تشغيل الوضع الليلي

من الذي يسقطُ من الغربال؟

منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 498

بقلم: أنعام العبادي
من التصوّراتِ السطحيةِ لقيامِ دولةِ العدلِ الإلهي المُنتظَرَة، هو أنْ يكونَ قيامًا خارجًا عن السنن الإلهية، ومن مصاديق هذه النظرة، إنّه قيامٌ بظهورِ صاحب الزمان (عجل الله فرجه)، وعددٍ من القادة والمؤازرين، دون التفكير والسعي في أنْ يكون الشخصُ منهم؛ ولهذا التفكير أسبابٌ من جملتِها: اليأس، وسهولة هذه النظرة.
إن من مقدماتِ التمهيد لهذه الدولة، هو تغييرُ هذه النظرة، والتصديّ لها بقوة.
وقد أشار الله (سبحانه) إلى هذه الحقيقة في كتابه العزيز بقوله (تعالى): "فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا"(١)، فهو قيامٌ لن يخرجَ على الأطلاقِ عن هذه القواعد، والتحرُّك نحو هذه الحقيقة يدفعُ المُنتظِرَ نحو تفكيرٍ أعمق، باحثًا عن مسؤوليتِه في التمهيد، وعن دورِه عند الظهور، ويسعى بشكلٍ مستمر، ويبحثُ عن إجابةٍ لأسئلته، وصولًا إلى معرفةِ دورِه، مُتحركًا ضمنَ توجيهاتِ تلك السنن الإلهية وروايات العترة الطاهرة، حتى يكونَ إيمانُه مستندًا على دعائمَ رصينة..
ومن تلك التساؤلات التي تردُ على ذهن المُنتظر: "كيف النجاة؟ وما السبيل؟ ومن سيسقطُ من الغربال؟ ...."، وسيكونُ تركيزُنا في هذا المقال على السؤال الأخير؛ لأهميته في زمنِ الغيبة، فقد روي عن ابن أبي يعفور أنه قال بأبي عبد الله (عليه السلام): ... واللهِ إنّ من يصفُ هذا الأمر منهم لكثير، قال (عليه السلام): لا بُدّ للناس من أنْ يُمحَّصوا ويُميَّزوا ويُغربَلوا، ويستخرج في الغربال خلقٌ كثير"(٢).
وقبل البدء في معرفةِ المقدمات التي ستصلُ بهم إلى هذه النتيجة، لابُدّ من الاستعداد لمُضِلّات الفتن؛ لأن التمحيصَ يتحققُ بمرورِ المؤمنين بعدةِ اختباراتٍ وابتلاءات؛ لعزل المنافقين عن المؤمنين، ففي الادعاء وفي الحالاتِ العادية تجد أنَّ كلَّ الناسِ يحسبونَ أنفسَهم صالحين، وأما عند المرور بالامتحانات أو بهجوم الغرائز، أو معرفة الشيطان بتلك الثغرة الضعيفة الخاصة بالمؤمن؛ عندها يقع الاختبار.
والنتيجةُ؛ أنَّ هناك من يكون البلاءُ سببًا لمعرفتِه بتلك الثغرة، ويسعى إلى إصلاحها ويرتقي بها، وهناك من يؤدي به البلاء إلى الضلال، ومن أهمِّ السُبل للنجاةِ هو الوقوف على أسبابِ السقوطِ من الغربال، ومن أخطرها السببان الآتيان:
١- حُبُّ الرئاسة: وخطورتُها تتجلّى في التَعّمد على إخفائها في عمقِ نفسِ الإنسان؛ لكونها ذنبًا قلبيًا، بالأخصِّ من يمتلكُ مكانةً اجتماعية. وتكونُ في البدءِ ثغرةً، فإذا عرفَ الشيطانُ أنّها نقطةُ الضعفِ عملَ على تكبيرها؛ لتكونَ مكانًا مقدسًا، تُهاجِمُ كلَّ من اقتربَ نحوها.
ومن علامات المُبتلى بهذه المُهلِكة: الثقلُ في إرشادِ غيرِه إلى من هو أعلمُ منه، وانتقاصُ الآخرين بسلوكياتِهم، فإنْ لم يجدْ أتهمَهم بنواياهم؛ ليرفعَ نفسه، خصوصًا عندما يشعرُ باقترابِ شخصٍ من مكانتِه، ويُحتَملُ أنْ يأخذَها منه، ويصنع لنفسه أهميةً غير حقيقية، كادعاءِ مواعيدَ واتصالاتٍ كاذبة ليُشعرَ الناسَ بأهميته، وعندَ تشخيصِ وجودِ هذه العلامات في النفس لابُدّ من الوقوفِ عليها وبإصرار، قبل أنْ تكبرَ هذه الثغرة، وتصير مكانًا لا يضيق على الشيطان لطول مكثه فيه.
وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: "اتَّخَذُوا الشَّيْطَانَ لأمْرِهِمْ مِلاَكًا، وَاتَّخَذَهُمْ لَهُ أَشْرَاكًا، فَبَاضَ وَفَرَّخَ في صُدُورِهِمْ، وَدَبَّ وَدَرَجَ في حُجُورِهِمْ"(٣). فكلُّ ما يُخفيه الإنسانُ سيكونُ سببًا في مصيرِه وعاقبته، روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "ما أسرَّ عبدٌ سريرةً إلا ألبسَه اللهُ رداءَها إنْ خيرًا فخير وإنْ شرًا فشر"(٤).
فعلى الإنسانِ إنْ يتفكّرَ أنّ لذةَ هذه المُهلكة أيامًا قليلةً وأنَّ عاقبتَها هلاكٌ أبديّ، ثم إنّ القلوبَ بيدِ الله (سبحانه) فقط، فينبغي أنْ يكون العملُ له وحده، روي عن الإمام علي (عليه السلام): "من حَسُنَتْ سريرتُه، حَسُنَتْ علانيتُه"(٥).
وعلامةُ السلامةِ من هذه المُهلكة؛ هي حُبُّ العملِ والرغبةُ في تطوّرِه لذاتِه، وإنْ قام به غيره، تحملًا للمسؤولية لا حبًا للرئاسة.
٢- التولّي لأعداءِ أهلِ البيت (عليهم السلام) والتبرؤ من أوليائهم: فعن الإمام الرضا (عليه السلام): "إنَّ ممن ينتحل مودتنا أهل البيت من هو أشدُّ فتنةً على شيعتنا من الدجّال، فسُئل الإمامُ: بماذا يُفتَنون؟ قال: بموالاةِ أعدائنا، ومعاداةِ أوليائنا، إنّه إذا كان كذلك اختلطَ الحقُّ بالباطل، واشتبه الأمرُ، فلم يُعرفْ مؤمنٌ من منافق"(٦)، وخطورةُ هذه المُهلكة هي عدم الالتفات إلى مقدماتِها المؤدية إلى الخذلان.
ومن المقدماتِ الخطيرة لموالاةِ أعداء أهل البيت (عليهم السلام) هو الانبهارُ بنَمَطِ الحياة الماديّ السطحيّ لهم؛ لِضعفِ الروحانية، وحبًا بالراحةِ المادية. فمن لديه هذا الميل إذا لم يقوِّ روحانيتَه، سيشعرُ بالدونيةِ تجاه القوّة الوهمية التي يمتلكُها الطرفُ الآخر ويضعُفُ انتماؤه، ويكونُ سهلَ الانقيادِ لجبهةِ المُنكرينَ للهِ (تعالى) من حيثُ لا يشعر.
ومن مقدماتِ التبرؤ منْ أولياءِ أهلِ البيت (عليهم السلام) هو التَعَصُّبُ والانفصالية عن من هم مشتركون معه بنفس العقيدة وهي ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام )، ولعلَّ أبرزَها وأشدَّها ما يُعانيهِ المجتمعُ في مسألةِ التقليدِ وتعدُّدِ المراجع، فلا أحدَ من الفقهاء يقولُ بوحدةِ المرجعية، فهي مُتعددةٌ في زمنِ الغيبة، لكن وفقَ ضوابط في اختيارِ مرجعِ التقليد..
وهذا الأمرُ لابُدّ من بيانِه من قِبل المُتصدّين للمجتمعِ، فمن شأنِه أنْ يُخفف نزعةَ الانفصالية، وقبلَ أنْ يؤديَ بالمؤمنِ إلى التخلّي عن ولايةِ رسولِ اللهِ محمد وآله الطيبين الطاهرين، روي عن الإمامِ زين العابدين (عليه السلام): "فاتقوا اللهَ عبادَ الله، وإيّاكم والذنوب التي قلّما أصرّ عليها صاحبُها، إلا أداه إلى الخذلانِ المؤدي إلى الخروجِ عن ولايةِ محمدٍ (صلى آلله عليه واله)،... قالوا: يا بنَ رسولِ الله!.. ما الذنوبُ المؤديةُ إلى الخذلانِ العظيم؟.. قال: ظلمُكم لإخوانِكم الذين هم لكم في تفضيل عليّ (عليه السلام)"(٧)، أيّ ظلمُ من يوالي أميرَ المؤمنين (عليه السلام).
إذن بالوقوف على هذه الأسباب وأشباهها، يكونُ السبيلُ للنجاة؛ لأنّ مُضِلّات الفتنِ رهينةٌ لمُسبباتها، كما أشارتِ الأحاديثُ إلى ذلك، منها قول أمير المؤمنين (عليه السلام): "أيُّها الناسُ إنّما بِدءُ وقوعِ الفتنِ أهواءٌ تُتبع،.."(٨)، وطلبُ العون من الله (سبحانه) في ذلك، بالتمسكِ بالثقلين كتاب الله والعترة الطاهرة، وتحريكِ العقلِ ببعض الأدعية، ومنها دعاء مكارم الأخلاق، بوضعِ النفسِ في ميزانِ فقراته؛ لِيعرفَ المؤمنُ الحقَّ حقًا فيتبعه، والباطل باطلًا ليجتنبه.
___________________
١- سورة فاطر آية (٤٣).
٢- الكافي- للكليني- الجزء ١.
٣-كتاب نهج البلاغة- الشريف الرضي.
٤-ميزان الحكمة- محمد الريشهري- الجزء ٢.
ه- ميزان الحكمة- محمد الريشهري- الجزء ٢.
٦- صفات الشيعة- للشيخ الصدوق.
٧- جواهر البحار- الشيخ حبيب الكاظمي- المجلد الرابع(باب العِشرة).
٨- الكافي- للكليني- جزء ١.

