تشغيل الوضع الليلي

صحوة ضمير خائف

منذ 6 سنوات عدد المشاهدات : 2174

كانت تقوم بأعمالها المعتادة وهي تجهد نفسها بإعداد الطعام الذي مهما تفننت بإعداده لابد أن تواجه التقريع وعدم الرضا.
مع ذلك اجتهدت وأجهدت نفسها لأنها تعلم أن زوجها قد قرب موعد حضوره إلى المنزل من عمله.
وهي في حركة دائبة وإذا بها تسمع صوت جرس الباب يرن ولكن بشدة وبتواصل غير منقطع مما ينذر بوجود حالة غير طبيعية أو أمر جلل قد حصل
أسرعت بوجل وخوف نحو الباب وكاد قلبها أن يقفز أمامها وكانت هذه الأمتار القليلة التي تفصلها عن الباب بدت وكأنها آلاف الأمتار.
فتحت الباب بدون أن تسال من عليها كعادتها في كل مرة وإذا تفاجأ بزوجها وهو مكفهر الوجه قاطب الحاجبين وصوته يعربد.
أين كنت أيتها الحمقاء؟!
تراجعت قليلاً إلى الوراء ووضعت يدها على قلبها وتنفست نفساً عميقاً... وقالت له: خيراً أن شاء الله…
ماذا حدث؟
قال مستهزئاً: لم يحدث شيء!
ولكن ألم يكن معك مفاتيح الباب؟
رد منزعجاً: لقد نسيتها بعد أن استيقظت متأخراً وأنتِ لم تذكريني وهكذا أنتِ دائماً خاملة.
هدأت قليلاً بعد أن التقطت انفاسها وهيأت له الطعام وسط سكون يعمّ المنزل، إذ لم يكن لهم إلا ولد واحد وهو متزوج ويعمل في غير مكان ومعه زوجته.
بعد تناوله للطعام وبشراهة غير آبه لما اصابَ هذه المسكينة من الذعر والخوف.
التفت إليها: سأدخل اضطجع على فراشي قليلاً لا أريد أي مصدر إزعاج.
دخل إلى غرفته ونام وهو نائم وفي عالم الرؤية وفي لحظة إيقاظ للضمير أو لنقل في لحظة عطف من رب الرحمة لعباده ليجازيهم على بعض أفعال الخير لأنه مع سوء سلوكه عُرف عنه بره لأبويه في حياتهما نعم في لحظة لطف ورحمة وفي عالم الرؤيا كأنه مات وانتقل إلى العالم الآخر.
ويرى نفسه قد ودّعه أهل الدنيا جميعهم ووضع في قبره فبدأ القبر يضيق شيئاً فشيئاً وهو يصرخ: لماذا كل هذا الضيق؟
فأتاه نداء: لأنك كنت سيء الخلق مع عيالك!
وهو في ذلك الضيق وإذا به يرى أفعى ضخمة تدنو منه تريد النيل منه وهو يصرخ ولكن لا أحد يستمع أو يسمع صراخه وهو ينادي: ما هذا؟ ما هذا؟
أتاه نداء: هذه ابنة جارك التي اسأت إليها كل ما جاء إليها خاطب واستشارك وسألك عنها فأنت كنت تشوه سمعتها بدون حق وتذكر خصال سيئات ليس فيها.
نعم كنت اكره جاري ولا أريد أن يفرح بابنته.
إذن نل جزاء ما جنيت.
مهلاً... مهلاً...
ما تريد هل يمكنها أن تساعدني فهي طيبة الخلق مع الجميع.
نعم يمكنها إن اسقطت حقها عليك.
سنأتي بها.
واحضروها أمامه بدأ يذرف الدموع بنحيب عال وهو يتوسل بها أن تعفو عنه بعد أن اخبرها بكل شيء.
اطرقت قليلاً.. وقالت...
أعفو عنك بشرط.
نعم.
أن تعاهدني على ان تترك الكلام عن الناس وتحسن خلقك مع أهلك.
نعم… نعم، سأفعل.
وأن تقرأ القرآن كل يوم وعفوي عنك معلق على أن تفعل هذه الاشياء.
نعم سأفعل أعاهدك أمام الله سأفعل.
غابت عن ناظريه ولكن تلك الأفعى بقيت بالقرب منه.
واذا بزوجته تسمع صوت زوجها ينادي بأعلى صوته.
ابعدوها عني... ابعدوها عني وهو يضرب السرير برجليه بقوة
حضرت عنده احضرت له الماء ايقظته وإذا به يتصبب عرقاً وكاد نفسه أن ينقطع
ما بك أيها الرجل؟
لا عليك إنه حلم.
قام فاغتسل وأمسك القرآن وتوجه بنية صادقة وإذا به يقع بصره على آية ( وجعل بينكم مودة ورحمة ) نادى على زوجته واعتذر إليها.
ثم عاد إلى قراءة القرآن فقرأ سورة لقمان فأيقن أنه لم يكن في هذا العالم توجه إلى الله تعالى ولن يغفر له إلا بعد أن أعلن توبته وهناك من الذنوب التي لا يغفرها الله سبحانه وتعالى قبل أن يغفرها ويصفح له صاحبها.

