بقلم: زينب سامي أنا دفتر ذو غلاف أسود، مكتوب عليه بخط جميل وبحبر أبيض (يا علي مدد)، مالكيِ هو شاب في العشرين من عمره، اسمه (حذيفة)، وهو يعتز بي كثيرًا، ويأخذني معه في كل زياراته، ويحتفظ بي منذ زمن طويل، ولا يكتب بي إلا المشاعر الصادقة، وأيضًا لطالما كانت دموعه الصادقة تنزل على أوراقي، وأحمل بصمات دموعه في داخليِ، وهو يخبرني دائمًا أن أشهد يوم القيامة له على صدقه وبكائه، وآخر رحلة أخذني بها مالكي (حذيفة) كانت لزيارة مولانا الأب الروحي الإمام علي (عليه السلام)، حيث كان هناك حذيفة يبكي كثيرًا، ويطلب من مولاه علي الإذن، وأن يوفقه للذهاب إلى الحج، وشوقه للوصول إلى مكة وقبر الرسول (صلى الله عليه وآله)، وأيضًا شوقه لكي يصل إلى تلك الأنوار الأربعة في البقيع، فاستجاب له الأب ومنحه جواز العبور، ويسجّل اسمه من ضمن العاشقين في هذهِ الرحلة بشكل أشبه بالمعجزة، وماهي إلّا سويعات وبضعة أيام وتنطلق حافلة المحبّين، وكان حذيفة يحلم طوال الطريق كيف يصل إلى تلك الديار؟ وهل سوف يحظى بكل ما كان يحلم بهِ؟ ومضت المسافات والطرق، وقد وصل الحجاج إلى مقرهم، وبدأ المرشد يحدثهم عن مناسك الحج، وكيفية أدائها، وكان يفكر حذيفة متى سوف نزور أئمة البقيع؟ وهل تأخذوننا إلى هناك؟ بينما كان حذيفة يساعد الحجاج بحمل أمتعتهم، كان هناك رجل كبير في السن عطوف وحنون، لمح الحزن في عينيه، حذيفة يا ولدي أراك حزينًا، هل لفقد الأهل والأحباب؟ لا والله يا عم، إن حزني ليس لهذا، ولكنني أرى في قلبي شعلة من الشوق لزيارة أئمة البقيع، وخصوصًا ونحن على أعتاب ذكرى استشهاد مولانا الباقر (عليه السلام) ولا أعرف دربًا للوصول هناك! حذيفة يا ولدي، إن وجودك الآن في الحج وأنت بهذا العمر لم يكن بالمصادفة، تفكَّرْ كيف وفقت للحضور هنا؟ بينما كان حذيفة يتذكر، داعب الرياح أوراقي، ليقرأ حذيفة ما خطته أنامله في آخر زيارة له لأبينا علي (عليه السلام) وهو يطلب منه الأذن للوصول. -نعم وجدتها! فأجاب العم: ماذا وجدت يا ولدي يا حذيفة؟ -عم، هل يمكنك أخذي إلى أقرب مكان نرى به البقيع، سوف أخبرك هناك بمجرد الوصول. وجد العم طريقة استطاع بها الوصول هو وحذيفة إلى ذلك المكان، قام حذيفة بأخذ ورقة مني وكتب بخط يديه: السلام عليك يا باقر العلم، والله أن فقدك يؤلمنا وبعدك يحزننا ساعد الله قلب إمام زماننا وعظم الله له الأجر بفقدك، وبكى حتى ابتلت الورقة بدموعه ثم قام بطي الورقة، وأغمض عينيه، وردّد: يا رب استشفع لديك وأدعوك بحق علي (عليه السلام) أن تصل هذهِ الورقة، إلى محل قبر مولاي، وتحمل إليه كلماتي ودموعي، فهبت ريح بنسيم رائع وأخذت الورقة تطير من يدي حذيفة، وشعرت وقتها بأن كلمات علي قد التفت حولي، والرياح كانت تسير بشكل عجيب حتى وصلت بي وسقطت وقامت باحتضاني حبات رمل كانت بالقرب من ضريح مولاي الإمام الباقر (عليه السلام)، وحينما سقطت سألت تلك الذرات: منذ متى وأنت هنا؟ فأجابت إحداهن -ويبدو أنها اشدهم عشقًا، وإخلاصًا لمولاها-: أنا هنا منذ سنة أربعة وعشرين ومائة، في تلك السنة التي قد فارق بها مولاي الحياة، لقد سمته أيدٍ أموية، وقد سمعت مولاي في اليوم الذي استشهد بهِ ينادي ويأمر بأن يُكفّن في رداء له كان يصلي فيه ليكون له شاهدًا، وبعدها بدأ السم يسري في بدن مولاي ويسري إليه الموت سريعًا، وكان مولاي لا يغفل عن ذكر الله أبدًا، وكان وجهه يزداد نورًا، ودنا الموت حتى ارتفع ذلك النور، وبقيت الغرفة موحشة منذ أن فارق مولاي الحياة، فرفعت كفي متوسلًا بالإله بحق الأنوار الأطهار أن يجعلني حبة رمل أسبحه وأحمده، فذهبت معهم، وحينما حملوا الجنازة كان مولاي الصادق (عليه السلام) قد كفن وغسل مولاي الباقر (عليهما السلام)، وحمله إلى مثواه الأخير هنا في البقيع بقرب مولاي الإمام زين العابدين والامام الحسن (عليهما السلام). وما أن أتمت كلامها حتى فارقت روحها الحياة، لقد كانت حبة رملة مخلصة وشديد العشق لمولاها، وصعب عليها أن تحكي قصته وتبقى في هذهِ الدنيا… رحلت وتركتني وحيدة... كم تمنيت أن أقصّ على حذيفة ما جرى، ولكنني سمعت أن حذيفة قد فارق الحياة من شدة شوقه وحبه لمولاه، وبقيت هنا أنا في هذهِ الدنيا وحيدة… انتظر أن يظهر القائم من آل محمد، فيعود الشيعة لزيارة مولاهم ويحملوني معهم.
