تشغيل الوضع الليلي

جهود النبي الأكرم في تثبيت بيعة الغدير (1)

منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 1365

بقلم: بــاقــر جمــــيل
تعتبر حادثة الغدير الحدث الإسلامي الأبرز والأعظم في الإسلام ، وهو أكثر الأحداث محاولة لتزويره وتغييره وتبديل مفاهيمه على الناس، ولم تبق وسيلة إلا واستخدمت في هذا الأمر ، ولو أن الباحث البسيط استطلع على الإشكالات التي أوردها المخالفون والمنكرون على بيعة الغدير لرأى العجب العجاب، ولتحيّر فكره من شدة الجهل والسطحية الفكرية التي تجعل أشهر قضية في الإسلام واوضحها بيانًا يلفق عليها هذا الكم الهائل من التدليسات في مفهومها و دلالتها، والأعجب منها انها خصت رجلا واحدًا فقط، وهو صاحب بيعة الغدير ، وكأن حسد قريش والعرب كله تجمع واجتمع في هذا الرجل الكبير ، فجعلت اجتماعها في أقوى مراتبه وقوته للنيل من الإسلام، ولكن بطريقة مختلفة عن سابقتها، والأسلوب الان هو الضرب من الداخل وعزل وحجز صاحب الحق نهائيا، وهو التطبيق الأوضح لقوله تعالى (انقلبتم على أعقابكم)، نعم هو الانقلاب الأعظم في الاسلام برمته، ولم يكن انقلابًا عسكريًا فقط، بل رافق جوانب تأويلية وفكرية وتفسيرية اخرى لتدعم جانبهم العسكري، وهذا أول تأسيس لجعل الدين في خدمة السياسة، على عكس ما يقوم به النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) سابقا.
ومن أهم هذه الأمور التي أثارت في نفوسنا أن نبين ونرد عليها بشكل بسيط وميسر، هي مقولة ترددت على ألسن بعض المستشرقين والباحثين ومنهم المستشرق الألماني (وليفرد مادلونغ) في كتابه: خلفاء الرسول في الخلافة الراشدة، عندما ذكر سؤالًا ولم يجب عنه، ومفاده: (لماذا قصّر النبي في وضع برنامج مناسب لتعيين من يخلفه بعد وفاته؟)
ونستغرب من هكذا سؤال سطحي ، وغير مدروس، حيث يسأل عن مكان الشمس وهو في رابعة النهار؟! ولا نعرف أيضًا هل أن المستشرق الألماني نسي احاديث وأفعال النبي (صلى الله عليه وآله) منذ بداية دعوته الى قبيل وفاته بالطرق والآليات التي اتبعها (صلى الله عليه وآله) في سبيل تثبيت بيعة الغدير أم لا؟
والقول الآخر هو ما يدعيه بعض الباحثين من أن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قد وضع برنامجًا معينًا لتنصيب أمير المؤمنين وتثبيت بيعته، لكنه فشل في إقناع الناس بخلافة أمير المؤمنين ولم يستطع أن يقنعهم بشكل كامل وصحيح؛ لذلك نرى تخلّف وابتعاد الناس عنه (عليه السلام) وقبولهم بمقترح السقيفة، وهذا أيضًا أشد سطحية من الذي قبله؟! ونحب ان نورد بعض الذي كان وما يزال واضحًا لدى أي باحث بسيط أمثالنا من شواهد ودلائل كثيرة تجعل الانسان على يقين من ان جهود النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) في هذا الامر كبيرة وعظيمة ، ولا يمكن ان تشوبها شائبة إطلاقًا.
وبما أن النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) هو الأعرف بالطريقة المناسبة لترغيب الناس بهذا الامر، و بالمخاطر التي تحدق بمشروع الله المكمل للنبوة ، و بالموانع التي تمنع من إعلان البيعة بشكل مفاجئ وغير مسبوق لأمير المؤمنين عليه السلام ، فقد صار النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) يتبع الكثير من خطوات تثبيت البيعة والتمهيد بطرق مختلفة لذلك، لأنه يعرف مجتمعه بشكل كبير ، وهو مطلع على قلوبهم وما تخفيه من حقد دفين على وصيه الوحيد، ولم يكن هذا الحقد يعرفه النبي (صلى الله عليه وآله) فقط، بل كان واضحا لعموم الناس، من أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان غير مرغوب فيه في الأوساط العربية والقرَشية، والأسباب على ذلك كثيرة، منها الحسد، ومنها الثأر أيام بدر وحنين، ومنها الحقد، ومنها طلب الحكم وغيرها.
وهذا واضح على لسان عثمان بن عفان عندما قال لعلي بن ابي طالب (عليه السلام): (ما ذنبي اذا لم يحبك قريش، وقد قتلت منهم سبعين رجلا، ووجوههم كسيوف الذهب)!
