يا أم البنين... سيدتي... هل يُجدي الحنين؟ تصنعين قبورًا أربعة ثم قبرًا للحسين! تُعولين... تندبين... لا تدعونّي ويكِ يا أُم البنين... وللعباس طفلًا تُحضرين! بكاء... ثورة... أم للنهضة تُكملين؟ قطعوا الرؤوس وتهادوها حسِبوا أنهم للحق كاتمون! جهلوا أنّ للنسوة دموعاً تؤرق مضاجع الظالمين... فسلام عليكِ يوم ولدتِ ويوم متِ ويوم تبعثين...
اخرىكيف يمكن تجاهل حياة الشجرة الدرية حتى وأن ذبلت أوراقها بالموت وشهقت بالشهادة؟ ومن هو الذي لا يرى تلك الورقة المشعة بخلود الحياة والعابقة بسحر الطهر في أعلى الغصن، إلا إذا كان أعمى القلب، أعمى ليس ببصره بل ببصيرته ؟! هي السر ... هي البضعة... وهي الأم لأبيها خير ما كان ويكون من خلق الله تعالى في هذا الوجود ومن قبل الوجود. ومن نسلها الأطهار الذين بهم تضاء الظلمات، وتنجلي الكربات... هم مصابيح الدنيا البهية هم الأنوار القدسية. هم السر الإلهي المستودع في أمهم الزهراء في الدنيا والآخرة. هي إكسير الخلود.
اخرىبقلم: غدير البغدادي أيّتُها المُستغرقة في وَلَهٍ... على آماقكِ يُورِقُ رَمقُ الودَق... تتفتّق بين أناملكِ حُجُب المَنون! ترفعين كفّكِ بيضاء، ينسابُ منها تُراب القبور الخمسة كشلالٍ ضميّ! تصهل الآه على تؤدةٍ تكسر صدر الصّبر بألف حافِر! أتنسجين الدّموع ثوبًا لعريان العرين! تُلملمين من بين جَفنيكِ لازوردًا*، دُرًا، ولؤلؤاً وشيئاً من الرّيحان حول البقيع، علّهم يقدمون من قافلة القرابين! أتظنينهم يأتون؟ أتُصيّرين أنينكِ صمصامًا! يمزّق كبِدَ الكَمد؟ والموت ينهش بالعرش.. يخمش بأضفارهِ أشعّتكِ! إيّتُها الشّمس.. أينَ أوارُكِ؟! كواكبكِ الثّلاث أفَلوا! "وخَسَفَ القمر" عمود النّمرود! ضياؤهم مخضل، مُخضّبٌ بالنّجيع.. زادهم لون الدّم هَيبة وجوههم تشعُ بنورٍ أحمر! أعينهم لا زالت مفتوحة تدورُ بِدورِ البُدور... تحمي سُوْرَ سُوَرِ النّور لن يأتوكِ... اذهبي إليهم وما تِلكَ بيمينكِ يا أُم البَـنين؟ هي عصاكِ وسُبحةٌ من كربلاء كربلاء...! أتُهدينَ أعينكِ لِتَرَي مفقوع العين؟ يا أميرة البادية.. سلطانكِ في كربلاء كربلاء... ماذا لو كُنتِ فيها؟ يُشيّع نعشكِ قطيع الكف والمنحر... أَسرجي أيّتها الأُم كُوةً تضيء بأنفاسكِ الأخيرة أزقة كربلاء لن يأتوا... تعالي أنتِ! • اللازورد: معدنٌ شَهيرٌ شفافٌ وثمين وهو من الأحجار الكريمة التّي تُستعمل في الزّينة ويُتخذ منها حِليًّا، لونهُ صافٍ أزرق ، بعضه ضارب إلى حمرةٍ ، وآخر على خُضرة وهو من أجود أنواعه، والبعض يستخدمه لدلالات خاصة.