القصصبقلم: زينب سامي توتر واضطراب يحيط مدينة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والشيعة في ترقب، وبدأ الشك والخوف يدخل قلوبهم، لقد مرت أعوام ولم يُرزقْ الإمام بولد! هل سينقطع نسل الأئمة؟ لماذا لا يناجي الإمام ربه ويدعوه لكي يرزقه ولداً يخلفه؟ يصدح صوت الإمام الثامن ليقول (والله لا تمضي الأيام والليالي حتى يرزقني الله ذكرًا يفرق بين الحق والباطل) ولقد تحققت نبُوءَة الإمام، في اليوم العاشر من رَجَب. كنتُ مطروحة في الدارِ... وها هي سيدتي حكيمة ابنةُ موسى (عليها السلام) تحملني بين كفيها، وتضعني على رأسها مسرعة إلى دار أخيها... هناك الأب يتأمل في آيات الله تعالى، ويحمل شوقًا كبيرًا لمن سوف يكمل مسيرة الأنبياء، إنه وليده الأول... يتلهف للقائهِ؛ أعدّ له غرفة خاصة ولم يسمح لأحد بالدخول لها سوى سيدتي حكيمة والقابلة، وكان لي الشرف أن أكون عباءة فوق رأس مولاتي لكي أحضر ولادة النور التاسع لعالم الدنيا، وكنّا نستنير بتلك الشمعة في تلك الغرفة المظلمة، ولكن قد انطفأت الشمعة، فاغتمت سيدتي لذلك كثيرًا، وما هي إلّا بضع ثوان وقد أشرق نور عظيم، وكأنه البدر، وقع في ذلك الطست لينير الدار الدامسة... بات الإمام الذي يحمل الشوق لذلك الوليد يناغيه ويتمتم له من الآيات حتى مضت ثلاثة أيام، ثم كانت سيدتي بقرب الوليد في المهد، وإذ به ينطق بالشهادة، فأمسكتني سيدتي بخوف وذهبت راكضة لأخيها: يا أخي لقد رأيت عجبًا! صبي يتكلم في المهد! يا حكيمة، سوف ترين عجائب كثيرة... وتلك كانت أول معجزات ذلك الكوكب التاسع...
اخرىبقلم: زينب سامي أقفُ لحظةَ اتفكرٍ بهذهِ الآيات التي جعلها الله في هذه الحياة ... هذهِ آثار قدميّ تدلُّ على مسيري! وهذا النور المنتشر يدلُّ على أنَّ الشمس موجودةٌ وإنْ أخفتها الغيوم! أ فكونٌ وسيعٌ منظمٌ وليلٌ ونهارٌ لا تدلُّ على وجود إلهٍ يمتلكُ كلَّ الكمال! رباه، ما هذا؟ لماذا كلّ هذه الغفلة؟ كلّ هذه السنوات التي مضت؟! لماذا لم ألتفت لكلِّ هذا؟ أتلو قول الرحمن، فيبدو كماءٍ بدأ يغسلُ رين السواد الذي غطّى على فطرة التوحيد في داخلي.. "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" لماذا أخذتِني الدنيا؟ كيف أغفلتِني عن آياتٍ واضحات؟! الغفلة، آهٍ .. كم ضيعتُ من العمر أدركتُ الآنَ: لماذا تفكرُ ساعةٍ خيرٌ من عبادةِ ألف سنة .. بؤرةُ النور والاقتراب والدنو كلُّه في هذا التفكر.
