بقلم: نورا كاصد العبودي لم أتقِنْ يومًا فنَّ الرسم، كلُّ لوحاتي كانت تُبنى على خربشاتٍ لا تروقني، فكيف تعجب الناس؟! حتى وقعتُ بحبِّ المعاني والمفردات، واتخذتُ منها في بداية الأمر لُعبةً! كنتُ أدحرجُ الاسم إلى مرمى الصياغة، وأسجل هدفًا عندما يتحول أحدها إلى عشرات الأسماء. أزاحم كلَّ الكلمات وأحاربها وأنتصر عندما أخطُّ منها جملًا تبتهجُ بذكر مقام الإمام الغائب (عجّل الله فرجه). فأرسم أروعَ لوحةٍ في حياتي، لكن بالحروف والمعاني. وغالبًا ما أقفُ عند حرفِ النون! لا يظهر منه إلا النور في كلِّ السطور ليطرح بقية الأسماء جانبًا ويثور! أعودُ وأجربُ كلَّ الحروف، تصنع لي مئات الأسماء بمُختلفِ الألوان والنكهات، أحملُ الميم على عاتقي كريشةِ طاووسٍ صُنِعت بدقةٍ من قبل خالقها (عزَّ وجل)، أرسمه على لوحتي فيرسم اسم (م ح م د) المهدي، ويغزو جميع الأسماء بل تتساقط ليبقى بجانبِ النور ويكرر لفظة... مهدي ... مهدي ... مهدي ... أشعرُ أنَّ الكلمات تُلوِّنُ اللوحةَ، وتضفي عليها طابع الحياة. أتأملها وأعود بذاكرتي أُطبق عليها ملامحي بشكل البلاءات الصغيرة التي واجهتني وهي تكبر وتتعمق وتحافظ على تفاصيلها المأساوية، أدوِّنُ كلَّ وجعٍ وحزنٍ وأطبعها بألوانٍ مميزة على وجهِ اللوحةِ، وأبدأ من جديدٍ أعدُّ كلَّ الندوب والترهات على ذلك الوجه المرسوم، ثم أبني جسرًا من الحروف المتلألئة لأصله بالقلب حيث تقبعُ مئات الكلمات التي لم تُنطق، والجمل التي تلاشت قبل أوانها .. ثم أتذكرُ أنَّ لي في جعبة الأيام أحلاماً مُخبئة قيد التنفيذ، فأعود لألوِّن اللوحة بألوان قوس المطر؛ فتزدهر لوحتي وتكتمل جميع الجمل ... نور المهدي ... اكتملت بالفعل! عندما أرفعُ ريشة الأمل تنادي جميع جوارحي: متى سنقول: لبيك صاحب الأمر .. اللهمَّ عجِّل...
اخرىبقلم: نورا كاصد العبودي هل تساءلتم يا سادة، لمَ غمرني البكاء عندما حصدت المركز الأول؟! بينما زميلي ذو المركز الثالث بقمة سعادته! يقضي القدر علينا بحكمه ونرضى! فأنا في تلك اللحظة راودني شعور الخوف عندما رأيت المهنئين صفوفًا وقفوا أمامنا! هل سأجد ضالتي؟! وإن أخفقت بالسباق هل هناك من يحملني على سبعين محمل؟! عيناي ترتقب وبحذر تنظر وتقلب وجوه الناس، لأجمع كل ترانيم العشق من نظراتهم... فلا أرى سوى أقواس السحاب و قد انهارت... وحقول الياسمين ذبلت... فيزداد ألمي وتهشمي... وتعود الحسرات... فيمس هذا القلب تصحّر ولهيب الفراق... ويشتعل رأسي بأسئلة متشابهة أواصل بها الليل بالنهار وأطرح كل ما وراء الستار... أين أختبأ مشجعي؟! مهلًا... لا أحد ينتظر! هل الكل غير مهتم؟! أم الكل غير موجود؟! لم يبقَ سواي! سأخرج عن النص وأخبركم قصتي... يتيم على شواطئ الهجران رسيت... في سفينة مقطعة الأشرعة ومسلوبة الإرادة تربيت! وعلى جبين الكون أنثر أزهار عمري... وكل أحلامي تتلاشى أمامي... عبثًا محولاتي إخفاء دموعي فهي كالشلال تنهمر... الجميع ينادوني أيها الضرغام قد فزت... فيُبكيني الفوز... وتغص في قلبي ليالي الحزن لتمر أيامي من جانبي تهدر طاقتي... وتزرع في قلبي حلماً ميتاً...
