Profile Image

وفاء لدماء الشهداء

متى تخضر أغصاني؟

بقلم: وفاء لدماء الشهداء ما إنْ رأيتُها حتى رقَّ قلبي لحالها، أراها كشجرةٍ ميتة، قد غزاها الجفاف ولم تعد كما كانت مخضرة زاهية، تنتصب وسط حديقة منزلي مجردة خاوية، كأنها امرأة طاعنة في السن تأبى أنْ تعترف بأحوال السنين وتقلباتها، وما تفرضه من تبعات على أهلها. لا أنسى أنني ذات يوم شتائي بارد رققت لحالها، وأردت أن ألقي عليها ردائي لتدفئتها، ولربما حدثت نفسي في بعض الأحيان بضرورة قلعها والاتيان بغصن أخضر لأغرسه مكانها. لكني اليوم صباحا تفاجأتُ بتغير أوضاعها، لقد اخضرّت من جديد بعض أغصانها، وبدت الحياة الكامنة فيها تظهر على أطرافها، جلستُ عندها وتأملتُ فيها، فخجلتُ منها، وقلت لها بصيغة الاعتذار والأسف: أنا هي الميتة، لأنّي لم أرَ ما كنتِ تختزنينه في داخلك من ألوان الحياة، لقد حلَّ الربيع، وآن لك أن تعودي لتكتظ اغصانك بالأوراق الخضر وتزدان بألوان الورد البديع، المسألة بالنسبة لك كانت مسألة وقت ليس إلا. وبعد حديثي مع شجرتي انتقلت للحديث مع نفسي، قلتُ لها بحسرةٍ وألم: ترى متى يحين أيتها النفس ربيعك؟ متى تخضرّ أغصانك؟ متى تتألق أزهارك؟ متى تدبُّ الحياة في زواياك الميتة؟ أما تخجلين؟ أما آن لكِ أنْ تعودي إلى رحاب رب العالمين؟ أما حان الوقت لكي تتنسمي عبير التوبة والاستغفار، وتستضيئي بأنوار العترة الأطهار (عليهم سلام الرب الغفار)؟ إلى متى تتخبطين؟ وحتى مَ تكابرين؟ أما آن لك أن ترجعي؟ وتقري بذنبكِ وتستغفري؟ وتتذللي لله (تعالى) وبين يديه وتنكسري؟ اخجلي وتحركي، وكفاك رضىً عن حالك. هيا انفضي غبار الغفلة والقعود، وتلمسي الطريق إلى رضوان الرب الودود... اذرفي دموع الندم، واجلسي في محاريب الحسرة والعبرة والألم.. فما بينكِ وبين اخضرار زواياك إلا دمعة صدق، واعتراف حقيقي والتماس عتق من رق، وتوجه إلى رياض الحق. نعم، فليس الطريق وعرًا ولا الأمر صعبًا، يكفي أن تذوبي خجلًا، وتبكي ندمًا وأسفًا، وتقولي: يا رب ها قد أتيت بعد طول صدود، فهل تقبل العصاة يا رب الوجود؟ هذا هو ظني بكِ وهذا ما أثبته كتابك.. فأنت من يمسح على أفئدة العائدين اليه، أنت من يطيب خواطر التائبين ببرد عفوه ومغفرته، أنت من يمحو ما كتبوه في سجلات حياتهم من معصيتك.. أنت من يفتح أمامهم آفاق الخير ويدلهم على ينابيع النور... أيها الرحيم الغفور، انظر لفؤادي الجريح وقلبي المكسور، وارمقني بنظرة رضا تغير حالي ومآلي، يا قابل التوب وغافر الذنب عبدك الآبق ببابك، فاقبله يا قابل السحرة ورده إلى رحابك، وأره إجابة دعائه نورًا في حياته، وإشراقا في ثنايا روحه، واخضرارًا في أغصان مسيرته.

اخرى
منذ 4 سنوات
843

عمائم شرف ح ٢

بقلم: غدير خم حميد الشهيد السعيد الشيخ علي نافع العبودي على مر الزمان كان العدو متربصًا بالعراق بلد الخيرات والمقدسات، تكالبت الأعداء وتوالت الحملات لإذلال شعبه الأبي الشريف ذي البطولات، وكانت داعش خطة جديدة للنيل من هذا البلد وأهله، شرذمة خبيثة جاءت بالقتل وسوء الأفعال والأقوال، حاملة أفكارًا شيطانية لتشويه اسم الإسلام وقتل الشعب العراقي، فانبرت المرجعية الرشيدة وكما عودتنا لحماية الأرض والعرض والدين والإسلام والمسلمين فنادت بالجهاد الكفائي، فتوى مقدسة أنقذت العراق ومقدساته من الكثير من المآسي والآلام، وبمجرد انطلاقها تسارع أصحاب الغيرة وأهل الحق لتلبية النداء، وكان من بينهم علماء أجلاء وطلبة علم كرام فضلاء من الحوزة العلمية الشريفة التي اعتدنا منها العطاء، سارعوا إلى ساحات الجهاد بعد أن كانوا دائمًا مسارعين إلى نيل العلم والمعارف الدينية، وما أكثر من رحل منهم وهاجر إلى العلياء بعد أن عطّر أرجاء الوطن بعبق دمائه، وتعفّرت بتراب الأرض جبهته، فلا يمكن والحالة هذه أن ننسى فضلهم أو لا نذكر تضحيتهم؛ ومن هنا جاءت التسمية "عمائم شرف" سعيًا متواضعًا منّا لتخليد ذكراهم الطيب وجهادهم المبارك.. ومن هذه العمائم المباركة التي ما نزال مدينين لها الشهيد السعيد الشيخ علي نافع العبودي ـ أبو وارث، الذي ولد في مدينة البصرة، منطقة المطيحة، بتاريخ ١٩٦٤م، شهيد أبيٌّ ترعرع على مبادئ الإسلام، واتبع أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)، كان مثابرًا على طلب العلم منذ صغره رغم صعوبة ظروفه المعيشية، فمنذ دراسته الإعدادية انتقل إلى مدرسة مسائية، في سبيل الحصول على لقمة الحلال نهارًا والسعي في طلب العلم ليلًا، كان للشهيد اهتمام بتغذية المجتمع بمفاهيم الدين وأخلاقياته، إذ سعى لخلق ثلة صالحة حوله، كان من بينهم شهداء نالوا شرف الشهادة على أيدي أزلام البعث الظالم، وكان أخوه أحدهم؛ لما له من دور مهم في الانتفاضة الشعبانية المباركة، ورغم استشهاد أخيه فإنه لم يتوقف في مساعيه للثورة بوجه الظلم والطغيان، إذ أظهر بسالة وشجاعة منقطعة النظير في انتفاضة الإباء التي قام بها أهالي قرية مهيجران، لكن جبروت الظلم والطغيان تمكن من إطفاء شعلة الانتفاضة فاضطر للهجرة عن البلد مرغمًا، لكنه عاد بعد عام شوقًا إلى وطنه، فعانى الكثير بسبب ملاحقات رجال البعث له حتى توفي والده العزيز أثر مداهمتهم اللعينة للمنزل بحثًا عنه. إلا أن (أبا وارث) صاحب العزيمة والإصرار والهدف النبيل استمر في دراسة العلوم الدينية في الحوزة العلمية رافضًا الاستسلام لظلام البعث وظلمه، لذا فإن صاحب هذه السيرة العطرة والروح الساهرة في سبيل دين الله أبى إلّا أن ينضمّ إلى قطاعات الحشد الشعبي المقدس بعد انطلاق الفتوى المباركة، وقد سارع مع ثلاثة من أبنائه للدفاع عن المقدسات وحماية العتبات المطهرة، وكان مثالًا في التضحية والفداء رغم ألم المرض وما لديه من المشاكل الصحية، غير أن روحه الأبية لم تسمح له بالتقاعس حتى فاضت روحه الطاهرة بعد أن كتب سيرة حياته بانتصارات باهرة، فقضى نحبه ومضى شهيدًا اثر انفجار عبوة ناسفة غادرة في طريقه في منطقة الدور، فعرج في العارجين، وانضمت روحه إلى أرواح الخالدين بتاريخ ٢١ـ٣ـ٢٠١٥م فالسلام عليك يا ابا وارث ورحمة الله تعالى وبركاته.

