بقلم: زينب الزيني کیف أشکو للبشر؟ عن مصابٍ أو ضرر، أو هموم أو عسر؟ وأنتَ ربي قريب... لدعوانا تستجيب.. كيف لا ترتاح روحي؟ كيف لا تشفي جروحي؟ وأنتَ يا ربّي الطبيب... عليَّ أن أشقَ دربي... إليك ربي أُنيب... من كلِّ أمر عصيب. وأنت يا الله ربي. وأنت مولاي وحسبي.. وإذا دعوناك فأنتَ قريب.. فليطْمئن قلبي. قلتَ: "نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ" إذًا سأعيدُ كلَّ ما كان عن قلبي بعيداً.. أرتبُ عملي من جديد... سأمضي حاملًا قرآني معي... سأبتسمُ وإن عبست الحياة لي. سأنسجُ من خيوط الظلام ثيابًا من نور الشمس سأكتب عن تغيّري باليوم والأمس. لأن الأقلام سترحلُ ولا يبقى لي إلا الأثر. فأحسن حتى وإنْ لم ألق إحسانًا من البشر. وأكون طيبَ القلب أتحلى بالصبر، والله سيكتبُ لي الظفر... وأعيشُ منعمًا بالجنة عند مليك مقتدر.
اخرىبقلم: علوية الحسيني ■النقطة الخامسة: التفاتةٌ تنزيهية حول الرؤية القلبية: إنَّ الرؤية القلبية لا تعني إحاطة القلب بالله (تعالى)؛ بل تعني شعور العبد أنّه محاط، مُهيمَن عليه، من قبل ربٍّ هو أقرب إليه من حبل الوريد. فليس معنى الرؤية القلبية أنّ العبد هو الذي يُسلط علمه على الله (تعالى) فيعرفه، كما لو سُلِّطت إنارة على شيءٍ مُظلم فأنارته، فيُصبح الشيء مقهورًا ومُضطرًا لأن يُعرَف ويُحاط به. بل جُلّ ما نستطيع قوله إنَّ المعرفة القلبية تأتي من قبل الله (تعالى) نفسه، ويكون العبد هو المقهور والمُضطر لتقبّل تلك المعرفة بمشيئة الله الواحد القهّار، فتصل القلوب إلى معدن عظمة الله (سبحانه). فالاستدلال وإن كان إنيًّا ــ أيّ استدلال بالمعلول على العلة ــ، إلاّ أنه لا يلزم منه احتياج الله الغني لمخلوقاته – قلوب العباد – لأجل أنْ تدلُّ عليه، بل هو (سبحانه) في كتابه الكريم علّمنا هذا الاستدلال في آيات عديدة، فلا يشكل. وعليه، فيكون تجلّي معرفته في قلوب عباده بأمرٍ منه وإرادة، والعظمة له (سبحانه)، لا للقلب الذي حوى تلك المعرفة، ولا للمعرفة نفسها قياسًا بجلالته (جلّ وعلا). ويؤيد ذلك ما جاء في المأثور عن سادة التوحيد في المناجاة الشعبانية: "اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِك"(14). فالعبارات معطوفة بعضها على بعض، ونستظهر منها أنّ للقلوب أبصاراً –وهي الرؤية القلبية-، وأنّ نتاجها هو الوصول إلى معدن العظمة، وهو خلو القلب من أيّ متعلق سوى الله (سبحانه)، فيتجلى (تعالى) بالمعرفة في قلب عبده، وهذا من قبيل ما جاء في الحديث: "إنّ لي عبادًا من عبادي، يُحِبونني وأُحِبُهم، ويشتاقون إليّ وأشتاق إليهم، ويذكروني وأذكرهم ...، أقلّ ما أُعطيهم ثلاثًا: -الأول: أقذفُ من نوري فـي قـلوبهم فيُخبرون عنّي كما أخبر عنهم. -والثاني: لو كانت السماوات والأرضون وما فيهما في مـوازيـنهم لاستقللتها لهم. -والثالث: أقبلُ بوجهي عليهم، أ فتُرى مَن أقبلتُ بوجهي عليه يعلم أحدٌ ما أريد أنْ أعطيه؟"(15). والإقبال من الله (تعالى) على عباده هو تجلّي المعرفة لهم؛ لتنزهه (سبحانه) عن الجسمية ولوازمها –كالرؤية، واللقاء، وثبوت الوجه، وحلوله في مكان، وما شابه ذلك-. ولا يظُننَّ القارئ أنّ التجلّي هو التجلّي الذاتي، بل هو المعرفي؛ فالتجلّي مخلوقٌ، وهو فعل من أفعال الله (تعالى)، بدليل قوله تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقا}(16)، فقبل أنْ يطلب النبي موسى (عليه السلام) رؤية الله (سبحانه) كما طلب منه قومه ذلك، لم يكن هناك تجلٍ، فالتجلي غير الذات؛ فما تجلّى للكليم (عليه السلام) هو نورٌ وصوتٌ مخلوقان، سلّط الله (تعالى) النور على الجبل فصعقَ موسى منه، وخلقَ الصوت في شجرة فكلّم موسى. وجاء في بعض الروايات أنَّ ذلك النور هو نور أحد الملائكة الكروبيين؛ كما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام): "إنَّ الكروبيين قوم من شيعتنا من الخلق الأول جعلهم الله خلف العرش، لو قسم نور واحد منهم على أهل الأرض لكفاهم، ثم قال: إن موسى (عليه السلام) لما سأل ربه ما سأل، أمر واحدًا من الكروبيين تجلى للجبل فجعله دكا"(17)، والرواية وإنْ كانت مرسلة إلاّ أنّها تعضد الدليل العقلي الذي ينفي تجسيم الله (تعالى). وقد ذكر العلاّمة الطباطبائي (قدّس سرّه) أنّ لتجلي الله (تعالى) مصاديق متعددة، وجميع المصاديق لا توجب تجلي الله (تعالى) بذاته؛ حيث قال: "مُحصل الرواية أنَّ تجليه (سبحانه) يقبل الوسائط كما أنَّ سائر الأمور المنسوبة إليه (تعالى) كالتوفي والإحياء والرزق والوحي وغيرها يقبل الوسائط فهو (تعالى) يتجلى بالوسائط كما يتوفى بملك الموت، ويحيي بصاحب الصور، ويرزق بميكائيل، ويوحي بجبرئيل الروح الأمين"(18) فما أحد الكروبيين، وعزرائيل، واسرافيل، وميكائيل، وجبرائيل، إلاّ وسائط تُفيض علينا أمر الله (جلّ جلاله)، وهي مظهر تجلّي الله (تعالى) دون إثبات التجسيم له (سبحانه). ونجدُ في روايات أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تصريحًا بصحة الرؤية القلبية، والظاهر) منها زيادة اليقين بظهور عظمة الله تعالى وقدرته، منها: عن يعقوب بن إسحاق، قال: "كتبتُ إلى أبي محمد الحسن العسكري، (عليه السلام) أسأله كيف يعبد ربه وهو لا يراه؟ فوقع (عليه السلام): يا أبا يوسف جلَّ سيدي ومولاي والمنعم علي وعلى آبائي أن يُرى، قال: وسألته هل رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ربه؟ فوقع (عليه السلام): إن الله (تبارك وتعالى) أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحب"(19). نلاحظ هنا أنَّ الحديث لم يقل إنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) رأى بقلبه دون علم الله العلاّم، بل الحديث يقول إنَّه (تعالى) أرى رسوله، فالمُحاط هو الرسول (صلى الله عليه وآله)، والقاهر، والمُحيط هو الله (تعالت قدرته). وتكريم الرسول (صلى الله عليه وآله) بحصةٍ من الرؤية القلبية لا يعني انقلاب حاله من مُحاط به إلى مُحيط؛ لتنزّه المُحيط أن يُحاط به، كما أنَّ التجلّي ــ كما تقدّم ــ معرفيٌّ، وليس ذاتيًا ليوجب الإحاطة من المُحاط بالمُحيط. ■النقطة السادسة: العقل والقلب مصبان للرؤية القلبية: إنّ الرؤية العقلية كالرؤية القلبية؛ بلحاظ اشتراكهما في أنّهما لا يؤديان إلى اكتناه ذات الله (تعالى)، بل هما تجلٍ من تجليات الحق (سبحانه)، لا تشوبهما شائبة الوهم والإحاطة كلّما كان العبد مستكملًا، ولا مصداق للعبد المستكمل سوى نبي الله محمد (صلى الله عليه وآله) - وآله (عليهم السلام). وقد روي "عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قُلْتُ لابِي الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلام) رُوِّينَا عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عَلَيْهِ السَّلام) أَنَّهُ قَالَ إِنَّ عِلْمَنَا غَابِرٌ وَمَزْبُورٌ وَنَكْتٌ فِي الْقُلُوبِ وَنَقْرٌ فِي الاسْمَاعِ فَقَالَ أَمَّا الْغَابِرُ فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ عِلْمِنَا وَأَمَّا الْمَزْبُورُ فَمَا يَأْتِينَا وَأَمَّا النَّكْتُ فِي الْقُلُوبِ فَإِلْهَامٌ وَأَمَّا النَّقْرُ فِي الاسْمَاعِ فَأَمْرُ الْمَلَك"(26) فالنكت في القلوب هو تجلٍ معرفيٍ قلبي، أثره هو رؤية الله تعالى قلبيًا، والعلم لازمه الرؤية القلبية، فتحققت. وقد وصفهم سيد الموحدين (عليه السلام) بقوله: "واعلم أنَّ الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السدد المضروبة دون الغيوب، الاِقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب، فمدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علمًا، وسمى تركهم التعمق فيما لم يُكلفهم البحث عن كنهه رسوخا"(27)، فبعض التجلي المعرفي لم ينكت في قلوبهم، لاختصاص الله العليم العزيز به، فتركوا التعمق في ما لم يكونوا مكلفين بالبحث عن كنه ذات الله سبحانه. وكذلك يشترك العقل مع القلب في أنّ لهما دوراً في معرفة الله (تعالى) معرفةً لا توجب الإحاطة، فللعقل دورٌ في الرؤية العقلية، يقول سيد الموحدين (عليه السلام): "وإنّ العقل يعرف الخالق من جهة توجب عليه الإقرار، ولا يعرفه بما يوجب له الإحاطة بصفته"(28). وفي بيان دلالةِ القلب على معرفة الله (تعالى)، جاء في المأثور: "اللّهم... أوصلت إلى قلوب المؤمنين من معرفتك ما آنسها من وحشة الفكر ووسوسة الصدر فهي على اعترافها بك شاهدة"(29). ويشتركان أيضًا في أنّ الوهم يتجاوزهما؛ فقد يتوهم العبد شيئًا والقلب يرفض الاذعان به، وقد يتوهم شيئا والعقل يرفضه أيضا. فروي عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): لا تقدّره الأوهام بالحدود والحركات.(30). وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام): مَن زعم أنّه يعرف الله بتوهّم القلوب فهو مشرك.(31). وبهذا يتضح لنا أنّ القلب والعقل مصبان للرؤية القلبية المسبوقة ولو بأدنى المعرفة بالله (تعالى). فالعقل يرى بالإدراك، والقلب يرى بالبصيرة، أو بالعيون القلبية؛ وقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "إنما شيعتنا أصحاب الأربعة الأعين: عينان في الرأس، وعينان في القلب"(32). ........................... (14) مفاتيح الجنان: للشيخ عباس القمي. (15) ميزان الحكمة: للريشهري، ١٦٩٨. (16) الأعراف: 143. (17) بصائر الدرجات: محمد بن الحسن الصفار، 21ص. (18) تفسير الميزان: للسيد الطباطبائي، ج8، ص260. (19) المصدر السابق، ب8، ح2. (26) الكافي: للشيخ الكليني، ج1، ب107، ح3. (27) نهج البلاغة، خطبة الأشباح، ج 1. (28) توحيد المفضل: للمفضل بن عمر الجعفي، ص118. (29) مصباح التهجد: للشيخ الكفعمي، ص43. (30) نهج البلاغة، خ163. (31) تحف العقول: للشيخ الحسن بن علي الحراني، ص238. (32) الكافي: للشيخ الكليني، ج٨، ص215، ح260. سُبْحانَكَ طَوَتِ الْأَبْصارُ في صُنْعِكَ مَديدَتَها، وَثَنَتِ الْأَلْبابُ عَنْ كُنْهِكَ أَعِنَّتَها، فَأَنْتَ الْمُدْرِكُ غَيْرُ الْمُدْرَكِ، وَالْمُحيطُ غَيْرُ الْمُحاط.