اخرىبقلم: نورا كاصد العبودي كنتُ ما أزال واقفًا لكن شيئًا ما انسلَّ من داخلي صوتي، قلبي، أو قواي! بقيتُ أحاول أنْ أجتاز مأساتي! لكن لا جدوى... لا تتعجبوا يا سادة! فكلُّ شيءٍ أصبح مختلفًا، ومتغيرًا... عملُ كادحٍ ومأوى متهالك! آمالي كلها اندثرت وأنا أحمل أكياس الحنطة لأتقاضى الأجر نهاية اليوم، فتكتمل حيرتي حينما يخبرني البقال أنَّ النقود لا تكفي ثمنًا لرغيف خبز، وبعضٍ من الملح وأربع فردات تمر! بكاءُ طفلتي الوحيدة قد نخر عظام رأسي، وشكوى زوجتي التي آلمني حقًا جوعها وعملي الذي أنهك جسدي! وبعد أنْ تجرد العالم من إنسانيته! أصبحتُ خاوٍ لا أقوى على حمل الثياب فتبرعت بها إلى مديري؛ كي يغطي بها ضميره النائم! أما أنا فاستلقيت على حطامي...
اخرىبقلم: نورا كاصد العبودي كيف لا أعشق ذلك الاسم الذي خُط من حروفٍ من نور يُدخل على القلوب السرور... تم اختياره بعناية من بين السطور...واحتلّ أعلى السور، سور الإمامة الذي ذاع صيته عبر العصور؟ هل ما زلتم تجهلونه؟! إنه إمام إن قام أو قعد، يكمل سور الإمامة وليس فوق قبره سور! حفيد الرسول (صلى الله عليه وآله) وساقي حوض الكوثر، والسبط المنتجب... أمير في السماء ولا يضاهي كرمه في الأرض أحد! إمام معصوم، وعالم جليل وقائد إن حانت فرص النزاع وفرض دين جده خاتم الرسالات وولي الله المنتخب... تصمت الحروف في حضرة اسمك يا كريم آل بيت الطهر.. اعلم يا مولاي أني أتقطع ألمًا مع كل حرف أخطه، فالنظر إلى موضع قبرك الشريف يزلزل قلبي وهو من دون منارة تُذكر... قاسٍ حكم أولئك البشر، وضميرهم الذي يضاهي فعل الحجر... يؤرق نومهم توافد الناس على قبرٍ! ترتعش فرائصهم خوفًا ويمنعوننا إن تقدمنا نحوه أو ذرفنا دمعة! يحسبون أنهم سجنوك في سواد قلوبهم ولم يعلموا أنّ النور لا يُسجن! رشقوك بسهام حقدهم من كل جهات حياتك أرادوا للدين أن يقف! لم يعلموا أنّ لكَ شيعة وأنصاراً... أرادوا تضليل حياتك... فعملوا جاهدين على بترك من لوحة حياتنا! ولم يعلموا أن في القلب لك مستقراً ومكاناً! السلام عليك يا مولاي يوم ولدت ويوم رشقوا نعشك…
