بقلم: يا مهدي ادركني قوله تعالى: (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ) [سورة العنكبوت: آية 13]. طريق طويل ممتد قد يتخيل صاحبه أن لا نهاية له، من شدة الأهوال فيه وقلة الزاد وإن كثر، وانعدامه عند غالبية سالكيه، لا ظل فيه يقي من حر الآثام ولا قطرة ماء ترويه من عطش الذنوب، بل كاهله مثقل بأوزار قد انتهت لذاتها وبقيت مرارتها تقطّع أوصاله وتدمي أقدامه بأحجار وأشواك زرعتها يداه بارتكاب المعاصي في دنيا فانية، فإذا به يتفاجأ بأثقال ترمى على كاهله فوق ظهرٍ قد قوّسته أوساخ الدنيا لتقطع أنفاسه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. قال تعالى (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعىٰ) [سورة النجم: آية 39] آية صريحة أوضحت أن جزاء الإنسان وحسابه يوم الآخرة لا يكون إلا بما قدمت يداه، فهو مسؤول عن أعماله وسيجازيه (جل وعلا) على قدر ما قدم ولن يظلمه فتيلا، فكيف يحمل إذن أثقالًا غير أثقاله كما في قوله تعالى: (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ) [سورة العنكبوت: آية 13] ؟ وما المقصود من الأثقال هنا؟ وكيف نوفق بين هذه الآية وبين قوله تعالى: (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [سورة الانعام: آية 164]؟ إن لآيات القرآن الكريم تناغماً وتجانساً متوازناً في ألوانه، والاختلاف الظاهر في تنزيله له جمال في تأويله، متناسق معه غير متضارب، وإن كان يبدو الاختلاف للوهلة الأولى إلا أنه سيتبدد غمامه شيئاً فشيئاً عند الرجوع إلى شمسه الساطعة: أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) في تفسيره وبيانه. فإذا ما رجعنا إلى تفاسير أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) سنجد بعض النقاط المهمة التي إذا ما مررنا عليها إجمالًا ستتنور بصيرتنا ونتزود منها: أولًا: المعاني اللغوية. أثقال: وله استعمالات عديدة في اللغة منها المتاع، والوزن المادي أو المعنوي، ويقال ثقل الشيء أي وزنه. يفترون: من الفعل افترى أي من يقول غير الحق. ثانيًا: نكتة اجتماعية: إن عالمنا عالم التجاذب والتجانس، عالم مؤلف من مختلفات تمازجت ألوانها وتعايشت فيما بينها، لذا جاءت الشريعة الإسلامية ووضعت أحكامًا ليسير وفقها المجتمع بسلام ووئام ليس على إطار الدنيا فقط وإنما على نطاق أوسع من ذلك بكثير ليمتد إلى عالم الآخرة، فيجد الإنسان تبعات أعماله هناك ليجازى عليها فيثيبه الله تعالى عليها أو يعاقبه. ومن الأمور التي جبل الإنسان عليها هو حب المشاركة مع أترابه فتجده يرغب في مشاركة من يحب في كل خطواته وبناء حياته ومستقبله بكل لذاته من طعام وأموال وأولاد، بل حتى في الأمور المعنوية تلك الأمور التي تستبطن اللذائذ المعنوية كما في لذة العلم والعبودية لله تعالى، فتجده ينشر العلم الذي تعلّمه ويدعو لصاحبه في ظهر الغيب وقد يطلب منه أن يرافقه في رحلة عبادية وما إلى ذلك من أمور تتكامل فيها أرواحهم. وفي الجانب الآخر نجد هناك من يسعى إلى بث الفساد والخبائث فيدعو أصحابه إلى مجلس فسوق وغناء، وآخر إلى مشاهدة مناظر محرمة، وأخرى تدعو إلى التبرج أو إلى التمرد على الزوج أو الوالدين، تحت عناوين مزوقة زائفة، ويحملون معهم لكل عمل مبرراً يخدعون به أنفسهم والآخرين بأن ما سيقدم عليه وإن كان فيه إثم فإنه سيحمله عنه، ليرسم له خطوات تقوده إلى وادي سحيق، والعقل يصرخ في نفسه بأن لن يتحمل أحد وزر آخر، وكل نفس بما عملت رهينة. ثالثًا: العقل الجمعي: هي ظاهرة معينة سلبية كانت أو ايجابية تظهر في مجموعة من الناس، قد تبدأ كسلوك فردي أولًا ومن ثم نتيجة لاستحسانه من قبل البعض وإن كان منافيًا للعقل ولكنه قد يكون موافقاً لهوى النفس، نتيجة لذلك تتولد ظاهرة اجتماعية. وفي محل كلامنا هي ناتجة عن تبرير الأخطاء أولًا على المستوى الفردي ومن ثم ترغيب الآخرين واستدراجهم للقيام بها عن طريق أكذوبة (إن كان لهذا العمل وزر فأنا سأحمله عنك يوم القيامة) وفي الحقيقة هو فعلًا سيقوم بحمل هذا الوزر يوم القيامة لكن هذا لا يعني أن من قام به سينجو، فإن العقل لا يقبله، والشريعة أكدت على أن كل نفس بما كسبت رهينة. رابعًا: بيان التخالف وحله: جاءت الشريعة لتبين لنا أنّ الإنسان في الحقيقة مقيد بأعماله هو لا عمل غيره، هذا إذا لم يكن له سلطان على غيره بإغوائه أو التاثير سلباً عليه وتزيين العمل له، وإلا فإن عليه وزره ووزر من عمل به إلى يوم القيامة، وقد أكدت الروايات الشريفة على ذلك فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "مَن سَنَّ سُنَّةً حَسَنةً عُمِلَ بها مِن بَعدِهِ كانَ لَهُ أجرُهُ ومِثلُ اجُورِهِم مِن غَيرِ أن يَنقُصَ مِن اجُورِهم شيئاً، ومَن سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بها بَعدَهُ كانَ علَيهِ وِزرُهُ ومِثلُ أوزارِهِم مِن غَيرِ أن يَنقُصَ مِن أوزارِهِم شيئاً". (1) وبهذا يتبين أنّه ليس هناك أي تناقض بين الآيتين وأنّ الله تعالى عادل حكيم في أفعاله، وقد وهب الإنسان العقل ليميز بين الجيد والرديء وما تتكامل به نفسه أو تتسافل، فعليه أن لا ينخدع بالعقل الجمعي الذي يقوده إلى هلاك نفسه، وأنّ عليه أن يدعو الآخرين إلى المعروف وينهى عن المنكر بحدود لا يُهلك معها نفسه فإن الله تعالى لن يكلف نفسًا إلا وسعها، وما عليه إلا البلاغ فإن استمعوا له فبها ونعمت وإلا فليس عليه من أوزارهم شيئًا.
اخرىبقلم: يا مهدي ادركني قوله تعالى: (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [سورة آل عمران: آية 33]. كلنا نتوق أن نكون من أهل الجنة، والقرآن الكريم غذى هذه الرغبة فينا بآيات كثيرة ذكرت الجنة ونعيمها والدعوة إلى المسابقة إليها، هذه الجنة التي نرغب فيها عند مطالعة آيات القرآن الكريم نجد أنها ليست جنة واحدة وإنما هي على أنواع متعددة، فما هي أنواع الجنة في القرآن الكريم؟ معنى الجنّة في اللغة: أصلها جنن، وهي من الستر فقد تأتي بصيغة اسم مفعول (مستور) أو بصيغة اسم الفاعل (ساتر). وهي البستان الكثيف الأشجار الذي استتر بأشجاره فلا تُرى أرضه. وفي رواية عن النبي (صلى الله عليه وآله) أجاب بها عن سؤال يزيد بن سلام، حيث قال له: فلِم سُمّيت الجنّة جنّة؟ فقال (صلى الله عليه وآله): "لِأَنَّها جُنَينَةٌ خِيَرَةٌ نَقِيَّةٌ، وعِندَ اللَّهِ - تَعالى ذِكرُهُ - مَرضِيَّةٌ" (1). وصرّح العلّامة المجلسي في بيان عبارة «لأنّها جُنَينة» قائلًا: أي مستورة عن الخلق، ولا يُستَر إلّا ما كان خيرة (2). ومن هذا يمكن أن نخلص إلى نقطتين أساسيتين منهما يمكن لنا أن نبدأ بحثنا: الأولى: إنّ لفظ الجنة لغة هو لفظ يطلق على كل بستان مستور فهو لا يختص بالجنة بعالم الآخرة، وإنما يمكن تطبيقه على عالم الدنيا أيضًا. الثانية: عادة إذا كان الشيء مهمًا فإنه يُخفى عن الأعين ويستر ولا يتاح النظر إليه إلا بشروط خاصة. ومن هاتين المقدمتين سنبحر في لجج القرآن الكريم باحثين عن أنواع الجنة وتقسيماتها: النوع الأول: جنة الدنيا: بعد أن تبين أن الجنة هي الأرض التي تستتر بأوراق أشجارها المتشابكة أصبح من الممكن أن يكون لها تحقق ووجود في عالم الدنيا، وقد تعددت الآيات التي ذكرت لنا جنة الدنيا ومنها: أولًا: جنة نبينا آدم (صلوات الله وسلامه عليه). فقد قال (عز من قائل): (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) [سورة البقرة: آية 35] وهناك العديد من الأدلة العقلية والنقلية التي تؤكد على أنّ الجنة التي دخلها نبينا آدم وزوجه (صلوات الله وسلامه عليهما) كانت من جنان الأرض لا الخلد، وعلى سبيل العجالة سنذكر البعض اليسير منها: الأدلة العقلية: الأول: إنّ الجنة التي وعد الله تعالى بها عباده المتقين هي جزاء لمن يعمل صالحًا في هذه الدنيا، ومن الواضح جدًا أن آدم (عليه السلام) دخلها بعد خلقه بفترة وجيزة، فهي لم تكن من باب الجزاء. الثاني: إنّ الجنة التي وعد الله تعالى المتقين لن يخرجوا منها فهم خالدون فيها فقد قال تعالى: (وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ) [سورة الحجر: آية 48]. الثالث: إنّ الجنة لا عمل فيها ولا تكليف، وإنّ سبب خروج نبينا آدم (عليه السلام) من الجنة المذكورة هو لاقترابه من الشجرة وأكله من ثمارها، والأمر باجتنابها هذا خلاف قوانين جنة الآخرة. إشارة: قد يشكل البعض على مخالفة النبي آدم (عليه السلام) لأمر الله تعالى وتناقضه مع كونه (سلام الله عليه) معصومًا. وقد أجاب العلماء فقالوا: إنّ نهي الله تعالى هنا لم يكن على نحو النهي التكليفي وإنما بنحو النهي الإرشادي وهذا ما أشار إليه صاحب تفسير النور بقوله (لم يكن نهي النبي آدم (عليه السلام) نهيًا تكليفيًا يعاقب على ارتكابه، بل نهيًا إرشاديًا) (3). وعليه يكون استغفار النبي آدم (عليه السلام) لا من باب ارتكابه لمعصية أو ذنب وإنما من باب ترك الأولى، وبهذا تتبين منزلة الأنبياء العظيمة. الأدلة النقلية: وهي الأدلة المتمثلة بالآيات الكريمة والروايات الشريفة وسنكتفي بذكر واحدة لكل منهما: الأولى: قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [سورة البقرة: آية 30] إن الآية تذكر إخبار الله تعالى الملائكة بأنه جاعل في الأرض خليفة ولم يقل في جنان الخلد. الثانية: جاء في الرواية عن الحسين بن ميسر: سَأَلتُ أبا عَبدِالله (عليه السلام) عَن جَنَّةِ آدَمَ (عليه السلام)؟ فَقالَ: جَنَّةٌ مِن جِنانِ الدُّنيا، تَطلع فيهَا الشَّمسُ وَالقَمَرُ، ولَو كانَت مِن جِنانِ الآخِرَةِ ما خَرَجَ مِنها أبَدًا (4). ثانيًا: بعض الآيات المتفرقات التي جاء بها لفظ الجنة وبالرجوع إلى التفاسير نجد أنً المراد منها هي جنان الدنيا لا جنان الخلد ومنها: قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [سورة الأنعام: 141]. قوله تعالى: (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[سورة الرعد: آية 4]. قوله تعالى: (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ) [سورة ق: آية 9]. قوله تعالى: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً) [سورة الكهف: آية 32]. وهنا إشارة: إن جنة الأرض هي ليست للمؤمنين فقط وإنما هي لعباد الله تعالى من المؤمنين والجاحدين على حدٍ سواء، فإن الله تعالى يمد كلًا من المؤمنين والكافرين وعطاؤه غير محدود. _______________________ 1- علل الشرائع: ص 472 ح 33. 2- بحار الأنوار: ج 9 ص 307. 3- تفسير النور، ج1، ص97. 4- الكافي: ج 3 ص 247 ح 2.
