تشغيل الوضع الليلي
الشخصية السايكوباثية
منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 9443
بقلم: الدكتور ابراهيم صفاء الصائغ
يوصف مفهوم الشخصية بأنه مجموعةُ السماتِ التي تكوّن شخصية الأفراد. وتختلف هذه السمات من شخصٍ إلى آخر، حيث يتفرّد كلُّ شخصٍ بصفاتٍ تُميّزه عن غيره.
ويندرج تحت مصطلح الشخصية في العادة مفهومان أو معنيان وهما: المهارات الاجتماعية والتفاعلية مع البيئة الخارجيّة، كما تشترك الكثير من العلوم في دراسة مكنونات الشخصية الإنسانية وما وراءها بمنظورٍ علميٍ ومتخصص من أهمها: علم النفس وعلم الاجتماع، وعلم الطب النفسي.[١][٢].
أما ماهية الشخصية وتعريفها هو:
الشخصية لغةً: مشتقةٌ من فعل شخّص، يُشخص، تشخيصًا. نقول شخّص الطبيبُ المرض إذا حدد أوصافه وأعراضه. كما أنَّ كلمة الشخصية في اللغة الأجنبية مشتقة من الكلمة اليونانية Persona وتعني القناع الذي يضعه الممثل المسرحي على وجهه ليتقمص الدور الذي يمثله.
الشخصية اصطلاحًا: مجموع التصرفات والسمات وطريقة العيش والتفكير. وهي تتكون تدريجيًا منذ السنوات الأولى من عمر الإنسان بما يمرُّ به من أحداثٍ ونجاحاتٍ ومطبات.
ولعلماء النفس والفلاسفة عدة تفاسير وتعريفات تخص مفهوم الشخصية في علم النفس، إلا أنَّ ما يهمنا في هذا المقال هو الشخصية السايكوباثية؛ لذا سنحاول تسليط الضوء على بيان تعريفها، وصفاتها، والأسباب التي أفرزتها، وسبل علاجها، كل ذلك على نحو الإيجاز.
*تعريف الشخصية السايكوباثية:
هي أحد الأنواع المتعددة لاضطرابات الشخصية، والذي يُعدُّ الأكثر تعقيدًا وضررًا على الشخص نفسه وعلى من حوله. ويبدأ منذ سنِّ المراهقة ويمتدُّ مدى الحياة لكن تضعف شدته مع تقدم العمر.
*صفات الشخصية السايكوباثية :
تتميز هذه الشخصية بثلاثةِ محاورٍ أساسية:
1/الخداع.
فيتميز الشخص السايكوباث بالخداع، حيث يستغل قدرته الاستثنائية لتكوين علاقات مع أشخاصٍ ضعفاء ويستغلهم خلال هذه العلاقة، وهؤلاء الضعفاء أو قليلو الخبرة سينخدعون بحسنِ الحديث والتملق الذي يمتاز به السايكوباث. وقد يصل الاستغلال لدرجةٍ عاليةٍ من الناحية المادية أو الأخلاقية أو الجنسية، ويُعدُّ الكذب جزءاً أساسياً من صفات هذا المرض لكن رغم ذلك يتم تصديقه بشدة من قبل الضحايا.
2/ الأذى للشخص نفسه ولكلِّ من حوله.
حيث يعيش هذا الشخص حياةً كلَّها اضطرابات ومشاكل قد تصل للأسرة كالزوجة والأطفال وحتى المجتمع وزملاء العمل. يميل هذا الشخص لتعاطي المخدرات، وخرق القانون والأعراف الاجتماعية، والسلوك الإجرامي المستمر، والغضب غير المسيطر عليه أحيانًا، فقد يكون عنيفًا مع الزوجة والأطفال.
3/ عدم الشعور بالذنب أو الندم.
فلا يعترف بخطئه ولا يندم عليه، بل يرمي الذنب على الآخرين. فضميره غائبٌ ولا يتعاطف أو يشعر بالرحمة على الآخرين.