اخرى
منذ 4 سنوات
636

عمائم شرف/ ح٣ الشهيد السعيد الشيخ عبد الغفار المنصوري

بقلم: غدير خم حميد عش هكذا في علو ايها العلمُ مادام حشدك باقٍ ليس ينهزمُ وقل لشعبك فلينهض بوقفته حتى يحيّي شهيدا زان دربهمُ فتوى الجهاد أطاحت صرح شيطنة قد جاء يؤذينا بل جاء ينتقمُ وكم انبرت من حوزة العلم الشريف قامات وعي تلبي وهي تزدحمُ عمائم الشرف اللائي بفضلهم عشنا كراماً وبتنا اليوم نحترمُ من عمائم الشرف المباركة: الشهيد السعيد الشيخ عبد الغفار نوري جناح المنصوري، ولد في قضاء المدينة ناحية الإمام الصادق (عليه السلام) في البصرة سنة ١٩٦٧ م، كان محبًا للعلم والدين، وساعيًا على الدوام في خدمة الإسلام والمسلمين، سطر سيرة حياته بمداد الجهاد، وحب أهل البيت (عليهم السلام) وعشق البلاد، حالت ظروفه المعيشية من إكمال تعليمه الأكاديمي، فسلك السلك العسكري -معهد التدريب العسكري- إلى زمن الانتفاضة الشعبانية، فقد كان مقاومًا للنظام البائد وتعرض للمطاردة والمساءلة مما اضطره إلى ترك وظيفته، ولكنه رغم ذلك لم يتخلَّ عن إقامة مجالس العزاء الحسيني، فقد كان متفانيًا في حب أهل البيت وساعيًا دأبه في إحياء أمرهم والسير بسيرتهم، كما كان إمام مسجد في قضائه في البصرة، وبعد سقوط النظام المقبور التحق بحوزة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) في البصرة، فدرس فيها المقدمات وشيئاً من السطوح، ثم انتقل للنجف الأشرف عام ٢٠٠٨ لاستكمال دراساته الحوزوية، إلى أن وصل إلى مرحلة البحث الخارج ولم يدخله، معللًا ذلك لكل من يسأله بقوله: "إني أريد أن أستشهد، ولا أريد أن أصير مجتهدًا". وهكذا دائمًا جعل لمسير حياته هدفًا وهي الشهادة، وسعى لينال توفيقها بكل جوارحه، فقد كان عابدًا زاهدًا كثير الصيام تطوعًا، خدومًا للناس في حوائجهم يسعى لخدمتهم بكل إمكاناته وكان يعمل نجارًا وكهربائيًا وبنّاءً تطوعًا لخدمة أبناء محلته ومعارفه، وما أن انطلقت الفتوى المباركة حتى سعى إلى ساحات الجهاد وميادين الشهادة مستبشرًا بها، فكان ينزل للقتال بعمامته لتحفيز المقاتلين. مرة قال لأحد المشايخ "تعال كن خلفي" وحين سأله لماذا؟ أجابه: أنت عندك أم، وهي مريضة، وبحاجة لك، وأنا أمي متوفية، وأنا ظهر البياض بلحيتي.. كم من الممكن أن أعيش! أريد أن أختمها بالشهادة. والشواهد عديدة على تفانيه في سبيل الله (عز وجل) وحفظ أرض الوطن والمقدسات، وقد شارك في العديد من المعارك آخرها معركة تحرير منطقة السحاجي أيمن الموصل، فقد خاض وبقية أبناء الحشد الأبطال معركة ضروسًا، وحرروا نصف المنطقة تقريبًا، وجاءهم أمر بالتوقف... وبينا هم في فرح النصر، أرادوا الاستراحة قرب أحد البيوت، لكن تفاجأوا بخروج سيارة مفخخة من البيت انفجرت مما أدى إلى استشهاد الشيخ عبد الغفار المنصوري، وكذلك الشيخ رضا المياحي والشيخ طعمة، وكان ذلك بتاريخ ٢٠ـ٢ـ٢٠١٧م يوم الاثنين الساعة العاشرة صباحًا، وكان خبر استشهاده مؤلما للقريب والغريب، إذ خرج أهل محلته جميعًا في تشييعه رجالًا ونساءً وأطفالًا وهم يندبون "راح أبو الغيرة"، ذلك لما خلفه من طيب ذكرى في قلوبهم. وها هو اليوم ولده الأكبر عبد الكريم يكمل درب أبيه في صفوف المجاهدين، قائلًا بكل إباء: "نحن فخورون جدًا به، ونحن سائرون على طريق الحق وطريق الإمام الحسين (عليه السلام) وباقون على نهج الوالد، ولم تتزحزح عقيدتنا أبدًا، لأننا على طريق الإمام الحسين (عليه السلام) فقد كان (عليه السلام) كلما استشهد أحد من أهل بيته ازداد وجهه نورًا وإشراقًا، ونحن بشهادة الوالد نزداد عزمًا وإصرارًا على السير في هذا الدرب". فالسلام عليك يا أيها الشهيد عبد الغفار ورضوان الله على بدنك الطاهر وروحك الطيبة ورحمة الله وبركاته.