اخرىبقلم: يا مهدي ادركني النوع الثاني: جنة البرزخ إنّ من اهم أساسيات الدين هو الاعتقاد باليوم الآخر والإيمان بالغيب، فقد قال تعالى في محكم كتابه العزيز: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) [سورة البقرة: آية 3] فقد قدّم الله تعالى هنا الإيمان بالغيب على إقامة الصلاة رغم أنّ الصلاة هي عمود الدين، ومن هذا يتبين أهمية الإيمان بالغيب، ومن الأمور الغيبية التي أُخبر الله تعالى بها نبيه الأعظم (صلى الله عليه وآله) هو عالم البرزخ، ذلك العالم الذي يعتبر المرحلة الأولى للحياة الآخرة، ومن ميزات ذلك العالم: أولًا: لا عمل ولا تكليف فيه، فإن العمل والتكليف من مختصات عالم الدنيا فقط. ثانيًا: إنّ فيه تنكشف بعض الغيبيات للفرد ومنها ما كان مطالبًا بالإيمان بها في عالم الدنيا، ومن تلك الأمور حقيقة الجنة والنار والثواب والعقاب فإن هذا العالم هو خطوة تمهيدية لحياة الآخرة. فهناك فترة ممتدة ما بين لحظة نزع الروح للإنسان وما بين يوم الحساب، فترة تنتقل فيها الروح إلى بدن مثالي لطيف ليجد المرء فيه نتيجة ما كسبت يداه في عالم الدنيا فإن كان صالحًا دخل جنة البرزخ، فتشرق شمس رحمة الله تعالى وتسقى روحه من كرمه فتتجلى له صفات عشقها وتسابقت جوارحه لتنال المغفرة من خالقه، وإن كان طالحًا دخل نارها وهلك بما جنت يداه. فما هي جنة البرزخ وأين تقع؟ وما هي الأدلة على وجودها؟ وهنا خطوات نوضح من خلالها جوابنا عن هذين السؤالين: الخطوة الأولى: إنّ معنى الجنّة قد مر بيانه في أول البحث، وجنة البرزخ لا يختلف معناها عن المفهوم العام للجنة، ولكنها تختلف عن جنة الدنيا بكونها أعلى مرتبة وأفضل منها لعدة أسباب نذكر منها سببين: الأول: إنّ جنة الدنيا لا ينتفي فيها العمل والتكليف، أما جنة البرزخ فلا عمل فيها ولا تكليف. الثاني: إنّ جنة الدنيا فيها من المنغصات التي قد تطرأ عليها فقد يشاركك فيها من لا يستحقها فيعبث فيها ويفسدها، أو قد ينزل عليها وباء أو طارئ فيهلكها، أما جنة البرزخ فلا عذاب فيها ولا نصب ولا تعب، ومن يدخلها فهو مستحق لها فهي خاصة بالمؤمنين. وهنا إشارة: حيث أن الله تعالى خلق الإنسان لغاية التكامل، وحيث أن حياة الإنسان قصيرة لا تتسع لذلك التكامل الذي يستحقه ويبحث عنه، ولكرم الله تعالى ولطفه جعل فضاء التكامل مفتوحًا حتى في عالم البرزخ ووضع مفاتيحه بيد عباده في الدنيا، فإن فتح العبد أقفال تلك الأبواب كانت له طريقًا للتكامل في عالم البرزخ، ومن تلك الأبواب ما ذكره نبينا الأعظم (صلوات الله وسلامه عليه): إذا ماتَ الإنسانُ انقَطَعَ عَمَلُهُ إلّا مِن ثَلاثٍ: إلّامِن صَدَقَةٍ جارِيَةٍ، أو عِلمٍ يُنتَفَعُ بِهِ، أو وَلَدٍ صالِحٍ يَدعو لَهُ) (1) الخطوة الثانية: أين تقع جنة البرزخ؟ كثرت الآراء حول موقعها فهل هي تقع في الأرض أم في السماء، وإن كانت في الأرض ففي أي أرض هي، فقد قال البعض هي في وادي السلام تلك الأرض التي تشرفت بضمها لبدن أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه)؛ ولذا تجد المؤمنين يدفنون أجساد أحبائهم فيها. وفي مقام البيان والتوضيح نقول: أوّلًا: إنّ علم الإنسان وكل ما يتعلق به من تصورات هو محدود متناهي. ثانيًا: إنّ المكان والزمان من الأمور التي خلقها الله تعالى. ثالثًا: إذاً، الإنسان مهما اجتهد وتطور في ميادين العلم لكن يبقى علمه محدود وقدراته محدودة لا تتعدى عالم الإمكان ذلك العالم المادي الذي وإن تطعّم بعالم الغيبيات وانفتحت عليه تلك النوافذ إلّا أنه يبقى في حيز المحدودية، وشاء الله تعالى أن تكون هناك أمور مهما أعرب عنها القرآن الكريم والروايات الشريفة إلّا أنها تبقى غامضة غير مكشوفة له، ومنها جنة البرزخ، وعليه فلا يمكن لنا الجزم عن مكانها بالتحديد. وفي الحقيقة هو أمر غير مطالبين بمعرفته والبحث عنه، فجل ما هو مطلوب منا هو أن نؤمن بحقيقة وجودها ونسعى إلى أن نكون ممن يتنعم بنعيمها. الخطوة الثالثة: الأدلة على جنة البرزخ: إن الدليل الذي نستند عليه هو القرآن الكريم، فقد ذُكرت هذه الجنة في آيات عديدة، وبالرجوع إلى تفاسير أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) والروايات الشريفة نجدها قد وضحّت ذلك، ومن تلك الآيات: الآية الأولى: قال تعالى: (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) [سورة يس: آية 26/27] إن الله تعالى جعل جزاء هذا الرجل المؤمن الجنة مباشرة بعد قتله فلم يفصل بين قتله وبين دخوله الجنة أي فاصل، وهذا يدل على أنّ الجنة التي أمر الله تعالى بدخوله فيها هي غير جنة الآخرة، لأن الدخول إلى تلك الجنة يكون بعد الحساب يوم القيامة. الآية الثانية: وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ) [سورة الحج: آية58، 59] إنّ هذه الآية لا تختلف كثيرًا عن الآية السابقة بل هي تشاركها في أمرين: الأول: إنّ من جاهد من أجل كلمة التوحيد وقُتل في سبيل الله تعالى له أجر عظيم. الثاني: إن أجر من قُتل في سبيل الله تعالى هو الدخول إلى الجنة مباشرة وهي جنة البرزخ، فإنّ الله تعالى سيستبدل تلك الحياة بمصاعبها وما تعرضوا لاضطهاد فيها بحياة أفضل منها ونعيم يبدأ من أول منازل الآخرة وهو البرزخ. على أنه قد يُقال بأنها تقصد جنة الآخرة، فنذكرها حينئذ هنا كمؤيد محتمل لا دليل. الآية الثالثة: قوله تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [سورة آل عمران: آية 169] وفي هذه الآية تأكيد على وجود حياة برزخية ولا يمكن نكرانها، فإنّ من قتل ستنتقل روحه إلى أجساد لطيفة نورانية مثالية تتحرر من أقذار الدنيا لتنعم بجنة البرزخ. أما الروايات الشريفة التي نقلها لنا أهل بيت العصمة (صلوات الله وسلامه عليهم) فهي كثيرة ونذكر منها هذه الرواية: عن الإمام الصادق (صلوات الله وسلامه عليه) أنه قال: "إنَّ أرواحَ المُؤمِنينَ لَفي شَجَرَةٍ مِنَ الجَنَّةِ ، يَأكُلونَ مِن طَعامِها ويَشرَبونَ مِن شَرابِها، ويَقولونَ : رَبَّنا أقِمِ السّاعَةَ لَنا، وأنجِز لَنا ما وَعَدتَنا، وألحِق آخِرَنا بِأَوَّلِنا". (2) وهي رواية واضحة غنية عن التوضيح. ____________________ 1- كنز العمال : 4365. 2- الكافي: ج 3 ص 244 ح 2.