وتشكل هذه الشخصية في المجتمع نسبة ١ % ، وترتفع هذه النسبة بين السجناء والمجرمين لتصل إلى ٢٠%.
*أمثلةٌ على هذه الشخصية
نرى الشخصية السايكوباثية في السجناء بين المجرمين. وكذلك بين قادة العصابات أو قادة الدول الدكتاتوريين الذين يُضحون بالشعب كله من دون ندمٍ لأجل غايةٍ تافهةٍ أو أطماعٍ شخصية.
*الأسباب التي تكون الشخصية السايكوباثية
قد يؤدي الإدمان إلى هذا السلوك وخلق هذه الشخصية، وكذلك اليُتم أثناء الطفولة، وعيش الطفولة السيئة، والحياة في الشارع من خلال تعلم هذا السلوك من الآخرين. مثلما تلعب الوراثة والعوامل البيولوجية دورًا مهمًا في إنتاج هذه الشخصية.
*علاج الشخصية السايكوباثية
تُعدُّ اضطرابات الشخصية سلوكاً مَرَضياً مزمناً يستمر طويلًا، ولا يتوفر له علاجٌ دوائي، وكلُّ ما يستطيع الطب النفسي تقديمه هو إعطاء المريض بعض الأدوية التي تعالج الاكتئاب والعصبية والقلق والغضب.
أما علم النفس فوظيفته في هذه الحالة هو تحليل الشخصية ودراستها والوقوع على التعقيدات ومحاولة حلِّها من خلال السيطرة على الانفعالات وتوجيهها وتحسين السلوك.
وللأسف الشديد فإنَّ مرض السايكوباث بشكلٍ عام يُصنَّف من الأمراض النفسية التي ليس لها علاج، ويفضل الابتعاد عن المصابين به؛ لما لهذه الشخصيات من تأثيراتٍ سلبية عميقة على المحيطين بهم سواء كان ذلك في مجال العمل أو البيت، فهناك الكثير من المشاكل الأسرية والتفكك الذي كان سببه هذا المرض.
وأما في حالة عدم توفر خيار الابتعاد عنهم فلا بُدَّ من التعرف على هذه الشخصية وتشخيصها التشخيص الصحيح لكي يجعل الذين يتعاملون معهم مدركين لخطورتهم وآثارهم السلبية فيعملون على تفادي أذاهم وحماية أنفسهم من أنْ يُصبحوا من ضحاياهم.
------------------------------------
١- أحمد عبد الخالق (1987)، الأبعاد الأساسية للشخصية (الطبعة الرابعة)، الإسكندرية: دار المعرفة الاجتماعية، صفحة 29.
٢- معمري أحمد، حملاوي رضوان، بولال مبروك، كفاءة أستاذ التربية البدنية والرياضية وأثرها على أدائه المهني، صفحة 9-12.