اخترنا لكم

الحُبُّ غايةُ البلاء

بقلم: باقر جميل البلاءُ نوعان، نوعٌ عذابٌ، وآخرُ رحمةٌ وحنان. فأما الأولُ فيخصُّ المَرَدَةَ والمُعاندين والظالمين، وكذلك الأقوام الذين خالفوا أنبياءهم بشكلٍ فظيع، فيكونُ البلاءُ عقابًا أكثرَ مما يكونُ مجردَ بلاء.أما الآخرُ فغايتُه على العكسِ تمامًا؛ لزيادةِ إيمانِ المؤمنِ، ولزيادةِ التواصلِ بين العبدِ وربِّه. وهنا نقول: هل ترونَ غيرَ اللهِ (تعالى) يُقدِّمُ كلَّ ما هو جميلٌ ولطيفٌ لعبادِهِ بشكلٍ يومي بل في كلِّ لحظةٍ، في سبيلِ إبقائهم على تواصلٍ معه؟! كثيرًا ما نُعاتِبُ أحبتنا وأعزتنا؛ لعدم تواصلهم معنا، وعتابُنا يَنُمُ عن المحبةِ الكبيرةِ منّا لهم. فكيف بالله (تعالى) وهو يقول لنا: "وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا"؟! هذا التحنّنُ واللطفُ في التعبيرِ في سبيلِ جعلِ القلوبِ مطمئنةً وهانئةً، لا تجده بين العبدِ وسيّدِه إلا عند الله (تعالى) معنا. فإنْ لم تنفع معه كلُّ الطرقِ في تذكيرِ المؤمنِ بالله العلي العظيم، فإنَّ الخالقَ وبطريقةٍ أخرى يجذبُ انتباهه إليه؛ بابتلائه بنوعٍ من البلاء، فيرجع قلبه إلى صانعه الذي طالما ناداه وكان مؤنسه ورفيقه الذي لا يهديه إلا للخير، ولا ينقصُ من رزقهِ بل يُبارك له. لكن لابُدَّ من الانتباهِ بأنْ نسألَ الله (تعالى) أنْ لا يبتلينا ببلاءٍ لا نتحمّله؛ فنحن الفقراء إليه وهو الغني الحميد، فإن ابتلانا فلمصلحتنا، وإن لم يبتلنا علينا أنْ نراجعَ علاقتنا بخالقنا، فإنَّ الإمامَ الصادق (عليه السلام)يقول: "البَلاءُ زِينٌ للمؤمِنْ وكرامَهٌ لِمنْ عَقَلَ"(١). وعنه عليه السلام أنه قال: "اِنَّما المؤمنُ بِمنْزلةِ كفّةِ الميزان، كلّما زيدَ في ايمانِهِ زيدَ في بلائِهِ"(٢) ومن حبِّه (تعالى) لنا ولطفِه العجيب بنا، دلّنا على ما يُجنبنا البلاء إنْ لم نطيقه، كالصدقة، والدعاء، وغيرها، فهو (سبحانه) يُعطي البلاء ليؤجرنا عليه، وكذلك يُعطي الخيار إذا ما خِفنا من الفشل به؛ لأنّ غايةَ البلاءِ هو التذكيرُ بعطفِ الله (تعالى) ومدى حُبِّه لنا من خلالِ الكثيرِ من النعم والإحسان. فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "اِدفَعوا أمواجُ الْبَلاءَ بالدُّعاء"(٣). فإذا دعا الإنسانُ ربه فقد ذكره، ومن يذكر الله (سبحانه) فقد خشيه، ومن يخشه اجتنب عن معصيته، ومن يجتنب عن معصيته دخل الجنة، وهذا ما يُريدُه الخالقُ لعبدِه أن ينتهجه. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ١- مصباح الشريعة ب87 /ص183 ٢- بحار الأنوار 67/ 210. ٣ - نهج البلاغة، خطبة 146