اخرىبقلم: يا مهدي ادركني النوع الثالث: جنة الآخرة قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) [سورة هود: آية 23]. بعد أن تعرضنا لذكر جنة الدنيا وجنة البرزخ وما فيها من ميزات، نعرج لذكر جنة الآخرة تلك الجنة التي وعد الله تعالى بها عباده المؤمنين، فهي جنة الخلود الأبدي ومن يدخلها لن يخرج منها أبدًا، جعلها الله تعالى جزاءً لمن آمن به وأخلص له، ولعدله (جل وعلا) جعلها على مراتب، فكل ما ازداد إخلاص العبد لله تعالى وتبلورت روح العبودية فيه كلما ارتقى فيها درجة، وهذا يعني إن لجنة الآخرة أنواعاً ودرجات أيضًا فقد قال عز من قائل: (انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا) [سورة الإسراء: آية 21]، ففي هذه الآية الكريمة إشارة إلى أن قانون التفاضل الذي وضعه الله تعالى في الدنيا هو قائم أيضًا في الآخرة ولكن على نطاق أكثر شمولية وسعة بما يتناسب مع عالم لا يفنى بالموت. وبالتأمل والتدبر في آيات القرآن الكريم نجد الكثير من الآيات التي تشير إلى ذلك التفاضل في الجنة المقرون والملازم لدرجة الإخلاص في العبودية، وبالرغم من كل تلك الآيات والإشارات لجنان الخلد إلا أن الإبهام والغموض يبقى ملازمًا لها لأنه تعالى شاء أن تكون بعض تفاصيلها مخفية عن عباده. وفي بحثنا هذا سنحاول أن نتطرق لبعض ما كشفت لنا عنه الآيات الكريمة والروايات الشريفة، فقد صرح القرآن الكريم بأربعة أنواع للجنة، ولكن هذا لا يعني حصر مقامات الجنة بأربعة فقط، فقد أشارت الروايات الشريفة إلى أنّ لكل جنة من هذه الجنان مقامات وجناناً، فعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنه قال: "أمَّا الجِنَانُ المَذْكُورَةُ في الكِتَابِ فَإنَّهُنَّ جَنَّةُ عَدْنٍ، وَجَنَّةُ الفِرْدَوْسِ، وَجَنَّةُ نَعِيمٍ، وَجَنَّةُ المَأوَى، وَإنَّ لِلَّهِ تَعَالَى جِنَاناً مَحْفُوفَةً بِهَذِهِ الجِنَانِ". (1) أنواع جنة الآخرة الأولى: جنة الفردوس قال تعالى: (أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ) [سورة المؤمنون: 10، 11] وهي أعلى الجنان وأفضلها، فهي جنة الأنبياء والمرسلين والأولياء الصالحين (صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين) جزاءً لهم بما صبروا، ولذا نجد الروايات تشير إليها وإلى فضلها وأنّ المؤمن إذا سأل الجنة فليسأل الفردوس منها، فقد ورد عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "سَلُوا اللَّهَ الفِردَوسَ ، فَإِنَّها سُرَّةُ (أي خير الجنة) الجَنَّةِ". (2) وعنه أيضًا (صلوات الله وسلامه عليه): "الفِردَوسُ سَيِّدُ الجِنانِ". (3) وهناك روايات أخرى تشير إلى أن الوسيلة أحد جنان الفردوس، وهذا ما أشار له النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) بقوله: (..سلوا لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة). (4) وقد تكون دار الكرامة هي أحد جنان الفردوس أيضًا، فقد جاء في الدعاء المنسوب إلى الإمام الصادق (صلوات الله وسلامه عليه) بعد صلاة الظهر (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ الظَّفَرَ وَالسَّلامَةَ ، وَالحُلُولَ بِدارِ الكَرامَةِ). (5) الثانية: جنة النعيم قال تعالى (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [سورة القلم: آية فسّر البعض بأنّ جنة النعيم هي جنة الولاية، فإنّ النعيم الحقيقي هو ولاية أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم)، وقد خصّ الله تعالى هذه المنزلة من الجنة للمتقين الذين جعلوا الإخلاص في العبودية هو ولاية أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم)، وهذا ما أشار إليه صاحب الميزان قائلًا في تفسير: (وروح وريحان وجنة نعيم... أن النعيم هي الولاية وأن جنة النعيم هي جنة الولاية وهو المناسب لما تقدم آنفا أن المقربين هم أهل ولاية الله). (6) الثالثة: جنة عدن قال تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها، وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ، ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [سورة التوبة: آية 72]. إن معنى عدن هو الثبات والاستقرار، وهذا ما أفاده صاحب الميزان في تفسير قوله تعالى: (جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم ) – العدن الاستقرار يقال عدن بمكان كذا إذا استقر فيه ومنه المعدن لمستقر الجواهر الأرضية- (7). وهي على درجات ومنازل عديدة أيضًا فقد جاء في الرواية عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): من صلى صلاة الفجر في جماعة ثم جلس يذكر الله (عز وجل) حتى تطلع الشمس، كان له في الفردوس سبعون درجة، بعد ما بين كل درجتين كحضر (8) الفرس الجواد المضمر (9) سبعين سنة، ومن صلى الظهر في جماعة كان له في جنات عدن خمسون درجة بعد ما بين كل درجتين كحضر الفرس الجواد خمسين سنة. (10) ففي هذه الرواية إشارة إلى أن هناك خمسين درجة لمن صلى صلاة الظهر جماعة، فكيف بمن جاهد في سبيل الله تعالى وكانت تلك الجنة مسكنًا طيبًا له، فقد جاء في الرواية عن أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) وهو يوصي بوصايا مهمة في الحرب فقال: "إنّ الله قد دلكم على تجارة تنجيكم من العذاب ايمان بالله ورسوله وجهاد في سبيله وجعل ثوابه مغفرة الذنب ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر". (11) وعليه يمكن القول بأنّ لهذه الجنة جناناً ومراتب أخرى لها مقامات للشهداء والصديقين، وفيها من اللذائذ ما تشتهي الأنفس وتطيب هذا فضلًا عن مغفرة الله تعالى وهو الفوز الأكبر، وقد جاء في وصف جنة عدن عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) يقول فيها: "جنة عدن قضيب غرسه الله بيده ثم قال له كن فكان". (12) اشارة: قد خص الله تعالى لمن دخل هذه الجنة بالمساكن الطيبة، والمراد من المسكن هو الموضع الذي يتخذه الفرد ليسكن فيه، والسكن هو من الهدوء الذي تميل له النفس، وهي طيبة لأن الأرواح بطبعها تنفر مما هو قبيح نجس وتستلذ وتنعم بما هو طاهر طيب، ففي هذه الجنة مساكن مطهرة من ياقوت وزبرجد ولآلئ، وقد جاء في تفسير السبزواري بأنها مساكن الأنبياء والأولياء والشهداء، عن النبيّ (صلّى اللّه عليه وآله) أنه قال: عدن دار الله التي لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر، لا يسكنها غير ثلاثة: النبيّين والصدّيقين والشهداء ، يقول اللّه (عزّ وجلّ): طوبى لمن دخلك. (13) الرابعة: جنة المأوى قال تعالى:(أمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأوَى نُزُلَا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [سورة السجدة: 32]. المأوى هو المكان الذي يأوي إليه الإنسان ويلتجأ ، وقد جاء في معناها (المأوى في الأصل معناه الانضمام ، وحيث أن سكون الأفراد في محل ما يسبب انضمام بعضهم لبعض فقد استعملت هذه الكلمة (المأوى) على محل السكن مطلقًا). (14) جاء في الرواية المنقولة عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما احتج على اليهود: حملت على جناح جبرئيل حتى انتهيت إلى السماء السابعة فجاوزت سدرة المنتهى عندها جنة المأوى حتى تعلقت بساق العرش....). (15) ولكن هذا لا يعني أن جميع الجنان تقع في السماء، فإنّ جنة الآخرة أوسع من السماوات والأرض ولكن قد يكون جزء منها يقع في السماء العليا وهو المختص بجنة المأوى فهي أحد بساتين الجنة. وهي من جنان الخلد التي تجتمع فيها أرواح الشهداء، جاء في تفسير (عندها جنة المأوى) معناه: عند سدرة المنتهى جنة المقام وهي جنة الخلد، وهي في السماء السابعة. وقيل: إنه يجتمع إليها أرواح الشهداء). (16) وفي قوله تعالى: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى . عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى . إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) [سورة النجم: آية 12-15]، استدلوا على أنّ جنة المأوى موجودة بالفعل. وهنا بعض الاشارات: الأولى: إن الله تعالى إذا أراد أن يتلطف بعباده ويتودد إليهم ينسبهم إلى نفسه وهو أسلوب للحديث والحوار الذي يقرب المسافات ويزيل العقبات، هذا فضلًا عن تكريم الشيء وتفضيله، لذا نجد أن الله تعالى قد خص فئة معينة من عباده وهم أصحاب النفس المطمئنة تلك النفس التي حاربت هواها حتى صرعته، فجعل الله تعالى لهم جنة خاصة بهم نسبها إلى نفسه تعظيمًا لهم وجزاءً لإخلاصهم في العبودية، فقال (عز من قائل) (فَادْخُلِي في عِبَادِي ، وَادْخُلِي جَنَّتِي) [سورة الفجر: آية 29،30] . ففي قوله تعالى: (وادخلي جنتي) تعيين لمستقرها (اي استقار النفس)، وفي إضافة الجنة إلى ضمير المتكلم تشريف خاص، ولا يوجد في كلامه تعالى إضافة الجنة إلى نفسه تعالى وتقدس إلا في هذه الآية. (17) الثانية: إنّ هناك بعض الجنان التي استعمل الله تعالى بدل لفظ الجنة لفظ (دار) ولعل هذه الجنان هي من بساتين الجنان الأربعة المذكورة أو هي تعد من ضمن درجاتها، وقد جاء ذكرها في القرآن الكريم وعلى لسان أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليه) ومنها: الأولى: دار السلام قوله تعالى: (وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [سورة يونس: آية 25]. الثانية : دار المقامة قوله تعالى: (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ) [سورة فاطر: آية 34،35]. الثالثة: دار المتقين قوله تعالى: (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ لْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) [سورة النحل:آية 30]. الرابعة: دار الكرامة عن الإمام السجاد (سلام الله عليه) فِي مُناجاةٍ لَهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَاجعَلنا مِن الَّذِينَ ظَفِروا بِحَبلِ النَّجاةِ ، وَعُروَةِ السَّلامَةِ، وَالمُقامِ فِي دارِ الكَرامَةِ. (18) الثالثة: القرب الإلهي، هو ما ينبغي ان يسعى إليه المؤمن الحقيقي ليكون من المقربين فما فائدة الجنة التي يدخلها بشفاعة الأهل والأحباب وهو يحترق بنار البعد، فإن أسمى درجات الكمال التي يصبو إليها فؤاد العاشق هو رضا الرحمن، ذلك الرضا الذي إذا تذوقه سيلتذ بجنة القرب تلك الجنة التي ليس لها أرض ولا سماء، هي جنة معنوية لا تتحدد بزمان ولا عالم معين فهو قد يتنعم بظلالها ويرتوي من عيونها وأنهارها وهو في وسط زحام الدنيا، ففي ليلة تجده يتقلب شوقًا منتظرًا لحظة فيها يعم الهدوء ويخيم النوم على عباده لينال لحظات ترتجف فيها فرائصه وتسيل فيها دموعه من آماقه زفرات على ما غفلت عنه نفسه في ذلك اليوم، فلا تهدأ له نفس ولا تسكن له عبرة حتى يتخلل قلبه ومضات رضا الرحمن ليدخل جنة القرب جنة الرضوان فتقر عينه ويهدأ باله، فهو لا يرى بعينه وإنما يبصر بعين العقل لتتجلى لديه رحمة الله تعالى (عين العقل الّذي به يشاهد حقائق الأشياء ويرى به ذات الحق وصفاته العليا وأسمائه الحسنى ومظاهرها، وهو الّذي ينوط به جنة القرب لأصحابه ويستند إليه نعيم السابقين). (19) ________________________ 1- (علم اليقين) للفيض الكاشانيّ ، ص 224 ، الطبعة الحجريّة بالقطع الوزيريّ. 2- كنز العمّال : ج 2 ص 73 ح 3184. 3- بحار الأنوار : ج 40 ص 54 ح 89. 4- كنز العمال، ج 7، المتقي الهندي، ص700. 5- مصباح المتهجّد : ص 65 ح 101. 6- تفسير الميزان، ج 19، السيد الطباطبائي، ص 121. 7- تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي، ج11، ص 346. 8- ارتفاع الفرس في عدوه. 9- ضمر الفرس للسباق : ربطه وعلفه وسقاه كثيرا مدة ، ثم يركضه في الميدان حتى يخف ويدق ويقل لحمه . 10- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص124. 11- أعيان الشيعة، ج 1، السيد محسن الأمين، ص 486 12- تفسير الميزان، ج 11، السيد الطباطبائي، ص 350 13- الجديد في تفسير القرآن المجيد، ج 3، الشيخ محمد السبزواري النجفي، ص360 14- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 17، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ص 222. 15- تفسير الميزان، ج 13، السيد الطباطبائي، ص 18. 16- التبيان في تفسير القرآن، ج 9، الشيخ الطوسي، ص426. 17- الأقسام في القرآن الكريم، الشيخ السبحاني، ص 127 18- بحار الأنوار : ج 94 ص 126 ح 19 نقلًا عن الكتاب العتيق الغروي 19- شرح أصول الكافي، ج 4، صدر الدين محمد الشيرازي، ص 430
اخرىبقلم: يا مهدي ادركني قال تعالى: (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ) [سورة السجدة: آية 4]. إن الله تعالى خلق الكون وأوجده من العدم، فأبدع صنعه وأحكمه وجعل منه أرضًا مبسوطة وجعل فيها من الخيرات ما لا يمكن إحصاؤها ورفع فوقها سماءً وزيّنها بمصابيح. فمن يبلغ حسن صنعه؟! هيهات والكون كله بيده وله بديع السماوات والأرض. وقد يتبادر للأذهان: لماذا خلق الله تعالى السماوات والأرض في ستة أيام ولم يخلقها في أقل من ذلك أو أكثر، أو ليس هو القادر على كل شيء وإن أراد شيئاً فهو على قدر أن يقول له كن فيكون؟ فما الحكمة من خلقها في ستة أيام؟ إن في الجواب تفصيلاً، ولتبيان ذلك لا بد لنا من أن نستعرض بعض المقدمات النافعة إن شاء الله تعالى: الأولى: إنّ لكل شيء في هذا الكون علة وسبباً، وهذا أحد القوانين التي لا يمكن أن نغض أبصارنا عنه أو نتجاهله، وإن بعض هذه العلل مكشوفة لنا والكثير منها لا نعلمها، وعدم علمنا بها لا ينفي وجودها. الثانية: إنّ من أهم صفات الله تعالى الثبوتية (الصفات التي فيها كمال) هي صفة الحكمة، فإنّه تعالى حكيم، والحكيم لا يصدر منه العبث فإنّ أحد معاني الحكمة هو وضع الشيء المناسب في الوقت المناسب والمكان المناسب. الثالثة: إنّ الحكمة وراء أفعال الله تعالى قد يكشفها تعالى لنا بنفسه ويبينها إمّا عن طريق القرآن الكريم أو عن طريق أهل بيت العصمة (صلوات الله وسلامه عليهم) بما أفاضه الله تعالى عليهم من علم لدنّي. وبعد ذكر هذه المقدمات لا بد لنا من الرجوع إلى تفسير القرآن الكريم وإلى تلك الصدور الطاهرة التي كانت وعاءً لعلم الله تعالى فحفظته وبيّنته لنا شبه ريح الصبا تنعش قلوبنا وتُحييها. وفي هذا المجال روي أنه سَأَلَ المَأمونُ أبَا الحَسَنِ عَلِيَّ بنَ موسَى الرِّضا (عليهما السلام) عَن قَولِ اللّهِ (عز وجل): (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) فَقالَ : إِنَّ الله تَبارَكَ وتَعالى خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ في سِتَّةِ أيّامٍ وهُوَ مُستَولٍ عَلى عَرشِهِ، وكانَ قادِرًا عَلى أن يَخلُقَها في طَرفَةِ عَينٍ، ولكِنَّهُ (عز وجل) خَلَقَها في سِتَّةِ أيّامٍ، لِيُظهِرَ لِلمَلائِكَةِ ما يَخلُقُهُ مِنها شَيئا بَعدَ شَيءٍ، وتَستَدِلَّ بِحُدوثِ ما يُحدَثُ عَلى اللّهِ تَعالى ذِكرُهُ مَرَّةً بَعدَ مَرَّةٍ. (1) إن لهذه الرواية الشريفة مضامين عالية وأبعاداً مهمة، وسنختصر الكلام بذكر بعدين منها: الأول: نظرية حدوث العالم: أراد إمامنا (سلام الله عليه) أن يلفت نظر المأمون إلى دليل الحدوث ذلك الدليل الذي يثبت أن كل ما في العالم من موجودات هي مسبوقة بالعدم، وحيث أنها مسبوقة بالعدم فهي محتاجة إلى موجود قديم أزلي يخرجها من حيز العدم إلى حيز الوجود وإلّا لدخلنا في سلسلة من الموجودات الحادثة غير المنتهية، وحيث أنّ معنى الحادث هو المسبوق بالعدم فهذا يعني أن حدوثه تغيير، وقد أراد الله تعالى أن يُري ملائكته حدوث العالم وتغيره شيئاً فشيئاً حتى تتكامل صورته في مراحل ستة. الثاني: البعد التربوي: وهنا أيضًا إشارة منه تعالى إلى التأني في الأمور المهمة العظيمة، فهو (جل وعلا) قادر على إيجادها بلمح البصر أو أقرب من ذلك ولكن شاءت حكمته أن يخلقها بمراحل لتتعظ منه بقية مخلوقاته وتكون لهم درسًا في التأني في إنجاز مهامهم. ____________ 1- بحار الأنوار : ج 3 ص 318 ح
اخرىبقلم: يا مهدي ادركني بسم الله الرحمن الرحيم عن أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) أنه قال: "الْعَجْزُ آفَةٌ والصَّبْرُ شَجَاعَةٌ، والزُّهْدُ ثَرْوَةٌ والْوَرَعُ جُنَّةٌ، ونِعْمَ الْقَرِينُ الرِّضَى". الفصل الأول: الْعَجْزُ آفَةٌ. في مجمع البحرين: (العجز ترك ما يجب فعله بالتسويف وهو عام في أمور الدنيا والدين). وفي التعريف قيد احترازي وهو (ما يجب فعله) وبهذا القيد خرج ما هو غير مهم أو واجب فإن عدم القيام بالأمور غير الواجبة لا يعدّ عجزًا. والعجز هو الضعف وعدم الاستطاعة، وقد يكون أمرًا اختياريًا وقد يكون غير اختياري، فإن من يتكاسل عن أداء الفريضة في أول وقتها يعتبر متعاجزاً عن أدائها ولكن باختياره، فهو قد سلم نفسه إلى هواها، أما من عجز عن المشي مثلًا بسبب عاهة ما أو بسبب كبر سنه فهذا النوع من العجز غير اختياري ولذا سمي الشخص الذي هرم (عجوزًا) لضعف بدنه وقلة استطاعته. وأما (آفة) فهي مفرد آفات وهو كل ما يصيب أمرًا فيفسده. بيان الحكمة: عند الرجوع إلى كلمات أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) تهب علينا نسائم عليلة تنعش قلوبنا، وإذا ما تطلعنا إلى سماء بلاغته نستنير بنجوم حكمه، ومنها هذه الحكمة التي سنحاول أن نقطف بعض ثمارها لننتفع منها، وللخوض في لججها لا بد لنا من الإشارة إلى بعض أنواع العجز ومنها: الأول: العجز المطلق الذي يقابل القدرة المطلقة وهو الذي يتمثل بعجز المخلوق أمام الخالق، فالإنسان مخلوق ضعيف لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا بل هو عاجز حتى عن إيجاد نفسهـ ومحتاج للواجب أن يفيض عليه وجوده، بل هو محتاج إلى الواجب في استمرارية بقائه ووجوده، وهذا ما أشار له القرآن الكريم حكاية عن النبي موسى (صلوات الله وسلامه عليه (فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) [سورة القصص: آية24]. الثاني: العجز التكويني وهو ما يقابل القدرة التكوينية، وبعبارة أكثر وضوحًا: إن الإنسان الذي لا يكون له الاختيار في الفعل او الترك وإنما هو مسلوب أحد طرفي الإرادة، فيكون إما فاعلًا أو غير فاعل لا بإرادته، كالمشلول الذي لا يستطيع أن يحرك يده فهو عندما لا يمسك بالقلم مثلًا ليس لأنه لا يريد، وإنما لأن هناك ما سلبه القدرة تكوينًا عن الفعل. الثالث: العجز التشريعي العجز التشريعي هو الاضطرار على ترك الواجب او فعل المحرم لأمر أوجب منه، كما في الاضطرار إلى أكل الميتة للحفاظ على النفس. الرابع: العجز البدني. وهو عجز اختياري عن الإتيان بالواجب، (وهو عدم القدرة على التصرّفات البدنيّة عمّا من شأنه أن يقدر) (1) وقد يكون سببه التسويف او الكسل. الخامس: العجز النفساني وهو على نوعين: عجز روحي وآخر عقلي، أما الأول فهو ضعف النفس عن أن تقاوم هواها فتقع في شباكها لتصاب بآفات الروح كالحسد والكبر والرياء وغيرها من الأمراض القلبية، وأما الثاني فهو ما يصيب العقل من خمول وتكاسل عن طلب العلم فيقع في دوامة الجهل. وبعد أن عرفنا أنواع العجز وعرفنا ان هناك ما هو الاختيار وغير الاختياري، وأما محل كلامنا هنا هو العجز البدني والنفساني. أسبابه: الأول: كثرة النوم. فإن النوم الزائد عن حاجة الإنسان يكون مدعاة إلى الخمول والكسل، فإن البدن يحتاج إلى ساعات معينة من النوم ليجدد نشاطه ولكن بشرط أن لا تصل حد الإفراط، وإلا فإن الخمول الناتج عن كثرة النوم يثبط من الإرادة والعزيمة من إداء الواجبات. الثاني: سوء التنظيم. فإن كثرة المشاريع التي ينوي الفرد للقيام بإنجازها من دون التخطيط المسبق لها، يؤدي إلى تشوش الذهن وتشتت الأفكار وضياعها مما يدفعه إلى التسويف في أداء مهماته. الثالث: كثرة الطعام. فإنها تورث الخمول، فإن كثرة الطعام من أسباب سقم البدن فعن أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه): (إنَّ صِحَّةَ الجِسمِ مِن قِلَّةِ الطَّعامِ، وقِلَّةِ الماءِ)(2)، ومن كان بدنه سقيمًا فسيكون ضعيفًا عن أداء واجباته فيصيبه العجز. الرابع: مواقع التواصل الاجتماعي. وهذه بحد ذاتها آفة إن أساء الفرد استخدامها وأفرط فيها، فإنها تحرق وقته وتستهلكه كما تحرق النار الحطب، وإن الإفراط فيها قد يؤدي إلى وصول الفرد إلى حالة الإدمان عليها فتجده يهمل كل شيء بل قد يهمل حتى السعي في طلب قوته وقد يصل الأمر إلى الاستغناء عن ساعات نومه التي يحتاج إليها بدنه. الخامس: عدم الإخلاص في النية. فإن اي عمل يقوم به الفرد إن كان فيه نية خالصة فإنه ينمو، وتكون تلك النية هي مصدرًا للطاقة الدافعة لإنجاز عمله وإتقانه، فعن الإمام الصّادق (عليه السلام): ما ضَعُفَ بَدَنٌ عمّا قَوِيَت علَيهِ النِّيَّةُ(3). آثاره عندما كان العجز آفة فهذا يعني أنه سيفسد ويهلك حياة الإنسان، وقد يصل الأمر إلى الخسران والخزي في الحياة الآخرة، فإن العجز إن ترسخ في النفس هذا يعني أنه سيكون كأغصان نبات صحراوي شائك تمزق وتخدش كل ما يلامسها. إن العجز يفسد الحياة الاجتماعية والعلمية والعملية، وهو من الأمراض المعدية التي إذا تفشت في المجتمع فستحوله إلى مجتمع استهلاكي اتكالي غير منتج. وتلك الحالة اللا صحية قد تتسرب إلى قلب المؤمن فتسلبه لذة المناجاة والدعاء، فقد جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنَّ أعجَزَ النّاسِ مَن عَجَزَ عَنِ الدُّعاءِ. (4) علاجه: على من أراد السير في طريق التكامل أن ينزع الشوك ويزيح الأحجار المتناثرة عن طريقه ليتمكن من تحقيق هدفه، ولما كان العجز هو أحد تلك الأحجار فلا بد له من إزالته وإزالة ما يحيط به من أشواك، ويكون ذلك عبر الخطوات التالية: الأولى: تنظيم الوقت. وهو من أهم أولويات الإنسان الناجح، فإن الوقت الذي لديه هو ذات الوقت الذي يملكه الإنسان الفاشل غير أن الأول أحسن تنظيمه واستثماره فيما يفيده أما الثاني فقد فرّط فيه وخسره. الثانية: التقنين في عدد ساعات النوم وكمية الطعام ونوعه. فإن لذلك الأثر الكبير في نشاطه اليومي الذي يزيد من قدرته على أداء واجباته. الثالثة: القيام بأعمالك بنفسك وعدم توظيف الآخرين للقيام بها. فإن الحركة هي من أهم مصادر الطاقة البدنية، هذا فضلًا عن ان أداءك لعملك بنفسك ستكون نتائجه افضل بكثير من تلك التي يقوم بها غيرك. الرابعة: صدق النية والتوكل على الله تعالى. فإن لذلك مدخلية في نجاح عملك وهذا مما يؤدي إلى دفع وساوس الشيطان الذي يسعى إلى التثبيط من عزيمتك بالتسويف. إن المؤمن يعمل بدون توقف كخلية النحل ولا يؤجل عمله ولا يترك فرصة لهوى نفسه ان يغلبه. الخامسة: الدعاء. وهو من أهم طرق الوقاية والعلاج من الأمراض الروحية والبدنية، وقد أكد عليه أئمتنا (صلوات الله وسلامه عليهم) فقد ورد في الدعاء المنسوب للإمام السجاد (صلوات الله وسلامه عليه) المعروف بدعاء أبي حمزة الثمالي (اللهم إني أعوذ بك من الكسل والفشل...). _________________ 1- شرح نهج البلاغة، ج 5، ابن ميثم البحراني، ص 240 2- تحف العقول ، ص 172 3- الفقيه : 4 / 400 / 5859 4- الأمالي للمفيد : ص 317 ح 2
اخرىبقلم: يا مهدي أدركني روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): "الصَّبرُ مِنَ الإِيمانِ بِمَنزِلَةِ الرَّأسِ مِنَ الجَسَدِ، فَإِذا ذَهَبَ الرَّأسُ ذَهَبَ الجَسَدُ، كَذلِكَ إذا ذَهَبَ الصَّبرُ ذَهَبَ الإِيمانُ".(1) أكد الإسلام كثيرًا على أهمية الصبر، وذلك من خلال آيات الذكر الحكيم والروايات الشريفة، فما هو السر وراء ذلك؟ إن الصبر هو حالة نفسانية يمكن لأيِّ فردٍ شاء أنْ يكتسبها وينميها حتى تترسخ لديه وتصبح ملكةً يصعب زوالها عنه، ولكي يتضح لنا معنى الصبر أكثر وتتضح لنا صورته سنتعرض للنقاط التالية باختصار: الأولى: معنى الصبر في اللغة الصبر: هو حبس النفس وانتظار وتحمل مع الرضا من دون شكوى، وهو ضد الجزع. الثانية: الصبر فضيلة إنَّ هناك العديد من الصفات التي لا يمكن حصرها لكثرتها، ولكن قسّمها العقلاء إلى قسمين وهما (الفضيلة والرذيلة)، فكلُّ صفةٍ من تلك الصفات إذا كانت تضيف نوعًا من التكامل للإنسان سُميت فضيلة، وإلا فإنّها رذيلة. ومما لا شكَّ فيه أنَّ الصبر من الصفات التي تفتح طريق التكامل غير المتناهي للإنسان، وهذا الأمر لا يختلف عليه اثنان، لذا عدّ الصبر من الفضائل التي يسعى الإنسان لاكتسابها، بل هو أم الفضائل وأساسها؛ فإنَّ الإنسان إذا تحلى به أصبح قادرًا على أنْ يتحكم بنفسه وأهوائها، وبها يمسك به لجام الغضب، ويكبح به شهواتِ النفس التي تسوقه إلى هوانه وإذلاله. الثالثة: طعم الصبر إنَّ الصبر من الألفاظ التي إذا ما ذُكِرت يتسارع الذهن إلى معنى الألم وطعم المرارة، حتى أصبح من المتعارف عند الناس إذا أرادوا أنْ يصفوا طعم شيءٍ مرّ وصفوه بالصبر تمامًا كمن يريد أنْ يصف الطعام الحلو بالعسل، فهو أصبح لازمًا له ولا ينفك عنه عرفًا. والسبب في ذلك أنَّ الصبر عادة ما يكون على الأمر الصعب الشاق الذي فيه عناء وتعب للنفس، والنفس بطبيعتها تميل إلى كلِّ ما هو سهلٌ وفيه راحة، وتنفر مما هو صعب عسير. الرابعة: الصبر وجهاد النفس 1- إنَّ الإنسان خلق في دار الدنيا لا لأجل الراحة واللهو واللعب، وإنّما خُلِق ليتكامل. 2- إنَّ الواقع الذي نعيشه يطرح لنا نماذج متفاوتة من التكامل بين البشر. 3- إنَّ وجود هذا التفاوت دليلٌ على أنَّ التكامل أمرٌ ليس بالسهل، وأنَّ هناك موانعَ تعرض عليه وتحول دون الحصول عليه. 4- نجد في عالمنا الكثير ممن استطاعوا أنْ يتخطوا تلك الموانع ويصلوا إلى درجات تكاملية عالية جدًا. نخلص مما تقدم إلى نتيجتين: الأولى: أنَّ وجود ذلك التفاوت في التكامل لدى البشر إنّما كان نتيجةً لتعاملهم مع الابتلاءات التي تعرّضوا لها، فإنَّ طريق التكامل هو طريقُ صعودٍ نحو القمة، وعادةً ما يكون الصعود شاقًا ويستغرق وقتًا للوصول إليه، لذا فمن أراد أنْ يسلك هذا الطريق عليه أنْ يعلم أنَّه سيواجه الكثير من العقبات، فهو ليس طريقًا مفروشًا بالورود. الثانية: أنَّ من أراد أنْ يسلك طريق التكامل عليه أنْ يعلم أنَّه لا يستطيع أنْ يخطو خطوةً واحدة فيه من غير الصبر، فالصبر هو عكازه الذي يساعده ليصل إلى القمة، ومن دونه لا يستطيع الوصول، وحتى لو ارتفع قليلًا ولكن السقوط سيكون حينها سريعًا وموجعًا. فكلما ارتفع وازدادت قوةُ الصبر لديه كلما ازداد جهاد النفس، فالعلاقة طردية، حتى يغلب هوى نفسه. فهو في الحقيقة في معركةٍ عدوها نفسه والصبر سلاحه، والشجاع من استطاع أنْ يمسك بهذا السلاح ويغلب هوى نفسه ويروضها ويؤدبها لينال وسام الشجاعة. فالشجاعةُ الحقيقية هي: أنْ تكتم غضبك أنْ تعفو عمّن أساء إليك وأنت قادرٌ على رد إساءته. أنْ تتحمل أنواع البلاءات وتستأنس بها تلك الشجاعة التي لا يمكن لها أنْ تتقوم من دون سلاح الصبر، وهذا ما أشار إليه النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) مُخاطِبا أصحابهُ: "قَدِمْتُم خَيرَ مَقْدَمٍ، وقَدِمْتُم مِن الجِهادِ الأصْغَرِ إلى الجهادِ الأكْبَرِ: مُجاهَدَةِ العَبدِ هَواهُ". ..................... المصادر 1- الكافي: ج 2 ص 87 ح 2 2- كنز العمّال: ج 4 ص 430 ح 11260
اخرىبقلم: يا مهدي أدركني المعاني اللغوية: الزهد: هو ترك الشيء والإعراض عنه، وقالوا: هو الرغبة عن الشيء لاحتقاره واستقلال أهميته، وقد عرفّه صاحب جامع السعادات بأنّه الرغبة عن الدنيا عدولًا إلى الآخرة. الثروة: هي الأموال الكثيرة التي تُغني صاحبها عن طلب ما بيد الغير، وهي قد تطلق على كلِّ ما يتراكم لدى الفرد، فتكون ثروة العالم معلوماته، وقد تكون كلّ ما هو ثمينٌ ومصدر للاكتفاء، فالأنبياء والأئمة (صلوات الله وسلامه عليهم) ثروة الأمة. ومما تقدم يمكن أنْ نخلص إلى نتيجة وهي: أنَّ كلَّ ما يتحقق به الاكتفاء وعدم الحاجة إلى الغير ما سوى الله (تعالى) فهو ثروة. ولمّا كان الزهد هو استغناءً عن كلِّ ما بيد الغير فهو بحدِّ ذاته ثروة. فكم من غنيٍ يملك أموالًا طائلة ولكنَّ شرَهَ نفسه لا يتوقف عند حدٍ ولا تشبع بطنه من ملذاتِ الدنيا أبدًا، فهو في الحقيقة في قاعِ الفقر ولا تستطيع ثروته أنْ ترفعه منه. فكيف لنا تحصيل الزهد؟ وهل هناك أنواعٌ للزهد؟ إنَّ الزهد فضيلةٌ من سمات الأنبياء (صلوات الله وسلامه عليهم)، وهو من الصفات التي حثّ القرآن الكريم على الاتصاف بها ومدحها في مواضع عديدة منها قوله (تعالى): "وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ"[سورة طه: آية 113]. والزهدُ من المفاهيم المُشككة فهو له مراتب تختلف بالشدة والضعف، ومنها يُفهم أنَّ له منازل وأنواعاً. وهنا أمران: الأول: أنواع الزهد لما كان الزهد صفة الأنبياء والأوصياء (صلوات الله وسلامه عليهم)، وكذلك نجده مما يسعى إليه العلماء فهو بالتأكيد تختلف درجاته وهو في أعلى درجاته لدى الأنبياء والأوصياء . ومراتبه: المرتبة الأولى: إنَّ الزهد لدى الأنبياء لم يكن فقط هو الرغبة عمّا في الدنيا والميل إلى الآخرة، وإنّما هو الزهد حتى عن ملذات الآخرة، فإنَّ طاعتهم ليست من أجل الفوز بالجنة وزهدهم عن الدنيا ليس من أجل الفوز بجنة الفردوس، بل إنَّهم وصلوا إلى مراحل العشق الإلهي والذوبان في طاعته رغبةً في الحصول على مرضاته. المرتبة الثانية: من زهدَ عن الدنيا وما فيها ولم يأخذ منها إلّا ما يُقوّيه على الطاعة والعيش بكرامة، راغبًا عنها من أجل الفوز بجنان الخلد، وهذا النوع من الزهد مشروعٌ بل هو من الأمور الممدوحة والتي يسعى المؤمنون إلى التحلي بها. المرتبة الثالثة: زهدُ من يحاول أنْ ينزع حب الدنيا عن قلبه ويجاهد في سبيل ذلك. الثاني: تحصيل الزهد: لمن أراد أنْ يتصف بالزهد عليه أنْ يتبع هذه الخطوات الثلاثة: الأولى: أنْ يعلم بأن هذه الدنيا فانية، ولن يأخذ منها سوى عمله. الثانية: أنْ يتحلى بسلاح الصبر الذي أشرنا إليه في الفصل الثاني ويجعل منه درعًا ضد أهواء نفسه. الثالثة: أنْ يقلع من قلبه ما يجعله متعلقًا بهذه الدنيا حتى وإن كان ولده، فإنَّ حبَّ الأولاد قد يكون سببًا من أسباب الفتنة. إنارة قرآنية: إنَّ الله (تعالى) لخّص مفهوم الزهد في آيةٍ هي من أجمل آيات الذكر الحكيم، تلك الآية التي جعلها قانونًا لمن أراد أنْ يتصف بالزهد فإن اتبعها فقد استطاع أنْ يحصل أطراف الزهد ويحقق غايته. قال (عزمن قائل): "لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ"[سورة الحديد: آية 23] وفي روايةٍ عن أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه): "الزهدُ في الدنيا ثلاثة أحرف : زاء ، وهاء ، ودال ، فأما الزاء فترك الزينة، وأما الهاء فترك الهوى، وأما الدال فترك الدنيا"(1) الخلاصة: مما تقدم تبيّن لنا أنَّ الزهد هو صورة من صور جهاد النفس للوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي عمّا في أيدي الناس. وإذا تحقق هذا الأمر حينها يستشعر الفرد بأنَّ لديه ثروة عظيمة لا يحتاج معها إلى غير الله (تعالى) وإنْ كان فقيرًا؛ لأنَّ زهده قد أفاض عليه الشعور بالاكتفاء. ______________________ 1- جامع الأخبار : 297 ح 811
اخرىبقلم: يا مهدي ادركني كلمة من أمير المتقين (صلوات الله وسلامه عليه) يتقاطر منها الشهد المصفى، الرؤوس تنحني والسباق يتوقف ها هنا، فالورع يتمثل بشخصه (سلام الله عليه) وأما عند الآخرين فهو فضلة وفتات من رغيف يعسوب الدين (صلوات الله وسلامه عليه). فمن أراد أن يلتقط بعض حبات الورع ليتقوى بها على السير في طريق التكامل فليُشمّر عن ساعده وليستعد للخوض في لجج بحر المتقين. معنى الورع: هو الكف عن المحارم والتجنب عنها، وبه يصل الإنسان إلى أعلى درجات التكامل، فهو والتكامل تجمعهما علاقة طردية فكلما ازداد ورع المؤمن كلما ارتفع في سُلّم التكامل. معنى جُنّة: هي الستر والوقاية، قالوا: حب علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليهما) جُنّة أي يقي من أهوال يوم القيامة، وينجي من نار جهنم. ولكي تتم الفائدة علينا أن نلتفت إلى النقاط التالية: الأولى: الورع فضيلة: مما لا شك فيه أنّ الورع فضيلة فهو كبح لهوى النفس والابتعاد عن الرذائل، هو امتثال لأوامر المولى (جل وعلا) والحرص على أن يجدك حيث يحب في مواطن طاعته، فتروض نفسك على أن تسبق بدنك وتتسارع للوصول إلى ساحة العشق الإلهي. ثانيًا: أنواع الورع: إن للورع درجات وأدنى درجاته تقيك من نار الحطيم، وأعلى درجاته ترفعك إلى أعلى جنات النعيم، ويمكن تلخيصها بثلاث مراتب: الأولى: هي الإتيان بكل الواجبات والامتناع عن كل المحرمات، وهي أدنى درجات الورع. الثانية: هي اجتناب الشبهات والمكروهات والإتيان بالمستحبات، فلعل تلك المكروهات تزل بقدمك وتسحبك بحبالها إلى الإتيان بالحرام، فبالتقوى تتجنبها نفسك، وتتشوق لتحصيل كل ما يقربك من المولى (عز وجل) لتنال رضاه. الثالثة: وهي أعلى المراتب وأفضلها وهو ورع الصديقين، وفي هذه المرتبة يسعى من يصل إليها إلى عدم التفكر بما هو فيه شبهة ويعرض عنها قلبه فهو لا يقدم عليها حتى بجوانحه حتى تصبح لديه ملكة تجعله يشم رائحة العمل الصالح فتصبو نفسه إليه ويشمئز مما فيه نفور للنفس فيمتنع عنه. وجه الملازمة بين الورع وكونه جُنّة: وهنا إضاءة نبدد بها الضبابية التي قد تشوش على وجه الملازمة بين الورع وكونه جُنّة، وبيان ذلك: مما تقدم ممكن أن نعطي عنوانًا للورع، وهو الحجب النورانية التي تقي المؤمن من الأهوال والعقاب المحتوم، فهو بمثابة درع حصين كلما توغل الإنسان فيه كلما قوي ذلك الدرع وازداد متانة ليصد صاحبه عن عذاب يوم الآخرة، وهذا هو معنى الورع جُنّة.
اخرىبقلم: يا مهدي أدركني البنت: السلامُ عليكِ يا أمّاه. الأم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا ابنتي. البنت: هل أستطيع أنْ أجلس معكِ قليلًا يا أمّاه؟ الأم: نعم يا حبيبتي بالتأكيد فقد اشتقتُ لعطرِ الزهور. البنت (مُبتسمةً): أمّي لديّ سؤال. الأم: نعم، تفضلي يا صغيرتي. البنت: لقد سمعتُ من مُدرّسةِ التربية الإسلامية بأنَّ شهر رمضان يجعلنا نشعر الفقراء، فهل الفقير يجوعُ فقط في النهار؟ وهل ينامُ وبطنه ممتلئة بالطعامِ الشهي؟ نحنُ ننتظرُ شهرَ رمضان بشوقٍ، فله أجواءٌ وطقوسٌ نحبها كثيرًا، نحنُ نجتمعُ مع العائلةِ على سفرةٍ شهية، فأنتِ يا أمّي تقفين طويلًا في المطبخ لتُعدّي لنا أشهى الأطباق وألذها كي نقوى على الصيام في اليوم التالي ولا نشعر بالجوع. وأبي يُكافئنا في نهايةِ الشهر بهديةٍ ثمينةٍ وملابس جديدة، فهل هذا هو شعورُ الفقراء يا أمّي؟ الأم: أحسنتِ السؤال يا صغيرتي، فهو سؤالٌ ذكي جدًا. في البدايةِ يجبُ أنْ تعلمي يا حبيبتي أنَّ الغاية الحقيقية من صومِ شهرِ رمضان غير منكشفةٍ لنا، وكلّ ما نعلمه قد يكون جزءًا بسيطًا جدًا من علة الصيام. وهناك الكثير من الروايات الشريفة التي تؤكد على أهمية الصيام وعلى فوائده الكثيرة، ومنها الحديث المروي عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): "صوموا تَصِحّوا"(1). ولعل ما سمعتيه من مُدرّستكِ هو أحدُ آثارِ الصوم التي إذا ما طبَّقها المؤمن بصورةٍ صحيحةٍ فهو قد يستشعرُ آثارها. فهناك الكثير من الأحكام التي نؤديها ولكن ليس على وجهها الصحيح، مثلًا جاء في القرآن الكريم: "إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ"(2) ولكن مع هذا نجد الكثير ممن يُصلّون ولكنهم لا ينتهون عن ارتكاب الذنوب والفواحش؛ لأنَّهم لا يؤدونها بشكلها الصحيح الذي يؤثرُ فيهم، فإنَّ جوارحهم فقط هي التي تصلي، أما الجوانح فهي ساهيةٌ لاهيةٌ في دنيا فانية. وهناك من أصبح همه كيف يسدُّ مكان الشيطان في شهرِ رمضان، وكأنّه ماقتٌ على أمةِ الإسلام؛ لأنَّ الشيطان في هذا الشهر المبارك مغلولٌ لا يستطيع أنْ يغوي الإنسان فيقوم هو بدوره. فتجدين يا صغيرتي برامج الطعام تنشطُ في هذا الشهر؛ لتقيّد المرأة في المطبخ ساعاتٍ طويلةٍ، لاهيةً عن العبادة، ومسرفةً في أطباق الطعام، وأما برامج اللهو والغناء والطرب والمسلسلات فهي تبثُّ سمومها في البيوت وتقتلع جذور العفّة من البنات وتُجرِّئ الأولاد على عقوق الوالدين، هذا فضلًا عن برامج التواصل الاجتماعي التي تنشرُ ثقافة الأنانية، وعدم الاكتراث بمشاعرِ الآخرين بنشر صور الطعام غير مكترثين بمن يتضور جوعًا. البنت: الآن فهمتُ يا أمّي لماذا لا تسمحين لنا بمشاهدة التلفاز في هذا الشهر، ولماذا تسعين أنتِ ووالدي للإكثار من جلسات القرآن، فإنّي أرى أنَّ الشيطان الآن موجودٌ في كلِّ بيتٍ، مقيدًا بجهازِ التلفاز، يضحكُ على الإنسان؛ لأنّه هو أصبح أدهى من الشيطان. الأم: أحسنتِ الوصف يا صغيرتي، للأسف هذه هي الحقيقة. البنت: أمّي ماذا علينا أنْ نفعل لنغلب هوى أنفسنا ونفوز بهذا الشهر العظيم الذي كرمنا الله (تعالى) به وأغلَّ الشيطان فيه لأجبنا؟ الأم: إنَّ من أهمِ الموائدِ الشهية في هذا الشهر الشريف هي مائدة القرآن الكريم، فلتكن قراءتك فيه بتدبرٍ وتفكر، وإنْ أتممتِ قراءة القرآن انتقلي إلى طبقِ الدعاء؛ فإنَّ له حلاوةً تبقى إلى العام القادم في الأرواح، ولا تنسي أنْ تروي عطش فؤادكِ بمناجاةِ صاحب الزمان (عجّل الله (تعالى) فرجه الشريف)، فالصائمُ يحتاجُ إلى الماء في وقتِ إفطاره أكثر من أيِّ نوعٍ آخر من الطعام والشراب. البنت: شكرًا لكِ يا أمّاه، فقد استفدتُ كثيرًا من هذا الحديث. الأم: صغيرتي، أنا أشكرُ الله (تعالى)؛ لأنّه رزقني ببنتٍ ذكية مثلكِ مؤمنة وتفوحُ منها رائحة حب الله (تعالى)، باركَ اللهُ بكِ وجعلكِ من أنصارِ الإمام صاحب الزمان (صلوات الله وسلامه عليه). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1- بحار الأنوار ج 96 ص 255 ح 33 2- سورة العنكبوت آية 45
اخرىبقلم: يا مهدي أدركني بعد أنْ عمَّ الهدوءُ أرجاءَ المكانِ، وبعدَ أنْ كفَّ الصغارُ عن البكاءِ، واستسلموا للنومِ على رائحةِ حرقِ الخيامِ ومسكِ دماءِ الشهداء، وبعدَ أنْ صار أنينُ الجراحِ جزءًا من تلك الليلة الحزينة... في وسطِ ذلك السكونِ تُسمَعُ همساتُ تهجُّدٍ وعبادة، عباراتُ شكرٍ لمعبودٍ ذابَ في عشقه مخلوقُه، يلهجُ بلسانٍ ذاكرٍ، بحروفٍ خُلِطتْ بدموعٍ خاشعة، ترتعشُ الأبدانُ إذا ما وصلت إلى مسامعِها تلك الكلمات؛ فهي كلماتٌ نابعةٌ من قلبٍ طاهرٍ سُقيَ بالعلمِ حتى أزهرَ، فلن تستطيعَ أحلكُ الظروفِ أنْ تطفئَ نوره... وإذا بصوتٍ يقطعُ تلك المناجاة: "عمّتي زينب، أتُصلّينَ من جلوس؟!" هكذا كان لسانُ حالِ الإمامِ السجادِ (صلوات الله وسلامه عليه) بعد أنْ رأى عمّته تصلي من جلوس، فهو لم يرَها قطُّ تصلي وهي جالسة. فأيُّ ثقلٍ كان على كاهلِها الذي جعلَ قدميها الطاهرتين غير قادرتين على حملها؟! هكذا كانتْ ليلةُ الحادي عشر من المحرم، ولكن ما الذي دفعَ مولاتنا (سلام الله عليها) أنْ تمتنعَ عن الاستغناءِ عن صلاةِ الليلِ تلك الليلة رغمَ ما مرَّ بها من أحداثٍ لو مرّت على الجبالِ لجعلتْها دكًا دكًا؟ إنَّ مولاتنا الحوراء (سلام الله عليها) علمتْ ما في صلاةِ الليل من فضلٍ وكنوزٍ؛ فهي مرهمٌ لجراحِها، وبلسمٌ لروحِها في تلك الليلة الأليمة، وصفحاتُ الكتبِ مليئةٌ بأسرارِ هذهِ الصلاة العظيمة، وما فيها من ثمراتٍ تزوِّدُ من يقطفها بطاقةٍ عظيمة. فمن المناسب أنْ نتعرضَ لسحابةٍ من تراث أهل البيت (عليهم السلام)، تروي أرواحنا المتعطشة، ولتكن أولى خطواتنا هي: فضلُ صلاةِ الليل: إنَّ الإنسانَ العاقلَ بطبعِه لا يُقدِمُ على شيءٍ إلا بعدَ أنْ يعلمَ ما إنْ كانَ نافعًا أو ضارًا، فإنْ كان ضارًا تجنبه، وإنْ كانَ نافعًا ووجدَ من يحثُّ على العملِ به، وأنّ فيه من الفضلِ الذي لا يُفوَّت سعى وبذل الجهدَ، بل وحتى قد يستغني عن بعضِ الملذاتِ للحصول عليه. فكيف إذا كانَ هذا الأمرُ قد حثَّ عليه النبيُّ والأئمةُ (صلواتُ اللهُ وسلامُه عليهم)، بل وقد نصّ عليه القرآنُ الكريم، فشمرتِ سواعد الصالحين ليخوضوا لُجَجِ الليلِ وصفاءِ سكونهِ؛ ليُحلِّقوا في فضاءِ التهجُّدِ والذوبانِ في سماءِ المُناجاةِ للوصولِ إلى مُبتغاهم. وسنكتفي هُنا بذكرِ آيةٍ وروايةٍ في فضلِ هذهِ العبادةِ العظيمة وإلا سيطولُ الحديث عنها: قال (تعالى): "وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً" [الإسراء 79] وفي روايةٍ عن النبي الأعظم (صلوات الله وسلامه عليه): "ما اتَّخَذَ اللّهُ إبراهيمَ خَليلًا إلّا لإِطعامِهِ الطَّعامَ، وصلاتِهِ بالليلِ والناسُ نِيامٌ"(1) فإنَّ من أرادَ أنْ يبلغَ مقامًا محمودًا، وأنْ يُثبِّتَ اللهُ (تعالى) نورَ الإيمانِ في قلبِه، ويُضفي عليه جمالَ المُتقين، وأنْ يُباهي اللهُ (تعالى) به ملائكتَه فعليهِ بهذهِ الصلاة. *ثمرات صلاة الليل: إنَّ الأعمالَ واجبةٌ ومُستحبةٌ، والثانيةُ هي موردُ حديثِنا، وجزاؤها لا يقتصرُ على الآخرةِ فقط، وإنّما كرَمُ اللهُ (عز