بقلم: غدير البغدادي نَعَقَ الغُراب... لطّخ جُدران الانتظار بِدم المُنتظَر... اكتَسَت الثُّريات بقناديل قانِية... وماجَت السّماوات بعبيطٍ أحمر مُضَمّخٍ بعَبقٍ مِن التُّفاح! قارورة التُّراب صارت دُملجًا! تِلكَ سيماء القِيامة! بعد أربعين ليلة ونيّف وافى النّذير ناعِيًا أطرافَ يثرب... -مَهْيَم يا بِشر؟ -إنَّ النّبأ عِندَ البشير... فرّ النَّاس برُمّتهِم يهرعون تِلقاء قبر النّبيّ (صَلَّى الله عليهِ وآلِه)؛ فلَم تبقَ مُخَدرّةٌ إلاّ برَزَت تستعلِمُ نبُوءة تِلكَ العلامات! سبقهم على ترقوة الصَّبر جازِعًا بأبياتِ المُصاب نادِبًا: -يا أهلَ يَثرِبَ لا مُقامَ لَكُم ... بِها قُتِلَ الحُسينُ فأدمُعي مِدرارُ الجِسمُ مِنهُ بكربلاءَ مُضرّجٌ .... والرّأسُ مِنهُ على القَناةِّ يُدارُ ضجّت المدينة بين صفوف حشرٍ حشدهم ذَرّ الدّرب لعباءةٍ مُنحنية... مُتّكِئة على عصا صبرها وعلى كتِفها هلالٌ مُنير... خرست الأجراس والأنفاس وَكُل الحواس عندما أشارت مُستفهمةً عن الخبر... استنكر شخصها... من هٰذهِ الخَفِرة؟ -إنّها أُم البَـنين؛ أُم العبّاسِ وأُخوته -ما جرى على ولدي الحُسين يَا بن حَذلم؟ -جرى دمُ ولدكِ عَون... -سألتُكَ عن ولدي الحُسين ماذا أصابه؟ -أصابَ المُرّان فؤادَ ولدكِ عبدالله.. -أولادي ومن تحت الخضراء فداء لأبي عبدالله... أخبرني عن سيّدي الحُسين؟ -أُعزِّيكِ بولدُكِ جعفر يا سيّدتي... -أ تُراني سألتُكَ عنهم؟ بالله أخبرني عن مولاي الحُسين! -لكِ الأجر ببدر آل هاشم... تنهّدت؛ سقَط الهِلال من سماء كتفها... استشعرَت حرارة جمر الخيام في صدرها... عطش الحور على شَفتيها وسياط الزّنيم على مَتنيها... غُصّة الآه غاصت في حُنجرتها وكسر الظّهر على النّهر أحنى قدَّها... -لقد قطّعتَ نياط قلبي وقرّحتَ فؤادي؛ أخبرني عن سيّدي الحُسين -آجركِ الله بأبي عبد الله...