اخرى
منذ 4 سنوات
446

عروض الأزياء وأثرها على المجتمع الإسلامي

بعد أن يئس أعداء الدين الإسلامي الحنيف من سلب المسلمين هويتهم الدينية عن طريق القوة الشرسة والحرب العسكرية قرروا سلبها عن طريق القوة الناعمة والغزو الفكري، فشرعوا بتجنيد الوسائل المناسبة لكسب هذه الحرب لصالحهم، وأبرز تلك الوسائل هو الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، فبذلوا كل ما في وسعهم من أجل حشوها بالأسلحة التي من شأنها أن تهدم الفكر الديني وتدمر الالتزام القيمي وتحلل الانضباط الخلقي بهدف تجريد الإنسان المسلم لا من دينه وخلقه ومبادئه وحسب بل ومن إنسانيته أيضاً، بحيث يصبح ولاهمَّ له سوى الغرائز والشهوات، عديم الإرادة خالٍ من الطموحات، وبذلك يغدو أداةً طيّعةً يُسهِّل عليهم استعمار وطنه، ونهب خيراته والتحكم بإمكانياته ومقدراته. ومن أبرز تلك الأسلحة هي المواد السامة التي توضع على موائد العوائل المسلمة عبر وسائل التلفزة والفضائيات ، ومن أخطرها عروض الأزياء، فقد نجح باستخدامها أعداء الإسلام في تجريد الكثير من المسلمين من شخصيتهم الإسلامية نجاحاً كبيراً، ولذا فقد اهتموا بها ورصدوا لأجلها الأموال الطائلة، وبذلوا الجهود الكبيرة، حتى أصبح لها مدارس ومنظِّرون ومخطّطون ومصممّون ومتعهّدون ومتاجرون... بل وأصبح لعارضات الأزياء معاهد تعلِّم فن العرض, وطريقة المشي والوقوف والانطلاق والاستدارة, بل وحتى التأمُّل, والنَّظرة ... وما شاكل ذلك من حركات يرونها ضرورية لأجل الإثارة والإغراء، علاوةً على جسد العارضة الذي ينتخبونه بدقة وعناية فائقتين.. ولأجل إضفاء صفة التميز عليها ولجذب المزيد من الاهتمام إليها من جهة ولتواكب التغيرات التي تنعكس على الأزياء من جهة أخرى فقد باتت لها مواسم خاصة تنطلق بها وسط ترقب وتلهف شديدين من قبل زبائنها ومنتظريها, وكأنها حدث عالمي, بل أمست ــ للأسف ــ كذلك بحيث تتناقل أخبارها وسائل الإعلام والتلفزة في الدول الإسلامية فضلاً عن العالمية منها, نشراً للفساد وإمعاناً للإفساد وترويجاً عن بضائعهم وتحقيقاً لأرباح شركاتهم، كل ذلك تحت شعار الحضارة والتطور! وللأسف الشديد فقد وجد أعداء الإسلام ضالتهم في الكثير من المسلمين الذين أصبحوا سوقاً رائجة تستهلك الأفكار المستوردة فضلاً عن البضائع، حيث أثرت تلك الأفكار المعادية للدين في بعض المسلمين تأثيراً كبيراً بعد أن تسربت إلى أدمغتهم الخاوية من الثقافة الدينية، وترسخت في نفوسهم العطشى إلى الشعور بالتقدير والحرية، عبر كلمات منمَّقة ودعاوى برَّاقة وعناوين جذَّابة من قبيل: الدعوة إلى التحرر من الستر والحجاب، وضرورة إبراز الجانب الأنثوي للمرأة لتسحر كل من حولها وتخطف قلوبهم قبل أبصارهم، وأن أناقة المرأة تكمن في إظهار مفاتنها، وجمالها في الأزياء التي ترتديها، وصب كل تلك الدعاوى في قالب مادي جذَّاب يتمثل في عروض الأزياء، كما تمكنت في الوقت نفسه من جذب الطائش من الرجال لاسيما فئة الشباب منهم لتلبيتها لنداء غريزتهم الحيوانية وإشباع نفوسهم الشهوانية عبر تمكينهم من افتراس أجساد النساء بنظراتهم الكاسرة، وإشباع جوعهم الشهوي بما تهيأ لهم من مفاتن سافرة. وقد ترتب على ذلك نتائج خطيرة أبرزها التشوّه الفكري الذي أُحدِثَ في ذهن بعض النساء حيث أصبحن يرين أن متابعة الأزياء ومواكبة الموضة عنوانُ الحضارة ورمز التقدم والرقي، وبذلك هان عليهن خلع ثوب الحياء والفضيلة، والإدمان على محال المكياج وتصفيف الشعر، والهوس في اقتناء الكثير من الأزياء الكاشفة للمحاسن الواصفة لما في الأجسام من مفاتن، بل وحتى ولوج عالم عمليات التجميل وبكثرة كما نلمسه اليوم، وكأنهن في سوق