اخرىبقلم: زينب سامي أصحرَ ماشيًا على قدميهِ في غورِ الصحراء، عائدًا من مكة يجرُ خلفه أذيال الخيبة، خالي الوفاض مما تروم إليه نفسهُ، ولكن يا لهُ من رجلٍ عجيب، رغم ذلك يشع أملًا وصبرًا، وكأن مبتغاه بات قريبًا جدًا، وكيف لا يبدو كذلك وصاحبهُ يقتبس الصبر الكبير من ولائهِ وحبهِ لأهل البيت (صلوات الله عليهم). مرت تسع عشرة سنة، والرجل يسعى في الصحاري كل سنة دون أن يحصل لهُ شرف اللقاء، والآن قد جاء العام العشرون، وها هو يلتحف الصحراء مرة أخرى! يراه الرائي من بعيد، وهو يبدو مسرورًا وسعيدًا وروحهُ التي بدت مشرقة بالسعادة. كان يراودهُ هذا الشعور دومًا؛ أنّ لهُ في عالم الذر عهدًا ولقاءً مع ذلك المنتظر الذي ينتظرهُ العالم بأكملهِ وازداد يقينهُ مذ بشّره أحدهم ليلة الأمس قائلًا ‹يابن مهزيار؛ حجّ هذهِ السنة فإنك تلقى صاحب زمانك». لا يعرف إن كان ذلك منامًا أو حقيقة لكنهُ يدرك أنّ هذا النداء لهُ وأنّ ذلك الشخص المجهول قد نطق باسمهِ هو؛ فتهلل قلبهُ فرحًا وأكمل المسير، وانطوت أيام الرحلة من الأهواز إلى مكة وها قد اقترب موعد اللقاء.. ذهب ليقوم بمراسم العبادة ويشكر الخالق الذي أفاض عليه كل النعم، ولم يحرمهُ نعمة الوصل لأرض باركها وجعلها قبلةً للمسلمين، وجنَّ الليل واختلى عليٌ بربهِ يناجيه ويدعوهُ أن يرزقه شرف الوصال لولي الله في أرضهِ، وأن يعرفهُ ذلك الأمل المنشود الذي يبحث عنه. يطوف حول الكعبة والسماء من فوقه وكل شيء يطوف ويسبحُ للباري هنا، بينما هو على هذا الحال يقتربُ منهُ فتى مليح الوجه، يسألهُ أتعرف عليّ بن مهزيار؟ «نعم وكيف لا يعرف الإنسان نفسه» يسألهُ الفتى؛ يا علي ماذا فعلت بالأمانة؟ في هذهِ الاثناء يخرج علي خاتمًا لأبي محمد الحسن العسكري (صلوات الله عليه)، ذلك الخاتم الذي كان يرجو أن يسلمه لولدهِ المنتظر، أمسكه الفتى المليح وأخذ يبكي بكاءً شديدًا قائلًا: يا علي بن مهزيار قد بلغت مبتغاك، ولكن عليك الانتظار حتى يمضي من الليل ثلثهُ. كيف لهذه الساعات أن تنطوي في رقعة الزمن، ولكنها مرت فمهما طالت ساعات الانتظار لا بد أن تمضي وتأتي ساعة الفرج آخرًا. دقت الساعة في قلب العاشق معلنةً أن الوقت قد حان، والتقى ثانيةً بصاحبهِ الذي صادفه في مكة وهو يقول له: أهلًا وسهلًا يا أبا الحسن، طوبى لك فقد أُذن لك. وانطلق الرجل واتبعهُ علي حتى اجتازوا عرفات ومنى ووصلا أسفل ذروةِ الطائف، فنزلا يقتبسان نورًا من الإله فقد بانَ الخيطُ الأبيض من الأسود وارتفع نداء السماء. صليا الفجر عروجًا، وما لبثا إلا قليلًا فعفّر صاحبه جبينهُ بالتراب، وانطلق ساعيًا واتبعهُ عليٌ هذهِ المرة نحو المرتجى.. نحو حلمٍ انتظرهُ سنينًا عجافًا وها قد اقتربت لحظة الحصاد. حتى ما علا ذروة الطائف قال لهُ صاحبهُ: المح، هل ترى شيئاً؟ رأى وقد صدع الفؤاد بما رأى، هناكَ لمحَ بين العشب والكلأ كثيبَ رمل فوقه بيت شعرٍ يتقد نورًا. يحترق قلبهُ صبابة يود لو أن لهُ جناح طير ليطير بهِا الى هناك فنسيم الرائحة وذلك النور ليس له بعالم الدنيا صلة وفي هذهِ الاثناء ينتشر في الإرجاء صدى صوت صاحبهِ وهو يقول ”يا بن مهزيار، طب نفسًا وقرّ عينًا، فإن هناك أمل كلّ مؤمل“. ما أجمل هذهِ الكلمات التي انسابت في روح علي كماء بارد زلال في أرض قاحلة عطشى. فترجل عن راحلته وكُتبت له خطوة في أرضٍ لا يدخلها إلّا الأولياء! غاب صاحبهُ ثمَ قليلاً عادَ يحمل البشرى ليقول: طوبى لك فقد أُعطيت سؤلك. دخل عليٌ يحملُ جواز الأولياء؛ لم يكن الأمر سهلاً عليه أبدًا فعشرون عامًا من الانتظار والعمل الدؤوب قد جاءت بثمارٍ كهذهِ، وكأن بهذا اللقاء نالَ ختم الاوفياء. لمح الحبيب، وفاضت عيناهُ دمعًا، ها هو يراه وكأنهُ فلقة قمر يتصفح الوجه مليًّا ويحفظ جميع تفاصيله؛ أزج الحاجبين، أدعج العينين، أقنى الأنف، سهل الخدين، على خدهِ الأيمن خالٌ أسود؛ كأنهُ فتاتة مسك على بياض الفضة. يود لو أنّ للساعات أن تتوقف، فما أطيب العيش وأجمله برؤية سبط النبي (صلى الله عليه وآله)، ما أجمل اللقاء بعد الفراق هل يقبل العين أو الرأس أو اليد أو ينحني يقبلُ القدم؟ هل يمد ذراعيه فيحتضنه؟ أو ماذا يفعل! حقًّا يعجز عن فعل أي شيء. يود لو يكون رداء يحملهُ كي لا يفارقهُ. هل يمكن لهذهِ اللحظات أن تتوقف وأن لا تنتهي؟ أعوام مضت من الجزع والألم بفقدهِ هل هذهِ حقيقة الآن هو يرى ذلك المضطر الذي يجاب إذا دعا، والمنصور على من اعتدى والطالب بذحول الأنبياء والسبب المتصل بين الأرض والسماء يا لها من لحظة عظيمة! وشرف كبير أنه أمام إمام زمانه الذي يدرك روحه وألمه. أخيرًا نطق صوتُ الحق، صوت ينسابُ بين دهاليز الروح فيحيها كماطرٍ بعد جدب: «إنّ أبي (صلوات الله عليه) قال: يا بنيّ إنّ الله (جلَّ ثناؤه) لم يكن ليخلّي أطباق أرضه وأهل الجدّ في طاعته وعبادته بلا حجة يُستعلى بها، وإمام يؤتمّ به، ويُقتدى بسبل سنّته ومنهاج قصده وأرجو يا بني أن تكون أحد من أعدّه اللّه لنشر الحق وطيّ الباطل وإعلاء الدين وإطفاء الضَلال؛ فعليك يا بنيّ بلزوم خوافي الأرض، وتتبع أقاصيها، فإنّ لكل وليّ من أولياءِ اللّه (عز وجل) عدوًّا مُقارعًا فلا يوحشنّك ذلك، وأعلم أنّ قلوبَ أهل الطاعَة والإخلاص نُزّعٌ إليك مثل الطير إذا أمّت أوكارها؛ فاقتبس يا بني نور الصبر على موارد أمورك تفُز بدركِ الصُّنع في مصادرها؛ فعندها يتلألأ صبحُ الحق وينجلي ظلامُ الباطل ويَقصم اللّه بكَ الطغيان ويُعيد معالم الايمان، تهتزّ بك أطرافُ الدنيا بهجةً، وتهزّ بك أغصان العزّ نضرة وتستقرّ بواني العزّ في قرارها وتؤوب شوارد الدّين إلى أوكارها. ثم قال: ليكن مجلسي هذا عندك مكتومًا إلّا عن أهل الصدق والأخوة الصادقة في الدين».
اخرىمنذُ عالم الذر أختارها الله لهذهِ المهمة ،لتكون زوجة لاعظم شهيد في التاريخ . ياله من وسام شرف كبير أن تكون زوجة لشهيد عظيم! بل وزادها فوق ذلك اكراما انها ستكون وعاء لتلد لهُ غلاماً يكمل سيرته وسيرة اجدادهِ فهبطت الى الارض وهي تحمل ذلك الحلم العظيم. وماهي الا ساعات ويعلن المسلمون الانتصار وانتهاء حكم أخر ملوك الفرس. يزد جرد وفي جانب أخر من المعركة يحملون الاسارى من بينهم بنتان اخر ملوك الفرس يزد جرد لم يبقى من ملكه شيء… هذهِ هي حالة الدنيا كُل ملك نحو الزوال الا ملك ملك الملوك الذي لايفنى ملكه ابدا. ابنة يزد جرد تبدو هائمة وسارحة يكاد قلبها يتلظى من الشوق تحمل لهفة للقاء معشوق ذاب في اسمه كل من عرفه انه سبط الرسول ترى متى يتم اللقاء؟! تساؤلات وشو لاحد له… تمر الساعات بصعوبة فهي منذ ان زارها في المنام برفقه جدهِ رسول الله وعقدت روحها بروحه ومنذ ذلك المنام هي تبحث عن ذلك النور الساطع ،تاركة كل شيء من حطام الدنيا فقد ادركت بؤرة النور ولاتريد سوى الوصول إلى الحق. بينما ماهي هائمة تتسذكر ملامح سبط الرسول وتشتاق للقاءه كاد لذلك الحلم ان ينطفىء يقترب أحدهم منها يحاول ايذاها …، يمتلكها بعض من الخوف فتتذكر كلمات قالتها لها ملهمة الحيارى سيدة النساء أمراة النور؛حينما زارتها في منامها في أحدى الليالي في قصر يزد جرد "وأنكِ سوف تصلين إلى أبني الحسين ولايصيبك أحد بسوء" أحتضنت هذهِ الكلمات قلبها واعطتها القوة والامل بلقاء المعشوق… هنا جاء رجل يمثل الانسان الكامل انه إمام زمانها جاء لينقذها من كل القيود ويصدح صوته في سماء الانسانية ليقول "لايجوز بيع بنات الملوك وإن كنّ كافرات، ولكن أعرض عليها أن تختار رجلا من المسلمين حتى تتزوج بهِ… وهكذا أختارت ابنة يزد جرد الحسين ابن علي زوجا لها فما كان لها الخيرة والحيرة بعد أن زوجها الرسول سبطه الحسين في منامها. مرت تسع شهور من الحمل وها نحن على اعتاب ولادة النور الخامس لاربعة أيام خلون من شعبان حزن عميق يمتلك قلب الام وهي تقترب من ساعات الحمل فهي سوف تفارق روحاً سنخت في روحها لماذا هذا الشعور العجيب وكأنها لن ترى وليدهاوهو يكبر ويشتد عودهِ بينما تلك الهواجس تمتلك كيانها جاءت ساعات الطلق وولدت صبي كالكوكب الدري وضعته امانة لدى إمام زمانها ووالدهِ الحنون ثم فاضت روحها نحو عالم أخر تاركاً لسماء الانسانية نور الإمام الرابع.
