Profile Image

مدونة الكفيل

لكم فاروقكم ولِيَ فاروق

بقلم: علوية الحسيني الفاروق لغةً: مَنْ يَفْرُق الحقَّ من الباطِل" (١). ويوصف الرجل بالفاروق متى ما فرّق بين الحقّ والباطل، علمًا وعملاً، قولاً وفعلًا. الفاروق صفةٌ ادّعى البعض اتصاف فلان وفلان بها، وادّعى الآخرون انحصار وصف فلان بها، وكلاهما باطل؛ لأنّ المتتبع سيرة الشخص الذي يوصف بهذه الصفة لم يجده قد فرّق حقًا بين الحق والباطل، بل التبس عليه وخلط. والشواهد من الكتب كثيرة وتشهد معي بذلك، وعلى القارئ تحكيم عقله وتجرّده حينما يجيب على الأسئلة التالية: هل يسمى الشخص فاروقًا إذا لم يكن يعلم تفسير آية من آيات الله (جلّ جلاله): {وفاكهة وأبا} (٢)؟ هل يسمى الشخص فاروقًا إذا لم يفرّق بين التوحيد والتجسيم؟ "روي عن عمر أنه إذا جلس الرّب على الكرسي سمع له أطيط [صوت للكرسي] كأطيط الرجل الحديد" (٣). ففي عقيدته أنّ الرّب جسمٌ محمولٌ له ثقل كالرجل الحديدي، جالس على كرسي له أطيط من ذلك الثقل! حقيقةً أنا لا أعلم كيف يكون الشخص فاروقًا وهو يجعل من الله تعالى رجلاً حديديًا! والله وبالله وتالله لا أجد عقيدته هذه إلاّ مُقْرفة، وليست مُفَرِّقة بين الحق والباطل. ولبيان بـطلان هذه العقيدة نقول: أ/ لو كان جسماً لكان محتاجاً إلى أجزائه، والاحتياج صفة المخلوقات، والله سبحانه هو الغني المطلق، وهذا ينافي قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد}. ب/ لو كان جسماً لجرت عليه أحكام وقوانين الزمكان، فيلزم أن يكون موجوداً في المكان، وعدم وجوده في الأمكنة الاخرى، وهذا ينافي قوله تعالى:{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير}، فلو حواه مكان للزمت الإشارة إليه بالحواس-بالنظر أو باليد-، والمشار إليه محدود. فاذا كانت عقيدة فاروقكم في أشرف اصول الدّين هكذا، فكيف بها في سائر الاصول؟! بل وما حالها مع الفروع؟!. فانتفى بذلك أن يكون فلان فاروقا. إنّ المتتبع في السير يجد أنّ صفة الفاروق انفرد بها –بعد النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) أمير المؤمنين علي (عليه السلام)-؛ حيث فرّق بين أصول الدّين واللوابس الهاجمة عليها، ففرّق بين التوحيد والتجسيم، وبين عصمة النبي (صلى الله عليه وآله) وعدم عصمته، وبين ضرورة وجود خلفاء منصوص عليهم بعد النبي (عليهم السلام جميعا) وبين أن تُترك الأمة سدى تأخذ أحكام شريعتها من استحساناتٍ خاطئة، ومصالح مرسلة، وسد ذرائعٍ هاوية. كما فرّق بين الجنة والنار؛ حيث هو قسيمهما، وشهدت كتب القوم بذلك، روى ابن حجر الهيثمي: " .... وأخرج الدارقطني : أن عليا، قال للستة الذين جعل عمر الأمر شورى بينهم كلاما طويلا من جملته أنشدكم بالله (، هل فيكم أحد، قال له رسول الله: يا علي أنت قسيم الجنة والنار يوم القيامة غيري، قالوا: اللهم لا، ومعناه ما رواه غيره، عن علي الرضا، أنه قال له: أنت قسيم الجنة والنار، فيوم القيامة تقول النار هذا لي وهذا لك، وروى ابن السماك: أن أبا بكر قال له: سمعت رسول الله، يقول لا يجوز أحد الصراط إلا من كتب له علي الجواز" (٤). بل وصرّحت كتب القوم بأنّ عليًا هو الفاروق بين الحق والباطل؛ بدليل ما رواه الهيثمي في مجمع زوائده قائلًا: " وعن أبي ذر وسلمان، قالًا: أخذ النبي (ص [صلى الله عليه وآله وسلم]) بيد علي، فقال: أن هذا أول من آمن بي وهذا أول من يصافحني يوم القيامة وهذا الصدّيق الأكبر وهذا فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق والباطل، وهذا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظالمين، رواه الطبراني والبزار، عن أبي ذر وحده" (٥). ومن هنا يجب اتباع الفاروق دون سواه؛ لتجنب الهلكة والزيغ، وإلاّ فمن يفارق عليًا فقد فارق رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله)... " ... عن معاوية بن ثعلبة، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله (ص[صلى الله عليه وآله