اللهم أعنا على أنفسنا يا ترى كم ومن سننتظر ليصفح عنا من له حق عندنا ...

حنان الزيرجاوي

اخترنا لكم

الدعوةُ إلى الحجابِ/ نظرةٌ معاصرةٌ السيدةُ زينبُ (عليها السلام) أنموذجًا (5)

بقلم: فريال ياسر الأسدي 7ـ حجابُ السيّدةِ زينبَ (عليها السلام)، الكيفيةُ والحدود من النماذجِ التي جسّدَها الإسلامُ كقدوةٍ للنساءِ هي السيدةُ زينب (عليها السلام)، فكيفَ كانَ حجابُها الذي نشأ عن علمٍ ومعرفةٍ بالله (تعالى)، ومحافظةٍ على الفطرة السليمة؟ ماهي حدوده وكيفيته؟ تُجيبُنا الحوادثُ التاريخيةُ: حيثُ ينقلُ يحيى المازني -وهو من العلماءِ ورواةِ الحديث، أنّه عاشَ مدةً طويلةً في المدينةِ في جوارِ الإمام علي (عليه السلام)، وكانَ منزلُه إلى جوار المنزلِ الذي كانتْ تسكنُه (عليها السلام)- أنّه لم يرَ زينب (عليها السلام) ولم يسمعْ صوتَها ولو لمرةٍ واحدةٍ، وكُلّما أرادتْ زيارةَ جدِّها كانتْ تفعلُ ذلكَ ليلًا حيثُ كان يمشي أبوها أمامَها، وأخواها الحسنُ والحسينُ إلى جانبيها. فهي (سلام الله عليها) لم تكتفِ بحدودِ الحجابِ الشرعي الذي بيّنه القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة بل زادتْ على ذلك، فاستحقّتْ أنْ تكونَ فخرَ المُخدّراتِ. والخدرُ يُؤخَذُ فيه مفهومُ المحدودية المانعة عن التظاهر والتحرك، وهذا ما كانت عليه سيّدةُ الخدرِ والعفافِ زينب (عليها السلام)، فظاهرُها سترٌ وعفافٌ وصلت به إلى الخدر، وباطنُها كان كذلك ينبعُ من مشروعٍ إلهي مُحكمِ الرؤى؛ فكانتْ إنسانة تكاملتْ شخصيتُها قلبًا وقالبًا، باطنًا وظاهرًا. ولم تكنْ مجرَّدَ أُنثى تُريدُ أنْ تُجرِّدَ إنسانيتها، أو ترتدي ما يُخالِفُ الشريعةِ الإسلامية. سارت السيّدةُ زينب (عليها السلام) مع أخيها من المدينةِ إلى كربلاء، وهي بذلك خرجتْ من خِدرِها إلى الميدانِ؛ لتتصدى وتُواجِهَ الظلمَ الموجَّه للمُجتمع الإسلامي، سارتْ معه خطوةُ بخطوةٍ حتى استُشهدَ (عليه السلام). وعندما بدأ وقتُ انتقالِ المهامِ الأساسيةِ للسيّدةِ زينب (عليها السلام) في عصرِ عاشوراء أمستْ سيدةَ القافلةِ الحُسينية، وعليها أنْ تقومَ بقيادةِ وإدارةِ شؤونِها، ووجدتْ نفسَها أمام مسؤوليتين: الأولى، أنْ تكونَ النموذجَ الأعلى الحيَ للمرأةِ على مرِّ العصور، والأخرى أنْ تدعمَ كُلَّ من حولِها بالقوّةِ والصلابة. إنّ خروجَ السيدةِ زينب (عليها السلام) من خِدرِها له دلالاتٌ عميقةٌ؛ فهي رغم حجابها الكامل لم تجلسْ حبيسةَ البيتِ، وإنّما عندما شعرتْ بضرورةِ التصدّي والمواجهة خرجتْ مُلتَحِفةً بعباءتِها (روحي لها الفداء)؛ لتواجهَ الصعابَ تلوَ الصعابِ على رمضاءَ كربلاء. وأولُ تلكَ المواجهات خروجُها مع الإمامِ من المدينةِ إلى كربلاء، وتحمُّلُ الصعابِ والمشاقِ طوال الطريق، ولم يُعِقْها حجابُها وسترُها، فلم نسمعْ حادثةً تشيرُ إلى أنَّها (عليها السلام) تململتْ من حجابِها وعباءتِها، أو أنّها ألقتْ بسترِها لأنّه يُعيقها، بل على العكسِ تمامًا؛ كُلُّ من روى واقعةَ كربلاء وصفها بالحياء، فقالوا عنها أنّها (خَفِرَةٌ)؛ حيثُ قال بشيرُ بن خزيم الأسدي: "ونظرتُ إلى زينبَ بنتَ علي (عليه السلام) يومئذٍ فلم أرَ خَفِرَةً ـ واللهِ ـ أنطقَ منها". والخَفِرَةُ: الشديدةُ الحياء والستر، قال ابن فارس: "الخفرُ: الحياء، يقال خَفِرَت استحت وهي خَفِرةٌ". لقدِ اصطحبَ الإمامُ الحُسينُ (عليه السلام) أختَه زينبَ (عليها السلام)، وأرادَ من هذا الاصطحابِ إيصالَ صوتٍ للمرأةِ في كُلِّ زمانٍ ومكانٍ: أنّكِ أيّتُها المسلمةُ الواعيةُ قادرةٌ بحجابِك الإسلامي الشرعي أنْ تقفي مثلما وقفتْ سليلةُ الحسبِ والنسبِ، وهي غريبةٌ فاقدةٌ الأهلَ والوطنَ، مسبيةٌ تحتَ قيودِ الأسر، وقفت في قصر ابن زياد مُنزويةً فيُحاولُ أنْ يستفزَّها ويحُطَّ من شأنِها لكنّها أجابتْهُ بكلماتٍ لم يشهدْ لها التاريخُ مثيلًا؛ لتُثبِتَ للمرأةِ أنّ لها في الدين الإسلامي مكانةً ساميةً، وأنّها قادرةٌ على مُمارسةِ حريتِها بتلك العباءةِ الواسعة التي لبِستها عن علمٍ ومعرفةٍ حتى تُوسِّعَ أُفُقَ تفكيرها وتعقلها. لذلك شاءتِ القدرةُ الإلهيةُ أنْ يكونَ لزينبَ (عليها السلام) في هذا المشروع الإلهي دور لهدايةِ الرجالِ والنساء على حدٍّ سواء، قال الإمامُ الحُسين (عليه السلام): "شاء الله أنْ يراهنَّ سبايا". إنَّها مشيئةُ اللهِ (تعالى) وقضاؤه، وهذه العبارةُ توضحُ أرقى ألوانِ العبودية والتسليم لله (سبحانه وتعالى)، إنّه أفنى إرادته (عليه السلام) مقابل إرادة الله (تعالى)، وهذا حتمًا نابعٌ من الثقةِ اللامُتناهيةِ باللهِ (سبحانه وتعالى)، وحُسنِ الظنِّ بربوبيته التشريعية وتدبيره لكُلِّ أمورِ الإنسان.