اخرى
منذ 4 سنوات
799

عمائم شرف/ح٤ الشهيد السعيد الشيخ رضا المياحي

بقلم: غدير خم حميد العارضي ذا موطني والنائبات كثيرة لكنه باقٍ وكلٌ زائلُ سيظل مقدامًا فشعبه طاهر ولنصره في كل أمر ماثلُ جاء العدو مدمرًا في أرضه يبغي الفساد وشره متطاولُ فأتته فتوىً للجهاد عظيمة فتراجعوا جمعًا وكلٌ ذاهلُ ومن العمائم قد تسابق جمعهم نحو الجهاد وخطهم متواصلُ وتضمخت بدمائهم ارضي فهل لعمائم الشرف الابية في الانام مماثلُ من عمائم الشرف المباركة التي سقطت مضرجة بدمائها الشهيد السعيد الشيخ رضا عبد الرزاق رضا المياحي، ولد الشهيد في مدينة البصرة سنة ١٩٨٤م، في أسرة مؤمنة محافظة متدينة، حسينية الهوى، معارضة للنظام البائد، إذ سُجن والده بتهمة التحريض ضد النظام. ترعرع الشهيد في كنف هذه الأسرة فنشأ محبًا لبيوت الله تعالى ملازمًا لها، اذ كان يرتاد العديد من المساجد ويقيم فيها الأذان. عانى في طفولته من عجز تام في كليتيه حتى قال الأطباء بأن الموت قريب منه، لكنه تعافى بفضل الله (عز وجل) والسيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام). وبعد إكماله مرحلة الثالث المتوسط التحق بصفوف الحوزة العلمية المباركة في النجف الاشرف بتشجيع ودعم من والده، وذلك في عام ٢٠٠٠م رغم صعوبة الأمر والظروف العامة. كان صاحب صوت شجي، وكان والده يشجعه منذ طفولته لارتياد المجالس الحسينية، وبعد دخوله الحوزة العلمية سعى جاهدًا الى أن يكون خطيبًا حسينيًا، فتلقى دروسًا في الخطابة، حتى أصبح بارعًا فيها، فبات يُحيي المجالس الحسينية في العديد من محافظات العراق، كما كان يهتم بزيارة الأربعين وكان بكّاءً على الحسين (عليه السلام)، وفي فترة من الفترات كان معتمدًا للمرجعية في منطقته، ولكن وبمجرّد صدور الفتوى المباركة التحق بلجنة الإرشاد والتعبئة في العتبة العلوية المقدسة، ولم يكن مرشدًا ومبلغًا فحسب، بل كان مقاتلًا ومدافعًا في صفوف المجاهدين، معاضدًا لهم في كل الميادين، حتى سمي بالمضحِّي لفرط سعيه في عون المقاتلين، والتقدم في القتال رغم قلة خبرته العسكرية، لكن روحه الأبية لم تدعه يبتعد عن صفوفهم وهو القائل: "عند رجوعي من الجهاد أشعر بالغربة". شارك في العديد من المعارك ومنها ما خلفت وسامًا وأثرًا عليه، إذ أُصيب في الموصل أثر انفجار سيارة مفخخة بكتفه الأيمن، فتكسرت عظام كتفه، وبقي طريحًا في الفراش لمدة، لكنه وما أن أحس أن بمقدوره السير من جديد حتى التحق بإخوانه في جبهات القتال، وطوال حياته وأيامه كان عاشقًا للشهادة متمنيًا لها، وقد قال في آخر أيام عمره المبارك: "حبي ولهفي للشهادة ليس لها فقط، وإنما لأجل ما فيها من لقاء الحبيب سيدي ومولاي الحسين (عليه السلام)". وينقل أحد أصدقائه المقربين من المشايخ: أنه قبل ليلة من المعركة التي استشهد فيها، كنا جالسين سويًا، فقال الشهيد (رضا): سأدعو وأمّنوا على دعائي، ثم قال "اللهم اسألك الشهادة" وفي صباح اليوم التالي بدأت المعركة عند التاسعة والنصف صباحًا في منطقة السحاجي في أيمن الموصل، وكان في المقدمة مع جمع من المقاتلين يمشطون المنطقة فتفاجأوا بسيارة مفخخة انفجرت فيهم، راح ضحيتها عدد من الشهداء والجرحى وكان من بينهم الشهيد السعيد الشيخ رضا المياحي وذلك بتاريخ ٢٠ـ٢ـ٢٠١٧م يوم الاثنين الساعة العاشرة صباحًا، فالسلام عليك يا رضا يوم سقطت شهيدًا في سبيل الدين والوطن، ويوم حللت بجوار معشوقك الحسين (عليه السلام) في الجنان، ورحمة الله وبركاته.

اخرى
منذ 4 سنوات
767

عمائم شرف - ح٨ الشهيد السعيد الشيخ عبد الودود المالكي

بقلم: غدير خم حميد بلاد الرسالات والانبياء ... اطلت به للملا كربلاء ... وفاضت بدمع الهدى كل عين تعالى لها الصرح صرح الاباء... فقامت تواجه كل بلاء ... ونصر لتربك دام مبين بفتوى تزلزل عرش السماء... وحشد يلبي بكل فداء... فصاغوه نصرًا إلى العالمين ومن حوزة العلم جاء اللواء... يحامي ويفدي بكل ولاء... عمائم شرف تنادي حسين من عمائم شرف العراق التي ضحت بنفسها في سبيل حمايته وحماية أرضه المقدسة الشهيد السعيد الشيخ عبد الودود حمود سعيد المالكي، من مواليد ١٩٧٤م قضاء القرنة محافظة البصرة. شهيد عرف بحسن سيرته وخلقه، كان محبوبًا حسن العشرة، خطيبًا حسينيًا يمارس دوره في إحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام) داخل وخارج مدينة البصرة. درس الشهيد الابتدائية والمتوسطة، ثم أكمل دراسته في إعدادية صناعة البصرة ثم المعهد المهني، فحصل بعدها على تعيين في التدريس المهني في مدرسة ملتقى النهرين. لم يكن تعليمه الأكاديمي ليلبي ما لديه من همة وطموح ونفسٍ محبة للعلم وطلبه؛ لذا توجه إلى النجف الأشرف لدراسة العلوم الدينية، فبقي فيها قرابة ثلاثة أشهر، ورغم عودته إلى البصرة بعدها لكنه لم يترك دراسة علوم آل البيت (عليهم السلام) فالتحق بمدرسة الإمام الجواد (عليه السلام) للعلوم الدينية في قضاء القرنة، ليكمل دراسته الحوزوية على يد اساتذة أفاضل، وبحلول عام ٢٠١٠م يمم وجهه نحو النجف مجددًا لإكمال مسيرته العلمية الدينية، فقضى فيها مرحلة متقدمة ليتوجه بعدها لدراسة علوم القرآن، التي لم يتح له إكمالها بسبب صدور الفتوى المباركة بالجهاد الكفائي المقدس. الشيخ الشهيد ولد في عائلة إيمان وجهاد، إذ تعرضت أسرته للكثير من المضايقات في زمن المقبور الظالم صدام، وبقيت كذلك حتى سقوط الطاغية، وقد وصلت معاناتهم إلى درجة اعتقال أخيه، وإنسان كهذا تربى على الجهاد وحب الحق والشهادة لم يتمكن من عدم الالتحاق بصفوف المجاهدين المدافعين عن الوطن والمقدسات، فشارك في تحرير بلد وآمرلي والبشير وجبال مكحول وسيد غريب والصينية وتلعفر وعمليات الموصل وغيرها من ساحات الجهاد، وكانت الشرقاط آخر محطات انتصاراته وبطولته، إذ استشهد فيها بتاريخ ٩-٢-٢٠١٧م. فالسلام عليك يوم حملت علوم الدين بقلبك وروحك، ويوم حملت السلاح بيدك مدافعًا عن الأرض والعرض، وهنيئاً لك بما جاهدت وصبرت واحتسبت في سبيل الله (عز وجل)، والسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته.