وسلم]): يا علي، إنه من فارقني فقد فارق الله، ومن فارقكً فقد فارقني" (٦). فسلامٌ على الفاروق ما بقي الدهر، ليس سلاميَ على مَن لقـبتموه بهذا اللقب، عُــذرًا أيها القوم، ففاروقكم قال بلسانه "لولا عليّ لهلكتُ" (٧). فأيُّ فَرقٍ فرَّق إذاً؟! لكم فاروقكم ولي فاروق. ومن أصدق تجليات تفريق الفاروق علي بن أبي طالب (عليه السلام) في أشرف اصول الدّين وأهمها وهو التوحيد، فله خطب صدحت بتوحيد الله (سبحانه وتعالى) وتنزيهه. منها ما روي "عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: جاء حبر إلى أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك حين عبدته؟ قال: فقال: ويلك ما كنت أعبد ربا لم أره، قال: وكيف رأيته؟ قال: ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الابصار ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان" (٨). فلو أمكن رؤيته تعالى لهيمنت عليه أبصارنا وأحاطت به، فيكون الرائي (نحن المخلوقات) أقوى وأكمل من المرئي (الله سبحانه) وهذا باطل عقلاً؛ إذ جميعنا يشهد على نفسه بالافتقار إليه تعالى فكيف تنقلب الموازين هنا بجعل الله تعالى فقيرًا عن التجرد تحده أبصار مخلوقاته! وباختصار: أن الله تعالى موجود مجرد عن المادة تمامًا، فلا يمكن أن يُرى بالعين المجردة لأنها تقتضي المادية والكون في جهة ووو. أي إنّ الله سبحانه أخبرنا أنّه لامثيل له حتى نجري قانون الرؤية عليه -وسائر ما ينطبق على المخلوقات-، فالعين لا تدرك الاّ الأجسام أو صور الأجسام، والله تعالى ليس بجسمٍ ولا صورة جسمٍ حتى تحيط أعيننا به. و وجه امتناع رؤيته تعالى نقلاً فهو: وذلك قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير}. كما ويقول سبحانه: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير} فالنفي الوارد في الآية واضح؛ معللاً سبحانه عدم رؤيته تعالى بأنّه هو الذي يدرك الأبصار ويحيط بهم حيث هو خبير بشؤون أصحاب الأبصار، وليس العكس. وللإمام الفاروق علي (عليه السلام) خطبة عظيمة في التوحيد، نأخذ شعاعًا من وهجها، يقول فيها: "مَا وَحَّدَهُ مَنْ كَيَّفَهُ، وَلاَ حَقِيقَتَهُ أَصَابَ مَنْ مَثَّلَهُ، وَلاَ إِيَّاهُ عَنَى مَنْ شَبَّهَه..." (٩). يريد الإمام (عليه السلام) إبطال عقيدة مَن يجعل لله كيفًا بصورةٍ أو خيال، ومِثلًا يعكس حقيقة الإله، وشبيهًا يشابهه الصورة والهيأة. فالله تعالى لا كيف له، ولا مِثل، ولا شبيه، ومَن يثبت ذلك فليس بموحدٍ، ولا مدرك لعظمة الله تعالى، و ليس إيّاه يعبد، بل يعبد رجلاً حديديًا جالسًا على كرسيّه! صنعه من نسج خياله. وأخيرًا أقول: على القارئ المقارنة بين عقيدتي: (تنزيه الله سبحانه) و (تجسيم الإله)، وسيتضح له مَن هو الفاروق. _________________ (١) معجم المعاني، مادة فرق. (٢) ظ: الدر المنثور في التفسير بالمأثور: للسيوطي، ج٨، ص٤٢١-٤٢٢. (٣) كتاب العرش: لمحمد الذهبي، ج٢، ص١٢٠-١٢١. (٤) ظ: فضائل الصحابة: لأحمد بن حنبل ومن فضائل علي (ر[عليه السلام]) من حديث أبي بكر بن مالك عن شيوخه غير عبد الله، ج٢، ص٦٧٤. (٤)الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة: ابن حجر، الفصل الثاني في فضائله (ر) وكرم الله وجهه، ج٢، ص٣٦٩. (٥) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: للهيثمي، كتاب المناقب، باب مناقب علي بن أبي طالب (ر) - باب اسلامه (ر)، ج٩، ص١٠٢. و تاريخ دمشق: لابن عساكر، ج٤٢، ص٤١-٤٣. (٦) فضائل الصحابة: لأحمد بن حنبل، فضائل علي، ج٣، ص٥٧٠. (٧)ظ: فضائل الصحابة: لأحمد بن حنبل، ومن فضائل علي (ر[عليه السلام]) من حديث أبي بكر بن مالك عن شيوخه غير عبد الله، ج٢، ص٦٤٧. (٨) الكافي: للكليني، ج١، باب ابطال الرؤية، ح٦. (٩) نهج البلاغة: خطبة له في التوحيد. والحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمدٍ المصطفى، ووصيه الفاروق المبين، علي بن أبي طالب سيّد الموحدين، وعلى آلهما الأتقياء النجباء.

