تشغيل الوضع الليلي
من الفروق بين النبي والرسول والامام
منذ 6 سنوات عدد المشاهدات : 953
لقد فرقت الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة الصحيحة بين الإمامة والنبوة والرسالة من حيث المفهوم والحقيقة ،
فالنبوة وظيفة إلهية وسفارة ربانية بين الحق تبارك وتعالى وبين خلقه ، بما يوحى إليها من قبل الحق تبارك وتعالى ، فالنبي هو الذي ينزل عليه الوحي ، وما يستلمه من الوحي يعطيه للناس ، ولا يجب على النبيّ عليه السلام الإبلاغ في حال عدم طلب الناس منه ذلك ، بخلاف الرسول ؛ فإنّه يجب عليه الإبلاغ وإن لم يطلب منه الناس ذلك ،
وقد يجتمع الأمران في شخص واحد فيكون نبياً ورسولاً في آن واحد .
وأمّا الإمامة ، فهي مقام يوجب على صاحبه قيادة الأمّة دينياً واجتماعياً وسياسياً ، وفق ضوابط وقواعد الشرائع السماوية الموجبة لإيصال كل فرد من أفرادها إلى كماله وهدفه المطلوب منه .
وهي منزلة قيادة البشرية ، فالإمام يسعى إلى تطبيق أحكام الله عملياً عن طريق إقامة حكومة إلهية ، واستلام مقاليد الأمور اللازمة ، وإن لم يستطع إقامة الدولة يسعى قدر طاقته في تنفيذ الأحكام .
بعبارة أخرى : مهمة الإمام تنفيذ الأوامر الإلهية ، بينما تقتصر مهمة الرسول على تبليغ هذه الأوامر ،
وبتعبير آخر أيضاً ، مهمة الرسول ، إراءة الطريق ، ومهمة الإمام الإيصال إلى المطلوب . . .
ومن نافلة القول أن كثيراً من الأنبياء ، كنبي الإسلام عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام حازوا على المنازل الثلاث ، كانوا يستلمون الوحي ، ويبلغون أوامر الله ، ويسعون إلى إقامة الحكومة وتنفيذ الأحكام ، وينهضون - بما لهم من تأثير روحي - بمهمة تربية النفوس .
فختمت النبوة لخاتمية الرسالة والشريعة فكانت الشريعة الاسلامية تامة وشاملة لجميع نواحي الحياة إلى يوم القيامة ، وكملت بتعيين من تستمر بهم مهمة تطبيقها وحفظها وحمايتها وإيصال الناس إلى المطلوب الإلهي وهم الأئمة الهداة صلوات الله عليهم ، فهم الحافظون للشريعة والمحامون عنها والمطبقون لها بتفسير وتبيين حقائقها ودقائقها مما علّمهم به رسول الله صلى الله عليه وآله وما أُلهموا به من علومهم الخاصة الربانيّة ،
فعن النبي صلى الله عليه وآله في احتجاجه يوم الغدير حيث قال : علي تفسير كتاب الله ، والداعي إليه ، ألا وإن الحلال والحرام أكثر من أن أحصيهما وأُعرّفهما ، فأمر بالحلال وأنهى عن الحرام في مقام واحد ، فأمرت أن آخذ البيعة عليكم والصفقة منكم بقبول ما جئت به عن الله عز وجل في علي أمير المؤمنين والأئمة من بعده ، معاشر الناس تدبروا وافهموا آياته ، وانظروا في محكماته ولا تتبعوا متشابهه ، فوالله لن يبين لكم زواجره ، ولا يوضح لكم عن تفسيره إلا الذي أنا آخذ بيده .(وسائل الشيعة ج 18 ص143 ).
الشيخ مصطفى الفرهود
اخترنا لكم
العملاق الصغير
بقلم: كاردينيا ياس كنت أستمتع أيام طفولتي، حين تودعنا الأشجار الواحدة تلو الأخرى، ونحن نجلس خلف نافذة الباص وهو يسير بنا إلى الأمام، بينما تذهب هي بلا عودة، إلّا أن عدنا أدراجنا! تكررت اللقطات الجميلة، الجاذبة لنظري، وفكري! كنت أرى نهاية الأرض من بعيد، إنه خط الأفق الذي لم يعرّف عن نفسه حينها؛ وربما أراد ذلك لكنه وجدني غير مدركة كفاية لكلام سابق لأوانه! الطيور... كنت اعجب لأمرها، طيور الماء تحديدًا، لها موسم ما، تأتينا فيه، ترفرف على نهر يسري بمحاذاة شرفة دارنا! كنت أسأل نفسي، من يخبرها بالتوقيت، هل تتلقى دعوة من النهر في كل موسم شتوي؟! النمل... يصطف بشكل عجيب رواحًا ومجيئاً إلى ذلك الثقب، وأظنه لا يرتضي مني تسمية ذلك المكان بالثقب.. فهي بوابة مدينته السعيدة، المثالية.. المثالية بكل شيء… نظام، حقوق، واجبات، وعمل ثم عمل فعمل... بلا توقف! إلّا أن توقفت الحياة بذلك المخلوق ذي القوة والإرادة! أثر... غرقٍ أو تحطيمٍ أو ... تعددت الأسباب والموت واحد... أمّا الإبداع فهو لا يعرف العدد والإحصاء عندهم... إنهم يبدعون بكل شيء.. حتى بالهمة التي تدفعهم لتفتيت كسرة خبز لا يمكنها المرور من تلك البوابة! يبدعون بإرسال وتلقي الرسائل بينهم، بلا ضوضاء! لكن... من أهداهم ذلك الجدول الدقيق جدًا، الذي يملي عليهم... ما يفعلونه، وعلى مدار الساعة! الجبل... أذكر جيدًا أنني كنت أفعلها، ولم أزل.. أتهيب مِن أن أرفع رأسي عند وقوفي بمحاذاة أي جبلٍ، وفي أي وقت كان، نهارًا أو ليلًا! إنني لا أهاب الجبال الشاهقات، ولست مصابة (بفوبيا المرتفعات) والدليل أنني أصعد وأصعد دون توقف، لكن كل ما في الأمر؛ أنني استحضر عظمة الخالق في الخلق، وكأنني أرمق الجبل بعين الضعف... سبحانك اللهم، ما أعظمك! وما أعجب صُنعك! أطلق عبارات إلى النفس المسكينة التي تظن أنها شيء يُذكر، بل وتتحايل على اللسان أن يرتب لها ظاهرًا يستحسنه المخلوقون أمثالها، بشتى العبارات سواء أمام حضورٍ، أم مع ذاتها، لتزيدها بذلك رفعة وسرورًا! انظري أيتها النفس لحالكِ، وتعقّلي بكبح اندفاعكِ، كي يُحمَد مالكِ! ألم تكبري كفاية؟! لتتعلمي وتَعلَمي أنك المخلوق الضعيف! ألم تتفكري بخلق الله؟! وكيف أتقن الخلقَ؟ أما آن لكِ أن تنظري لأمركِ.. نشأتُك، حياتُك، معادُك، بل أهم ما في الأمر ملكيتك لمن تعود! قنوعةٌ بالتفكر أنتِ.. طامعةٌ بالنجاة! وأنّى لهذه دون تلك! أنها الأيام تمرّ بي، ولا زلت أحمل ذات الأنا! فما هزها والله... كذلك، الذي باغتَ عوالمي.. إنه العملاق الصغير! أتى من حيث لا ندري، وولج الأبدان دون أن تدري، ومن بدن لآخر، بكل سرية يسري! حتى وكأنني في ساعة ألم وحزن لِما ألمّ بالمرضى.. وقفتُ أمامه سائلةً: من أنتَ؟ تكلم.. وكأنني رأيته تبسّم.. وقال دون أن يتكلم: من أكون أنا، سوى مخلوقٍ بلا حياة! أنتم الأحياء وأنا بدون ولوجٍ إليكم، لا حياة فيّ! فيكم أنا أحيا، فيمرض بعضكم ويشفى، ويموت آخر، أُراقب أعدادًا هائلة منكم... كأنها ترسل لي رسائل دعوة... بذعرها، بضعفها، بتهاوي كل ما لديها من قوة! مع أنكم الأحياء... أرسلتم لكل منهم رسائل كثيرة.. أن لا تخاف، فقط افهم، وتوقّ، وادعُ... إلّا أنه أغلق باب عقله عن الأولى. ودفعه غروره وجهله أن لا يرافق الثانية وأما الثالثة، فقد حرم نفسه أن تسعد بها؛ فضلًا عن النجاة! أنا مجرد مخلوق صغير جدًا... وأكرر مرة أخرى: أنني لست أحيا خارج تلك الأجزاء الحية منكم! نظرت له بتهكم، أ هذا أنت؟! هل هذه هويتك، أيها العملاق الصغير؟ لم أسمع جوابًا منه... ولكن.. الكون برمته كأنّهُ أنابَ عنه، وقد شَخَصَ بصري إلى أجزائه.. تلك التي لم أراقبها يومًا، والتي لم أخلها موجودة من قبل! الكل يصدح بصوت القدرة والحكمة الإلهيّة: (أحسِن التصرف والتصبّر أيها المُمتحن، بساعات البلاء.. ولا تقطع بمقص الوهم والغفلة حبل السعي والرجاء!).