أو كما يقول الإمام السجاد (عليه السلام) في جوابه لسؤال: ما أشد بغض قريش لأبيك؟ فقال: ( لأنه أرود أولهم النار ، وألزم أخرهم العار ).
و صحيح كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) الحصة الأكبر من كره قريش له، إلا ان ظاهر هذا الكره عم على أغلب بني هاشم ان لم يكن كلهم، فهنا بن عباس يدخل على النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) ويشكو اليه ما تفعله قريش بهم فيقول له: (انا لنخرج فنرى قريش تتحدث، فإذا رأونا سكتوا . فغضب النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) ودر عرق بين عينيه).
كل هذه الأحداث كانت واضحة أمام النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بخصوص وصية وما يعانيه من عدم رغبة الناس به ، مع أنه لم يكن يعبأ بهم إطلاقا لأن ما فعله كان خالصًا لوجه الله تعالى، ولم تكن قضية شخصية إطلاقا، بل دينية خالصة وبتأييد وتسديد من الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) بشكل قطعي.
ومع كل هذه المعارضة الواضحة لدى النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله)، لكنه لم يدخر جهدا ولو بسيطا في تثبيت هذه البيعة قبل حدوثها حتى قبيل استشهاده صلى الله عليه واله ، وجاء هذا الاهتمام لأسباب كثيرة منها:
الاول: هو الامتثال لأمر الله تعالى، القاضي بزرع مفهوم الإمامة لدى عامة الناس كما زرع مفهوم النبوة والرسالة وبشكلها الختامي (أي لا نبي بعدي ، وكل من يدعي خلاف ذلك فهو كاذب)، وتأديته للأمانة التي حملت اليه بشكل صحيح وحذر بنفس الوقت، ولا بد للناس أن تعرف هذا الوصي وتعترف بعلمه وفضله بشكل يقيني لمعرفة مصيرهم وتحديد قطب الرحى الذين يلتفون حوله بعد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله).
وقبل الشروع في بعض الأفعال والأقوال التي مارسها النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في سبيل تثبيت بيعة الغدير نرد على مسألة الفشل التي نسبت للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في عدم إقناع الناس بما يخطط له فنقول :
أولًا: لقد كان هناك علم يقيني من النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) من أن اغلب الناس لا تؤمن بما جاء به الأنبياء ولا بما جاء به هو ، وإلا فلا داعي لإرسال كل هذا العدد الهائل من الانبياء والأوصياء في سبيل هداية الناس، فإرسالهم بهذا الكم من الانبياء والرسل هو لعدم إيمان الاغلبية الساحقة من الناس بالله تعالى. كما ان الله تعالى كان صريحا في تصنيف بعض الناس ومدى تعاملهم من الانبياء فقال تعالى (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ) وهذا الكلام صريح أيضًا في ان عدم الايمان يكون سببه الاستكبار وتحكم النفس والهوى على العقل ، ولا دخل لتقصير الانبياء والعياذ بالله تعالى في تبليغ رسالتهم ،ويضيف تعالى بشكل واضح أيضا: (لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)الانفال 63 . فعدم ايمان أو تقبل الناس لفكرة النبي الأكرم فيما يخص الغدير أو غيرها لا تعني بالضرورة ان النبي فشل فيما يصبو اليه إطلاقا، بل لان اكثرهم للحق كارهون وهذا شيء واضح ولا يحتاج الى توضيح أكثر .
ثانيًا: لو كان عدم إيمان الناس يعني فشل صاحب المشروع ، فهذا ينجر على بقية الانبياء عليهم السلام ، وبالتالي تصبح بعثة هذا العدد الكبير منهم عبثا ولا حاجة له ، لان الفشل مصيره حتما (كما يقال)، لكن الأمر ليس كذلك أطلاقا وبعض الأسباب مذكورة في النقطة الاولى .
ثالثًا: الفشل يكون عند عدم استخدام الوسائل المتاحة والصحيحة في عملية اقناع الاخرين وتوصيل ما يبتغيه الشخص للناس والمتمثل بالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وهذا ما سنتحدث عنه في كيفية تعامل النبي (صلى الله عليه وآله) مع هذا الموضوع الخطير ، والواقع يقول ان النبي (صلى الله عليه وآله) لم يدخر جهدا في ذلك أبدًا.

