسين (عليه السلام)، وهو أيضاً القاضي والحاكم، وهو (سبحانه) يَعرف عظمة المقتول ظلماً، وهو يعلم أهداف ودوافع القاتل .
وقد روي عن الصحابي ابن عباس أنّه قال: «لمّا اشتدّ برسول الله (صلى الله عليه وآله) مرضه الذي مات فيه، حضَرتُه وقد ضمّ الحسين إلى صدره، يسيل من عرَقه عليه، وهو يجود بنفسه ويقول: «ما لي وليزيد! لا بارك الله فيه، اللهم العن يزيد». ثمّ غُشيَ عليه طويلاً وأفاق، وجعل يُقبّل الحسين وعيناه تذرُفان ويقول: أما إنّ لي ولقاتلك مقاماً بين يدي الله»(9).
وقولها (عليها السلام):«فلئن اتّخذتنا مغنَماً، لتجدُنا وشيكاً مغرماً حين لا تجد إلا ما قدّمت يداك، وأن الله ليس بظلام للعبيد، فإلى الله المشتكى وعليه المُعَوّل»(10)
أي إنّك قد أمرت بأسرنا، وعاملتنا أنت وأعوانك معاملة السبايا والغنائم الحربيّة، ولكنك قريباً عاجلاً ستجد نفسك محاصراً بالمعاصي التي اقترفتها بحقنا، مُثقَلاً بالذنوب التي عليك دفع ضريبتها في محكمة العدل الإلهية، حيث تحاول الدفاع عن نفسك، ولكنك لن تجد معك إلا ما يُدينك من الجرائم الفظيعة والجنايات الشنيعة، فيحكم الله (تعالى) عليك بما قدمته يداك لأن الله ليس بظلام لعبيده، بل سِمتُه العدل، ولذا فإنما شكوانا من ظلمك وطغيانك إليه والاستعانة به.
ومن العدل الإلهي أن الله (تعالى) قد يعجّل العقوبة على بعض المعاصي الكبيرة في الحياة الدنيا، وهذا ما أشارت إليه الصديقة الكبرى في قولها:« وأيّامك إلا عدد »(11) أي إنك سوف لن تمكث في هذه الدنيا طويلاً، إذ إن عمرك بعد قتلك للإمام الحسين (عليه السلام) ومن معه لن يكون إلا قليلاً. وبالفعل فقد أثرت جريمة قتل الإمام الحسين (عليه السلام) تأثيراً سلبيّاً واضحاً في مقدار عمره، فقد جاء في التاريخ (أنّ يزيد عاش بعد فاجعة كربلاء سنتين وشهرين وأربعة أيام)(12) .
وكما إن العدل الإلهي يقتضي أن يعاقب العاصي لعصيانه، و يعذب الطاغي لطغيانه، فإنه أيضاً يقتضي أن يجزى المحسن بالإحسان، و يثاب من أطاع الله (تعالى) بالخلود في الجنان. و يمكننا أن نلمس هذا المعنى في قولها (عليها السلام):« فالحمد لله الذي حَكَم لأولنا بالسعادة والرحمة، ولآخرنا بالشهادة والمغفرة »
وليس عجباً أن تحمد الله (تعالى) الصديقةُ الصغرى، فقد قدّمت أخاها قرباناً لله (عز وجل) بعد أن رأته ذبيحاً من القفا، مقطعاً أوصالاً على رمضاء كربلاء، بكل صمود وإباء على الرغم من رقة قلبها العطوف، وحبها المنقطع النظير لأخيها الرؤوف.
ومن يقرأ كلمات السيدة الطاهرة (عليها السلام) يجزم بأنها لم تكن تنظر الى الأحداث بعين ملكية كسائر البشر، بل إنها قد قرأت الأحداث بعينها الملكوتية كأولياء الله و من اصطفاهم،
ولِمَ لا؟! وهي المعصومة بالعصمة المكتسبة، وهي العالمة غير المعلمة، ويتضح ذلك جلياً من قولها "الذي حكَم لأوليائه بالسعادة " فأي سعادةٍ يا مولاتي، وأجسادهم مقطعة الأعضاء، ورؤوسهم مرفوعة على القنا؟ لولا رؤيتك لباطن الأحداث وحقيقتها، و لعلها قصدت السعادة الأبدية.
ولذا فلقد كان العدل الإلهي يتجسد أمام ناظريها بحيث إنها لم تكن ترى الجريمة إلا ورأت عقابها معها، ولم تكن ترى الظلامة إلا ورأت ثوابها معها؛ لإيمانها المطلق بالعدل الإلهي، فلا غرابة إذن إن تجلى العدل الالهي في كلماتها (سلام الله عليها) فلقد نبعت من قلبها الذي تجسدت فيه جميع العقائد الحقة، وتشكلت فيه جميع ما شاهدت وما رأت وما عانت ولكن بهيئتها الملكوتية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) السيد محمد سعيد الحكيم : فاجعة الطف 595
(2) الروم 10
(3) السيد محمد سعيد الحكيم : فاجعة الطف : 596
(4) السيد محسن الأميني : لواعج الأشجان في مقتل الإمام الحسين (ع) ج1 ص225
(5) المجلسي : بحار الأنوار ج44 ص30
(6) السيد محمد سعيد الحكيم : فاجعة الطف ص597
(7) المصدر السابق ص598
(8) المصدر نفسه ، نفس الصفحة
(9) المجلسي : بحار الأنوار ج44 ص266
(10) السيد محمد سعيد الحكيم : فاجعة الطف 598و599
(11) المصدر السابق ص599
(12) الطبري : تاريخ الطبري ج 4 ، ص37