اخرىبقلم: غدير البغدادي أفاطِمٌ خلفَ الباب! _لا، إنّها الخَفِرة أميرةُ عليٍّ؛ ندُّ أُمِها ألا فأنصِتوا، انتَصبوا واصطفّوا يا رِجَال بني هـاشِم فَعقيلَتُكم قد غَشِيَتكم تشَمّر الفِتيان وتسَمّر البُنيان... فَنور مِشكاة مصباح الزُّجاجة قد أطَل همسٌ في هواءِ الصَّمت: أخي حُسين! دموعٌ حمراءُ قانية؛ عيونٌ ذابِلةٌ مُتَقرّحة: لبّيك يا نور عيني! ناس السِّبط أهدابه وأشاح مُشيرًا لطست الشّؤم، أمرهُ أن واري سَوءةَ عجوزِ سَدوم؛ فالعذراء قادِمة... البَدر مُصفَرُّ المُحَيّا مُلقى على مضجَع مَكيدة جُعدة وسُمّها الزُّعاف؛ يستفرغُ أَشِعَّة الْعَرْش، يتقيّءُ كَبِدَ السَّمَاء على طست الْبَلاء... استقام وقام "العبّاس" قمرهم السّاقي على باب الغُرفة، مَكفولتهُ ورَدت حِياضهُم بِصَدًى حاد، مَد كفّهُ لتنزِل على سَـكينة... تلمّستها... وودّت لو قَبَّلتها... فعقدُ خِدرها مرهونٌ بِها... قرأت إذن الدُّخول وسُرعان ما بَادر صوت جَدّها المُصطفى بفَم المُجتبى: أقبِلي أُختاه بنفسي أنتِ... على أشفار الأجفان تكدّست سِحابُ البُكاء؛ أ زينبُ تِلكَ الواقفة! يُخَيَّلُ لِناظِرها أنّها البتول لا تَخرِمُ مِشيَتها مِشية الزّهراء! آهٍ عليكِ يا أُمَ الصَّبرِ لآلِ أيّوب! صدرٌ مُكتظٌّ بأسى آل ياسين، يتعثّر وقعُ نبضاته بحسراتِ آهاته؛ دموعها محشورةٌ بأُم عَينيها، لاحظَت إصرار أخيها على دس آلامه بقلبهِ المتشظّي وإضمارِ وقعِ السَّم بين شَفتيهِ الصّفراوتين، إنها لم تعهدهُ بِكُل هٰذا الذّبول. ها هي تَرى فروع السِّدر تذوي... الغُصنَ بعد الآخر... فواحدٌ ضَوى بسُمّ السّقيفة، وأُخرى وُخِزَت بنابِ مسمار ابن أبي قُحافة، وثانٍ طُبِرَ بسيفِ عَبْدِ الزّانية السّخيفة! تنهَّـدَ السِّبط... نفضَ أشجان فؤادهِ المَضنيّ كأنه فسّر طلاسم حيرة نظرات أُخته: للهِ أمرٌ كانَ فاعِلُه... صكّ الشّهيد راحة على جَبهتِه والدُّموع تتهادى كاللّؤلؤ: ما أصعَب يومَك وأدهاهُ يَا بن أُمي! تراءت كربلاء بعين أبي محمد في الأُفق البعيد... إنها تقترب... الكلاب تَوُد قضم لحم ياسين ونهش جسد الدِّين تعزِمُ على أن تغمر اللّاهوت تحت النّاسوت... ترقرقت الدُّرر بعينيه الواسعتين؛ الغائرتين: لا يومَ كيومِكَ يا أبا عبدِالله...
اخرىبقلم: غدير البغدادي تهاوت سُّرج النّور... مَالت سجُف الأضواء، كَبَت هَوادِجُ المشكاة! زوبعةٌ مَهولة انقضّت تفترس أَشِعَّة فاطِمَة "صلوات الله عليها"، غارَت على رائحة عليّ "صلوات الله عليه".. اجتاحت روح مُحمّد "صَلَّى الله عليه وآلِه" نُكِصَت رؤوس الأعلام وارتفعت الويلات! سقطت كريمة كاظم الغيظ "صلوات الله عليه" من محمل خدرها وأُطرِحَت أرضاً ، أُغمي عليها ولمّا تفيق...! ترقرقت الأنوار على آماقها لؤلؤاً رمال "ساوة" حميم حرقت أسيل خدّها تنهّدت.. بالكاد حرَّكت يداها لتنهض، لتنفض غبار الشّجون التّي هاجت بين فينةٍ وأُخرى عاودت السّقوط؛ تزاحمت بعينها صور عمّاتها بترعةّ كربلاء! ترآءت نجوم يتامى جَدِّها الحُسين "صلوات الله عليه" تلوذ بأذيال ليل عباءةّ عمّتها الحالِك.. رفعَت يمينها لتطرس سيماء الدّم والتُّراب المُمتزج على كفّيها المُضمّخة أربعةٌ من إخوتها قد خَبَت أنفاسهم.. غرقت بدماء دموعها ويلالي! نار المُخيّم تضطرم بكَبِدها ها قَد ذبحها السَّم الزُّعاف! حسرة الوَجد خنقت أنفاسها.. انحدرت إزاء صومعة المصارع ثم أغمضت عَينيها المَذعورتين... ترتجف لشدة وهنها كسعفةٍ من نّخيل كوفان تجاذبت أصوات الأرواح ... همس الملكوت صداح أخيها عليّ يهدر على أُذنيها كالغدير.. ومَضَ اسم "قُم" بمختلج فؤادها الأرض المُختَاَرة.. كم تبعُد عنّا؟ مسافة عشرة فراسِخ جَمِّعوا ما تبعثر من الضّوء.. أبلغوني عُشّي سَميّة الزّهراء تدخل هذه المدينة كالحمامة متكسّرة الجناح، الظّهر... ومسمار الضِّلع في قلبها! مرّت سبعة عَشَرَ يومًا والأميرة اتخذت من "قُم" مملكةً لقلوب العُشّاق... لابُد لتِلك المتفجّعة: المُتلّهفة أن تصل أخاها السُّلطان... أفَلَتْ في بيت النّور ودّعت بقايا النّفس وحلّقت لفراديس الشّوق.