اخرى
منذ 4 سنوات
834

عمائم شرف-ح ٩ الشهيد السعيد الشيخ محمد حسين الراشد

بقلم: غدير خم حميد لكل ثرى عطره في الثرى *** وعطر العراق بدمٍ سرى فذي داعش دنست أرضنا *** فسالت دماء لكي يطهرا بفتوى اطاحت عروش الضلال *** وحشد يدافع ما قصرا ومن حوزة العلم قامت مئات *** لنصر البلاد إذ حوصرا عمائم شرف توازي الجبال *** بمجدٍ وخلق لن يحصرا من عمائم الشرف المباركة التي حمت ارض العراق وفدت المقدسات بدمائها الشهيد السعيد الشيخ محمد حسين عبد الله الراشد، ولد الشيخ الشهيد عام ١٩٨٧م، في قضاء شط العرب محافظة البصرة، انتقلت عائلته للسكن في مدينة النجف الأشرف بعد ولادته بعدة أشهر. عرف الشهيد بأخلاقه العالية، فهو طيب القلب محب للخير، هادئ قليل الكلام كثير الأفعال. دخل الحوزة العلمية المباركة منذ بداية بلوغه، وكان متميزًا في دراسته لعلوم آل البيت (عليهم السلام) والدين الحنيف، مجتازًا كل الاختبارات بجدارة، كما أنه منح شهادة تقديرية من إحدى حوزات النجف الأشرف لما وصل إليه من تفوق. درس المقدمات والسطوح، وكان أمله وغاية مبتغاه بلوغ مرحلة البحث الخارج، لكن صدور الفتوى المقدسة حال دون ذلك، فقد التحق بـ"لجنة الارشاد والتعبئة" التابعة للعتبة العلوية المقدسة، للدفاع عن عراق المقدسات، فكان أول التحاقه في منطقة البشير، وقد أظهر استبسالًا يليق برجل لا يخاف الموت ويعشق الشهادة، كان قلّما يرى أسرته وذويه، متعلقًا بجبهات القتال مفتشًا بين سواترها عن الشهادة، وكثيرًا ما كان يغبط طلبة الحوزة ممن التحقوا بقافلة الشهداء الأبرار السعداء، ويردد دائمًا: "اللهم ارزقنا اللحاق بهم عن طريق الشهادة". شارك في العديد من المعارك كانت آخرها في منطقة بادوش في قاطع عمليات الموصل، إذ أبلى بلاءً حسنًا متعاونًا مع بقية رفاقه المجاهدين الأبطال حتى تم تطهير المنطقة بالكامل، فقرر العودة الى أهله، لكنه في الطريق وتحديدًا في منطقة العوجة في محافظة صلاح الدين تعرض لحادث أودى بحياته، فنال شرف الشهادة بتاريخ ١-٣-٢٠١٧م. فالسلام عليك يوم سعيت لنيل علوم الدين، ويوم جاهدت في سبيل المقدسات والمسلمين، ويوم استشهدت بصدق العقيدة واليقين، فرسول الرحمة ونبي الامة صلى الله عليه وآله يقول: "من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه"، فكيف بك وأنت الذي سعيت الى ساحات الجهاد، وطلبت الشهادة في كل ميعاد، وجاءك الموت وأنت ما تزال بثياب الحشد المقدس وآثار المعارك والبطولات ما تزال مرتسمة عليها، فالسلام عليك يوم استشهدت، ويوم تبعث في قافلة الشهداء ضمن ثلة وكوكبة مباركة عظيمة من طلبة الحوزة الذين نالوا شرف الجهاد في سبيل الله والشهادة دون دينه ومقدساته، والسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته.

اخرى
منذ 4 سنوات
1059

عمائم شرف ١٠ الشهيد السعيد الشيخ إبراهيم العامري

بقلم: غدير خم حميد العارضي دماء تلون وجه العراق***وتجلو عن الحق بعض المحن عدو يدمر أرض الهدى***فتسعى شعوبٌ لرد الفتن هو الحشد لبى لفتوى الجهاد***فعاد بنصر ينير الزمن ومن حوزة العلم هبت بصدق***عمائم شرف... فعاد الوطن ومن عمائم الشرف المباركة التي ضمّخت ثرى العراق بدمائها الشهيد السعيد الشيخ إبراهيم مالك حمود العامري، من مواليد قضاء أبي الخصيب مدينة البصرة عام ١٩٩٠م، أكمل دراسته الأكاديمية وعيّن في شركة نفط الجنوب، لكن همته ورغبته الدائمة بالتعلّم وحرص والديه وتشجيعهما دفعاه للدخول إلى الحوزة العلمية الشريفة وذلك عام ٢٠١٢م، فكان متفوقًا حاصلًا على تأييد أساتذته وحبهم. عُرف الشهيد بحسن خلقه، إذ إن الجميع يعرف مدى كرمه وسخائه، والكل يذكر كيف أنه كان يسعى على الدوام في قضاء حوائج المحتاجين، ومعونة الفقراء المساكين والاهتمام بشكل خاص بعوائل الحشد الشعبي المقدس من المجاهدين والشهداء وأيتامهم، فقد كان أحد المؤسسين لأحد الجمعيات الخيرية التي تعنى بعوائل الشهداء، بل وكان يخصص جزءاً كبيراً من مرتبه لمعونتهم. كان الشهيد السعيد عاشقًا للإمام الحسين (عليه السلام) مواظبًا على زيارته خصوصًا في الأربعين، إذ يذهب إلى كربلاء مشيًا على الأقدام كل عام، ولم تنقطع علاقته بالإمام الحسين (عليه السلام) حتى بعد التحاقه بصفوف المجاهدين الأبطال إذ كان على الدوام يحيي مجالس سيد الشهداء على سواتر العزة والكرامة والإباء. وبمجرد انطلاق الفتوى المباركة التحق الشهيد السعيد الشيخ إبراهيم بصفوف أبناء الحشد الشعبي للذود عن المقدسات والعرض والأرض وبلد الدين والكرامات، فشارك ببسالة في العديد من المعارك ومنها: بلد، يثرب، بيجي وغيرها، إذ جاهد بشجاعة منقطعة النظير، فعُيّن اكرامًا لذلك آمر سرية لما تمتع به من بسالة وإقدام وقيادة حسنة. ومما يروى عنه أنه نقل لإخوانه المجاهدين في إحدى المعارك التي خاضها مع أعداء الوطن، وقال لهم ما مضمونه: إحساسه أنه في مكان مألوف لديه، وقص عليهم رؤيا رآها في طفولته، قال: عندما كنت طفلًا صغيرًا رأيت نفسي أُقاتل بين يدي أبي الفضل العباس (عليه السلام) ولم افهم معنى تلك الرؤيا حتى صدور الفتوى والمشاركة مع المجاهدين، وكأن الله ادخرني لهذا اليوم. استشهد الشيخ السعيد بين مجموعة من رفاقه في جبال مكحول، إذ تعرضوا لهجوم شديد من الدواعش المجرمين وكان يرد بكل قوته مستخدمًا القنابل اليدوية، وهو ينادي "لبيك يا حسين" فجاءته رصاصة غادرة اصابته اصابة شديدة نقل على أثرها إلى مدينة الطب في بغداد، وبقي فاقدًا وعيه هناك لمدة أربعة أيام، لتفيض روحه الطاهرة بعدها وتسلم نفسها إلى بارئها في أيام محرم الحرام وبوقت مقارب لذكرى دفن أجساد شهداء كربلاء، وذلك بتاريخ ٢٨-١٠-٢٠١٥م، فهنيئاً لك يا إبراهيم بما آمنت واحتسبت، وبما نلت من الشهادة في سبيل الله (عز وجل) وبما رحلت إلى جوار شهداء كربلاء العظماء في كنف الإمام الحسين (عليه السلام) ورعايته، والسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته.

اخرى
منذ 4 سنوات
729

عمائم شرف ١١ الشهيد السعيد الشيخ جعفر المظفر

بقلم: غدير خم حميد العارضي سلام عليك أبا الفرقدين***عراق علي عراق الحسين احيي ثراك ففيه قضى***مئات.. ألوف من المؤمنين بها الشهداء كم رفرفوا***ولكن بنصر لحق مبين هي الفتوى اطاحت عروش اللئام***وعاد العدى بها خاسرين وذا الحشد سار فنعم المسير***ونعم النصير لشعب حزين ومن حوزة العلم جاءت ألوف***لتلحق في مركب الصالحين عمائم شرف بها قد هوى***شياطين أُنس أتوا ظالمين ومن عمائم الشرف والغيرة والحمية التي دافعت عنّا وعن أرض الوطن والتي ما نزال مدينين لها بالكثير الشهيد السعيد الشيخ جعفر عبد الكاظم المظفر، ولد الشيخ الشهيد في محافظة البصرة عام ١٩٧٠م، من أسرة محبة للعلم والعلماء، مما دفعه لدخول ساحة الخير ساحة الحوزة العلمية الشريفة عام ١٩٩٨م، فدرس فيها المقدمات والسطوح وتمكن من بلوغ مرحلة البحث الخارج. كان الشهيد السعيد على الدوام محبًا للخير، مخلصًا في العمل، مهتمًا بحوائج الآخرين ساعيًا في قضائها، مثالًا لقول الإمام الصادق (عليه السلام): "كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم.. "، كما كان من الزاهدين في الدنيا سخيًا معطاء في كل الأحوال. كما كان أيضًا مواظبًا على صلاة الليل، متخذًا منها وسيلة لمناجاة ربه ومحبوبه، كما أنه نادرًا ما يُرى غير صائم، وكان كثير التلاوة للقرآن لا يفارقه أبدًا كأنيس له، أيضًا كان يزور الأربعين باستمرار لكنه كان يطيل في الطريق ويقضي العديد من الأيام وذلك لأنه كان يتوقف مرارًا من أجل خدمة الزائرين ومعونةً لأصحاب المواكب في عملهم. شارك الشهيد في الجهاد مباشرة بعد عودته من العمرة التي كان يؤديها، إذ صادف صدور الفتوى اثناء زيارته لبيت الله (عز وجل) فالتحق بصفوف المجاهدين الغيارى، وقاتل قتال الأبطال، وشارك في العديد من المعارك منها: معركة بيجي وقد أصيب فيها، وأيضًا معارك الصقلاوية والفلوجة والبشير، وكانت الموصل الحدباء آخر محطات الإخلاص والجهاد والارتقاء للشهيد. فقد نال شرف الشهادة مع رفيق دربه الدائم الشهيد السعيد السيد عبد الرضا الفياض، وذلك بتاريخ ٣١-١٠-٢٠١٦م، في منطقة الجياع غرب الموصل نتيجة رصاصات غادرة من العدو الظالم الغاشم، أودت بحياتهما لتفتح لهما أبواب السماء محتفية بهما كشهيدين بطلين وعالمين جليلين، وتشييع أهلِ الأرض لم يكن أقل هيبة من استقبال أهل السماء، إذ شيّع الشهيد السعيد تشييعًا مهيبًا في سامراء والكاظمية والنجف والبصرة. فالسلام عليك يا جعفر بما كرست من حياتك لحمل علوم جعفرٍ الصادق (عليه السلام)، وبما جاهدت في سبيل حفظ المقدسات والوطن، وبما نلت من الشهادة محتسبًا إذ اتاك اليقين، ورحمة الله تعالى وبركاته.