اخرى
منذ 5 سنوات
1379

العلم عند الإمام الصادق (عليه السلام)

بقلم: عبدالحكيم داخل لو رسمنا خارطة العلم عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) لكانت خارطة متكاملة في نوعية العلم وأيضًا في المتلقي للعلم، وهذا ما سنبينه مختصرًا في هذه النقاط القليلة: أولاً: ماهية العلم: لم يختص الإمام الصادق (عليه السلام) في العلوم الدينية فقط، والتي توضع تحت مسمى (العلوم الإنسانية) اليوم، بل امتد الأمر إلى العلوم التي تصنف تحت مسمى (العلوم التجريبية) ومن أراد أن يطلع على هذه الحقيقة فعليه مثلًا مراجعة كتاب (الإمام الصادق كما عرفه علماء الغرب) حيث بيّن الكتاب اهتمام الإمام (عليه السلام) بشتى العلوم، ولم يهتم فقط بعلوم الدين، بل وظّف بعض العلوم لإثبات التوحيد، فمثلًا توحيد المفضل، هو إثبات للتوحيد من خلال البدن الإنساني، وهذا بحث مهم يرتبط بقضية تلاقح العلوم وعلاقة الدين بباقي العلوم، ويكفي في هذه النقطة الإشارة إلى تلميذه (جابر بن حيان) الذي تخصص في الكيمياء، ونحن هنا لا نريد أن نقول: إن الإمام (عليه السلام) كان عمله وشغله الشاغل هذه العلوم، وليست هي عقدة نقص نريد من خلالها إثبات أن العلم التقني التجريبي موجود في الإسلام؛ لأجل التعويض النفسي كما يتهمنا خصومنا في هذه القضية، بل نريد أن نقول: إن مصطلح (جامعة الإمام الصادق) الذي أطلقه الكثير على فترة الإمام الصادق (عليه السلام) هو مصطلح صحيح جدًا، فقد تنوعت هذه الجامعة في علومها، وهذا يجعلنا نراجع أنفسنا كثيرًا ... فأين نحن اليوم من علوم عصرنا؟ ثانيًا: لمن العلم؟ الجامعة اليوم إنما يغترف من نمير علمها الجميعُ، فهي لا تنتمي لجهة أو طائفة أو عرق أو قومية، ومن يطالع التاريخ يجد هذه القضية واضحة في مدرسة وجامعة الإمام (عليه السلام)، فهو لم يكن مذهبيًا في العلم، بل كان يعطي علومه للجميع، ولم يكن يوقف علمه على خاصة تلامذته، وإن كان يريد أن يركز مدرسة أجداده الطاهرين، لكنها مدرسة الإسلام المنفتح على الجميع، لذا كان أئمة المذاهب يدرسون تحت منبره الشريف، فهذا أبو حنيفة النعمان نُقل عنه أنه كان يقول: (لولا السنتان لهلك النعمان). قال مالك بن أنس إمام المالكية: «وما رأتْ عَينٌ، ولا سمعت أذنٌ، ولا خَطَر على قلب بشرٍ، أفضل من جعفر بن محمّد الصادق، علماً، وعِبادة، وَوَرَعاً». ويقول في كلمة أخرى: «ما رأت عيني أفضل من جعفر بن محمّد فضلاً وعلماً وورعاً، وكان لا يخلو من إحدى ثلاث خصال: إمّا صائماً، وإمّا قائماً، وإمّا ذاكراً، وكان من عظماء البلاد، وأكابر الزهّاد الذين يخشون ربّهم، وكان كثير الحديث، طيب المجالسة، كثير الفوائد) وهكذا باقي أئمة المذاهب والحديث، فهو صاحب مدرسة علمية متكاملة رصينة لم تنغلق على نفسها بل تخرج منها علماء المسلمين من كافة المذاهب الإسلامية. ثالثًا: الحوار العلمي : لم يكن الإمام (عليه السلام) يحاور أبناء المذاهب الإسلامية فقط، بل انفتح حواره على الآخر بكافة أنواعه حتى شمل الملحدين واللا ادرية، وكانوا يدخلون عليه ولا يجدون حرجًا في أن يكلموه في ما يعتقدون، كان يسمع لهم ثم يجيب ويحاور بعلمية وانفتاح كامل، ولقد صور لنا التأريخ ذلك بدقة، وكان من هؤلاء: عبد الكريم بن أبي العوجاء، وهو من الملاحدة المشهورين الذي اعترف بدسه الأحاديث الكاذبة على أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله). وكان ابن أبي العوجاء في بداية أمره موحداً مؤمناً حسن السيرة والسلوك يتردد على مدرسة الحسن البصري، فلما انحرف عن التوحيد، اعتزل حوزة الحسن البصري، وانتهى أمره بالقتل لأنه ملحد، قتله محمد بن سليمان عامل الكوفة من قبل المنصور العباسي. كان ابن أبي العوجاء يوماً هو وعبد الله بن المقفع في المسجد الحرام، فقال ابن المقفع: ترون هذا الخلق، وأومأ بيده إلى موضع الطواف. ما منهم أحد أوجب له اسم الإنسانية إلا ذلك الشيخ الجالس، يعني أبا عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام)، أما الباقون فرعاع وبهائم. فقال ابن أبي العوجاء: وكيف أوجب هذا الاسم لهذا الشيخ دون هؤلاء؟ فقال: لأني رأيت عنده ما لم أره عندهم. فقال ابن أبي العوجاء: لا بد من اختبار ما قلت فيه منه. فقال ابن المقفع: لا تفعل، فإني أخاف أن يفسد عليك ما في يدك. فقال: ليس ذا رأيك، لكن تخاف أن يضعف رأيك عندي في إحلالك إياه هذا المحل الذي وصفت. فقال ابن المقفع: أما إذا توسمت علي، فقم إليه وتحفظ من الذل، ولا تثن عنانك إلى استرسال فيسلمك إلى عقال. فقام أبن أبي العوجاء إلى الصادق (عليه السلام) فلما رجع منه قال: ويلك يا ابن المقفع، ما هذا ببشر، وإن كان في الدنيا روحاني يتجسد إذا شاء ظاهراً، ويتروح إذا شاء باطناً، فهو هذا. فقال له: كيف ذلك؟ فقال: جلست إليه، فلما لم يبق عنده أحد غيري، ابتدأني فقال: إن يكن الأمر على ما يقول هؤلاء، وهو على ما يقولون ـ يعني أهل الطواف ـ فقد سلموا وعطبتم، وإن يكن الأمر كما تقولون وليس هو كما تقولون، فقد استويتم وهم. فقلت: يرحمك الله، وأي شيء نقول، وأي شيء يقولون؟ ما قولي وقولهم إلا واحد. فقال: وكيف يكون قولك وقولهم واحد، وهم يقولون إن لهم معاداً وثواباً وعقاباً، ويدينون بأن للسماء إلهاً وإنها عمران، وأنتم تزعمون أن السماء خراب ليس فيها أحد. قال: فاغتنمتها منه، فقلت له: ما منعه إن كان الأمر كما يقولون أن يظهر لخلقه يدعوهم إلى عبادته حتى لا يختلف فيه اثنان. ولم يحتجب عنهم، ويرسل إليهم الرسل، ولو باشرهم بنفسه كان أقرب إلى الإيمان به؟ فقال لي: ويلك كيف احتجب عنك من أراك قدرته في نفسك، نشوك بعد أن لم تكن، وكبرك بعد صغرك، وقوتك بعد ضعفك، وضعفك بعد قوتك، وسقمك بعد صحتك، وصحتك بعد سقمك، ورضاك بعد غضبك، وغضبك بعد رضاك، وحزنك بعد فرحك، وفرحك بعد بغضك، وبغضك بعد حبك، وعزمك بعد إنابتك، ورغبتك بعد رهبتك، ورهبتك بعد رغبتك، ورجاؤك بعد يأسك، ويأسك بعد رجاؤك، وخاطرك لما لم يكن في وهمك وغروب ما أنت معتقده عن ذهنك. وما زال يعد علي قدرته التي هي فيّ، التي لا أدفعها، حتى ظننت أنه سيظهر فيما بيني وبينه. والخلاصة كانت جامعة الإمام (عليه السلام) جامعة متكاملة من حيث نوعية العلم وهي إسلامية وأيضًا إنسانية عامة… والحمد لله رب العالمين

اخرى
منذ 5 سنوات
9897

سر عطر القرآن

اراد عطرًا أو طيبًا ينثره على ثيابه لكي يبدو أنيقًا بين الناس. فتفاجأ بمن هو اكثر منه طيبًا فسأله مندهشًا: من أين اقتنيت هذا؟ فقال له: رتل القرآن وأنت تعرف

اخرى
منذ 4 سنوات
673

سأل سائل بليد

بقلم: ندى المنصوري سأل سائل بليد لماذا الفرح في يومكم هذا أهو العيد؟ أم تذكرتم خبرًا ليس ببعيد؟! أم هل هناك جديد؟ فأجبته: أو لم تسمعوا؟ عندما صاح الرسول اجتمعوا... واسمعوا وعوا فأنشد الصادق الأمين نشيد إكمال الدين بولاية مولى المتقين وأمير المؤمنين فربط ولايته بولايته وعداوته بعداوته مع ارتفاع اليدين ثم ارتفعت أصوات المهنئين فسمي ذلك اليوم في السماء بعيد الله الأكبر وسمي في الأرض بعيد الغدير الأغر فلم تبق حجة للمسلمين فمن بدل، فقد أخلف الشرع المبين واختار جور السلاطين... بدل اختيار رب العالمين.... فهنا استدرك أمرًا وقال معللًا: لكن لمَ لم نتبع؟ لمَ لم نسمع؟ فأجبت: بسبب ما حصل تحت السقيفة فلقد غيروا من اختار الله خليفة طمعًا في الدنيا وحبًّا للسلطة فأطرق حزنًا وأحنى ظهرًا ثم أكملت ثم عملوا على كتم الحديث وكتبوا التاريخ بقلم خبيث كي لا تفهم كي لا تعلم فرفع وجهه نحو السماء وقلبه المكسور يملؤه الرجاء وأنهى الدعاء بشهادة أن عليًّا ولي الله...

اخرى
منذ 5 سنوات
2415

خاطرة

الزهراء عليها السلام قدوة ليست بمسألة الحجاب والحشمة فقط هي قدوة ايضا في رفض الظلم والوقوف مع الحق وإدانة الباطل .

اخرى
منذ 4 سنوات
531

هوّ عليّ هيّن

بقلم: كاردينيا ياس رددها... لتطمئن روحك ويعمّ السلام بارجاء نفسكَ المتعبة وترفرف اجنحة الأمل والتفاؤل فوقَ كل الأمنيات... لتلوّح لكَ حاجاتكَ: أنا هنا، فقط أرفع كفّ الدعاء.

الخواطر
منذ 5 سنوات
1659

ولادة...

متى ما أردتَ أن تولد من جديد، الأمر بيدك... نعم بيدك، فَضغوطات الحياة توفر لكَ على الدوام مخاضاً لتولد بحلة أجمل... و قلبٍ أطهر وفكرٍ ارجح... كن مُمتناً لمن يوفر لكَ سُبل الولادة الميمونة، شاكراً لهُ بقلبك و لسانكَ... متعلقاً بِعُرى التوكل عليه... بحروف: بِكَ يالله بِكَ ياالله بِكَ يالله.