اخرىبقلم: غدير البغدادي قد هُدَّ رُكني سيّدي والصّبرُ أضحى يستجيرْ يا وِرْدَ روحي الظّامئة قد جَفَّ نبعي والغديرْ رَجبَتْ دموعيَ وَجنتي إنّي أسيرُ كما الأسيرْ أنت المُنَفِّسُ كُربتي يا جابر القلب الكسيرْ مَن ذا سِواكَ ليُرتجى! أنّى لمثلِكَ من نظيرْ! أولَستَ مولايَ الذّي تَجزي الكثير على اليسيرْ؟ جُد لي بِجودِكَ سيّدي يا سامِقَ الجود الوفيرْ أرجوكَ افثأ شِدّتي وشَواجِرَ الغمِّ العَسير اكلأ بلُطفِكَ لَهفتي بكِراية الدّمع الغزير يا ابنَ الهَزابر أرتجي عنيّ لِحَاظكَ لا تُدير إنّـي بأُفْـقِـكَ نجـمة لـولا سَـناكَ لَمَـا أُنـيرْ ________________ بعض المعاني التّي ذُكِرَت رَجبَتْ : فَزِعَت ، خافَت ؛ استَحيَت سامِق : عالٍ ، عليّ ، مُرتفع افثأ : اسكِن ، احبس ، اكسِر من حِدّته شواجر : موانع و شواغل من الرماح المتداخلة في القتال اكلأ : صُن ، احفظ كِراية : من كَرَى ؛ كَرَى الأَرْضَ : حَفَرَهَا والمقصود هو أن الدّمع حفر الخد هَزابر : جمع هِزبر وهو اسم من أسماء الأسد اللِّحَاظ : مُؤْخِرُ العين مما يلي الصُّدغ.