اخرى
منذ 4 سنوات
1677

عمائمُ شرفٍ (١٢) الشهيدُ السعيدُ الشيخُ أحمد المعموري

بقلم: بقلم: غدير خم حميد العارضي وطني ما اجتمعت عليك الأعصرُ***إلّا ذوَتْ ووريق عمرك أخضرُ قد كانتِ الأيام تحكي أنَّـــــــــها***شهدتْ بنصـــــرك دائمًا يتــأزرُ جاء العدوّ وفكرُه مُتطـــــــــرِّفٌ***فرددتَــــه بندامـــــةٍ يتحســــرُ فتوى الجهادِ وحشدُك اللائي لهم***أقوى بطــــــولاتِ الملاحمِ سطّروا وكم انبرى نحو الجهادِ بهمّـــــــةٍ***من حوزةِ العــــلم الأبيةِ فـانظروا هذي عمائمُنا الشريفةُ إنَّهــــــــــا***مجــدٌ بطولِ الدهـــر لا يتكــــررُ ومن عمائم الشرف المباركة التي سالتْ دماؤها فلوّنت أرض العراق مُسطرةً أروع الملاحمِ والبطولات الشهيدُ السعيدُ الشيخُ أحمد عودة جواد المعموري، وُلِدَ عام ١٩٧٨م، في العاصمة العراقية بغداد، وسكن مع عائلته في ناحية "جديدة الشط" في محافظة ديالى. نشأ الشهيد السعيد في عائلةٍ مواليةٍ لآل البيت (عليهم السلام) عُرِفَت برفضِها للظلمِ ومقارعتِها للظالمين، كان الشهيدُ الأصغرَ بين أخوته، وقد تولّت والدتُه مسؤوليةَ العائلة بعد وفاة والده، إذ تحملتْ هذه السيدةُ الكريمةُ العظيمةُ كثيرًا من ألم الفراقِ والفقدان جرّاء تهجير ثلاثة من أبنائها، وقتل -استشهاد- أخيها على أيدي مجرمي النظام البائد. تزوّج الشهيد من امرأةٍ مجاهدةٍ من مدينة البصرة فكانت محل سُكناه. للشهيد عدةُ شهاداتٍ أكاديميةٍ إذ كان مُحبًا للعلم والتعلّم على الدوام، ومنها: دبلوم صيدلة، بكالوريوس علوم إسلامية، دبلوم علوم عسكرية، كما أنَّه درس في الحوزة العلمية الشريفة في النجف الأشرف لمدة أربع سنوات. الشهيد المُكنّى بأبي فاطمة في الوسط الجهادي كان يُكنّى بأبي جهاد؛ تيمنًا بأخيه الشهيد "أبي جهاد عباس عودة المعموري"، فهو ابنُ عائلةٍ عُرِفت بكثرة المجاهدين والشهداء، فقد كان له اثنان من الإخوة وواحدٌ من أبناء عمومته قد استُشهِدوا على أيدي التكفيريين في أحداث عام ٢٠٠٥م في منطقة اللطيفية ببغداد. وسجلُ بطولات الجهاد والشهادة لم ينتهِ عند هذا الحد، فقد كان دائمًا ما يُهيئ نفسه للجهاد منتظرًا أمرًا بذلك مُشاركًا في الكثير من الأحداث بداية سقوط النظام البائد، وذلك بحماية بعض المحافظات كديالى وغيرها من المجاميع الإرهابية في ذلك الوقت؛ لذا وبمجرد صدور الفتوى المباركة التحق بقطعات الحشد الشعبي وصفوف المجاهدين، وكان يُردِّدُ على الدوام: "هذا اليوم الذي كنا ننتظره"، كما أنَّه هو ورفاقه لم يقبلوا أنْ يتقاضوا أيَّ مُرتبٍ مهما كانت قيمته، مُصرِّحين بأنَّ الجهاد واجبٌ شرعيّ عليهم، وأنّهم لا ينتظرون ثناءً أو مديحًا من أحد، كان الشهيد دائمًا يردد: "كفانا تفاخرًا بإخواننا الذين سبقونا، فاليوم سوف نصنع مجدَنا بأيدينا"، كما أنَّه كان قد تخلّص من كل تعلُّقات الدنيا ومباهجها حتى الأسرة والأبناء! إذ يُصرِّح قائلًا: "لا يُمكنني أنْ أتعلقَ بهم، لأنني ذاهبٌ عنهم لا محالة". كذلك فإنَّ الشهيدَ ــ وبحكم حصوله على شهادة دبلوم عسكرية ــ كان خبيرًا وبارعًا في الكثير من المُعدّات الحربية ومنها: المُضادات الجوية، ومُضادات الدروع، ومدفع ١٠٦ للدبابات، والأس بي جي ٩، والصواريخ الحرارية، فقد أتقنَ استعمالها، وأبدعَ في تدريب المجاهدين الأبطال عليها. شارك الشيخُ الشهيد البطل في أغلب المعارك، ومنها: ديالى، آمرلي، جُرف الصخر (النصر)، تكريت، العوجة، عزيز بلد، بيجي، الصينية، الهياكل، الفلوجة، جبال مكحول، وكانت آخرُ بطولاته في معارك الصقلاوية، فبتاريخ ٢-٦-٢٠١٦-م، الموافق يوم الخميس الخامس والعشرين من شهر شعبان، ذلك اليوم الذي تحققَ به مُراد الشهيد ونال السعادةَ الأبدية، ألا وهيَ الشهادة. يومُها كان الشهيدُ يمازح إخوته المجاهدين، وكانوا يتحادثون فيما بينهم مستذكرين من مضى من رفاق دربهم على طريق الجهاد والشهادة، فقيل له: "فمنهم من قضى نحبه..- وأُشيرَ إليه- ومنهم من ينتظر"، فابتسم وقد كان بيده عصير فاكهة فقال: إنَّه شرابُ الشهادة، وبينما هُم هكذا يتلاطفون ويتهامسون بأمنيتهم (الشهادة) التي كانت قابَ قوسين أو أدنى منهم، سقطت قذيفةٌ لم تبعدْ سوى عدةِ أمتارٍ عنهم، فبقيَ على ابتسامته وكأنَّه لا يخشى الموتَ قائلًا: "هذه لا تُميت"، وهنا دخلوا في اشتباكٍ عنيفٍ مع العدوّ الذي كان يستخدمُ المفخخاتِ والأحزمةِ الناسفة والانتحاريين بشكلٍ مُركّز حينها، كما أنَّ القنص كان من جميع الجهات، فدخلَ ساحة المعركة ببطولةٍ قائلًا: "لننتقم ونثأر لإخواننا الشهداء"، وما هي إلا دقائق ولحظات حتى كانت رصاصةُ الغدرِ قد اصابتْه في رقبته فذبحتْه من الوريد إلى الوريد، فسقطَ إلى الأرض مضرجًا بدماء الشرف والإباء والكرامة، لتفيضَ روحه الطاهرة مُغادرةً العوالمِ الأرضية ملتحقةً بركبِ الشهداء والصالحين وحَسُنَ أولئك رفيقًا. فالسلام عليكَ يا أبا جهاد بما قضيتَ عمرًا في الجهاد والتضحية، وبما نلتَ من عظيم المنزلةِ والمكانة، وبما صبرتَ في سبيلِ الله تعالى واحتسبتَ في سبيل الدين والوطن والمقدسات، غيرةً منك وحميةً على الأرض والعرض وبلدِ الرسالات، السلام عليك يوم استُشهدتَ برصاصِ الظالمين، والتحقتَ بقافلة المؤمنين، ونلتَ الشهادة فكنت من المقربين، ورحمة الله تعالى وبركاته.

اخرى
منذ 4 سنوات
568

هل في الشهادة خسارة؟

بقلم: وفاء لدماء الشهداء رأيتُها على غيرِ حالها، تغرقُ في صمتِها، وخلف عينيها تتجمعُ الأسئلة، بادرتُها بالسلام ثم أردفتُ قائلةً: أين هي أختي؟ وفي أيِّ الأمورِ مُنشغلة؟ ردَّتْ السلام بابتسامة خَجِلة، ثم أردفت قائلةً: مرحبًا بمن تُبدِّدُ بمَحضِرها عني كلَّ وحشةٍ وغفلة، أهلًا بك عزيزتي في عالمي الذي يعجُّ بالإبهام، وأفرَجَت لي كي أجلسَ إلى جوارِها. وما أنْ استقرَّ بي المجلس حتى قالت لي: يا زينب أنا مُتألمة جدًا! وضعتُ يدي على يدِها وقلتُ: ليسلمْ قلبُ أختي من كلِّ ألمٍ، خيرًا إن شاء الله؟ قالت بحسرةٍ وآهة: لِمَ علينا أنْ نُقدِّمَ الشهداء؟ ألا يُمكِن أنْ لا نُفجع بعزيزٍ؟ هل ينبغي أنْ نفقد قاداتِنا وأحبتِنا كي ننتصر؟ ألا يُعدُّ ذلك خسارة؟ كيف لنا أنْ نُعوِّضَ... قاطعتُها قائلةً: مهلًا أيتها الحبيبة رويدُكِ... فهمتُ ما ترمين إليه، فاسمعي وتأملي، وسلِّمي لله (تعالى) ولا تعجلي، فطريق الأحرارِ مُعبَّدٌ بالدماء، ونهج الأخيار مليءٌ بتضحيات الأفذاذ الشهداء، وإنَّ من ايجابيات الشهادة في سبيل الله (تعالى) أنَّها لا خسارة فيها أبدًا، فهي تجارةٌ مُربحة وصفقةٌ رابحة؛ وذلك لأمور: 1- إنَّ الشهادة على المستوى الشخصي للشهيد هي فوزٌ عظيم، بل هي من أعظم وأرقى صور الفوز والانتصار بالنسبة للشهيد؛ لأنَّه استطاع أنْ يتخلص من أسر الدنيا ويُقدِّم روحه لله (تعالى). 2- أمّا بالنسبة للأمة والمجتمع الذي استُشهِد فيه الشهيد فهو ربحٌ أيضًا؛ لأنَّ شهادته ودماءه ستتحولُ إلى حِصنِ عِزٍّ ورفعة ومنعة، يمنعُ كُلّ عدوٍ غاشم من أنْ يتطاول على هذا المجتمع أو حتى يُفكر بالنيل منه أو الاعتداء عليه. 3- الشهادة في قاموسنا ليستْ موتًا يفرضه العدوّ، وإنَّما هي اختيارٌ واعٍ وأمنيةٌ يسعى لها المجاهد المخلص ويبذل في سبيلها الكثير. 4- إنَّ دماءَ الشهداء تُزلزِل العدوّ وتصنع النصر وتستجلب الألطاف الإلهية. 5- شهادةُ القادة والنخب ليستْ خسارةً بالمعنى المستقبلي لمسيرتِنا؛ لأنَّهم ضحّوا في سبيل ما آمنوا به، ولا شكَّ أن دمهم سيُعطي زخمًا وقوةً للمسيرة فهي تتغذى من دماء الشهداء. 6- هدفُنا يا عزيزتي من جهادِنا ليس الحفاظ على أنفسِنا، أو تحقيق مكتسباتٍ لنا لتكون الشهادة خسارةً بالنسبة إلينا، فهدفُنا هو تحقيقُ الأهداف الكبرى التي أرادها الله (تعالى) والتي من أهمِّها صيانة الرسالة والحفاظ على المُقدّسات وصيانة أمن المجتمع و...، وهذا يتحقق بالشهادة. 7- إنَّ دماءَ الشهداء توقظُ النائمين والغافلين وتستحِثهم للبناء والعمل والاصطفاف في ميادين الحياة لصُنعِ المستقبل. 8- إنَّ الشهداء يُعيدون تشكيل الحياة بزَخمٍ أكبر وبإبداع أعظم لتبقى الشهادة هي المُعادل الموضوعي للحياة، فلا حياة بلا شهداء ولا شهادة، فهم يسقون الأرض بالدماءِ فتورقُ وتُثمِرُ شجرة الحرية والكرامة، وهم وحدهم القادرون على هزيمة الذُل والخنوع وتحرير الإرادة المُكبَّلة وبناء الأمجاد. هُنا رنَّ هاتفي فقطعَ سلسلةَ حديثي مع صديقتي، آهٍ إنَّها أمّي التي تريد أنْ تصطحِبَني إلى مجلس عزاء جارتِنا أمِّ الشهيد علي. قالت: ومن هو علي؟ ولِمَ عليكِ الذهاب؟ علي: طالبٌ جامعي، هو من شُهداء فتوى الجهاد الكفائي، شابٌ بذل زهرة عمره وضحى ببريق شبابه لنُكمِلَ حياتنا بأمنٍ وسلام وهناء؛ لذا فإنَّ حضور العزاء، هو أقلُّ وفاءٍ لدماءِ الشهداء. استويتُ قائمةً وطبعتُ قُبلتي على وجنةِ زميلتي وصديقتي، التي أشرقَ وجهُها وهي تودِّعُني على أملِ أنْ نلتقيَ مرةً أخرى؛ لإكمالِ الحديث عن هؤلاء العُظَماء، الذين قدّموا أنفُسَهم قربانًا لرسالة السماء، ودفاعًا عن المقدسات ورغبةً في أنْ نحيا بسلامٍ وأمان دون ذُلٍ وهوان. قلتُ لها وأنا أمسك بيدها بحنوٍ ومحبة: ينبغي أنْ أذهب الآن، أيتُها الحبيبة يطولُ الكلام ولا ينتهي الحديث عن هؤلاء الكرام، الذين تدمع عليهم العيون، وتحترق عليهم القلوب بنار الحُزن ، ولكنْ رغم هذا وذاك هم مَدعاة فخرٍ واعتزاز لأهلِهم ولأسرِهم ولأحبتِهم، فهنيئًا لهم الفوز العظيم، رزقنا الله (تعالى) ما رزقهم، وجمع بيننا وبينهم، في جوارِ أحبتِه وسادات خلقه محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.