اخرى
منذ 4 سنوات
684

لقاء مع الحبيبة

بقلم: آمال كاظم الفتلاوي وجهه يتّسم بالبشر والسرور، أكثر من كل يوم... كان على موعد مع حبيبته التي انتظرها وانتظرته على شوق... لم ينم ليلته لسروره بها... سامر نجوم الليل... أحصاها... ترجّى منها الأفول، فموعد الصبح بعيدًا عن مناه... الانتظار طويل وإن كان لساعات... تسارعت دقات قلبه وهو ينتظر انبلاج الصباح... تراتيل صلاة الليل لم تهدأ لوعة انتظاره... رسم قرآن الفجر الذي كان حليفه، صورة ذلك اللقاء المرتقب فكانت آية (((مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)) الأحزاب: 23. تنفس الصعداء حينها، واطمأن لهذا المصير... ودّع والده الذي أنهكه المرض وفراق ولده الحبيب الدائم... طبع قبلة على يده المتعبة من عذابات السنين... كانت قبلة غريبة من نوع خاص تمازجت فيها نكهة الوداع الأخير مع شذا حنو الأب العطوف، شم فيها مازن عطر سنوات عمره كلها، تراءت له صور اليوم الأول له في المدرسة التي رافقه فيها والده كانت يده قوية وغضة... وتذكر كيف كان يحمله ويلعب معه ويصحبه إلى الأماكن التي يرتادها... كيف كانت هذه اليد تلطم على الإمام الحسين (عليه السلام)... وكيف كانت تطبخ طعام العزاء لمصابه... وكيف كانت تمسح عن عيونه دمعات الأحزان وتبدلها بابتسامات الفرح والسرور... إنها يد أبي (تمتم مازن)، تلك اليد الحانية التي لم تمتد إلى الخيانة وتصافح يد الجبناء.. يد لم تعرف إلا أن تصافح الأيادي الكريمة التي طهرها طيب المولد... يد والدي أنها نعمة السماء... انتهت إجازته وها هو يعود إلى سواتر الطفّ ليخط عليها بعضًا من دروس عابس وزهير... كان قلبه يسابق السيارة، فهو يجلس على جمر الشوق مع موعده... وصل إلى هناك وكانت معارك التحرير قائمة والانتصارات تتوالى وهي تبشر بالخير والأمل لهذا البلد المنهك من جراحاته... سكون رهيب يخيّم على المدينة المهجورة... كل شيء فيها موحش من الأرض إلى الجدران التي تحكي قصة العدوان الأليمة، حتى الفضاء يعبق برائحة الخراب والدمار... وككل المدن التي يستعدون لتحريرها، بدأ أبطال الجهد الهندسي بالمسح الميداني لهذه المدينة التي جعلها الدواعش الأنجاس مزرعة للعبوات والألغام... تقدم السيد مازن شبّر ليفكك ويبطل مفعول معظم العبوات، فهو بارع في ذلك، فقد فكّك آلاف العبوات منذ بدء العمليات... نظر السيد مازن إلى الأرض التي خلت إلا من الجدب، خُيّل إليه أن كل ذرة من ترابها تحكي له قصتها وتشتكي إليه ما شهدته من أفعال الأنجاس... كان يرفق بها وهو يدوس بأقدامه عليها ليطهرها... وجع عشق الأرض أكثر ألمًا، وأقسى من الوأد.. يده الكريمة تحنو عليها وهي تقلب ترابها لتزيل عنها مِغرز الغدر الذي أوجع العراق أيما وجع... قارب الأبطال على الانتهاء من عملهم المقدس، ولم يتبق إلا مبنى تابع لوزارة الإسكان والأعمار، مكون من ثلاثة طوابق تم تلغيمها... عليهم معالجته... تقدم الأبطال لتطهير المبنى، وأتموا تفكيك عبوات الطابق الأول والطابق الثاني، وبقي الطابق الثالث الذي تقدم إليه بطلنا الذي قادته أقدامه إليه بحذر، فبحكم خبرته عليه أن يحسب لكل شيء غير متوقع حسابًا... أحس بأنفاس غريبة تعبق بالمكان... أنفاس ليست مألوفة تزفر بشدة وبغيض تنفث معها سموم الحقد والظلام... ها هو يشعر بقربها... تسلل إلى صدره شعور غريب لم يعهده من قبل... فجأة ظهر أمامه وحش آدمي يرتدي حزامًا ناسفًا مغبرّ الشعر أشعثه... وجهه يحمل قبح الشياطين، نعم هذه صفاتهم... وهذا أحدهم يقف أمامه بكل ما تحمله كلمة القبح من معنى، ملأ المكان بسواد وجوده... أمسك بزِرّ التفجير ليضغط عليه، لم يمهله بطلنا الفرصة لإلحاق الأذى بمجموعته، ألقى نفسه على هذا المسخ ليعلن أنها آخر عبوة سيعالجها في حياته، وأن روحه آخر ما تبقى لديه ليفتدى بها إخوته والوطن... دوى انفجار رهيب تناثرت أشلاؤهما سوية، لكن كانت أنوار القداسة تلملم ما تناثر من جسد سيد من ذرية الرسول (صلى الله عليه وآله) وتزفّها إلى الجنان بكل إجلال، لتستقبلها أمه الزهراء (عليها السلام)... كانت هي الحبيبة التي تنتظره على أبواب الجنان، فما أروعه من موعد وما أجملها من حبيبة. تم تطهير المدينة ولملم الأبطال جراحاتهم وعزفوا من حزنهم على مازن ترنيمة حرصوا على تحفيظها لأولادهم... وأمام والده المفجوع الذي عجزت أقدامه عن حمله عند سماع الخبر، فأقعدته مشلولًا ينتظر اللحاق بابنه على أحر من الجمر.

اخرى
منذ 5 سنوات
1931

الإمامة روح الإسلام

بقلم: رضا الله غايتي لم يبعث الله تعالى رسولًا من رسله (عليهم السلام) إلا ومن أَولى أولوياته الدعوة إلى عبادة الله (جل وعلا) الواحد الأحد التي تسهم في الارتقاء بالبواطن البشرية وتحقيق العدالة الاجتماعية. قال تعالى: "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ" (النحل36) وقد شاءت حكمته (عز وجل) أن تُختم الأديان السماوية بدينٍ ذي محتوى رصين، ومنطقٍ متين، تخضع له كل الأديان السماوية المحرفة، وينتصر على جميع الأفكار الأرضية المنحرفة. دينٌ به لا يُعبد على الأرض سوى الله الواحد، ذلك هو دين الإسلام الخالد، إذ قال: "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله" (التوبة33، الفتح28، الصف9) وبذا كان دين الإسلام علةً لتحقيق حلم جميع الأنبياء والأولياء (عليهم السلام). ومن المعلوم أن العلة في حال تمامها -أي تحققها بجميع أجزائها (المقتضي واجتماع الشرائط وارتفاع الموانع)- لا يمكن أن ينفك عنها المعلول أبدًا، فإن تحققت تحقق وإلا فلا. وقد أجمع مفسرو الإمامية أن دين الإسلام لم يكمل ولم يرضَ الله تعالى به دينًا إلا بعد تنصيب الإمام علي (عليه السلام) في غدير خم، وقد وافق هذا التفسير روايات صحيحة عند أهل السنة منها ما نقله (الحافظ «أبو نعيم الأصفهاني» في كتاب «ما نزل من القرآن بحق علي(عليه السلام)» عن «أبي سعيد الخدري» وهو صحابي معروف -أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) أعطى في «يوم غدير خم» عليًّا منصب الولاية، وأنّ الناس في ذلك اليوم لم يكادوا ليتفرقوا حتى نزلت آية "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا" فقال النّبي (صلى الله عليه وآله) في تلك اللحظة: «الله أكبر على إِكمال الدين وإِتمام النعمة ورضى الرب برسالتي وبالولاية لعلي(عليه السلام) من بعدي» ثمّ قال (صلى الله عليه وآله): «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله» (1). كما روى «الخطيب البغدادي» في «تاريخه» عن «أبي هريرة» عن النّبي (صلى الله عليه وآله): أنّ آية "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ...." نزلت عقيب حادثة «غدير خم» والعهد بالولاية لعلي (عليه السلام) وقول عمر بن الخطاب: «بخ بخ لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم» (2). ولقد حاول المخالفون جهدهم قصر كلمة المولى في الحديث أعلاه على معنى المحب فقط؛ لانتزاع مقام الإمامة منه (عليه السلام). ويا لها من محاولةٍ بائسة هي أشبه بمحاولة حجب ضوء الشمس بغربال! فبالرغم من أنّ كلمة (المولى) مشترك لفظي إلا أنّ القرائن الحالية والمقالية في الواقعة تؤكد أنّ المعنى المراد هو الأولى بالتصرف؛ ولذا وجب على من يخالف ذلك أن يثبت بالدليل صحة دعواه، ودونه خرط القتاد. وعليه فقد أصبح الإسلام علةً تامة بجزأين أساسيين هما: البعثة النبوية ويوم الغدير. فلولا وجود البعثة لما كان الإسلام، ولولا يوم الغدير لما كَمُل، ولكان علة ناقصة. والعلة الناقصة لا يلزم منها وجود المعلول وهو إظهار دين الإسلام على الدين كله. من هنا يمكننا فهم جعله سبحانه عدم تبليغ الإمامة بمنزلة عدم تبليغ الرسالة من رأس. إذ قال سبحانه: "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ" (المائدة67) أضف إلى ذلك أن الإمامة هي الامتداد الشرعي للنبوة؛ فهي التي تصون الدين من أن تطاله يد التحريف، وتذود عنه، وتفنّد كل ما ينسب إليه من أباطيل وتزييف، بل وأن من سيظهر الدين على يديه إنما هو إمامٌ (عجل الله فرجه الشريف). لكل ذلك: إن كان الإسلام قالبًا فقلبه الغدير، وإن كان جسدًا فروحه الغدير... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)الغدير العلامة الأميني ص232 نقلًا عن الأمثل ج3 ص588 (2) المصدر السابق ص233

اخرى
منذ 5 سنوات
893

وحيدة...