رضا الله غايتي

اخترنا لكم

نفحاتٌ ملكوتيةٌ من الخطابِ الزينبي (١٠) "مُنتَحيًا على ثنايا أبي عبد الله سيّد شباب أهل الجنّة تنكتها بمِخْصَرتك"

بقلم: علوية الحسيني ظاهرًا هذا هو الموقفُ الذي دفعَ السيّدةَ زينبَ (عليها السلام) لإلقاءِ خطبتِها البليغة؛ حينما كانت في مجلس الطاغيةِ يزيد (عليه لعنة الله)؛ وكان (لعنه الله) يتجاسرُ على رأسِ الإمامِ الحسين (عليه السلام) بضربِ ثناياه الشريفة بالمخصرة، مما أفجعها، حتى قالت ما قالت. ولاشكَّ أنّ لهذهِ العبارةِ جوانب عقائدية، وأخلاقية، وبلاغية، يتمُّ توضيحُ شيء منها بالتالي: ■الناحيةُ الأولى: الناحيةُ العقائدية نعلمُ -كما وصلَنا عن أئمتِنا (عليهم السلام)- أنّه لولا ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) لمُحيَ الدّينُ محوًا على يدِ الطاغيةِ يزيد ومن مكّن له من الحكم (عليهم لعنة الله جميعًا)، ومن لم يكنْ يعلمُ بذلك فليعلمْ من خلالِ التأمُّلِ في تجاسرِ يزيد على رأسِ سيّدِ شبابِ أهلِ الجنة -كمثال- وإلا فشنائعُ أفعالِ ذلك العتل كثيرةٌ. وقد روَتْ هذا الحدثَ الفجيعَ كتبُ أبناءِ العامة؛ إذ روى الذهبي: "... ثم قاتلَ [الإمام الحسين] حتى قُتِل، قتلَه رجلٌ مذحجي، وحزَّ رأسَه، ومضى به إلى عُبيدِ الله، فقال: وقرْ ركابي ذهبا فقد قتلتُ الملكَ المُحجّبا قتلتُ خيرَ الناسِ أمًا وأبا فوفدَهُ إلى يزيد ومعه الرأس، فوضعَ بين يديه، وعنده أبو برزة الأسلمي، فجعلَ يزيدُ ينكتُ بالقضيبِ على فيه، ويقول: نفلقُ هامًا من أناسٍ أعزة علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما"(1) وهذا فعلٌ غيرُ مُستبعدِ الصدورِ ممّن هتكَ حُرمةَ الكعبةِ حينما رماها بالمنجنيق! ولو تأمّلْنا في قولِ السيّدةِ زينب (عليها السلام) وتساءلنا: لماذا هُنا تحديدًا وصفتِ الإمامَ الحسين (عليه السلام) بأنّه سيّدُ شبابِ أهلِ الجنة، دونَ أنْ تصفَه بصفةٍ أخرى، أو تُطلِقُ قولَها؟ لكان الجوابُ: إنّها حكيمةٌ، والحكيمُ أفعالُه وأقوالُه مُعلّلةٌ بغرض؛ وتتجلّى الحكمةُ من قولِها (سيّد شباب أهل الجنة) تذكيرًا للطاغيةِ بأنّ عقيدتَه شوهاء؛ لأنّ سيّدَ شبابِ أهلِ الجنة هو إمامُ أهلِ الأرض، والخروجُ على الإمام، فضلًا عن قتله والتمثيل برأسه الشريف لهوَ انسلاخٌ عن الدّينِ المحمدي. والنصوص متوفرة كثيرة حتى عند يزيد تشهدُ أنّ رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) قد وصفَ الإمامَ الحسينَ (عليه السلام) بأنّه سيّدُ شبابِ أهلِ الجنة؛ "فعن ‏ ‏أبي سعيدٍ الخدري، قال: قال رسولُ الله ‏(ص[صلى الله عليه وآله]): ‏الحسنُ‏ ‏والحسينُ ‏ ‏سيّدا شبابِ أهلِ الجنة"(2). تُرى بأي ّ طريقةٍ بعدُ أُثبتُ للعالمِ بأسرِه كفرَ الطاغيةِ يزيد؟! إن السيّدة زينب (عليها السلام) قد أعطت للطاغيةِ وجلسائه وجميعِ الحضور، ومضةً عقائديةً بحقِّ الإمام، ووجوب احترامه، وأنّ الخروجَ عليه -فضلًا عن التمثيل برأسه- هو الكفرُ الصريح؛ لأنّه فعلٌ مُخالفٌ للعقيدةِ بمن جعلَه إمامًا وهو اللهُ (تعالى)، وما أراه إلاّ بدرجةِ كُفرِ فرعون بل أشد. ■الناحيةُ الثانيةُ: الناحيةُ الإنسانية. لم ينقلْ لنا التاريخُ واقعةً كواقعةِ الطف، وهذا يدلُّ على