اخرىبقلم: نرجسة الزمان الموسوي فتحتْ محارة في قاع المحيط غطاءها للمياه، واثناء مرور الماء، قامت الخياشيم بالتقاط الطعام وإرساله إلى معدتها. وفجأة؛ حرّكتْ سمكةٌ كبيرة الرمل بشدة، وكم تكره المحارة الرمل! لأنه خشن إلى حد يجعل حياتها صعبة وغير مريحة عندما يتسرب إلى الداخل. وبسرعة، أغلقت المحارة قشرتها، ولكن بعد فوات الأوان؛ فقد دخلت حبة رمل خشنة واستقرت بين الجلد الداخلي والقشرة. وكم أزعجت حبةُ الرمل المحارةَ! لكن -في الحال- ابتدأت غدد خاصة منحها الله للمحارة بتكوين مادة خاصة ناعمة ولامعة حول ذرة الرمل. وعلى مر السنين؛ أضافت المحارة طبقات أخرى حول ذرة الرمل تلك حتى أنتجت لؤلؤة ناعمة جميلة وثمينة! نعم؛ المرأة جوهرة الوجود، وهي كلؤلؤة ثمينة؛ لذلك أحاطها الله بالرعاية من الرجل، وأعطاها كل القوانين والأحكام الشرعية التي تحفظ حقها وتحميها، وأيضًا أعطاها الحرية بالتحرك مع الالتزام بالحشمة والعفة؛ فلا ضير أبدًا في ذلك؛ ولكن -ومع الأسف- هناك نساء فهمت الحرية بمعنى آخر؛ فعثت في الأرض فسادًا، وهذا ما جعل أعرافنا تحبس المرأة. دائمًا يدور تساؤل في ذهني: لماذا تحبس المرأة العفيفة والتي تعرف كيف تحافظ على نفسها وتصونها وتتحرك ضمن الأحكام الشرعية، ويطلق العنان للنساء المفسدات؟ وقد أجاب أحد الإخوة على تساؤلي: أما عن تساؤلك حول تناقض التعامل بين الحرة العفيفة والمفسدة؛ فإن العرف السائد لابد أن يتضمن شيئاً من الظلم؛ فعمت على الكثير؛ ولكن رغم ذلك؛ فالأمر نسبي ويتبع رب البيت إن كان متحضرًا أو متحجرًا. الغريب في الأمر أن الأغلب يقول: إن المرأة هي أساس الفساد والإفساد! فقد أخبرتني إحدى الأخوات أنها لبت دعوة "اجتماع الأمهات"، وتحدثت مديرة المدرسة عن إهمال الأم لتربية أولادها مما أدى إلى انغماس البنت في مستنقع الفساد الأخلاقي؛ وألقت اللوم كله على الأم! يا تُرى، أين دور الأب... المعلم... الصديق... البيئة التي تربى فيها (الولد-البنت)؟! إذا كان الأب له الحق بأن يخدع الفتيات على مواقع التواصل الاجتماعي وقد تسلل الشيب إلى شعره وهذا كله يكون أمام مرأى الزوجة والأولاد؛ فماذا يعتقد من ابنته أو ابنه اللذين يمران بمرحلة المراهقة الخطرة؟! (أقصد البعض ولا أقول كل الآباء). و قد أخبرتني أخت أخرى أنها علمت بأن ابنها المراهق له علاقة مع إحدى الفتيات؛ فهرعت وأخبرت زوجها لكي يتدارك الأمر ولا يحصل ما لا يحمد عقباه؛ لكن زوجها لم يأبه، وقال لها: وماذا في ذلك؟ فليتمتع بشبابه! وعندما عرف بعد مدة أن ابنته وقعت تحت أنياب أحد الذئاب، ضربها وسجنها في غرفة مظلمة، وحرمها من حقها في التعليم، وألقى اللوم كله على زوجته المؤمنة التي كانت تحاول أن تحمي أولادها، ولم يعترف بذنبه الذي اقترفته! وهذه الشابة وهذا الشاب كم سيكونان مؤثرين، وسوف يجرفان معهما الكثير لإغراقهم في بحر الخطيئة؛ فكما تدين تدان. إن ديننا الإسلامي الحنيف لا يفرق بالعقوبة بين الرجل والمرأة... قال تعالى: {ﻭَﺍﻟﺴَّﺎﺭِﻕُ ﻭَﺍﻟﺴَّﺎﺭِﻗَﺔُ ﻓَﺎﻗْﻄَﻌُﻮﺍْ ﺃَﻳْﺪِﻳَﻬُﻤَﺎ ﺟَﺰَﺍﺀ ﺑِﻤَﺎ ﻛَﺴَﺒَﺎ ﻧَﻜَﺎﻻً ﻣِّﻦَ ﺍﻟﻠّﻪِ ﻭَﺍﻟﻠّﻪُ ﻋَﺰِﻳﺰٌ ﺣَﻜِﻴﻢٌ } سورة ﺍﻟﻤﺎﺋﺪﺓ الآية (38). أما ذكر اسم المرأة؛ فيعتبر كارثة في كتاب الأعراف، وهذا ليس له علاقة بالدين الإسلامي أبدًا. لقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم اسم آسية بنت مزاحم، زوجة فرعون، واسم مريم أم نبينا عيسى (عليهما السلام). أمّا الزهراء (عليها السلام) فكان النبي (صلى الله عليه وآله) يذكر اسمها دائمًا. وحتى هي -بأبي وأمي- ذكرت اسمها عندما وقفت في المسجد النبوي الشريف أمام جموع المهاجرين والأنصار وقالت: "اعلموا أني فاطمة..." وهذا أوضح دليل على أن الدين الإسلامي سمح للمرأة أن تذكر اسمها، أما أعرافنا فقد حرمت عليها هذا! على المرأة المؤمنة أن تقتدي بسيدة النساء الزهراء (عليها السلام) عندما اقتضت الضرورة؛ وقفت تدافع عن زوجها بكل شجاعة ووقار وهيبة ومع التزامها بحجابها، كما طالبت بحقها في خطبتها الشهيرة بالخطبة الفدكية. إذا صلح الشباب صلحت الأمة، وإذا فسد الشباب فسدت الأمة، والكل مسؤول؛ فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. لقد تهاوى المجتمع عندما ضيعوا دور المرأة .