بقلم: ريحانة المهدي أنا نسمة... ولقاء جعلني الله تعالى، وبي يستجاب الدعاء... وقتي ثمين، ولي عطر جميل، ولكن ليس لي أحباب وأصدقاء كثيرون! لأن القليل يستجيبون للنداء، في أرجاء السماء، حينما يحين اللقاء... لي أربع أخوات... لسن غنيات كغناي... ولي قصر كبير، وجميل، فيه أزهار وبساتين... عكس أخواتي فلهن قصورهن، لكن ليس كقصري... وليس لديهن كخيري... ولكن لديهن أصدقاء وأحباب كثيرون! يزورونهن باستمرار، بدون ملل وانقطاع... وأنا حين يأتي موعد زيارتي، لا يرغب بي ولا يأتي لزيارتي سوى القليل ممّن أحبوني وتعلقوا بي… ولا يستطيعون هجراني... كأني نسمة باردة... تلامس قلوبهم الصافية وقت اللقاء هجرني الأقرباء وأغلب الأصدقاء فهم في شغل لزيارة أخواتي كل يوم... لماذا هذا الهجران والابتعاد؟! أنا الخير الكثير... أنا الرزق الوفير... أنا الجنة العالية والقطوف الدانية رغم غناي وخيري الكثير المبذول للجميع، بدون استثناء... تفرق عني الأهل والأحباب... تملّكني الحزن على أناس حتى تناسوني، ولا ذكرى لي إلّا في شهر رمضان… لأن الكل مستيقظون ...فيأتون لي، ويزوروني في هذه الأيام، ولهذا أحب أن يطل شهر رمضان دومًا، وأنتظره بشوق، فهو سبب سعادتي بزيارة بعض الأصدقاء… البعض يزورني مرة في الأسبوع... والبعض لا أراهم، فاشتاق لهم، ولكنهم تناسوا وجودي… ولم أعد موجودة في قاموس حياتهم، ولا لي حبٌّ في قلوبهم… البعض يأتيني وبه خمول وبدون رغبة واشتياق، ليقضي معي دقائق معدودات، يطلب بهن رضا رب السماء… بات الحزن الكثير يؤذيني؛ لهجرانهم لي... ماذا أفعل؟ لم أقصر معهم، فأنا كثيرة العطاء... البعض ينصح بي الأصدقاء، ولكن لم يرغبوا بي رغم الخير والعطاء… فلا حياة لمن تنادي، فهم يبتعدون عني أكثر وأكثر منشغلون بأمور دنيوية، يسهرون يضيعون الوقت الثمين هباء، بدون فائدة ودعاء، ولا صلاة ليل ومناجاة، وعندما يحين دوري للّقاء معهم... ينامون! ويتركونني وحيدة... لماذا يحرمونني أنسهم؟ لماذا ينسوني؟ فأنا من يبدأ الفجر الجميل بندائي! أنا أُنس المؤمنين... أنا صلاة الفجر، أنا صلاة الفجر حلوة اللقاء، يحلو بي بداية الصباح، وترتيل آيات الله فقد أُوصيَ بي في القرآن... أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل... وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا

اخرى
منذ 5 سنوات
2466

وريث العلمِ والتُقى الإمام محمد الجواد (عليه السلام)

بقلم: أم باقر الربيعي بيتٌ ليس كسائر البيوت، بيتٌ هو للشرفِ والعلم ِوالقداسةِ والطهارةِ عنوان، بيتٌ أذِنَ اللهُ أن يُرفعَ ويُذكرَ فيه اسمه، لمع نجمُ الامامةِ في فضائه فزاده علواً ورفعةً، بلغ الإمام محمد الجواد ( عليه السلام) مُنذ صغره من العلمِ والحكمةِ والادبِ وكمالِ العقل؛ بحيث لم يساوه أحدٌ من مشايخ زمانه ولا علماء دهره، والقاعدة العقلية تحكم بعدم جواز تقديم المفضول على الفاضلِ. وكيف لا يُقدَّم من استقى العلمَ والمعرفةَ من آبائه وأجداده (صلوات الله عليهم أجمعين)، الذين كان علمهم من منبعِ النبوة وارتوت شجرته من معينها المعطاء، ففي التاسعةِ من عمره الشريف أراد أعداء الدين إفحام الإمام (عليه السلام) ببعض الأسئلة لبيان عجزهِ عن الإجابةِ، فاتفق علماء ومشايخ زمانه على أن يسأله يحيى بن أكثم قاضي القضاة في زمانه... فأقبل عليه يحيى وقال: أتأذن لي جُعلتُ فداك في مسألة؟ فقال (عليه السلام): سَل ما شئت. فقال يحيى: ما تقول جُعلتُ فداك في مُحرمٍ قتلَ صيدًا؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): في حِلٍ أو حَرم؟ عالمًا كان المُحرم أو جاهلاً؟ قتله عمدًا أو خطأ؟ حُرًّا كان المُحرمُ أو عبداً؟ صغيرًا كان أو كبيرًا؟ مُبتدِئاً كان بالقتلِ أو معيدًا؟ من ذواتِ الطيرِ كان الصيد أم غيرها؟ من صغارِ الصيدِ أم من كبارها؟ مُصرًّا كان على ما فعل أو نادمًا؟ ليلًا كان قتله الصيدِ أم نهارًا؟ مُحرِمًا كان بالعمرةِ إذ قتله أو بالحجِ كان مُحرِمًا؟ فتحير يحيى بن أكثم وتلجلج لسانه وبان عجزه وقد لاحظ جميع من في المجلس ذلك" (1). هذا جانب من جوانبِ علمهِ الوضاء الذي لا زال يزين صفحات التأريخ على مر العصور والأجيال، قال تعالى: "يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)"(2). عاصر الإمام الجواد (عليه السلام) اثنين من خلفاء بني العباس المأمون شطرًا من حياته ثم المعتصم، الذي مارسَ نفس سياسة المأمون، فاستقدمَ الإمام الجواد (عليه السلام) من ديارِ جدهِ رسول الله (صلى اللّه عليه وآله)، ليُبقي الإمام أمام عينه خوفًا من التفاف الناس حوله ووثوبه للخلافة، كما فعل المأمون بأبيه الإمام الرضا (عليه السلام)، فلم يرقب بنو العباس في آل رسول اللّه إلّاً ولا ذمةً، فحقدًا وحسدًا قام المعتصم بدس السم للإمام الجواد (عليه السلام) عن طريق زوجته أم الفضل، فتقطعت أحشاؤه من شدةِ السم، فقضى نحبه وهو في الخامسة والعشرين من العمرِ، وفاضت روحه الطاهرة تشكو إلى خالقها غصص الظلم والجور من حكامِ بني العباس... فسلامٌ عليه يومَ ولِدَ ويومَ استُشهدَ ويومَ يُبعثُ حيًّا. قال الشاعر في رثاء الإمام محمد الجواد (عليه السلام) لا تسألن عني ودع إيذائي *** اشكو لمقتل تاسع الامناءِ اشكو على ظلم القتيل بداره *** لمَ لا تسيل على الجواد دمائي وسقته أم الفضل من كأس الردى *** حتى تراه مقطع الاحشاءِ كم اسرفوا في قتل آل محمد *** فكأنهم من أبغض الأعداءِ ذبحٌ وتشريدٌ وسجنٌ مظلمٌ *** ومغسَّل وُريْ بغير رداءِ وسقاه معتصم الضلال لكي يرى *** شمس الهداة بتربة غبراءِ خمس وعشرون قضاها حسرة *** بين الطغاة كدولة اللعناءِ ___________________ 1- سيرة الائمة الاثني عشر للشيخ جعفر السبحاني :ص 122. 2- سورة التوبة: آية 32.