وحشيّةِ العدو، وعدمِ إنسانيته؛ بعدم مراعاته للقواعد الإسلامية في الحروب، هذا على فرضِ كونِ الإمامِ الحسين وعيالاته (عليه وعليهم السلام) أناسًا عاديين، وإلاّ لاكتفى بمبارزة الإمام. بل ولكونه جبانًا، ثملًا، لن يخوضَ حربًا مباشرةً مع الإمام الأسد الفارس (عليه السلام)، فقد تجسّدتْ عدمُ إنسانيته بالغدر بالإمام، بل وبالجرأةِ بالتمثيلِ برأسه، وضرب ثناياه أمامَ سليلاتِ النبوّةِ (عليهنّ السلام) -هذا فضلًا عن سبيهنَّ-فهذه هي بهيميّةُ يزيد (عليه لعنة الله). ■الناحيةُ الثالثةُ: الناحيةُ البلاغية. اشتملَ خطابُ السيّدةِ زينب (عليها السلام) هذا على أسلوبٍ بلاغي، غاية في الأهمية، وهو الإطناب. "أي زيادةُ اللفظِ على المعنى لفائدةٍ مرجوّة"(3). فالسيّدةُ زادتْ على لفظِ (أبي عبد الله) لفظ (سيّدِ شبابِ أهلِ الجنة)، وكذا زادتْ على لفظِ (مُنتحيًا على ثنايا) لفظَ (تنكتُها بمِخْصَرتك)، فأطنبتْ بالكلام؛ أي أطالته؛ لفائدةٍ طبعًا. فحينما أضافت لـ(أبي عبد الله) صفةَ (سيّد شباب أهل الجنة) فلعلّها تقصدُ عدّةَ أمورٍ، منها: 1- دفعُ الإيهامِ عن سامعي خُطبتِها من عامةِ الناس، "وهذا أحدُ أغراضِ الإطنابِ بلاغيًا"(4)؛ فليسَ كُلّ من كان حاضرًا في مجلسِ الطاغية يزيد (عليه لعنة الله) يعلمُ بمقامِ السبايا والرؤوس المشالات. لهذا أجّجتِ الحضورَ بخُطبتِها (عليها السلام)، مما جعل البعضُ يثور على يزيد الذي كان قد خدعهم بأنّ السبايا هم من الخارجين على أمير المسلمين؛ "كالشيخ الذي قال للسبايا: الحمدُ لله الذي قتلكم وأهلككم وأراحَ البلادَ عن رجالِكم، وأمكنَ أميرُ المؤمنين منكم"(5). فما أبلغ الحوراء! 2- إثارةُ الحميّةِ عند المُتلقين"(6)، وهذا غرضٌ لا يقلُّ أهميةً عن السابق؛ إذ يُروى " أنّ رسولَ ملكِ الرومِ كان حاضرًا في مجلسِ الطاغية، فلّما عرفَ صاحبَ الرأسِ وبّخَ الطاغية، ووثبَ إلى رأسِ الحسينِ (عليه السلام) فضمَّهُ إلى صدره وجعلَ يُقبِّلُه ويبكي حتى قتلَه الطاغيةُ لئلا يُفتَضَح"(7). *وحينما أضافت لــ(منتحيًا على ثنايا) لفظ (تنكتها بمِخْصَرتك)، فلعلّها تقصدُ توضيحَ مرادها"(8), لأنّ المُخاطبَ الطاغيةَ (عليه لعنة الله) لا يفقهُ إلا بالإطناب؛ فبلاغةُ السيّدةِ كثيرةٌ عليه؛ مما اضطرها إلى التوضيحِ بأنّ معنى (مُنتحٍ) هو اتخاذُه ناحيةً يقرُبُ فيها من الرأسِ الشريفِ لينكُتَ الثنايا الطاهرة! فلم يكنْ إطنابُها معيبًا؛ لأنّه لم يخل من فائدة. ____________________ (1) سير أعلام النبلاء: للإمام الذهبي, ج3, ص309. (2) مسند أحمد بن حنبل: لأحمد بن حنبل, مسند أبي سعيد الخدري, ج3, ح10616. (3) البلاغة الواضحة: لعلي الجارم ومصطفى أمين, ص250. (4) التحفة الباهرة في بلاغة المخدرة الطاهرة: لحسين البحراني, ص88. (5) اللهوف في قتلى الطفوف: للسيد ابن طاووس, ص102. (6) مصدر سابق, ص88. (7) اللهوف في قتلى الطفوف: لسيد ابن طاووس, ص110-111. (8) المصدر نفسه. وثواكلٌ في النوحِ تُسعِدُ مثلَها أرأيتَ ذا ثكلٍ يكونُ سعيدًا؟! حنّتْ فلم ترَ مثلَهنَّ نوائحًا إذ ليس مثلُ فقيدهن فقيدًا

البيان والبلاغة في كلمات أهل البيت عليهم السلام
منذ 5 سنوات
1460

ابني يريد الزواج بغير محجبة!