نخاسة يتبارين في إثارة الأجانب ويبدعن في إغراء الغرباء من أجل الفوز بمن يبتاع ما يعرضنْه بكلمة ودٍ ورغبة أو حتى ولو بالفوز بنظرة إعجاب!! وقد أخبر الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بتحلل بعض نساء آخر الزمان وكشفهن الفاحش لمفاتنهن إذ روي عنه أنه قال:" صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا"(1) وقد أبدع الشاعر في وصفهن إذ قال: فتاة اليوم ضيعت الصوابا *** والقت عن مفاتنها الحجابا ولم تأب حياء من رقيب *** ولم تخش من الله الحسابا كخائضة ببحر سرمدي *** عن الساقين شمرت الثيابا اذا سارت يلاحقها كلام *** وان جلست ترى العجب العجابا مفاتنك كنوز فاحفظيها *** وهذا الكنز حاشا ان يعابا فانت ان كشفتيها اهينت *** وعز الكنز ان يبقى مهابا وقد ترتب على هذا النمط من التفكير أن تعيش هؤلاء النسوة على هامش الحياة، حاكماتٍ على ذكائهن ومواهبهن بالإعدام، فعوضاً عن التفكير في توسيع آفاق فكرهن بالعلم والمعرفة يلجأن إلى تضييق ثيابهن وتقصيرها!! وبدلاً من أن يبحثن عّما يمرّن أذهانهن ويزيد من توقده، يبادرن إلى تمرين أيديهن على تلوين الخدود ورسم الحدود، وتمرين أجسادهن على المِشيةِ المثيرة، والنظرة المغرية، لا يفكرن إلا في تجميل الجسد وتحسين الظاهر، غير آبهاتٍ إلى تعطيل الفكر والعقل وتقبيح الباطن!! وقد تظن المثقفة من بينهن أن تبرجها شيء ظاهري لا يمس عقلها رغم إمعانها في التجميل وإسرافها في التصنيع. وهي في هذا جدُّ مخطئة، إذ إن كل عمل يقوم به الإنسان لابدّ وأن تترتب عليه آثار فكرية وروحية ولو على المدى البعيد لتعيد بالتالي صياغتها، فمن لم يُسلِّم مقاليد الحكم والقيادة إلى العقل في سلوكه، تحكّم سلوكه في عقله وقاده إلى الهاوية.. ثم إن مجرد عرض المرأة لمحاسنها ولسان حالها: تفضلوا بالنظر.. فأنا أتمتع بالكثير من المفاتن.. هو في حدِّ ذاته إذلال لكرامتها وامتهان لإنسانيتها؛ لأنها تستدل بذلك على شعورها بالنقص وعدم قناعتها بأن فكرها وشخصيتها الإنسانية كافيان للتعبير عن ذاتها و إثبات جدارتها، فتتوسل بالجسد بما فيه من مفاتن وبما عليه من أزياء وبما يعلوه من أصباغ، للتعبير عن ذلك... وعلى الرغم من أن تجريد المؤمن من هويته الدينية وإفساده هدف هام يسعى الأعداء إلى تحقيقه من خلال عروض الأزياء غير أنه ليس بالهدف الوحيد فإلى جانبه يسعون إلى تحقيق الربح المادي لمعاملهم والحياة المرفهة لهم ولشركائهم؛ وذلك لأن المرأة الأنيقة بحسب مقاييسهم يجب أن تملك ثياباً كثيرة ومتنوعة فترتدي البعض صباحاً والأخرى في حفلات المساء، وسواهما في اللقاءات الرسمية، وهكذا... ثم ان لكل زي من هذه الأزياء ما يناسبه من حقيبة وعقد وسوار وحذاء بل وحتى عطر! وكل ذلك يُحمِّل المرأة ضريبةً فادحةً عليها أن تدفعها ثمناً لقناعتها بالأفكار المستوردة والرؤى المعلبة الممهورة بمهر الماركات العالمية المشهورة!! وهكذا نجح أعداء الاسلام باحتواء الكثير من المسلمين والمسلمات عبر توفير ما تصبو إليه نفوسهم بعد غسل أدمغتهم بالرؤى التي يريدون والفكر الذي يرغبون. ولأن الاحتواء غالباً ما يولد في النفوس الولاء، لذا نجد المنبهرين بالحضارة المادية من الرجال والنساء، قد سلّموا لكل ما يرتئيه ويقول به الأعداء، بل وأخذوا يرددون دعاواهم الخبيثة ترديد الببغاء. مستهزئين بمن ثبت على هويته من المسلمين، ساخرين بمبادئه وقيمه وما يحمله من فكر ويعتقد به من دين.. في حين أن الإسلام لم يقيد المرأة المسلمة بأي قيد ولم يفرض عليها الحجاب إلا لحجب حقيقتها الأنثوية التي ما إن تبرز إلى المجتمع حتى تنشر فيه الفساد لأنها تثير شهوات بعض الرجال وغرائزهم وتدفعهم إلى التعامل وفقاً لذكوريتهم، بخلاف حجب أنوثة المرأة الذي يرقى بالمجتمع لأن الهدف منه الحفاظ على التعامل الانساني والخلقي، والارتقاء بالجانب الفكري والمعرفي لكل من الرجل والمرأة على حد سواء.. ولذا فإن للزي الإسلامي بالنسبة للمرأة مواصفات دقيقة لتحقيق تلك الغاية، فينبغي أن لا يصف ولا يشف ولا يلفت النظر، ومن الملاحظ أن كل ما تعرضه دور الأزياء مخالفٌ لذلك تماماً لأجل جذب بعض المسلمات إلى ما يخالف شريعتهن، بل وحتى من ثبتت على حجابها فإنها لم تسلم من ذلك حيث ظهرت فعلاً أزياء إسلامية معاصرة لاجتذاب الفتيات المحجبات وترغيبهن فيها، وفي الحقيقة ما هي إلا عبارة عن أزياء ضيقة بألوان صارخة تنأى كثيراً عما يُشترط في الزي الإسلامي. ولحضراتكم الحكم: أي من الشريعتين تحقق الكرامة للرجل والمرأة وتضمن لهما الحرية التي لا تتجاوز على حرية الآخرين وترقى بالمجتمعات.. تقول عارضة الأزياء الفرنسية فابيان في مقابلة مع جريدة (المسلمون) بعد إسلامها وفرارها من جحيم بيوت الأزياء اللعينة : "كان الطريق أمامي سهلاً أو هكذا بدا لي فسرعان ما ذقت طعم الشهرة وغمرتني الهدايا الثمينة التي لم أكن أحلم بها ولكن الثمن كان غالياً ، فقد كان شرط النجاح والتألق أن أفقد حساسيتي وشعوري وأتخلى عن حيائي الذي تربيت بداخله، وأفقد ذكائي ولا أحاول فهم أي شيء غير حركات جسدي وإيقاعات الموسيقى... إن بيوت الأزياء جعلت مني مجرد صنم مهمته العبث بالقلوب والعقول. فكنت جماداً يتحرك ويبتسم، ولكنه لا يشعر، فكلما تألقت العارضة في تجردها من بشريتها وآدميتها، زاد قدرها في هذا العالم القاسي البارد. أما إذا خالفت أياً من تعاليم دور الأزياء فإنها تعرض نفسها لألوان العقوبات التي يدخل فيها الأذى النفسي والجسمي معاً، وعشت أتجول في العالم عارضة لأحدث خطوط الموضة بكل ما فيها من تبرج وغرور ومجاراة لرغبات الشيطان في إبراز مفاتن المرأة دون خجل ولا حياء. ولم أكن أشعر بجمال الأزياء فوق جسدي بينما كنت أشعر باحتقار الناظرين لي شخصياً واحترامهم لما أرتديه فقط"(2) وبعد إن اتضحت الآثار الخطيرة التي تترتب على عروض الأزياء لابد من بذل كل الجهود الممكنة في سبيل منعها في الدول الإسلامية لاسيما المدن المقدسة منها، وعدم التهاون في ذلك، كما ينبغي توعية المؤمنين والمؤمنات والتشديد على أن وقاية أبنائهم من الفساد إنما هي مسؤوليتهم الأولى، فيجب أن لا يقصروا فيها، وأولى خطوات الوقاية تكمن في بنائهم بناءً عقدياً فقهياً خلقياً متيناً، وغرس القدوات الصالحة في أذهانهم منذ الصغر والتأكيد على ذلك باستمرار لكي يزدادوا تأسياً بها وحباً لها كلما كبروا وبذلك لن يكونوا بحاجة الى الاقتداء بالمغنين والمغنيات أو ما شابه ذلك. كما ينبغي غرس الثقة في أنفسهم منذ الصغر خصوصاً الفتيات وقايةً لهم من الشعور بالنقص الذي غالباً ما يُكمله الأبناء في مرحلة المراهقة بالأسلوب الخاطئ، كما إنه من أهم العوامل التي تدفع الفتاة الى التبرج والتزين للأجانب لتثبت لهم ولنفسها أن لا نقص فيها. كما تعد حذف الفضائيات اللا أخلاقية خطوة جيدة في هذا المجال، ولا ننسى تقنين استخدامهم للشبكة العنكبوتية من خلال توعيتهم أولاً بالمضار المترتبة على مشاهدة المواد اللا أخلاقية من النواحي الدينية والخلقية والصحية بشقيها الجسدية والنفسية، وحجب بعض المواقع والرقابة المستمرة عن بعد.. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) ميزان الحكمة ج2 ص178 (2) من عالم الشهرة إلى رحاب الإيمان ص12- 13 نقلا عن دور المرأة المسلمة بين الأصالة والمعاصرة ص165 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
1769