اخرى
منذ 5 سنوات
3105

إنسان على هيئة الأولياء

بقلم: منتظر الحسيني العشق وحده لا يكفي، أو ربما هذا العشق غير حقيقي... أو هو حقيقي ولكن أصابَهُ فايروس فجعله لا يعمل، أو يعمل ببطء، مثل الذي يحب الله تعالى ولكنه لا يصلي أو لا يأتي الصلاة في وقتها، ومثل الذين راسلوا الإمام الحسين (عليه السلام) للثورة على يزيد ولكنهم ثاروا على الإمام (عليه السلام) وقتلوه، وبقتله يبكون عليه (قلوبهم معك وسيوفهم عليك) فهذا الحب قد تلوث بالدنيا وملذاتها فصار لا يستجيب لمعشوقه. في طريق زوار الإمام الحسين (عليه السلام) وفي المنام وكأنها أيام الزيارة الأربعينية وأثناء سيري رأيت زائرًا وعمره تقريبًا ثلاثين سنة، وعلى مسافة مني... أنا لا أعرفه ولكن روحي تجذبني نحوه، وملامحه ليست غريبة عليَّ، لكنَّ ذاكرتي تصرّ وتقول لم التقط صورة له من قبل، فناديته باسم أخ مصطفى، مصطفى… وأكثر من مرة لكنّه لم يلتفت لي وفي هذه الأثناء شغلني عنه أحد الزائرين بالكلام... ولكن مصطفى صار في مسافةٍ بعيدة فهرولت نحوه وأنا أناديه بهذا الاسم إلى أن وصلت إليه وتقربت نحوه وجهًا لوجه، وقلت له: كيف حالك أخ مصطفى؛ هل عرفتني؟ لكنه صار ينظر إلي بعتب مصحوبًا بحب وحنان ولم يتكلم كلمة واحدة... فانهارت روحي، فلفت نظره إلى الأرض على كيس فأخذته ووجدت فيه حَبَّة واحدة من الكرزات فمضغتها.. ولكن مصطفى القريب عليَّ صارت رؤيته غواش وغير واضحه فبكيت... وفي هذه الأثناء ناديته بحرقة: إني أحب الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)... أبلغه مني السلام، ولا أدري لماذا قلت له: هذا الكلام، فاستيقظتُ من النوم وكانت الشمس قد أشرقت منذ عشر دقائق وفاتتني صلاة الصبح، فبكيت وحزنت مما رأيت في المنام... لكن (مصطفى) الذي رأيته في المنام صاحب الروح الإيمانية الجاذبة الزاهد عن الدنيا صاحب الوجه الجميل، لا باسمًا ولا عابسًا، وكنت أرى بأنّ حركته وسيره ونظراته والتفاتته كل شيء فيه هو في سبيل الله وعبادة لله... و لكن نظراته لي في الرؤية وكأنه يقول لي: يا أخي، إن الذي يحب الله ويحب الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) يجب أن لا يتعلق بالدنيا ولا ينشغل بأهوائها، إن الذي يريد أن يكون ممهدًا منتظرًا للإمام (عجل الله تعالى فرجه) يجب أن يعمل، أن يفكر، أن يجتهد، أن يعبد الله آناء الليل، ويعمل ويسعى في سبيل الله نهارًا، ويجب أن يكون حركًا فطنًا... لا أن تبقى مسطحًا على فراشك إلى الحادية عشرة صباحًا، ولا أن تلهوا بالهاتف إلى الواحدة ليلًا، متنقلًا بين موقع وموقع، ومنشغلًا بالألعاب الإلكترونية، أو تنشغل بوسائل أخرى ويضيع وقتك بلا فائدة. إن الذي يريد أن يكون جنديًا وممهدًا للإمام (عجل الله تعالى فرجه) يجب أن يحرك كل طاقاته وجهوده للعمل في سبيل نهضة الإمام، وتعريف الناس بالإمام، وبدولة الإمام، وأن يثقف الناس ويصلحها قدر استطاعته، ويرفض الظلم ويعين المظلوم ويساعد الناس، وأن يهتم بشؤون الأمة الإسلامية وأوضاعها السياسية والدينية، وأن يحاول يرد كل شبهة على الدين، ويسعى أن يكون مجاهدًا ثقافيًا أمام كل هجمات الحرب الناعمة على الدين، وعلى المجتمع الإسلامي، وعلى علماء الدين، ويدافع عن مراجع الدين وقادة العالم الإسلامي وأن يحضر في كل الجبهات روحيًا وثقافيًا.

القصص
منذ 5 سنوات
2716