وجل) ولطفُه يشملُ الحياةَ الدنيا أيضًا، فمن الثمراتِ الدُنيوية لصلاة الليل: أولًا: أنها تزوِّدُ الإنسانَ بطاقةٍ معنويةٍ هائلةٍ تُعينه على أداءِ مهامِه في اليومِ الذي يلي تلك الصلاة. ثانيًا: تُضفي حُسنًا على الوجه. ثالثًا: تكونُ مانعًا من ارتكابِ الآثام. رابعًا: توسِّعُ الرزق. هذا فضلًا عن ثوابِها في الآخرة التي لم يُحدِّدهُ اللهُ (تعالى)، وإنّما جعلَه مفتوحًا؛ ليغمرَ به عبادَه الذين قلعوا النومَ من عيونِهم، مُستبدلين لذّةَ النومِ بلذّةٍ أعظم منها. *إنارةٌ عاشورائية: من المعلومِ أنَّ هناك الكثيرَ من الفضائلِ التي لا يسعُ المقامُ لسردِها هنا، وهناك ما لم يصل علمُنا به فهو من المؤكدِ غير خافٍ على من انتهلت علمَها من أمِّها الزهراء (صلوات الله وسلامه عليهما)، فنجدُها لم تُفرِّطْ في قيام تلك الليلة رغمَ ما ألمَّ بها من هموم. وفيما تقدَّمَ رسالةٌ مهمةٌ، فهي لم تجعلْ ما جرى عليها من أحداثٍ في ذلك اليوم الأليم حاجزًا دون أداءِ صلاةِ مُستحبةٍ، فضلًا عن كونِها شاكرةً لربِّها على كُلِّ ما مرَّ بها من ابتلاء؛ لأنّها كانت على بصيرةٍ من أنّه كُلّما اشتدَّ البلاءُ اقتربَ العبدُ من مولاه أكثر فالعلاقة هنا عكسية. ولكن للأسفِ نجدُ أنَّ البعضَ يتصرفُ على الطرفِ النقيضِ تمامًا؛ فهو إنْ نزلتْ به مصيبةٌ تجده وكأنّه صاحبُ حقٍ قد سلبَ المربوبُ حقَّه، فيمتنع حتى عن أداءِ الفرائض. ولا بُدَّ من الإشارةِ إلى أنّ استغرابَ الإمامِ السجّاد (صلوات الله وسلامه عليه) من صلاةِ عمتِه (سلامُ اللهِ عليها) جالسةً فيه إشارةٌ إلى عدمِ أفضلية أداءِ الصلوات المُستحبةِ من قيام. فإنْ كانتِ الشريعةُ بلطفٍ من الباري (عز وجل) تُسهِّلُ لنا بعضَ العباداتِ لتحبِّبَ العبدَ للتقرُّبَ منه (تعالى). فعلى العبدِ أنْ يختارَ أصعبَ العباداتِ وألّا يتساهلَ مع نفسِه، ويروِّضَها على أنْ تكونَ طوعَ أمرهِ لا العكس إنْ كانَ يُريدُ الدرجاتِ العالية. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1- بحار الأنوار ج،12 ص4، ح10
اخرىبقلم: يا مهدي أدركني السلام عليك يا ثأر الله عباراتٌ وحروفٌ تتزيّنُ بها المجالسُ بوشاحِ الحُزنِ الذي يُسدِلُ على أروقةِ القلوبِ فيسري في دمِ العاشقين، فترى البعض قد رضعَ حُبَّ الحُسينِ (صلواتُ الله وسلامه عليه) مع قطراتِ اللبنِ، وعبرات عينِ أمِّه، فترسّخت تلكَ المشاعرُ وتخلّلتْ عقلَه وذاكرتَه حتى صارت جزءًا منه، حتى وإنْ كان لا يعلمُ ما هي أبعاد هذه الكلمة... كلمةٌ نحملُها شعارًا في كُلِّ موسمٍ، بل في كُلِّ آنٍ من حياتِنا، فما هي أعماقها وما هي معانيها؟ بدايةً لنتعرفَ على معنى كلمة (الثأر): تُستعمَلُ هذه الكلمةُ للكنايةِ عن الطلبِ بدمِ المقتول، وعادةً إنّ من يطالب بدمه يكون شخصًا ذا قرابة من المقتول (الأقرب فالأقرب). وهو في الحقيقةِ يندرجُ تحتَ عنوانٍ كُلّي (القصاص)؛ وذلك لتنظيمِ أمورِ المجتمع لما فيه من جلبِ منفعةٍ ضروريةٍ ودفعِ مفسدةٍ عظيمة، وإلا لعمّتِ الفوضى في المجتمع، وصار لكُلِّ واحدٍ أنْ يعتديَ على الآخر من دونِ أي رادعٍ يردعه؛ لذا جاء الشارعُ المُقدسُ فقنَّنَ هذا الأمر، وجعلَه مشروعًا، ولكن بحدودٍ وشروطٍ لسنا بصددِ ذكرها الآن. ولكن لماذا نُسِبَ هذا الثأر إلى الله (تعالى)، وما هو الوجه في ذلك؟ في مقامِ الجواب نقول: إذا أُضيف شيء إلى آخر فلا بُدَّ من وجود إما مسانخة بين الشيئين أو على الأقلِ وجود نوع من العلاقةِ بينهما؛ ليكونَ هناكَ تناسقٌ ومعنى من هذه الإضافةِ، وإلا فإنّها ستكونُ مجردَ كلماتٍ مبعثرةٍ لا معنى لها. فما هي نوعُ العلاقةِ بين هاتين الكلمتين، أو ما هو وجهُ الإضافةِ هنا؟ الكلماتِ إما أنْ تكونَ ذواتٍ أو أوصاف، والأوصافُ منها ما يكونُ جميلًا بحدِّ نفسه، أو بحسبِ القالبِ الذي يُعرَضُ عليه، ومنها ما يكونُ قبيحًا تنفرُ النفسُ منه. وأما الذواتُ فتكونُ شرفيتُها وعلو مقامِها أو هوانُها وتدانيها يتحدُّدُ منها لا من شيءٍ آخر، وحيثُ إنَّ كلمةَ (الله) (جل وعلا) هي إشارةٌ إلى الذاتِ المُقدسة، وإنَّ هذه الذات لا يوجدُ موجودٌ على الإطلاقِ يُمكِنه أنْ يُزاحمَها في تلك الدرجةِ المُتناهية من الكمالِ والشرف، حينئذٍ يُمكنُ القولُ بأنَّ كُلَّ ما يُنسبُ ويُضافُ إلى هذهِ الذاتِ المُقدسة سينالُ تلك الدرجة غير المتناهيةِ من الكمال، كما في قولِنا (بيتُ الله) و (بقيةُ الله) وغيرها من الكلمات الأخرى. وحينها، لا بد أن تكون للإضافة جهة مناسبة بين المضاف والمضاف إليه، وسنتعرّضُ في بحثِنا هذا إلى وجهين فقط: الأول: إنَّ اللهَ (تعالى) ينسِبُ إلى نفسِه ما يليقُ بذاتِه المُقدسة ليُضفي من قُدسيتِه عليه، وإنَّ شرطَ هذه النسبةِ هو أنْ يصلَ ذلك الموجود إلى مرتبة عالية من مراتبِ الكمالِ لينالَ تلك المكرمة. ومما لا شكَّ فيه أنَّ الإمامَ الحُسينَ (صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه) هو أهل لذلك فقد كان مصداقًا ناطقًا للحقِّ ولدينِ اللهِ (تعالى) وشريعتِه، ويكفي في حقِّه قولُ النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): "حُسينٌ مني وأنا من حسين"(1). الثاني: عندما قامَ الإمامُ الحُسينُ (صلوات الله وسلامه عليه) بوجهِ الأعداءِ رغمَ قِلّةِ الناصرِ والمعين، كان يعلمُ جيدًا بأنّه سيقتلُ مذبوحًا، وستُسبى نساؤه، وسيجري عليهم من الآلام ما لم يجرِ على أحدٍ قبلهم، ولكن هو أمرٌ لا بُدَّ منه، فقد قال الإمامُ الحسين (صلواتُ الله وسلامه عليه) لأخيه محمدٍ ابن الحنفية: "إنَّ جدي رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله) قد جاءني وقال لي: "يا حُسينُ، أخرجْ فإنَّ اللهَ قد شاءَ أنْ يراكَ قتيلًا، قالَ ما معنى حملك هذه النسوة معك؟ قال إنَّ اللهَ قد شاءَ أنْ يراهُنّ سبايا"(2) فهو كان في غايةِ التسليمِ المُطلقِ لأمرِ الله (تعالى)، ومن جهةٍ أخرى كانَ يعلمُ أنَّ دينَ جدِّه (صلواتُ الله وسلامه عليه) لن يستقيمَ إلا بقتلِه لذا كان شعارُه الإصلاحَ، فقال خاطبًا في الناس: "إنّي لم أخرجْ أَشِرًا ولا بَطرًا ولا مُفسدًا ولا ظالمًا، وإنّما خَرَجْتُ لطَلبِ الإصلاحِ في أمّةِ جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله)"(3) إنَّ واقعةَ كربلاء في الحقيقةِ مسألةُ إعلاءِ لكلمةِ الله (تعالى) لا مُجردَ تسطيرٍ لملاحمَ بطوليةً تُخلِّدُ نجومًا في سماءِ التاريخ. ومما تقدَّمَ يكونُ من الطبيعي جدًا أنْ يكونَ الطالبُ بثأرِ الإمامِ الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) في عالمِ التكوينِ والتشريعِ هو الله (تعالى)؛ لأنّه هو المُشرعُ الذي حرَّمَ قتلَ النفسِ، وجعلَها من الكبائر، ووضعَ القصاصَ على ذلك. وهو الذي قُتِلَ الإمامُ الحُسينُ (صلوات الله وسلامه عليه) من أجله، ولأجلِ أنْ تسيرَ الأمورُ بمسارٍ طبيعي فقد أوكلَ اللهُ (عزَّ وجل) مسألةَ الأخذِ بثأرِ الإمامِ الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) إلى بقيةِ اللهِ في أرضه (أرواحُنا وأرواحُ العالمين لتراب مقدمه الفداء) الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف). فالسلامُ عليكَ يا ثأرَ الله وابنَ ثأره.
اخرى