اخترنا لكم

على عتبة الاشتياق

مرت الايام وهي حبلى بالأحداث لتسد جفوناً خالجها النوم، فالروح كغصن أسير يتلوى على مدارجها.. يسكب الليل أفيونه لينام ملئ جفونه، ثمة حدث خلف الستار يقوده إلى مبتغاه، فكلماته التي تصدح بحب ال البيت (عليه السلام) في مجالس العزاء لم تعد تفي بالغرض فأبجدية المعارك بحاجة إلى حتوف الابطال! تألق الأمل في عينيه، فقلبه ينبض بهدوء، وهو يسرد رؤياه على عمته، ياسر، أيها الحبيب، إنه اللقاء، فالشهادة كرامة من الله، فتشبث برؤياك! السماء تزخر بالنجوم، والقمر يسح بأنواره، يرسل ضوءً ذهبياً.. ليرشد تلك الارواح الى سفر الخلود. الأرض ستهدي فلذات أكبادها، لتزهر الحياة بنجيع دمائهم. فقبل استشهاده بيوم، وسم ياسر ساعاته الاخيرة مرتشفاً من كأس العاشقين، في رياض العسكريين (عليهم السلام) صلى صلاة المودعين... فثمة هاجس يطرق شغاف قلبه: ما أقرب اللحاق بقافلة سيد الشهداء... رن هاتفه، أطال النظر الى شاشته... وكأنه يرى صورتها ... بعد استشهاده... رق قلبه لها، ترقرقت دموعه في آماق عينيه، _ أهلاً أماه ومرحباً بك، كيف حالكم، زرت الإمامين نيابة عنكم، أوصلي سلامي لأبي وإخوتي، واهتمي بنفسك كثيراً. ولدي الغالي، وأنت اهتم بنفسك كثيراً. ساد الصمت وكأنه يود أن يقول لها: أماه، عندما يصل إليك خبر استشهادي، فافرحي وقولي: ولدي البطل لا يخاف الموت. استودعك الله يا أماه، كوني قوية كما عهدتك. كنخلة ميساء تسمرت في مكانها، طوّقتها الافكار والتساؤلات! هل ينعى نفسه وهل هذا الوداع الاخير؟! فعند بوابة الانتظار تناثرت كلمات القائد على شغاف قلوبهم كالبلسم: إن هذا يومكم، يوم يبرز فيه الابطال ويوم تعانق ارواحكم فيها ارواح الماضين في الدفاع عن المذهب، سيفيض نحركم دماً عبيطاً ليحبس التاريخ أنفاسه عند رذاذ الخطوب. فمن اراد الحياة الابدية فليحق بي، العدو لا يبعد عنا سوى امتار، فإما النصر او الشهادة. انتفض قبل اصدقائه منادياً: نحن لها، هيهات من الذلة...إن لم يجبك بدني... سار امامهم والمنايا تلتحق بهم على إثر شذاهم... ففي قاطع (المكيشيفة) أبلى رجال الله بلاءً بلغت فيها القلوب الحناجر وزلزلوا زلزلا عظيما... أصوات الرصاص امتزجت بصيحاتهم: الله اكبر، لبيك يا داعي الله ضربوا لهم من بين السواتر إلى الخلد طريقا عذبا مرت ثلاث ليال وغيمة الحزن تطوف على وجه والده انقطع الاتصال به، وضع يديه على وجه، وكأنه يخترق المسافات، ليصل إليه (أين أنت)؟! فثمة هاجس يومض في داخله ليكشف له الأسرار. نهض بخطى واهنة... أسبغ وضوءه، افترش سجادته: إلهي يا راد يوسف ليعقوب من بعد مغيبه، ويا كاشف ضر ايوب، اردد علي ولدي ياسر... عيناه تعلقت بالسماء، وقلبه يناجي غائباً طال انتظاره... هل غفت عيناك واستعجلت الرحيل؟! فيا أيها الراحل، تمهل، لم يحن بعد الوداع... ففي دياجي الليل إليك الروح تحبو، وقد أظناها الاشتياق... تُردّد الأصداء صوتك، لتغسل وجهك المرمل ألفُ دمعة، وألف دمعة تأهبت واحتشدت، لتؤدي تحية الشرف العسكري، لروحك وهي تحلق نحو الزرقة المتسامية، حيث الروح والريحان، والشهداء والصديقين. تبكيك أمك تخاطبك: كيف تغفو وتنام؟ انت حلمها الأجمل، سأبقى على عتبة الانتظار، أقبع، أعدّ اللحظات لأراك، مع خيوط الفجر الندية يهمس لي طيفك باشتياق: (يمه ذكريني من تمر زفة شباب) رجاء الأنصاري