اخرى
منذ 4 سنوات
1086

الوجه الآخر للغضب: 6 فوائد نفسية للشعور بالحنق

مقال مترجم عن مقال مكتوب باللغة الانجليزية بعنوان: The Upside of Anger: 6 Psychological Benefits of Getting Mad دائماً ما نميل إلى التفكير في الغضب باعتباره عاطفة سلبية، ولكن بعض البحوث كشفت بأن الغضب يكون له جوانب إيجابية أيضاً. هناك العديد من الأسباب المنطقية والمتحضرة لتجنب الدخول في دائرة الغضب. فالغضب لا يجعلك تمر بمشاعر سيئة فحسب، ولكنه يجعلك تقوم بتصرفات غبية دون أن تنتبه إلى مخاطرها، وقد تكون لهذه التصرفات نتائج تدميرية على المستوى الشخصي. ونتيجة لذلك، يبذل الناس المتحضرون قصارى جهدهم في محاولة كبح جماح غضبهم أو إعادة توجيهه أو إخفائه. كما يعامل الكثير منا غضبه على أنه شيء غير عقلاني، وغير قابل للاظهار أمام الناس، بل ونتجنب حتى الإشارة إليه. ولكن مثل كل العواطف البقية، فإن الغضب له أهدافه الخاصة والتي يمكن الحصول منها على آثار إيجابية. أولاً: الغضب قوة تحفيزية تسمع في بعض الأحيان أشخاصاً يتحدثون عن استخدام الغضب باعتباره قوة تحفيزية عن طريق "تحويل الغضب إلى طاقة إيجابية". في الحقيقة، فإن الغضب هو نفسه نوع من أنواع الطاقة الإيجابية بالإضافة إلى كونه قوة تحفيزية مؤثرة، فقد أظهرت الأبحاث بأن الغضب يستطيع أن يدفعنا أكثر لمواجهة العوائق والمشاكل التي تواجهنا في الطريق الذي نسلكه لتحقيق أهدافنا. في أحدى الدراسات، عرضت بعض الأشياء القيمة على المشاركين باعتبارها جوائز ستعطى لهم لاحقاً، وقبل ذلك عرضت على بعض من هؤلاء المشاركين لقطات لوجوه غاضبة. بدا أولئك الذين تعرضوا لرؤية الوجوه الغاضبة أكثر رغبة في الحصول على تلك الأشياء. عندما ننظر إلى شيء نراه مفيداً في نظرنا، فإننا سنرغب أكثر بالحصول عليه عندما نكون غاضبين. ولذلك فإنه إذا ما تم استخدام الغضب الإيجابي بشكل صحيح، فإنه يستطيع أن يعطينا شعوراً بالقوة والتمكن، وأن يساعد في دفعنا للحصول على ما نرغب فيه. ثانياً: الأشخاص الغاضبون أكثر تفاؤلا قد يبدو هذا غريباً بعض الشيء، ولكن يمتلك الأشخاص الغاضبون أشياءً مشتركة مع الأشخاص السعداء. وهي أن الطرفين يميلان إلى أن يكونا أكثر تفاؤلاً. لنأخذ مثالاً أحد الدراسات المتعلقة بالخوف من الإرهاب، والتي تم إجراؤها بعد أحداث 11/9 في الولايات المتحدة الأمريكية. فقد أظهرت هذه الدراسة بأن أولئك الذين يشعرون بالغضب كانوا يتوقعون هجمات أقل في المستقبل. وفي المقابل، ظهر التشاؤم في توقعات أولئك الذين كانوا يشعرون