اخرىرفعت قضية ضِد الحاكم العادل!
بقلم: حوراء الساعدي أنا أُم حملتُ بطفل ولأولِ مرة بعد انتظارٍ دامَ خمسةَ عشر عاماً، كلُ شيء كانَ يبدو بخير، الفرحة كانت تعمُ أرجاء منزلنا الكبير، زوجي يبدو سعيداً جداً بهذا الخبر. وأم زوجي بدأت تُظهر الاهتمام بي عكس ما كانت تفعل، كنتُ سعيدة جداً وأشكر الله كثيراً في كل لحظة لأنه استجاب لدعائي ولم يردني خائبة، ولكن... ولدتُ صبياً، كان مشوه الخلقة، تبدّدت احلامي ودخلتُ في دوامة من التساؤلات، لماذا يحدث هذا؟ ما ذنبي يا الله؟ وما ذنب هذا الطفل الذي سيعيشُ بقية عمرهِ معاقاً؟ أنا اعترض أيُها القاضي على عدلِ الله! قلتها وأنا اقف أمام القاضي الذي يتولى أمور العدالةِ في القرية، وقد اجتمعت اصنافٌ متعددة من الناسِ بعد أن سمعوا بهذا الحدث الغريب، فلأول مرة امرأة ترفع قضية ضد الظلم، والظالمُ هو الله! (حاشا لله ذلك ) -ابنتي، أنا سأجيبك بصفتي القاضي عن تساؤلاتك، ولكن بشرط وهو: إذا تبين لكِ بأنكِ مخطئة فسوف تقفين أمام هذا الحشد الكبير وتقرين بِخطئك . -أنا موافقة، قلتها بجدية وإصرار، منتظرة أن أسمع ما يبردُ غليلي، لأنني أعلم علم اليقين أن الله عادل في نفسي، ولكن يقيني هذا قد اهتز بعد هذه الحادثة ، لذلك فعلتُ ما فعلت . وقف القاضي أمام الجمهور وأمسك الميكروفون وبدأ يتحدث قائلاً : لقد قالت هذه السيدة قبل قليل: إن الله غير عادل، وذلك لأنه قد أعطاها طفلاً مشوهاً بعد انتظار دامَ لسنين، فإذا كان عادلاً لما لم يعطها طفلاً كامل الصحة، غير مريض أو مشوه الخلقة؟ وهنا أقول: يا سيدتي، إن الله ليس هو المذنب هنا في كون هذا الطفل الذي سيعيشُ بقية عمرهِ مشوهاً ، بل أن المذنبين الحقيقين هما أنتِ وزوججك! نطقها وهو ينظرُ الي بجدية ، فصدمت أنا عما تفوه به! فكيف أكون أنا المذنبة؟! بل ما علاقة زوجي؟ أردتُ في تلك اللحظة أن أصرخ بوجهه غاضبة مستنكرة لما قاله، ولكنه قاطعني طالباً مني أن أستمع اليه إلى النهاية ، فأومأت برأسي على مضض، متجاهلةً ثورة الغضب التي قد أوقدها في صدري . أكمل القاضي حديثه قائلًا: إن سبب الكثير من المتاعب هو نحنُ، أنفسنا، فالأفراد المشوهون هم من مصاديق التسامح والإهمال الذي يرتكبهُ الوالدان ، فالوالدان لابد لهما من مراعاة ِ مجموعة قيود صحية ونفسية، وبحكم تساهلهما جاء الوليد مشوهاً، نحن وفي كثير من الموارد نجد أحاديث أهل البيت عليهم السلام تؤكد وبشكل كامل على رعاية تلك القيود، فالجماع عند الحيض، والسكر أو الغضب له آثار سيئة على الطفل الذي يتولد في ذلك الوقت، كأن يكون مشوهاً، فهذا الامام الرضا عليه السلام يعطينا اروع واجمل القوانين التي على الزوجين اتباعها في حياتهما، وذلك من خلال الرسالة الذهبية قائلاً : أن لا يجامع المرأة الا و هي طاهرة، فاذا فعل ذلك كان أروح لبدنه، وأصح له، وأن لا يأتي أهله والمعدة ممتلئة فإن ذلك يسبب القولنج (التهاب القولون) وأن لا يقرب النساء من أول الليل صيفا ولا شتاءً وذلك لأن المعدة والعروق تكون ممتلئة وهو غير محمود ويتولد منه القولنج والفالج واللقوة والنقرس والحصاة والتقطير والفتق وضعف البصر ورقته، فإذا أراد ذلك فليكن في آخر الليل، فإنه أصلح للبدن وأرجى للولد وأزكى للعقل في الولد الذي يقضي الله تعالى، وغيرها من الأحكام التي تحدد صحة الطفل والزوجين . أطرقتُ رأسي بحزن بعد أن تيقنت أنني كنت السبب الرئيسي في ولادة ولدي مشوهاً، ولكن إذا كنت أنا من قصرت فما ذنب ولدي؟ قلتها وانا افتح النقاش معه مرة أخرى ليردف هو قائلاً : وما تقصير الله؟ الطفل لا ذنب ل ، كما أن الله سبحانه وتعالى لا ذنب له وهو منزه عن التقصير، والذنب ذنب الوالدين فقط، فلو قلنا: إن طفلاً مشاغباً ضربَ طفلاً اخر بحجر على رأسه فهل للطفل المصاب اي ذنب؟ لا، وانما الذنب الحقيقي يقع على الطفل الاول، وهذا لا يقتصر على الأطفال فقط، بل إن هنالك ظلماً كثيراً في هذا الكون والله تعالى قد خلق الانسان وأعطاه القدرة على التمييز، ورسم له طريق الحق ونهاه عن الظلم، ونحن نعلم علم اليقين أن الإنسان الجاهل يظلم نفسه بهذا الجه ، إذ إن طلب العلم واجب وقد أمرنا الله تعالى بطلب العلم الذي يفيدنا في دنيانا واخرتنا ، فلو لم تكوني جاهلة بهذا الأمر منذ البداية لما حدث ما حدث، ولما وُلد طفلك مشوهاً. والان هل ما زلت على رأيك في إن الله ظالم ؟ -بل أنا من ظلمت نفسي وظلمت ولدي ، والله تعالى منزه عن ذلك، حاشاه سبحانه تعالى أن يكون ظالماً.
اخرىزيارةُ القبورِ طاعــةٌ للـّهِ لا شركٌ به (2)
بقلم: رضا الله غايتي الفصــل الأول التوحيد ومنشأ التكفير وخطورته: التوحيد هو أساس دعوة الأنبياء والمرسلين جميعًا (عليهم السلام)، فما من رسولٍ إلّا ودعا قومه إلى توحيد الله (جلَّ في علاه)، وما من نبي إلّا وقد دعا قومه إلى نبذ عبادة ما سواه. وهو أصلُ أصولِ الدين الإسلامي الحنيف وأساسها؛ إذ لولاه لما كان للنبوة وجود ولا للمعاد أثر. وهو الحدُّ الفاصل في الحكم على الإنسان بالإسلام من عدمه، وعليه يتوقف صون ماله وعرضه وحقن دمه، فلذلك كان للتوحيد في الفكر الديني الأهمية البالغة العظيمة، ولأجل ذلك فقد نُهيَ المسلمون عن التكفير لما يترتب عليه من آثارٍ خطيرةٍ وجسيمة. وللتعرف أكثر على ماهية التوحيد، وخطورة التكفير والاتهام بالشرك وآثارهما فقد ارتأيتُ أنْ نتناول معنى التوحيد ومراتبه في المبحث الأول، ولأنّ نقطة انطلاق التكفير تبدأ من الفهم المغلوط للتوحيد فقد تناولتُ ذلك في المبحث الثاني تحت عنوان: التوحيدُ وفقًا للرؤية الوهابية ومنشأ التكفير، ليكون المبحث الثالث والأخير عن خطورة التكفير والاتهام بالشرك.. المبحث الأول: التـوحيــــــد ومراتبــــه: التوحيد: هو (تفرُّد الله (عز وجل) بالألوهية والخلق والتدبير، وعليه يتفرع استحقاقه (تعالى) للعبادة، وتفرُّده بذلك) (1) والتوحيدُ أمرٌ فطري، فطر الله (تعالى) عليه الناس جميعًا وأودعه في أعماقِ قلوبهم وفي مطاوي ضمائرهم دونما حاجةٍ إلى برهان أو افتقار إلى استدلال. ولا يتجرّد عن هذه الفطرة أحدٌ أبدًا، ولكن قد تطمسها بعض الأمراض الخلقية أو الأفكار الفاسدة فتدعو صاحبها إلى أنْ يُكابر ويُغالط تلك الحقيقة الواضحة فينكر وجود الله (تعالى). بيدَ أنَّ نفس ذلك الناكر لوجوده (سبحانه) ما إنْ يتعرض إلى موقفٍ عسير يُشرف فيه على الهلاك حتى تنفض تلك الفطرة كلَّ ما ران عليها لتأخذ بعنقه إلى سبيل النجاة فتدعوه إلى التوجه إلى قوةٍ عظيمة تُقرُّ نفسه بأنها أعظم ما في الأكوان، وتتيقن روحه بأنّها وحدها القادرة على إنقاذه فيتوجه إليها طلبًا للعون والنجاة. وما تلك القوة العظمى في حقيقة الأمر سوى الله (جلَّ في علاه). وقد أشار الله (تعالى) إلى ذلك فقال: "هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22)" (2) كما ورد هذا المعنى أيضًا فيما روي أنَّ رجلًا قال للإمام الصادق (عليه السلام): "يا ابن رسول الله دلني على الله ما هو؟ فقد أكثر عليَّ المُجادلون وحيّروني فقال له: يا عبد الله هل ركبت سفينةً قط؟ قال: نعم قال: فهل كُسِر بك حيثُ لا سفينة تنجيك، ولا سباحة تغنيك؟ قال: نعم قال: فهل تعلّق قلبك هنالك أنَّ شيئًا من الأشياء قادرٌ على أنْ يُخلِّصك من ورطتك؟ قال: نعم قال الصادق (عليه السلام): فذلك الشيء هو الله القادر على الإنجاء حيث لا مُنجي، وعلى الإغاثة حيث لا مُغيث"(3) وللتوحيد مراحل لا بُدَّ أنْ يقطعها الإنسان جميعًا ليكون موحدًا، وهي: الأولى: التوحيد الذاتيّ: أي إنّ الله (تعالى) واحدٌ لا ندّ له ولا نظير ولا مثيل، وأنّ ذاته بسيطةٌ ليست مركَّبة: لا تركيبًا عقليًا من قبيل التركيب من الجنس والنوع، ولا تركيبًا خارجيًا من الأجزاء والأعضاء.. الثانية: التوحيد الصفاتي: أي إنَّ صفات الله (تعالى) على تعددها وتغايرها إنّما هي عينُ ذاته لا زائدةً عليها. الثالثة: التوحيد الخالقي: أي إنَّ الله (تعالى) وحده خالقُ الأكوان كُلِّها بالاستقلال. الرابعة: التوحيد الربوبي: أي ليس للأكوان ربٌّ ولا مدبرٌ سواه (جلّ في علاه) بالاستقلال. الخامسة: التوحيد في التشريع والتقنين: وذلك لأنّه هو وحده خالق الأكوان ومدبّرها، فله وحده حقُّ التشريع والتقنين أيضًا بالأصالة.. السادسة: التوحيد في العبادة: وذلك لأنّه وحده خالق الأكوان ومتولي أمر تدبيرها، وهو وحده المُقنن المُطاع فلا بد من حصر العبادة به وحده لا شريك له. ولذا فقد أكدت جميع الشرائع على هذا النوع من التوحيد ودعت إليه. وعلى الرغم من أنَّ القرآن الكريم والسنة المطهرة قد تكفلا ببيان التوحيد في كلِّ تلك المراحل وتوضيح حدوده، إلّا أنَّ بعض الفرق الإسلامية (الوهابية تحديدًا) قد أبت إلّا أنْ تجتهد في قبال النصوص الشرعية، فبدّلتِ المفاهيم الإسلامية وغيرت حدودها. وعلى الرغم من انحرافها الواضح عن جادة الصواب فقد اتهمت غيرها بالانحراف فأصبحت تُكفِّر بعض المسلمين وتتهم بعضهم بالغلو ظلمًا وتحكم بالشرك على آخرين. ولكي يتضح لدينا موضع انحراف الوهابية عن الفهم القرآني للتوحيد لنصل إلى منشأ تكفيرهم للمسلمين لا بُدَّ من التعرف على عقيدتهم في التوحيد على نحوٍ من الإيجاز أولًا، وهذا ما سنتناوله في المبحث القادم إنْ شاء الله (تعالى). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أصول العقيدة ص55 (2) يونس 22 (3) بحار الانوار ج89 ص240
اخرىالتعليقات
يتصدر الان
لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع
يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىبين طيبة القلب وحماقة السلوك...
خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىالطلاق ليس نهاية المطاف
رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىلا تقاس العقول بالأعمار!
(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىالمرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)
بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىأساليب في التربية
عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى