Profile Image

وفاء لدماء الشهداء

علمينا يا فاطمة...

الكاتبة: وفاء لدماء الشهداء في ظروف عصيبة مرت بها رسالة السماء، هناك حيث احتدام الصراع مع جاهلية الأرض يوم انطمست معالم الإيمان بوثنيات الأهواء، يوم كان المسلمون قلة مستضعفة يواجهون بنور الرسالة فراعنة الشرك والكفر من الأعداء، في ذلك الزمن الذي تُوأد فيه النساء، وتقتل دفنًا وتنتهك حقوقها جهرًا دون حياء... في هذا الجو المفعم بالتحديات والبذل والعطاء، كانت مكة تتألق بالنور، ويغمر نبأٌ عظيم بلطف الله تعالى قلب سيد المرسلين بالبشر والسرور، فتنتشي الحياة له بالبهجة والحبور، لِمَ لا وقد شارف قمر الرسالة على التألق، وأذِن لفجر بزوغ الزهراء (عليها السلام) بالسطوع والحضور؟! أتت البتول فاطمة (عليها السلام) وبشر ميلادها الأزهر البشرية بميلاد جديد، سيكون فيه الخير عميمًا؛ إذ سيترعرع في حجر الهدى سادات الورى، ويستمر ألق الرسالة من فناء هذا البيت السعيد. نعم، فأنوار الزهراء(عليها السلام) في بيت النبوة تلألأت، وفي أحضان خير الأنبياء نمت وتألّقت، ومن معين روحه الفياضة تشربت فأشرقت، عاشت وترانيم الرسالة لا تغادر شفتيها، وعشق الولاية يسكن بين أضلعها، وهمّ الإسلام يملأ حياتها، ترجمته: همةٌ عالية في نصرة نبيها ومن بعده إمام زمانها، ووقفةُ انقطاع وتبتل في محراب صلاتها، وحنانٌ غامر وسكينةٌ ومودةٌ ملأت بها أركان بيتها، ووعيٌ وبصيرة في تربية أولادها، ورسالةُ علم وتنوير وتكامل لكل نساء عالمها، وسفرُ ولاء ووفاء وفداء وارتقاء للآتين من بعدها، خطّتْه بأنامل صبرها وجهادها وتضحيتها، وغذته من معين روحها في ليالي شوقها وانقطاعها وتبتّلها، وسقته من ماء زمزم حبها لخالقها ونبيها وإمامها... لذا فحينما تحين ذكرى ميلادها، وتطرق بالبشرى قلوب شيعتها ومحبيها، لا بد أن تكون ذكراها لنا دعوة لوعي الإسلام، واحتضان الرسالة الغراء للنبي وآله الكرام (عليهم جميعًا من الله تعالى أفضل الصلاة والسلام). لا بد أن تكون الذكرى مبعثًا لنتنسم عبق الإيمان، ونلتف بشوق الباحث عن السمو حول آيات القرآن، ونحتضن بلهفة المشتاق تعاليم الدين؛ لنتسنم ذرى المجد بالعبودية الحقة لرب الأكوان. لابد أن نتخذ الزهراء (عليها السلام) قدوة ومنارًا نستنير بهديها، ونقتفي أثرها، ونتتلمذ في مدرستها، ونتلقف بشغف كل كلماتها ومواقفها، لنرسم طريقنا في الحياة بالاستضاءة بأنوارها، والاستلهام من مسيرتها، والاستنارة بهديها. فهيا لنعقد العزم ولنعاهدها في ولادتها التي ينبغي أن تكون ولادة لنا جميعًا بأن نتخذها أسوة نتأسى بها لا سيما في: 1- علاقتها بخالقها الذي ملأ حبه كل كيانها: فحينما نطالع سيرتها العطرة، ونتأمل في مضامينها النيرة، نرى أنّ آثار محبتها لله تعالى تتجلى في كل زاوية من حياتها المنورة، لذا ينبغي أن نتعلم منها هذا الدرس المهم ونعي جيدًا أنّ أساس الارتقاء هو حسن الصلة برب السماء، والأُنس بساعات التهجد واللقاء. 2- علاقتها بنبيها (صلى الله عليه وآله): الذي رعته بكل وجودها ونذرت له كل ساعاتها، ففي سيرتها صور فريدة لعلاقة مثالية جمعتها بأبيها ونبيها (صلى الله عليه وآله)، فلم يكن أحد أحب إليها منه ولم يكن أحد أقرب إليه منها، حتى أنه لقبها لفرط رعايتها وحبها بأم أبيها، وفي ذلك درس ينبغي أن نتعلمه منها (سلام الله عليها)، فقد تجلى حبها له في إيثاره على كل محبوب، واتباعه وامتثال أوامره في كل أمر واجب أو مندوب، ونصرته في حياته ومماته ونشر فكره وهديه وإيصال صدى كلماته إلى كل الأرواح والقلوب. 3- علاقتها مع زوجها وبإمام زمانها: فالمتأمل في حياتها الزوجية، يرى قصصًا تنبض بالرؤى الإسلامية للحياة الأسرية المثالية، والعلاقة الإيمانية النموذجية، التي جسدت فيها السيدة الرضية، سلوك المرأة الأكمل، وبيّنت من خلالها الطريق الأمثل لرضا الله (عز وجل)، بدءا من تيسير مهرها، مرورًا بجهادها على شظف العيش وصبرها، وانتهاء بتقديم روحها فداء لإمام زمانها. فكل حياتها لوحة مطرزة بالعبر والدروس، الكفيلة ببناء الحياة السعيدة والارتقاء بالنفوس، ويكفي أن نعلم أن الأمير (عليه السلام) كان يقول عنها: ".. لقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان" وفي ذلك درس عظيم لكل من تبحث عن السعادة والهناء، وترغب في أن يكون بيتها جنة وأرفة الضلال تغمرها ألطاف السماء، وتباركها تعاليم الأنبياء والأولياء، فما عليها إلا حسن الاقتداء بالسيدة الزهراء (عليها من الله تعالى أجمل السلام وأزكى الثناء). 4- علاقتها بأولادها: فالمطّلع على سيرتها المباركة مع فلذات أكبادها، يرى صورة الأم المثال، ومن تُحمد في خصالها الخصال، فلقد أطعمتهم حب الله تعالى ورسوله والإسلام، وسقتهم مع اللبن تعاليم الدين وسير الأنبياء والمرسلين العظام، فكان نتاج التربية الفاطمية، أن يبذل الأبناء الكرام أرواحهم الزكية، لتخضرّ شجرة الدين بتضحياتهم ودمائهم القدسية. وهنا نتعلم من الزهراء (عليها السلام) أنّ الطفل جوهرة نفيسة، وأن الأم الواعية هي من تبذل في تربية أولادها كل جهدها مستنيرة بهدي الزهراء القديسة، منها نتعلم أن الأمومة هي منحة الرب الجليل، التي ينبغي أن نرعاها لتثمر أولادًا صالحين يستقلون في جنب الله تعالى كل عظيم ويستحيون من كل قليل، ويبذلون في محبته ونصرة دينه ما يستطيعون، مُتخذين من آل البيت (عليهم السلام) قدوة ومنارًا وخير دليل. ولا زالت هناك جوانب أخرى جديرة بتسليط الضوء عليها نتركها إلى وقت آخر بإذن الله تعالى. ختامًا أقول: فلتفخر النساء، أن سيدتها ومولاتها الزهراء، فهي هبة السماء لأمة خاتم الأنبياء، ولتبتهج بذكرى من كان مولدها إيذانًا بانطلاق سفر النور والهدى والضياء، الذي سطّر للأمة جمعاء، كيف يكون السمو والارتقاء، إلى ذرى العز والكمال والعلياء، ولتعقد العزم على الاقتراب من ساحة فيضها المعطاء؛ لتفوز بكرامة الأبد ورضا الرب الأوحد، في جنة الخلد التي وعد بها عباده المؤمنين الأتقياء.

المناسبات الدينية
منذ 4 سنوات
799

كالطّيرِ المذبوح

بقلم: وفاءً لدماءِ الشهداءِ امتنعَ عن الطعامِ منذُ الظهيرة وما شربَ إلا القليلَ من الماء، تغيّرَ لونُه وبدا هادئا، لم أعُدْ أسمعُ تغريده، انقطعَ صوتُه الذي كان ينقلُني في رِحلةِ تأمُّل، إنَّه طيرُ أولادي الذي وافتْه المنيةُ قبل قليل! كنتُ إلى قربِه، أتأملُ ملامحَه، رأيتُ لحظاتِه الأخيرة، كيفَ تقلّبَ وقامَ ووقعَ ثم أسلمَ لخالقِه روحَه، ولا أدري لِمَ انتقلَ ذهني مباشرةً إلى كربلاء؟ ولِمَ لمِعَ في سماء روحي اسمَ الطفلِ الرضيع وبقية الصغار من الشهداء؟ لذا مع دمعتي الأولى قلتُ: السلامُ عليكَ سيّدي أبا عبد الله... تُرى كيفَ رفرفَ الرضيعُ بين يديك كالطّيرِ المذبوح؟ وكيف أوصلْتَ خبرَ استشهادِه إلى أمِّه الرؤوم؟ وبأيِّ حديثٍ بلسَمْتَ قلبَها المجروح؟ أيُّ قلبٍ هو قلبُك؟ أيُّ روحٍ هي روحُك؟ أيُّ صبرٍ هو صبرُك؟ أيُّ بلاءٍ هو بلاؤك؟ أيُّ جرحٍ هو جرحُك؟ أيُّ حبٍّ لله (تعالى) سكنَ فؤادك؟ منْ أنتَ؟ منْ تكونُ؟ ومع ازديادِ البلاءِ وتوالي المِحنِ يُشرِقُ وجهُك ويتألقُ مُحيَّاك؟ مالي كُلَّما ازددتُ اطلاعًا على سيرتِك رأيتُ أنني لا زِلتُ أجهَلُك؟ يا سفينةَ النجاةِ يمّمْتُ نحوكَ قارب حياتي فلا تمنعْني من فيضِ عطائك. يا مصباحَ الهُدى توجهْتُ بكُلِّي إليكَ فلا تُخيِّبْ قصدي وأنِرْ لي طريقي بضياءِ معرفتِك. يا صاحبَ القلبِ الكبير ارمقْني بنظرةٍ فقدْ حططْتُ رحلي في رحابِك ونزلتُ في ساحةِ لُطفِك. يا دمعتي الجارية كُنْ شفيعي إلى الله (تعالى) في فتحِ عينِ البصيرةِ لترى شيئًا من بهائكَ. يا عدلَ الكتابِ وحرارةَ القلبِ التي لن تبرُدَ أبدًا، كُنْ وسيلتي إلى الله (تعالى) في نُصرةِ ولدِك الآخذ بثأرك. اللهم ثبتْ لي قدمَ صِدقٍ مع الحُسين عليه السلام.

اخرى
منذ 4 سنوات
743

أصلب عودا

بقلم: وفاء لدماء الشهداء ما أن أرى شجرة شامخة تنتصب وسط الأعاصير، وتغوص جذورها بين الصخور، حتى ينتقل ذهني مباشرة إلى قول مولاي الأمير (عليه سلام الرب القدير): "ألا وإنّ الشجرة البريّة أصلب عوداً والرواتع الخضِرة أرقّ جلوداً والنابتات العذبة أقوى وقوداً وأبطأ خموداً". ‌كانت تلك الكلمات النيرات ضمن رسالة كان قد أرسلها الإمام (عليه السلام) إلى عثمان بن حنيف وإليه على البصرة، ويا لها من كلمات ثرة، تنقل القارىء إلى آفاق رحبة، فيها للقلب والعين قرة، وكأنها تقول لكل من أراد أن يسلك الطريق إليهم، ويشد الرحال إلى رحابهم، ويعقد العزم على نصرتهم: كن كالشجرة البرية، ذات الأغصان العظيمة والجذور القوية، لا تهتز مع الريح، ولا تمل مع التيارات التي لا تفتأ تُهاجم الحق الصريح، بضلالات شؤمها القبيح. ‌كن قويًا وفي طريق الحق صلبًا أبيًا، لا تُساوم، لا تنحنِ، لا تُطأطئ الرأس، ولتكن في الله (تعالى) شديد البأس، ولكن اعلم أنّ من أراد هذا الطريق فعليه أن يوطّن نفسه للصعوبات، ومقاومة الألم والمعاناة، وتحدي المعوّقات، ومجابهة التحديات، فما كان طريق الحق يومًا مفروشًا بالزهور، وما كان الباطل ليدع المجال رحبًا أمام انتشار النور، فالصراع مستمر حتى يوم الظهور وتألق الدنيا بوجه الغائب المستور، (عليه وعلى آبائه الكرام أفضل الصلاة وأتم التسليم من الرب الشكور). تحمّل، قاوم، اصبر، استمر، وإياك والتراجع واليأس، ولتكن جراحات المعصومين (عليهم السلام) ماثلة أمام عينيك، ورحلة كفاحهم في حياتهم زادًا ووقودًا لمسيرتك يشد من عزمك ويقويك، ‌كن شجرة قوية تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ولا تكن عشبًا اخضرًا يفتن الناظر مرآه، ولكنه سرعان ما يتطاير في الهواء عند أدنى ريح تغشاه، فالطريق الطويل يحتاج إلى عزم كبير وهمة عالية وطموح وشغف منقطع النظير.

اخرى
منذ 4 سنوات
1057

إليكِ يا أمّي

بقلم: غدير خم العارضي ‏لو خيروني في الحياة سعادة لاخترتُ أمّي دون أي تواني الكونُ والدنيا وإنْ جُمعت لنا لا لن تُعادل ضمّها بحنــانِ إليكِ يا نبع الحنان، ورمز الأمان، أسطرُ حروفًا مدادها وفاء وبر وعرفان، وأهديكِ أجمل الأزهار، باقات عطرة من الياسمين والاقحوان، منك تتوارى الكلماتُ خجلى، والأسطرُ حيرى، وهي لا تدري ما الذي يمكنُ ذكره أو نسيانه من أفضالكِ وخصالكِ الحسان. أمّي: أ أنسى سهركِ ليلًا حين مرضي وملازمتي حتى أصحو بسلام؟ أم أنسى خوفكِ ولهفتكِ حين تُجرح يدي أو جزءٌ آخر من بدني وكيف تجري دموعكِ برحمةٍ واهتمام؟ وكيف لي أنْ لا أذكر كيف لازمتني في سني طفولتي بحنانكِ واحتضانكِ، وكيف كنتِ ترسمين البسمة فوق شفتي على الدوام؟ لا زلتُ أذكرُ يا أمّي حين دخلتُ المدرسة خجلةً بعض الشيء لا أعرفُ أحدًا فوجدتكِ تقفين خلفي وتدفعينني للأمام، واهٍ ما أجمل فرحتكِ حين استلمتُ أولى شهاداتي وكنتُ الأولى على صفي، وكيف قبّلتِني واحتضنتِني بحبٍ ووئام، ولا يمكنني أنْ أنسى كيف كنتِ تساعدينني في أيام دراستي وتُعلمينني وتتابعين دروسي بدقةٍ وانتظام، وكيف كنتِ تقولين لي: إنّ عليّ أنْ أجد واجتهد لأتفوق وأبني مستقبلي وأنصر الإسلام.. تعلمتُ منكِ الالتزام بما جاء به ديننا القويم والعظيم دين الإسلام، ولا أنسى أنّكِ دعوتني إلى رياض الفقه والعقيدة والأخلاق لأقتطف من زهورها ما يعينني على تجنب الآثام، وجني رضا الله (عز وجل) من خلال السير على هدي أهل البيت (عليهم السلام) ، ولم تمضِ لحظةٌ لم تكوني فيها معي، كنتِ دومًا إلى جانبي، وكأنكِ لستِ أمّي فحسب بل أختي وصديقتي ورفيقة دربي وعوني على الأيام. وتسارعتِ السنين وكأنها تسابقكِ، وترى ما مدى صبركِ ورعايتكِ، وحسن تربيتكِ، وأرادت أنْ تُريكِ في خاتمةِ المطاف ثمارَ جهدكِ ورعايتكِ، فكنتُ كما شئتِ، وسأبقى كما أردتِ. لمَ لا، وأنتِ التي ربيتني منذُ الطفولةِ على خُلق وآداب القرآن، ونهجِ النبي العدنان وآله صفوة الرحمن (عليهم جميعًا سلام الملك الديان)، وامتزجت مع روحي كلماتهم، وتغلغلت في أعماقي وصاياهم، فباتوا هم الدليل وإلى مرضاة ربي خير سبيل. أمّي: وهكذا مرت أيامي حتى وقفتُ على عتبةِ الجامعة وكنتِ معي خطوةً خطوة، فقلتِ لي حينها: اذهبي لتنصري دينكِ بكلِّ ثقةٍ وقوة، دعوتِ لي بأنْ تحرسني عين الإمام (عليه السلام)، وحرصتِ على أنْ تسلحيني بالتوكل على رب الأنام، ولا أنسى تلك الدمعة التي ذرفتِها وأنتِ تناجين إمام الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وتتوسلينه أنْ يُحيطني برعايته، ويغمرني بألطافه ودعواته وعنايته، ومن يومها دخلتُ جامعتي ومعي كلّ هذا الزخم المعنوي، الكفيل بتثبيت أقدامي على الطريق الإلهي. وتمرُّ الساعات واللحظات، وها أنا ذا أقف أمامكِ يا أطيب الأمهات، خجلةً من قليل ما عندي من جميل الألفاظ والكلام، ولا يسعني شكرًا إلا أن أقبل الجباه والأقدام، وأقطع أمامكِ عهدًا بأنني سأكون كما علمتني فتاةً ملتزمةً رائعةً، ولصاحب الزمان سلام الله عليه تابعة، وبمنهج الزهراء والحوراء (عليهما السلام) مهتدية متابعة، وعلى درب الهدى سائرة، وببرِّكِ إن شاء ربي ستكون أيامي عامرة، وفي سبيل الحصول على رضا الله (تعالى) على الدوام مثابرة، حتى أفوز في دنياي برضاك عني فيكون سعدي وهنائي بلقاء الرب الكريم في الآخرة. ابنتكِ

اخرى
منذ 4 سنوات
797

السلام عليك حين تصبح وتمسي

بقلم: وفاء لدماء الشهداء سيّدي صاحب الأمر، ما قيمة الصباح إنْ لم يبدأ بإلقاء السلام عليك؟ وما أفعل بالمساء إنْ لم أحيِّك؟ وما قدر يومي إنْ لم يكن كله لك؟ يا نورَ عيني، أنت كلُّ دقائق حياتي.. أنت كلُّ نبضاتي وخفقاتي... أنت كلُّ همي وابتهالاتي... أنت كلُّ عمري وحياتي... ها قد أتت الجمعة مرةً أخرى، وعيوني شاخصةٌ لرؤيتك... ها قد أتت الجمعة وروحي تبحث عنك... تراكَ في تفاصيل كلِّ ما حولها، بين دعاءِ العهد والندبة، بين شعورِ الألم والغربة، مع توالي المِحن في الأرضِ، وحلول النكبة بعد النكبة... أسألُ عنك... أبحثُ عن رائحةِ قميصك الذي ستُلقيه على قلوب مُنتظريك المتوجعة.. لذلك سأقولها لك في كلِّ صباحٍ ومساء: السلام عليك حين تصبح وتمسي .. بل السلام عليك في غدي وأمسي .. بل في كلِّ نفسٍ مني حتى حلولِ يومي وساعة رمسي ..

اخرى
منذ 4 سنوات
849

بين غربةٍ وغيبةٍ

بقلم: وفاء لدماء الشهداء غابَ وحُجِبت أنواره عن شيعته ومُحبيه، واكتوى بنارِ الغربة قلب مواليه، باتوا يتوسلون للمثول بين يديه، ويبذلون الأموال ويتحملون الصعاب في سبيل الحظوة بنظرةٍ إلى عينيه. يدخلون إلى زنزانته المُظلمة مُحمّلين بالأشواقِ والأسئلة، ويخرجون من طامورته بإجاباتٍ وافية ودمعة مرسلة. يتناقلون أخبار السجين الغريب بينهم، ويحملون إلى الناس منه ما يُثبِّت على طريق الحق أقدامهم. تضطربُ القلوب وتتعالى صرخاتُ الاستغاثة أنْ: يا إلهي فرِّجْ عنه كي نحظى ببركاته، ونعيش تحت ألطاف قربه وعناياته. وتستمرُ الحياة بين لهوِ العابثين، واستعداد المنتظرين. بين من طغى وتجبر، ومن تزكى وتطهر. خطان امتدا منذُ بدايةِ الإنسان وسيبقيان، لمِعتْ في سمائهما أسماءُ من غلبوا بمكرهم الشيطان، ومن تعجبت من طهارتِهم وكمالاتِهم ملائكةُ الرحمن، وهكذا كان في زمن إمامنا الكاظم (عليه السلام)، ففي الوقتِ الذي لم يدخر أعداءُ الإسلام جهدًا في سبيل محوه وطمس آثاره، كان أصحابُ الإمام (سلام الله عليه) ومنتظروه يبذلون جهودًا جبارة في سبيل نشر الحق وسطوع أنواره. فالغربةُ والغيبةُ لم تمنعهم من الاستعداد والعمل، ولم يفارقهم رغم كلّ تلك الظروف القاسية التفاؤل والأمل، بأنَّ البقاء مهما حدث في نهاية المطاف لدين الله (عزّ وجل). نعم، تلك الغيبة والغربة صنعت العلماء، وأظهرت معادن الصادقين والصلحاء، وأفرزتِ المُحبين الأوفياء الذين بثوا في الآفاق للإمام الكاظم (عليه السلام) تعاليم النور والضياء. وهنا يحقُّ لنا أنْ نتساءلَ ونحنُ نعيشُ لوعةَ البعد عن إمام الزمان (عجل الله فرجه): تُرى هل صنعت غيبتُه وغربتُنا من بعده، ما صنعت غيبةُ وغربةُ إمامنا الكاظم (سلام الله عليه) بشيعته؟ هل وظّفنا الألمَ الذي نُعانيه، في سبيلِ نشرِ الحقِّ كما كان يفعلُ أصحابُ الإمام الكاظم (عليه السلام) وخُلّصُ أتباعه ومواليه؟! هل جعلنا من سجنِ إمامنا الموعود خلفَ أستار الغيب تحديًا حقيقيًا لأنفسنا في الثبات على طريقه ونصرة أهدافه قبل أنْ نناديه: العجل، ونرتجيه؟! اسئلةٌ تجوبُ أذهان الكثيرين، ويُترَكُ الجوابُ عنها لأفئدةِ المُنتظرين الصادقين، أحببتُ إثارتها في هذا اليوم الحزين؛ ليكون التفكر والتأمل فيها مُنطلقًا لتصحيح المسار واختيار الطريق لنصرة الإمام الطريد الشريد، المُغيّب الوحيد، الذي نرجو أنْ لا نكون جرحًا إضافياً في قلبه المثقل بالآلام، بغفلتنا عنه وابتعادنا عن نهج الإسلام وتعاليمه التي أرساها آباؤه الكرام (عليهم جميعًا أفضل الصلاة والسلام). فقبل أنْ نتبادل التعازي والمواساة، وننثر شيئًا من الدموع والآهات والعبرات، تعالوا لنسأل أنفسنا بصدق: تُرى أين نحنُ من هاتين الغربتين؟ وماذا فعلنا للسجينين؟ وبأيِّ مرهمٍ بلسمْنا جراح الغريبين؟ أعظمَ الله (تعالى) أجوركم بمصاب إمامنا، وثبت على طريق الحقِّ أقدامكم وأقدامنا.

اخرى
منذ 4 سنوات
704

وبعث المصطفى

بقلم: وفاء لدماء الشهداء من قلب غار حراء، أشرقت رسالة السماء، وهبط الوحي بأمر الملك العلام، حاملًا بشرى ميلاد الإسلام، الذي ستشمل أنواره دنيا الأنام، فقد بعث الله تعالى محمدًا (صلى الله عليه وآله) فكان لكل أنبيائه مسك الختام. جاء الرسول صادعًا بالحق، ومربيًا للخلق، أقبل كالنور الساطع، والضياء اللامع، يحمل الهدى للبشرية، ويدعوهم إلى الله (سبحانه وتعالى) والاقتراب من ساحة عطائه القدسية، والتحرر من أسر الدنيا الدنية، ونبذ الخرافة والعصبية التي فرضتها الجاهلية. فما أجمل أن نشد الرحال بقلوبنا اللهفى، لنرتوي من سلسبيل البعثة الأصفى، ونستلهم من هذه الذكرى زادًا يعيننا على اتباع نهج النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله)؛ علّنا نحظى برضاه وننال شرف الارتواء من كأس شربه الأوفى. هيا لنحتفل بذكرى بعثته بالشكل الذي يحيينا، ويبعث الروح في تفاصيل حياتنا، ويؤهلنا للنصرة الحقيقية لديننا وعقيدتنا وإمام زماننا فدته نفوسنا، ولنركز عند إحياء هذه الذكرى العطرة على بعض الأمور: ١- إنّ المشيئة الإلهية اقتضت أن تختم النبوة بسيد الكائنات، محمد المصطفى (عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين أفضل الصلاة والسلام والتحيات)، فصارت رسالته خاتمة الرسالات، مما يعني قدرتها على استيعاب لغة الزمن ومختلف التطورات، وبقاءها غضة طرية متى ما فُهمت على النحو الصحيح بعيدًا عن الخزعبلات، وهذا يدعونا الى الاعتصام برسالة الإسلام، ووعي أهدافها واستيعاب مضامينها والدفاع عنها والدعوة إليها على الدوام. ٢- إنّ أول آية نزلت في هذا اليوم هي قوله (سبحانه وتعالى): "اقرأ باسم ربك الذي خلق"، وكأنها تقول لنا: إن بداية السير إليه (عز وجل) تبدأ من الاهتمام بالعلم والمعرفة الكفيلة بإخراج المرء من أنفاق الظلام إلى آفاق الضياء والسلام، فلا بد أن نعقد العزم على جعل هذه الذكرى منطلقاً لوعي الإسلام، والاقتراب الصادق من رحاب أولياء الله العظام أئمتنا (عليهم السلام)، والاهتمام بالعلم والمعرفة الموجبة للارتقاء، والقرب من رب الأرض والسماء. ٣- لابد أن تكون الذكرى مبعثًا للتعرف على الرسول الكريم (عليه وعلى آله الاطهار سلام الرب الرحيم)، ومحاولة جادة للاقتراب من ساحة لطفه العميم، والتأمل في سيرته وخلقه العظيم؛ ليكون لنا في طريقنا إلى ربنا خير اسوة، وفي تحدي صعوباتنا وآلامنا أعظم مثل وقدوة، وأفضل سبيل للتعرف عليه، هو أن نتأمل فيما قاله القرآن الكريم وأئمتنا (عليهم السلام) بحقه، فما ورد فيه عن لسان القرآن الكريم وأهل البيت (عليهم السلام) كفيل بأن يضع أقدامنا على طريق معرفته، ويرسم لنا سبيل الاقتراب من ساحته، ومن ثم السعي الحثيث للتخلق بأخلاقه والاهتداء بسيرته، والبرهنة عن طريق اتّباعه على صدق محبته، كما لا بدّ أن نعلم أنّ ديننا إنما انتشر بخلق النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله) وتضحيته، فقد كان يجهد نفسه لإيصال نور رسالته، متحديًا القسوة والحصار الذي جوبهت به دعوته، صابرًا على مختلف أنواع الظلم الذي مورس ضده وضد أتباعه وشيعته، فلقد آذوه واحتشدوا لمحاربته، فلم يزدد إلا ثباتًا وتمسكًا بشريعته، هددوه وتفننوا في عرقلة مشروعه الإلهي فلم يعبأ حتى نشر في الآفاق رايته، وفي هذا درس للمؤمنين الرساليين، إذ ينبغي أن يرفعوا شعار الثبات على الحق المبين، ويناضلوا حتى ظهور الإمام الموعود (عليه السلام) وإن طالت الأعوام والسنون. ٤- لا بد أن نعلم ونحن نحيي هذه الذكرى المباركة أنّ الإسلام بدأ غريبًا وما كان مع النبي (صلى الله عليه وآله) أول الأمر إلا عمه وابن عمه وزوجته (صلوات الله عليهم أجمعين)، ولكل من هؤلاء الثلاثة دوره في إسناد الرسول والرسالة حتى تحقق بفضل بذلهم ودعمهم وتضحياتهم النصر للإسلام والمسلمين، وإن أقل الوفاء لمن يمر عليه هذا اليوم المبارك أن يعظمهم، ويطلع على سيرتهم، ويتلمس من خلال مواقفهم التي تنم عن أصالة إيمانهم وعظم عقيدتهم وذوبانهم في مرضاة خالقهم كيف السبيل إلى اقتفاء أثرهم، وحمل الإسلام نهجًا ووعيًا في القلب والروح والفكر والعمل كما حملته أرواحهم، وترجمته أفعالهم التي خلدها التاريخ رغم أنوف أعدائهم. * وأخيرًا لا بد أن نعلم أن نبينا الأعظم (صلى الله عليه وآله) كان قد جاء بعد أن عكف الناس على عبادة الأوثان، وتلاشت تعاليم الأنبياء السابقين وغابت آنذاك عن حياة الإنسان، هناك سطع نور النبي العدنان، وأقبل كالشمس حاملًا معه ضياء الإيمان، فجلى عن الأبصار الغمم، وكشف عن القلوب البُهم، وقام في الناس يدعوهم للهداية، ويبصرهم بنور رسالته فيحميهم من الضلالة والغواية، فهداهم إلى الدين القويم، وسار بهم نحو الصراط المستقيم، وهذا ما ينبغي أن يجعلنا نعيش التفاؤل والأمل، إذ إننا مهما اكتوينا بنار الابتعاد عن إمام زماننا (فدته أرواحنا) فإنه سيظهر، وهذا وعد الله (عزّ وجل). نعم سيأتي لينقذنا كما أنقذ جدُّه المصطفى أمته، وسيرفع في كل الآفاق رايته، وسينادى في كل الأقطار باسمه ونسبه وكنيته، سيأتي كالربيع الأخضر، وسنتنسم عبيره الأطهر، ولا شك أننا ينبغي أن نستعد لاحتضان دعوته، ونوطن النفس على مبايعته، وبذل الأرواح دون قضيته، حتى يمحى الكفر من قاموس الوجود، وتتألق الأرواح بحب المعبود، وينتهي زمن الغياب المر ويأتي زمن الحضور والشهود.

اخرى
منذ 4 سنوات
688

رشفـــةُ عشـــق

بقلم: غدير خم حميد هي كربلا سرُّ الخلودِ تجسدا وعلى أديمِ التُربِ بانَ فأوردا هي كربلاءُ فهل ترى في أفْقِها غير العطاءِ ونهج عزٍ قد بدا هي كربلا صوتُ العدالةِ صادحٌ فيها على مرِّ العصورِ مُخلّدا فارحل إليها كلّ آنٍ طارقًا بابَ الحسينِ عند عباس الفدا سلِّم عليه بدمعِ روحِك وانحنِ لتُقبِّلَ الأعتابَ شوقًا أوحدا وقُلِ السلامُ على الكفيلِ لزينب من قدّم الروحَ النفيسةَ صامدًا اسكبْ هناكَ الدمعَ حبًا صادقًا ثم انقلبْ زحفًا لذاك المشهدا واطرقْ بحبٍّ كلَّ أبوابِ الندى لتعودَ ريانًا على طول المدى اسجد بأعتابِ الحُسينِ مُطأطئًا وقلِ السلامُ عليكَ نبراسَ الهُدى يا مُلهِمًا للسالكين إلى العلا يا حاديًا للعزِّ أنت ورائدًا يا عِبرةً للمؤمنين وعَبرةً خلدتْ زمانًا لم ينلْ منها الردى حيّتكَ يا علمَ الشهادةِ أمةٌ يامن بدنيا البذلِ كنتَ الأجودا يامن ملكتَ كلَّ ذرّاتي ألا تسمع نداءَ القلبِ هامَ مُرددًا بكَ يا حسين تستنيرُ مسيرتي أزدادُ عشقًا ... أستبينُ المقصدا من كلِّ ذرّاتي إليك تحيةٌ يبقى على مرِّ الزمان لها صدى فتقبلِ الأشواقَ مني سيّدي كُنْ لي شفيعًا في المَعاد وشاهدًا واشملْ بعطفكَ ظلَّ روحٍ هاجرت نحو القِبابِ السامِقاتِ على المدى وأغِثْ فؤادًا قد أدامَ وصالها يامن بقلبِ العاشقين تفرّدا إني رفعتُ الكفَ أرجو نظرةً حاشا تُخيّبُ قاصدًا رفعَ اليدا خُذني إليكَ يبن بنتِ المُصطفى دعني أحلِّقُ في رحابك سرمدًا وأنِلْ مُحبَّكَ رشفةَ العشقِ التي من ذاقها نالَ المقام الأسعدا