بالخوف، إذ إنهم توقعوا حدوث هجمات إرهابية أخرى في المستقبل. ثالثا: الغضب يمكن أن يكون مفيداً للعلاقات ان الغضب هو رد فعل طبيعي على التعرض للإساءة من قبل شخص آخر وهو أيضاً طريقة للتعبير عن الشعور بعدم العدالة. ولكن المجتمع يبلغنا بأن الغضب هو شيء خطر وبأننا يجب نعمل على إخفائه. ولكن كيف يؤثر هذا على علاقاتنا الشخصية؟ لقد أظهرت إحدى الدراسات الغربية بأن إخفاء الغضب في العلاقات الحميمية يمكن أن يكون ضاراً، إذ إن المشكلة تكمن في أنك عندما تقوم بإخفاء غضبك فإن شريكك لن يستطيع أن يميز بأنه قد قام بشيء خاطئ. وبالتالي فسوف يستمر بفعل هذه الأشياء، وهذا بالتأكيد لن يضيف شيئاً جيداً للعلاقة. إن التعبير عن الغضب إذا كان مبرراً وهادفاً نحو إيجاد الحلول بدلاً من مجرد التنفيس، فإنه يمكن أن يفيد العلاقات ويساهم بشكل حقيقي في تقويتها. رابعاً: الغضب يعطي للأشخاص رؤية عن أنفسهم يمكن أن يعطينا الغضب رؤية إلى داخل نفوسنا، إذا سمحنا له بذلك. فقد تم سؤال عينة من المواطنين الأمريكان والروس عن التأثير الذي خلفته موجات الغضب الأخيرة عليهم، وقد أجاب 55% منهم بأن الغضب قد أدى لديهم إلى نتائج إيجابية. وقد أكد ثلث هؤلاء بأن غضبهم قد أعطاهم القدرة على رؤية أخطائهم الشخصية من داخل أنفسهم. إذا كان بإمكاننا ملاحظة متى يعترينا الغضب ولماذا، فإننا نستطيع أن نتعلم الأشياء التي يمكننا القيام بها لتحسين اسلوب حياتنا، فالغضب يمكن أن يحفز التغيير الذاتي. خامساً: الغضب يمكن أن يقلل من العنف في كثير من الأحيان، تكون حالات العنف الجسدي مسبوقة بالغضب، إلا ان هذا الغضب بحد ذاته قد يكون وسيلة للحد من هذا العنف. إذ إن الغضب هو إشارة اجتماعية قوية بأن هناك موقفاً يحتاج إلى إيجاد الحل المناسب. وعندما يرى الآخرون هذه الإشارة فإنهم سيكونون متحفزين أكثر لإرضاء الطرف الغاضب. وإذا كنت لا تزال غير مقتنع بأن الغضب يمكنه أن يساهم في تقليل حالات العنف، فيمكنك فقط أن تتخيل عالماً بدون غضب، بحيث لا يكون للناس أي وسيلة لكي يظهروا إحساسهم بعدم العدالة. ألا تعتقد بأنهم سيلجؤون مباشرة إلى العنف كحل بديل؟ سادسا: الغضب باعتباره ستراتيجية للتفاوض يمكن أن يكون الغضب وسيلة مشروعة للحصول على ما تريده. ففي أحد الدراسات حول فن التفاوض، قام المشاركون بتقديم تساهلات أكبر وطلبات أقل من الأشخاص الغاضبين، عن أولئك الذين كانت تبدو عليهم السعادة. وبالتالي فإن هناك بعض الأدلة على أنه يمكن استخدام الغضب كستراتيجية للتفاوض، مع التأكيد