اخترنا لكم
اجتماع الضدين في آخر الزمان
بقلم: م.م. ألحان يوسف الشمري اجتماع النقيضين، واجتماع الضدين محال، اصطلاحات منطقية، ذكرها علماء المنطق، بمعنى أنها غير محققة الوجود وليس لها مصداق في الواقع، أي إن وجودها في الواقع محال؛ لأن أفراد الموضوع ليست موجودة في الخارج وإنما هي مفترضة، فالموضوع لا مصاديق له، بل مصاديقه افتراضية غير مُتحققة. النقيضان والضدان معناهما متقارب، إلّا أن علماء المنطق فرقا بينهما من حيث الاجتماع والارتفاع فقالوا: الضدان: لا يمكن اجتماعهما ويمكن ارتفاعهما معًا، ومثاله: السواد والبياض في القميص, فلا يمكن أن يكون القميص في نفس الوقت أبيض وأسود, لأن الصفتين متضادتان فلا يجتمعان. ويمكن أن يرتفعا معًا فيكون القميص لا أبيض ولا أسود. أما النقيضان: فلا يمكن اجتماعهما ولا يمكن ارتفاعهما معًا، ومثاله: الوجود والعدم فلا يمكن أن يقال بأن زيد موجود وغير موجود، بل لابد من إحدى الصفتين, لأن الصفتين متناقضتان فلا يمكن اجتماعهما، كما لا يمكن ارتفاعهما معًا, أي لا يمكن أن ترتفع عنه صفة الوجود وصفة العدم. فإذا قلنا بأنّ زيد موجود إذًا لابد من ارتفاع الصفة المناقضة عنه وهي عدم الوجود وبالعكس. لكن الزمان تكفل باجتماع الضدين. أي إن للضدين اجتماعاً، ولمصاديقه المفترضة تحقُق,-ولعلنا هنا لا نريد الاصطلاح العلمي بقدر ما نريد بيان الواقع- وذلك في آخر الزمان، كما ورد عن رسول الله: ((صِنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مُميلات، مائلات رؤوسهنّ كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها...)). الحديث لا يحتاج إلى بيان السند لأن مورده أخلاقي, إضافة إلى ايجاد تطبيق حقيقي لمفرداته ومصاديقه في الخارج، ويكون البحث في بيان اجتماع الضدين في آخر الزمان على محورين: المحور الأول: ارتباط الحديث بآخر الزمان 1ـ ورد الحديث بصيغ أخرى تنص على أن تحققه يكون في آخر الزمان. عن رسول الله (صَلَّى الله عليه وآله): "سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على السروج كأشباه الرجال ينزلون على أبواب المساجد نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهم كأسنمة البخت العنوهن فأنهن ملعونات". 2ـ إدراج الفقهاء الحديث تحت عناوين تُبين ارتباطه بآخر الزمان. أـ اخبار النبي بتحلل نساء آخر الزمان. ب ـ ما ورد في آخر الزمان وصفات أهله. ج ـ وصايا النبي وما قاله عن مستقبل أمته. د ـ بعض ما ورد من علامات يوم القيامة وأحداثه ومشاهده. البعض أدرج هذا الحديث تحت عنوان -علامات يوم القيامة- وربما هذا يكون عند من لا يعتقد بظهور الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في آخر الزمان فيكون لديه خلط في علامات الظهور وعلامات يوم القيامة. الثاني: توضيح مفردات الحديث وردت توضيحات كثيرة لمفردات البحث: فقوله (صَلَّى الله عليه وآله): "لم أرهما" أي في زمان الرسول (صَلَّى الله عليه وآله)، بل في الأزمنة اللاحقة كما بينا في المحور الأول, كما يعطي معنى آخر وهو أنّ الفساد يكون ظاهراً يمكن رؤيته أي أن اصحابه يتظاهرون به وهو أشد حالات الانهيار الخُلقي للمجتمع. وقوله (صَلَّى الله عليه وآله) "كاسيات عاريات" هو المقصود والمراد في البحث، فكاسيات عاريات صفتان متضادتان لا يمكن أن يجتمعا معًا, بمعنى أنه يفترض عدم وصف امرأة بأنها كاسية عارية في آن واحد. فكيف تكون كاسية عارية؟ فهي أمّا كاسية بمعنى أنها مغطية لجميع ما أمرها الإسلام بستره عن الأجنبي, بحجاب غير ملفت للنظر وفضفاض لا يحكي مفاتنها وهذا أقل ما يوصف به الحجاب, أما إذا أخلّت بأحد هذه الأوصاف فتكون كسوتها عراء. لأن من المؤكد ومما لا يحتاج إلى دليل أن الرسول (صَلَّى الله عليه وآله) يقصد من الكساء الحجاب. لذلك جاء معنى كاسيات عاريات: أنهن يكشفن بعض من أجسامهن, ويسدلن الخمر من ورائهن, فيكشفن صدورهن. وقيل: هو أن تلبس ثيابًا رقاقًا تصفُ ما تحتها فهن كاسيات في ظاهر الأمر, عاريات في الحقيقة. وقيل: يكون عليهن لباس لا يواري سوأتهن, بل هو زيادة في العورة, وابداء للزينة. وهذا ما يحدث اليوم كما نراه بأم العين، إذا تجد أحداهن تكون بما يعد عندها حجاباُ أكثر إلفاتًا للنظر وأكثر جاذبية, وقد تكون في بيتها مهملة لنفسها لكن عند خروجها تلبس ما يجعلها أكثر زينةً وتجملاً وإلفاتًا للنظر. أما معنى رؤوسهن كأسنمة البخت: هو تشبيه لرؤوسهن بأسنمة الإبل، فهن اللواتي يتعممن بالمقانع والخمر والعمائم أو بصلة الشعور ليكبرن به رؤوسهن, وهو من شعار المغنيات قديمًا. وهذا المعنى يبين أن ما تكبر به رأسها حتى لو كان هو شعرها تلفه وترفعه فإن الحديث يشملها لأنها بالتالي تندرج تحت عنوان "رؤوسهن كأسنمة البخت". المائلات: المتبرجات أو الزائغات عن طاعة الله وما يلزمهن حفظه, أو المتبخترات في المشي, ومميلات: يُعلمن غيرهن الدخول في مثل فعلهن. يشير معنى "مائلات" إلى تفاصيل دقيقة للمحجبة المحتشمة، فيشمل حتى المشية لذلك ذم الحديث التبختر في المشي, كما أكد القرآن الكريم على الاحتشام والاستحياء في المشي إذ قال تعالى: ﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾. ومعنى "مميلات" نجده بكثرة في زماننا اذا تقوم المتبرجة بالتشجيع والحث كي تسلك المحتشمة طريقها بحجة الانفتاح والتطور والموضة. وقيل معنى مائلات: في مشيهن, مميلات: غيرهن إليهن, أو مميلات للرجال إلى الفتنة. بمعنى أنهن من طريقة مشيهن يلفتن ويجذبن النظر اليهن سواء في ذلك الرجال و النساء، كما يحصل اليوم ونشاهد في الجامعات او الاماكن المقدسة فنحن النساء نُدهش بما نرى من عرض فاتن ومغري، فما بال الرجال! وقيل المميلات: يملن المقانع لتظهر وجوههن وشعورهن. وهذا بالذات لا يحتاج إلى دليل لأنّ كثر ما نراه اليوم على شاشات الفضائيات هو ذلك، فتجد إحداهن متبرجة بالكامل إلّا إنها تضع خرقة على رأسها لا تستر ولا تقي من برد أو حر، ولا نعرف ما موقعها وسط هذ التكشف ولانحلال, أو ترى أخرى وخصوصًا في الجامعات تكثر من طبقات الحجاب ولفّاته حول عنقها لكن تترك بدايات شعرها عرضة كأنها تريد أن تقول: أنا ذات شعر مع أنّ الجميع يشاركها بهذه الصفة حتى من الحيوانات, وهنّ بهذه الأفعال يكنّ عرضة للتحرش والمضايقة من قبل الرجال، أما التي تلتزم بحجابها فإنها تكون في مأمن من هذا كله وهذا نص قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ﴾.