اخرىبقلم: غدير البغدادي أرضٌ بها آثارُ قُدسٍ تسطَعُ *** وغُبارُها كالدُّرِ فيها يَلمَعُ قد ظَللّت سُحب المكارمِ سِجفُها *** بزُغاب أجنِحة الملائكِ تُرصَعُ وعلى أواوين المُقام تزَركَشت *** شِيَمُ النّجابةِ والمَهابةِ أجمَعُ ينثالُ من جَنَباتِها ريحُ الإبا *** بأريج جَنّات المُهيمنِ توزَعُ جُدرانُها تسمو كما لو أنَّها *** عمَدُ السّمٰوٰتِ العُلا بل أرفَعُ يتناثَرُ الجُلّنار في أرجائها *** والياسمين كذا الخُزامى اليانِعُ يتدفّقُ الصّرحُ المُمَرّدُ لُجَّةً *** منها يعابيبُ الرّزانةِ تَنبَعُ لو عاينَتْ بَلقيسُ مَحضَ جلالهِ *** لَهوَتْ على الأعتابِ شَوقًا تَركَعُ شِيَةُ الوُلايةِ في زوايا ساحِهِ *** آثارُ جِبرائيلَ فيها مَهيَعُ رَهط النّبوّةِ كُل حينٍ وافِدٌ *** قبرَ الدّماثة آمِلاً يستَشفِعُ كفُّ الإنابةِ شَيّدت أركانهُا *** مِنها مُناجاةٌ لآدَمَ تُسمَعُ هِيَ دَوحةٌ لِلمَجدِ يبذُخ غُصنها *** يا سائلي فيها القداسة تَرتَعُ ذي قُبةٍ نوراء تعتَنِقُ الفَضا *** تُنشي الشّموخَ بِغَيثِ مجدٍ يُنقَعُ القبرُ عرشٌ شاهِقٌ فوقَ العُلا **** وضَريحهُ تاجٌ يُضيِءُ و ينصَعُ قبرٌ يَؤمُّ بِرَحبهِ كُلّ الدُّنى *** للوالهِين من الأنامِ ومَفزَعُ قبرٌ حَوى شَرف العفافِ بطُرِّهِ *** قد كان للحوراء زَينَب مَضجَعُ أميرة الفِردَوس تِلكَ عمّتي *** خدرُ عرشِ الله فيها مودَعُ يلتاثُ في أستارها ليلُ الدُّجى *** والشّمس من أركانها تطلَعُ النُّورُ يُشرقُ من لحاظِ جفنوها *** و العِزُّ يُرشَقُ فوقها و يُبَرقعُ النّجمُ يذوي تحت وَقعِ مَدَاسِها **** وَهجُ البُدور بوَجهِ زينب يقبَعُ قد كانَ ميكائيلُ سادِنَ دارها **** والحُور طُرًا للفرائِضِ تخضَعُ هِيَ بضعةُ الكرّار ، راهِبةُ السّما *** في كفّها الأفلاكُ سَعيَاً تتبَعُ هي كعبةُ الأحزان طافَ برُكنها *** وَجدُ الخَليلِ بشجوُ قلبٍ يَخشَعُ يعقوبُ يَبكيها على تِحنانِها *** مِن صَبرها أيّوب كان لَيجزَعُ فيها نبيُّ اللهِ موسى لو يَرى *** جبلَ التّصبُّرِ خَرَّ موسى يَفزَعُ لو هزّت العذراءُ جِذعَ مُصابها *** لتَساقط الحُزنُ الجَنِيُّ الأضوَعُ حارَ الزّمان على رباطةِ جأشِها *** لا ما رأى نِدّاً لها أو يسمَعُ أوَمِثل أُمِّ الخِدر يا لهفي لها *** تعدو إلى تلِّ المُصاب وتُسرِعُ! إذ شاهدت صدرَ الحُسينِ مُهَشّمٌ *** في الطّفِ روحٌ للمَشيئَةِ تُصرَعُ جَلدًا ترى رأس الإمامِ أَمامَها *** وعلى سِنان السُّمرِ جهرًا يُرفَعُ وَطِئَت سنابِكُ شِركِهم صدر الهُدىٰ *** هِيَ خَزنةُ الأسرار ما هِيَ أضلعُ ها إنها فخرُ الإلٰهِ على الوَرىٰ *** هيهات ترضخُ للطُّغاتِ و تخنَعُ