اخرىبقلم: نورا كاصد وما زلت أركع عند أعتاب بابك، كانتزاعِ الروح من الجسد كانت تُنتزع التنهيدة من قلبي، آخرُ آهٍ خجلةٌ تأبى الخروج، وترفض المكوث، ولا تعلم كيف تطلب العفو! تتجمع الغصاتُ عقب الغصات، فتتحرر صرخةٌ ملؤها الندم! لِمَ تمّ اختياري أنا لهذا الاختبار الصعب، يتمتمُ لساني بأحرفٍ متقطعة: س.. ي ...د ... ي يا علي! جئتُ بكلِّ حسراتِ قلبي التي تندبُ حظها، أودُّ أنْ أعلِّقَ روحي بضريحك يا مولاي قطعةَ قماشٍ لسيدةٍ خُطف ولدها، أو لطفلةٍ يتيمة تزورك بين الحين والآخر تشكو إليك ظلماً ألـمَّ بها! وتعدّكَ أهلها، وكلُّ من حولها يرونها طفلةً تشكو لوالدها! أنا لستُ سوى ليلةٍ بائسةٍ كُرِّمتُ باسمك وذكرك! قَسَتْ عليَّ الثلاثُ ليالٍ التي سبقتني فتحملتُ أنا عنهن هذا العبء الثقيل. كيف لي أنْ أشرح للناس من أكون؟ ومن أين أتيت؟ كيف لي أنْ أدخل يا مولاي وأنْ أخلع همومي عند ضريحك؟ كم أغبط أولئك المتشبثين قربَ قبرك، رغم أنَّ همهم ليس بعِظَمِ همي، وذنبهم ليس بجسامة ذنبي! ليلةٌ ليست كمثل الليالي، بل أكملت الباقي! أرفعُ يديَّ بكلِّ قوتي التي أكَلها الضعف، يعلوهما رمادُ اليأس وأدمعي المتناثرة! وبين حنينٍ وشوقٍ لتعلقي بشباك ضريحك، مرّت فوقي سحابةٌ بيضاءُ أمسكتْ بيدي وأخذتني إلى داخل الضريح المبارك بمشهدٍ ترتعش له الأبدان، صوت القرآن يختلط بالدعاء والبكاء، وتتعالى أصواتُ المؤمنين بطلب العون بتوجّه صاحب المشهد المعظم لله (عزَّ علاه) لرفع الهموم وكشف الكرب. خفتُ كثيرًا، وما عدتُ قادرةً على النطق، هويتُ أرضًا مغشىً عليَّ، صحوتُ بعدها وأنا أردد: أنا الليلة التي استشهد فيها الإمام علي (عليه السلام)، أنا تلك المسكينة التي ينتظرني المؤمنون؛ كي يُحيوا بي فرائض الطاعة، أنا التي لو علموا بحزني لما انتظروني، أنا تلك التي لايزال في قلبي أملٌ، أن أطلب العفو ويعفو عني أميري. وقفتُ ببابِ بيتك وقد وهن عظمي وملأ الشيبُ رأسي ولم أعد قادراً على حمل اسمي أو عنواني، أنا النكرةُ التي لولاك لما عرفني أحدٌ. يا مولاي، أنا طيفُ الأحلام الميتة وقت استشهادك، جئتك من زمن الليالي؛ كي أتعافى فيك، فقد أصابني قدرُ الله تعالى بك حتى شاخَ هذا العالم، ورأسي إلى اليوم جريح، امحُ زلتي؛ كَوني أنا الليلة التي قضت على كلِّ أحلام أيتامك. وعسى أن يوزعني ربي من عنده عمرًا؛ كي أقطن عند بابك أرجو عفوك إلى يوم يبعثون.