اخرى
منذ 5 سنوات
2729

احذروا البرمجة السلبية

روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) : " كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه و ينصرانه و يمجسانه "(1) ، فعن زرارة قال: سألت أبا عبد الله(ع) عن قوله الله عز وجل:{فطرة الله التي فطر الناس عليها}؟ قال: "فطرهم جميعا على التوحيد"(2). فإذا كان للأبوين الدور الكبير في تغيير فطرة الانسان بحيث يترك التوحيد لتأثره بهم ويغير دينه الى غيره، فمن باب أولى أنه يتأثر بما يرددانه على أسماعه يومياً وما يرسلان إلى عقله الباطن من الرسائل التي تترسخ فيه لمكانتهما وأهميتهما في نفسه وتصحبه معه أينما حل وإرتحل وإلى مدة قد تكون طويلة من الزمن... فكم من شخصية قد كسرت، وثقة بالنفس قد هدمت، ومستقبل قد ضاع، وحياة قد تحولت إلى جحيم بسبب الرسائل السلبية التي تشبعت بها العقول الباطنية للأبناء من قبل الأمهات خصوصاً ومن قبل سائر الأهل بشكل عام، وبالتالي يُبرمج هؤلاء الأبناء برمجة سلبية حيث أن من لا يسمع سوى إنك فاشل سيفشل في العادة، ومن تسمع أنها قبيحة ستقتنع بذلك، ومن يُعامَل على أساس أنه عديم المسؤولية وضعيف الشخصية سيكون كذلك، ومن تتربى على أنها ليست مرغوب بها ستتكسر في نفسها قدرات لا تحيى ربما مدى الحياة .. وقد يتصور من يقرأ هذه الكلمات أننا نبالغ، إلا إن ذلك هو الواقع حقاً، لأن الطفل ومنذ بدء إدراكه يرى أن أهله هم المقيّمين لذاته والمشخصين لمدى نجاحه سواء كان دراسياً أو اجتماعيا أو اقتصادياً وعلى أساس ما يقيمونه وما يشخصونه يقتنع به الابن تماماً ويبني عليه ما يؤدي به بالتالي إلى تحقيق ذلك التقييم فعلاً وتحويله من مجرد رأي للأهل إلى واقع يعيشه، وهذا ما يدعى في التنمية الذاتية بالبرمجة فالأبناء لا سيما في أولى سنوات حياتهم كالجهاز الآلي (الروبوت) الذي يحمل مختلف السمات والقدرات إلا إن ما يبرمج عليه منها هو ما سيقوم به في الخارج فعلا ، فإن بُرمِجَ على التنظيم سيكون منظما لا محالة وإن برمج على التخريب فإنه لا يكون إلا ذلك .. الى ما شاء الله من السنين .. وعلى الرغم من خطورة البرمجة لتأثيرها الكبير على حياة الأبناء إلا أنها وفي الوقت ذاته تعد مفتاحاً من أهم مفاتيح