المناسبات الدينيةبقلم: غدير البغدادي لَنا في الطَّفِ أحزانٌ *** وذكرى فيهِ تُشجيني بُعُمرِ ثلاثة أعوامٍ *** و هٰذهِ الأرض تَرويني حَكَت لي قِصّةً يومًا *** لقبرٍ يحوي جِسمَينِ! رضيعٌ في القماطِ غَفى *** على ضلعٍ بصدعَينِ فصدرُ الوالد الحاني *** غدَى بالكسَرِ نصفَينِ يُرى من صدرهِ ظهرٌ *** ينوء بفَقدِ ابنَينِ! يُناغي طفلهُ الظّامي *** سيأتي الماءُ يا عَيني صَغيري نَم ، رعاكَ الله *** ولا تبكي فتؤذيني أهُزُّ القَبرَ كالمَهدِ *** و صوتُ الآه يَحديني على مهلٍ يُداعبهُ *** و غصبًا صارَ يُبكيني! عَليٌّ نامَ مَذبوحًا *** بسهمٍ في الوَريدَينِ و حتّى اليوم يُبهظني *** ونارُ الحُزن تَكويني
اخرىبقلم: غدير البغدادي يا نورَ المِشكاة، يا سيّدة المُباهلة وعذب الغدير... يتفلّتُ أصل الضّوء شُعاعًا من أنصال رموشكِ... تبزغ من مآقيكِ شمسُ المَشيئة... لمعانٌ أغرٌ يترقرقُ في أهدابكِ... يا زاهرة، يا فيزورة الرّب... يا تُفاحة الجنة، يا مُعتّقة الخِدر... تنثالُ ريحُ الشَّهادة بحفيف قماطكِ، يغزِل خيوط الشُّهب، يرشق كالنّدى على الدُّنى فخرًا وذُخرًا... يا أُم الشُّهداء، على مودّتِكِ دارت القلوب الأولى... رُجّي يا أُمّاه زُجاجة الحُب... لِيَفوح من بين جنباتها ريا خدَّيكِ، لِتَتَطاير فراشات الرِّضا وزغب اليقين... وتتقاطر أرواحنا شَوقًا وعِشقًا...
المناسبات الدينيةبقلم: غدير البغدادي تُلألِئُ جبينُكِ شذراتُ الوداع، يشرحُ بالنّدى... أظفار السّم تُشرّخ كبدكِ؛ تُهيج جمرك ريحُ الذّكريات... لوذي يا سيّدة الياسمين جانب الشّجرة... أغرِقي وجهكِ الحاني بكفيّكِ، المَطلِيَّتين بدماءٍ ورماد! وأنتِ تسبَحين في فضاء حُزنٍ سرمد، وليلٍ مُسهّد، تتكوّرين كالجّنين ثقل الرّسالات على كاهِلَيكِ... تَمُورُ بينَ ناظرَيكِ صُور كربلاء؛ يتدفّق دُخان الخِيام كالأمواج، أمواج عطشى لغَيمة قِربة القمر. ينغز جُرحكِ مِلح الذّكريات، هناك حيث فتّيت غليظ الحبل، ينحر شرايين الخِدر، يكبِسُ كظمكِ، يخمش قلبكِ بأنياب عُقاب! هناك حيث ظمأ الضّمائر، وخمص الذِّمام تحرق أحلام النّبيّين، جناح جبريل يتَشَدَّخ... يتلقّى عنكِ زجر الشّمر وسياط زَجر... ظِلُّكِ الذّي لَم يُرَ لسنوات طِوال... أنار الكائِنات ساعةَ كُشِفَ يوم عاشوراء... هُناك حيث الموّدة الموءودة، البراءة المذبوحة... طيفُ الموت يجوب أخيلتكِ، تُناديكِ رُقيّة، وصيّة الشّقيق... هناك حيث تأوّه الـ٨٢ نجمة يذبح سمعك، يشُق مرأى أفقكِ القاني... هناك... صمتٌ صاخب، عويلٌ خافِت آه... ما أقربها في المدى البعيد عواصِف حمراء... كنحر الْقُرْآن المحزوز... صُراخ ند الْمَسِيح... يهمسُ شاربًا دم النبوءات... هو ذا السَّهمَ أتاني وَجَعَلنْي ذَبيْحا... أراكِ، وقد أنستِ من جانبِ التّل نوراً تنبعثُ من بين جنباته رائحة التّفاح... تدعين الوارث، فإذا بالأرزاء يأتينَكِ سَعيًا... أراكِ، وقد أُسريتِ من مُخيّم الخدر إلى مذبح الفجر، فلمّا أتيتيه نُوديتِ من شاطئ الفُرات في البُقعة المُباركة من شجرة السِّدر... أراكِ، تقُصّين ريح أخيكِ وقد فرغ قلبكِ إلاّ منه، بصُرتِ بهِ عن جنب، دلّتكِ سنابك الخيول فُرات الدّماء... أراكِ، تشهدين مذبح هابيل، صلْبَ عيسى وقتل النبيّين... تلثمين عظم نحره... ترفعينه كميّا "اللّهم تقبّل منا هذا القُربان"... هُناك... يَتيمةٌ تئنّ عند أشلاء والدها المُتمزّقة كعباءتها... تحمل جُزءاً ويسقط آخر، تمشي على أرض السَّمَاء، احتذى الحَسك كَعبيها الدّامية؛ عزّ عليها عِزُّها؛ تضرب أرض المذبح... تنبجس منه عيون دماء وصداح... تهزّ إليها كفَّ عمّها ... تساقط عليها النّبل والرِّماح... تلوذ بكِ يا أُم الصّبرِ لآلِ أيّوب... هلّا تفتئين تُذكرين الرّبابة وهي تعزِفُ سمفونية الرّجاء، تهز المهد على تؤدة؟ ترجو نزر وصل... تشزر صراخ أنياطها المُمزَّعة! ليغفو مُدللُها فوقَ دفئ الرّمال، القائظة كصالِية الجمر.. أأخبرتيها أنها تجذِبُ إليها أطراف قبر! قبر الوالد والولد! يا لله وللذّكريات، يا لَكربلاء!
المناسبات الدينيةبقلم: غدير الكربلائي و نرجس الصّافي أيُّها الغريب .. الوطنُ يسرقُكَ في زحمة الوالجين، يرسمُ مبسمُكَ على المدى أنشودةَ الدهر الكئيب! لماذا تُشهَرُ بوجهكَ القُيود؟ هل يهربُ الطغاةُ من الماضي من نسبٍ يُحيلهم إلى الإماء! أو من عقدةٍ يحسبونها نقصًا يُركعهم لآل عليّ، لجدةٍ وُهبت، واستُعمِلَت مرةً أخرى لولا الوليدُ البديّ! أيُّها الغريب.. الحقدُ والحسَدُ ينسلُّ عبرَ السقائف، لا يعبُرك، يؤتيكَ نصيبًا منهُ كالأسلاف.. يلفعُ تاريخَهم المضمّخَ بالدماء نكتٌ سوداء تتسعُ كل آن، أنضحوا ولائجهم إحنًا، أورثوا صِغارهم بُغضًا غَضًا، ولا زالوا يختصمون بالشجرة مستغفلين الثّمار المتاحة! أيُّها الغريب .. سيرةُ الإقصاء تمتد، تتسعُ كثيرًا تدشّنها مؤامراتٌ حثيثة تلمعُ خُبثًا، تعودُ لتلكَ الصحيفة التي قُبرَت سرًا في جوفِ الكعبة، ولاِمرأتين أطلقتا للدُنى فِكرةَ السُّم، فلدّتا الجدَّ من قبلُ وبعدَ أن صرعَه الحِمام، ولفَّ حِمامه الادلهمام؛ تنهّدتا فرحًا، كم كانَ كيدهنّ عظيم! أيُّها الغريب.. تتمزّزُ الشّفاهُ الصّادية لقِربة قُربِك، تملأُ أقداحها قَراح الأماني وعذب اللّقاء، تخشى نِبال الأمت وبُكم السِّهام، تسبي خلَدَها أشباحُ الارتياب، تُكبّل صَبرها. أينكَ يَا بن كربلاء؟ يَا بن الغَريب، طال النّوى. تترقّبكَ بغداد، تراقب شفير الرّصافة، يذبِّلُ ريا تّوقها زهمة غدر اللّيالي، الأصفادُ العتيّة، غربان المنون، فواطم الانتظار وأخبار النّخيل. تقشَع سحاب الظّنون، فابن سويدٍ لا يغلط! أيُّها الغريب الجُمعة آتية، تنتظر قميصَ البُشرى من طوامير السّجون. تُنثَرُ حدقاتٍ كمهاء على الأرصفة، تُكحّلها بماء الاصطبار، تُسرِجُ قناديل الكِرى فوق الجفون، تخضّب شَيب الذّكريات السّود... ستُنكّس شنار الرّايات الحُمر، سيجيءُ يوسفنا، يُخلّصنا من حمص الذّمام، سغب الدّماثة وقحط الاحتشام، سيَرمي علينا بقميصه، أوشحة الشّمس، سيبطش فينا عدله… أيُّها الغريب قد شطَّ الشّاطئ، أغمس أظفاره أعين الوعد، خمَش خد المُبتغى، كسر ظهر الجسر زُعاف السّم، أيبَس مَيس الياس، واليأسُ بدى، دَلعَ لسان صباح الجُمعة، لٰكن نادبًا... يرشق الدّموع، يسح الأعيُن، يذبح سنابلنا منجل المكيدة. لقد غاب موسى، غاب الغريب… ذبحهُ تمر هارون! مُصابٌ... جَلَّ عمّا يَصِفون!
المناسبات الدينيةبقلم: غدير البغدادي يا فُطرُس... وأنتَ تجول في دهاليز التّنائي؛ تصفعُكَ مَتاريس الجزيرة سبعمائة عام. عيناكَ المزروعتان على سقف السّماء، تُدحرِجُ دموع التّوبة، تَغزِلُ ثوبَ الإنابة والرّجاء، تُسرِجُ قناديل البُكاء، تخرِم عظام النّدم، تصك سمع الملكوت.... أُسكُب ماء عينيكَ في أكؤس الدُّعاء، لن تمكُثَ طويلًا... لن يطول كَسرُ جناحك، والجراح. يا فُطرُس... يختلِسُكَ المُنى، تتسرّب قطراته في أهدابك، تعلّقها صورةً للعرش على أنصال رمشك. وأنت تتمعّن بِرقّة بَريقهِ ورونقهِ البهيّ، ارجع البصر إلى يمين ساقه ..."ان الحُسينَ مصباحُ هُدىً وسفينة نجاة، وإمام خيرٍ ويُمن..." تستذكر بهاء الأنوار المُحدقة بعرش الله استفزّ فضولك الصّبا، ورُحتَ تطيرُ في هوى هواهُم..؟ تحاول أن تقنُص ضياءهُم بنظرة، تصطدم بسطوعهم ولم تسطع عليه صبرًا! وأنتَ تتأملُ حروفهم المُشعّة تتمايلُ حُبًا... أتذكر ماذا حدث عندما نطق آدم اسم الخامس منهم؟ ألا زلتَ لا تعلمُ سر أديم تلك اللّيلة وما أُحجية ذلك العزاء.>> يا فُطرُس... أسرابُ الملائكة تغدو، قُم وانبذ إجدابكَ الأجرَد أما أرهقكَ الطّرد! وعتمة الإقصاء؟ ألا تتوقُ لمعارج الكبرياء التّي غُيِّبتَ عنها يا أيُّها المهيض، ألا ترى القطوف الدّانية والأعذاق القانية في خوان البُشرى تلمعُ في وجوه الآمِلين. أنسل خُيوطَ بُردة الدُّجى فاليوم ميلادُ الضِّياء! غيثُ الفرج ينهمر، يُغرِق قلبكَ الذّائب، يغسلهُ بكاء الهيام يرفُعكَ جبريل إليه، يحملكَ عن جوى الهجر كذات الألواح والدُّسُر... يا فُطرُس... الأعتاب تَشِع، الزّوايا تتوهّج... تلف الحور المولود بخلع الجناّت، تُزغرِد بلحن الشّهادة، تنثِر الأُقحوان، وتعبق الطُّرُقات بريحِ التُّفاح... أدن لنُسخة المُنتقى، المُجتبى، تمسّح بتخت البَخْت، مهد اللّاهوت ابن ماء السّماء وعروق الثّرى، اقطِف الثّمار الدّالية من شَجرةّ السِّدر، اسقِ قِفرك القاحل.. اركب الغيوم، باهِ العالمين حلّق في الأُفق المُطلق، تخطّر فِجاج الأيام، أبلغهُ سلامنا يا عتيق الحسين.