اخرى
منذ 4 سنوات
824

إليكِ أستاذتي الغالية

بقلم: غدير خم حميد العارضي رسالةُ حبٍ وشوقٍ وامتنان، واعتراف بالفضل والإحسان، وأنشودة من القلب يترنمُ بها بلبلٌ فتّان؛ خجِلًا من قلةِ الكلمات، وتواضعِ العبارات، فهي لا تقدرُ على وصفِ ما لكِ من أكفِّ فضلٍ عليّ في كُليتي، وأيدي كرمٍ في جامعتي، لِما تعهدتِ به من تعليمي وتربيتي، ونُصحي وتوعيتي، وإرشادي وتعبئتي، فأنتِ الأمُّ الحنون في أروقةِ جامعتي قبل أنْ تكوني أستاذتي.. أستاذتي الحبيبة، ما أجمل التزامكِ بالدين قبلَ أيِّ شيءٍ آخر، وما أحلى لُطفكِ في التعاملِ مع الطلاب والطالبات، كأنّهم جميعًا أبناءٌ لكِ وبنات، إذ أراكِ تهتمين لمصلحتِهم، وتسعين لخدمتِهم، وتُشاركينهم فرحتهم، وتُخففين من حزنهم ومشاكلهم، وتُهوِّنين عليهم كلَّ عسيرٍ وصعب، وتوجهين طريقهم نحو الرب، وتُعطينهم المعلومة بإخلاص، وتتفانين في سبيل العلم، وتهبين وقتكِ لكلِّ من يحتاجُ إليه، ومن ابتسامتكِ تهدينه، وتتغاضين عن سوءِ تصرفات البعض بقلبكِ الكبير، وترغبين بنشرِ الخير، فكنتِ مثالًا للدعوةِ إلى الدين بغير لسان، ونموذجًا يُقتدى به في التعليم والتدريس وحسنِ البيان، ومُرشدًا يلتجأ إليه، وعونًا يعوّل عليه، فلكِ صيتٌ حسن يُذاع، وفي كلِّ ميدانٍ للعطاء ذراع وباع، كيفَ لا وأنتِ اتخذتِ نصرةَ الإمام المهدي المنتظر(عجل الله فرجه الشريف) غايةً لمُناكِ، ورجوتِه مسددًا لخُطاكِ، وسعيتِ لنشرِ نهجه بكلِّ قواكِ، واحببتِه بكلِّ شعوركِ وهواكِ، وجُلَّ رغبتكِ بلوغ رضاه، فرحتِ تجمعين القلوب نحوه، وتدُلّينَ الجميع عليه، وتتحدثين عنه، فكنتِ خيرَ قدوةٍ لي، وخيرَ مثال، وخيرَ أستاذة أرافقها في مسيرةِ حب الآل (عليهم أفضل الصلاة والسلام).. وها أنا ذا أقفُ أمامكِ بكلِّ حبي وتقصيري، وشكري وتقديري، أهبُكِ كلماتٍ من القلب إلى القلب، وأنا أعاهدكِ أنْ استمرَّ معكِ في مسير العلم والعمل، وكُلّي تفاؤلٌ وأمل، بين دراسةٍ أكاديميةٍ ووجهةٍ إلهية، لنُحققَ تفوّقاتٍ دراسية، ونبني أمةً ربانية، تسعى بكلِّ علومها لخدمةِ المجتمع، وأسأل الباري (جلَّ علاه وتعالى سناه) أنْ يوفقكِ لكلِّ خير، ويُبعدُ عنكِ كلَّ شر، ويزيدكِ تقدمًا في العلم والدين، ويديمك لي رفيقةً وفية، وأختًا طيبة، وأمًّا حنونًا، وأستاذةً تقيّةً، فتُعينينني على كلِّ خير في كُليتي ومُجتمعي، لحين ظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه) فنكون سويةً في ركابِه المباركة، نتنسمُ عبقاتِ أنفاسه، ونُفديهِ بكلِّ ما لدينا، فتتبارك أرواحنا برضاه، وتُسعد أنفسنا بلُقياه، ونستمرُ في خدمتِه حتى يبلغَ الأمر مُنتهاه... تلميذتكِ وابنتكِ

اخرى
منذ 4 سنوات
928

إليكِ صديقتي الجامعية

بقلم: غدير خم حميد العارضي رسالةُ حُبٍّ من القلب، أهديها مُعطرةً بشذى الأقحوان، وأنتِ رفيقة دربي إلى ربِّ الاكوان، إذ عاهدتني على المُضي نحو رضاه، مُتمسكتين بدينِ النبي الأمي (صلى الله عليه وآله) وهُداه، في أروقةِ جامعةٍ جمعتْ أصنافًا من الفكرِ والبشر، فتعاهدنا على نصرةِ الدين وتقويةِ عُرى الإيمان، وبلوغِ مرتبةٍ عُليا في الدين والدنيا على حدٍّ سواء. فما أجملكِ حين التقيتُ بكِ لأول مرةٍ فوجدتُ العباءةَ تُزيّنُ مُحيّاكِ، ورأيتُ الدين أعلى مُبتغاك، وشاهدتُ فيكِ مثالًا للحنان والرفقة التي تُبنى على الإحسان، وكُنتِ تزدانين فوقَ ذلك بسعيٍ دؤوب نحو التميّزِ والنجاح، وتُكافحين أيّما كفاحٍ لتنالي المراتب الأولى في دراستِك، وهمُّكِ نصرة إمامِ الزمان (عجل الله فرجه) مستقبلًا بعلمكِ، وأنتِ تتوخين إسعادَه بكلِّ خطوةٍ تقومين بها، وتبتعدين عن كلِّ مكانٍ وفعلٍ يؤذي فؤاده، فالابتسامةُ لا تفارق شفتيكِ والسماحةُ لا تُغادر مُحيّاكِ، والاستقامةُ وحسنُ الخلق من أهمِّ خصالكِ، فترافقنا، وتعاهدنا على الخيرِ والوفاء، والصدق والإخاء، والعونِ في كلِّ أمرٍ صعب، والنُصح في كلِّ موقفٍ نمرُّ بهِ في الجامعة، فكانت علاقتنا رائعة، نواجهُ كلَّ فكرٍ باطل، ونتحدى ما يُعرقِلُنا من مانعٍ وحائل، ونحنُ نكتبُ في أروقةِ العلم إنجازاتنا، وعلى أوراقِ القلبِ عمقَ محبتنا، وصارتِ المراحلُ الدراسية تُطوى بتفوقنا، والمشاكل الشخصية تُحلُّ باهتمامنا وتآزرنا، وصار يُشارُ بالبنانِ إلى افعالنا، وكيفَ أننا جعلنا من الإمام المهدي المنتظر(عجل الله فرجه) أملنا وقائدنا، فنشرنا فكرَه وزِدنا مُحبيه، وكيف جعلنا من الحجابِ والعفافِ رمزًا يقترنُ بنا، فالتزمنا بتعاليمِ الدين على أتمِ وجه، فكانت السعادةُ ترتسمُ على صفحاتِ أرواحنا، واستمرت بنا الأيامُ ونحنُ أقربُ إلى بعضِنا، وأكثرُ التزامًا بديننا المبارك، وأكثرُ اهتمامًا بمراحلِ دراستِنا، وكُلُّنا حرصٌ على أعمارنا التي تمضي بسرعة، والتي نذرناها لمهدي الآل (عليهم السلام). وها أنا ذا أقفُ أمامكِ رفيقتي الغالية، وصديقتي الحنون، وأقدمُ لكِ كلَّ الحبِ والتقدير، وكلَّ الوفاء والشكر على كلِّ المواقف التي كنتِ فيها إلى جانبي، وكلَّ المشاعر الجميلة التي أهديتِني إيّاها، وكلَّ النُصحِ الذي بفضلهِ صرتُ أقرب إلى إمام زماني (عجل الله فرجه)، وأسأل الله (تعالى) أنْ يقربَكِ إليه أكثر، ويُبعد عنكِ كلَّ سوءٍ وشر، ويجعلني قادرةً على الوفاء لكِ إلى ظهور المنتظر (عجل الله فرجه) فنكون سويةً في ركابِه، لتنتعش أرواحنا حين نقفُ في رحابِه، ونبلغ السعادة الكبرى حين نكون من أنصاره وأحبابه، فنتشرفُ بتوظيف ما تعلّمناه في جامعتنا في خدمته، ونكون له موالين بمعنى الكلمة وذلك ما ربّانا عليه ديننا وإسلامنا في نصرته.

اخرى
منذ 4 سنوات
1145

علمنا يا زين العابدين

بقلم: وفاء لدماء الشهداء واقبل شهر شعبان محمّلًا بالألطاف كحروف القرآن، أتى مباركًا يزف بشائر الخير للإنسان، ويأخذ بيد الراغبين إلى رياض السعادة والاطمئنان، فما أبهاه من شهر تنور بميلاد عدل القرآن، زين العباد إمامنا السجاد (عليه سلام الملك الديان). فهيا لنحيي ذكره ونعظم أمره، هيا لنرفع أكف السؤال لساحة عطائه الأمثل، ونسأله أن يعلمنا السبيل الأكمل، للسير في درب الحب الأول حب الله (عز وجل). فيا سيد الساجدين، وقدوة الصالحين، قصدناك بأرواحنا العطشى لعطائك آملين، وفي فيض هباتك راغبين؛ فعلمنا يا بن الأكرمين كيف نحلق بأرواحنا إلى عالم الأنس برب العالمين، حينما تهجع العيون وتهدأ الأصوات ويخلو بلقاء الله الذاكرون. علمنا كيف نخلع إهابنا الجسدي؛ لنعرج إلى العالم العلوي، ونتنسم عبير الحب الإلهي، فما أقوى الروح عندما تحلق في الملكوت، وما اشد صفاءها وهي تتحرر من قضبان الجسد فتعود حية بعد طول ضياع وموت! علمنا كيف نذرف الدمع على سجادة الصلاة في ساعة اللقاء، إذ الدموع ينبوع يغسل القلب من أدران الغفلة والشقاء، فما أجمل العين وهي تسح دمعا صادقا فتبدو كسماء زاخرة بسحب العطاء، تمطر على هون فتغسل الأرض التي أفناها الجفاف وأضرّ بها الجدب ؛ فتهتز وتربو حتى تبدو كواحة غناء بل جنة خضراء. علّمنا كيف نجلس في المحراب للدعاء والبكاء، وكيف نكتشف الطريق إلى العلياء، وكيف نجعل الدنيا محراب عبادة والمجرات محطات رحيل. علّمنا كيف نقاوم الصعاب ولا نسأم من الطريق الطويل، وكيف يكون الهدف ماثلًا أمامنا في كل أحوالنا ما دمنا على درب الصادقين نسير طلبا لمرضاة الجليل. علّمنا كيف نلتف حول صحيفتك التي تنبض بهديك، علمنا كيف نتشرب القيم من رسالة الحقوق التي أهديتها لشيعتك، علمنا كيف نقرأ ما بين سطور كلماتك لنبصر الطريق إلى إحياء أمرك ونصرتك في ذكرى مولدك. علمنا كيف نوظف الجرح فنصنع الفتح، وكيف نجعل من الأصفاد معاول تدك عروش الفساد والاستبداد، علمنا كيف نترجم الحب عطاء، ونبرهن بالمواقف لا بالكلمات صدق الانتماء. سيدي يا بن الطاهرين، أتيناك في ذكرى ميلادك نمد يد السؤال راجين، فأفض علينا حبا يجعلنا نشق طريقنا مطمئنين، ووعيا نستعد به لهزيمة النفس الأمارة والشيطان اللعين، وسعيا ندرك به غاياتنا في الدارين، وهمة نوظفها لنصرة إمامنا المغيب الحزين، الذي لا يزال يؤلمه جرح الطف وسيخرج لا محالة مناديا: يا لثارات الحسين، فيعز المؤمنين ويذل المستكبرين، وينتصر للحق ولو بعد حين.

اخرى
منذ 4 سنوات
788

شهادة في يوم الولادة

بقلم: وفاء لدماء الشهداء في غمرة السرور اختبأت لأذرف دمعة حارقة في ذكرى مواليد الطاهرين، فلربما يكون البكاء مستهجنا عند أفراد أسرتي وإن كان عندي أمرًا طبيعيًا في ظل غياب إمام الزمان (عليه السلام) ولوعة فراقه التي لا تزال تقطع بشفرتها الحادة قلوب الموالين، رأتني ابنتي الكبرى لتسألني في شفقة: أوَ تبكين؟! إنه يوم ميلاد ريحانة إمامك الحسين (عليه السلام) سيد الساجدين! واردفت بحنو: ترى ما الذي جرى؟ اجبتها بحرقة قلب الأم: إنّهُ خبر الشهادة لأحد الأبطال المجاهدين. تنهدت قائلة: اعتدنا أن نسمع ذلك يا أمي، ولطالما قلت لنا: إن علينا حتى يشاء الله تعالى بالظهور لإمام زماننا تقديم القرابين! اجبتها: يا قلب أمك، هذه المرة الأمر يختلف! قالت: وكيف؟ فقلت بأسف: اعتدنا أن نترحّم على شهداء فتوى الجهاد الكفائي، واليوم تناهى إلى سمعي خبر شهادة أول شهيد لفتوى التكافل والعطاء التي أطلقها المرجع الأعلى وهب لتلبية النداء فيها من أشترى الآخرة بالدنيا. ارتسمت علامات الحزن على وجهها فقالت: ومن يكون؟ وكيف استشهد؟ ومتى وأين؟ قلت ودمعتي تسبقني: أما شهادته فكانت في يوم ميلاد سيدي قمر بني هاشم أبي الفضل العباس (سلام الله عليه) وإلى جنب النهر مضرّجًا بالدماء بعد أن حمل الزاد للناس بكلتا يديه. اغرورقت عيناها بالدموع وأومأت لي أن أكملي... فقلت: نعم حبيبتي شهيد فتوى العطاء استشهد على النهر في يوم ميلاد السقاء، وجاء خبر شهادته في يوم ميلاد إمامنا علي بن الحسين (عليه السلام) واسمه زين العابدين! وهل اسم الشهيد زين العابدين؟ قالت بلهفة. فقلت نعم يا ابنتي.... زين العابدين. ومن هو يا أمي؟ تساءلت لتعرفه. اجبتها: ترى من يكون؟ ومن تتوقعين؟ ومن الذين يسارعون في كل ميادين الخير ويتسابقون؟! إنه ابن أحد أبناء المرجعية الدينية المباركة التي ما فتأت تتحسس آلام الفقراء والمساكين، وتتلمس احتياجات المحرومين، وتسعى لمد يد العون والمساعدة في كل منعطف خطير يمكن أن يودي بحياة الكثيرين. فبعد انتشار الوباء وقرار حظر التجوال، انطلقت فتوى التكافل والعطاء فهب لتلبية النداء وكالمعتاد خيرة الرجال، وتحرك اتباع أمير المؤمنين (عليه السلام) الصادقون كلٌ في منطقته؛ ليسد حاجة كل محتاج من أهل مدينته وقريته، وكان أبو الشهيد زين العابدين وهو أحد معتمدي المرجعية الدينية من أولئك الذين هبوا للمساعدة والعطاء، برفقة ولده الشهيد الذي لم تفته المشاركة في تلبية النداء، وهذا هو المتوقع منه خاصة أن عرفت أنه من أبطال الرجال في الحشد الشعبي الذي اذهل العالم بالبطولة والشهامة والفداء. قاطعتني قائلة: وهل كان الشهيد زين العابدين من أبطال الحشد الشعبي؟ أجبتها: نعم يا ابنتي، فمنذ انطلاق الفتوى المباركة لمرجعنا الأعلى السيد السيستاني حفظه الله كان الشهيد أحد المجاهدين الأبطال الذين لم يتركوا الميدان، وقد أصيب أكثر من مرة وانفجرت بقربه العبوات الناسفة مما أدى ذلك إلى تأثره في أذنه وفقده لجزء من سمعه، وقد شارك في كل المعارك في ديالى وعلاس ومطيبيجه وغيرها. قالت بفخر: يا له من تاريخ مشرف، كم كان عمره يا أمي؟ اجبتها: لا يزال في عمر الزهور، ولا يتعدى السادسة والعشرين، متزوج وله طفل ذكر وبنتان. قالت بألم: هنيئاً لوالديه هذا الوسام وليربط على قلب أمه الله تعالى ويعوضها ببقية أولادها خيرًا. قلت لها بحرقة قلب الأم: كان الولد الوحيد بعد تسعة بنات، فليساعد الله تعالى قلب والديه ويصبر الزوجة والأخوات. قالت بلهفة: ترى كيف نال وسام الشهادة المقدسة؟ قلت لها: كان يومه حافلًا بالعطاء، ينتقل كغيمة خير يظلل بالسعادة بيوت الفقراء، يوصل المساعدات لأهلها ومستحقيها بكل تفان وإخلاص وولاء، ولما انتهت مهمته، عاد برفقة والده إلى بيته، دخل الأب الصالح إلى البيت فيما ذهب الشهيد إلى خلف المنزل ليقوم بتشغيل مضخة الماء، وهناك أكتشف الشهيد أن أحدهم عبث بالأسلاك وقطعها بحقد ومكر، فاتصل بوالده ليخبره الخبر، وبينما هو كذلك انفجرت عبوة ناسفة لتلقيه شهيدًا بجنب النهر، وكان ذلك في يوم الرابع من شهر شعبان المعظم ذكرى ميلاد قرة عين الإمام الحسين (عليه السلام) لتزف الحوزة العلمية أول شهداء فتوى العطاء ولتسجل اسم زين العابدين في سفر الشهداء الذين كانوا المصداق الأوضح لنداء: يا ليتنا كنا معكم في كربلاء، وقد قال الشهيد: لبيك يا حسين بالمواقف والأفعال ليبرهن على صدق الولاء والانتماء، فتقبله إمامه الغريب لينضم إلى قافلة السعداء. فهنيئا لك يا زين العابدين، وربط الله تعالى على قلب والديك وأنالهم شفاعتك يوم الدين، ورزقنا ما رزقك تحت ظل إمام الزمان (عجل الله فرجه الشريف) بحق محمد وآله الطيبين الطاهرين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).

اخرى
منذ 4 سنوات
930