تشغيل الوضع الليلي

أطفالنا بين لَبْس الأحمر والأسود

منذ 6 سنوات عدد المشاهدات : 3546

بسم الله الرحمن الرحيم
{وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ}(١) صدق الله العلي العظيم.
جميعنا يعلم أنّ المسؤولية مهمة عظيمة في شتى المجالات، ومنها مجال التربية، فكلّ انسانٍ يولد على فطرة سليمة التي تشبّه بالأرض إن زرعت خيراً حصدت خيرا، وإن شراً فشرا...
فتلك الفطرة سليمة أصالةً ملوثة عرضاً، بدليل قول الله تعالى:
{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}(٢).
ومحل شاهدنا هو تعمد بعض الوالدين تلويث فطرة أطفالهم بكلّ ما يخالف الشرع، أو يوجب زرع بذور تسبّب لهم مزالق فكرية وانحرافات أخلاقية في المستقبل.
فاليوم نراهم في شهر محرم الحرام يزرعون في نفوس أطفالهم مبادئ الإمام الحسين (عليه السلام)، فغالباً ما نجد بيتاً يخلو من أطفالٍ يرتدون السواد، ويظهر من تصرفهم الحداد، بل ويجسّد لنا تأسي الأطفال بعيال الحسين (عليه وعليهم السلام) حينما نرى مشاركة الأطفال في الزيارة الأربعينية مشياً وحبواً.
فإن دلّ ذلك على شيء فإنّه يدلّ على سرعة تلقّي الطفل لما يتعلّمه، وتأثره ببيئته وكيفيّة تربيته، وهذا ما يحمد عقباه؛ إذ تبقى تلك التصرفات مركوزة في جبلته، ولهذا قيل: مَن شبَّ على شيء شابَ عليه.
وما أجمله من حال لو شابَ أطفالنا على هذه الحال .

إلاّ إنّنا نرى بعض الاسر تحاول تلويث ذلك النقاء بمحو المنغرسات العاشورائية الزاكية التي هم زرعوها في نفوس أطفالهم، ويكأنّ كلاً منهم يقول لطفله: انتهى هذا الدور يا ولدي قم لتؤدي دوراً آخراً يواكب ما يقوم به بعض أطفال المجتمع !
وإذا بالأُسر تُلبس أطفالها الثياب الحمراء في أيام رأس السنة الميلادية تأسياً بما يسمى (سانتا كلوز أو بابا نؤيل) ذلك الرمز المشير إلى الفساد وسيرته معروفة لمن شاء المطالعة.

البعض يدّعي من احتفاله مع النصارى انّه يطبّق مبدأ التعايش السلمي، لـــكنه حتى بهذا المبدأ جاهلٌ تمام الجهل؛ حيث انّ التعايش الذي يهدف إليه ديننا الحق هو (التعايش السلمي الأخلاقي مِن حيث احترام اصحاب الأديان دماً ومالاً وعرضاً إن لـــم يتعرّضوا لانتهاك ديننا) ، وليـــس التعايش الفكري الذي به كاد البعض أن يخرجوا مِن الإسلام.

إذاً فالوالدان هما من يربيان الأطفال على الازدواجية في الشخصية، وقد روي عن الرسول الاكرم (صلى الله عليه و آله) : " كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه وينصرانه "(٣) .

وحتماً حينما يكبر الطفل ويصبح أباً فإنّه سيربي أطفاله على النهج الذي تربى عليه، وتتوارث هذه التربية المغلوطة، وتنطمس وحدة الشخصية الاسلامية في اطفالنا وشبابنا وكهولنا !.
وقفوهم إنّهم مسؤولون.
وللقارئ نماذج من استقراءٍ بين فئات الأطفال يبيّن تأثرهم بمبادئ القضية الحسينية أجرته احدى الشبكات:
يقول الطفل حيدر : سابقاً كنت شخصية مشاكسة غير مبالية، أما اليوم فأنا أحس بتغير كبير، فقد أصبحت متعاوناً مسارعاً في تقديم الخدمات والمساعدة، بصراحة أحس أني خلقت من جديد وأصبحت بفضل الله وبركات الإمام الحسين(عليه السلام) رادوداً حسينياً وهي أحسن وأثمن الأشياء، واطلب من الله الأمن والأمان لعراقنا الحبيب.
ويقول الطفل أكرم: أتيت كي أشارك في خدمة أبي عبد الله الحسين(عليه السلام) لا لشيء بل لأحصل على الشفاعة والثواب ونحن نقدم خدماتنا لزوار الكرام ومنذ أربعة أعوام اطلب من الله التوفيق ومواصلة هذه الخدمة.
ويصرّح الطفل سيف قائلاً: لي الفخر أن أتشرف بخدمة زوار الامام الحسين(عليه السلام) أقدم ذلك لأجل إرضاء الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم، التحقت بهيأة بتشجيع من الأهل ولدي موهبة وطموح أن أصبح رادوداً أخدم سيدي ومولاي الحسين(عليه السلام) نَمَتْ هذه الموهبة والتحقت بمدرسة الرواديد الناشئين وتمرّنت، وأنا اليوم وبفضل الله رادود وخادم في هذا الموكب أشارك اخوتي هذا الثواب وهذه الخدمة... ويسترسل سيف قائلا: أرجو من جميع الإخوة أن يلتفتوا الى دراستهم ويحضروا واجباتهم المدرسية لأنهم يسهمون من خلال تفوقهم بنصرة الامام الحسين(عليه السلام) وإعلاء راية العلم والمعرفة وسيكونون قادة فعلاً، والعلم نور يهدينا الى جادة الصواب.
ولم أعثر على استقراءٍ لتصريحات الأطفال بشأن التأسي بشخصية (سانتا كلوز) كي تكتمل صورة المقال، إلاّ أنّه يمكن القول بأنّ الترويج للفكر المسيحي الباطل لا يجوز . فضلاً عن اعتياد الأطفال على أخذ دور الازدواجية في جميع تصرفاتهم. فانتقوا من التربية أكمل صورها، واصنعوا لنا دعاةً بالحق صادحين، وعن دين الله مدافعين، ولدولة القائم ممهدين، لا شباباً بالازدواجية متصفين، ولبدع الغرب محيين، ولسنن دينهم طامسين.
______________________
(١) الصافات: ٢٤.
(٢) الروم: ٣٠.
(٣) بحار الانوار: ج٤، ص٢٨١.



والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

علوية الحسيني

اخترنا لكم

ضياءٌ وإحياء مِن كلمات ربِّ السّماء(٦) الجزء الثاني رؤية الله (تعالى)

بقلم: علوية الحسيني ■النقطة الخامسة: التفاتةٌ تنزيهية حول الرؤية القلبية: إنَّ الرؤية القلبية لا تعني إحاطة القلب بالله (تعالى)؛ بل تعني شعور العبد أنّه محاط، مُهيمَن عليه، من قبل ربٍّ هو أقرب إليه من حبل الوريد. فليس معنى الرؤية القلبية أنّ العبد هو الذي يُسلط علمه على الله (تعالى) فيعرفه، كما لو سُلِّطت إنارة على شيءٍ مُظلم فأنارته، فيُصبح الشيء مقهورًا ومُضطرًا لأن يُعرَف ويُحاط به. بل جُلّ ما نستطيع قوله إنَّ المعرفة القلبية تأتي من قبل الله (تعالى) نفسه، ويكون العبد هو المقهور والمُضطر لتقبّل تلك المعرفة بمشيئة الله الواحد القهّار، فتصل القلوب إلى معدن عظمة الله (سبحانه). فالاستدلال وإن كان إنيًّا ــ أيّ استدلال بالمعلول على العلة ــ، إلاّ أنه لا يلزم منه احتياج الله الغني لمخلوقاته – قلوب العباد – لأجل أنْ تدلُّ عليه، بل هو (سبحانه) في كتابه الكريم علّمنا هذا الاستدلال في آيات عديدة، فلا يشكل. وعليه، فيكون تجلّي معرفته في قلوب عباده بأمرٍ منه وإرادة، والعظمة له (سبحانه)، لا للقلب الذي حوى تلك المعرفة، ولا للمعرفة نفسها قياسًا بجلالته (جلّ وعلا). ويؤيد ذلك ما جاء في المأثور عن سادة التوحيد في المناجاة الشعبانية: "اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِك"(14). فالعبارات معطوفة بعضها على بعض، ونستظهر منها أنّ للقلوب أبصاراً –وهي الرؤية القلبية-، وأنّ نتاجها هو الوصول إلى معدن العظمة، وهو خلو القلب من أيّ متعلق سوى الله (سبحانه)، فيتجلى (تعالى) بالمعرفة في قلب عبده، وهذا من قبيل ما جاء في الحديث: "إنّ لي عبادًا من عبادي، يُحِبونني وأُحِبُهم، ويشتاقون إليّ وأشتاق إليهم، ويذكروني وأذكرهم ...، أقلّ ما أُعطيهم ثلاثًا: -الأول: أقذفُ من نوري فـي قـلوبهم فيُخبرون عنّي كما أخبر عنهم. -والثاني: لو كانت السماوات والأرضون وما فيهما في مـوازيـنهم لاستقللتها لهم. -والثالث: أقبلُ بوجهي عليهم، أ فتُرى مَن أقبلتُ بوجهي عليه يعلم أحدٌ ما أريد أنْ أعطيه؟"(15). والإقبال من الله (تعالى) على عباده هو تجلّي المعرفة لهم؛ لتنزهه (سبحانه) عن الجسمية ولوازمها –كالرؤية، واللقاء، وثبوت الوجه، وحلوله في مكان، وما شابه ذلك-. ولا يظُننَّ القارئ أنّ التجلّي هو التجلّي الذاتي، بل هو المعرفي؛ فالتجلّي مخلوقٌ، وهو فعل من أفعال الله (تعالى)، بدليل قوله تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقا}(16)، فقبل أنْ يطلب النبي موسى (عليه السلام) رؤية الله (سبحانه) كما طلب منه قومه ذلك، لم يكن هناك تجلٍ، فالتجلي غير الذات؛ فما تجلّى للكليم (عليه السلام) هو نورٌ وصوتٌ مخلوقان، سلّط الله (تعالى) النور على الجبل فصعقَ موسى منه، وخلقَ الصوت في شجرة فكلّم موسى. وجاء في بعض الروايات أنَّ ذلك النور هو نور أحد الملائكة الكروبيين؛ كما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام): "إنَّ الكروبيين قوم من شيعتنا من الخلق الأول جعلهم الله خلف العرش، لو قسم نور واحد منهم على أهل الأرض لكفاهم، ثم قال: إن موسى (عليه السلام) لما سأل ربه ما سأل، أمر واحدًا من الكروبيين تجلى للجبل فجعله دكا"(17)، والرواية وإنْ كانت مرسلة إلاّ أنّها تعضد الدليل العقلي الذي ينفي تجسيم الله (تعالى). وقد ذكر العلاّمة الطباطبائي (قدّس سرّه) أنّ لتجلي الله (تعالى) مصاديق متعددة، وجميع المصاديق لا توجب تجلي الله (تعالى) بذاته؛ حيث قال: "مُحصل الرواية أنَّ تجليه (سبحانه) يقبل الوسائط كما أنَّ سائر الأمور المنسوبة إليه (تعالى) كالتوفي والإحياء والرزق والوحي وغيرها يقبل الوسائط فهو (تعالى) يتجلى بالوسائط كما يتوفى بملك الموت، ويحيي بصاحب الصور، ويرزق بميكائيل، ويوحي بجبرئيل الروح الأمين"(18) فما أحد الكروبيين، وعزرائيل، واسرافيل، وميكائيل، وجبرائيل، إلاّ وسائط تُفيض علينا أمر الله (جلّ جلاله)، وهي مظهر تجلّي الله (تعالى) دون إثبات التجسيم له (سبحانه). ونجدُ في روايات أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تصريحًا بصحة الرؤية القلبية، والظاهر) منها زيادة اليقين بظهور عظمة الله تعالى وقدرته، منها: عن يعقوب بن إسحاق، قال: "كتبتُ إلى أبي محمد الحسن العسكري، (عليه السلام) أسأله كيف يعبد ربه وهو لا يراه؟ فوقع (عليه السلام): يا أبا يوسف جلَّ سيدي ومولاي والمنعم علي وعلى آبائي أن يُرى، قال: وسألته هل رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ربه؟ فوقع (عليه السلام): إن الله (تبارك وتعالى) أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحب"(19). نلاحظ هنا أنَّ الحديث لم يقل إنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) رأى بقلبه دون علم الله العلاّم، بل الحديث يقول إنَّه (تعالى) أرى رسوله، فالمُحاط هو الرسول (صلى الله عليه وآله)، والقاهر، والمُحيط هو الله (تعالت قدرته). وتكريم الرسول (صلى الله عليه وآله) بحصةٍ من الرؤية القلبية لا يعني انقلاب حاله من مُحاط به إلى مُحيط؛ لتنزّه المُحيط أن يُحاط به، كما أنَّ التجلّي ــ كما تقدّم ــ معرفيٌّ، وليس ذاتيًا ليوجب الإحاطة من المُحاط بالمُحيط. ■النقطة السادسة: العقل والقلب مصبان للرؤية القلبية: إنّ الرؤية العقلية كالرؤية القلبية؛ بلحاظ اشتراكهما في أنّهما لا يؤديان إلى اكتناه ذات الله (تعالى)، بل هما تجلٍ من تجليات الحق (سبحانه)، لا تشوبهما شائبة الوهم والإحاطة كلّما كان العبد مستكملًا، ولا مصداق للعبد المستكمل سوى نبي الله محمد (صلى الله عليه وآله) - وآله (عليهم السلام). وقد روي "عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قُلْتُ لابِي الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلام) رُوِّينَا عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عَلَيْهِ السَّلام) أَنَّهُ قَالَ إِنَّ عِلْمَنَا غَابِرٌ وَمَزْبُورٌ وَنَكْتٌ فِي الْقُلُوبِ وَنَقْرٌ فِي الاسْمَاعِ فَقَالَ أَمَّا الْغَابِرُ فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ عِلْمِنَا وَأَمَّا الْمَزْبُورُ فَمَا يَأْتِينَا وَأَمَّا النَّكْتُ فِي الْقُلُوبِ فَإِلْهَامٌ وَأَمَّا النَّقْرُ فِي الاسْمَاعِ فَأَمْرُ الْمَلَك"(26) فالنكت في القلوب هو تجلٍ معرفيٍ قلبي، أثره هو رؤية الله تعالى قلبيًا، والعلم لازمه الرؤية القلبية، فتحققت. وقد وصفهم سيد الموحدين (عليه السلام) بقوله: "واعلم أنَّ الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السدد المضروبة دون الغيوب، الاِقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب، فمدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علمًا، وسمى تركهم التعمق فيما لم يُكلفهم البحث عن كنهه رسوخا"(27)، فبعض التجلي المعرفي لم ينكت في قلوبهم، لاختصاص الله العليم العزيز به، فتركوا التعمق في ما لم يكونوا مكلفين بالبحث عن كنه ذات الله سبحانه. وكذلك يشترك العقل مع القلب في أنّ لهما دوراً في معرفة الله (تعالى) معرفةً لا توجب الإحاطة، فللعقل دورٌ في الرؤية العقلية، يقول سيد الموحدين (عليه السلام): "وإنّ العقل يعرف الخالق من جهة توجب عليه الإقرار، ولا يعرفه بما يوجب له الإحاطة بصفته"(28). وفي بيان دلالةِ القلب على معرفة الله (تعالى)، جاء في المأثور: "اللّهم... أوصلت إلى قلوب المؤمنين من معرفتك ما آنسها من وحشة الفكر ووسوسة الصدر فهي على اعترافها بك شاهدة"(29). ويشتركان أيضًا في أنّ الوهم يتجاوزهما؛ فقد يتوهم العبد شيئًا والقلب يرفض الاذعان به، وقد يتوهم شيئا والعقل يرفضه أيضا. فروي عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): لا تقدّره الأوهام بالحدود والحركات.(30). وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام): مَن زعم أنّه يعرف الله بتوهّم القلوب فهو مشرك.(31). وبهذا يتضح لنا أنّ القلب والعقل مصبان للرؤية القلبية المسبوقة ولو بأدنى المعرفة بالله (تعالى). فالعقل يرى بالإدراك، والقلب يرى بالبصيرة، أو بالعيون القلبية؛ وقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "إنما شيعتنا أصحاب الأربعة الأعين: عينان في الرأس، وعينان في القلب"(32). ........................... (14) مفاتيح الجنان: للشيخ عباس القمي. (15) ميزان الحكمة: للريشهري، ١٦٩٨. (16) الأعراف: 143. (17) بصائر الدرجات: محمد بن الحسن الصفار، 21ص. (18) تفسير الميزان: للسيد الطباطبائي، ج8، ص260. (19) المصدر السابق، ب8، ح2. (26) الكافي: للشيخ الكليني، ج1، ب107، ح3. (27) نهج البلاغة، خطبة الأشباح، ج 1. (28) توحيد المفضل: للمفضل بن عمر الجعفي، ص118. (29) مصباح التهجد: للشيخ الكفعمي، ص43. (30) نهج البلاغة، خ163. (31) تحف العقول: للشيخ الحسن بن علي الحراني، ص238. (32) الكافي: للشيخ الكليني، ج٨، ص215، ح260. سُبْحانَكَ طَوَتِ الْأَبْصارُ في صُنْعِكَ مَديدَتَها، وَثَنَتِ الْأَلْبابُ عَنْ كُنْهِكَ أَعِنَّتَها، فَأَنْتَ الْمُدْرِكُ غَيْرُ الْمُدْرَكِ، وَالْمُحيطُ غَيْرُ الْمُحاط.

اخرى
منذ 5 سنوات
1434

إذا ثَبتَ العمود نفعتْ الأطناب

الصلاة هي تلك الصلة بين العبد وربه وهي من أساسيات الدين الإسلامي وأولى واجباته العبادية وأهمها لأنها محور قبول الأعمال الأخرى، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: أول ما يحاسب به العبد (على) الصلاة فإذا قِبلتْ قُبلَ (منه) سائر عمله وإذا رُدَّتْ عليه رُدَّ عليه سائر عمله)(١). من هذا الحديث يتبين لنا أهمية الصلاة ودورها في قبول الأعمال وردِّها، ولهذا شُبِّهتْ الصلاة في الاحاديث والروايات بالعمود في التفاتة بلاغية دقيقة لأهمية العمود في إقامة البناء وبخلافه تضعضعه وانهياره ، فعن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :(مَثَلُ الصلاة مثل عمود الفسطاط إذا ثبتَ العمود نفعتْ الأطناب والأوتاد والغشاء وإذا انكسر العمود لم ينفع طنب ولا وتد ولا غشاء)(٢). ورغم أهمية الصلاة ومحوريتها في قبول بقية الأعمال الأخرى في الإسلام، نجد ظاهرة ترك المراهقين للصلاة تنتشر بكثرة في مجتمعاتنا الملتزمة منها وغير الملتزمة، ولا نغالي إن قلنا بأن ظاهرة ترك الصلاة انتشرت بين البالغين أيضاً ولكن النسبة بين المراهقين أكثر بكثير من البالغين ، وتعود أسباب هذه الظاهرة إلى طبيعة المراهقين أنفسهم في هذه المرحلة العمرية وتمرّدهم على العديد من المفاهيم التربوية والواجبات الدينية في محاولة منهم لإبراز شخصيتهم وتفرّدها بعيداً عن سلطة الأبوين، وغالباً ما تكثر هذه الظاهرة في حالة إهمال الوالدين للأبناء او اختلاف طرق التربية بين الوالدين أنفسهم مما يخلخل المنظومة القيمية للطفل، وفي غالب الأحيان يعود سببها إلى اتخاذ الوالدين الأساليب غير الصحيحة للتربية، فنجدهممثلاً يستغرقون في أسلوب الترهيب والتخويف والإجبار في تعليم الأبناء للصلاة منذ الطفولة مما يشكّل للطفل حالة عقدة من الصلاة وعدم الارتباط بها روحياً، أو يتبعون أسلوب الترغيب فقط بالهدايا أو النقود فقط مما يجعل الطفل يستغل أداء الصلاة للكسب المادي فقط، أو إنهم يعوّدون الطفل على أداء الصلاة كعادة لا كعبادة، وكلها تصب في عدم توجيه الطفل منذ الصغر نحو أهمية الصلاة والارتباط بها ارتباطاً روحياً وثيقاً. ولا ننسى تأثير أصدقاء السوء على المراهقين وكذلك العولمة وسوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي حيث اتخذها أعداء الإسلام كوسيلة لدس السم في العسل لتوهين عقيدة الناشئة من أطفال ومراهقين وحتى البالغين أيضاً بهجمات موجهة ضمن عمل مؤدلج في حرب باردة وبأساليب برّاقة وتحت مسميات حضارية يؤثّرون بها على فئة المراهقين وانجرارهم خلف تلك المسميات والايديولوجيات، لتسلخهم من دينهم وصلاتهم التي هي أساس وعمود دينهم. ومن الأسباب الأخرى لترك المراهقين والشباب للصلاة هو: السلوك الخاطئ لبعض رجال الدين الأمر الذي يعمّم على بقية التيار الديني الملتزم خاصة مع ما توظّفه وسائل الإعلام المضادة من رصد لهذه الهفوات والسلوكيات والتحشيد عليها بهجمات شرسة قد لا يقوى الإعلام الديني الملتزم على الرد عليها جميعاً، لكثرة أساليبهم وتنوّعها وتعدّد الجهات التي يتوّجب على إعلامنا الديني مجابهتها، خاصة إذا ما اتصف أغلب أفراد المجتمع بضعف الوازع الديني، مما يجعل الشخص يستسهل ترك الصلاة ثم بقية الواجبات شيئاً فشيئاً. ولعله من أسباب ترك المراهقين للصلاة أيضاً هو سماع الانتقادات والاستهزاء والتهكم وأسلوب النصح الخاطئ والنقد اللاذع من قبل بعض الملتزمين الذي ينفّر الشباب من الدين بشكل عام والصلاة بشكل خاص. وكنتيجة منطقية لما ذكرنا من أسباب، سيخسر الشاب نفسه عند انجراره مع التيارات الفكرية المضادة وتضيع هويته الدينية بترك الصلاة، وهي أهم الفرائض والواجبات، مما ينعكس حتماً على علاقته بأسرته، خاصة إذا كانت الأسرة غير واعية لخطورة هذه الظاهرة وتلك المرحلة على الأبناء وسلوكهم في المستقبل، مما يؤدي الى حصول شرخ واضح في المجتمع وضياع هويته الإسلامية، وغياب الهوية الاسلامية في المجتمع سيعطي مساحة فراغ كبيرة تسهّل كثيراً احتضان واحتواء أي ايديولوجيات وعادات غريبة عن واقعنا الإسلامي، وتندمج في مجتمعاتنا بدون رادع مجتمعي مما يعطي الصورة المشوّهة للإسلام والمسلمين، التي تتصيّدها التيارات العلمانية والإلحادية للطعن بالأديان مما يفكّك المجتمع ووحدة أبنائه. ومحاولة