اخرىبقلم: أم قنوت من الطبيعي أن تزورَ حالةُ الإقبالِ والإدبارِ المؤمنَ أثناءَ تأديته لعباداتِه، ولكن من المهم أن لا يسقطَ في شراكِ الشيطانِ فيدخلَ في حزبِه ولا يقدر على الإفلاتِ. في قولِ الإمام زين العِبادِ (عليه السلام) وصفٌ بالغُ الدقةِ وصورةٌ بليغةُ المعاني وطلبٌ جريءٌ وشجاعٌ حين دعا: "فَإذَا كَانَ عُمْرِي مَرْتَعَاً لِلشَّيْطَانِ فَـاقْبِضْنِي إلَيْـكَ قَبْـلَ أَنْ يَسْبِقَ مَقْتُـكَ إلَيَّ، أَوْ يَسْتَحْكِمَ غَضَبُكَ عَلَيَّ" (1) فليتخيل كلٌ مِنّا هذا الوصفَ: عمري مرتعٌ للشيطانِ، أي إن الشيطان يأكلُ ويشربُ ويجدُ راحتَه ويرتعُ كما ترتعُ الإبلُ في الحظيرةِ، تخيلْ هذا الوصفَ! ألا تراهُ وصفاً مُخجِلاً؟ ثم شاركني الشجاعةَ، مَن مِنّا يطلبُ الموتَ فراراً من غضبِ الله عز وجلَّ، وأيُّ شجاعةٍ تلكَ التي نَتَّصِفُ بها لِنطلبَ مثلَ هذا الطلب؟ فقد مرَّ على مسامعِنا الكثيرُ من المواعظِ والرواياتِ المتحدثةِ عن صغائرِ الذنوبِ التي تؤدي الى الكبائرِ ولكنّها على ما يبدو قد مرَّتْ مرورَ الكرامِ على عقولِنا. كيفَ يصبحُ العمرُ مرتعاً للشيطانِ؟ هل أذكرُ مواردَ جوابِ هذا السؤالَ أم أتركُه لكلٍ منا ليتفكَّرَ كيفَ جَعَلَ عُمرَه مرتعاً للشيطانِ؟ أأذكرُ بعضَ الأمثلةِ؟! صلاةٌ تتأخرُ دائماً بلا سبب، وبالأصلِ لا يُعرَفُ كم صلاة يجبُ أن تُقضى مما فاتَ، ثم إنَّ الصومَ لا يُنالُ منه غير الجوعِ والعطشِ، والأموالُ متكدسةٌ لا تُصْرَفُ في مواضِعِها، واليومُ طويلٌ والبعضُ مشغولٌ بتوافِهِه، وأزعجَ صديقٌ صديقَه بعضَ الشيءِ فاغتابَه الآخرُ كثيراً، وغضبَتْ زوجةٌ ففضلَّتْ العنادَ وتطاولَتْ على زوجِها، ومرَّ رجلٌ بامرأةٍ جميلةٍ متبرجةٍ فأطالَ النظرَ، وأخذَت الغيرةُ مأخذَها مِنْ حاسدٍ لصديقين فآثرَ أن يَنُمَّ بينهما ليفترقا، ولم يستمعْ ابنٌ لنصائحِ والِدِه بالابتعادِ عن صديقِ السوءِ فأصبحَ مدمناً للمخدراتِ، وغفا أحدُهُم ليلاً بينما كان هاتفُه لا يزالُ يصدحُ بالمحرَّماتِ، أما سيارتها فتسبِّحُ لله بينما تستمعُ هي إلى لهوِ الحديثِ.... هذا غيضٌ من فيضِ أعمالِ المرءِ وعمرِه الذي كانَ مرتعاً للشيطانِ، ولكن من رحمةِ الله عز وجلَّ وعطاءِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) يتوجهُ المرءُ بدعوةٍ في ليلةِ الجمعةِ باكياً "وقد أتيتك يا الهي بعد تقصيري وإسرافي على نفسي معتذراً نادماً.." (2) فيردّ اللهُ (عز وجل) بحسنِ كرمه عليه قائلاً: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " (3). _________________ 1_ دعاء مكارم الاخلاق. 2_ دعاء كميل. 3_ سورة الزمر، آية 53.
اخرىبقلم: إيمان صاحب ليس من الصعب على الإنسان أن يكون معاقًا حينما يعتاد على ما هو عليه، بحيث يشعر وكأنه شخص سليم يمارس حياته بشكل طبيعي، ولكن الصعوبة تكمن في تقبّل هذا الشيء عند بعض الأصحاء أصحاب النظرة المحدودة التي ترى أن الشخص المعاق عاجز لا يتمكن من أي عمل، فعليه أن يلازم البيت ولا يخرج منه إلّا للضرورة، وكأن الإعاقة ذنب عظيم يحاسب عليه مدى الحياة. أما النظرة الثانية: ترى في الإعاقة نقصًا لا ينفك عن صاحبها، ولذا حينما يتحدث عنه لا يذكر اسمه، بل يسمّيه بما فيه من عوق كقوله: أتى الأعرج أو الأعمى، وحتى في التعامل يشعره بأنه لا يقدر على عمل شيء وأنه دومًا يحتاج إليه حتى في أبسط الأمور. وبين هذه النظرة وتلك، ذات تتحلى بثقة عالية وإرادة قوية، تتخطى جميع العقبات رغم ما بها من ألم وحرمان، فهذا لا يعني أن لا يتقدم إلى الامام بأي شكل من الأشكال، فكم من معاق أبدع بمجالات متعددة حينما منح فرصة من الفرص، وكم من مبدع أشاد بأعماله من أهل الاختصاص، وحتى من يرى أبداعهم يقول: هذه العبارة (الله يأخذ شيئاً ويعطي شيئاً)، وذلك ناشئ من إرادة قوية والاعتماد على الله تعالى ثم الثقة بالنفس، مع التحلي بالصبر في مواجهة كل ما يخدش المشاعر، لأن عجز أحد الأعضاء عن الحركة أو تعطيل طرف من الأطراف لا يعني توقف كل شيء وعدم القيام به، مادام يملك فكرًا نيرًا يضيء لنفسه ولمن حوله لا أن يكون فردًا عاجزًا وناقصًا، بل العجز هو حالة الجمود التي يعيشها الإنسان حينما يتأثر بنظرة أو بكلمة إن خذله الدعم الذاتي واستسلم لليأس دون مقاومة المصاعب والتصدي لهكذا أمور، فلو بذل كل الناس الدعم والتشجيع لذات من ذوي الاحتياجات الخاصة وهو لم ينهض بنفسه ويدعمها الدعم الذي يحركها نحو الأمام لا يكتب لها النجاح مدى الحياة وإن كان العكس يبلغ ما يتمناه كما يبلغه غيره من الأصحاء.
اخرىبقلم: قلم زهرائي حسيني نقاء.. من خيرة الفتيات اللاتي تعرفتُ عليهن وأحسنتُ اختيارهن، فتاة خلوقة ومتديّنة، روحها خضراء وثغرها باسم لا يحكي إلّا الصدق وطيب الكلام، رافقتها طويلًا، وكان هذا رزقًا وتوفيقًا أحمدُ الله تعالى عليه، كنت أراها مخلصةً في العمل مجتهدة في طلب العلم، خدومةً تحبّ الخير ومساعدة الآخرين، إلى جانب ذلك كنتُُ أراها قدوة في تربية النفس وتأديبها بأجمل الآداب، فكانت لا تشارك المغتاب، ولا تشجع على النميمة، وكل من عرفها يشهد لها بذلك... حظيَت نقاء باحترام جميع الفتيات، لأنها كانت تحترمهنّ جميعًا وتحسن إليهن، وكثيرًا ما رأيتُ تأثرهنّ بها وثقتهن برأيها، فكنّ يرجعْن إليها للاستشارة أو النصيحة، وكانت تقابلهن بكل حبّ وترحاب، كنت أعجبُ من طبعها وأتساءل: كيف وصلت إلى هذه المرحلة من حسن الخلق وطيبة النفس ونقاء السريرة؟ فكانت تجيبني بقول الإمام الصادق (صلوات الله تعالى عليه): "إِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ إِذَا وَرِعَ فِي دِينِهِ وَصَدَقَ الْحَدِيثَ وَأَدَّى الْأَمَانَةَ وَحَسُنَ خُلُقُهُ مَعَ النَّاسِ، قِيلَ: هَذَا جَعْفَرِيٌّ، فَيَسُرُّنِي ذَلِكَ وَيَدْخُلُ عَلَيَّ مِنْهُ السُّرُورُ، وَقِيلَ: هَذَا أَدَبُ جَعْفَر" (١). أتذكرها على الدوام... وأحد المواطن التي أتذكرها عنده؛ خطبة النبي الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله)، ولعلّها كانت تقرأها كثيرًا وجاهدت واجتهدت طويلًا لتعمل بما جاء فيها، ليس في شهر رمضان فقط، بل في كل الشهور. فعند قراءَتي لقول النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) "وَتَصَدَّقُوا عَلَى فُقَرَائِكُمْ وَمَسَاكِينِكُمْ" أتذكر كيف أنها كانت تخصص من مصروفها جزءاً وتضعه في محفظة خاصة، وعندما كنتُ أراها وأسألها تجيب: إني أجمع ما أوفقُ لجمعه لأقوم بإهدائه للفقراء والمحتاجين أو أشتري به شيئًا ينفعهم. وكانت تشجع والدتها وتساعدها في إعداد طبق من الطعام وإرساله إلى الجيران وتقول: ما أجمل أن نشارك ا لآخرين طعامنا وإن لم يكونوا من المحتاجين. وعند قوله (صلى الله عليه وآله): "وَوَقِّرُوا كِبَارَكُمْ، وَارْحَمُوا صِغَارَكُمْ" أتذكرها أيضًا، فقد كانت تحترمُ والديها أيّما احترام، فكانت تنهض احترامًا إذا دخلا، وكانت تتأخر في المشي عنهما خطوات، وتحرص على ألا يعلو صوتُها صوتَهما، وكانت تسرُّ بخدمتهما ولا تتململُ من ذلك، ما جعلها ذلك محبوبةً لدى الجميع، وليس عند والديها فقط، وهذا بفضل برها بهما ورضاهما عنها ودعائهما لها... ولم تكن تأمر أحدًا بعمل شخصيّ، وحتى الصغار، فلا تقول لهم: اجلبوا لي هذا أو ذاك، بل كانت تخدم نفسها بنفسها، وتعاملهم بمنتهى اللُطف والمداراة؛ لذا كانت تحظى بحبهم أيضًا، و كنت أمازحها أن: يا نقاء، كأنك الحلوى أينما كنتِ اجتمع حولكِ الأطفال! وفي قوله (صلى الله عليه وآله)" أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ حَسَّنَ مِنْكُمْ فِي هَذَا الشَّهْرِ خُلُقَهُ، كَانَ لَهُ جَوَازًا عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الأَقْدَامُ" أتذكرها كذلك، فقد كانت حريصة على التحلي بمكارم الأخلاق وجميل الطباع، كانت تقول لي: هذه الصفة جميلة وسيفخر بنا نبينا (صلى الله عليه وآله) وعترته وإمام زماننا إن تحلينا بها، وكانت تشجعني على الالتزام بها حتى تصير مَلكة لا تتغير مع تغير الظروف أو تبدل الأحوال. ذات يوم ذهبتُ إليها فرأيتها ترتدي الحجاب والعباءة والجوارب فتعجبت من ذلك وقلتُ: أفي هذا الحرّ الشديد وأنت صائمة! كيف تحتملين ذلك؟! فابتسمت وأخذتني من يدي وقالت: اخفضي صوتك، فلدينا ضيوف وقد اضطررت لمجالستهم مع عائلتي، ولأجل ذلك ارتديت هذه! وذات يوم، وبينما كنت أتجوّل معها في حديقة الجامعة، توقفتُ فجأةً ونظرت إليها وقلت: ها؟ أبشري، كم حبة رملٍ قد أحصيتِ؟ قلت ذلك لأنها كانت تغضُ بصرها كثيرًا وكأن عيونها تراقبان الأرض. لم تكن تقابل الإساءة بالإساءة بل كانت كثيرة العفو والصفح، وعندما كنت أستفهم عن سرّ ذلك تجيبني: لا ينبغي لأتباع آل محمد (صلى الله عليه وآله) أن يحملوا في صدورهم غلًا أو حقدًا، فماذا نخسر إن عفونا وصفحنا؟! ذلك يوجب قرب الله تعالى ورضاه، وإن هذه لمنزلةٌ عظيمة. ذات يوم دخلتُ مصلى الكليّة فوجدتها تجلس بمفردها، وعندما اقتربت منها حسبت أنها شاردة الذهن، ولكنها –وقتها- كانت تذكر الله تعالى بتسبيح السيّدة الزهراء (صلوات الله تعالى عليها)، ولكن لم أكن لأعلم بذلك إلا بعد حين مصادفة لأنها كانت تخفي المسبحة تحت عباءتها! ولعل السبب لئلا يدخلَ شيء من الرياء قلبها. كانت نقاء مصدر الأمان في مجموعتنا، فكُنّا نُسرُّ بوجودها ونحزن لغيابها، لقد كانت مصداقًا لقول سيد الأوصياء (صلوات الله تعالى عليه): «خالطوا الناس مخالطة إن متم معها بكوا عليكم، وإن عشتم حنوا اليكم» (٢). لقد كانت نقاء مثالًا للمرأة الواعية المثقفة، فرغم أننا وإياها كنّا في السنّ نفسه، ولكننا كنّا نتعلم منها وكأنها تكبرنا بسنوات! عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله عليه وآله:« قالت الحواريون لعيسى: يا روح الله من نجالس؟ قال من يذكركم الله رؤيته، ويزيد في علمكم منطقه، ويرغبكم في الآخرة عمله» (٣). ونقاء كانت كذلك. ـــــــــــــــــ (١) وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج١٢، ص ٢. (١) نهج البلاغة، خطب الإمام علي (صلوات الله تعالى عليه)، ج٤، ص٤. (٣) الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص ٣٩.