من أقوالِ سيدِ الشُّهداءِ (عليه السلام) (7)

بقلم: شيماء المياحي روي عن الإمام الحسين (عليه السلام) أنّه قال: "أيّما اثنِين جَرَى بِينهُمَا كلَامٌ فطلبَ أحدُهُمَا رضَى الآخر كان سابقهُ إلى الجنةِ"(١) الإنسانُ كائنٌ اجتماعي بطبعه؛ فلا غنى له عن التواصلِ مع أبناءِ مُجتمعه؛ فيحتاجُ إلى سُبُلٍ ووسائلَ للتواصل مع الآخرين، وأبرزُ تلك السُبُل الكلامُ؛ فهو لغةُ التواصُل بين بني البشر.. فالكلامُ له أهميةٌ بالغةٌ جدًّا، وخطرٌ بالغٌ جدًّا أيضًا. بالكلامِ توصّلنا إلى معرفةِ الدينِ ومعرفة الخالق (تعالى)، وقد سُمّيَ علم العقائد بـ(علم الكلام). بالكلام يُعبَدُ اللهُ (تعالى) ويُعصى. الكلمةُ كاشفةٌ عن حجمِ معرفةِ الإنسان، فقد وردَ عن أميرِ المؤمنين (عليه السلام): "تكَلَّمُوا تُعرَفُوا، فَإِنَّ الَمرءَ مَخبُوءٌ تَحتَ لِسَانِه"(٢)، وعن رسولِ الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "وهل يُكبُّ النَّاسُ في النارِ إلّا حصَائد ألسنتهم"(٣) ولذلك أولى كُلٌّ من القرآنِ الكريم، والسُنّةِ النبوية، وتُتمِّمُها أحاديثُ المعصومين (صلواتُ الله عليه أجمعين) أهميةً بالغةً في إيرادِ آدابِ الكلام؛ حفاظًا على استمرارِ الصِلةِ الطيبة بين أفراد المُجتمعِ من جِهةٍ، وعلى مصيرِ الإنسانِ الآخروي من جهةٍ أخرى؛ للارتباطِ الوثيق بين الكلامِ وهاتين الجهتين، فقد وردَ عن رسولِ الله (صلى الله عليه وآله): "لا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتى يستقيمَ قلبُه، ولا يستقيمُ قلبُه حتى يستقيمَ لسانُه"(٤) ومن تلك الآدابِ ما وردَ عن الإمامِ الحُسين (عليه السلام) من عدمِ الاستبداد بالرأي عندَ الكلامِ مع الآخرين، وتقديمِ رضا الطرفِ الآخر على رضا النفسِ والانتصار لها، وعدم إفحام الغير وتعجيزه عن الرد، وذكرَ أنّ من يتصفُ بهذه الصفةِ يكونُ سابقًا للطرفِ الآخر إلى الجنة؛ لأنَّ ذلك من الجدالِ الممقوتِ الذي يورثُ الضغينةَ بين أفرادِ المُجتمع، وقد يتعاملُ به البعضُ حتى مع أفرادِ أُسرتِه، فيُحاولُ الزوجُ أنْ يفرضَ رأيَهُ في الكلامِ والنقاشِ مع الزوجةِ والأولاد، مُتخذًا من قواميته عليهم ذريعةً في ذلك، وعادةً ما ينشأ ذلك عن عدّةِ أمور: ١ - الجهلُ والحماقةُ: من الجهلِ والحماقةِ أنْ يعتقدَ الإنسانُ بأنّ الصوابَ معه دائمًا وأبدًا، فكُلُّ إنسانٍ مهما بلغَ من المعرفةِ والحكمة لا يصلُ إلى المعرفةِ المُطلقة في كُلِّ الأمور، ويبقى لكُلِّ امرئٍ قدرُه المحدودُ في كُلِّ شيءٍ، فقد وردَ عن أميرِ المؤمنين (عليه السلام): "كفى بالمرءِ جهلًا أنْ يجهلَ قدره"(٥) وقيل للنبي عيسى (عليه السلام) في حديثٍ عن أبي عبد الله (عليه السلام): "يا روحَ اللهِ وما الأحمق؟ قال: المُعجَبُ برأيه ونفسِه الذي يرى الفضلَ كُلَّه له، لا عليه ويوجبُ الحقَّ كُلَّه لنفسِه، ولا يوجِبُ عليها حقًا، فذلك الأحمق الذي لا حيلةَ في مداواته"(٦) ٢ - الرغبةُ في السيطرةِ على الآخرين والتحكُّم في قُدُراتِهم: وهو مرضٌ نفسي خطيرٌ عادةً ما ينشأ من أسباب، منها: البيئةُ التي يعيشُ فيها، ومراحلُ حياتِه من الطفولةِ إلى المُراهقةِ والشباب، فكُلُّ مرحلةٍ لها تأثيرها البالغ على تكوينِ سلوكِ الإنسان، ويشتدُّ هذا السلوكُ مع غفلةِ الإنسانِ عن نفسِه وعيوبِها، وعدم السعي لإصلاحها، وغيرها الكثير من الأسبابِ التي تجعلُ الإنسانَ يفرضُ رأيَه في كُلِّ حوارٍ ونقاشٍ، مُتجاهلًا ما وردَ عن أهلِ بيتِ العصمة (عليهم السلام) من آدابِ الكلام، ومداراة الناس فقد وردَ عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "أمرني ربّي بمُداراةِ الناسِ كما أمرني بأداءِ الفرائض"(٧) أما إذا كان الكلامُ يتعلّقُ بإثباتِ العقيدةِ الحقّة، وكان الغرضُ منه الإرشادَ والهداية ولم يكنِ الطرفُ الآخر مُعاندًا؛ فلابُدَّ من الجدالِ معه بالتي هي أحسن، فلا ينبغي إرضاءُ الطرفِ الآخرِ على حسابِ العقيدة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (١) المحجة البيضاء: ج٤/ ص٢٢٨ (٢) عيون الحكم والمواعظ لعلي بن محمد الليثي الواسطي: ص٥٥٠ (٣) بحار الانوار: ج٧٢/ ص٢٦٠ (٤) بحار الانوار: ج٦٨/ ص٢٨٧ (٥) غرر الحكم : ص٢٣٣ (٦) بحار الانوار: ج١٤/ ص٣٢٤ (٧) الكافي: ج٢/ ص١١٧

اخرى
منذ 4 سنوات
454

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
75821

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
55885

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
43187

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
42156

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
39311

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
33371