علاج ما تم ذكره من أسباب ونتائج تنطلق على مستويين: مستوى فردي وأسري ومستوى اجتماعي. فعلى المستوى الفردي الأسري: تتعدد أساليب المعالجة منها: توعية الوالدين للأبناء توعية دينية ملتزمة منذ الطفولة، وخاصة في مسألة أداء الصلاة، كتخصيص مساحة صغيرة من المنزل، كمحراب للصلاة. وكذلك أسلوب الاقتداء بالقدوة الصالحة من المعصومين (عليهم السلام) او الوالدين او الأقارب أو الشخصيات العامة، وتحبيب سلوكهم الملتزم إلى الطفل باستخدام التلقين تارة، وتارة أخرى بالأسلوب القصصي المحبّب للأطفال، خاصة عندما نقص عليهم مثلاً أن الإمام علي (عليه السلام) قتل وهو يصلي في المحراب، أو نقص عليهم كيف أن الإمام الحسين وأصحابه (عليهم السلام) التزموا بأداء الصلاة وهم بين قعقعة السلاح وصليل السيوف ووابل السهام التي تتراشق عليهم عند صلاتهم، كما لا يخفى تأثير قصة رقية بنت الحسين (سلام الله عليهما) على الأطفال عندما نخبرهم كيف كانت تهيئ المصلاة لأبيها، أو كيف كان ولدا مسلم بن عقيل يصليان وهما في السجن، وحتى قبل أن يذبحا على شاطئ الفرات طلبا من قاتلهما أن يصليا لله ركعتين. قصص الأطفال مع الصلاة لها تأثير كبير في نفسية الطفل أكثر من قصص الكبار . إضافة الى الموازنة بين أسلوب الترغيب والترهيب. وكذلك الحرص على مشاركة الأطفال والمراهقين للوالدين أو الأخوة في أداء الصلاة معاً أو اصطحابهم الى صلاة الجمعة او صلاة العيد وتعويدهم على ارتياد المساجد والحسينيات لأداء الفرائض جماعة لتعزيز مفهوم الصلاة وحقيقتها عند الطفل بتأثير السلوك العبادي الجمعي في تفكير الطفل، وتوجيهه توجيهاً صحيحاً منذ الطفولة حتى مرحلة المراهقة، التي تستلزم النصح والارشاد بالحكمة والموعظة الحسنة، لأنه بكثرة الضغط والشد على المراهق ستطغى لغة العناد على أقوالهم وأفعالهم، أو نجدهم يتشبثون بحجج واهية كتقصير بعض الأفراد الملتزمين مما يجعل المراهق يعمّم هذه الحالة على التيار الملتزم بأكمله، وهنا يتوجب على الوالدين أنْ يربّوا أولادهم على أن البشر خطّاؤون وليسوا معصومين وأن يتّبعوا منهج أمير المؤمنين (عليه السلام) بأن يعرفوا الرجال بالحق ولا يعرفوا الحق بالرجال. ولا نغفل عن الدور الكبير للوالدين في متابعة أصدقاء أولادهم لتأثيرهم الشديد عليهم وعلى سلوكياتهم، مع ملاحظة أهمية الدور الرقابي للأهل على مواقع التواصل الاجتماعي لأبنائهم من بعيد وباعتدال أي بكلمة أخرى لا نشدّد الرقابة عليهم ولا نهملها. وكذلك غرس مبادئ التربية الإيمانية للأبناء وتقويتها من خلال الاستماع للقرآن الكريم وتفسيره أو الاستماع إلى المحاضرات القيمة وحضورها والبرامج الهادفة التي تصنع فرداً متكاملاً وأمة واعية تعي جيداً أن ظاهرة ترك الشباب للصلاة ليست حالة حضارية أو مواكبة للتطور، كما يروّج المغرضون. وهنا تتجلى أهمية الوعي والإدراك لدى الوالدين والمربين بشكل عام، لتصحيح المفاهيم المغلوطة التي أخذت بالانتشار والتجذّر في مجتمعنا، وتفعيل دور المساجد في صناعة أفراد الأمة الرساليين، كما فعل رسولنا الكريم محمد (صلى الله عليه وآله) حينما جعل من المسجد النبوي محطة لانطلاق رسالته باتخاذه مقراً للصلاة وتجمّع الأمة فيه، مما أسهم كثيراً في تربية جيل إسلامي متميز ومتين عقائدياً وفكرياً وروحياً. وبتظافر الجهود الفردية للآباء والمربين مع مؤسسات المجتمع الدينية منها والحكومية لتعزيز الوالدين والمربين بصورة عامة والمراهقين بالثقافة التربوية الصحيحة من خلال قنوات الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة أو من خلال مؤسسات الإرشاد الأسري بإقامتها للندوات والدورات التثقيفية في هذا المجال، مما يستلزم منا تقوية إعلامنا الديني الملتزم وتطوير أساليبه وانتشاره وتسويقه ليواكب مسيرة التقدم في مجتمعاتنا الإسلامية، في زمن العولمة، للحفاظ على مبادئنا وأسسنا الاسلامية وبناء جيل إسلامي على أسس رصينة لا يتأثر بالتيارات الفكرية المناهضة للفكر الدين،ي وليعيد نهضة الأمة ومجد الاسلام بعد هذا التراجع والتقهقر لنمهّد بذلك لدولة العدل المنتظر مع إمام الزمان روحي له الفداء. ________________________ (1) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ، ج1 ، ص209 ، باب فضل الصلاة ، حديث 626 (2) الكافي للكليني ، ج3 ، ص320 ، حديث 9 عبير المنظور