بقلم: نجلاء المياحي من أسئلتكم السؤال: ابني أصبح شاباً ويريد الاقتران بفتاة ليست محجبة، وصارح شقيقته بالأمر، لأنه يخشى ردة فعلنا _ أنا وأبيه_ لو اطلعنا على قراره، وشقيقته طلبت منه أن يشترط على الفتاة ارتداء الحجاب، فقال: إنها لا تقبل بذلك، كما أن أهلها لا يحبون الحجاب. وقال أيضاً: إن الأمر ليس مهمًا فهناك من لا ترتدي الحجاب وهي عفيفة، وهناك من ترتدي الحجاب وليست عفيفة، فلمَ أشترطُ عليها الحجاب وأنا أعلم مدى عفتها... ساعدوني لإقناع ابني الضال هذا... الجواب: أول كلامنا سيكون معك عزيزتي الأم… عليك أن تعلمي أن الشاب الواقف أمامك لم يعد الطفل الذي ولدتيه قبل عشرين عاماً، حاولي أن تتقبلي الأمر رغم صعوبته عليكِ. كلنا نشعر أن أبناءنا مهما كبروا، فبدون إشرافنا لن يُلحقوا بأنفسهم إلا الضرر، وشفقتنا عليهم وهم صغار لا تتغير مهما تقدموا في العمر، الأمر الذي يكون في بعض الأحيان سبباً في تعاستهم في الحياة دون أن يكون قصدنا ذلك. إن الابن بعد البلوغ يشعر أنه أصبح كبيراً بما يكفي ليعرف الخطأ والصواب في كل ما يعترضه أو يقدم عليه، ولهذا يكون دائم العناد مع والديه، فكلما منعاه من شيء أصرّ على القيام به، وكل ذلك ليثبت لهم أنه كبير. وهذا واضح من خلال كلامك عنه أنه خائف من إخباركما بنيّته، وهذا الخوف مبشّر جيد ، إذ يُشير إلى أنه يحترمكما ويريد رضاكما مع إرضاء نفسه وإثبات وجوده لكما. فهو من جانب يريد أن يرضيكما، ومن جانب يريد أن يكون كبيراً يتخذ القرارات التي تخصه بنفسه، لشعوره بأنه يجب أن يستقل عنكما. قد يكون السبب في ذلك أنكما لم تعاملاه بشكل جيد في فترة المراهقة، ولم تشعراه أنه مستقل وهو لكم وزير تستشيرانه وتعتمدان عليه، كما ذكر رسول الله (صلى الله عليه واله): (دع ابنك يلعب سبع سنين، ويؤدب سبع سنين، والزمه نفسك سبع سنين فإن أفلح وإلا فلا خير فيه) (١). فجعله يلجأ للتمرد والثورة عليكما لإثبات الذات ولو بتدمير نفسه وحياته. إذن الآن عليكما أن تتعاملا معه بحذر شديد، ولا تجرحاه وتتصرفا معه كطفل بأسلوب: لا يعني لا! أنتِ -بالخصوص- عليكِ أن تكوني له صديقة محبة ومرشدة، اكسبي ثقته عبر عدم الاعتراض على كل ما يفعل، دعيه يخترْ وحده، وإن سقط أمسكي يده وساعديه على النهوض. إن ترك أبناءنا يدبرون شؤونهم بحرية تجعل ثقتهم بأنفسهم أكثر وإطاعتهم لنا أعمق، فلا بأس بأن نتقبل قراراتهم -التي نعلم بأنها خرقاء وستضرهم- إن لم يقنعوا بما نريد. نعود لسؤالك عن موضوع الزواج: أولاً: بادئ ذي بدء عليك بالإطراء على خطوته وقراره كثيراً، وأشعريه إنكِ فرحة بأنه صار رجلاً يريد أن يتزوج وأن يستقل في حياته، وإنكِ عشت لتريه عريساً و... هذا سيسعده بشكل لا يمكن أن تتصوريه، سيشعر أنه حصل على بغيته، وهي لفت نظركِ إليه وكسب تقديركِ واحترامكِ له، و كما يقال: أرضي غروره الرجولي قبل أن تأمريه. ثانياً: وهو الأهم: أن عليك الدعاء لولدكِ بالصلاح والهداية والتوفيق فلا معين ولا هادي سواه تعالى، الشارع الحنيف أكّد كثيراً على أهمية الدعاء للأبناء من قبل آبائهم ومدى تأثير الدعاء في اصلاحهم. روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (ثلاث دعوات لا تُرد: دعوة الوالد، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر). فلا تقصري بالدعاء له في صلاتك وبعدها، ادعي له ما استطعتِ ليصلحه الله تعالى لكما والله تعالى لا يرد عباده الصالحين. ثم اكتبي له رسالة أو كلميه بصورة مباشرة إن كان ممن يمكنه الإصغاء لكِ فالكلام أفضل، وقولي له: ابني الحبيب يا مهجة قلبي وثمرة فؤادي، لا زلت أذكر كل اللحظات التي قضيناها معاً منذ حملت بك وحين كنت صغيراً وحتى كبرت وصرت رجلاً. حمداً لله أن عشت لأرى ابني العزيز اصبح شاباً وسيماً يملئ السمع والبصر، يمكنني أن افارقه باطمئنان لأنه صار يعتمد على نفسه ويمكنه أن يتخذ القرارات التي تكون في مصلحته. بعد أن رأيت هذا اليوم سيمكنني أن أرقد بقبري بسلام لو وافاني الموت الذي لا بد منه... هذه العبارة ستهز كيانه ومشاعره، أولادناً لا يتحملون فكرة أننا راحلون عنهم أبداً، لذا يلجؤون إلى نسيان الأمر، ذكريه به ليلين قلبه لكِ ويسمعكِ أكثر. أكملي معه التالي: جُل ما أريد أن تعلمه أنك ابني وروحي، سواء كنت كبيراً أو صغيراً مخطئاً أو مصيباً وأنا معك دوماً. ابني العزيز، الآن وقد أصبحت شاباً راشداً، اعلم أن ولايتنا عليك صارت محدودة ويمكنك أن تفعل ما تشاء شرط أن لا يكون فعلك مؤذياً لنا حتى لو كان يخصك، فأعظم الناس حقاً عليك والداك، قال (صلوات الله عليه وآله) في جوابه لأحدى المسلمات: يا رسول الله من أعظم الناس حقاً على الرجل فقال (والداه)(٢). وجاء في حديث قدسي (إني أنا الله لا إله إلّا أنا من رضي عنه والداه فأنا منه راض، ومن سخط عليه والداه فأنا عليه ساخط) (٣). أبعدك الله من عقوق الوالدين كل البعد وأرضانا عنك ما حيينا وأدعو الله أن لا أراك نادما أبداً. الآن أريد منك أن تتأمل كلامي وخذ بمشورتي، فما ندم من استشار. لقد أبلغتني شقيقتك بكلامك، وإن كنتُ أتمنى لو صارحتني أنا بالموضوع بنفسك وناقشتني فيه، لكن لا بأس، فشقيقتك لا تقل محبتها لك عني إن شاء الله تعالى. كلامك وَرَدَ فيه الكثير مما ينبغي أن نناقشه معاً. وارتأيت أن أجعل النقاش على نقاط لنفصل كل مسألة على حدة ونفهم وجهات نظر بعضنا بشكل أدق. أولاً: سأتطرق لمسألة مهمة طرحتها في كلامك، ألا وهي: (هناك الكثير من غير المحجبات وهن عفيفات والكثير من المحجبات غير عفيفات فلو تزوجت من سافرة لا يعني أنها ليست عفيفة). دعني أخبرك أن كلامك أثار استغرابي كثيراً، كيف يمكن أن تفكر بهذه الطريقة وأنتَ ما عليه من عقل وفهم؟ من قال: إن المحجبة ترتدي الحجاب لتبدو عفيفة؟! أو من قال: من خلعت حجاب رأسها ليست عفيفة؟ وهل إن من كانت عفيفة يسقط عنها وجوب الحجاب؟! وهل إن الحجاب شُرّع فقط للتمييز بين العفيفة وغير العفيفة؟ من يمكنه أن يحيط علماً بأحكام الله تعالى سواه؟ لا أظنك انجرفت مع تيار اللذين لا عقل لهم بتفسير أحكام الله تعالى وإعطاء علل لها وتصنيف عللهم أنها العلة الحقيقية متناسين أنهم لن يحيطوا بربهم وبعلمه وهو محيط بهم؟ هم مخلوقون له وهو الذي يعلمهم من علمه ما شاء ويخفي عنهم ما شاء، (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً.) ثم هل تظن أنه يمكننا الحكم على الناس وتصنيفهم: هذا عفيف وهذا غيره؟ مسألة الحجاب يا عزيزي أعلى من هذه الجزئيات البائسة. المحجبة تبرهن على التزامها بدينها وخضوعها لله تعالى، وأنها جاريته لا تتبع سواه ولا يخدعها بريق السراب يحسبه الضمآن ماء. ومن لا تتحجب تبرهن على تمردها على الله تعالى وجرأتها عليه وعدم رجاحة عقلها وانخداعها بتقليد الفنانين والغانيات اللعوب اللاتي كانت أرخص بضاعة يقدمْنها للبيع هي اجسادهن، فأغلبهن جاهلات خُدعْن، وعلينا أن نشفق عليهن وندعو لهن بالصلاح. فلا مجال لقياسك هذا بهذا إطلاقاً، فكما توجد عدة مرتديات الحجاب غير عفيفات توجد مثلهن وأكثر ممن لم ترتدِ الحجاب ولا تملك من الحياء حتى رسمه، وأنت أعرف الناس بهذا فلا تخادع نفسك بهذا الكلام. ثانياً: عليّ أن أبارك لك خطوتك بطلب الزواج، فهو أمر محبّب في الشريعة وإكمال نصف دين المرء، قال رسول الله (صلى الله عليه واله): (ما بُني بناءٌ في الاسلام أحب إلى الله من التزويج) بارك الله بك لسعيك لما يحب ويرضى. واعلم إن لك الحق بالزواج مستقلاً عن رأي والديك، فأنت بالغ وراشد ولو كنت غير ذلك لما أجاز لك الشرع بهذا الأمر. وإنّ حدّ طاعتك لنا كأبوين بما يحسن العشرة وبما لا يكون خلاف أمرنا النابع من شفقتنا عليك، واعلم أنك إن لم تقنع أباك بمن تريد الزواج منها، فإنك ستؤذيه، بما أن من اخترتها ليست كفوءة لك، وأن رفضه نابع من شفقته عليك فستكون آثما عند الله تعالى، أوَ تظن أن زواجاً قام على إثم وعصيان يباركه الله ويجعل بينكما مودة ورحمة لتستمرا مع بعضكما مدى الحياة؟ كلا لن يكون ذلك قال تعالى (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ). ثالثًا: صعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنبر يوماً وقال: ( أيها الناس إياكم وخضراء الدمن قيل وما خضراء الدمن؟ قال (صلى الله عليه وآله): المرأة الحسناء في منبت السوء) . هل فطنت لما يريد النبي الأكرم ولي أمر كل مؤمن أن يبين لك؟ إن الزواج مهما كان عظيماً في الشريعة فلابد أن نراعي فيه مَن نتزوج. تزوجْ، لكن اختر بعناية، فليست كل من خلقها الله تعالى أنثى صالحة لتكون زوجة. الزواج ليس شراكة مالية تنتهي بأجل محدد، أو عقد ايجار ينتهي بحلول سنة، الزواج شراكة جسدية وروحية بين إنسانين مختلفين تماماً قررا الاتحاد، فانظر مع من تريد أن تتحد معها ما بقي من حياتك. إن كلمات العقد الشرعي قد اعتبرها الله تعالى الميثاق الغليظ قال تعالى (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا)، لأنك بهذه الكلمات ستعيش معها مدى الحياة وتنجب منها الأبناء ويستمر وجودك. فكن دقيقاً لمن تعطي الميثاق الذي ستقف عليه طويلاً بين يديه تعالى. رابعاً: اعلم بني أننا الآن نعيش في القرن الحادي والعشرين، لا تظن أن بإمكانك كأسلافك أن ترغم زوجتك على العيش كما تريده وترتضيه. فالناس أدركوا جيداً أن الله أعطى حرية الاختيار للإنسان ذكراً كان أو أنثى وليس لأحد سلطان على أحد. فزوجتك ستتصرف وتفعل وتتقيد بما تريده وتقتنع به هي، لا بما تريد أنت أن ترغمها عليه، قد تقول إني سأقنعها، حسناً، وماذا إن لم تقتنع؟ هل فكرت بهذا الأمر؟ أنا أيقنت أنك محب لها بعد قبولك الاقتران بها مع ما هي عليه من مخالفة قطعية للشريعة، ويقينك برفض أبويك لهذا الزواج، فأنت لأجل الوصال صرت مستعداً للتخلي عن كل شيء حتى رضا الله تعالى ووالديك، وأن تقع بالعصيان والذنب وتخاطر بمصير أبنائك وسمعتك بين الناس... مع أنك جعلت لقاء كل هذا ثمناً بخساً جداً، كان عليك أن تطلب عرش سليمان النبي لقاء كل هذه البضاعة التي بعتها. لكن ماذا عنها؟ فكّرْ معي، ما الذي تخلّت عنه لأجلك؟ لم تستطع أن تضحي برأي والديها وتتحجب محبة فيك واحتراماً لك، هل ستظن أن بإمكانك إقناعها بعد الزواج؟ من لا يعطيك درهمًا هل سيهديك سيارته؟ أعد هذا السؤال على نفسك مراراً: ماذا لو رفضت الحجاب ولم تقتنع برأيك كيف ستتصرف؟ تخيل الموقف وأكتب حلك لها. هل ستضربها وترغمها بالتهديد على الحجاب؟ هل تظن أن الضرب يرغم الإنسان على الطاعة كما يرغم الحيوان على الرضوخ؟ هل نسيت أن الإنسان حريص على ما مُنع، وأنه لو أراد شيئًا فلا يمكنك أن تفعل شيء سوى التفرج؟ وقوة الضرب لن تذيب قناعات الشخص وصلابة إرادته. هل تبادر للطلاق؟ هل الطلاق أمر هين يمكنك أن تجريه وقت تشاء أينما تشاء؟ وإن كان بينكما أولاد وانفصلتما، هل ستترك أبناءك يدفعون ثمن اختيارك الخاطئ بالزواج من أمهم ثم الاختيار الخاطئ بإنهاء هذا الزواج؟ حسناً، لم يبق إلّا أن تصبر مدى حياتك على العيش مع امرأة تشعر بالعار منها اجتماعياً، لأن الناس لن تحترمك وأنت لا يمكنك حتى أن تختار لك زوجة تشاطرك طريقة حياتك. زوجتك التي لا تتحجب بالتأكيد ستكون مضطراً للخروج معها إلى أماكن والسفر معها والتجوال، فهي ليست قطعة أثاث في منزلك يمكنك ان تخبئها، هل ستتحمل نظرات اصدقائك لساقيها وجسدها الذي تكسيه ألوان الثياب لا الثياب؟ ولو تجرأ أحد على التحرش بها بحجة -المجاملة- هل ستتحمل الأمر وتعتبر قوله لها: لم أر أروع منكِ وأكثر رشاقة وأجمل شعر... مجاملات لا تخفي وراءها الانتقاص منك لأنك لا تستحق الاحترام لمسايرتك امرأة ليست من شأنك؟! ناهيك عن عذابك النفسي وتوقك لزوجة تكون كما تحب تفتخر بها أمام الناس، تخرج معها لكل مكان دون أن تُحرج من ملابسها وتقليدها الأعمى لملابس المغنيات والفنانات الرخيصات. زوجة يؤلمك غيابها ويسرك حضورها، تتوق لوجودها دوماً، حتى حين نموت لا تشعر معها بأنك اصبحت وحيداً بعد عائلتك، تبقى بجانبك دوماً تعمل المستحيل لأجلك . ابني، الزوجة أمك حين تحتاج الحنان، وأختك حين تحتاج اللطف والثقة، وعشيرتك حين تشعر بالغربة، وأبوك حين تحتاج الأمان. أن لذة العيش مع امرأة يمكنك أن تسعد معها لا تعادلها لذة العيون الخضراء والجفون الناعسة لمن اردت زوجة لك رغم كل مساوئها الأخرى. المشاكل بينكما نتيجة اختلاف الراي ستكون أساس حياتكما بدل المحبة والمودة. دعني أروي لك قصة صديقين درسا في أوروبا وأحبا فتاتين أجنبيتين، أحدهما استطاع الاقتران بمحبوبته، والآخر رضخ لرفض والده وتزوج من أخرى تشاطره الرأي والمسلك. وتمر السنوات والابن يشعر بمقت لأبيه الذي منعه من حب حياته كما يتخيل، حتى صادف أن التقى بصديق الطفولة فسأله عن أحواله غابطًا إياه لاقترانه بمن يحب، في حين تزوج -هو- ممن ليست الحب الأول وأنجب منها، فقال له صديقه: أنت مسكين حقاً هل تظني سُعدت معها بأكثر من شهر… تسأل عن احوالي أي أحوال؟ عن بيتي الذي لا أرى فيه أحدا أغلب الوقت واعود لأُكلم جدرانه؟ عن زوجتي التي ترتدي أي معروض على الشاشات مهما كان فاحشاً ومتعرياً ونكثت اتفاقي معها أن تحتشم بعد الزواج بحجة مواكبة العصر؟ تنتظر ماذا ترتدي جنيفر لوبيز أو كيم ..... وكل سيداتها الرخيصات لتقلدهن بطريقة نسخ لصق؟ عن أبنائي الذين لا أدري من أين أبدأ لك بالشكوى منهم؟ لأني لم أَجِد لهم أماً تربيهم على أن رضى الله من رضى الوالدين؟ عن ابنتي التي انتهجت منهج أمها وأسوء. دهش الصديق كثيراً وفكر ملياً بكلام صديقه ثم ودّعه راكضاً لأبيه ليقبل قدميه لمنعه إياه أن يخطأ كما أخطأ صديقة، فيعيش تعيساً مدى الحياة. لكن أنّى، والموت قد خُط على بني آدم مخط القلادة على جيد الفتاة... فأبوه متوفى وترك له سلاماً بيد إخوته طالباً منه ان يسامحه على منعه من الزواج بالأجنبية لأنه لم يستطع أن يرى ولده يرمي بنفسه من الجبل لأنه ظن أن يمكنه التحليق. خامساً: أبناؤك عزيزي هل فكرت بهم؟ كيف ستتمكن من أن تجعلهم متمسكين بدينهم وأنت جلبت لهم أماً لا تعترف بدينها؟ كيف ستتمكن من أن تمنع ابنتك من انتهاج سيرة أمها وخالاتها وأن تعيش كما عشت أنت في عائلة محافظة ومتزنة؟ فكّر بكل هذا قبل أن تقدم على ما تريده، يا بني، واعلم أن حزنك على فراقها أيامًا خير لك من العيش بالندم طوال العمر. وقلبك الذي خفق لها سيخفق لغيرها وأفضل منها، فالإنسان رُزِق النسيان كي يستمر في الحياة، ولولا النسيان لرأيت الناس يفترشون المقابر مع أحبائهم. وإن كنت تتـأمل إصلاحها فتمهل في الأمر حتى تقنعها، واختبر مدى حبها لك بتنازلها عن هذا الأمر البسيط، فإن الحياة الزوجية دون بعض التنازلات من الطرفين تصبح جحيماً لا يطاق، وحتى لو كانت عائلتها غير صالحة سأحاول أن أقنع والدك بالأمر وأنت تعلم مدى حبه لك وتوقه لزواجك، فدعنا نحاول أنا وأنت إصلاحها إن كنت مصرّاً على إمكانية إصلاحها وعسى أن يهدينا ربنا لأهدى من هذا رشدًا. ومن ترك شيئًا لله تعالى عوضه خيراً منه. _________________ 1.الكافي في الحديث 1 من الباب 82 . 2. مستدرك الوسائل , ج 14 , ص237. 3. جامع السعادات ج2 ص202. 4. مكارم الاخلاق، ص 203.

