بقلم: حباري الحسين كُنتُ قطرةً عذبةً لكن أصبحتُ فيما بعدُ قطرةَ عذابٍ أعيشُ الحسراتِ منذُ الذر أنا قطرةُ الماءِ التي عَطِش لَـها الحُسَينُ وأيتامه وأصبح دونها لسانُ الأكبر كالخشبة اليابسة كم تَمنيتُ لو أرويّه! لكنّ عَذابي هو أنّني مُلكٌ لِجيشِ عَدوِّه! أنا التي نجوتُ حِين احتوتني قِربةُ العباس تَشبّثتُ بِجودِ أبي الفضل ظَننتُ أنّني قَد نَجوتُ مِن عَذابي كانَ كُلُّ مناي أنْ أصِلَ إلى المُخيّم حاولتُ وحَاولتُ لكن قطعوا اليمين فتمسّكتُ بيَساره بالجودِ الذي يحويني لَكِنَّهم حالوا بيني وبين الوصول إلى تِلك الكفِّ المباركة تمسّك بالجود بِفمه تمنيتُ لو كُنتُ قد بلّلتُ شفاهه ولكنّ سهامَهم ونبالَهم قد أوقعتْهُ أرضًا وهَوى البَدرُ الذَي أنارَ ليالي الحُسين فَخابتْ كُلُّ آمالي ولم أصلْ اختلطتُ بالتُراب حَتى أصبحتُ طينًا كان هذا عزائي الوحيد أنْ اختلطَ بِتربةٍ يُرويّها الحُسينُ بدماه لم أَعدْ أرى شيئًا بوضوح سوى امرأةٍ نحيلةٍ تئنُّ أنينَ الثكالى تَجّرُ خَطواتِها المُثّقَلةَ بالألم كأنَّ عُمرَها خَمسونَ عَامًا وهذا ما تبيّن لي فقد تكلَّمتْ وصوتُها حَزينٌ تَملؤهُ الهَيبةُ كشخصِها قالتْ والرجفةُ في كِلماتِها أخي، يا رائحة أُمّي الزهراء ويا ريحانةَ جدّي رسول الله أخي حُسين منذُ متى أُناديك فلا تجُيبني؟ تمنيتُ في وقتِها لو أنّني تبخّرتُ مع حرارةِ الجو ولَم يُبقني اللهُ لأرى هذه الجليلةَ هكذا مكسورةً نظرتُ بعيني نحو خيامِها رأيتُ الخيامَ تحترقُ كقلبِها والعيالُ يفرّون ولا يعرفونَ إلى من يلجؤون! فقد قتلوا ملاذهم وقعت خيامُهم منذُ أنْ خَضّبوا الشيبةَ المُباركةَ بدمائهِ الزاكية حاولتُ أنْ أُطفئَ الخيامَ ولكنّني قطرة! يا لعجزي! ربّاهُ أعلمُ أنّني لا أستطيعُ وأعلمُ أنّني قطرةٌ ولكن أُكِنُّ له بحوراً من الحب!
اخرىبقلم: مرتضى الأغلامي من الأمورِ المُتعلقةِ بالقتالِ وتشريعه في الشريعة، هي قضية الجزية، وقد ذُكرت مرةً واحدةً في القرآن، قال (تعالى): "قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بالله وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلَا ... ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" وقد اعتبر البعض -ولاسيما المستشرقون- قضيةَ الجزيةِ نقطةً سوداءَ في الإسلام خصوصًا أنّها ترتبطُ بالحربِ والقتال، لذا نحتاج إلى وقفةٍ حول الجزية، ونتكلم بعدة نقاط: الأولى: نظرةٌ فقهيةٌ للجزية. ما هي أحكام الجزية الثابتة عندنا؟ للجزية أحكامٌ، ملخصُها في خمسِ نقاطٍ: ١- الجزيةُ هي ضريبةٌ تُفرضُ على الرؤوس، فكُلُّ واحدٍ غير مسلمٍ يُقيمُ في بلادِ المسلمين عليه دفعُ الجزيةِ، فهي على الأشخاصِ وليس على الأموال، أو الأراضي. 2- الشارعُ لم يحددْ قيمةً لها، فلا يوجد تحديدٌ شرعيٌ، نعم عندنا رواياتٌ تاريخيةٌ تتكلمُ عن مقدارِها في زمنِ الرسولِ أو الخلفاء، ولكن بالنظرِ لهذه الروايات تظهرُ أنّ القضيةَ هي تقديريةٌ؛ ففي الفقه الامامي أنّها لم تُحدَّدْ بل يُحدِّدها الحاكمُ الشرعي في كُلِّ زمانٍ حسبَ الأوضاعِ السياسيةِ والاقتصاديةِ والاجتماعية. بل ورد في بعض النصوص الشرعية أنّ الحاكمَ إذا حدّدها لابُدّ أنْ يكونَ الكافرُ قادرًا عليها، ولا يجوزُ أنْ يكلفَه بشيءٍ غير قادر عليه. 3- الجزيةُ هي ضريبةٌ حوليةٌ وليست شهريةً ولا أسبوعيةً بل هي مرةٌ واحدةٌ في السنة، وفي الفقه الإمامي إذا أُخِذَت مرةً يحرمُ وضعَ ضريبةٍ أخرى عليه، ولا يجوز أنْ توضعَ عليه ضرائبُ أخرى. 4- هذه الضريبةُ ليستْ عامةً، فليس كُلُّ ذميٍ مُكلّفاً بها، بل هنالك أفرادٌ مُستثنون، وهم: 1.الصِبية. 2.الشيوخ. 3.النساء والمجانين. 4.المُقعدون. وقد نصَّ البعضُ على أنّ الراهبَ مستثنى أيضًا. إذن الجزيةُ ليست عامةً بل المُستثنون منها أكثرُ من المفروضة عليهم. 5- بناءً على نظامِ دفعِ الجزيةِ يحقُّ للكافرِ العيشَ في بلادِ المسلمين آمنًا، وتضمنُ له الدولةُ فوقَ الأمنِ حريةَ المعتقد، ولا يُكرهُ على الإسلام أو تبديل دينه. النقطة الثانية: لماذا شُرِّعت الجزية؟ عدَّ بعضُ المُستشرقين الذين كتبوا ضدّ الإسلام تشريعَ الجزيةِ أنّه ما جاء إلا للضغطِ على أصحابِ الأديان الأخرى؛ لكي يُغيّروا دينهم، فالوسيلةُ الأولى هي السيفُ، ثم المال! لذلك عدَّ قسمٌ من المُستشرقين نظامَ الجزيةِ إرهابًا إسلاميًا، ونجيبُ عن هذه القراءة بجوابين: الأول: الجواب النقضي: 1- لو كانَ الغرضُ منها هو الضغط الاقتصادي لما اُستُثنيَ من الجزيةِ أحدٌ، بل لكانت مفروضةً على الجميع طالما لم يكن مسلمًا، ولكن نلاحظُ أنَّ المُستثنينَ أكثرُ من الذين تجبُ عليهم الضريبة. 2- لو كانت القضيةُ قضية ضغطٍ مالي من الإسلام لكان المسلمون أولَ المضغوطين؛ لأنَّ عليهم ضريبتين هما الزكاة والخمس، فحالُ المسلمِ أسوءُ من حالِ الذمي. الثاني: الجواب الحلي إنّ هذا الفهمَ خاطئٌ إذ فرضُ الجزيةِ على الذمّي ليس لأنّه كافرٌ بل في قِبالِ خدماتِ الدولة التي تُقدِّمها له، وأهمُّها الأمنُ والسلامةُ؛ فإذا اعتدى أحدٌ عليه يذهبُ الذميُّ للقضاء، والقضاءُ مسؤولٌ عن رد الاعتداء، ومعاقبة المعتدي، فالجزيةُ عقدٌ بين الدولةِ والكافر، تقدّمُ له الدولةُ من خلاله الأمن والحريةَ وممارسةَ الشعائر الدينية. وأما المسلمُ فلم يدفعِ الجزيةَ؛ لأنّه يجب عليه الدفاع والقتال فيما لو حصل هجومٌ على الدولة الإسلامية، فالقضيةُ ليست قضيةَ تمييزٍ بين المسلم والكافر، بل لأنّ المسلمَ مكلفٌ بالقتالِ والكافر غيرُ مكلّفٍ به، فيجبُ عليه الدفع ولم يجبْ على المسلم، إذن القضيةُ قضيةُ قانون. وبهذا البيان يتضَّحُ أنَّ الجزيةَ مُجرّدُ ضريبةٍ، والآن ما من دولةٍ إلا وتفرضُ ضرائبَ في قبالِ الخدماتِ التي تُقدّمُها، نعم الأن تُقامُ الضرائب على أساس المواطنة؛ لأنّ الدولَ الآن قائمةٌ على أساس المواطنة، وأما قبلُ فبما أنّها كانت مُقامةً على أساسِ القوميةِ والارتباط العرقي وقبل هذا كانت الدولُ قائمةً على أساسٍ ديني، فعندنا ثلاثٌ من الدول: - دينية. -قومية. - وطنية. إذن، قضية الجزية (الضريبة) موجودةٌ حتى الآن في الدول الحديثة، ومن ثم فإنَّ الجزيةَ ضريبةٌ عاديةٌ. النقطة الثالثة: البعضُ يقولُ: أنا أتفهمُ النقطةَ الأولى ولكن أتوقّفُ في الجزية في الفقرة الأخيرة من الآية وهي: "عن يدٍ وهم صاغرون"، فالمشكلة تبدأ إذا رجعنا إلى كتبِ الفقه والتفسير حيث فهمَ كثيرٌ منهم أنّ المقصودَ من هذا المقطع هي الذلة والمهانة فشرطَ البعضُ في الجزيةِ الذلة والمهانة، فإذا دفعَ الجزيةَ يجبُ على الحاكم أن يذلّه ويهينه، وقد تفنن البعضُ فأعطى صورةً لكيفيةِ الإهانةِ فقال عن يدٍ يعني وجوب أن يأتي الذمي بنفسه، ولا يوسِّطُ مسلمًا ليؤديها بدلًا عنه، فيكون هو واقفاً والذي يستلمها منه جالسًا، وبعد الاستلام يُمسِكُ المستلم الذمي ويضربه! وهذا ما يتبناه بعض فقهاء العامة، ولازمه أن يسخر من الذمي! لذلك توقف البعضُ في قضية الجزية. ونحن نقول: هذا غير مقبول؛ لعدم وجوده في القرآن ولا في سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله) أو الأئمة (عليهم السلام). نعم، هو موجودٌ في تصرفاتِ الخلفاء، كما فعله الثاني حيث أمرَ بختمِ أهلِ الذمة بالرصاص، وأمر بعضهم بلبسٍ خاصٍ؛ ليتميزوا عن غيرهم، وكلُّ هذا باسمِ الدين، وهذه السلوكيات هي التي جعلتِ الغربَ ينظرُ للإسلامِ بهذهِ النظرة؛ لذلك قال العلامةُ الطباطبائي في الميزان في تفسير هذه الآية: "هذه الآراء مما لا تحمله السكينة والوقار الإسلامي، الإسلامُ جاءَ لتكريمِ الإنسان لا لإذلاله" ومعنى (الصاغر) في اللغة ليس الذل، بل (الخاضع)، كإطلاقك على الصغير بأنّه (خاضع)؛ لأنّه يخضعُ لغيره، وينقادُ له، والآيةُ تتكلمُ عن الكياناتِ والدولِ في عهدِ النبي (صلى الله عليه وآله)، فمن يدفع الجزية يخضع لنظام الدولة الإسلامية، ولقوانين المسلمين، ومن ثم فهو غير مستقلٍ بل هو خاضعٌ لغيره. وأفضل تفسير لهذه الآية هو القرآن نفسه، حيثُ يُفسّرُها في قوله (تعالى): "فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُون. ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وهم صاغرون"؛ وليس (صاغرون) بمعنى الذلة والمهانة؛ لأنّ العطفَ يقتضي المغايرة فقال: "أذلة وهم صاغرون" فصاغرٌ غيرُ الذلة والمهانة.