اخرى
منذ 4 سنوات
675

يسألونني: لماذا عمائم شرف؟

بقلم: غدير خم حميد العارضي حبُ العمامةِ في الطفولةِ صاغهُ لي والدي.. فتربعتْ في مُهجتي.. قد كان علّمني بأن عمامةً تعني الحياةَ لموطني ومحلتي.. تعني سلامًا من إله سمائِنا إرثًا لنهج المصطفى إذْ عدتِ.. تعني الهدايةَ والسماحةَ للورى تعني علومَ الدينِ.. تعني ملتي.. تعني اتباعَ اللهِ فيما يبتغي وسلوكَ دربٍ زانه بالحكمةِ.. تعني النجاةَ وكلّ خيرٍ طالما نهج الأئمةِ زانها في الرحلةِ.. فكبرتُ حتى صار من شُهدائنا من ذي عمائمنا الشريفة رفعتي.. كانوا رفاقَ أبي.. وكانوا إخوةً.. بل قدوةً للسالكين وإسوتي.. كانت دماؤهم الزواكيَ قد روتْ سوح القتال بعد مدادِ الحوزةِ.. في قلبهم حبُ الجهاد رفيقه حبُ العلومِ ورغبةٌ في كثرةِ.. ماذا يقالُ بحق من نصروا لنا دينَ الإله وأرضنا اذ ردتِ.. كان الكتابُ جليسهم وأنيسهم فغدى السلاحُ رفيقَ درب الجنةِ.. صنوُ الجهادِ تعلمٌ.. روحُ التعلمِ رغبةٌ نحو الجهاد وحربهم في الساحةِ.. هذا.. فنالوا أجرَ من سلك الطريق مطالبًا علمًا ونورَ شريعةِ.. وأرادوا باب الشهادة عندما دخلوا لسوحِ النصرِ يوم الفتْوةِ.. فتوىً لها عِظَم الجبال ونصرُها نصرٌ غدى فخرًا لكل الأمةِ.. شهداؤها: قاداتها وجنودها وعمائمٌ قد كانَ حرّكهم شعورُ الغيرةِ.. في مدونة الكفيل كانت باكورة أعمالي هي: سلسلة عمائم شرف، وكُلّما نشرت إحدى الحلقات كان يُوجه إليّ سؤال يقول: لماذا عمائم شرف؟ كنت أجيب إجابة مختصرة بمقتضى الحال حينها، لكن في الحقيقة لعمائم الشرف حكاية تبدأ منذ أيام الطفولة، فمنذ أنْ فتحتُ عينيَّ على الدنيا رأيت أبي- ولا يخفى على الجميع كون الأب قدوة لأبنائه -، رأيته طالبًا للعلم في الحوزة المباركة قبل ولادتي، إذْ ترعرع تحت ظلِّها منذ شبابه رغم المُضايقات المتكررة من أزلام النظام البائد. كبرتُ وأنا أعيش في هكذا أجواء بين كتب الحوزة وعمائمها، وقصص تضحيات أبطالها، حتى تملّك حبُها فؤادي، بحيث كانت لُعبة طفولتي المُفضلة أنْ أعقدَ شالًا أو قماشًا ما بهيأة العمامة وأُلبسها أخي الأصغر، ثم أُجلسه على منبر صنعناه سوية وأحثُّه على إلقاء محاضرة رغم صغر سنه! وحين كبرتُ أكثر – وكما عوّدني والداي أنْ أبحث عن الحق والحقيقة في كلِّ ما أحب وأعرف فلا أتخذ من التقليد لهما فقط سبيلًا للحياة -، بدأتُ أقرأ الكتب وأتابع وسائل الإعلام وأطلع على سِيَر العلماء العظام وتاريخهم النيّر وآثارهم المباركة، فأدركتُ أنَّ من يرتدون العمامة هم قومٌ نذروا أنفسهم لاتباع منهج آل البيت (عليهم السلام)، يحملون العلم والهدى لينشروه بين الناس، مُتحمّلين في رحلتهم هذه مختلف الصعوبات والتحديات، ينضوون تحت راية مرجعيةٍ رشيدة مُتمثلةٍ بالمرجع الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني (أدامه الله) يقتبسون من هديه هديًا ومن وعيه وعيًا. وما زلتُ أذكر إلى الآن اجتماع العائلة على قناة كربلاء لمُتابعة خُطَب الجمعة التي يُلقيها معتمدو المرجعية (حفظهم الله) منذ سنين خلت، مُتخذين من إرشاداتهم وكلماتهم نبراسًا لنا في الحياة. وما زلتُ أذكر يوم صدور فتوى الجهاد المقدس، وكان عمري عندها يناهزُ الرابعة عشرة، وكيف تجمّعت ببركتها الألوف في ساعاتٍ، ليتشكل عندها الحشد الشعبي المُقدس، مُجنِدًا تحت رايته شعبًا كاملًا بكلِّ طوائفه وانتماءاته، همُّهم الأعلى حماية المُقدسات، والذود عن حياض الوطن. وكان من بين هؤلاء المجاهدين ثُلّةً مؤمنة من علماء الحوزة وفُضلائها ومشايخها الأجلاء، الذين توجهوا بعزمٍ نحو ساحات الجهاد مُتصدرين للجهاد الكفائي نيابةً عن باقي أبناء الحوزة الكرام، وكنتُ رغم صغر سني أتمنى لو أنني بين صفوف المجاهدين أقدِّمُ لهم الطعام وأداوي الجرحى، لكن ولمّا لم يكن ليتسنى لي فعل ذلك، فقد لجأتُ إلى الدعاء والقلم علّهما يساهمان في تقديم شيءٍ في هذا المجال. وكان أبي مع رفاق درب العلم قد شارك في الدعم المادي واللوجستي لأبناء الحشد الشعبي المُقدس، كما كان له الكثير من المحاضرات في التوجيه العقائدي لصفوف المجاهدين، حاثًا إيّاهم على الجهاد بعقيدةٍ ووعيٍ وثبات، وكُنا نتشارك الحديث عن كلِّ ما يطرحه عليهم، ويروي لنا في كلِّ مرةٍ يلتقيهم شيئًا من بطولاتهم وأمجاد جهادهم. وشاهدتُ بمرور السنوات تساقط أجساد الشهداء واحدًا تلو الآخر في ساحات الجهاد، لتُحلِّق أرواحهم في سماء العلا والبطولة والإباء، وكان جميعنا حينها يردد "فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر".. وهكذا حين أتيحت لي الفرصة جعلتُ أولى خُطاي في صرح مدونة الكفيل المباركة هي هذه السلسلة، سلسلة "عمائم شرف"، عهدًا مني إلى والدي بأنني لن أنسى إرثه، وما علّمني إيّاه طوال سِنيِ حياتي، وسعيًا متواضعًا مني لتخليد ذكرى أبطال قد تناسى البعض عظم أفعالهم وأفضالهم، وشكرًا متواضعًا وعرفانا بسيطًا للحوزة العلمية المُشرّفة التي كانت ولازالت مصدر خير وعطاء. وللتنويه فقط فإنَّ كلَّ من ذكرتُهم كانوا أبطالا في دينهم وجهادهم، وما هم إلا عينة بسيطة، فهُناك الكثير من أمثالهم قَصُر قلمي عن تولّي تسطير ذكرهم العطر، ولكن كان لا بُدَّ لي من أنْ اقوم بواجبي تجاه هكذا أبطال، علّ الله (عز وجل) يوفقني لإكمال تسطير بطولاتهم في سلاسل أخرى، وهو ولي التوفيق.