اخرىبقلم: زينب سامي _أتدري عن نخاس قدم من المغرب؟ _لا. ولكن الإمام الذي كان يعلم علم الأولين والأخرين؛ قال لهشام: لقد جاء فهيا بنا. كان هشام طائعًا لإمام زمانهِ فلم يسأل: كيف؟ ولماذا؟ بل أخذ فرسه واتبع الإمام كما يتبع الفّصيل أمه. إنّ الارّهاصات تنبئ أنّ الأرض تتهيأ لحدث عظيم، قد اقترب الوقت إلى تهيئة الوعاء الذي سوف يحمل نور الإمام الثّامن، ولكن أنى لهذا الأمر أن يحدث بسهولة! فولادة صبي كالشّمس المشّرقة؛ صبي كان يتوق جده للقائهِ، ولكن السّم كان سريعًا فأخذ حياته راحلًا، وفي قلبهِ أمنية أن يلتقي بعالم آل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين). هذا الصبي لا بد أن تكون لهُ أم لامثيل لها؛ لأنه سوف يكون أبًا لأربعة أنوار آخرهم قائم هذهِ الدّنيا؛ فالاختيار يجب أن يكون دقيقًا لأن والده يمهد للقائم باختياره الصحيح؛ يمهد للدنيا بعهد جديد؛ اختيار ستبقى الاجيال بسببه بخير ونعمة. الله تعالى لم يترك عبدهُ حائرًا، ولم يرهقه من أمرهِ فقد أعانهُ، وهو خير معين. سار الإمام مع هشام نحو نخاس جاء من بلاد المغرب يحمل جوارٍ؛ حتى إذا بلغ مطلع المكان؛ طلب الإمام موسى (عليه السلام) من النخاس أن يعرض عليه الجواري فعرض عليه تسعة من الجواري وأخفى النّجمة العاشرة لنفسه. كان الإمام يعرف أنّ النّجمة التي جاءت من بلاد الْمغرب هنا لدى هذا النّخاس، ولكنه أبى أن يعطيها للإمام فتركه الإمام ورحل. حتى جاء صباح الغد فأرسل الإمام هشام كرة أخرى إلى أن بلغ المكان فحدّث النخاس عن المبلغ الذي يريده مقابل تلك الجارية؟ أدرك النّخاس أنّ هذه النّجمة لن تكون لهُ مهما حاول؛ فهي خُلقت لتكون زوجة لرجل لا مثيل له؛ وهي فرصة عظيمة ليطلب ما يشاء من ثمن يسد به طمعه فطلب النخاس قيمة مرتفعة مقابل أن يهبها له. فقبل هشام طمع النّخاس بالمال و قد ابتاع تلك النجمة الغالية الى الإمام. وزفت النّجمة إلى النّورِ وتم الزّواج وتحققت نبوءة الكتابية التي قالت للنخاس اثناء ما كان يسير بها نحو المدينة (...ما ينبغي ان تكون عندك، إنّ هذهِ الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض، ولا تلبث عنده إلّا قليلًا حتّى تلد منهُ غلامًا يدين لهُ أهل المشرق والمغرب). وقد أصبحت النّجمة التي قدمت من بلاد المغرب عند أكمل النَّاس في ذلك الزّمان وأتمهم، وتم اللّقاء بين خير أهل الأرض وأفضل نساء أهل زمانها، امرأة اجتمعت بها عفة مريم وحياء ابنة شعيب ونقاء سارة وهاجر وصبر آسيا، كل هذا من أجل أن تكون وعاءً طاهراً لتلد للدنيا نورها الثّامن. وما لبثت إلّا قليلًا، وها هي ترى آثار الحمل وتسمع وليدها وهو يردد في بطنها التسبيحِ والتهليل والتحميد، فيرهبها ذلك ويفزعها؛ فكيف لصبي أن يتكلم وهو ما زال في بطنها؛ وما تلك إلّا إشارة إلى أنه سيكون صبياً عظيماً لا مثيل له. ومرت أيّام الحّمل ووضعت النّجمة وليدها، وقع واضعًا يديهِ إلى الأرض رافعًا رأسه للسماء... ودخل الأب ليهنئ الأم الطّاهرة ويقول "هنيئا لكِ يا نجمة كرامة ربكِ" ثم أخذ وليده وقام بمراسيم الْولادة له بعد أن اختار له اسم "علي" تيمنًا بجدهِ أمير المؤمنين (عليه السلام) وأعاده إلى أمه كي تقر عينها وتسر نظرها بكرامة ربها. _____________ روى هشام بن أحمد قال: أبو الحسن الأول -هو الإمام موسى- هل علمت أحدًا من أهل المغرب قدم؟ قلت: لا فقال (عليه السّلام): بلى قد قدم رجل فانطلق بنا إليه فركب و ركبنا معه حتى انتهينا إلى الرجل فإذا رجل من أهل المغرب معه رقيق. فقال له: اعرض علينا فعرض علينا تسع جوار كل ذلك يقول أبو الحسن: لا حاجة لي فيها ثم قال له: اعرض علينا فقال: ما عندي شيء فقال له: بلى اعرض علينا قال: لا واللّه ما عندي إلّا جارية مريضة فقال له: ما عليك أن تعرضها فأبى ثم انصرف (عليه السّلام) ثم انه أرسلني من الغد إليه فقال لي: قل له: كم غايتك فيها؟ فاذا قال: كذا و كذا- يعني من المال- فقل: قد أخذتها فأتيته فقال له: ما أريد أن انقصها من كذا- وعين مبلغًا خاصًا- فقلت: قد أخذتها وهو لك فقال: هي لك ولكن من الرجل الذي كان معك بالأمس؟ فقلت: رجل من بني هاشم فقال: من أي بني هاشم؟ فقلت: من نقبائهم فقال: أريد اكثر من هذا فقلت: ما عندي اكثر من هذا. فقال: اخبرك عن هذه اني اشتريتها من أقصى المغرب فلقيتني امرأة من أهل الكتاب فقالت: من هذه الوصيفة معك؟ فقلت: اشتريتها لنفسي. فقالت: ما ينبغي أن تكون عند مثلك ان هذه الجارية ينبغي ان تكون عند خير أهل الأرض فلا تلبث عنده إلّا قليلا حتى تلد منه غلاما يدين له شرق الأرض وغربها قال: فأتيته بها فلم تلبث عنده إلّا قليلًا حتى ولدت له عليًّا. ................. جميع ما ورد في القصة استخلصته من روايات ذكرت في كتاب منتهى الآمال الجزء الثاني فصل حياة الإمام الرضا (صلوات الله عليه وَعَلَى آبائه)
القصصبقلم: زينب سامي للإجابة عن هذا السؤال سوف نتطرقُ إلى محورين: الأوّل: التّجريد وطُرُقُه. الثاني: الطّاعة ومصاديقها *التّجريد وطرقه: التّجريد: لغةً التقشير والإزالة. التجريد اصطلاحًا: يساوي التزكية، والتزكيةُ هي إعادة صياغة الرّوح والنّفس وتجريدها من الرّذائل١ وقد أشار الله (سبحانه وتعالى) في كتابهِ الكريم إلى التزكية وعدّها نوعًا من الفلاح، حيث قال: "قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها"2 إنّ التزكيةَ ليست عمليةً سهلةً، بل تحتاجُ إلى إرادةٍ قوية، وروحٍ راغبة بالمسير والاستمرار. وهناك خطواتٌ مهمة يجبُ اتباعها بالتزكيةِ وتجريد النفس من السيئات والتّبعات حتى نصبحَ من مصاديق الآية الكريمة: أولًا: اختيار المصدر الصّحيح: أي اختيار مصادر العلاج الصّحيحة للروحِ؛ فهناك بعض الكُتب والطّرق التّي تُضلُّ الإنسان عن الطّريق الْمستقيم؛ فيصبحَ من مصاديق "قد خاب من دساها" بدلًا من أنْ يفلح. ولهذا فمن المهم أنْ يقتبس الإنسان من المصدر الصحيح الذي يعطينا العلاج الصحيح للتزكيةِ؛ وهو ما أوصانا به رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) قائلًا: «إنّي تاركٌ فيكم الثقلين ما إنْ تَمَسَّكم بهما لن تضلّوا بعدي: كتابَ اللَّه وعترتي أهلَ بيتي، لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوضَ»3. فعلينا بعرضِ جميعِ أعمالِنا على الكتاب والعترة والتأكدِ من أنّها توافقُ القرآن والعترة. ثانيًا: تحديدُ الأمراض التي تُعاني منها الروح والسعي لعلاجها عن طريق الْقرآن وأحاديث أهل البيت (عليهم السلام). ثالثًا: الرجوع إلى الْفطرة؛ إنّ الإنسان يولدُ وهو مفطورٌ على التّوحيد ومعرفة الله (جل جلاله) وعلى الأخلاق الحميدة، وفطرةُ الله (تعالى) التي فطر عليها الإنسان تقوده إلى الكمال، بل هي الكمال، فمثلًا عندما نشاهد شخصًا صادقًا أو غير مخادع فإننا نصفه بأنّ قلبه بريءٌ كبراءة الاطفال. ولكن -مع الأسف- بسبب العائلة والمحيط الذي يعيش به الإنسان قد يبدأ باكتساب الصّفات والأخلاق التي تُغطي على هذهِ الفطرة، فيفقد رونق الجمال الذي وُلِدَ عليه! فعلى الإنسان أنْ يسعى لأن يعود إلى فطرته ويوقظها. رابعًا: التّفكر؛ ورد عن الإمام الحسن (عليه السلام): "التفكُّر حياةُ قلبِ البصير"، وعنه (عليه السلام): "عليكم بالفكر فإنّه حياة قلب البصير ومفاتيح أبواب الحكمة" ٣ ومن مصاديق التفكُّر: أ- التفكر في آياتِ اللهِ لإيقاظِ فطرةِ الإنسان: "ويتفكّرون في خلقِ السمواتِ والأرض.."4 روي عن الإمام الرضا (عليه السلام): "ليست العبادة بكثرة الصلوات والصوم، إنّما العبادة التفكُّر في أمر الله"٥ ب- التفكر في الماضي للتعلم من الأخطاء والاستغفار لما ارتُكِبَ فيه من ذنوب. ج- التفكر في المستقبل وفي الآخرة وما فيها من النار والجنّة، لاجتناب الأولى والسعي إلى الثانية. يقول أمير المؤمنين(عليه السلام): "ولو فكّروا في