اخرىللكرم حكاية اسمها الحسن بن علي (عليه السلام)
بقلم: وجدان الشوهاني التقيت الكرمَ ذات مرة، فتجاذبتُ معه أطراف الحديث، وسألته عن نفسه، فبدأ يتكلم عن نفسهِ، وكيف أنّه من الصفات المحمودة التي يتمنى أن يتصف بها كلُّ إنسان، وتكلّم عن خصائصه، و أنّ الإسلام دعا المسلمين للاتصاف به، ثم تطرقَ لحكاياته الكثيرة التي جمعته مع أشخاص كُثر، حتى أنهم عُرفوا به، وهنا قاطعته لأسأله: أيّ تلك الشخصيات التي أُعجِبتَ بها؟ فابتسم قائلًا: إنّه الإمام الحسن بن علي (عليهما السلام) . فقلت له: أنّى كان أعجابك به، وأنت تقول إنّ مَن اتصف بك عُرف من خلالكَ، فالفضل لكَ. فقال: إلّا الحسن بن علي (عليهما السلام)، فبه كان لي شأن عظيم. فقلت: حدثني أكثر، فقد زادت لهفتي لمعرفة حقيقة ارتفاع شأنك به. فقال: لست سوى صفة، ومَن يتصف بي بناءً على تكرار الفعل، سأكون قرينه ومَلَكة بالنسبة له، وهذا أمرٌ طبيعي يتمكن منه الجميع، فيرتفع شأنهم بي، لشرفي كصفة، ولكن عندما يتصف بي شخص ذو شأنٍ عظيم، وله مكانةٌ عند الله (سبحانه وتعالى)، وإن كان لي شرف الصفة؛ لكن ازددتُ شرفاً لشرفهِ، وأصبحتُ ذا مكانة لمكانتهِ، وصيّرني صفة يتسابق للاتصاف بها القاصي والداني بسبب اتصافه بي، بل بسبب اتصافي به، وهذا هو حالي مع الحسن بن علي (عليهما السلام)؛ لذا قلت: إنّه مختلف عن الآخرين. قلت له: جميل كلامكَ عن الإمام الحسن (عليه السلام )، فقاطعني وقال: والأجمل هي حكاياتي مع كرمه (عليه السلام)، ولكن لا وقت لدي لأسردها جميعًا؛ لأنها تحتاج الى وقتٍ طويلٍ جدًا. فقلت له: لدي سؤال يُحيّرني، ولكن لا أجد مَن يُجيبني عنه، لكنّكَ الوحيد الذي لديه الإجابة. فقال: سلي ما بدا لكِ. فقلت: لماذا عندما تُضرب الأمثال عن الكرم يذكرون حاتم الطائي، ولا يذكرون الإمام الحسن (عليه السلام)، هل لكَ أن تجيبني؟ فطأطأ رأسه، وكأنما أخجله سؤالي. ثمّ قال: ظُلامة من ظُلامات الإمام الحسن (عليه السلام)... أنا لا أنكر اتصاف حاتم بالكرم، ولكن لا قياس بين كرمه وكرم الإمام، فهو كنقطة في بحر كرم الإمام الحسن (عليه السلام)، ولكنّه التاريخ الذي ظلم أهل البيت (عليه السلام) وكان للإمام الحسن (عليه السلام) منه نصيب كبير، فكرم حاتم الطائي كرمٌ مشوب بتلويثات الجاهلية وثوب الصنمية، وكرمُ الإمام الحسن (عليه السلام) نقي، ناصع، فلو فتحنا باب الكرم عند الإمام الحسن (عليه السلام) وكشفنا اللثام، لتم فتح بقية الأبواب، ولكُشف اللثام عن كلِّ الحقائق، لكنّه التاريخ المشوه... فقلت له: أعتذر منكَ، فلقد آلمتكَ بسؤالي. فقال: كلا، لكن احذري فقد يتهمكِ البعض بالتعصب. فقلت: تعودنا على ذلك، فالحقيقة تؤلم البعض. فنظرتُ إلى ساعتي، فالوقت يداهمني ولم يبق لوقت الإفطار الكثير؛ لأن اللقاء كان في شهر رمضان. فقلت له: أيها الكرم، لم يبقَ للإفطار الكثير، ولكن لدي سؤال، ولعله الأخير. فقال: قلتُ لكِ سابقًا، سلي ما بدا لك، والآن أعيدها، فالكرم لا يبخل أبدًا. فابتسمت، وقلت: ونحن في شهر رمضان، وتعلم أنّ ولادة الإمام الحسن (عليه السلام) في الخامس عشر منه، ألكَ أمنية؟ فقال: نعم، أريد أن يعرف الجميع أنّ الإمام الحسن (عليه السلام) هو أجمل حكاياتي. فقلت له: إن شاء الله ستتحقق. وقلت له: فرصة سعيدة جمعتنا؛ وشكرًا. فقال: وأنا الأسعد، ونصيحتي لكِ، لا تبخلي مع الكريم، واكتبي لقاءنا هذا. فقلت: إن شاء الله. وكان الوداع، لكنه وداع لقاءٍ لا وداع رحيل.