اخرىبقلم: نورا كاصد العبودي أعترف أني أرتدي قناعًا لكنه للحزن فقط... منذ مدة وأنا أضعه حدادًا على قدرٍ أشقى روحي، وأحلام لم تتحقق، أو بالأصح تطايرت بعيدًا مع أول بعثرة للريح معلنة عن بدء فصل الخريف، فهذا الفصل يحصد وريقات عمري الخضراء، ويُحوّل نور أيامي إلى ظلام... ينتزع معه كل أقنعة الناس حولي... في كل مرة أودع قريبًا من القلب عندما أرى وجهه الحقيقي، أحزن وتتراجع أحوالي، وأُبعد من تبقّى بقرارٍ مني... حتى قررت أخيرًا أن أخلع قناع حزني.. اسامح البعض، ليس لأني نسيت إساءتهم أو أنهم يستحقوا الغفران، بل أنا من يستحق العيش بسلام... سأطلق العنان لتلك العصفورة المقيدة في داخلي، سأدعو لها أن تطير هذه المرة من غير أن ترتطم بعمود إنارة متسلق للسحاب... أو حجر يعلو بحر الأوهام.. سأحمي شمعتي التي عانيت بإشعال فتيلها كي تنير ما تبقّى من أركان قلبي، ولن أسمح لأي خريف أن يمسها بذرة ريح هوجاء... لا تعلم بالمشقة التي تكبّدتها آمالي... تعسًا لتلك الأحزان التي دمرت أجمل أيامي، وتعسًا لأولئك الذين يتفنّون بصنع الأقنعة المسمومة وارتدائها... يغرسون سكاكين الغدر.. ويتمتعون بألم بعضهم البعض.. منشغلين في حصد القلوب البيضاء.. جائعين ليأكلوا أوصال ضحاياهم.. أعلنوا عن موت ضمائرهم وشيعوها إلى مثواها الأخير حيث يدفنون آلاف الأقنعة.
اخرىبقلم: نورا گاصد العبودي أحمل قلبي بيدي منذ أعوام وهو على قيد أمل لُقياك يعيش... كل أمانيه أن يؤدي صلاة أنت إمامها، بالخشوع تبدأ وبتدبير الأمر تُختتم... بين يديك تخر أمانينا ساجدة وتنصت لك كل حواسنا لترانيم صوت أذانك... الله أكبر، فتشهق الملائكة مرددة خلفك: الله أكبر... قلبي الذي يبعث كل يوم من أيام شهر رمضان بدعائه على جناح الفراشات الحمراء! يؤطره بحلمه ويملي نفسه بصبر أيوب (عليه السلام)... أهز كل جذوع النخل فأجدها يابسة! لا تأوي غير النوى... ليتها كنخلة مريم (عليها السلام) تساقط علي ثمرًا جنيًا... العتمة تشق طريقها في كل جوانب روحي، لم تدع خلفها زقاقاً إلّا وكان لها مرتع ومقام! كظلام بطن الحوت على يونس (عليه السلام). بات الحزن الأسود يذرف أمطاره على نوافذ الأحلام... قطرات غيث ملؤها غبار الفراق... كبل الحزن أحلامي وقتل أمنياتي الصغيرة... كل الأبواب مؤصدة بوجهي كتلك التي أُقفلت أمام يوسف (عليه السلام). إنها العجاف السبع يا مولاي! باتت تنهك بنا... تحيدنا عن الدرب ونعود نهرول خوفًا من خسرانك ونتمسك بك... ونحن نرفع الأكف نرجو الله (سبحانه و تعالى)... ترتفع كل أكف المؤمنين وترتفع معها فراشات الدعاء حتى تصل إلى أعلى السماء... وميض النجوم المستبشرة هو أروع المناظر على الإطلاق.. أُشاهدها تستقبل فراشتي وتمهد لها طريق العبور.. تعبر بأمان.. سيري يا فراشة فأنتِ في قلبي وكفالة ابن الحسن (عجل الله فرجه). بحضورك يا مولاي ستتم صلاة العيد.. فائز هو من يحظى بذلك اليوم.. سيمضي الليل مكفهراً وجهه عابساً! يولي وجهه خجلًا منك ويداري بنفسه عن ظُلّامه... ينجلي الأسى ويعم الفرح بثوبٍ أبيض أجمل من لون ورد الياسمين.. ستنشد الأيام أجمل تراتيل الفرح وبكل لون.. سينضب الحبر عن كتابة خواطر العشق إلّا لك.. فيمسي الشعر حرًا والقصص خالية من الخيال! سيغادر الألم وينبت الحلم في مدينة الأوهام...
اخرىبقلم: نورا كاصد العبودي هل لي أن أقدم هذه الشكوى بين يديك يا مولاي؟ نعيش للتنفس فقط! نحيى وسط مجموعة بشرية غير مسؤولة همهم الأوحد الطعام والشراب! ينحدر الشاب والعجوز إلى مستنقع الرذيلة! يتفقون على أذية بعضهم ويغطسون رؤوسهم بالذل والمهانة.. مُلئت الطرقات بأفعال أشباه الرجال! قتلٌ وسلبٌ ونهبٌ يتدثرون بالخيانة ويقتاتون على فتات النفاق والدجل ويرتدون جلباب الكذب والخداع.. ملأوا الأرض حتى أصبحنا لا نعرف الصالح من الطالح.. فسقطوا في القعر واستقروا.. تشابهت الوجوه المقنعة علينا يا صاحب الزمان.. تعصف بي أعاصير أهواؤهم العفنة فأتوه وتلاشى كل ما سمعت بضياع الناس وتخبطهم وجريهم خلف غير المشروع تتقطع أوصال عقلي.. أرى انتزاع الأخلاق ولا أقوى على الكلام.. فأصبحت الكتابة وسيلة للتصريح.. تباعدت خيوط الفجر بعد أن أقام الليل في مسكن النهار.. أصبح لا شيء يجيد الاحتفاظ، كل شيء إلى العدم يهرب.. سنوات تتناثر أرضًا ويعلو عويل أيامها مع الذكريات.. تشتت وضياع.. وجعي يمتد لأعوامٍ قادمة كيف يمسي وطن باع عاداته ونسى تقاليده وجهل نفسه ودينه؟ متى نرى الغرة الحميدة والطلعة الرشيدة يا مولاي؟ متى نرتوي من كأس جود بزوغ فجر أنت سيده ويومٍ جديدٍ أنتَ عنوانه؟ متى تكلم الجراح وتداوي من أعيى قلبه الغدر وتعيد له حقوقه المسلوبة؟
اخرىبقلم: نورا گاصد العبودي تقول إحداهن: يوم أمس شيعت آخر أحلامي إلى مثواه الأخير.. لكني لم أدفنه! ألقيت به من شاهق حتى تقطع إربا.. كان حلمي حلم طفلة بريئة.. ترسم وتلعب وتخيط الثياب للعبتها ذات الشعر الأشقر.. لكن ثمة شيئاً ما، فاض بها حتى أغرقها مع اللا شيء الذي تملكه... خمسوني العمر غير واضح المعالم! أخذ بيدها واحتوى سني ابتسامتها.. ما برح أن سرق أيامها وأغرق سفن أفكارها.. اقتحم عالمها الصغير وحوّل لون شعر لعبتها إلى أبيض ناصع! سرق ملامح الطفولة.. وأعيى تلك الضحكة المختبئة الخجولة.. دمرّ وعاث الخراب ورسم التجاعيد حول عينيها النرجسيتين! قطف ورود قلبها حتى تصحّر بالكامل.. سلب إرادتها.. قَتل طفولتها.. كل الذي عرفته عن الحياة، لعبة قلبها ممزق، وخاتم، وبدلة زفاف.. إنه الزواج المبكر من دون حساب النتائج، ومن غير الكفوء..
اخرىبقلم: نورا كاصد العبودي مازال يسكنُ هناك حيث اللا أحد! جرّد المكان من كلِّ المخلوقات وتفرّد... يمكثُ وحيدًا يفترشُ قلبي ويلتحفُ الأبهر! كان الجانب الذي اتخذه مسكنًا مظلمًا لحدٍّ بعيد القرار ... يأبى الخروج، أخشى أنْ يصيبه التوحد! أخشى أنْ يصل الجانب الآخر فهو مليءٌ بالحياة ... أخشى أنْ يموت ويُدفن هناك حيث المجهول! كيف لي أنْ أقنع من بنى أساساً وعمّر قصرًا له من المر ... يعصفُ كريحِ الخريفِ كلّما مرّ ذكر المطر! بالمطر تزهر الحياة و يحيى كلُّ حجر... اعتاد الظلام، وجهل معنى الحرية والتنقل بين أجزاء قلبي، مكث هناك ولم يفرْ! لم أكُ أتصور أنَّ أحدًا مثله يستطيعُ فعلَ كلِّ هذا ... احتلالٌ بالكامل، حجب نور الشمس وأعمى القمر! أزاح النجمات جميعهن وأعلن عن بدء ساعة الصفر ... بعثر أوراق الماضي، وأهمل صندوق الذكريات، ومزّق كلَّ الصور! أراد التفرُّد فاختار اليمين، أطفأه بالكامل، وقرّر الانتحار! أصبح قلبي أشبه بالمتاهة تسوده فوضى عارمة وحزنٌ وبؤسٌ وانهيار... ملأ أركانه بالجمود وجعله قابلًا للاحتضار! ألبسه السواد، وجعله مثيرًا للأنظار... يجبُ أنْ أخبر الزهور التي تقنطُ بالجانب الآخر... عليها أنْ تحتل المكان، وإلا مات فيه وأماتني أو يرمقني بحزنه ويحوّلني إلى رماد! إنّه اليُتم...