اخرىبقلم: حسين فرحان سنهمسُ همسًا خفيفًا لطيفًا في آذانِ المُتأزمين نفسيًا نتيجةَ رؤيةِ المواكبِ الحسينيةِ وشعائرِها ومن سماعِ اسمِها حتى! سنهمسُ دونَ ضجيجٍ أو صراخٍ، فصراخُنا قد ادخرناه للسواترِ نُعلنُ به التلبيةَ لنداءِ الحقِّ، وصراخُنا ادخرناه للجَزَعِ من هولِ مُصيبةٍ أبكتِ السماءَ دمًا، لعلّنا ننعمُ ببركاتِ دعاءِ العصمةِ الساجدةِ وهي تُردِّدُ: "وارْحَم تِلكَ الصَّرْخَةً الَّتي كانَتْ لَنا". بكُلِّ أريحيةٍ وثقةٍ نُخاطِبُ المُعترضَ، المُتشنجَ، المُتأزِّمَ، المريضَ، وإيّاه وجارتَه نعني بقولنا: "مواكبُ الحُسينِ، وما أدراك ما مواكبُ الحسين؟!" فإذا كُنتَ أيُّها الحانقُ لا تمتلكُ إلا البصرَ الذي يجعلُك في دائرةِ المادةِ دونَ غيرها، فغيرُك يمتلكُ بصرًا وبصيرةً نافذةً تجعلُه ينظرُ لما يُزعجُك بخلافِ نظرتِك القاصرة. وإذا كُنتَ مُشوشًا إلى حدِّ التُخمةِ والامتلاءِ بتفاهاتٍ فكريةٍ ولوثاتٍ عقليةٍ مُستوردةٍ فغيرُك قد نهلَ من مَعينٍ صافٍ عذبٍ لا شائبةَ فيه. وإذا كُنتَ ممّن تنكّرَ لدينه ولانتمائه وأصله وهو يعيشُ نوباتِ الخجلِ منها فغيرُك ما يزالُ يؤمنُ بكُلِّ تفاصيلها مُفتخرًا بذلك على العرب والعجم وما أقلّتِ الأرضُ وأظلتِ السماء. مشكلتُك أنّك لا تعرفُ ما تُريد؟ ولا تدري من أنتَ؟ وما أنت؟ فأصبحتَ كالحطيئةِ لم تسلمْ منه حتى ذاته في النقد والانتقاص دونَ غايةٍ يُدركُها في ذلك. مشكلتُك أنّكَ ضيقُ الأفُقِ إلى حدٍّ لا يمنحُك هذا الضيقُ فرصةً للنظرِ إلى نفسِك فضلًا عن تجاوزِ حدودِ وطنِك ومشاهدةِ ممارساتٍ عهدتْها البشريةُ ما أنزلَ اللهُ بها من سلطانٍ وهي أولى بأنْ تُنتقدَ أو توضعَ في مَحلِّ مُقارنةٍ مع ما يُزعجُك من شأنِ مواكبِ الحسين (عليه السلام)؛ لذلك سُلِبتَ التوفيق، ولم يعُدْ لك من الهمومِ سوى أنْ تشنَّ الحربَ عليها مُتبجِّحًا بثقافتِك التي كتبَ عليها بالخط العريض: (صُنِعَ في الخارج)، وقد منحَك هذا الخارجُ سمةَ الحميرِ بدرجةِ الامتياز، فصدّقتَ أنّك مُثقفٌ، واعٍ، مُتحضرٌ، ليس لكَ همٌ سوى استعراضِ مصطلحاتِك المريضةِ وتوظيفِها لإسقاطِ (قوري) الشاي، أو (دلةِ) القهوة من يدِ عجوزٍ يخدمُ الزائرين في طريقِ كربلاء، أو الاعتراض على راياتٍ تعلو أسطحَ المنازلِ وقد خُطّتْ عليها عباراتٌ حسينيةٌ عاشورائيةٌ لم تعهدْها أنتَ في ثقافتِك؛ فثقافتُك لم ترتبطْ يومًا بقضيةٍ حقيقيةٍ كقضيةِ الحُسين (عليه السلام)، ولم تتصلْ برسالاتِ السماءِ كما اتصلتْ قضيته (عليه السلام)؛ فمن الصعبِ عليك، بل من المستحيل أن تفقهَ ما يجري، أو أنْ تفهمَ يومًا معنى كلماتٍ مثل: (الولاية، العصمة، العشق، الانتماء، الشعائر، عاشوراء، كربلاء، خط الرسالة، الانتظار، الخدمة، الزيارة) وغيرها؛ لذلك ستبقى نظرتُك قاصرةً ما دُمتَ قاصرًا وما دُمتَ تكرهُ نفسَك وانتماءك دونَ رشد، وأنّى يأتيكَ الرشدُ وقد أقحمتَ نفسَك في ظُلماتٍ لا تُحصى طبقاتُها؟! سيصعبُ عليك - وأنتَ بهذه الحال- أنْ تفهمَ أنَّ الكثيرَ من الذين يخدمون في هذه المواكبِ هم من أصحابِ الشهاداتِ التي تفوقُ شهادتَك لتبطلَ حُجتَّك بأنَّها مُتخلِّفة. سيصعبُ عليك أنْ تفهمَ أنَّ المواكبَ بلغتْ من نظمِ الأمرِ ما يعجزُ عنه الوصف، فقدّمتْ صورًا مشرقةً في دعمِ الجبهاتِ لوجستيًا وتلبيتها لفتوى التكافل وامتثالها لتوجيهاتِ المرجعيةِ الدينية والتوجيهاتِ الصحيةِ في زمنٍ تفشّى فيه الوباءُ، على حينٍ كنتَ أنتَ تغطُّ في نومٍ عميقٍ! ولتبطلَ حجتُكَ بأنَّ المواكبَ فوضوية. سيصعبُ عليك أيُّها المُختنقُ بالحقدِ أنْ تفهمَ بأنَّ المواكبَ صنعتْ رجالًا استشهدوا في الصحراءِ والجبالِ، وحرّروا ثُلثَ وطنِك الذي تتبجّحُ بالولاءِ له كاذبًا وأنتَ تسعى لمحوِ هويتِه الدينية والثقافية. سيصعبُ عليك أنْ تفهمَ كُلَّ ذلك؛ لأنّك خارجٌ عن المألوف، ولا نعلمُ لِمَ لا يُصيبُك الإحباطُ وأنتَ ترى أنَّ بُنيانَك الذي تبنيه طوالَ عامٍ كاملٍ تهدُّه مجالسُ العشرةِ الأولى من كُلِّ شهرِ محرمٍ يمرُّ عليكَ وعلينا؟