اخرى
منذ 6 سنوات
10832

ظمأ الآداب وعطش التربية!

بقلم: ريحانة المهدي كانت العلاقة بين المعلم والمتعلم قائمة على الحب والاحترام والتكريم والتوقير، فالمعلم والد يؤدب بالحسن ويهذب بالحكمة ويقسو أحيانا عندما يحتاج الموقف الى قسوة...إنها ليست قسوة كره وبغض، بل قسوة أب يريد الخير لابن...ه الأخلاق منهج سلوك نفسي وخلقي يجب على كل إنسان ان يتخلى به سواء كان معلما او متعلمًا.... ومهمة المعلمين والمدرسين ليست فقط التعليم يجب أن يجمعوا بين: التربية والتعليم ، ليكونوا هم المثل الاعلى في نفوس التلاميذ.... يجب على كل مدرس ومعلم أن ينقل أسلوب الطالب إلى مستوى ارقى مما يكون عليه في ما مضى، لهذا لا بد أن يشعر كل المربين والمعلمين بالمسؤولية العظمى والامانة... فرسولنا الكريم محمد (صلى الله عليه وآله) بعث ليتمم مكارم الاخلاق، وقد وصفه الكتاب العزيز بأنه على خُلُق عظيم. فالأخلاق ضرورية لكل الطرفين فهي منبع الحب الحقيقي بين الناس، وعلى كل فرد أن يتخلى بالأخلاق الفاضلة سواء كان مدرسًا أو طالبًا... إن المدرسة هي المربي الثاني لأولادنا، واليوم نعيش في وقت يتعلم اولادنا ما يضرهم ولا ينفعهم ق... عشرات القنوات التي تحرضهم على الفساد والعنف، والشبكات تدربهم على الضياع وعدم استغلال الوقت بصورة صحيحة... صار مصدر التعلم والتربية هي شبكة الانترنت ... والمدرسة لا قيمة لها عند بعض شبابنا ... فالبيت للأكل والنوم واللعب أمام الانترنت ... والمدرسة لقضاء الوقت ونيل الشهادة فقط عند بعضهم لا التعلم والتطور الذاتي ! وقد ذهب توقير واحترام المعلم واجلاله وتقديره لأسباب معروفة وأخرى غير معروفة... فمنها تربوية، أي عدم غرس الاباء والامهات في قلوب اولادهم احترام المعلم وتقديره وغفلتهم عن هذا الأمر التربوي المهم، حتى نشأ جيل من السهل ان يعتدي على الاستاذ او المعلم بكلام او بتصرف سيء أو حتى بالضرب! السبب الثاني هو أخلاق الاستاذ نفسه، عندما لا يحترم تلاميذه ولا بتصرف بعقلانية وبأسلوب لطيف معهم ولا يحترم شخصهم ولا يأخذ بآرائهم حتى بتنا نسمع في زماننا عن اخلاق البعض انه يتجاوز على تلاميذه بالسب والشتم ! انتبهوا لما تفعلون! قال نبينا الكريم محمد (صلى الله عليه وآله): سوء الخلق شؤم وعن امامنا الحسن (عليه السلام): إن أحسن الحسن الخلق الحسن لقد توفرت اليوم أسباب العلم أكثر من ذي قبل، لكن آداب العلم والمعلم والمتعلم باتت أدراج الرياح إلا كملح في طعام!

اخرى
منذ 6 سنوات
2445

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 7 سنوات
84108

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
62894

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 7 سنوات
55183

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 6 سنوات
48164

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 7 سنوات
46749

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 7 سنوات
35369