على أن الأمر هو أعقد من ذلك بكثير. فأنت لا يمكنك أن تخسر القطعة الوحيدة التي تملكها في مقابل الحصول على كل شيء. من المرجح جداً أن يعمل الغضب بشكل أفضل إذا كان مبرراً، وإذا بدوت قوياً، وإيضاً إذا كانت خيارات الطرف الآخر محدودة. وفي حال كون الظروف مناسبة، فإنه يمكنك أن تحصل على الاثنين: أن تشعل نيران غضبك، وأن تحصل على ما تريد. هل هو ذنب مميت أم عاطفة بناءة؟ يمكنني أن أقول بأن الغضب يقلل العنف او يفيد العلاقات أو يعزز التفاؤل أو حتى أن يكون قوة تحفيزية، ولكنه يمكن بسهولة جداً أن يكون مدمراً. هذا هو سحر المشاعر البشرية، فالسعادة ليست شيئاً جيدا دائما ولا الغضب سيء في كل حالاته (بالرغم من أنهما يبدوان كذلك). إن الشخص غير السعيد يكون أيضاً اكثر ميلا لاكتشاف الأخطاء والشخص الغاضب يكون اكثر تحفزاً للعمل. يجب علينا أن نتذكر بأن العواطف الخطرة والمخيفة أيضا لها جوانبها الإيجابية مادامت تستعمل في الهدف المناسب. والخلاصة يمكن تلخيص ملامح الغضب البناء في النقاط التالية: - عندما يكون الشخص الذي سبب حالة الغضب ما زال موجودا - أن يكون الغضب مبرراً ومتناسباً مع حالة الإساءة. - أن يتم التعبير عنه كخطوة اولى في محاولة حل المشكلة، بدلا من التنفيس فقط والمرور بالمشاعر السيئة. يبدو أن الناس يفهمون فوائد الغضب ويقدرونها دون أن يعوا ذلك، فقد وجدت إحدى الدراسات بأن المشاركين الذين كانوا على وشك ممارسة لعبة تتطلب منهم المواجهة، كانوا يميلون قبل ذلك إلى سماع الموسيقى الغاضبة أو التفكير في الأشياء التي تجعلهم أكثر غضباً. وقد قاموا بتقديم أداء أفضل في تلك المسابقة لأنهم كانوا يشعرون بالغضب. إذا ما استخدم بشكل صحيح، فإن الغضب يمكن أن يكون أداة طيعة الاستخدام، ولكن عليك استخدامه بحذر، فهو دائما ما يعتبر العاطفة الأصعب في التحكم وقد يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه. رابط المقال الأصلي: https://www.spring.org.uk/2012/03/the-upside-of-anger-6-psychological-benefits-of-getting-mad.php رابط الدراسة الأولى: http://journals.sagepub.com/doi/10.1177/0956797610384152 رابط الدراسة الثانية: http://journals.sagepub.com/doi/10.1111/1467-9280.01433 رابط الدراسة الثالثة: http://psycnet.apa.org/doiLanding?doi=10.1037/0022-3514.59.5.994 رابط الدراسة الرابعة: http://psycnet.apa.org/record/1997-05013-002 رابط الدراسة الخامسة: https://papers.ssrn.com/sol3/papers.cfm?abstract_id=427920