اخرىبقلم: تركية الزيادي إنّ الإمامَ زينَ العابدين (عليه السلام) هو رابعُ أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، الذين أذهبَ اللهُ عنهم الرجسَ وطهّرهم تطهيرًا، فجدُّه الهادي البشير محمد (صلى الله عليه وآله) حاملُ رسالةِ السماءِ من ربِّ العزّةِ (جل وعلا) إلى العالمين؛ من أجل هدايةِ البشرِ لطريقِ الله (تعالى)، فكان أنموذجًا فريدًا من نوعه بسيرته العطرة المؤطّرة بتقواه وسمو أخلاقه، ونور معرفته بالله (جل وعلا)، فاستحقَّ قولَ الله (تعالى) فيه: "وإنّك لعلى خُلُقٍ عظيم". وأما جدّتُه فهي الصديقةُ الطاهرةُ بضعةُ الرسول (صلى الله عليه وآله) وروحه التي بين جنبيه والتي اختارها اللهُ (تعالى) حليلةً لأمير المؤمنين ووصي رب العالمين (عليه السلام). وأما الحسنان (عليهما السلام) فهما ريحانتا الرسول (صلى الله عليه وآله)، وأما أبوه فهو الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام). فإنّ من الطبيعي لهذه البيئة الرسالية التي احتضنت الإمام زين العابدين (عليه السلام) أنْ تتركَ أثرَها في صقل شخصيته الفذّة، فوالده الإمامُ الحُسين أعظمُ مصلحٍ، نسجَ بدمه الطاهر منهجَ الإصلاح، وخطَّ بتضحيتِه بالنفس والأهل طريقَ الحرية لبني الإنسان. لقد شهدَ الأمامُ زينُ العابدين تلك الثورةَ الإصلاحيةَ، وأكملَ طريقَها برفقةِ عمّته العقيلة زينب (عليه السلام) بعد استشهاد أبيه، حيثُ شاهدَ تلك القسوةَ التي سادتْ قلوبَ القومِ، وهم يُروِّعون قلوبَ أبناءِ وبناتِ الرسالةِ بأشدِّ أنواع العذاب. لقد رأى الإمامُ عليٌ بن الحسين (عليه السلام) بعينه بشاعةَ فعلِ الطغاة من بني أُمية، برجالاتِ بني هاشمٍ النجباء وهم من حملَ نورَ الإيمانِ للعقول والقلوب، فلمْ يحفظوا فيهم أجرَ الرسالة الذي خطّه القرآنُ الكريم إذ قال لهم: "قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة في القربى" فلم يستمعوا؛ فقد صُمّت آذانُهم وعُميت أبصارُهم؛ لأن قلوبَهم مُلأت بالحقدِ والبغضاء. وبعد استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام)، أكمل الإمامُ زينُ العابدين، وسيّدُ الساجدين (عليه السلام) دورَ أبيه الإصلاحي ولكن بأسلوبٍ جديدٍ غيرَ أسلوب الثورةِ والمواجهة. فقد انتهت المعركة التي كانت بمنزلةِ صعقةٍ قويةٍ أعادت للأمة رشدَها بعد أن فقدتْه؛ لتيهان عقولها وتعلُّقها بملذاتِ الدنيا الفانية، والتي دعتِ القومَ إلى ارتكاب أبشعِ المجازرِ في حقِّ أهلِ البيت (عليهم السلام)، فانتهج الإمامُ (عليه السلام) منهجًا تربويًا إصلاحيًا و بأسلوبٍ جديدٍ يتضمّنُ العودةَ إلى إصلاح النفوس المريضة التي لم يدخلها نور الإيمان قط.. لقد شخّصَ الإمام الداءَ فبدأ بعلاج الأمة التي قبلتْ بفعل القوم بأبناءِ الرسالة، الأمة الضالة، ولابُدّ من العمل على هدايتها بروحِ الأبوّةِ الصادقة بعيدًا عن كُلِّ صورِ الانتقام والحقد؛ فالقومُ لا يحملون من الإسلام إلا اسمه، وهم غافلون عن أبسطِ معانيه، وقد تركّزتِ الضلالةُ فيهم وأعمت بصائرهم وملأت قلوبهم حقدًا على أُناسٍ حملوا نورَ الإيمانِ والهدايةِ للبشرِ كافة، وفعلوا ما فعلوا بهم من أبشعِ أنواعِ القتلِ والترويع فكيف لهؤلاء القوم أنْ يتوّلوا أمورَ المسلمين؟! وهنا بدأ دورُ الإمام، فخطَّ منهجه الإصلاحي للأمّة، من خلالِ أسلوب البكاء والحزن على أبيه، مُذكّرا الأمة بشنيعِ فعلتِها بسبطِ الرسول (صلى الله عليه وآله) كل حين، ومُبرزًا دورَ الإمامِ الحسين (عليه السلام) وتضحياته في سبيلِ حفظِ الدين والعودةِ إلى الطريق المستقيم، بعد أنْ تاهتِ الأمّةُ في طريقِ الضلالةِ وحُبِ المال والسلطة، وانتهجتِ الفسادَ والظلمَ والجورَ مُتمثلًا بتوليةِ يزيد الفاسق أمر الأمّة، متناسيةً دورَ أهل بيت العصمة في هدايةِ الناس ونشرِ تعاليمِ الدين الحنيف. كما اتبعَ الإمام (عليه السلام) أسلوبَ الدعاءِ والتضرعِ إلى اللهِ (تعالى) بالتوبةِ والاستغفارِ حيثُ إنّ استخدامَ الإمامِ لأسلوبِ الدعاءِ والتوسلِ لله (تعالى)، وذلك الانكسار لله (تعالى) يقتل فيهم روحَ التكبّر والطغيان، ويُحطِّمُ الأنا المريضة الموجودة بداخلِ نفوسِهم وخاصةً المُتكبرين منهم والذين عاثوا في الأرضِ فسادًا. ولقد كانت للإمام ثفناتُ برزت في مواضعِ سجودِه حتى عُرِفَ بها حيثُ لُقِّبَ بـ(ذي الثفنات)، والثفنةُ هي الموضعُ الغليظُ من رُكبةِ البعير الذي يغلظُ عندما يبركُ عليه، فصارت مواضعُ السجودِ لدى الإمامِ كثفنةِ البعيرِ من كثرةِ سجودِه، حتى أصبحت له علامة دالة، ومن رآها تذكر مدى انحراف وضلال الضالين والمُضلين والمستكبرين على الله (تعالى) لمرض نفوسهم، وتكبرها عن الطاعة لله (سبحانه) والتذلل إليه والسجود له. وكانت عبادتُه وتقواه وزهدُه مثالًا يُقتدى به، حتى لُقِّبَ بزين العابدين وسيد الساجدين. لقد كان أسلوبُ الإمام الإصلاحي ثورةً إصلاحيةً هادئةً، تُخاطبُ القلوبَ والعقولَ بالرغم من كونِه كانَ مُحاصرًا بالتشديدِ والمُراقبةِ من قبلِ بني أُمية. وكانتِ الحوراءُ زينبُ (عليها السلام) صوتَه الإعلامي المؤثر في العودة إلى الله (تعالى)، وتأليب الأوضاعِ على الطُغاة الفاسدين. كما عَمِدَ الإمامُ (عليه السلام) إلى التمويهِ على السلطة الحاكمة، وتفنّن في طريقةِ الدعوةِ إلى الله (سبحانه)، فمن ضمنِ ما كان يقومُ به الإمامُ (عليه السلام) هو شراء العبيدِ وتملكهم وتعليمهم أصولَ الدينِ وأحكامه، وتنوير عقولِهم بنورِ العلمِ والمعرفة بالأحكام الشرعية، وتقوية العقيدةِ بالله، ومن ثم عتقهم في سبيلِ الله (تعالى)؛ ليكونَ كُلُّ واحدٍ منهم شمعةً في طريقِ الله (تعالى)، ومنهجًا يهتدي به من يهدي الله قلبه للإيمان. كما أبدعَ الإمامُ عليُ بن الحسين (عليه السلام) في تحديدِ الحقوقِ التي على الإنسان تجاه ربِّه، ونفسِه، وغيره، فاختطَّ رسالةَ الحقوقِ المروية عنه، ونقشَ صحيفتَه التي عُرِفت باسم (الصحيفة السجادية) والتي عُرِفت فيما بعد بـ(زبور آلِ محمد)، فخطَّ فيها فصاحةَ الألفاظِ وبلاغةَ المعاني وعلوَ المضامين في التذلُّلِ لله (تعالى)، وأسلوبًا عجيبًا في طلبِ عفوِه، والتوسلِ له بألوانِ الدعاء والتضرع؛ ليبينَ للأمّةِ طريقَ العودةِ إلى اللهِ تعالى، فاقتلعَ من قلوبِهم ما نما من أشواكِ الضلالةِ وفرشَها بنورِ البصيرةِ، وزرعَ بذورَ العقيدةِ الحقّة، وسقاها بنورِ العلمِ والمعرفةِ. لقد منحَ الإمامُ أدعيتَه بُعدًا اجتماعيًا بالإضافةِ إلى بُعدِها العبادي، بُعداً يتلاءم مع مسارِ الحركةِ الإصلاحية التي قادها في ظروفٍ صعبةٍ، واستطاع أنْ يؤسسَ مدرسةً إلهيةً تُعلِّمُ الأمّةَ المفاهيمَ الإسلامية الأصيلة، بأسلوبٍ مُبتكرٍ في إيصالِ ما يُريدُه الله تعالى إلى القلوب الظمآى، فكانت أنموذجًا تربويًا فريدًا من نوعِه أسّسه الإمامُ (عليه السلام) مُستلهمًا ذلك من سيرةِ جدِّه المصطفى (صلى الله عليه وآله). إنَّ منهجَ الإمامِ قد حفظَ للدينِ رونقَه وبهاءه، فصار للعبادةِ طابعٌ روحيٌ، يسمو بالنفسِ الإنسانيةِ، نحو الكمالِ الذي يُريدُه اللهُ (تعالى) لها. فالأولى بنا -نحنُ مُحبي الإمامِ وشيعتِه ومواليه- أنْ ننتهجَ نهجَ الإمامِ الإصلاحي في إصلاحِ نفوسِنا وذوينا بالدعوةِ إلى الله (تعالى)، والتقرُّبِ إليه بالدعاء والتوسل لأنْ يُخلِّصَنا من شرورِ أنفسِنا الأمّارةِ بالسوء، وأنْ يوفقَنا لنيلِ مرضاةِ الله (تعالى) والسيرِ على نهجِه القويم، متمسكين بأهلِ بيت العصمةِ والدين محمد (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطيبين الطاهرين، والحمدُ لله ربِّ العالمين.
اخرىبقلم: تركية الزيادي مولاي يا أبا عبد الله، جراحُك ما زالت تنزفُ رغمَ السنين والأيام.. والسيفُ ذاته مازال مُسلَّطًا على رقابِ المُصلحين.. لكنَّ صوتَك مازالَ يصمُّ آذانَ الطغاةِ، ويُقلِقُ مضاجعهم.. فمُجرّدُ ذكرِ اسمِك بركانٌ يثورُ، يُدمِّرُ، يُحطِّمُ الغرور، وينسجُ الأملَ بأحرفٍ من نور للمصلح المهدي، سراجٌ يُضيء، منارٌ للعقول، وطريقُ هدى ونورٍ في دياجي الدهور.. وحبك يروي عطشَ الأرواحِ، ونهجُك القويمُ ينصعُ بياضًا، يجذبُ القلوبَ لحُبِّ المعبود..
اخرىبقلم: رقية الحسيني إذا أسدلَ اللّيلُ سِترَهُ، وتدثّرتِ الساعاتُ بالعُتمة، وصمتتِ الأفواهُ عن القولِ إلا همسًا، وسكنَ الكُونُ عن الاضطرابِ خاضعًا لسُلطةِ الظّلام، وتاقتِ الأرضُ للنُورِ ترتقبُ بلُوغَ فجرٍ قريب... حينها... تهمهِمُ الأرواحُ بِأحاديثِها المُبهمة، وتُفشي للنفُوسِ أسرارَها ونجواها، تلتمسُ من الجوارحِ رأفةً وإشفاقًا؛ علّها تحمِلُ بعضَ أثقالِها أو تُخفِّفُ عنها جُزءًا من لواعجِها وأشجانِها.. ترقُّ العينُ لحالِ الرّوحِ فتُفرغُ عنها الفائضَ من آلامِها دموعًا لا تُرىُ، ويُرسِلُ القلبُ حرَّ نيرانِه تنهُدًا، تحملُهُ الأنفاسُ إلى حيث لا يعلم .. تسمو الرّوحُ خلفَ ضباباتِ الدُجى، تبعثُ للسّماءِ مُناجاتها، مخاوفَها، وآمالَها، كُلّ ما بِها من سرورٍ وشقاء، تحملُها الأنسامُ الرّقيقةُ رسائلَ سماويةً تعلو في الأُفقِ، تنتظرُ استجابةً من ربٍّ رحيم.