اخرىعقيرةُ يُتم١
بقلم: غدير الكربلائي اللّيلُ جَنَّ فأُبلِجَتْ آهاتي والدَّمعُ أدهَقَ غَيمةَ الوجَناتِ من فرطِ أشجاني غَفَوتُ هُنيئةً والحُلْمُ عَسعسَ جُندَهُ خَلَواتي هٰذا أبي مِن بعد طُولِ مَغِيبهِ قد بانَ يَبزُغُ نورُهُ ظُلُماتي يَحنو ويُدنيني إليهِ بعَطفهِ وبكفِّهِ الحنواء مَاطَ شِتاتي ويقولُ أفديها شَبيهة فاطمٍ أنتِ رُقَيَّانا ونِعمَ بناتي لٰكن ويا للهِ بعدَ سُــــــوَيعةٍ طيفُ الأُبُوَّةِ غابَ عن عرصاتي! فَفزِعتُ أبكي، ابتغيهِ بنُدبَتي حَتّى فَزِعنَ الحُورُ في الغُرُفاتِ وسُرُوبُ نسوان الرِّسالةِ أقبلَتْ نحوي يُعاضِدُ نَشجُها حَسَراتي ما هي إلاّ بُرهةٌ جاؤوا بهِ طَستٌ يَلوحُ كأَنَّهُ الرَّخَمَاتِ٢ ويَفوحُ مِنهُ الطِّيب، نَفحة والدي! فوَجَستُ أكشِفُ بُردَةَ النَّكَباتِ ورأيتُ يا للهِ رأسَ حُسيننا سِبطَ النّبيِّ وابنُ خَيرِ حُماةِ فهَوَيتُ أمسَحُ دَمعَهُ ودِمَاءهُ وتُرابَهُ المحشورَ في الحدَقَاتِ يا ليتَ قبلَ اليومِ غارتْ أعيُني أو لا أراكَ مُهَشَّمَ الجَبهاتِ من ذا الذّي لَم يَرعَ حُرمةَ جَدِّنا وسَبى بناتِ مُحمّدٍ الخَفِراتِ شَطَّ المَزارُ أبي ودونكَ نَشغَتي لِمَ أيتَموني؟ قُلْ! بأيِّ تِراتِ؟ هٰذي حِبالٌ يا أبي بِمعاصمي مِنّي الأساوِرُ سُلِّبَت بفَلاةِ لَتَكادُ تنحرني القيودُ أيا أبي والقُرطُ مَنتورٌ بكَفِّ زناتِ .... ١ العقيرة صوت النّاعي والباكي والقارئ يُقال: رفعَ عقيرتَه فتكونُ كما تُطلقُ على صوتِ القارئ الجهوري. ٢ الرَّخَم: طائرٌ غزيرُ الريش، أَبيضُ اللون مبقَّع بسواد، رماديُّ اللون إِلى الحمرة، والقصد بالوصف هُنا يعودُ إلى الطّست دون الرّأس.
المناسبات الدينيةالتعليقات
يتصدر الان
لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع
يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىبين طيبة القلب وحماقة السلوك...
خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىالطلاق ليس نهاية المطاف
رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىلا تقاس العقول بالأعمار!
(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىالمرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)
بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىأساليب في التربية
عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى