وإن حرفان تجرأ بهما ليكونا حرقًا هدمًا كسرًا إسقاطًا سمًا وكل ما جرى ويجري وسيجري إلى ظهور القائم (عجل الله (تعالى) فرجه الشريف) من ظلم وغصب واعتداء سلبًا لحقوق السماء وسحقًا لكرامة أهل الأرض ليكونوا عبيدًا لملذات الدنيا وتتلاطم أمواج الفتن سرقة دين قبل الدينار واغتصاب شريعة قبل عفة النساء ووأد الطفولة وفطم البراءة استحسان القبيح واستساغة الشنيعة أمر بالمنكر ونهي عن المعروف ولكن... يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين
اخرىوإن حرفان تجرأ بهما ليكونا حرقًا هدمًا كسرًا إسقاطًا سمًا وكل ما جرى ويجري وسيجري إلى ظهور القائم (عجل الله (تعالى) فرجه الشريف) من ظلم وغصب واعتداء سلبًا لحقوق السماء وسحقًا لكرامة أهل الأرض ليكونوا عبيدًا لملذات الدنيا وتتلاطم أمواج الفتن سرقة دين قبل الدينار واغتصاب شريعة قبل عفة النساء ووأد الطفولة وفطم البراءة استحسان القبيح واستساغة الشنيعة أمر بالمنكر ونهي عن المعروف ولكن... يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين
الخواطربقلم: دعاء احمد في صباحٍ حزينٍ ومؤلم، والغيومُ السوداءُ تملأ السماء وتحجُبُ أشعةَ الشمس، واللونُ الأسودُ يُغطّي جُدرانَ المدينة في كُلِّ ناحية، وللرياح دويٌّ كصياحِ النوائح، وصوتُ خطواتِ المُعزّين، ورائحةُ الجمرِ المُنبعثة من المواكبِ الخدمية التي تستعدُّ لاستقبالِ الزائرين، وصوتٌ يُعبِّئُ شوارعَ المدينةِ، تلمسُ منه العشقَ الصادق والولاء: "أهلا بزوار أبي عبد الله".. ما هي إلا لحظاتٌ حتى ابتلّتِ الأرضُ بدموعِ السماء حزنًا على سيّدِ الساجدين وزين العابدين (عليه السلام)، كان ذلك في الخامسِ والعشرين من مُحرّم الحرام، والكونُ ينعى فقيدَه وأيّ فقيدٍ؟ إمامٌ معصومٌ من سُلالةٍ طاهرةٍ مُطهَّرةٍ، اهتزّتْ لمصابه السماءُ والأرض، وانثلمت ثلمةٌ في الإسلام، قضى نحبه بأبي وأمّي مسمومًا على أيدي الطغاة والظلمة.. خطبٌ به قد هـُدَّ ركنُ الرشادْ ... حين قضى بالسمِّ زينُ العبادْ خرجَ سجّاد من منزله مُرتديًا السواد حزنًا على مصائب آلِ مُحمّدٍ بعدَ أنْ أودعَ قُبلةً على جبينِ والدته وانحنى يُقبِّلُ يدها.. أسألُكِ الدُعاء يا أُمّاه.. فأجابت: بيّضَ اللهُ وجهَك عندَ السيّدةِ الزهراء (عليها السلام) يومَ القيامة، يا بُني توكّلْ على اللهِ وتوسّلْ بصاحبِ الزمانِ، واتجه نحوَ قبرِ الحُسين (عليه السلام) لتعزيته على مُصابِ ولدِه زين العابدين، ثم اتجه إلى موكبِ شبابِ علي الأكبر لخدمةِ الزائرين.. قام بكُلِّ ما أوصته به... ما هي إلا ساعاتٌ حتى ارتفعَ أذانُ الظهرِ فشرعوا بالوضوء والصلاة، وبعد ذلك اتجه الموكبُ شبابًا وشيبةً لضريحِ أبي عبد الله (عليه السلام)... هتفَ الحاجُّ علي: ولدي سجّاد انطلقْ بموكبِ العزاء، واحملْ لافتةَ الردّة، وبدأتِ الأصواتُ تعلو والصدورُ تُضرَبُ ودموعُ المُعزّين تهطل.. وبعدَ تلك المسيرةِ من قبرِ أبي الفضل العباس إلى قبرِ أبي عبدِ الله الحُسين (عليهما السلام)، وبعدَ أنِ انتهتْ مراسمُ العزاء توجّهَ سجّاد إلى مذبحِ الإمامِ الحُسين وتوسّلَ بالسيّدةِ الزهراء روحي فداها، وسالتْ دموعُه لتحقيقِ أُمنيته التي بقيتْ في صدره ولم يستطِعِ البوحَ بها؛ لأنّ سجّاد كان المُعيلَ الوحيدَ لوالدته المُعاقة التي أقعدها المرضُ على كُرسي مُتحركٍ، ولكنّه لم يعجزْ يومًا عن خدمتِها فكانَ نِعمَ الولدُ البار التقي. وعندما خرج من الضريحِ متوجهًا إلى بابِ الخروج رَبَتَ على كتفِه صديقُه تقي: هيا بنا لنذهبَ قليلًا ونتجولَ في شوارعِ المدينة، فاعتذر سجّادُ عن تلبيةِ دعوتِه ... قال تقي: ولكن لماذا؟ قال سجّاد: اليومُ هو يومُ مُصيبةٍ وليس من اللائق أنْ نتجوّلَ من أجلِ أنْ نُريحَ أنفسَنا، وثانيًا والدتي بانتظاري فعليَّ أنْ أذهبَ إليها لا أُريدُ تركَها بمُفردها.. قال تقي: أوَما زلتَ تهرعُ كالطفلِ في أحضانِ والدتِك أم تخشى التوبيخ يا صديق، وضحكَ باستهزاء.. ثم أكملَ يقول: قبل أنْ أخرجَ إلى العزاء ملأتُ البيتَ بصوتي عندما قالتْ لي أمّي: لا تتأخرْ، أخشى عليك.. هل رأتني طفلًا صغيرًا لتقول لي هذا؟! آهٍ كُلُّ يومٍ صراخٌ وخناقٌ بسبب تدخلها.. قال سجاد: وهل من الأدبِ يا صديقي أنْ ترفعَ صوتَك أمامَ أمِّك؟! أهذا ما تعلّمْتَه؟! تخرجُ إلى عزاءِ الحُسين (عليه السلام)، وأنت ترفعُ صوتَك عليها! أين تأثيره عليك إذن؟ ثم أكمل: اسمعْ يا صديقي، إذا أردتَ أنْ ينظرَ إليك اللهُ (تعالى) ثم إمامك (عجّل الله فرجه) فعليك ببِرِّ والدتِك... وعندما ترفعُ صوتك عليها فهذا من العقوق.. قال تقي: أووه بدأنا بالمحاضرة.. قال سجّاد: ليست محاضرةً يا صديقي، ورَبَتَ على كتفِ صديقِه تقي، وأكملا مسيرهما ثم تابعَ سجّاد: أتعلمُ أيَّ إمامٍ كُنتَ في عزائه اليوم؟ وكيفَ كان خُلُقُه مع أُمّه؟! سأتلو على مسامعك يا صديقي هذه الرواية فاستمع جيدًا: عَهِدَ الإمامُ الحُسينُ بعد موتِ والدةِ الإمامِ زين العابدين -وهو لا يزالُ صغيرًا- إلى سيّدةٍ من أمّهاتِ أولاده بالقيامِ بحضانةِ ولده زين العابدين ورضاعته ورعايته، وقد ذكر الرواةُ أنّه امتنعَ أنْ يؤاكلها فلامَهُ الناسُ، وأخذوا يسألونه بإلحاحٍ قائلين: أنتَ أبرُّ الناس، وأوصلُهم رحمًا، فلماذا لا تؤاكلُ أمّك؟ فأجابهم: أخشى أنْ تسبقَ يدي إلى ما سبقتْ عينُها إليها فأكونَ قد عققتُها، وهذا ما ذكرَه الشيخُ الصدوقُ (رحمه الله) في كتابِ الخصال ص 518، فإذا كان هذا أدبُ الإمامِ مع مُربيته، فمن نحنُ حتى نرفعَ أصواتنا يا تقي؟ سكتَ تقي برهةً ثم قال: نعم أيُّها المُهذبُ البارّ، سأذهبُ الآن وألتقيكَ فيما بعد. قال سجّاد: حسنًا، ولكن سأدعوك اليومَ عندي إلى العشاء ثوابًا للإمام زين العابدين (عليه السلام) في البيت فأرجو أنْ تقبلَ دعوتي يا تقي. قال: مؤكد سآتي حُبًّا وكرامةً للإمام زين العابدين (عليه السلام). قال سجّاد: حسنًا يا تقي، جعلَ اللهُ لك نصيبًا من اسمِك، وجعلك من الأتقياء الصالحين، ثم قال بابتسامة: سأصنعُ لك طعامًا بيدي ما رأيك؟ ابتسم تقي وقال: أعانني الله تعالى.. وما إنْ وصلا ضريح أبي الفضل العباس حتى استأذنَ تقي صديقَه ورحلَ، ووقفَ سجّاد أمامَ ضريحِ أبي الفضل العباس مُسلِّمًا عليه: "السلامُ عليك يا أبا الفضل العباس وعلى أختك الحوراء زينب، بنفسي أنت يا مولاي من صابرٍ مُحتسب" ثم أكمل: "يا كاشفَ الكربِ عن وجهِ أخيك الحسين، اكشف الكرب عن وجه أخي تقي، يا أبا الفضل.. تقي شابٌ شهمٌ وشجاعٌ ونقيُ القلب.. أسألُك بحقِّ أخيك الحسين أنْ تكفلَ قلبَه وتجعلَه من الصالحين"، ثم انحنى وسلَّمَ على الإمامِ مرةً أخرى وأكمل مسيره باتجاه البيت. سجاد وتقي جاران وصديقان منذُ الطفولة، فقدا والديهما منذُ الصغر، وافترقا في مرحلة الإعدادية إلا أنَّ تقي أخذه بُهرجُ الدنيا الخدّاع وتغيّرَ كثيرًا وساءتْ أوضاعه وخصوصًا أخلاقه في البيت مع والدته وأخواته إلا مع صديقه سجّاد فقد كان يكنُّ له كُلَّ الاحترام والتقدير، ودائمًا كان يقول له: ستبقى نِعمَ الصديق، وخير قدوةٍ يا سجّاد. أما سجّاد فمنذُ طفولته تحمّلَ المسؤوليةَ وخصوصًا أنّ والدتَه لا تستطيعُ التحرُّكَ بسبب المرض، ولكن رغم ذلك كانتْ تحرصُ على تعليمِه وتهذيبه بأخلاقِ أهلِ البيت (عليهم السلام) وكانتْ بين الحينِ والآخر تشرحُ له رسالةَ الحقوق لزين العابدين (عليه السلام)، وكانتْ تقولُ له: إنّه دستورُ الحياة وما إن أنهى دراستَه الأكاديمية حتى سعى إلى أنْ يكون حافظًا للقرآن وحقق ما تمناه. عادَ سجّادُ إلى البيت وسلَّمَ على والدتِه بكُلِّ حُبٍ واحترامٍ وقال: بعد إذنكِ أيّتُها الحبيبةُ فقد دعوتُ صديقي إلى العشاء هذا المساء.. فقالت له: البيتُ بيتُك يا بُني.. ثم أكملت بابتسامةٍ: فدتْكَ روحي أراكَ مهمومًا... قال: بدأتُ أخافُ على تقي.. ادعي له يا أُمّي أنْ يُصلِحَ اللهُ أمره.. قالت: اللهم اصلحْ شأنَه كُلَّه إنّك سميعٌ بصيرٌ بحقِّ محمدٍ والِ محمد. ثم ذهب سجّاد إلى المطبخ وبدأ بتحضير الطعام، وما إنْ أتمَّ حتى دخلَ إلى غرفته وأحضر بعضَ الكتبِ إلى غرفةِ الضيوف.. طرقَ تقيُّ البابَ فتحَ له سجّاد الباب وقال مازحًا: أتيتَ قبلَ الموعدِ! ضحك تقيُّ وقال: مُتشوِّقًا إلى طعامك أيُّها المُهذب.. ارتفعَ أذانُ المغرب ثم توجها إلى الصلاةِ، وبعدَ الصلاةِ توجها إلى المائدة وبعد ذلك جلسا في غرفةِ الضيوف ثم بدأ سجاد يقول: اليومُ هو يومُ استشهادِ الإمامِ سيّد الساجدين، ما رأيك أن نقفَ على رحابِه قليلًا؟ قال تقي: يسرُّني ذلك... سحب سجّادُ كتابَ رسالةِ الحقوق للإمامِ زينِ العابدين ثم بدأ يقول: لا يخفى علينا يا صديقي أنّ الإمامَ هو ابنُ من، وولادته وسيرته ولو على النحو القليل، لكن سنقفُ على محطاتٍ من فترةِ إمامته الشريفة. يستمعُ تقي بكُلِّ شوقٍ؛ لأنّه كان يُحِبُّ كلامَ سجاد كثيرًا، أكملَ سجّادُ: بعدَ أنْ مرَّتْ أيام الطفِّ وعادَ إمامُنا إلى مدينةِ جدِّه ناعيًا أبيه، وأخذَ على عاتقِه إكمال رسالةِ الطف استخدمَ البُكاءَ سلاحًا يهزُّ به عروشَ الظالمين؛ ليُبيّنَ للناسِ ظلامةَ أبيه وأهلِ بيتِه، بل استخدمَ الإمامُ نشاطًا فكريًا من نوعٍ آخر وهو أسلوبُ الدعاء، ما يُخلِّصُ الناسَ من عبوديةِ المخلوق وذُلِّ السُلطانِ والشهواتِ إلى عبوديةِ الخالق وتحريرِ النفسِ وتزكيتِها، وفي فترةِ إمامتِه الشريفة يا تقي شهدتِ الأمّة ازدهارًا فكريًا واسعًا لم يشملْ فقط المدينة بل المُدنَ الإسلامية جمعاء. وكانت لهذه الحركة نتائجُ علميةٌ وفكريةٌ تخرّج منها العديد من المُفكرين والفقهاء، وكان من نتائج هذه الحركة الفكرية هي رسالة الحقوق التي هي دستورُ الحياةِ الشاملِ والمنهجِ القويم. وبإمكانِك مُتابعةَ الكتبِ التي تنقلُ حياةَ الإمامِ والتعرُّف على فترةِ إمامتِه الشريفة، أمّا هذا الكتابُ وأشار إلى رسالةِ الحقوق فكان أحد نتائجِ ثورةِ الإمامِ الفكرية وهي رسالةٌ يفيضُ بها الوجدانُ روعةً وجلالًا، ويمتلأ بها القلبُ طمأنينةً وإيمانًا وهي مُقوِّمةٌ للأخلاق ومُقدِّرةٌ القيم.. فهي رسالةٌ تهدي للتي هي أقوم يُشيرُ فيها الإمامُ إلى الحقوقِ المُرتبطةِ بالإنسان وأولها حقُّ الله تعالى ثم يُفرِّعُ عليها حقوقَ الإنسانِ المفروضة من الله اتجاه الإنسان وتستطيعُ مُراجعةَ كتابِ شرحِ رسالةِ الحقوق للسيّدِ حسن القبانجي.. أما ما يُهمُني توضيحَه إليك يا صديقي هو حقُّ أمِّك.. فابتسم تقي مُطأطئًا رأسه وقال: كأنّي أعلمُ ما ترنو إليه.. قال سجّاد: نعم.. ثم تابع: فحقُّ أمك فان تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحد أحدا وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحدا أحدا . وأنها وقتك بسمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها وجميع جوارحها مستبشرة بذلك ، فرحة ، موابلة محتملة لما فيه مكروهها وألمها وثقلها وغمها حتى دفعتها عنك يد القدرة وأخرجتك إلى الأرض، فرضيت أن تشبع وتجوع هي وتكسوك وتعرى وترويك وتظمأ وتظلك وتضحى وتنعمك ببؤسها وتلذذك بالنوم بأرقها وكان بطنها لك وعاء ، وحجرها لك حواء وثديها لك سقاء ونفسها لك وقاء ، تباشر حر الدنيا وبردها لك ودونك ، فتشكرها على قدر ذلك، ولا تقدر عليه إلا بعون الله وتوفيقه. فاعلم يا صديقي أنّ مقامَ الأمِّ مُقدّسٌ وقد أشارَ القرآن الكريم إلى هذا وصرّحتْ به الأحاديثُ الشريفةُ وظفرتْ بعنايةٍ خاصة بتأكيدِ حقِّها وإفرادِها بالذكر.. فحقُّ الأُمِّ بلسانِ الإمامِ السجّاد (عليه السلام) يختصرُ عظمة الأُم وشموخ مقامها ويصوِّرُ عطاءها بأدقِّ تصويرٍ وتفصيلٍ.. والآن هل علمتَ حقوقَ المرأةِ العظيمةِ عليك التي كانتْ لك أبًا وأمًّا؟ قال تقي: نعم، أسألُ الله (تعالى) أنْ يُعينني على برِّها، سأعتذرُ إليها حالَ ما أعودُ.. شكرًا لك... ستبقى نِعمَ الصديق وخير قدوة يا سجّاد. ومرّتِ الأيام وكثُرتْ لقاءاتُ تقي بسجّادٍ وصلُحَ حالُ تقي كثيرًا، وحانتْ أيامُ زيارةِ الأربعين المُباركة فاتفقا على الذهاب إلى النجفِ الأشرف وأن يأتيا كربلاء سيرًا على الأقدام وأصرّت والدةُ سجّاد على الذهاب مع ولدِها قائلةً: أعلمُ أنّي أشقُّ عليك، ولكن هذه أُمنيتي.. فقال سجاد: بل على العكس، سأحملُكِ على ظهري إن أردتِ.. واتجهوا في صباحِ اليومِ التالي إلى النجف الأشرف، وذهبوا إلى زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) وأقاموا ليلةً في النجف ثم التحقوا بالمسيرةِ الحُسينيةِ المُباركة وأثناءَ المسيرِ ابتسمتْ والدةُ سجّاد: ما رأيُّك يا ولدي أنْ تُرتلَ لنا سورة مريم؛ فقد اشتقتُ إلى القرآن بصوتك.. قال تقي: يبدو أنّي لن أوفَّقَ لذلك سأعود إلى الموكب الذي أقمنا فيه يبدو أنّي نسيتُ هاتفي هناك.. قال سجّاد: حسنًا سنسبقُك في المسير، وبدأ سجّادُ يقرأ كهيعص.. حتى وصل إلى آية: "وبرًا بوالدتي ولم يجعلني جبارًا شقيًا" فدوّى انفجارٌ رهيبٌ وما هي إلا لحظاتٌ حتى عانقتْ روحُه السماءَ وتحقّقَ ما تمنّى عندَ قبرِ الحُسين (عليه السلام) والتحقَ بركبِ الشهداء مع والدتِه.. سمعَ تقيُّ الانفجارَ وهرعَ يركضُ وما إنْ وصل حتى رأى صديقَه مُضرّجًا بدمه والابتسامةُ تعلو مُحيّاه، عانقه وقال: السلامُ عليك يومَ ولِدْتَ ويومَ استُشهِدتَ ويومَ تُبعثُ حيًا.. ليتني كُنتُ معكم فأفوزَ فوزًا عظيمًا.
اخرىبقلم: شهد الورد في زاويةِ غرفتي جلستُ وأثنيتُ ركبتي، أغمضتُ عيني فرأيتُ أرضًا جرداء.. نعم، بها نهرٌ لكنّها صحراء... أدرتُ عيني يمينًا ويسارًا وكأنْ أصابَها البلاء... رأيتُ وحشًا بهيئةِ إنسانٍ يبتسمُ وبيده شيءٌ يرمي به إلى الهواء ثم يعودُ إلى كفِّه! أمعنتُ النظر، عجبًا! ماذا رأيتُ؟ رأيتُ أقراطًا وخاتمًا ملطخةً بالدماء! أعرفُ هذين الشيئين جيّدًا... فالأقراطُ من خزائنِ الجنة، والخاتمُ من إرثِ الأنبياء.. أغمضتُ عيني بشِدّةٍ علّي أنسى ما رأيت... لكن كابوس الأمس قد عادَ... فتلك الفتاةُ الصغيرةُ التي بلغتْ من الكِبَرِ عتيًا! نعم، هي صغيرةٌ لكن ملامحَ الحُزنِ فيها أكبر! جاثية على رُكبتيها تبكي على القرآن المُبعثر أمسكتْ بيدِ جُثّةٍ، فاصطبغت يدُها باللونِ الأحمر عجبًا هل هذا حقًا يحدثُ؟! هلِ السهامُ قد مزّقتْ هذا القرآن؟! لكن لا ينزفُ بل إنَّ نورَه قد أسفر.. اتكأتِ الفتاةُ العجوزُ على صخرةٍ كادت، بل إنَّ الصخر حقًا تفطَّر! أمن ثقلِ حملِ هذه الفتاة، أم أنّه لم يصبرْ على رؤيةِ النارِ في ثيابِ العترةِ تسعر؟
اخرىبقلم: زينب عباس صباح اليوم الثامن من محرم_عام ١٤٤٢ صباحٌ مكسورُ الضياء سماءٌ تعكسُ صورَ أجسادٍ مُمزّقةِ الأشلاء كُلٌّ قد أخذَ مكانَه من جنانِ الخُلد، عاليًا؛ بينما طُرِحَت أعضاؤهم.. على أرضِ الدُنيا، مُضرّجةً بالدماء... فأيٌّ منهم أقِفُ بمُحاذاةِ عطاياه؟ وأيٌّ أنوخُ عندَ أعتابِ سجاياه؟ بأيّ عينٍ أنظرُ إلى نورٍ امتزجَ بنورٍ؟ وإيثارٍ احتضنَ إباء؟ بأيّ أُذُنٍ، أُنصِتُ لحكايا العشق، وأهلهُ يتسابقون للذودِ عن إمامِ زمانِهم؟ بأيّ كفٍ أتلمّسُ رمضاءَ التضحية... لأُيمِّمَ روحي من ذلك الطهر؟ فنفسي لا تُطاوعُني.. لإتيانِ وضوءٍ بماءٍ مُنِعَ عن آلِ الحياة، وقطبِ رحاها! تُرفرِفُ روحي كطيرٍ مذبوحٍ، مع طيرِ الجنان وهو يُنازِعُ سهمَ المنون! تلّةٌ بارتفاعِ قامةِ النبوّةِ والإمامةِ... تنخفضُ تحت موطأِ سيّدةٍ جليلةٍ، لا تبين لها ملامح، لِتوصفَ بها؛ غيرَ أذيالِ سترٍ تَجرُّها بِخُطىً ذاتِ هيبةٍ علوية، فاطمية! عزيزُ الحَسَنِ، وعَزيزُ الحُسين.. تتعانقُ هالاتُ النورِ منهما... الأكبرُ والقاسمُ.. شبابٌ تساوى عُمرُ إخلاصهم بشيبة! فحبيبٌ هو ذا.. وكذا أنصارٌ سارَ بهم العمرُ حتى وصلَ أُفُقَ الطفِّ... فامتزجتِ الأعمارُ كما امتزجتِ النوايا فاتحدت! ومع بدءِ المعركة؛ تقاسمَ الجميعُ الأنفاسَ بالتساوي... فبدا الكُلُّ يشبهُ الكُلّ ما من صغيرٍ فيُعفى، ولا كبيرٍ فيُعذر! كُلّما دنوتُ منهم، ابتعدتُ عن نفسي، حتى كأنّني لم أعُدْ أُميّزُ (أناتي) وأيُّ حضورٍ يُذكَرُ لها بين هاماتِ الوجود لا أزالُ أُحاوِل.. التقرُّب، التزوّد؛ ولا يزالُ الطفُّ... عامرًا بالعطايا وإنْ لاحتْ على مُحيّاه أطيافُ المنايا.. لا يكفي كُلّي؛ لاحتواءِ بعضٍ من بعضِهم! لم أستطِعْ أنْ أتمالكَ نفسي من هولِ ما أرى... بذكرِهم أطمئنُ، كُلَّ حين... إلا أنّ رؤيتي إيّاهم سلَبَتْ منّي كُلَّ ما يُهدِّئُ روعي! ثمّةَ بقايا من شيءٍ هُناك.. حبّاتُ ماءٍ تبلورَتْ حتى بَدتْ كلؤلؤٍ مكنون.. تأبى الأرضُ أنْ تبتلعَها.. فتُروى ولو من دونِ قصدٍ، تحتَ من أبى إلا أنْ يَروي، فيرتوي... ترتجفُ خُطواتي إذْ تقترِبُ من سراجي نور.. نهري وفاء.. إنّهما... إنّهما... -كفا الفضل والإباء-... هناك... حيثُ انحنَتْ أمُّ الحُجَجِ (عليها السلام) عليهِ، مكسورةَ الظهر! ترفعُهما بطُهرِها، بدمعِها، بأنينها... إلى منصةِ مُحاكمةٍ يقتصُّ فيها الحاكمُ من الظالمين... وهو من ليلِ الانتظار ليسَ ببعيد؛ فجرُ ظهورِ القائمِ من آلِ مُحمّدٍ فدتْهُ الأرواح... تُلملِمُ روحي المُتقطِّعةُ، أجزاءها المُتناثرة... هُنا وهُناك... راياتُ الموعود.. تلّفني كطفلٍ حديثِ الولادة، تهبُني الحياة على أملِ شهادة... تُزوِّدُني بكُلِّ ما يُعينني على المسير؛ وكُلّي رجاء أنْ أحظى مع قائدِ الركبِ برُتبةِ ناصرٍ.. أعودُ من حيثُ أتيتُ إلى غُرفتي، أتفحّصُ بنظري خطوطَ تلكُمِ الأحرفَ النورانية التي أقلّتني بلمحِ البصر، إلى ما يُرى بالبصيرةِ لا بالبصر!
اخرى