اخرىعادَ الركبُ الحُسيني إلى كربلاء، باستثناءِ صغيرةٍ كانتْ تفرشُ المُصلّى لأبيها الحُسين، اذكريها عندَ كُلِّ صلاةٍ والعني من قتلَ الصلاةَ والمُصلّي..
اخرىهناك من يتصيّدُ بالماءِ العَكِر، فلا تكوني سهلةَ المنال، وكوني لبوةً كبنتِ علي بن أبي طالب (عليهما السلام)
اخرىبقلم: أم حوراء النداف في الخامسِ والعشرين من رمضان سنة ١٤٤٠للهجرة بايعَ أربعون ألفًا من الكوفيين الإمامَ الحسن بن علي المجتبى (عليه السلام) خليفةً للمسلمين بعدَ شهادةِ أبيه الإمامِ علي (عليه السلام) وتذكرُ مصادرُ التاريخ أنّ الحجازَ واليمنَ والعراقَ وخُرسانَ لم يبدُ منها أيّ اعتراضٍ على هذه البيعة، لكنّ مُعاويةَ رفضَ وأرسلَ جيشًا إلى ثغورِ العراق، فأعدَّ الإمامُ جيشًا بقيادةِ ابنِ عمِّه عبيد الله بن العباس لمواجهةِ الجيش الأموي. معاويةُ المُتشبِّثُ بالحكمِ والسلطةِ كان مُتيقنًا من هزيمته العسكرية، لكنّه حقّقَ انتصارًا كبيرًا في ميدانِ المكرِ والحيلِ وشراءِ الذمم، فأرسلَ إلى الإمام الحسن (عليه السلام) رسائلَ زعماءِ ووجهاءِ الكوفة الذين أبدوا استعدادَهم للتحالُفِ مع معاوية، وتسليمِ سبطِ الرسولِ للحاكمِ الأموي، مما اضطرَّ الإمام إلى قبولِ الصلح لكن بشرطِه وشروطه، ثم تركَ الكوفةَ وعادَ إلى مدينةِ جدّه (صلى الله عليه وآله). والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لِمَ كُلُّ هذه الانتكاسات في صفوفِ القواعدِ الشيعيةِ وخاصةً في العراق؟! فتكرُّر مشهدِ التحكيمِ مع الإمامِ الحسن (عليه السلام)، لكن بقالبِ المُصالحةِ أمرٌ يدعو للتأمل. لو تحرّينا حياةَ الإمامِ الحسن (عليه السلام) فسنَجِدُه (سلام الله عليه) قد شهدَ وقائعَ مهمةً جعلتْه يُدرِكُ تمامًا التشكيلةَ المُجتمعيةَ للأمّةِ الإسلاميةِ على الصعيدِ العقائدي الإيماني كالأحداث التي أعقبتْ وفاة جدِّه رسولِ الله (صلى الله عليه وآله)، ومُعايشته لحكمِ الخلفاءِ الثلاثة. يذكرُ المؤرخون أنَّ الخليفةَ الثاني عمر بن الخطاب جعلَه شاهدًا على الشورى السُداسية، وكان ساقي الماءِ في مِحنةِ عثمان، كما أنّه كانَ بمنزلةِ الوزير لأبيه أمير المؤمنين بعد تسلُّمِه الخلافة وشاركه في حروبه. هذا الاستشرافُ الواسعُ لمدياتِ الأحداثِ تجعلُه خبيرًا مُدركًا أنّ محنةَ الأمّةِ تكمنُ في تحقُّقِ الفهمِ الحقيقي لمعنى الإمامة؛ فالإمامةُ ليستْ منصبًا حكوميًا لإدارةِ شؤونِ الناسِ الدنيوية لفترةٍ زمنية، بل هي ولايةٌ إلهيةٌ مُتفرعةٌ عن النبوّة، تتحقّقُ بنصٍ من الله (تعالى) ورسوله (صلى الله عليه وآله) ليس إلا، فيثبتُ للإمامِ ما يثبتُ للنبي من العصمةِ والطاعةِ والتسليمِ. قال (تعالى): "إنّما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا* الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"، و"وأطيعوا الله واطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم". ولسنا في مقامِ إثباتِ الإمامة، لكن في مقامِ توضيحِ دور المأمومين الموالين على أقلِّ تقدير، فكم فردًا يا تُرى فهِمَ هذا النص وأطاع مضمونه؟! التأريخُ يُصرِّحُ أنّهم لم يكونوا كُثُراً؛ والدليلُ هو ما حصلَ بعدَ وفاةِ النبي (صلى الله عليه وآله) الأمر المهم الثاني هو كيفيةُ الحفاظِ على هذه القلّةِ المؤمنة والسعي لتوسيع قاعدتهم الإيمانية الولائية؛ لذا تعاملَ الإمامُ الحسنُ مع مُجرياتِ الأمورِ بروحِ الإمامةِ الأبوية، وصبّر المؤمنين المُطيعين لله (تعالى) الماضين في إقرارِ حُكمِه وقضائه. إنَّ ما أكتبُه بكلماتٍ وسطورٍ كانتْ في الواقع أيامَ مِحَنٍ عصيبةٍ أوجعتْ قلبَ الإمامِ الحسنِ (عليه السلام) بلومِ اللائمين، وكيدِ المُنافقين، وشماتةِ الحاسدين، وهو الإمامُ السبطُ بنصِ رسولِ الله (صلى الله عليه وآله): "الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا"، لكنّه واصلَ الجهدَ في مُجابهةِ المُشكلاتِ والعوائقِ التي تواجهُ المُبلّغين عن الله (سبحانه)، في سبيلِ الإعدادِ ليومِ الفصل، واقعة الطف الأليمة. فلولا تلك الجهودُ المُضنيةُ لم يكن ليقفَ مع الإمامِ الحسين (عليه السلام) سوى