اخرى(عظم الله لكِ الأجر بولدك فلان) أسألتك عنه؟! أخبرني عن الحسين أهو حي أم لا ؟! وهكذا كرر العبارة لعلها تخرجهُ من موقف من أشد ما يوضع فيه المرء يومًا. تحيّر الناعي عندما عَلِم أنها حليلة أمير المؤمنين، أم البنين الأربعة والحِجر الذي تربى فيه سيد الشهداء (عليه السلام) المذبوح ظلماً وعدواناً... بدت له كشجرة مُسنّة قُطعت فروعها مع جُرح عميق أصاب قلبها، ووصل للحسين (عليه السلام) ووصل لأبعد أبعد جذر في روحها، فأقتلعه من الأعماق عندما جمع الاسم مع العبارة ذاتها... تهاوى الحجر الذي ضمّ الشمس والقمر والكواكب وغاص الفضاء في تراب الأرض..
اخرىبقلم: صفاء الندى جُدتِ وفاءً حتى آخر شهقة نفس جُدتِ حنانًا حتى آخر غمضة عين فحباك الله المكرمات.. وأعلى لك المقامات.. فَصِرت قاضية للحاجات جزاء إحسانك والثبات سيدتي أم البنين.. أولادكِ وهبوا أرواحهم أربعة متفرقة واستشعرت لوعة فقدهم دفعة واحدة.. ولسان حالك يقول: ما دام الحسين يملأ الكون بطيب وجوده فليذهب الأعزاء وراء أقدارهم.. قد مضى الحسين شهيدًا يا أم البنين فبمن التصبر من بعده؟ السلوى والتصبر بالله (عز وجل).. ولله الأمر من قبل ومن بعد..
اخرىتألقتْ مشكاتُها سناءَ الحُبِّ والوفاء. حين دخلتْ بيت عليِّ والزهراء. فبدأ أول مشوار للتضحية والعطاء. لا تنادِني باسمي فاطمة أبا النجباء. حبيب إلى قلبي هذا النداء. لكني أخشى حزن أبناء السماء. فغيرِ الاسم يا سيدَ البلغاء. فأتى الاسم بكنيةٍ مُخلدة. أمُّ البنين بدأ مشوارها بالمودة.
اخرىلا يشعر بأحاسيس الأم التي فقدَت أولادها إلّا من عاش التجربة بنفسه؛ بكاءٌ ونحيب، اشتياقٌ ولوعة، جسدٌ بلا روح، عيونٌ ذابلة، وجهٌ حزين، حياةٌ لا طعم لها، نومٌ بلا راحة، حلمٌ باللقاء، كوابيس الخوف والقلق... ولكن تأمّل في عقيدة أم البنين (عليها السلام)؛ كأنها خيمة تقي إمام زمانها عامودها الثابت تضحيات أولادها! يأتيها مَن يخبرها عمّا جرى في الطف، فلا تسأل عن قمر العشيرة وإخوته أولادها، وإنما تتلهّف لمعرفة ما جرى على الحسين (عليه السلام)... نعم! لمثل هؤلاء فليبك الباكون، وإيّاهم فليندب النادبون، هي أعرَف الناس بذلك... عقيدتها درعٌ يذب في سبيل الله تعالى، يغلب الفطرة ورقة المشاعر.
اخرىإن أردتِ الوفاء... فتوجه صوب تلك المدرسة... أم البنين (عليها السلام).. اقتبسِ من نبراس وفائها درساً، لتصبو نفسك إلى علياء التضحية والإيثار... لأننا جميعاً بحاجة لذلك الدرس الكبير. وقد قال الله تعالى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ}. وما أعظم ما انفقت في سبيل الله تعالى... أربعة من فلذات أكبادها.
اخرىأم البنين (عليها السلام) عنوانٌ ومثالٌ يُحتذى به... أسمى مثال نقتدي به تلك المرأة التي أفنت عمرها فداءً في خدمة أبناء الزهراء (عليها السلام)... فرسمت للإيثار مسارًا ضعوا القدوة الحسنة صوب أعينكم، اغترفوا من أفعالهم، قلدوا حبهم للآخرة وتركهم الدنيا بما احتوت... اعملوا لآخرتكم ... فالدنيا دار الفناء، نرحل عنها ولا يبقى لنا سوى الإعمال الحسنة...
اخرى