اخرىبقلم: دينا فؤاد الحلقة الثالثة تكملة الأبعاد العقائدية في دعاء طلب تفريج الهموم والغموم 2- الترسيخ الروحي والعقدي لقضية أهل البيت (عليهم السلام): لقد أكدت الزهراء (عليها السلام) على قضية أهل البيت لأهميتها البالغة، فالتوجه إلى الرسول وأهل بيته (عليهم سلام الله أجمعين) ــ الذي هو وسيلة وشرط في التوجه لله عز وجل ــ إنما يكون بالتوجه الروحي والعقدي، ولا يتم هذا التوجه ما لم تكن هناك معرفة واعتقاد بصاحب التوجه، وهذا بدوره يستلزم معرفة ولو إجمالية لهؤلاء النخبة التي انتخبها الله لعباده، وقرن طاعته بطاعتهم، كما في قوله جل وعلا: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}. (47) لقد بيّنت الزهراء (عليها السلام) بأن قضية الرسول وأهل بيته ليست قضية عادية، ومجرد ألفاظ يذكرها المتكلم، بل هي قضية عقائدية بحتة تحتاج إلى نظر وتمحيص، حيث إن نفس التوجه للنبي وآله (صلوات الله عليهم أجمعين) هو شرط زائد على الإيمان بهم، وإن الإيمان مقرون بالمعرفة الحقة لهم، فهم خلفاء الله على أرضه، وبهم يصان الدين، وتقام الشرائع. وإن وجودهم (سلام الله عليهم) هو لطف إلهي على العباد، وهو ما يقربهم إلى الطاعة ويبعدهم عن المعصية، ورفع الظلم والفساد، وإحلال الأمن والأمان. (48) وقد أشارت السيدة فاطمة (عليها السلام) إلى هذه الأمور، في دعائها في عدة مواضع، منها: "أتوسل إليك بحقهم العظيم الذي لا يعلم كنهه سواك"، و"أسألك ...، وبحق محمد وآل محمد"، و"وتسمع محمداً وعلياً وفاطمة ... صوتي فيشفعوا لي إليك وتشفعهم فيِّ"، و"بحق محمد وآل محمد ...يا كريم". 3- التأكيد على السؤال بالأسماء الحسنى والاسم الأعظم: لقد كان هناك تكرار من قبل السيدة الزهراء (عليها السلام) في دعائها للأسماء الحسنى بصورة عامة والاسم الأعظم بصورة خاصة، فقد كررت (سلام الله عليها) لفظ الأسماء والاسم الأعظم (8) مرات، ولا شك في أن يكون هناك قصد من التكرار لأسماء الله تعالى. أن هذا التكرار جاء من أجل بيان أن لهذه الأسماء أسرارًا، فالأسماء الإلهية والاسم الأعظم خاصة لها تأثيرات كونية، ويعد السؤال بها من أهم الوسائط والأسباب التي تنزل الفيض من الذات المتعالية في هذا العالم المشهود (49)، وهذا له دلالة على أن الله سبحانه وتعالى هو الموجد والفاعل لكل شيء، وعلى هذا يجب أن يكون الدعاء والطلب منه وحده لا من غيره، قال تعالى: {أجيبُ دعوة الداعِ إذا دعانِ}. (50) وهناك التفاتة مهمة أرادت الزهراء (سلام الله عليها) بيانها، وهي أن الدعاء بالأسماء الإلهية يحتاج إلى معرفة، فهي ليست مجرد ألفاظ يرددها الداعي بلسانه، بل هي حقائق حاوية لمعان لا يعلمها إلّا أولي العلم، وهم اهل بيت النبوة، المعصومون الأربعة (عليهم الصلاة والسلام)، فقد ورد عن الإمام الباقر(عليه السلام) أنه قال: "ان اسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفاً، وإنما كان عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس، ثم تناول السرير يده ثم عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين، وعندنا نحن من الاسم اثنان وسبعون حرفاً وحرف عند الله استأثر به في علم الغيب عنده، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم" (52) 4- اعلان الولاية التامة والمطلقة لأهل البيت (عليهم السلام) والبراءة من أعدائهم: معنى الولاية هنا: أن يجعل الإنسان المؤمن أهل البيت (عليهم السلام) هم الذين يتولون جميع أموره، ويواليهم ويقتدي بهم في جميع شؤونه، لأنهم الأئمة المفترضون الطاعة من الخلق، وولايتهم تعني التمسك بالإمامة التي هي إحدى الأركان لأصول الدين. ومعنى البراءة من أعدائهم: أن يتبرأ المؤمن من جميع الذين نصبوا وأعلنوا العداء لهم. وهذان فرعان من فروع الدين، فهما من الضروريات اللازمة للمؤمن، والثابتة له بالأدلة القاطعة في الكتاب والسنة؛ لأنهما يعنيان الاعتقاد بإمامة أهل البيت (عليهم السلام)، والتولي للأئمة والتبري من أعدائهم هو كأي أمر اعتقادي لا يحتاج إلى حضوره أو حياته، بل يحتاج إلى الإيمان بهم بأنهم أئمة، والتولي والتبري وإن كانا من الفروع ولكن أصل معرفتهما من الأصول، فمحبة الأئمة وبغض أعدائهم هي من الأمور الركنية المتوقفة على معرفة نفس الأئمة والتي هي مصداق للولاية. (53) وهذا ما عبرت عنه الزهراء (عليها السلام) من خلال دعائها: "وأسألك أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تفرج عن محمد وآله، وتجعل فرجي مقروناً بفرجهم"، فقد دعت أن يكون فرج العبد مقترن بالفرج لأهل البيت (عليهم السلام)، وهذا يمثل الولاية الحقيقية للأئمة، والاقتداء بهم في جميع شؤونهم. 5- إيقاظ الفطرة السليمة في الناس: عندما خلق الله تعالى الإنسان أوجد في داخله الفطرة السليمة، وهي عبارة عن ذلك الشعور المغروس في النفس البشرية، وبشكل تكويني والذي أوجده في الإنسان هو الله سبحانه (54). وهذه الفطرة عبر عنها الله تعالى في محكم كتابة بالصبغة من خلال قوله: {صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون} 55 وقد بيّن الإمام الصادق (عليه السلام) معنى الفطرة بجوابه حينما سُئل عنها بأنها: التوحيد والإسلام ومعرفة الله سبحانه. (56) لقد أردت فاطمة الزهراء (عليها السلام) أن توقظ من خلال دعائها فطرة الناس التي اندثرت أو تهالكت بسبب غلبة الأهواء والغرائز، وتوجيه الناس نحو عظمة الله الخالق القادر على كل شيء، وأرادت أن تنبه الناس من الغفلة التي قد سكنوا إليها وهم غير منتبهين، بل هم سائرون في طاعة الدنيا، بعيدون عن الله سبحانه. وقد أكدت (عليها السلام) ذلك بقولها: "امسح ما بي يمينك الشافية، وانظر إليِّ بعينك الراحمة، وأدخلني في رحمتك الواسعة، واقبل إليِّ بوجهك الذي إذا أقبلت به على اسير فككته، وعلى ضال هديته، وعلى جائز أديته، وعلى فقير أغنيته، وعلى ضعيف قوّيته، وعلى خائف امنته، ...يا من سدَّ الهواء بالسماء، وكبس الأرض على الماء"، كل هذه الجمل في الحقيقة هي ألطاف لا يقدر على تحقيقها غير الله القادر، هو وحده وليس غيره، فإذا ما تمعن الإنسان بقدرته سبحانه حال عن غيره، والتجأ له، وعبده حق عبادته. الخاتمة وأهم النتائج 1. إن الدعاء هو من أهم العبادات وأشرفها والتي يجب على المؤمن أن يتخلق بها ليتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى. 2. للدعاء أهمية بالغة أقرها الله عز وجل على عباده وجعله الوسيلة لتحقيق مطالبهم. 3. تعتبر السيدة الزهراء (سلام الله عليها) النموذج الكامل والمتكامل ذاتيًا وتربويًا، فهي مجمع للكمالات البشرية، وهي بنة وزوجة وأم للمعصومين (عليهم السلام). 4. إن للزهراء (عليها السلام) دورًا كبيرًا في التبليغ والإرشاد والوعظ للأمة الإسلامية مارسته في بطرق عديدة وأحدها هو الدعاء. 5. تمثل أدعية السيدة الزهراء (عليها السلام) مورداً فكرياً للفرد المؤمن في تحصيل المعرفة الحقة. 6. إن دعاء السيدة فاطمة (سلام الله عليها) ضم في طياته نوعين من الأدعية التي ذكرها القرآن الكريم وهما دعاء الأنبياء ودعاء الصالحين. 7. اشتمال دعاء طلب تفريج الهموم والغموم على العديد من الأبعاد العقائدية التي أرادت الزهراء (عليها السلام) بيانها من خلال هذا الدعاء. 8. إن من النكت الدلالية في هذا الدعاء عقد العزم على التوكل بالله الواحد القادر في كل حاجة ومطلب. 9. افتتاح مستهل الدعاء بكلمة (اللهم) له دلالة على ابداء الخضوع والخشوع لله سبحانه القادر على قضاء الحاجة وتفريج الهموم والغموم. 10. توجيه النداء بدعاء الزهراء (عليها السلام) لله جل وعلا بـ اللهم وبالأسماء الحسنى وبالاسم الأعظم دلالة على تعظيم المدعو من قبل الداعي. 11. أكدت الزهراء (عليها السلام) أن حصول الدعاء والتوجه إلى الله تعالى لابد له من واسطة تتوسط في إجابة الدعاء بين العبد وربه، وهذه الواسطة هم الرسول وأهل بيته (عليهم أفضل الصلاة والسلام). 12. جاء التأكيد من قبل سيدة نساء العالمين بأن حصول التوجه الذي يكون سبباً للإجابة مقرون بمعرفتهم، فلابد من معرفة النخب التي انتخبها الله لعباده معرفة صحيحة ليحصل التوجه الصحيح المؤدي إلى الإجابة. 13. ان اختتام الدعاء بذكر صفة من الصفات الإلهية المهمة وهي الكريم يدل على تأكيد التوكل بالله عز وجل، والعزم على الدعاء الذي يقرب العبد إلى مولاه وتوكيد العلاقة بينهما. والحمد لله رب العالمين. _____________________ 47. سورة النساء، الآية: 59. 48. ينظر، السبحاني، جعفر، محاضرات في الإلهيات، ص347, 49. ينظر، الريشهري، محمد، موسوعة العقائد الإسلامية، ج3، ص467. 50. سورة البقرة، الآية: 186. 51. ينظر، الحيدري، كمال، التوحيد، ج2، ص372. 52. الصفار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات، ج1، ص228. 53. ينظر، بحر العلوم، محمد علي، الإمامة الإلهية، ج1، ص425. 54. ينظر، الخوئي، أبو القاسم، بحوث عقائدية، ص26. 55. سورة البقرة، الآية: 138. 56. ينظر، الكليني، الكافي، ج2، ص12، ح1ــ3.
اخرىبقلم: صفاء الندى ها قد أغلني الله من أجلك أيها الإنسان، فلم تخمد نار حقدي على أبيكم آدم الذي بسببه أخرجت من الجنة مذمومًا ذليلًا حتى أفجع مرة أخرى بسلب خاصية الوسوسة مني في هذا الشهر، إذًا ﻷرى ما أنتم فاعلون بدوني! فطوال العام تتحججون بي وترمون خطاياكم علي! هل مثلًا ستصبحون مطيعين لربكم طاعة تامة كالملائكة بلا وسوستي؟! هل ستصلون لمقام الأنبياء والأئمة في هذا الشهر بطهارة نفوسكم وعمق عباداتكم وإخلاصكم؟! هيا أقنعوني أنكم أفضل الآن! من هذا الذي يتحدث وبصلافة -الشيطان!- مه أيها المتكبر العنيد والمطرود الآيس من (رحمة الله) ما لك ولنا، أتستهزئ بنا؟ هل أغاظك أن شملنا الله تعالى بلطفه ورحمته في شهره الكريم؟ أتخشى أن نتحرر من قيودك وخدعك وأمانيك التي هي سراب ما إن نصل إليه يتبدد ويتلاشى لتذوب بعدها قلوبنا حسرة وندامة؟ دعنا وربنا -أخرج منا- إلى متى تظل تسير بخيلاء في عروقنا؟! فلم ينجُ منك حتى الأجنة في بطون أمهاتهم ولا الشيخ الهرم الآيل للسقوط في حفرة النهاية الحتمية من جعلك رقيبًا ومترصدًا وحسيبًا على الإنسان؟ من كلّفك بهذا الأمر المهين؟ من سوّل لك أن تقوم بكل تلك الأفاعيل المشينة؟ هل أنا الإنسان فعلت بك كل هذا وما عسى أن يبلغ قدري وقوة تأثيري وقد خُلقتُ ضعيفا؟ يا إلهنا يا ربنا شكرًا لك... فثنائي عليك متواصلًا أبدًا سرمدًا أن بصرتنا بحالنا وعرفتنا حقيقتنا وأين يقع مكمن الخلل فينا، فشهرك العزيز رمضان بنوره النافذ في جميع نواحينا وجزيئاتنا كشف لنا خواء معاذيرنا وضآلة أرواحنا الساكنة فينا، هل تسمع أيها الشيطان -إنها نفسي ونفسك- هي السبب، هي الجاني الرئيسي! إذًا فلنكف عن رمي كرة الخطيئة المتدحرجة بيننا منذ زمن! فلنعترف أننا سيئون لأننا اخترنا أن نكون كذلك، أنت وأنا فلنتوقف ولنعد إلى رشدنا ووعينا، إنه شهر الله ذو الفضل والنعم الجسيمة، ففيه تتخفف أنت يا إبليس من ذنب الإغواء مكرهًا وصاغرًا بقدرة الله (عز وجل) أما أنا فليتني أستطيع أن لا أعصي ربي هي أمنيتي على الدوام! وهذا الشهر فرصة ومنحة إلهية لكي تتحقق وتصبح واقعًا متجسدًا في أعماقي وليس أحلام يقظة واهية، نعم، ولمَ لا ، فقد كفاني الله القتال على جبهة الشيطان وجعله مسجونًا بعيدًا عني وتركني وحيدًا مع نفسي... أنا عاجز عن شكرك يا رب، لقد عرفت أين مصدر الخير أو الشر إن أردت... لقد عرفت أين يجب أن تكون معركتي ومع من... إنها مع نفسي التي بين جنبي...