اخرىبقلم: نورا كاصد العبودي أتمنى لو أقطع آخر سنبلة عقيمة من حقل أعينهم النابضة بالحقد! لكن ألسنتهم ستبث السموم! امرأة! في مجتمعي لا يقدمون لها سوى النقد! إن أحبوها سجنوها في قصيدة لشاعر ما! وإن أرادت كسر قيودهم واقتلاع جذورها من أرضهم... قصوا جناحيها! رجموها بأفواههم! يستلون أنيابهم من أغمادها ليأكلوا المرأة لحمًا نيئا! حتى لم يبقَ فيها سوى ود مبتور... ومشاعر من رماد... عيون تترقب خيط الإعدام! وأهداب ممزقة... حيث طعم المر يستقر في أعمق نقطة من قلبها! تحار في ما تصنع! هل ترمي بقلبها عبر نافذة المستحيل أم تحيطه بهالة أضلعها البالية؟! يُدثّر الليل معها بقاياها ويلملم لحظات تسحبت من ضعفٍ ويأس مطرز بالخيبات المتوالية! ترتسم الغصات كسرب نوارس فوق جبينها... يدعوها كل طائر للتحليق! ساقها القدر ونسيت أنها بلا أجنحة! طارت فهوت! حملتها الأوهام مجددًا.. وطيفك التائه يحوم على أحلامها! يبددها ويذرها كالسراب المعلق... تُخبئ تحت مظلة النسيان أُمنية صغيرة! أن تعود يومًا وتخرس جميع الأفواه... وأن طلبوا العفو تصفح! لكن.. لم يعد للعناق جناح!
اخرىبقلم: نورا كاصد العبودي يعانق القرآن ومسبحه لا ينفك يغادر يمينه! لا يغتاب أحداً ولا ينصر باطلاً.. باسم الوجه في الرخاء عبوسًا عند الشدة.. كان يقتلع حق أحدهم إن جاءه شاكيًا، من بين عينَي ظالميه! النظرة إلى وجهه تُخبرك بتعبه وصبره.. مكافحته للحياة ارتسمت تجاعيدًا في جبينه.. استطاع أن يصنع منّا ما نحن عليه، أسودًا ولبوة! لبوة ما زالت تقاوم بعده كل الظروف وترفق اسمه في طرف كل طية من طيات حياتها.. مدينين لك بكل شيء.. تربيتنا، أخلاقنا، علمنا، كل ما نحن عليه اليوم! سخر من الأيام لشدة قسوتها على المتقين أمثاله.. تشبث بحبال الأمل جيدًا حتى صاغ من أحلامه أمنية وهدفاً.. غرس كل القيم كما البذور في بيته... أهلك الفراغ وسار مدججًا بالأفكار لا يأبه صقيع المشوهين يتسلح بالصمت عندما يكون الأمر خانقًا للحروف الصغيرة! يحبسها ويطلقها فقط عندما تبلغ منتهى الكلام.. ففي أوانها قطف الثمار أجمل.. سرقك القدر مبكرًا حتى لم استطع أن أقول لك: الحياة معك مركب نجاة! قبطان واحد ومرفأ واحد.. وبعدك كلما غرقت! تسبيحاتك تنقذني كان أبي فعلًا أبي..
اخرى