التربية الناجحة والإعداد السلوكي السليم للأبناء فيما لو أحسن الأهل ــ وبصورة خاصة الأمهات ــ توظيفها ؛ لأن الأبناء في الأعم الأغلب سيعتمدون عليها في ممارسة حياتهم واتخاذ قراراتهم وبناء مستقبلهم ما شاء الله من السنين فإن كانت برمجة سليمة كانت حياتهم وقراراتهم وسلوكهم كذلك وإن كانت سقيمة كانت أيضاً كل من حياتهم وسلوكهم وقراراتهم كذلك.. ولذا نجد البعض يفشل في حياته ولا يعلم الأسباب ويجهلها حتى يدرك الحياة ويفهم الواقع ويشخص أخطاءه ليجد المفاجأة أن أهله هم الذين أوصلوه الى هذه النتائج المزرية والطامة الكبرى. وغالباً ما يكون ذلك بعد أن اختار التخصص العلمي وشغل الوظيفة ربما بل وقد يكون فات الأوان كما لو اختار الزوجة أو اختارت الزوج وأصبحوا آباء أو أمهات بناءً على البرمجة الخاطئة ! ولو تغلغلنا إلى أذهان الكثير ممن فشل في حياته سنجده يشير بأصبع الاتهام إلى أهله في كل ما يجنيه اليوم من متاعب وما يحصده من مصاعب، ولكن مع ذلك لا بد له أن يسامح الجميع كما ويسامح نفسه ولا يحمّلها نتيجة عمل زرعه غيره فيه ويطوي صفحته الماضية تماماً إن أمكن وينطلق في بداية جديدة لحياته.. وقد يقول من وجد نفسه فيما أسلفناه من كلام: كيف لي أن أبدأ من جديد وقد فاتني الكثير وربما أهم القرارات في الحياة كالتحصيل والتخصص العلمي أو كاختيار شريك الحياة أو ما الى ذلك ؟ نجيب نعم، نوافقك الرأي إن الموقف لا يخلو من غصة وألم كما هو مفعم بالصعوبة غالباً إلا أن خسرانك لجزء مهم من حياتك لا يسوغ لك خسرانها جميعاً، فحاول النجاح في القابل من عمرك فإن الإنسان لا يعدم الفرص في النجاح إلا حينما يعدم الحياة ، فتحلَّ بالأمل ، وانفض عنك غبار الشجن، وبرمج نفسك بنفسك برمجة صحيحة خالية من السلبية والتردد والجبن ، وكن شجاعاً في اتخاذ ما يمكنك من قرارات ولو قصيرة المدى وقليلة الأثر فإنه بتراكم هذه الصغائر من الخطوات الصحيحة يكمن النجاح الباهر ويتحقق المستقبل الزاهر... لكل ما تقدم .. احذروا أن تبرمجوا أولادكم برمجة خاطئة واحرصوا على أن لا يقوم بذلك أحد أبداً مهما كان عزيزاً عليكم .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) عوالي اللآلي ج1 ص20 (2) المحاسن ج1 ص 241