أهل بيتِه، ولتحوّلتِ المعركةُ إلى نزاعٍ عشائري قبلي، فتميّزُ أنصارِ الإمامِ الحسين (عليه السلام) يكمُنُ في أنّهم يمتلكون خصائصَ نوعيةً على الصعيدِ العقائدي، القومي، والعرقي؛ لذلك فشلت كُلُّ الجهود الرامية إلى تحجيمِ تلك النهضة المباركة؛ لذا كان للإمام الحسن (عليه السلام) دورُ الريادةِ في حفظِ تلك النخبة من المؤمنين. واليومَ نحنُ نعيشُ الانتظارَ الذي عاشه الكوفيون مع الإمامِ الحسين (عليه السلام)، ولكي لا نُكرِّر أخطاءَ الماضي يتوجّبُ علينا اقتفاءَ آثارِ النهجِ الحسني في تربيةِ أفرادٍ من المجتمع، النخبة، الذين يُمكِنُ التعويلُ عليهم لصيانةِ الشريعةِ وحفظِ الدين ونصرةِ الإمام (عجل الله فرجه)، مع مُعايشةِ الحكام الظالمين الذين تتكشفُ مع مرورِ الوقتِ وعودهم الكاذبة وعهودهم الباطلة وتشبُثهم بالسلطة. ويُمكِنُ لكُلِّ فردٍ أن يُقيّمَ نفسَه من خلالِ اختبارٍ بسيطٍ، هل هو حسنيُ المنهجِ من حيث تربيةِ الذات على طاعةِ اللهِ (تعالى) ورسولِه وأولي الأمر (عليهم السلام)، أم كوفيُ الهوى ينعقُ مع كُلِّ ناعقٍ! كيف؟ انظر إلى علاقتِك مع نائبِ الإمام (عجل الله فرجه)، العلماء المجتهدين العاملين، الذين أوصى الإمامُ بطاعتِهم والتزامِ أوامرِهم وأنّهم سيكونون شهودًا علينا أمامَ الله (تعالى) وأمامَ الإمام (عليه السلام)، كما أنّ الإمامَ سيكونُ شاهدًا عليهم، فقد روي عنه (عجل الله فرجه): "وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله" فهل ترجع إليهم في أمورك العبادية وتعاملاتك المالية؟! أم أنّك ممّن يصدقُ عليهم قول الإمامِ الحسين (عليه السلام): "الدينُ لعقٌ على ألسنتِهم، يحوطونه ما درّت معايشهم، فإنْ مُحِّصوا بالبلاء قلَّ الديّانون" فانتظارُ الفرجِ يعني أنْ تكونَ حسنيَ المنهج، حُسيني العقيدة. قال الإمامُ الحسن (عليه السلام): "إنّ الشّاةَ أعقلُ من أكثر النّاس، تنزجرُ بصياحِ الرّاعي عن هواها، والإنسانُ لا ينزجرُ بأوامرِ الله وكتبه ورسله". السلام عليه يومَ ولِدَ، ويومَ يموتُ، ويومَ يُبعثُ حيًا..
اخرىبقلم: حسين فرحان عندما ينطقُ التافهُ بأمرِ العامةِ، وبمستوياتٍ عاليةٍ من الدعمِ والترويجِ له، فاعلمْ أنّكَ في الزمنِ الذي علا فيه صوتُ كُلّ رويبضة.. ولو تأمّلتَ في أسبابِ نشأةِ هذه الشخصيةِ وتشكُلِها بهذا النحوِ فأنّكَ ستجدُها مُنحصرةً بنوعين: الأول، نشأةٌ ذاتيةٌ كوّنتْها عواملُ مهمةٌ فيها كالجهلِ والوهمِ والشعورِ بالنقصِ والحقد، والثاني، نشأةٌ بفعلٍ خارجي وتدخُلٍ يُحدِثُ تغييراتٍ طارئةٍ على صوتِها وشكلِها وتصرفاتِها، وكِلا السببين واقعين في دائرةِ التفاهةِ التي كانت هذه الشخصيةُ الناعقةُ من أهمِّ وأقوى مُخرجاتِها. لم يكُ حديثُ هذه التوافهِ - الذاتية النشأة أو المُصنّعة خارجيًا- ليُلقي صداه أو تظهرُ تأثيراتُه لولا وجودُ عدّةِ عواملَ مساعدةٍ له، ولعلّ أهمَّها ضعفُ إمكاناتِ بعضِ المُتلقين، وانعدامُ حصانتِهم الفكريةِ والثقافيةِ، أو بسببِ القوّةِ الإعلاميةِ المروِّجةِ لهذا المنطقِ الخبيث الهدّام، واستخدام طريقةِ تكرار الأكاذيب والافتراءات، واستخدام أساليبِ التحريفِ، وتسليطِ الضوء على أجزاءٍ مُعيّنةٍ من المقاطعِ المُصوّرة أو التصريحات أو الكتابات، وبشكلٍ لا يُمنَحُ فيها المُتابِعُ فرصةً للمقارنة، أو التأكُدِ بسببِ التواتر والكثرة في بثِّ الأكذوبة. وهو أسلوبٌ جديدٌ ظهرَ مع انكفاءِ الناسِ على أجهزةِ الحاسوب والهاتف، وارتباطِهم الوثيق بمواقعِ التواصلِ الاجتماعي وغيرها من وسائلَ حديثةٍ أصبحتِ الموردَ الأساسَ في تلقّي الخبر والمعلومة. ضِمنَ هذه الدائرةِ وكأسلوبٍ جديدٍ من أساليبِ حربِ حزبِ الشيطان تمَّ استهداف المُقدّساتِ والثوابتِ والقيم، والغرضُ من ذلك هو محو الهوية الثقافية والدينية للمجتمعات، والحديثُ هنا عن المجتمعِ العراقي الشيعي والحملاتِ التي شُنَّتْ على مُقدّساتِه والتي تكفّلَ بمحاولاتِ هدمِها كُلُّ نكرةٍ لم يكُ شيئًا قبلَها، ولم يُسمعْ له صوتٌ لولا حاجةُ الأعداءِ المُلِحة لاستخدامِه في هذا الوقت. لقد عرفَ العدو سرَّ قوةِ هذا المجتمع فعملَ جاهدًا وبكُلِّ الأساليبِ المُتاحةِ على أنْ يهدمَ مرتكزاتِها لأجلِ أنْ يقفَ على تلِّ الخرابِ ويرفع رايةَ انتصاره.. فما هي هذه الأساليبُ والوسائلُ؟ وما هي المقدساتُ والثوابتُ التي استهدفها وما زال يستهدفُها؟ بعيدًا عن الخطِّ الأموي الذي ينصبُ العداءَ منذُ قرونٍ بعيدةٍ لخطِّ الإمامةِ ظهرتْ حركاتٌ جديدةٌ لا تتبنى ما تبناهُ الخطُّ الأموي بشكلٍ علني، بل أنّها أظهرتْ وفي أحيانٍ كثيرةٍ ضِمنَ مساراتِها أنّها مواليةٌ ومُحِبةٌ وتنطلقُ من بيئةِ التشيُّعِ! وهُنا تكمنُ خطورةُ تأثيراتِها؛ لأنّها ترتدي الزي الحوزوي أو تتحدّثُ مُستشهدِةً بالموروثِ الشيعي، وهي تُشكِّلُ خطرًا بالغًا على شريحةِ البسطاء ومن يسهلُ خداعُهم بسببِ ضعف إمكاناتِهم الفكرية والثقافية، أو طُغيانِ الجانبِ العاطفي عليهم. فما هو المنهجُ التسقيطي الذي اتبعتْه هذه الجهاتُ المنحرفة؟ وما الذي تم استهدافه؟ سيكونُ الكلامُ دون ذكرٍ لردودٍ مُعيّنةٍ حولَ ما أُثيرَ من شُبُهاتٍ وأكاذيبَ؛ فالغرضُ هو بيانُ المُقدّساتِ المُستهدَفة وأساليب الاستهدافِ والوسائل: ١- المرجعيةُ الدينية، وقد تمَّ استهدافُها عبرَ مواقعِ التواصل الاجتماعي والقنواتِ الفضائيةِ والمنابرِ المُزيفةِ من قبلِ هذه الحركاتِ وكانتْ محاورُ الهجمةِ هي: أ- الدعوةُ لتركِ التقليدِ، وظهورُ حركاتٌ تتبنّى ذلك. ب- الدعوةُ لأن يكونَ المرجعُ عراقيًا، وظهورُ مُدّعين لذلك من المُتصوِّفةِ والدراويش النقشبندية والبعثية، وتمَّ الترويجُ لهم إعلاميًا بعنوان (المرجع العراقي). ج- التشكيكُ بالمنهجِ العلمي للحوزةِ، واعتبارُ ملكةِ الاجتهادِ من الملكاتِ المُتيسرةِ المُمكنةِ لكُلِّ شخصٍ، وأنّها لا تستحقُّ ذلك الاهتمام، وأنَّ العلومَ الدينيةَ جامدةٌ ويتمُّ تداولُها دونَ تغيير. د- الطعنُ بنزاهتِها واتهامُها بالتجاوزِ على الحقوقِ الشرعيةِ وصرفها بغيرِ مواردِها. بالإضافةِ إلى إثارةِ الجدلِ حتى حولَ الألقابِ العلميةِ للمراجع. ٢- الشعائر: لم تسلمْ هي الأخرى من هجمةِ هذه الجهات التي لا يروقُها أنْ ترى ما من شأنِه إحياءُ أمرِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام)، فدخلتْ تارةً بحُجّةِ تهذيبِها، وأخرى بالسعي لتخريبِها وتشويه صورتها، فكان الإفراطُ في استنكارِ بعضِها دونَ مراعاةٍ لرأي العلماء فيها، وكانَ لابتداعِ أنماطٍ جديدةٍ كإدخالِ الراب والمظاهر الراقصة، ولادعاءِ الحداثةِ دورُه أيضًا في هذه الهجمة، بالإضافةِ لإثارةِ الشُبُهاتِ حولَ عملِ المواكبِ الحسينيةِ التي تُعدُّ عمادُ هذه الشعائر، واتهامها بما يُنقِصُ من شأنِها. ٣- العتباتُ المُقدّسة: هي الأخرى تمّ استهدافُها باعتبارِها مراكزَ مهمة في المنظومةِ الشيعيةِ لغرضِ إسقاطِ هيبتِها كمؤسساتٍ دينيةٍ مما يقطعُ تلك الصلاتِ والروابطِ بينها وبين الموالين، ويخلقُ حاجزًا نفسيًا مؤثرًا وذلك باستغلالِ أمورٍ منها: أ- ترويجُ قضيةِ أموالِ شبابيك الأضرحةِ المُقدّسةِ، وإشاعةُ أنّها مما يُغطّي احتياجاتِ البلدِ ماليًا، وأنّ القائمين عليها يتصرفون بها بنحوٍ يحرمُ المجتمعَ من خيراتِها. ب- استهدافُ جميعِ المشاريعِ التي تُنجزُها العتباتُ لغرضِ تغطيةِ نفقاتِها لخدمةِ ملايين الزائرين سنويًا وتهيئةِ سُبُلِ الراحةِ لهم، والتركيزُ على تشويهِ الصورةِ الحقيقيةِ لهذه المشاريع، وتعمُدِ حجبِها إعلاميًا عن الجمهور. ج- مراقبةُ ما يقعُ من أحداثٍ داخلَ هذه المؤسسات، والتربُّصُ بها بنحوٍ يستندُ إلى سياسةِ التهويلِ والتضخيمِ والشماتةِ والتشفّي. ٤- الحشدُ الشعبي: هو الآخرُ لم يسلمْ من هذه الهجماتِ المُنظّمة، حيثُ المحاولاتُ المُستمرةُ لتصنيفهِ إلى مُسميّاتٍ وتوجُهاتٍ مُعيّنةٍ، وخلقُ تكتُلاتٍ وثكناتٍ تملأ العالمَ الافتراضي ليتمَّ ترسيخِها واقعيًا فيما بعد، ومحاولةُ فصلِه عن الفتوى المُقدّسة وتصوير انتمائه لجهاتٍ أخرى لا تمتُ للشأنِ العراقي بصلة. هذه هي أهمُّ الأصواتِ التي تُصدرُها الأسطوانةُ المشروخةُ لحزبِ الشيطانِ منذُ سنوات، لا شيء فيها سوى تكرارٍ مُملٍ لصوتِ ناعقٍ رسمي ما زالَ يحلمُ كثيرًا.
اخرى