اخرى
منذ 6 سنوات
3995

أسميتهُ جعفرًا

بقلم: دعاء فاضل الربيعي صديحٌ نهُوك هَديد همام صبورٌ وقورٌ جَريء حسام هكذا كان جعفر فارسًا صنديدًا قويًا لازَم الحق وأصرّ على منازلة الباطل، لم تكن الشجاعة لدية مكتسبة بل فطرية ولدت معه وتشربت عروقه وانماثت في جسده كما ينماث الملح في الماء، وهكذا هم أخوته، ولا عجب في ذلك، فلو أن أباه ولد الناس كلهم لولدوا شجعانًا. هذا ما اخبرنا به الصادق الامين (صلى الله عليه وآله). كان لجعفر منزلة رفيعة وقدرًا جليلًا لدى الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) فهو أخوه وابن عمه وثقته كما قال: (إن علياً وجعفرًا ثقتي، عند مُلِمّ الخطوبِ والنُوبِ) ولطالما اشاد الرسول (صلى الله عليه وآله) به وبأخواته وبمواقفهم الرجولية والبطولية التي دافعوا بها عن الإسلام فقد رود عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال في حق جعفر: (علي أصلي وجعفر فرعي) (اما انت يا جعفر فأشبهت خَلقي وخلقي وانت من شجرتي التي انا منها). وها هو جعفر من الذوات الطاهرة النبيلة الطيبة التي ترفعت عن الرذائل وتسامت مع الفضائل وسلكت سبيل الصلاح والفلاح ودعت الى الإسلام الحق بكل ما اوتيت من قوة فها هو يرسل من قبل النبي (صلى الله عليه وآله) الى معركة غير متكافئة العدد فجيش المسلمين لا يتجاوز الثلاثة آلاف مقاتل وجيش الروم الجرار يبلغ مئتي الف مقاتل مع ذلك أصرّ جعفر ومن معه على المواجهة وكلهم عزم وايمان بأن الله هو نعم المولى ونعم النصير، وقد رسم جعفر في هذه المعركة لوحات لا زالت مطبوعة في أذهان محبيه، يروي لنا التاريخ أن جعفرًا قطع عرقوب فرسه تشجيعًا منه لجيشه وإصرارًا منه على المنازلة وعدم الرجوع وأخذ يقاتل ويزحف بالمسلمين ويقطع اعناق الباطل حتى قطعت يداه ولم يترك القتال حتى أفل نجمه وكسفت شمسه وأصبح أثرًا بعد عين، فوجدوا في جسده تسعين جرحًا ما بين طعنة برمح وضربة بسيف كلها في مقدم بدنه، وهذا دليل على كونه كرارًا غير فرار. فقد واجه صفوف الموت وأبدى يوم مؤتة من الصمود الهائل والارادة الصلبة ما يفوق الوصف فكان عزمه غير مخلخل وشرفه غير مزلزل فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيًّا ومن هذه السمات الرفيعة والصفات الشريفة والهمة العالية نستلهم تلك المعاني السامية ونغرسها في نفوسنا أولاً ومن ثم نزرعها في أولادنا في أيام الطفولة حتى الكبر، فتارة نسمي أسماء أولادنا بأسمائهم تيمنًا بهم وتبركًا، وتارة نبين أدوارهم وما أفاضوا علينا من عقائد رصينة وإيمان راسخ وجهود مضنية في نصرة الحق ودحض الباطل، حيث أمل كل شيعي حقيقي وموالي بأن تتجسد تلك المعاني في أولاده شيئاً فشيئاً، فهكذا أريد ولدي الذي اسميته جعفرًا؛ تيمنًا بذاك الرجل الطاهر والصمصام القاهر والعفيف الصابر، الذي قل ما ولدت مثله النساء، حيث تناظرت الأسماء والصفات معًا واجتمعت في شخص جعفر، ولهذا أتضرع بالدعاء أن يكون لولدي الذي اسميته جعفرًا فرناسًا* أشوسًا مغوارًا ذائدًا عن دنيه ومناصرًا له، لا يبالي إن وقع على الموت أو وقع الموت عليه مادام على الحق... ما احوج وطني في هذه الأيام إلى أمثال جعفر ابن ابي طالب (عليه السلام) قادة خلصًا وأبطالًا في الميدان لا يُقهرون بالباطل ويدعون للحق ويثبتون جذوره في الأمة ويزلزلون عروش الطغاة ويرفعون راية النصرة لصاحب الأمر (عجل الله فرجه الشريف)... فيا ولدي الحبيب كن منتظرًا ممهدًا مناصرا لدولة الحق وحكومة الصدق ورئاسة العدل التي يعتلي عرشها ويقود زمام أمورها مولاي وإمامي الحجة ابن الحسن المهدي أرواحنا لتراب مقدمه الفداء. _________________ 1- آمالي الصدوق – المجلس 76 ص456 2- كنز العمال 6:153 3- المستدرك على الصحيحين 211: 3 • الفرناس من أسماء الأسود.

اخرى
منذ 4 سنوات
634

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
75822

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
55889

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
43189

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
42164

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
39315

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
33372