عمائم شرف
منذ 4 سنوات
645

إليكَ يا أبي

بقلم: غدير خم حميد العارضي حُبٌّ هو لسان حالي، واعترافٌ بفضلك طوله بطول الأيام والليالي، فكيفَ لا أسطر حروفًا على صفحةِ القلب فتكون خجلة ومدادها نبضٌ وحسن بيان، أرسلها إليك بكلِّ عرفانٍ مع شدو بلبلٍ فتان، فأنت لي نبعُ حنان ورمزُ فخرٍ وأمان، فإليك تتسارع كلماتي، وتتناثر أبياتي، وهي لا تدري ما الذي تذكره أو تنساه من أفضالك وإحسانك عليّ منذُ أول أيام عمري وحتى آخر حياتي. أنّى لي أنْ أنسى رعايتك ليل نهار، وأنت تسعى بكلِّ قوةٍ واقتدار، لتهبني كلَّ مقوماتِ السعادة والرضا بكل تفانٍ وإصرار. لم ولن يجرؤ تتابع الأعوام وتوالي الأيام على أنْ يُنسيني عملك الجاد الدؤوب، وعرقك المصبوب من جبينك حين تعود إلى البيت، وكيف تفرحُ بي حين استقبالك إذا أتيت، مُتناسيًا تعب النهار، وكأنك تقول: لسعادتكِ يا ابنتي تهون كلُّ الأقدار. كيفَ لي أنْ لا أذكر كم لاعبتني وأضحكتني في أيام صباي الأولى، وكيف كنتَ لي حضنا دافئا، ورفيقًا حنونًا، وحصنًا أمينًا، ثم كبرتُ بين أحضانك حتى جاءت أيام المدرسة عجلى فكنتَ معي في كلِّ التفاصيل تُرشدني وتُعلمني وتجعلني لا أعرف لليأس معنى، فبتَ لي مُلهمًا وليس لي عن وجودك مغنى. كنتَ دائمًا عوني حتى مرّتِ السنوات، كما لو أنّها كانت مجرد لحظات، وأنت ترى تفوّقي في جميع المجالات، فتدفعني للأمام وبكل إقدام، جعلتني أطوي في حياتي الكثير من المسافات، وعلى طول هذه الأوقات لم تكن لي مجرد أبٍ، بل كنتَ أخًا لروحي، وبلسمًا لجميع جروحي، وصديقًا لا أملُّ من مجالسته، ورفيقًا تُسعدني مُصاحبته. ومرَّت أيامي وأنا أكبرُ أمامك كشجرةٍ فتية ترعاني، وتحرصُ على رفدي بكل ما فيه رضا الباري ورسوله وآله الكرام (عليهم جميعًا أزكى الثناء والسلام)، فكنتَ تحثني على تدبر القرآن الكريم وتقول لي: هو سرٌ لكلِّ سعادةٍ واطمئنان، وتُسمعني من أحاديث المعصومين (عليهم السلام)، وتقصُّ عليّ حكايات الأنبياء العظام، وتُبيّنُ لي بهديك وكلماتك أنَّ التزام طريقهم هو الفوز العظيم الذي ننجو به من الندامة والخسران. ومرّتِ الأيامُ حتى صرتُ على أعتاب جامعتي، فقلتَ لي: برعايةِ المُنتظر الغائب (عليه السلام)، وحراسة الرب الغالب سيري للأمام. ولا يسعُ الحرفُ أنْ يعد مزاياكَ ولو عاش دهرًا، وفي تتابع الأيام وسيرها الحثيث، أقفُ امامكَ بكلِّ ما أملك من حسٍ مرهف، لأقول لك: شكرًا يا أبي، ويا نبض قلبي، وأنا هنا لأعاهدك على إكمال دربك في الحياة، وإيصال رسالتك في ما هو آت، وبلوغ رضاك ورضا رب الأرض والسماوات. ابنتك غدير خم

اخرى
منذ 4 سنوات
527