المناسبات الدينيةبقلم: غدير الكربلائي "فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيم" ينفلجُ نورهُ كفِلقة البَدر بَل هو أزهر. يتجلّى نَبياً وليس بنبي "وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُم.." مِرآةً للمُصطفى. شُعاع مَرآهُ ألواحٌ تلوح، صُحفٌ تُتلى، يملأ الدُّنيا نوالًا. هلاهل التّهليل تشدو، تُباركُ للسّبط مولدهُ بتغندُج التّراتيل والآيات الميّاسة، تزُقّهُ بالتّباشير وغُرّة الاستهلال، يَبن الكوثر "إنّا أعطيناكَ الأكبر" قسورًا كحيدر، تطفحُ غِيرته، ينسابُ كرحيق الجوري وعطر العنبر. تغازلهُ الصّلوات، و آمال الملائك... تنتظرُه يوم يُبعثُ من حراء الطّف يومَ ميقات الدّماء، ينسِجُ كِساءً قانٍ ليَخلُدَ تحت أقدام المَشيئة. يخُط تاريخ شرفه الأحمر "إذاً لا نبالي أوقعنا على الموت أو وقع الموتُ علينا" "افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ"
المناسبات الدينيةبقلم: غدير الكربلائي إنّي رَسولٌ والعِراقُ حِــــــرائي وَحيي يَعابيبٌ جَرَت بِبُكائي مِن نَحرِ عاشورا بُعِثتُ إلى العُلا قُلْ أينَ زمزمُ مِن نَجيعِ دمائي! فِيَّ الملائِكُ تَقتَفي أثر الهُـــــدى هٰذا شُعاعُ العَرشِ في بَيــدائي وعلى نِصالِ الرُّمـــحِ قُرآني رَقى تَتَنزَّلُ الآياتُ في أشـــــلائي! باتت بمُزدَلَفٍ جثاميني عُــــرىً وبمَشـــعَر الآهات صارَ نِدائي هٰذا خليلُ الله جـــــــاءَ مُلَبِّيَــًا إذ طافَ أشواطًا بأرض فِدائي حجّت على جَسدي صقيلُ بَوارِقٍ وتَســــــرّبَلَت في حُلَّةٍ حمراءِ سيناءُ تعرفُ نارَ خيمــــتيَ التّي أعيَت كليمَ الله في رَمـــضائي ما رُمتُ طوفانَ الدّماءِ بمركَـــبي نوحٌ يلوذُ بتُربَتي وسمــــائي قَد كان داوودٌ يؤمُ بتِرعَـــــــتي فالسّـــابِغاتُ تَلينُ في أرجائي هٰذي النُّجومُ اللاّمِعات على الدُّجى من نُورِ رَمــــلي أُزِّرَت برِداءِ قَمَري على نَهر الفُراتِ قد ارتـــقى صدرَ الشَّريعةِ صَادِيَ الأحشاءِ فلِجُودهِ سُحُب الشّهـــادة سَلَّمت ولعينهِ صَلّت عيـــــــونُ الماءِ طَوداً تجَلّى ثاويًا قُربَ السِّـــــقا وبكفِّه الـمقطـــــوعُ لاحَ لوائي هو عُروةُ الإســلامْ، كَفُّ يَمينِهِ ويَســــــارهُ سَامَتْ عُلا الجوزاءِ يا سائِلًا عنّي الجلالةَ والحِجـى غَيمُ الإمـــــــامةِ زيّنت عليائي إنّي الطّفوفُ وكربلاءُ وَنينـوى إنّي أنا قِدّيســـــــــةُ الأسماءِ
اخرى