اخرى
منذ 6 سنوات
1900

تصـنيف شخصيات النساء

قال تعالى: {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ}(1). إنّ المرأة هي المدرسة الأولى في الحياة، وهي أحد العنصرين الأساسيين في تكوين المجموعة البشرية، وهي نقطة لانطلاق تلك المجموعة ، ولولاها لـما استمرت البشرية على وجه الأرض. ولهذا نجد أنّ الإِسلام يلقي الضوء في شريعته وأحكامه على المرأة ومكانتها في المجتمع والحياة، ويرتفع بها إلى مصاف الرجل، لها ما له وعليها ما عليه، بعد أن كانت المرأة مهضومة الحق في جميع الأنظمة الدولية التي وجدت قبل الإسلام. فالإِسلام هو الدِّين الوحيد الذي جاء لكي يعطي الصنفين الذكر والأنثى حقه في الحياة، وهو الدِّين الوحيد الذي أصلح عقلية الصنفين وبعث في الأذهان فكرة إعطاء حقوق المرأة وحفظ كرامتها. ومن ناحية أخرى فتح أمامها أبواب العلم والمعرفة، لكي تشعر المرأة المسلمة بمسؤوليتها في المجتمع ولكي يشعر المجتمع بوجودها وباعتبارها عضواً أساسياً في حياته، ولكي لا تُستغل إمكانياتها العاطفية والتكوينية استغلالاً ظالماً . ومن المؤسف أن نجد منظوراً مشابهاً لذلك، حيث إنّ هناك نظرة خاطئة لدى البعض عن الـمرأة، فـفئةٌ تريد أن تمنع عن المرأة حتى الضوء والهواء!. واخرى تريد أن تطلق لها العنان وتفتح لها الأبواب على مصراعَيها بزعم الحريّة!. ومما يؤسف أنّ بعض نسائنا تنتابها حالة من اليأس والشعور بعدم أهمية وقيمة دورها المناط بها شرعياً واجتماعياً مما يجعلها منطوية على نفسها، معتزلة لمجتمعها، وهذا أمر لا تُحمد عقباه، حيث نهت الروايات عن عدم الاهتمام بمجريات الامور في المجتمع حيث روي "عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عَلَيهِ السَّلام) قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه): مَنْ أَصْبَحَ لا يَهْتَمُّ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ"(2). ومعنى [لا يهتم بأُمور المسلمين] عدم الاهتمام بأُمور المسلمين وعدم مطالعتها، وإن تمت مطالعتها فتترك بلا معالجة إن كانت سلبية أو عدم التركيز عليها وتنميتها إن كانت إيجابية. ومعنى [فليس بمسلم] هو عدم التسليم بالنهج الذي سار عليها السلف من القادة الهداة ومصداقه العزلة المنهي عنها التي توجب الأنانية وتمني الخير للنفس دون المجتمع. فعلى ذلك الأساس تصنف شخصيات النساء إلى التصنيف التالي: 1- امرأةٌ ساذجــة تعيش لتأكل وتشرب فقط، لا تبالي سوى الموضات والطبخات، تاركة الالتفات لعظيم المسؤوليات. 2- امرأةٌ متعلّــمة استطاعت أن تبتعد عن السذاجة بذاتها، فتعلّمت شيئاً من الحياة لكنها لم تتعلم ما هي الحياة وما فنّها. 3- امرأةٌ تعلّـمت من الحياة لكنها لم تتعلم ما هو الدِّين بشتى تفاصيله، وما إن تعلّمت جزءً منه فهي تعلمته لإنقاذ نفسها فقط أو للتباهي والرئاسة. 4- امرأةٌ متديّــنة لكنها لم تجعل خدمة الدِّين هدفها الأسمى ولم تتفاعل معه، فأصبحت متدينة روتينية فكان تعلّمها مجرد سد وقت فراغ كانت تعاني منه. 5- امرأةٌ مبدعة استطاعت أن تغوص في بحر علوم الدِّين وتطوعت لخدمة عياله الغافلين، لكنها غفلت عن اتخاذ القدوة فتارة تصيب واخرى تخطئ فأهلكها الغرور الكبرياء وعدم اليقين. 6- امرأةٌ فاطمية الأزل زينبية الحال مهدوية العهد والمستقبل، سارت في طريق الانتظار بكل توفيق، وهي تنهل من العلوم كل رحيق، فأصبحت امرأة فاعلة في بيتها بهدوءٍ وحكمة، وفي خارجه نبراساً ورحمة، تخاطب النساء بلغة العصر وبعذوبة الإيمان، تتعامل مع الواقع بقوة العقيدة وتزرع فيهنّ فن التأسي والسلوك القويم. فانظري يا رعاكِ الله مِن أيّ صنفٍ أنتِ؟ وهلمي للأكمل منها. _______________________ (1) آل عمران: 195. (2) الكافي: ج2، باب الاهتمام بأُمور المسلمين والنصيحة لهم ونفعهم، ح1. علوية الحسيني

اخرى
منذ 5 سنوات
2681

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
70374

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
51482

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41488

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
36065

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
32882

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32262