اخرى
منذ 6 سنوات
2115

من أسئلتكم

السائل: إحدى الأخوات تسأل عن سلوك زوجها بأنه يستمع إلى الأغاني والموسيقى الهادئة في بعض الأحيان ولا يتجاهر بهذا الأمر أمام الناس وتقول إنها لا تستطيع أن تمنعه بالقوة لكي لا يتولد لديه ضغوطات نفسيه تؤثر في حياتهما الأسرية الجواب: سنذكر لكم جوابين متقاربين عن ذلك: الجواب الأول: أن في مثل هكذا حالات يجب أن نشخص الموضوع فيها جيداً قبل أن نتصرف بشكل يؤدي إلى إثارة المشاكل الزوجية، فالزوج يمكن أن يكون يمرّ بحالات توتر داخلية تجعله يلجأ إلى التخفيف عن نفسه بهكذا أمور وأشياء يعتقد أنها تزيل آلامه وأحزانه وتبدد الكبت الذي يعاني منه، ويمكن أن يكون سبب ذلك اشياء كثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر كالشعور بالنقص العاطفي والاحتياج الجنسي يدفعه للتنفيس بهكذا طريقة أو أن ضغوطات العمل تسبّب له ضغطاً نفسياً مما يرفع لديه هرمون الكرتزول وهذا ما يجعله متوتراً من الداخل، فالزوج هنا يكون من النوع الكتوم والذي يكتم آلامه ويحاول التعبير عنها داخلياً،. لذلك يجب على الزوجة أن تتعامل مع تصرفات زوجها بشكل طبيعي ولا تنزعج منها أو تبدي انزعاجها فكل إنسان يعرف تكليفه الشرعي وواجباته جيداً وإذا كان الأمر يقع من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيمكن تقديم النصيحة بشكل غير مباشر على أن يكون نقداً غير مباشر ومن دون تهجم فالزوج الذي يفهم من كلام زوجته بأنه انتقاص وإهانة سيزداد عناده أكثر ويصر على فعل هذه الأمور، لذلك يجب على الزوجة أن تقدم النصيحة بالحسنى وبدون مبالغة في الأمور، فإذا كان لا يعتقد بالغناء كجزء من حياة ويرفضه أغلب اوقاته فهنا يكون تصرفه ناتجاً من صراعات داخلية يمكن أن تكون أحد أسبابها ما ذكرناه سابقاً، من النقص العاطفي وعدم اهتمام الزوجة عاطفياً بزوجها وابتعادها جسدياً عن زوجها بحجة أن زوجها يفعل الحرام، وهذا ما تقع فيه العديد من الزوجات وهو من فعل الشيطان وتسويلاته. أحب أن أوضح أمراً بأن بعض الفقهاء كسماحة السيد السيستاني يجوّز الاستماع إلى الموسيقى الهادئة ( الكلاسيكية) والتي تعتبر علاجاً لراحة الاعصاب والتي لا تكون متناسبة مع مجالس اللهو الطرب،. فليس كل الموسيقى محرمة بل يوجد ما هو جائز شرعاً. وقد أجاب مكتب سماحة السيد السيستاني عن موضوع الغناء وكان نص جوابهم على سؤال أحدهم عن الغناء سؤال: ما حكم الاستماع إلى الغناء؟ وما هو معنى الغناء؟ الجواب: أما معنى الغناء فالظاهر أنه الكلام اللهوي – شعراً كان أو نثراً – الذي يؤتى به بالألحان المتعارفة عند أهل اللهو واللعب، والعبرة بالصدق العرفي، وأما الاستماع إليه فهو حرام كحرمة فعله والتكسّب به. وأود أن أوضح أيضاً أنه يجب على الزوجات والأزواج أن يبتعد كل واحد منهما عن جرح مشاعر الآخر بقصد النهي عن المنكر فطرائق اصلاح الإنسان يجب أن تكون بشكل لا يثير غيض الآخر ، بل يجب أن تكون جذابة ومؤثرة وبأوقات مناسبة لتأخذ تأثيرها في النفس، لأن اغلب الرجال سيمتنع ويقاوم عن الاستماع إلى زوجته بسبب نقدها الجارح، فالرجل هنا سيقوم بإثبات ذاته والمكابرة على خطيئته ولا يعترف بأن ما يقوم به هو سلوك غير صحيح وغير صائب. في هذا السؤال اعتقد أن الرجل يظن بأن ما يستمع إليه لا يصدق عليه عنوان الغناء فهو ليس من محبي الغناء وإنما يلجأ إليه بين الفينة والأخرى للتخفيف من مشاكل وضغوطات الحياة. يتوجب هنا على الزوجة أن تتأكد جيداً من اعتقاد زوجها بموضوع الغناء وكيف ينظر إليه. فإذا كان لا يعتقد بأنه غناء محرم بل مباح وجائز فهنا يتوجب على الزوجة اقناعه بأن ما يسمعه يقع ضمن الغناء المحرم. أما إذا كان الزوج من النوع الذي لا يهتم بالحلال والحرام أو لنقل إنه زوج لا أبالي ولا يتفق فكرياً مع زوجته في هذا الأمر ويرفض التوجيه والنصائح، فهنا يسقط عن الزوجة الأمر بالمعروف لأنها ستقع في مشاكل زوجية عديدة. وعلى كل حال، عليها أن تعاشره بالحسنى وتسعى جاهده للحصول على السعادة وراحة البال. الجواب الثاني: الاسلوب المباشر في الكلام يبدو صعباً نوعاً ما مع أشخاص تعاشرت أرواحهم بأشياء محرمة ويجدون الأنس بها .. ولكن مما يدعو إلى الأمل ،، إنه ليس بشكل دائم او أمام الأخرين ،، وذلك يرجع لأسباب تنم على طهارة قلبية مندثرة او اثار عمل حسن .. أول الامر عندما تريدين أن تكلميه بموضوع كهذا فلابد من مقدمة لذلك، تبتني أولاً على تحسين علاقتكم الزوجية اكثر ،، اجعلي اشياء اخرى تضاف الى حياته تجعله يرتاح فيها وينسى ما يقلقه لأنه يلجأ إليها ليس بشكل دائم .. اسألي عن احواله في العمل وما يواجه من مشاكل هناك . وابدي اقتراحاتك وحلولك بالكلمة الطيبة وكوني سندا له في كل شيء وشاركيه في اموره كلها.. ابدئي بحوار بسؤاله عن يومه أو أي شيء تعرفين أنه من اهتماماته .. وبعدها ادخلي في صياغ الموضوع مثلا، قولي له : باعتقادك هل الله أرحم الراحمين ويحب عباده ويريد مصلحتهم؟ قد يجيب : نعم. قولي له : باعتقادك يا فلان ان الله ظالم أم عادل ؟ لعله يجب : بلا شك هو عادل .. قولي : إذا كان الله يحبنا ويحب الخير لنا إذا لماذا يمنعنا من اشياء جميلة حسب اعتقادنا وما يجعل أعصابنا هادئة !! يا فلان، أن أعمال الخير التي يقوم به الانسان لا تعود بالنفع على الله، والعمل السيئ لا يعود بالضرر عليه جلّ وعلا. إنما الفائدة والمضرة تقع على الإنسان نفسه دون الله او غيره .. إذن لماذا الله يأمرنا بفعل معين كالصلاة مثلا وينهانا عن فعل معين ليس إلا لأنه يحبنا كثيرا ولا يريد بنا السوء، فنظر (عز وجل) أي الاعمال فيها فائدة وخير كثير روحيا وجسديا وعمليا للإنسان في هذه الحياة الدنيا وعالم القبر والأخرة فجعلها واجبة عليه لكي يفيض بالمنفعة عليه والرحمة .. ونظر الى الاعمال السيئة التي تضر الإنسان بسلوكه في حياته وفي عالم القبر وعالم الاخرة فجعلها محرما وامر بالاجتناب عنها، حتى وإن شاهدنا أن الأمر جميل، فهذا مجرد تزيين من قبل الشيطان .. ودائما اقول لنفسي: إن لم اعرف سبب حرمة الشي، فأقول: لا شك أن فيه ضرراً عليّ فحرمه الله لأنه عادل وحكيم ويحب الخير لعباده . هكذا هو الله وهذه رحمته، فهو أرحم بنا من الأم التي لا تريد الضرر لأبنائها أبداً.. وهنالك شيء اخر ينبغي أن تعرفه، وهو أنه فعل الخير ليس جزاءه الجنة فقط، فهذا مفهوم خاطئ، فإذا أدّيت الصلاة بوقتها فهذا لا يعني أن أثر الصلاة فقط في الجنة بل إن لها آثاراً هنا، فلعل ما يسهل كل امور الحياة ويسبّب التوفيق بالعمل هو اداء الصلاة في وقتها! بالإضافة إلى أثرها في عالم القبر. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ عمود الدين الصلاة، وهي أوّل ما يُنظر فيه من عمل ابن آدم، فإن صحّت نُظِر في عمله وإن لم تصح لم يُنظر في بقيّة عمله .. (1) وكذلك فإن الصلاة تقوّم سلوك الإنسان وتجعله ينهى عن الفحشاء والمنكر، وإن الالتزام بها يعد نفحة تمهّد لظهور الإمام الحجة اروحنا فداه ..ويدخل السرور على قلب صاحب الزمان .. إذا كان أثر فعل الخير هكذا، فما هو الاثر السلبي للفعل المحرم؟! إن من أثار ارتكاب الحرام او سماع الحرام أو أكل الحرام هي التالي: - الاثر المتعارف هو العقاب - إنه يسلب التوفيق. - يولد قسوة القلب وتندثر حالة الخشوع لدى الإنسان شيئا فشيئا و يختلط على الإنسان الحق والباطل وتنعدم حالة التنبيه لدى الضمير .. - إنه يدخل الحزن على قلب صاحب الزمان ويؤخر ظهوره عجل الله تعالى فرجه... ومن هذا الحرام هو استماع الغناء! روي عن الإمام الصادق سلام الله عليه أنه قال : بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة , ولا تجاب فيه الدعوة , ولا تدخله الملائكة .. ( 2) وكذلك عن الامام الصادق عليه السلام أنه قال : الغناء مجلس لا ينظر الى اهله , والغناء يورث النفاق , ويعقب الفقر .. (3) وإن الاستماع للغناء لا يحلّ المشكلة ولا يُذهِبُ القلق. فلما لا نلتجئ إلى الله الذي هو أرحم الراحمين والذي بيده كل شيء ويغير كل شيء لأجلنا، لا شك أنه سيكون نعم السند ونعم الوكيل وقد قال في كتابه العزيز ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) .. (4) ألا يستحق إمامنا ان نفعل لأجله شيئاً وان نترك فعل محرم لأجله، فندخل البهجة على قلبه ويشملنا بدعواته وتسديداته؟! ______________________ (1) تهذيب الأحكام ج2 ص 237 (2) مستدرك الوسائل ج13 ص213 ح5 (3) مستدرك الوسائل ج13 ص219 (4)سورة البقرة اية 186 بقلم: قاسم المشرفاوي وحوراء مالك

اخرى
منذ 6 سنوات
5051

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
80287

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
59763

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
48615

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
44980

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 6 سنوات
43996

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
34231