عظيم القدرة، وجسيم النعمة، لرجعوا إلى الطّريق، وخافوا عذاب الحريق"٦ ت_ التّفكر في أحوال الماضين؛ وهذا الأسلوب قد استخدمه القرآن عن طريق ذكر قصص الماضين مثل قارون ويأجوج وفرعون لتنبيه القلب من الغفلة. قال (تعالى): "وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ"7 خامسًا: العبادة وللعبادة معنيان: أ_ المعنى العام: يُقصد به «كلُّ فعلٍ وكلُّ قولٍ خيريّ، بل كلًّ حركةٍ يقومُ بها العبد امتثالًا لأوامر المولى (تعالى)، أو امتثالًا لنَوَاهِيهِ»، وهو يشمل المعاملات والعبادات، بل يشمل كلَّ حركةٍ من حركات الإنسان. ب:المعنى الخاص:: هو «تلك الأعمال التي فرضها المولى (تعالى) على عبده، والمشروطة بنيةِ الامتثال قربةً لله»، بمعنى أنّها لا تصحّ أو لا تُقبل من العَبدِ إلاّ إذا كانت مسبوقةً بنية الامتثال قربة لله (تعالى) وهذا المعنى الخاص هو نفسه المعنى الاصطلاحي الفقهيّ لمفهوم العبادة، من قبيل الصلاة، و الصوم، و الحج......الخ .٨ سادسًا: الرفق بالروح والبدن، وعدم تحميلهما ما لا طاقة لهما به؛ فالدينُ سهلٌ يسيرٌ. قال الله (سبحانه وتعالى) في كتابه الكريم: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ"٩ أما كيف نعملُ من أجل طاعة الله وإماما زماننا؟ فهو بالتالي: الدعاء والطلب: نتعلم من الإمام المهدي (عجل الله فرجه) الدعاء من أجلِ طلبِ التوفيق للطاعة، فقد ورد في أحدِ الادعية عن الإمام صاحب الزمان: "اللهم ارزقنا توفيق الطاعة" فالطاعةُ رزقٌ يحتاجُ إلى توفيق.١٠ مصاديقُ الطاعة: *طاعة الله: عن طريق الالتزام بما أمرنا به وما نهى عنه. *طاعة الرسول (صلى الله عليه وآله)، والإمام (عليه السلام):هي تطبيق ما ورد عنهما وأمرانا بهِ، مثلًا حينما يأمر الإمام الشيخ المفيد ويقول له: "فليعمل كلُّ امرئٍ منكم بما يقْرِّبه من محبتِّنا ويتجنب ما يدينه من سخطنا"11 فواجبنا أنْ نُطيع الإمام وأنْ نتبع كلامه ونكون نموذجًا يفتخر به في زمن الغيبة الكبرى، ونعمل على نشرِ قضية الإمام وإدخال السرور على قلبِه بطرقٍ كثيرة. قد يطول بنا المقام لو ذكرناها جميعًا. فمجالُ العبادة –بالمعنى العام- لا حدود له مع الإخلاص بالعمل والنية والدعاء بأن يتقبل الله (تعالى) منا أعمالنا وأذكر مثالًا واحدًا عليها واختم بها كلامي: *إطاعة الفقهاء الجامعين للشرائط هي إطاعة لإمام زماننا (عجل الله فرجه) فقد ورد عن الامام المهدي يقول: "أمّا الحوداث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله" ١٢ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ١كتاب الإعداد الروحي لعصر الظهور 2 سورة الشمس اية ٩ و١٠ ٣ ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٣ - الصفحة ٢٦١٤ ٤_ال عمران ١٩١ ٥_بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٦٨ - الصفحة ٣٢٢ 6_بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٦١ - الصفحة ٣٩ ٧_الاحقاف ٢١ ٨_ويكيبيديا الشيعة 9_سورة النساء اية ٥٩ 10 _قال الكفعمي في المصباح: هذا دعاء المهدي صلوات الله عليه: ١١_(٣) الاحتجاج: ٢ / 599. ١٢_ اكمال الدين وتمام النعمة. اللّهُمَّ ارْزُقْنا تَوْفِيقَ الطَّاعَةِ وَبُعْدَ المَعْصِيَةِ وَصِدْقَ النِيَّةِ وَعِرْفانَ الحُرْمَةِ، وَأَكْرِمْنا بالْهُدى وَالاسْتِقامَةِ".
