بقلم: كوثر بناي البصري تَرَفَقْ بِخطواتِكَ صَوبَ الحُسين واسْتَجْمعْ كُلَّ عظيمِ المصائبِ فهلْ لِمُصابِ الطفوفِ قَرِين؟! واصْبُ بِعينيكَ نحو الأُفُقِ لِقافلةِ عَفيفات ِالقلوبِ أمْسينَ بلا والٍ ولا كفيل وجوهٌ تَغَيّرتْ ملامِحُها صُبَّتْ عليهنَّ النوائبُ بِحقدٍ دفين وَتَذَكر.. كُلَّما ارتَشَفتَ عذبَ ماءٍ مُهَجًا سَقتْها لَظَى المنون ومن حرِّ الشمسِ كُلَّما تَظَلَّلْتْ أقمارًا هوتْ على الرمضاءِ بلا غُسلٍ ولا تكفين وانْحَنِ إجلالًا وتعظيمًا لِجبلِ الصبر زينب تَرَادَفَتْ عليها المصائبُ وكُلُّ ما رأتْهُ جميلٌ للدينِ أرسى دعائمَهُ وهمْ حبلُ اللهِ المتين
اخرىرأيتُها مُرتديةً السواد.. مُلطّخةً بالطينِ والتراب.. مُنهمِرةَ الدموع تحتضنُ على صدرهاِ صورةً لشابٍ.. سألتُها من هذا؟ قالت بفخر: إنّه ولدي.. من رفعَ رأسي أمامَ الحُسين... وسآخذُه معي ليزورَ الحُسين ... مواسيةً سيّدتي زينب وأمَّ البنين.. فأطرقتُ، وقلت: نعم، هكذا هي المواساة، وإلا فلا..
اخرىبقلم: شهد الورد ما هي إلا ساعاتٌ قليلةٌ تفصلُنا عن الوصولِ إلى غايةِ أهدافِنا، ساعاتٌ تحولُ بيننا وبين قبلةِ العشقِ والحُرية. كنتُ أشعرُ بلهفةٍ وحنينٍ للجنةِ حتى كادَ القلبُ يتوقفُ من شدّةِ الرهبة، خوفٌ مُحبَّبٌ إلى قلبي الخاشع لذكرِ مولاه، شوقٌ لا مُتناهي لحبيبِ فرّقتنا عنه المسافاتُ وجائحةٌ نشرتِ الرُعبَ في قلوبِ الناس. كُنتُ أودُّ أنْ أختِصرَ هذِهِ الساعات وأركضَ نحوه لولا تعبُ صديقي وتورُّم قدميه فارتأينا المكوثَ في الموكب. غلبني النُعاسُ، وما بينَ اليقظةِ والحُلُمِ رأيتُهم، نعم، رأيتُهم بعدَ ما أعياني التفكيرُ بحالِهم. تبعتُ القافلةَ حافيَ القدمين مُهرولًا نحوهم، حاسرَ الرأسِ، أتعثّرُ بالناسِ، وصلتُ، وقفتُ، تأمّلتُ، صرختُ، بكيتُ لما رأيت. قافلةٌ مَهيبةٌ، دخلتْ أولَ مرّةٍ لأرضِ العراق، تُحيطُ بهم الملائكة؛ رجالُها وجوههم ناضرةٌ إلى ربِّها ناظرة.. أمّا الآنَ فقافلةٌ مُتعبةٌ ليس بها سوى نساءٍ ثكلى وأطفالٍ مرعوبةٍ من ذكرياتِ الرحلةِ، وعليلٍ يتقدّمُ هذه القافلةَ مكلومِ الفؤاد. ابن خير عبادِ اللهِ كُلِّهم على ناقةٍ هزيلةٍ، وما زالتْ آثارُ القيودِ واضحةً على رسغِه. قافلةٌ شقّتْ طريقَها بين جموعِ الزائرين، تتبعتُ أثرَهم وأنا أبكي جازعًا، أردتُ أنْ أتقدّمَ نحوهم أقودُ ناقةَ مولاي السجّاد (عليه السلام)، لكنّ حاجزًا غيرَ مرئي منعني من أن أتشرف بهذا المقام؟! وصلتِ القافلةُ قبرَ مولاي الحسين (عليه السلام)، تساقطت كواكبُ الرسالةِ من محاملِهن عند اقترابِهم من قبرِ الحُسين (عليه السلام). منظرٌ مهيبٌ... تلك الكواكبُ كانت تشعُّ نورًا حتى أن لا أحدَ يستطيعُ أنْ يرفعَ نظرَهُ نحوهن. نظرتُ نحو البابِ، كان هُناكَ رجلٌ ينتظرهم استقبلَهم باكيًا لاطمًا، ركضَ نحو مولاي السجّاد وأنزله، عانقَه وبكيا حتى كادتْ أنْ تخرجَ روحاهما؛ قبَّلَ رأسَ مولاي السجّاد، ثم التفتَ نحو إحدى الأنوارِ قبَّلَ رأسَها وهو يبكي محنيَ الظهر، حاسرَ العمامة. قال: عظَّمَ اللهُ لك الأجر يا عمّة، سامحيني فما زالَ ثأرُكِ دينًا برقبتي.. يا ويلتي كيف لم أعرفْه، أولُ الأمرِ أنّه مولاي الحُجّة، كُلُّ ما قيلَ في وصفِ الحُزنِ ما بلغَ شيئًا من تلك اللحظات. دخلوا إلى قبرِ الحُسين (عليه السلام)، حاولتُ أنْ أدخلَ خلفَهم لكن نفس الحاجز منعني، انتظرتُ ساعاتٍ على البابِ مُطرقَ الرأسِ، باكيًا، جازعًا. انقطع عني صوتهم، وآخرُ ما سمعته: أُخيّة زينب أينَ ابنتي رُقية؟
اخرىبقلم: فاطمة الوائلي كوني زينبيةَ الخُطى أخـــتــــاهُ كوني مثلما كانتْ زينبُ: شامخةَ الإباءِ.. صلبةَ الإرادة.. كاملةَ الحجاب.. أختاه عفة زينبَ وطهارتها فلتكن عفتكِ وطهارتك.. حافظي على حجابكِ؛ فهو وإنْ كان ليس كُلّ الإسلامِ، ولكنّ إسلاماً من دون حجابٍ إسلامٌ ناقصٌ.. فليكنْ حجابُكِ كاملًا وإسلامكِ كاملًا.. لا تتأثري بأزياءِ الغربِ المُضلّة
اخرىبقلم: علياء في حياةِ الجامعة، وخلال الأربع سنوات، لم يعتدْ إلا القليلُ على مظهري، فالغالبيةُ العُظمى كانت كلماتُهم تتمحورُ حول: اهتمي بنفسكِ ولو قليلا.. ضعي القليلَ من المساحيق.. توقّفي عن ارتداءِ العباءة؛ فأنتِ تبدين كامرأةٍ في الستين من العمر! كفاكِ انطواءً على نفسك... مهلًا، وكيف لكم تفسيرُ الاهتمامِ بهذا الشكل؟ على أيِّ منطقٍ ومُعجمٍ تعتمدون؟ غريبٌ أمرُكم! تُثرثرون دونَ أيِّ دليلٍ وحكمةٍ.. من قالَ: إنَّ الاهتمامَ ينبعُ من قِلّةِ الحياء والابتعادِ عن تعاليم الدين؟ ألم تعلموا أنَّ جمالَ المرأةِ يكمنُ في عفافها؟! ألم تسمعوا بقول أمير المؤمنين (عليه السلام): "أعينوني بورعٍ واجتهادٍ وعفةٍ وسداد"؟! فهلّا رجعتم إلى دينِكم، وتمعّنتُم في أقوالِ المعصومين ولو قليلًا.
اخرىبقلم: فاطمة الوائلي كوني زينبيةً في عباءتكِ كوني زينبيةً في حديثكِ كوني زينبيةً في جامعتكِ كوني زينبيةً في تعامُلكِ مع الناس كوني زينبيةً في تعامُلكِ مع والديكِ كوني زينبيةً في تصرفاتكِ كوني زينبيةً في كُلِّ سلوككِ فالسيّدةُ زينبُ (عليها السلام) تحمّلتْ كُلَّ هذه المُعاناة في يومِ العاشرِ من محرّم وأثناءَ سبيها إلى الشام من أجلنا؛ فلنُقدِّمَ لها شيئًا ولو كان بسيطًا من أجلِ إرضائها.
اخرىبقلم: سلمى عبد الرضا الوقفة الخامسة: على بابِ الهواشم اليومَ ليسَ كباقي الأيامِ؛ فقد بعثَرَ أبي كُلَّ أغراضِ البيتِ، ولم تبقَ عُلبةٌ إلا وأفرغها، ولا كيسٌ إلا وفتحه، حتى غرفتي لم تسلمْ من بعثرتِه، فقد كانَ يحسبُ كُلَّ ما كان موجودًا في البيتِ... كُلَّ شيءٍ... حتى مِحفظة نقودي الصغيرة وقميصي الأسود الذي اشتريتُه قبلَ أيامٍ ولم أرتده بعد لم يسلما من يدِ أبي، وقد شملهما الحساب.. كان يٌسجِّلُ في دفترٍ خاصٍ أسماه دفترَ الأكارم، لم أفهمْ معنى الاسم، حاولتُ مرارًا أن أسأله أو أساعده لكنّه لم يكنْ يسمحُ لأحدٍ بمُقاطعته حتى انتهى من جميع ما يُفتِّشُ عنه.. وفي الليل يبدو أنّ أبي قد أكملَ بعثرةَ جميعِ أركانِ البيتِ، والآن سمحَ لي بالكلام.. - أبي، لماذا بعثرتَ حاجاتِ غُرفتي والبيتِ، هل أضعتَ شيئًا؟ وهل وجدتَه؟ أجابَ بهدوءٍ.. - اليومَ هو موعدُ حسابِ الخمس، فجردتُ جميع الموجودات لأرى ما يستحق عليها الخمس لأعزلَ مبلغَه.. - وماذا ستفعلُ بالأموالِ التي عزلتها يا أبي؟ نظر إليّ باستغرابٍ، وقال: - أسلِّمُه للفقراء المؤمنين.. فرحتُ كثيرًا.. - نعم، فهُناك الكثيرُ من المُحتاجين سأُساعِدُك بإيصالها للمُستحقين.... - لا، فهذه الأموال لا يحِقُّ لنا التصرُّف بها؛ فلها شروطٌ... استغربتُ ممّا قاله.. - إنّها أموالٌ للفقراء، لماذا شروط؟ - نعم يا ولدي نصفُ الأموالِ لفقراءِ بني هاشم.. - ولكن لماذا بنو هاشم؟ فالفقيرُ فقيرٌ ابنُ من كانَ فهو فقيرٌ، فلماذا هذا التخصيص؟ كأنّ صوتًا بداخلي ارتفعَ وملأ صدري رفضًا، ولم يرتضِ هذا التمييز، أين العدل في هذا الحكم؟ - يا ابنتي، إنّه مُنتهى العدل والكرامة لما لهم عند الله (تعالى)... وأنا على غضبي وشدّةِ اعتراضي، وإذا بالباب يُطرق.. - أنتم مدعوون، تفضلوا يرحمكم الله؛ فإنّ السيّدَ يطلبُ من الجميع أنْ يحضروا لتناولِ الطعام.. خرجتُ من البيت، وإذا بالموائد قد افتُرِشتْ في الطُرُقاتِ باللحم والخبز والماء.. - ما كُلُّ هذا الطعام، والناسُ في قحطٍ وجوعٍ وارتسمتْ ملامحُ الفقرِ على الأرجاء حتى الحيطان.. فمن هذا الذي يُطعِمُ الجميع؟ اقترب منّي شابٌ نورانيُ الوجه، بهيُّ الطلعة، طويلُ القامة، وفي عينيه رجاءٌ وبنبرةِ صوتِه توسُّلٌ.. - تفضلوا، لا تقطعوا بنا السبيل، تناولوا الطعامَ وبيّضوا وجهي أمامَ اللهِ.. ثم قال: (ألا وإِنِّي مُخْرِجٌ مِن طَيِّبِ مالي وحلالِه ما لم يُقْطَعْ فيه رَحِمٌ، ولم يُؤْخَذْ بِظُلْمٍ، ولم يَدْخُلْ فيه حَرَامٌ، فَوَاضِعُهُ فَمَنْ شاءَ منكم أَنْ يَفْعَلَ مِثْلَ ذلك فَعَلَ). لقد كانِ يدورُ على كُلِّ البيوت، فلم يبقَ يتيمٌ ولا مسكينٌ ولا أرملةٌ ولا عجوزٌ ولا مريضٌ، إلا وقد أوصلَ لهم الطعامَ، وهكذا يفعلُ كُلَّ يومٍ فموائدُه لم تنضبْ، ولم تَغِبْ عن الطُرُقات.. اليومَ سينحرُ مائةً من الإبِلِ فقد وصلتْ تجارتُه من الشام.. وقد علَتْ أصواتُ الصخبِ وصوتُ النار وأصداءُ الأواني والقدور ولعب الأطفال في الأزقة مُنتظرين الهشيم.. لم تفقدهم الطُرُقاتُ يومًا، ولم يطرقْ بابَ اليتيمِ غيرُهم، فقد امتدّت موائدهم على مدى العصور، وبقيَ الخبزُ واللحمُ يصلُ إلى كُلِّ فقير، وفي كُلِّ مكانٍ؛ ليُطعِمَ المسكين واليتيم والأسير.. لم تتغيرِ الموائدُ بل زادَ العطاءُ؛ ليكونَ خاتمًا أو عقدًا أو ماءً، حتى شوارعُ الكوفةِ لم تفتقدْ موائدهم، بقيَ عطاؤهم يفترشُ الطُرُقاتِ وعلى أبوابِ البيوتِ ونفسِ الدعوات؛ ليكونَ أباً الأيتام.. وفي نهارِ العاشرِ من مُحرّمِ طرحَ بنو هاشم ذبائحَهم؛ لتكونَ هشيمًا على رمضاءِ كربلاءِ اللاهبة، فلم يَعُدِ الخُبزُ واللحمُ يسدُّ رَمَقَ المُتعبين، فقد حطَّ الفقرُ في حجرِ الإيمان.. وأسكنَ عروجَ الروحِ حتى أصبحَ الأمرُ يتطلّبُ ذبحًا آخر؛ ليُطعِموا الأرواحَ التي أتعبَها فقرُ الدَين وذُلُّ اليُتم، وليرووا عطشَ السائرين بدربهم، فقد وهبوا للهِ (تعالى) كُلَّ شيءٍ حتى الأطفال والنساء كانَ لهم للهِ تعالى عطاء.. سكنت بعدهم الأرضُ والسماء، واستبدلَ الأطفالُ لُعَبَهم في الأزقةِ بمواكبِ العزاء.. طُرِقَ البابُ مرةً أخرى.. - انهضْ لنُكمِلَ المسير، فإذا أسرعنا سندخلُ كربلاءَ قبلَ صلاةِ المغرب.. هممتُ بالخروج وإذا بشابٍ يستوقفني بعينين دامعتين وصوتٍ مُتحشرجٍ بالنحيب وقد افترش بطعامه الطريق، حاملًا إبريقَ الشاي والماء.. يا زوّار أبي عبدالله، أتوسّل إليكم، لا تقطعوا بنا السبيل، تناولوا طعامَنا وبيّضوا وجهي عند جدّي الحسين (عليه السلام)، سِرْتُ بطريقِ الحُسين (عليه السلام) وأنا أتلو الآية: "إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا"[الإنسان9] إنّهم أبناءُ هاشم..
اخرىبقلم: عباس قاسم المرياني مهما كتبْنا من المقالاتِ والكتبِ وحتى الموسوعات في عَظَمةِ رسولِ الله محمدٍ (صلى الله عليه وآله) وفضائله، فإننا نبقى عاجزين ومُقصرين في حقِّ حضرته، لما له من الأوصافِ الحميدة والخصالِ الطيّبة الطاهرة التي امتازَ بها، فقد بلغ أوجَ الكمالِ الإنساني، وقد أثنى عليه (سبحانه وتعالى) فقال: "وإنّك لعلى خُلُقٍ عظيم"، وقال (عزّ من قائل): "لو كُنتَ فظًا غليظَ القلبِ لانفضوا من حولك". إنَّ عظمةَ شخصيةِ النبيّ مُحمدٍ (صلى الله عليه وآله) لم تُستمد من جاهٍ أو مالٍ، ولا من الأُمّةِ التي عاشَ فيها، وليس لسمو حسبه ونسبه فحسب، بل لجلالِ شخصيتِه، وكمالِ خُلُقِه الفريد، وسعةِ أُفقِه العجيب، فكانَ المَثَلَ الأعلى للإنسان الكامل من جميعِ الجوانب. وها هو (صلى الله عليه وآله) قد مضى على استشهاده أربعةَ عشرَ قرنًا وواحدٌ وثلاثون عاماً ولا يزالُ حُبُّه يملأ القلوب، وذكرُه يُطرِبُ الأسماع. عاش مُجاهدًا، وماتَ مُجاهدًا في سبيلِ الله (تعالى)، اختارته العنايةُ الإلهيةُ من بين جميعِ الخلقِ ليُبلِّغَ رسالةَ ربِّه، حاربَ الشركَ والضلال، وتمكَّنَ من هدايةِ الناسِ إلى هُدى الله (سبحانه)، فكانتْ دعوتُه قد انتشلتِ الأمّةَ من الانحدارِ والتخلُّفِ إلى أوجِ العَظَمةِ والسعادة. رغم ذلك فقد عانى رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) بعد أنْ صَدَحَ برسالةِ ربِّه، وأعلنَ ثورتَه الإلهية العظيمة على واقعِ الوثنيةِ والشركِ والإلحادِ، وعانى مُعاناة لا مثيلَ لها مطلقًا؛ فقد انقلبت أوضاعُ حياتِه رأسًا على عقب، إذ لم يكنْ من السهلِ على المُشركين الذين اعتادوا عبادة الأصنام، وتربّوا على الوثنيةِ والفسادِ أنْ يتخلّوا عن عاداتِهم، وممارساتِهم المُتجذِّرةِ في حياتهم، كما أنّ زعاماتِ قُريشٍ ومراكزِ القوى فيها كانتْ تبذلُ كُلَّ جُهدِها للحفاظِ على نفوذِها ومكانتِها، وترى في الرسالةِ المُحمّديةِ هدمًا لمواقعِها، وضربًا لمصالحِها؛ لهذا ولغيره انتفضتْ قريشُ وزعماؤها لصدِّ وردعِ رسولِ الله (صلى الله عليه وآله)، وشنّوا عليه حربًا ضاريةً شاملةً، اتهموه فيها بالكذبِ، والجنونِ، والسحرِ، وغيرها، بعد ما كان يُعرفُ بينهم بالصادق الأمين، وكان لهذه الاتهامات والأكاذيب التي أُلصِقت به الأثرُ بعد ذلك، حيث تلقّفتْها الألسُنُ المُبغضةُ، وجعلتْ منها حقائقَ لتشويهِ صورةِ هذه الشخصية العظيمة بكُلِّ المقاييس. من هذه الاتهاماتِ الباطلةِ تعدُّدُ زوجاتِه (صلى الله عليه وأله) فحرّفتْها الأقلامُ الغربيةُ المُغرضةُ من بعضِ المُستشرقين، واتهمته بحُبِّه للنساء؛ للنيلِ من كماله الإنساني، وفي الحقيقة لم يكنْ هذا التعدُّدُ لنزعةٍ شهوانية، أو لحُبّهِ للنساء، بل كان لحكمةٍ مُعينةٍ أرادها اللهُ (سبحانه) لرسولِه (صلى الله عليه وآله)، وتكمُنُ هذه الحكمة في تقويةِ رسالةِ الإسلام، وكسبِ المُناصرين له بالتقرُّبِ للقبائلِ وإدخالِهم في الإسلام، وكسبِ ودِّ بعضِ الأطرافِ ذوي الدورِ الفاعلِ لتقوية الدين بهم، أو جبرِ خواطرِ اللاتي استُشهِدَ أزواجهن وإعالةِ ذوات الأيتام، أو إرساءِ قواعدَ تشريعيةٍ، وإزالةِ قواعدَ جاهلية. لكنَّ الأغربَ والأعجبَ من ذلك بعضُ التُهَمِ التي أُلصِقتْ به (صلى الله عليه وآله) والتي لم يأتِ بها المُستشرقون من وحيهم فقط، بل جاءتْ جاهزةً ومُقولبةً في كُتُبِ بعض المُسلمين، منها ما يُذكَرُ أنَّ رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) كان يستمع إلى الغناء، وتُضرَبُ الدفوفُ في بيته، ومنها أنّه كان يقرأُ القرآنَ الكريم في حُضنِ إحدى زوجاته وهي حائض! ومنها أنّه كان مُغرمًا بزوجةِ ربيبِه زيد بن حارثة؛ لذلك طلّقَها زيدٌ وتزوّجها رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله). لا أعرفُ كيفَ قبلوا مثلَ هذه الروايات على من طهّرَه اللهُ (تعالى)، وعصمَه، وأكمَلَه، وأعلى منزلتَه، وحباهُ بقوله: "وَإٕنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ"، وخصّه بمكارمِ الأخلاقِ التي يقولُ فيها هو (صلى الله عليه وآله): "بُعِثْتُ لأتمِّمَ مكارمَ الأخلاق"، ويقولُ فيها الإمامُ الصادق (عليه السلام): "اللهُ (تبارك وتعالى) خصَّ رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) بمكارمِ الأخلاق، فامتحنوا أنفسَكم فإنْ كانت فيكم فاحمدوا الله (عزّ وجل)، وارغبوا إليه في الزيادةِ منها، فذكرها عشرة: اليقين، والقناعة، والصبر، والشكر، والرضا، وحُسن الخُلُق، والسخاء، والغيرة، والشجاعة، والمروءة. لذلك نقولُ: إنَّ سيرتَه العَطِرة قد شابَها من الدسِّ والتلفيق، سواء عن قصدٍ من مُبغضيه، أو عن جهلٍ، وعليه يجِبُ التحرّي والتأكُدُ والتيقُنُ مما يُنقلُ عن هذه السيرة، ويَجِبُ استبيانُ الخبرِ قبلَ قولِه، يقولُ أميرُ المؤمنين علي (عليه السلام): "اعقلوا الخبرَ إذا سمعتموه عقلَ درايةٍ، لا عقلَ رواية؛ فإنّ رواةَ العلمِ كثيرٌ، ورُعاتَه قليل"، ويُنقَلُ عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "إنّ على كُلِّ حقٍّ حقيقة، وعلى كُلِّ صوابٍ نورًا، فما وافقَ كتابَ اللهِ فخُذوه، وما خالفَ كتابَ اللهِ فدعوه". من هذا يَجِبُ أن لا نظلمَ حبيبَ الله (صلى الله عليه وآله) بهذه الشائعات الخبيثة التي لا نقبلُها لشخصٍ عادي، فما بالك بمنِ اصطفاه وخصّه وشرّفه على سائرِ خلقِه، وهو النبيُّ المُخلصُ ومُلهِمُ الإيمانِ في القلوب، رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) قدوةٌ نستنيرُ بنوره، لا أنْ نُلصِقَ به العيوبَ ونرميه بالافتراءاتِ (حاشاه اللهُ عن ذلك).
اخرىبقلم: أم حوراء النداف القرآنُ الكريم هو معجزةُ خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله (صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين)؛ فلكُلِّ نبي معجزةٌ تؤيدُ دعواه وتكون خارقةً للعادة، أي إنَّ مادة المعجزة موجودةٌ لكن الناس لم يألفوا هكذا إنجاز من هذه المادة، كما ويعجزُ الناسُ عن مُجاراتها والإتيان بمثلها. فهل يُعقلُ أنْ تكون المعجزة مؤيدةً للنبي من جهة، ومُشكِّكةً فيه من جهةٍ أخرى؟! وما قصةُ تلك السور والآيات التي تحكي عن سوءِ خُلُقِ الرسول (صلى الله عليه وآله) -حاشاه- كما في سورة عبس وتولى، أو الآيات التي تنسِبُ إليه الذنوب السابقة واللاحقة "ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخر"، وما شاكلها من الآيات التي تبدو في ظاهرها أنّها تنسِبُ النقصَ -والعياذ بالله- لشخص النبي الخاتم (عليه وعلى آله آلاف التحية والسلام). يقول عالمُ الرياضيات الأمريكي جفري لانج: "إنّ مؤلفَ هذا الكتاب [أي القرآن الكريم] عبقريٌ، وأنّه بلا شك يتبعُ أسلوبًا ساحرًا في جذب القارئ، حيث اعتمد القرآن كليًا على أسلوب الحوار، فتسلسلُ الآيات يدفعُك للتعجُبِ والسؤال، ومن ثم تجدُ الإجابةَ بعد أسطُرٍ قليلة" لقد اشار هذا العالم، من حيثُ يعلم أو لا يعلم إلى الطريقةِ المُثلى لفهم القرآن الكريم، وهي تفسيرُ القرآن بالقرآن! ماذا حصل عندما تكلّف المُفسرون وعُلماءُ القرآن بتفسير آياتِ الله تعالى بمُقتضى الرأي أو القياس أو نصوصِ الروايات التي خالطَها الدسُّ والتلاعبُ والمُخالفةُ لروحِ القرآن الكريم قلبًا وقالبًا؟ لقد وقعوا فريسةَ التناقضات! وللأسفِ نُسِبت تلك التناقضات للقرآن الكريم. فمن جهةٍ يقرأون "وإنّك لعلى خُلُقٍ عظيم"، ومن جهةٍ أخرى ينسبون العبوس للرسول الكريم وأنّه أعرضَ عمّن يُريدُ أنْ يتزكّى وأقبلَ على من استغنى من المشركين! القرآن الكريم وإن كان ميسرا للذكر وذلك لقوله (تعالى): "ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر"، أي إن إلقاءه على نحوٍ يسهُلُ فهمَ مقاصده لعموم الناس وخصوصهم، والأفهام البسيطة والمُتعمقة، كُلٍّ على مقدارِ فهمه، إلا أنّ فهمَ مُراد الآيات الكريمة يحتاجُ إلى ذوقٍ قرآني رفيعٍ ينسجمُ مع إرادةِ الحقِّ (سبحانه)، ويكون بعيدًا عن الأهواء الشخصية والتعصبات الفكرية، قال (تعالى): "هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إلا أولوا ألالباب"[آل عمران ٧]. كما انّ الله (سبحانه) يدعونا إلى التفكُّر والتدبُّر في آيات القرآن الكريم، "أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كبيرًا" إنّها دعوةٌ إلى التمسُّكِ بمُحكمِ الآيات الواضحة الدلالة ورد الشبهات إليها، فالحقُّ (سبحانه) لا يُجامل أحدًا، ووصفه للنبي (صلى الله عليه وآله) بأنّه على خُلُقٍ عظيمٍ كافٍ لقطعِ كُلِّ الشكوك والشبهات حولَ ما يُنسَبُ زورًا وبهتانًا لمقام صاحب العصمة الكبرى الذي يصفُ نفسه قائلًا: "أدّبني ربي فأحسَنَ تأديبي" و "أنا أديب ربي" و"إنّما بُعِثْتُ لأتمِّمَ مكارمَ الأخلاق" إنّه التجسيدُ الفعلي للإنسان الكامل الحاكي عن كمالاتِ الحقِّ (سبحانه) المبعوث رحمةً للعالمين ولا مجالَ للنقصِ ولو بمقدارِ أنمُلةٍ بمُقتضى العصمة الرسالية. لقد تمكّنَ، بحُسنِ خُلُقِه العظيم وصبره ومداراته للناس، من تأليفِ قلوبٍ طالما فرّقتها حروبُ الجاهلية، وجعلهم أمةً واحدةً، فلقد "كان خُلُقُه القرآن" أي يأتمِرُ بما أمرَ اللهُ في كتابه المجيد وينتهي عمّا نهى عنه، وإلى ذلك دعا، بأبي وأمي، ونحنُ على ذلك من الشاهدين. وأبيضُ يُستسقى الغمامُ بوجهه ربيعٌ لليتامى، بهجةٌ للأرامل السلامُ عليك يا أبا الزهراء، يا حبيب الله.. ––––––––––––––––––––––– تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي ج١٩،ج٣ بحار الانوار للعلامة المجلسي جيفري لانج رحلتي إلى الإسلام
اخرىبقلم: سماهر الخزرجي الذي يُراجعُ سيرةَ أصحابِ الحُسين (عليه السلام) يُلاحظُ فيهم عدّةَ صفاتٍ وشمائلَ اجتمعتْ فيهم، فهم زُهّادٌ، عُبّادٌ، شُجعانُ حروبٍ وغزوات، والتأملُ في هذه المسألة تدعو الفردَ المُسلم في زمنِ الغيبة، أنْ يكونَ على جهوزيةٍ عاليةٍ، عقائديًا ونفسيًا وبدنيًا، حتى من حيث الكفاءات أيضًا. والتمهيدُ لدولةِ العدلِ الإلهي يحتاجُ إلى وجودِ أفرادٍ بهذه الصفاتِ لاستقامةِ الأمرِ لقائمِ آل مُحمّد (صلوات الله عليهم أجمعين)؛ فالإمامُ يريد جماعاتٍ وأجهزةٍ ومؤسساتٍ تعملُ على التهيئةِ له والجهوزية للشروع في الحركةِ الإصلاحية، وهذه الجماعات عبارةٌ عن أفرادٍ انضووا تحتَ تلك الدائرة. فيجبُ على كُلِّ فردٍ الاستعدادُ لنُصرةِ الإمامِ (عليه السلام) بتهذيبِ النفس وتزكيتِها وتكميلها بحملِها على تركِ المُحرّمات ولزوم الطاعات، وتوطينِ النفس على تحمُّلِ الأذى والمشاق في سبيلِ هدفه، فإن تمّ له ذلك رجِعَ إلى أهلِ بيته لإصلاحِهم، فإنّهم نواةُ المُجتمعِ ومنهم يتجذَّرُ الإصلاح، ثمّ بعدها ينخرطُ في المُجتمع، فتقع عليه مسؤوليةُ إنارةِ وإراءةِ الطريق لأيتامِ آلِ محمدٍ في الطُرُق المُلتوية، والمسالكِ الحالكة، والفتنِ الخطيرة، والمزالقِ الكثيرة، لينضووا تحتَ لوائه ويتشرّفوا بخدمته. فكيف يتمُّ ذلك؟ إنّ ذلك يتمُّ بعدّةِ أمورٍ منها انتظارُ الفرج؛ فهو من أفضلِ الأعمال، وقد وردتْ فيه رواياتٌ كثيرةٌ، منها ما جاء عن الرسولِ (صلى الله عليه وآله): "إنّ أحبَّ أعمالِ أمّتي إلى الله (عز وجل) انتظار الفرج" وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من ثبتَ على موالاتِنا في غيبةِ قائمِنا، أعطاه اللهُ أجرَ ألفِ شهيدٍ مثلِ شُهداءِ بدرٍ وأحُد" والانتظارُ ليس أنْ يجلسَ الإنسانُ حليسَ بيتِه، ينتظرُ ظهورَ الإمامِ من دون عمل! الانتظارُ هو الثباتُ على ولايةِ أهلِ البيت (عليهم السلام) والاعتقادُ بالإمامِ الحُجّة (عجّل الله فرجه)، بوجوده وغيابه، والحفاظُ على هذه العقيدة حتى يُزهِرَ مصباحُ الهُدى في قلبه، ويمتلكَ الحصانةَ من العقائدِ الباطلة والأراجيفِ الضالّة، وتحمُّل مسؤوليةِ نشرِ التعاليمِ السماوية، ففي هذا تعجيلٌ لفرجه. وقد وردَ في التوقيعِ الشريفِ الصادر منه إلى الشيخِ المُفيد (طيّب اللهُ رمسه) "فما يحبسُنا عنهم إلا ما يتصلُ بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم، واللهُ المُستعانُ وهو حسبُنا ونعمَ الوكيل" فتعجيلُ ظهورِ الأمر منوطٌ بأفعالِ العباد، فارتكابُ المعاصي واستباحةُ المُحرّمات تؤخِرُ ظهورَ الإمامَ (عجل الله فرجه). والثباتُ وقوّةُ العقيدة هي من سماتِ المؤمن المُنتظر، فنرى أنّ الإمامَ الصادق (عليه السلام) يسردُ صفاتِ أصحابِ القائم (عجل الله فرجه): "ورجالٌ كأنّ قلوبَهم زُبُرُ الحديد، لا يشوبُها شكٌ في ذات الله، أشدُّ من الحجر، لو حملوا على الجبالِ لأزالوها" لا تُزلزِلهم الشبهاتُ ولا تُضعِفهم الظُلُمات. فبعدَ أنْ تترسّخَ فيهم العقيدةُ الحقّةُ يصلونَ لمقامِ الفداء؛ فلا يهمّهم إنْ وقعوا على الموت أو وقع الموتُ عليهم، يقولُ الإمامُ الصادقُ واصفًا إيّاهم: "يقونه بأنفسِهم في الحروب، ويكفونه ما يُريدُ فيهم، ينصرُ اللهُ بهم الإمامَ الحقّ" فنُلاحِظُ هناك تكاملًا في جنباتِ شخصياتِهم، فهم مع كُلِّ ذلك نشطون في عبادتِهم، مُقبِلون على الله (تعالى)، لا يفترون عن ذكره لهم دويٌّ كدويّ النحل "رجالٌ لا ينامون الليلَ، لهم دويٌّ في صلاتِهم كدويّ النحل، يبيتون قيامًا على أطرافِهم ويُصبحون على خيولهم، رُهبانٌ بالليل ليوثٌ بالنهار" فمن ضمن صفاتِهم بعدَ الشجاعةِ والإقدام والفداء، النشاطُ في العبادة والإقبال عليها دون فتورٍ وملل، مما يُعطيهم هذا النشاطُ الطاقةَ الإيجابيةَ ويمدُّ أجسامَهم بالقوّةِ الغيبية، فإذا قويَتِ الروحُ قويَ البدن على وظائفه ومهامه، فيتحوّلُ الإنسانُ إلى منظومةٍ تمهيديةٍ كاملةٍ من جميعِ حيثياته: روحه، بدنه، تذليله لنفسه وكبح جماحها وحثها على وفق ما يقتضيه التمهيد للعدل الإلهيّ.. وهذه الصفات كُلُّها تجسّدت في أصحابِ الحُسين (عليه السلام)؛ لذلك وصلوا لتلك المرحلةِ من الفداءِ للعقيدة، حيث كانوا لا يُبالون بما يُصيبهم بعد ذلك في جنبِ اللهِ (تعالى) والإمام (عجل الله فرجه)، فعلى المُمهِّد والمُنتظِر اتخاذ سيَرهم دليلًا ومُرشدًا للوصول إلى مُبتغاه في التكامُلِ ليكونَ خيرَ عونٍ للإمام الحجة (عجل الله فرجه).
اخرىبقلم: علي قاسم وتكتشفُ أنْ لا أحدَ بجانبِك تحكي له ما يدورُ في يومِك التافه، تُكلّمُهُ عن تلك التفاصيل، تشتاقُ لتلك الردودِ التي كانتْ في لحظةٍ ما باردة، ستشتاقُ إلى خلافاتكما، ستشتاقُ ويقتُلُك الحنينُ عندما لن تجدهُ بجانبِك ستهمسُ في أذُنِك الذكرياتُ والأماكنُ سيكونُ في كُلِّ ثانيةٍ ينبضُ قلبُك فيها اشتياق، تشتاقُ لتبحثَ عن قيمتِك في حياةِ ذلك الشخص..
اخرىبقلم: الشيخ حسين التُرابي إنّ العفافَ هو الاستحياءُ عن التمادي في الاستجابةِ للغريزةِ الخاصّةِ التي يبتني عليها التناسلُ والتكاثرُ في الجنسِ البشريّ، ويُعتبرُ العفافُ قيمةً فطريّةً فاضلةً، فما من إنسانٍ إلّا وهو يجدُ في داخلِه أنّ كفَّ المرءِ عن الاستجابةِ للغريزةِ في غيرِ الإطارِ المُحدّدِ هي سمةٌ فاضلةٌ، فالشابُّ الذي لا يبحثُ عن إغراءِ الفتياتِ بنفسِه، بل يسعى إلى أنْ يتزوّجَ ويُشكّلَ أسرةً مُستقرّةً يجدُ كفافَه فيها ممدوحًا لدى الناسِ كُلِّهم. كما أنّ الفتاةَ التي لا تبحثُ عن إغراءِ الشبابِ بنفسِها وتستطيعُ أنْ تملكَ نفسَها عن الاستجابةِ لدواعي الإغراءِ تكونُ ممدوحةً كذلك. وما من مُجتمعٍ بشريّ إلّا وهو يتبنّى أمرَ العفافِ بدرجةٍ أو أخرى، وليس هناك أيّ مجتمعٍ إنسانيّ يبني على الإباحيّةِ المُطلقةِ والانفلاتِ المُطلق، وأرشدُ المُجتمعاتِ من هذه الزاوية هو المُجتمعُ الذي يتمسّكُ بأدواتٍ أكثر ملاءمةً للحفاظِ على عفافِ الرجلِ والمرأةِ وتوقّي السلبيّات التي تنشأُ عن انتهاكِ هذا المبدأ الإنسانيّ الهامّ. ويتقوّمُ العفافُ بأمورٍ ثلاثة: الأوّل: العفافُ عن العلاقةِ الخاطئة. والثاني: العفافُ عن المُمارساتِ الخاطئة، من قبيلِ التحرّشاتِ السلوكيّة واللفظيّة ونحوها. والثالث: العفافُ عن الإغراءِ بالنفسِ من خلالِ المظاهرِ والسلوكيّاتِ والحركاتِ العامّة. فهذه الأمورُ الثلاثةُ من العفافِ ذاتُ ارتباطٍ موثوق، فلنْ يستطيعَ المُجتمعُ أنْ يصلَ إلى العفافِ المطلوبِ إلّا برعايةِ أفرادِه لمستوى مقبول من التحذُّرِ عن العلاقاتِ الخاطئةِ وعن المُمارساتِ الخاطئة المُنتهية إليها، وعن المظاهرِ المُغرية بالشكلِ العامِّ في كُلِّ مُجتمعٍ بحسبِه للآخر. ويُمكِنُ للإنسانِ أنْ يجدَ المقدارَ المطلوبَ من العفافِ من المنظورِ الإنسانيّ العامّ من خلالِ القاعدةِ الأخلاقيّةِ المعروفة بـ(القاعدة الذهبيّة) وهي: (أنْ يُحِبَّ الإنسانُ لنفسِه ما يُحِبُّ لأخيه، ويكرهُ لنفسِه ما يكرهُ لأخيه). فعلينا أنْ نُطبّقَ هذا المبدأ بالنسبةِ إلى أنفسِنا في سلوكيّاتنا، فما الذي ترغبُ فيه المرأةُ أنْ تكونَ عليه الفتياتُ الأخرياتُ أمامَ زوجِها وأبيها وأخيها؟ وما الذي يرغبُ فيه الشابُ أنْ يكونَ الفتيانُ الآخرون أمامَ زوجتِه وأمِّه وأختِه وابنتِه وسائرِ قرابتِه، فهذا الميزانُ ميزانٌ إنسانيٌّ عادلٌ يُنبِّهُ الإنسان على التصرُّفِ اللائقِ مع الآخرين، فإذا كانتِ المرأةُ المُتزوّجةُ تكرهُ أنْ تظهرَ الفتياتُ أمامَ زوجِها بمظهرِ الإغراءِ والاستدراجِ والسلوكيّاتِ الأخرى فإنّ عليها أنْ تلتفتَ في شأنِ نفسِها إلى مثل ذلك. إنّ العفافَ يُمثّلُ ركيزةً أساسيّةً في الحياةِ الإنسانيّة؛ لأنّ العلاقةَ الخاصّةَ التي أودعَها اللهُ (سبحانه) في نفسِ كُلِّ إنسانٍ ذكرًا كان أو أنثى من الانجذابِ إلى الآخر إنّما جُعلَ لتكوينِ أسرة سليمة يجِدُ كُلٌّ من الطرفين سعادتَه فيها ويخلقون بذلك جيلًا آخر يتصدّون لتربيتِه وتنميتِه وإعدادِه واتصافِه بالرُشدِ والحكمةِ والفضيلة. فعلى الإنسانِ أنْ يسيرَ على هذهِ الركيزةِ الأساسيّةِ في الحياةِ ويهتمّ بمُراعاةِ مُقتضاه كما يُحِبُّ أنْ يُراعيَ الآخرونَ مُقتضاه بالنسبة إلى ذويه.
اخرى