اخرىبقلم: يا مهدي أدركني الفصل الثاني: الشكوى (....وَرَضِيَ بِالذُّلِ مَنْ كَشَفَ عَنْ ضُرِّهِ...). بيان معاني المفردات: رضي: وهي مشتقة من الرضا، وهي طيب النفس والقناعة. الذل: هو الانكسار والخضوع، ذل الرجل اي حقِّر الرجل. كشف: اي رفع عنه ما يغطيه. الضُر: وهو الشدة والبلاء وسوء الحال. شرح الحكمة: في هذه الكلمات يحذر أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) عن خصلة أخرى قد تصيب قلوب البعض وتؤدي بالنفس التي كرمها الله تعالى الى الذل والمهانة. مخدوع من يعتقد أن الدنيا دار راحة، وإنما هي دار للبلاء وفيها تمحيص واختبار لعباد الرحمن فمن وقع عليه البلاء وصبر وشكر فله أجر غير ممنون، قال عز من قائل { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (سورة الزمر: آية 10). ولكن يجب أن نضع بالحسبان أن من أهم خصائص الصبر هو عدم الشكوى وإلا فإن من اشتكى فقد ذهب صبره كذرات رمل هبت عليها ريح عاتية، وهذا يعني أن الصبر والشكوى أمران لا يجتمعان إلا في حالة واحدة ، وهي: فيما إذا كان المشتكى إلى الله تعالى، فهو أمر غير منهي عنه فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم حكاية عن نبيه يعقوب (سلام الله عليه) {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (سورة يوسف: آية 86)، وقد جاء في معنى قوله تعالى (فصبر جميل) هو الصبر الذي لا شكوى فيه، فقد جاء في تفسير البرهان عن الحسين بن سعيد في كتاب التمحيص عن جابر قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ما الصبر الجميل؟ قال: ذلك صبر ليس فيه شكوى لأحد من الناس إن إبراهيم بعث يعقوب الى راهب من الرهبان عابد من العباد في حاجة فلما رآه الراهب حسبه الراهب إبراهيم فوثب اليه فاعتنقه ثم قال: مرحبًا بخليل الرحمن فقال له يعقوب: لست بخليل الرحمن ولكن يعقوب بن اسحاق بن إبراهيم، قال له الراهب: فما الذي بلغ بك من الكبر؟ قال: الهم والحزن والسقم. قال فما جاز عتبة الباب حتى أوحى الله إليه: يا يعقوب شكوتني الى العباد فخر ساجدًا عند عتبة الباب يقول: رب لا أعود فأوحى الله إليه إني قد غفرت لك فلا تعد إلى مثلها فما شكى شيئًا مما أصابه من نوائب الدنيا إلا أنه قال يومًا: (إنما أشكو بثي وحزني الى الله...) (4). من هنا يتضح أن الشكوى لله لا توجب المذلة، بل بالعكس فإنها تقوّي العلاقة بين العبد وربه تلك العلاقة التي من شأنها ترفع قدر المؤمن وتعزه، وعلى طرف النقيض نجد أن الشكوى لغير الله مذلة. إن من أسباب الشكوى هو اعتقاد الشخص بأنه بعد أن يبث ألمه وما يختلج قلبه من همٍّ فإنه سيرتاح ويخف عنه ذلك الألم -فيما إذا استمع له الآخرون- ولكن أليس من الجدير أن تكون الشكوى لله تعالى؟! وهذا ما أدبنا عليه أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم)، فهناك الكثير من الروايات التي تؤكد على كتم الألم وتحمل المرض وعدم الشكاية، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال (قال الله (عز وجل) أيما عبد ابتليته ببلية فكتم ذلك من عواده ثلاثًا أبدلته لحمًا خيرًا من لحمه ودمًا خيرًا من دمه وبشرًا خيرًا من بشره فإن أبقيته أبقيته ولا ذنب له وان مات مات الى رحمتي) (5). والشكوى مرة تكون لمحب فيتألم لصاحبه مما نزل فيه، ومرة تكون لعدو فيسر ويشمت لما نزل به من ألم وضُر، لذا ينهى أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) من أن يكشف الرجل ما نزل به من ألم فيكون ذليلًا بين الناس، في الوقت الذي لا فائدة ترجى من هذه الشكوى سوى سرور العدو وحزن المحب. الفصل الثالث: في حفظ اللسان (...وَهَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ مَنْ أَمَّرَ عَليْهَا لِسَانَهُ). بيان معاني المفردات: هانت: من الهون أي استخف بالشيء وجعله ذليلًا. أمَّر: اي جعل عليها أميرًا، يقال أمر على القوم اي صار عليهم أميرًا فيجب ان يطاع. شرح الحكمة: نجد في هذه الانتقالة الى المقطع الأخير من هذه الحكمة البلاغة في التعبير، فبعد أن عرج (سلام الله عليه) إلى كشف الضر بالشكوى التي تتحقق بالكلام، ختم قوله بموعظة عن اللسان، تلك الجارحة التي إذا لم يحسن صاحبها ترويضها فإنها تغلبه وتقهره وتجعله أسيرًا لها. إن الله تعالى أنعم على الإنسان نعمًا عظيمة، ومنها نعمة اللسان، تلك النعمة التي إن أحسن استخدامها جنى من ورائها ثوابًا عظيمًا وإن أساء استخدامها كانت سببًا في هوانه وهلاكه. لذا نجد تأكيد أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) على التفكر مليًا قبل الكلام، وفي حديث عن الإمام الباقر (صلوات الله وسلامه عليه) يقول: "إنما شيعتنا الخرس" (6) وقد قيل (إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب) وقيل أيضًا (خير الكلام ما قل دل). ولعل هذا التأكيد على التزام الصمت والتكلم عند الحاجة فقط يعود إلى أن هناك الكثير من الذنوب التي ترتكب من خلال تلك الجارحة كالغيبة والنميمة والبهتان والافتراء والكذب وشهادة الزور وما إلى ذلك من ذنوب ومعاصٍ تقصم ظهر حاملها، وتؤدي به إلى النار لا محالة، فيما إذا لم يتمكن من ترويض تلك الجارحة ويمسك بزمامها ويجعلها طوعًا له. إن اللسان هو زينة العالم وبهاء العابد، فكن انت أميره وصاحبه، أطلق له العنان في تقديم النصح لإخوانك، وبذل ما تعلمته، فزكاة العلم نشره، فلا تبخل على غيرك به، فتلقى ربك بنفس ممتلئة بتلك المعلومات فتحاسب على عدم بذلها للآخرين، واجعل من عادته –اللسان- شكر المخلوق، فمن لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، وأجعله يلهج بالاستغفار ليرتقي منزلة المناجاة فيجعل من قلبك حرمًا لخالقك، ولكن حذار من أن يكون هو أميرك فتهون عليك نفسك. ختامها مسك: وخير ما نختم به كلامنا قول الله (عز وجل): {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} (7) نجد أن الله تعالى كرّم تلك النفس الإنسانية ونفخ فيها من ذلك المخلوق الذي شرفه الله تعالى ونسبها إلى نفسه فقال (من روحي)، لذا نجد أن أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) اهتم بها وحث على تكريمها وعدم تهوينها ببعض ما تبتلى به من أمراض، فعلى المؤمن أن يكون واعيًا وذا همة عالية في الحفاظ على تلك الأمانة الملكوتية. والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين. __________________________ 1- جامع السعادات للشيخ النراقي، ج2،ص108. 2- منقول من نفس المصدر السابق. 3- كتاب كلمة الله للشهيد السيد حسن الحسيني الشيرازي: حسن الظن بالله، ص76. 4- تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي: ج11، ص243. 5- المصدرالكافي للشيخ الكليني. جزء 3، ص 115. 6- منقول من كتاب خمسون درسًا في الأخلاق للشيخ عباس القمي عن كتاب الكافي:ج2، ص92، ح2. 7- سورة الحجر: آية (28،29).
اخرى