اخرىبقلم: زينب سامي مقدمة: وأنا أكتبُ وأُفكِّرُ بموقفِ (دلهم) تساءلتُ بيني وبين نفسي: لو كنتُ مكانها ووضعتني الأقدار بمثل هذا الموقف، هل سأكونُ قويّةً مثل (دلهم) وأتخلّى عن شريكِ حياتي من أجلِ إمام زماني! حينها أدركتُ كم كان قرارُ دلهم وكلماتُها عظيمةً؛ فاستلهمتُ من ذلك الموقفِ بعضَ الأمور؛ أحببتُ أنْ اطرحَها هُنا: المحورُ الأوّل: من هي دلهم وما هو موقفها؟ لم تذكرْ لنا المصادرُ وكُتُبُ الرجالِ شيئًا عنها سوى اسمها وهو "دلهم بنت عمرو" وموقفها الخالد، وهو حسبُما ذُكِرَ باختصار أنّ زوجَها زُهير بن القين كانَ في سفرٍ، وكان أشدَّ ما يكره أنْ يلتقيَ مع الإمامِ الحُسينِ (عليه السلام)، ويبتعدَ عن الإمامِ كُلّما صادفَه، ثم بعدَها جمعتْه الأقدارُ مع الإمامِ، وطلبَ الإمامُ زهيرًا ودعاه للحديثِ معه، فهُنا جاءت كلماتُ دلهم؛ لتُنقِذَ زوجَها من الضلالةِ ومن البُعدِ والصّدِ عن إمامِ زمانه. قال أبو مُخنَّف: فحدّثتْني دَلهمُ بنت عمرو وهي امرأةُ زُهيرٍ قالت: «فقُلتُ له: الله! أيبعثُ إليكَ ابنُ رسولِ الله ثم لا تأتيهِ! سُبحانَ الله، لو أتيتَهُ فسمعتَ من كلامِه ثم انصرفت. فأتاهُ زهيرُ على كُره؛ فما لبثَ أنْ جاءَ مُستبشرًا قد أشرقَ وجهُه، فأمرَ بفسطاطهِ وثقلهِ ورحلهِ فحوّل إلى الحُسين (عليه السلام)، ثم قال لامرأته: أنتِ طالق، الحقي بأهلكِ فإنّي لا أُحِبُّ أنْ يُصيبَكِ بسببي إلا خيرٌ، وقد عزمتُ على صُحبةِ الحُسين (عليه السلام) لأُفديهِ بروحي وأقيهِ بنفسي، ثم أعطاها مالَها وسلّمها إلى بعضِ بني عمِّها ليوصلَها إلى أهلها، فَقامتْ إليه وبكتْ وودعتْه، وقالتْ: خارَ اللهُ لكَ، أسألُك أنْ تذكرني في القيامةِ عندَ جدِّ الحُسين (عليه السلام) وقالَ لأصحابه: من أحبَّ منكم أنْ يتبعني، وإلا فهو آخرُ العهدِ مني"1 هناك بعضُ الدروسِ التي نستلهمُها من موقفِ دلهم، ويُمكِنُ أنْ تساعدَ المرأة الرسالية في دربِها؛ فهدفُ المرأةِ الرسالية هو هدايةُ الناسِ ومُساعدتِهم حينَ تشتدُّ عليهم فتنُ الضلالةِ، وهنا نرى كيف كان موقفُ وكلماتُ دلهم قد ساعدتْ زوجَها لكي يخرجَ من ضلالِ الفتنِ إلى نورِ الحقِّ؛ لنُبحِرَ معًا بموقفِها ونتدبّر لعلّنا نهتدي. الكلمةُ وتأثيرُها وأهميتُها في حياةِ الرّسالية: إنَّ الكلمةَ هي من أهمِّ الأسلحةِ التي تحتاجُها المرأة في رحلتِها الرّسالية؛ فالكلماتُ هي ترجمةٌ لعقيدتِها التي تنبضُ في قلبِها، وهي سبيلُ الهدايةِ وهي رحمةٌ إلى العبادِ تسوقُهم إلى بارئهم، فكم من كلمةٍ غيّرتْ مجرى حياةِ أحدِهم؛ وكم من كلمةٍ جعلتْ إنسانًا يتراجعُ عن قرارٍ كانَ بهِ هلاكُه، ومن مصاديق ذلك كلماتُ دلهم زوجةِ زُهيرٍ التي استطاعتْ أنْ تدخلَ إلى قلبِه فتُغيّر حياتَه؛ ليُصبِحَ أحدَ أنصارِ الإمامِ الحُسين (عليهم السلام) الذين قالَ عنهم الإمامُ الحُسين (عليه السلام): "فإنّي لا أعلمُ أصحابًا أوفى ولا خيرًا من أصحابي..." فكيف يُمكِنُ أنْ نجعلَ كلماتِنا تُحوِّلُ حياةَ الآخرين إلى أنصارٍ وجنودٍ لإمامِ زمانهم. هناك عواملُ تجعلُ للكملةِ تأثيراً في نفوسِ الآخرين، وهي: أولًا: التّفكُّرُ والتّدبُّر. ثانيًا: أنْ نختارَ الكلامَ الليّن. ثالثا: اختيارُ الوقتِ والأشخاصِ المُناسبين لهذه الكلمةِ التي سوفَ نقولها. رابعا: أنْ نؤمنَ بكلمتِنا. أولًا: التّفكُّر والتّدبُّر: إنَّ من أهمِّ الصّفاتِ التي تتوفرُ في الكلمةِ التي يجبُ أنْ تقولَها الرّساليةُ إلى الآخرين هي التّفكيرُ في الكلام والتّدبُّرُ به، فحينما نُفكِّرُ ونتدبّرُ سوفَ نعرفُ متى نختارُ الصّمتَ، ومتى نختارُ الكلامَ، ومصداقُ حديثِنا هنا دلهم التي حينما رأتْ إعراضَ زوجِها عن رؤيةِ الإمامِ الحُّسين فكّرَتْ، وتدبّرتْ ورأتْ أنّ ابتعادَ زوجِها عن الإمامِ الحُسين (عليه السلام) لا خيرَ فيه فرأتْ هُنا أنّ كلامَها أفضلُ من سكوتِها، فاختارته. وأيضًا نستدلُّ على أنَّ كلماتِها كانتْ عن تدبُّرٍ وتفكيرٍ وعن عقلٍ راجح: أنّ الأوضاعَ في تلك الفترةِ كانتْ فتنةً ضاريةً، وأكثرُ النّاسِ قد سقطوا في تلك الفّتنة حتى زوجها، إذ أعرضَ عن إمامِ زمانِه نتيجةَ وقوعِه في الفتنة، أما دلهمُ فلم تقعْ فيها، أو عرفت كيفَ تخرجُ منها، وكانتْ ترى الحُسينَ نورًا ومنهاجًا لطريقِ الخلاصِ؛ لهذا حثّتْ زوجَها للامتثالِ لدعوةِ الإمامِ (صلواتُ الله عليه). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1ـ أعيان الشيعة السيد محسن الامين ج ١ ص ٥٩٥
اخرى